تصعيد المقاومة العراقية، الهجرة إلى فرنسا
مقدم الحلقة: | جميل عازر |
ضيف الحلقة: | وديع أبو نصار: خبير في الشؤون الكنسية |
تاريخ الحلقة: | 01/11/2003 |
– انتخابات المجالس البلدية في إسرائيل
– التصعيد العسكري على الحدود اللبنانية الإسرائيلية
– تصاعد الهجمات على القوات الأميركية في العراق
– بول وولفويتز شخصية الأسبوع
– تشديد الإجراءات على الهجرة إلى فرنسا
– حزب المحافظين البريطاني والبحث عن زعيم جديد
– العلاقة الصينية الأميركية
جميل عازر: مشاهدينا الكرام، أهلاً بكم إلى هذه الحلقة من (الملف الأسبوعي)، وفيها:
إسرائيل انتخابات محلية، ما أهميتها في المرحلة الراهنة؟ وما وضع المجالس البلدية في مناطق التجمعات العربية؟
ملف العراق تصاعد في الهجمات، ووزير الدفاع الأميركي يتحدث عن إنجازات رغم اعترافه بصعوبة الأمر الواقع.
والهجرة إلى فرنسا تشديد الإجراءات حتى قبل تفعيل قانون ينظم التعامل مع المهاجرين وطالبي اللجوء.
انتخابات المجالس البلدية في إسرائيل
أجريت في إسرائيل انتخابات المجالس البلدية التي تشمل أيضاً المجالس في المدن ومناطق التجمعات العربية، ولئن بقي عرب الـ 48 في أرضهم وديارهم يوم النكبة قبل خمسة وخمسين عاماً فإنهم ظلوا يخضعون إلى العيش أولاً تحت أحكامٍ عرفية، كما أنهم لا يزالون يُعتبرون مواطنين من الفئة الثانية، رغم تمثيلهم نيابياً في الكنيست، فالمجالس البلدية العربية لا تعامل سياسياً ومالياً كنظيراتها اليهودية، الأمر الذي يؤثر على تطوير المناطق العربية داخل إسرائيل، وهناك قطاع كبير من الإسرائيليين بمن فيهم المتطرفون يعتبرون هؤلاء العرب خطراً مباشراً وتهديداً فعلياً لبقاء إسرائيل على المدى البعيد.
تقرير/ وليد العمري-رام الله: إذا كان المواطنون العرب في إسرائيل يصوتون في الانتخابات للسلطات المحلية لدوافع عائلية وحمائلية في أغلب الأحيان لاختيار مرشحيهم، فاليهود في إسرائيل لا يختلفون عنهم كثيراً، الشرقيون في أغلبيتهم يميلون إلى ابن جلدتهم، وكذلك الغربيون والروس وغيرهم.
نتائج الانتخابات الأخيرة التي شارك فيها 40% من أصل ثلاثة ملايين وسبعمائة ألف من أصحاب حق الانتخاب، وشملت مائة وستة وخمسين بلدية ومجلس محلي دلت رغم ضعف الإقبال على استياء متنامٍ إزاء الأوضاع الاقتصادية، لكنها لم تؤثر على هيمنة حزب الليكود الحاكم على المستوى الإسرائيلي، حيث لازالت سياسات رئيس الحكومة (أرئيل شارون) المتشددة تجاه الفلسطينيين تحظى بشعبية كبيرة، فجاءت نتائج هذه الانتخابات رغم تباين شخصيات الفائزين في الوسط اليهودي انعكاساً لمدى نفوذ اليمين على اختلاف تشكيلاته السياسية.
د. محمود يزبك (محاضر في جامعة حيفا): الوضع السياسي الإسرائيلي اليميني الذي أثر تأثير مباشر في هذه الانتخابات فالمجتمع الإسرائيلي يتجه يميناً ورؤساء السلطات المحلية الذين انتخبوا في الوسط اليهودي هم كذلك من اليمين، حتى هؤلاء الذين انتخبوا باسم اليسار يخجلون أن يقولوا أنهم من اليسار أو من حزب العمل، ولذلك هذه الانتخابات في النهاية تعكس الصورة الحقيقية للمجتمع الإسرائيلي: عنصرية ويمينية وتطرف أكثر وأكثر وأكثر.
وليد العمري: المراقبون يتفقون في أغلبيتهم على أنه لا يمكن فصل الانتخابات المحلية تماماً عن الصورة العامة، هذه الانتخابات كانت في غاية الأهمية بالنسبة لرئيس الوزراء شارون، واعتبر البعض أن الليكود قد تلقى فيها صفعة إذ فقد سيطرته على ثلاث من ثمان مدن رئيسية كان يسيطر عليها قبل الانتخابات، بينما وسَّع حزب العمل الذي يمثل تيار يسار الوسط سيطرته على مدينتين إضافيتين، وردَّ الخبراء ذلك إلى أداء حزب العمل في المعركة الانتخابية، وليس إلى شعبية مواقفه السياسية.
شارون من وجهة نظر أغلبية الإسرائيليين لم يفِ بتعهداته الانتخابية، خاصة القضاء على الانتفاضة الفلسطينية المتواصلة منذ أكثر من ثلاث سنوات، وذلك على الرغم من استخدام الجيش الإسرائيلي معظم قوته للبطش بالفلسطينيين واحتلاله من جديد لمناطق السلطة الفلسطينية لا سيما بالضفة الغربية.
قدرة الفلسطينيين على الرد فاقمت من التباطؤ الاقتصادي الذي أدى إلى ارتفاع البطالة، ومما زاد الطين بلة بالنسبة لأصحاب الدخل المحدود سياسة خفض الإنفاق العام التي يطرحها وزير المالية الليكودي (بنيامين نتنياهو) كأساس لمشروع موازنة عام 2004، وأيضاً فضيحتا فساد ورشاوى تحاصران شارون وابنيه.
على كل حال الانتخابات للسلطات المحلية في إسرائيل تعكس بالدرجة الأولى الخطوط العرقية والدينية للمجتمع الإسرائيلي، وإن كانت تلقي بالمزيد من الضوء على الهموم السياسية والاقتصادية والأمنية.
وليد العمري -(الجزيرة)- خاص لبرنامج (الملف الأسبوعي).
جميل عازر: وينضم إلينا من الناصرة (المحلل السياسي) وديع أبو نصار. أستاذ وديع، بداية يؤخذ على هذه الانتخابات انخفاض نسبة المصوتين فيها في الأوساط اليهودية وليس العربية، إلى ماذا تعزو هذا الانخفاض؟
وديع أبو نصار: نعم، أعزو هذا.. هذا الانخفاض إلى ثلاثة أسباب رئيسية: السبب الأول: هو توجد حالة من اليأس والإحباط في.. في صفوف الإسرائيليين من الساسة حتى على المستوى البلدي.
السبب الثاني: حالة الضياع التي تشهدها الكثير من البلديات بسبب شح الميزانيات وخاصة الأزمات المتفاقمة مما دفع الكثير من المواطنين إلى رؤية.. عدم رؤية أي أمل من.. أو أي جدوى من المساهمة في هذه الانتخابات بحجة أنها لن تؤثر كثيراً، لأن الأزمة الخانقة تأتي من الحكومة المركزية أكثر من.. من الحكومة المحلية.
السبب الثالث: أستطيع القول هو أن غالبية المرشحين كانت تُحاك حولهم العديد من القصص التي تتعلق إما بمصالح فئوية أو شخصية مما دفعت الكثير من الناخبين إلى التزام منازلهم في يوم الانتخابات.
جميل عازر: طيب، هل تعتقد أن هناك وعياً أكبر لأهمية هذه الانتخابات في الأوساط العربية خاصة وأن وزير الداخلية الإسرائيلي قال: إن انخفاض نسبة المصوِّتين يعتبر دليلاً على عدم إدراك هذه الأهمية؟
وديع أبو نصار: يعني هو ليس بالضرورة قضية وعي، يعني نحن شاهدنا مثلاً في الانتخابات الأخيرة للكنيست الإسرائيلي كانت نسبة التصويت بين المواطنين العرب هي أدنى نسبة في تاريخ الانتخابات للكنيست حيث تعدَّت بقليل نسبة الـ 60%، في حين أن مُعدَّل التصويت في الوسط العربي للسلطات المحلية فاقت في بعض الأحيان أو في بعض المناطق الـ 90%، مع أنه كان بعض في أماكن أخرى أقل من معدَّله، ولكن ما أستطيع أن أقوله هو أن بالنسبة للمواطن العربي خاصة في القرى العربية القضية قضية حمائلية، قضية شخصية، قضية مصالح مباشرة، ومن ثَمَّ فإنها تهم المواطن، أضف إلى ذلك إن.. أن الانتخابات تجري بالأساس على أسس -للأسف- طائفية أو حمائلية في أغلب القرى والتجمعات العربية مما يجعل كل مواطن جزءاً أو شريكاً مهماً في هذه العملية الانتخابية.
جميل عازر: طيب، هل يمكن اعتبار النتيجة مقياساً للمزاج السياسي في الشارع في إسرائيل؟
وديع أبو نصار: يعني باعتقادي أن الانتخابات بالأساس يجب التنبه هنا -أخي- إلى أمرين، الانتخابات للسلطات المحلية تجري بشكلٍ متوازن للرئاسة وللعضوية، بالنسبة للرئاسة بتقديري غالبية التصويت جرى بالأساس على.. على أساس شخصي حول العلاقة بالأساس عندما نتحدث عن الوسط العربي حول العلاقة أو الصورة التي تركها المرشح لدى الناخبين من خلال علاقاته الشخصية أو من خلال برنامجه، أما بالنسبة للعضوية فما من شك يعني أنها أثرت بعض الشيء، كان هنالك تأثير مزدوج، من جهة كان هنالك التأثير الحمائلي، ولكن في المدن أو القرى الكبرى كان هنالك التأثير أيضاً الطائفي أو السياسي في الكثير من الأحيان، ولكن ما من شك أنه إذا أجملنا نستطيع أن نقول أنه في حال مثلاً الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة التي تحوي الحزب الشيوعي استطاعت أن تحافظ على وزنها بعض الشيء في السلطات المحلية في حين أن الحركة الإسلامية تراجعت، وأن التجمع الوطني الديمقراطي برئاسة عضو الكنيست عزمي بشارة فشل حتى اللحظة بتبوء أي رئاسة منصب في أي رئاسة مجلس محلي في الانتخابات.
جميل عازر: طيب، بالنسبة لوضع المجالس البلدية في المناطق العربية داخل إسرائيل، هل تعاني من تمييز في نظر الحكومة المركزية؟
وديع أبو نصار: نعم، هذا صحيح يعني ما.. ما أستطيع أن أقوله -أخي الكريم- إنه للأسف هذا أمر واضح وبديهي بالرغم من ادعاءات الحكومة بأنه لا تمييز، ولكن هنالك العديد من الوسائل التي تستعملها الحكومة للتمييز، فهنالك ما يسمى بالميزانية العادية وميزانية التطوير وفي التي تخصص من قِبَل الحكومة المركزية للسلطات المحلية على اختلافها، ومن ضمنها العربية.
ما أستطيع أن أقوله -أخي- هو أن المستوطنات تحظى بأولوية من حيث نسبة الدعم الحكومي، ومن ثم تأتي البلدات اليهودية، ومن ثم فقط البلدات العربية، يعني البلدات العربية التي يتمتع أو التي يحسب رؤساؤها موالون للحزب الحاكم في أحسن الأحوال ينالون 70% ما يناله اليهودي.. زميلهم اليهودي، ومن ثم هنالك تمييز مجحف ومن الممكن أن نعطي الكثير من الأمثلة، ولكن لضيق الوقت أكتفي بهذا الأمر.
جميل عازر: طيب باستثناء الشركس والدروز في إسرائيل يحظر على العرب الخدمة في القوات المسلحة الإسرائيلية، هل تعتقد أن عندما تقول إن هناك تمييزاً ضد المجالس البلدية، بينما نرى بعض النواب العرب في الكنيست، هل هناك تناقض في هذا الموقف؟
وديع أبو نصار: لأ، لا يوجد تناقض أخي، المهم توضيحه أنه ليس بالضرورة هنالك حظر، ولكن لا يوجد خدمة إجبارية، يعني هنالك قانون يفرض على الدروز والشركس أداء الخدمة الإجبارية في الجيش الإسرائيلي، بينما لا يفرض ذلك على العربي المسيحي والمسلم، مع العلم أن الخدمة العسكرية هي كانت عبارة عن دعاية استخدمها اليمين الإسرائيلي كحجة لعدم إعطاء المواطنين العرب مواطنتهم متناسين أن الخدمة العسكرية لم تكن أبداً معياراً في إعطاء المواطن حقوقه، من جهة ثانية قضية مشاركة أعضاء الكنيست عرب في.. في الحياة البرلمانية الإسرائيلية، بتقديري هذا أمر مهم جداً، ومن المهم جداً أن يستغل هذا المنبر مثل استغلال منابر أخرى أيضاً بهدف محاولة تخفيف حدة التمييز المجحف الذي يتعرض له العرب.
ما من شك أن بعض أعضاء الكنيست ناشطون في هذا المجال، ولكن هنالك مجال كبير جداً للمزيد من الجهود التي يجب أن تبذل من هؤلاء.
جميل عازر: وديع أبو نصار في الناصرة، شكراً جزيلاً لك.
التصعيد العسكري على الحدود اللبنانية الإسرائيلية
في هذه الأثناء حذر الممثل الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة في لبنان من مغبة مزيد من التصعيد على الحدود اللبنانية الإسرائيلية، وقال (ستيفان دي ميستورا): إن على السلطات اللبنانية أن تحد من استعمال القوة عبر حدودها، وإذا كان في هذه الإشارة تلميح من المبعوث الدولي إلى وجوب سيطرة الحكومة اللبنانية على حزب الله فإنه وضع إصبعه على محور العلاقة ومصدر أي توتر بين الحزب من جهة والسلطات اللبنانية والسورية من جهة أخرى، وإذ جاءت هجمات حزب الله على مواقع عسكرية إسرائيلية، في مزارع شبعا وسط تذمر الحزب من تردد الإسرائيليين في تبادل الأسرى، فإن المقاومة اللبنانية في الجنوب تلعب بورقتها الضاغطة على تل أبيب وعلى دمشق وبيروت في الوقت نفسه.
تقرير/ سمير خضر: لم يشكل اشتعال الجبهة اللبنانية مفاجأة للقيادة العسكرية الإسرائيلية، فمقاتلو حزب الله لم يلقوا السلاح رغم نجاحهم في طرد المحتل الإسرائيلي من الأرض اللبنانية، ولا تزال هجماتهم تشكل كابوساً للقيادة العسكرية في تل أبيب، إذ إن حزب الله يتذرع باستمرار احتلال إسرائيل لجزء من الأرض اللبنانية في منطقة مزارع شبعا لمواصلة ضغطه.
الهجوم الأخير الذي شنه مقاتلو الحزب بدا وكأنه رسالة موجهة إلى إسرائيل، فقد كان هجوم تحريك لا تحرير، تحريك لملف الأسرى الذي يعتبره حزب الله اليوم أحد أولوياته، ولذا انبرى زعيم الحزب حسن نصر الله إلى التلويح بإجراءات أخرى إذا ما استمرت إسرائيل في المماطلة في عملية تبادل الأسرى، التي يتم التفاوض عليها منذ سنوات عبر وساطة ألمانية، وكان نصر الله واضحاً في تلميحاته إلى أن إسرائيل تبدو وكأنها قررت عدم المضي قدماً في عملية التبادل لرغبتها في خلط الأوراق على الساحة، فهي -أي إسرائيل- تعلن للوسيط الألماني استعدادها لتنفيذ الصفقة، وفي الوقت نفسه تزيد من الضغوط على سوريا سياسياً وعسكرياً، لتحقيق أهداف معينة مثل السيطرة على حزب الله قبل تبادل الأسرى، وإلا فإنها ستُفشل ما تم الاتفاق عليه مع حزب الله.
وما قانون محاسبة سوريا الذي صوَّت عليه مجلس النواب الأميركي أخيراً، إلا حلقة في سلسلة الضغوط التي تمارس على دمشق، لحملها على الإذعان للإرادة الأميركية من أجل تقويض أسس التنظيمات الفلسطينية التي تناهض إسرائيل، وكبح جماح حزب الله اللبناني، الذي نجح في أن يتجسد كابوساً لكل من يتبوأ كرسي الحكم في إسرائيل.
ولم يكن الكونجرس الأميركي ليمضي في التصويت على هذا المشروع دون ضوءٍ أخضر من البيت الأبيض، الذي لم يقل صراحةً أنه يتبنى المشروع، لكنه ألمح إلى أنه لن يقف عقبة في طريق إقراره.
ولا يبدو أن تلميحات دمشق الأخيرة حول استعدادها للرد على أي هجمات إسرائيلية تستهدفها قد أُخذت كثيراً على محمل الجد، لكن واشنطن سارعت إلى التقاط الرسالة السورية وإلى تحميل ما قاله وزير الخارجية فاروق الشرع أكثر مما يحتمل.
الوضع كما هو اليوم في الجنوب اللبناني أقرب ما يكون إلى حالة من الترقب والتربص، تجمع بين عدد من اللاعبين، تتباين مصالحهم ودوافعهم، لكنها تلتقي في بعض الأحيان، إما لدرء خطر الانزلاق إلى مواجهة شاملة، وإما لتهدئة مؤقتة، ريثما يتم التعامل مع جبهة أخرى تشتعل.
تصاعد الهجمات على القوات الأميركية في العراق
جميل عازر: يمكن القول إن بغداد لم تكن ساحة معركة منذ انتهاء العمليات الرئيسة بقدر ما كانت عليه في الأيام القليلة الماضية، وقد تناولت وسائل الإعلام عدد القتلى من جنود قوات الاحتلال، أي البريطانيين والأميركيين إذ تجاوز عدد من سقط منهم أثناء الحرب، وفي المقابل انبرى وزير الدفاع الأميركي إلى إحصاء ما وصفها بإنجازات وقارن ذلك بما حققته قوات الاحتلال الأميركية في ألمانيا واليابان بعد نهاية الحرب العالمية الثانية عام 45، ولكن (دونالد رامسفيلد) معذور إذا بدا مبالغاً، لأن الحرب على العراق كانت نتيجة لبعض.. لبعضٍ مما تفتقت عنه قريحته، أما تبعاتها فلم يحسب لها ما يكفي من الحسابات.
تقرير/ حسن إبراهيم: موجة انفجارات روَّعت بغداد والفلوجة والموصل، وضحايا بالعشرات في أول أيام رمضان، وإذ تجاوز عدد قتلى الجيش الأميركي منذ إعلان الرئيس بوش نهاية العمليات العسكرية الرئيسية قبل ستة أشهر عدد الذين قتلوا أثناء الحرب نفسها، و(دونالد رامسفيلد) يتهم نائب رئيس الجمهورية العراقي السابق عزة إبراهيم الدوري بإدارة عمليات المقاومة المتصاعدة، وكان الرئيس العراقي قد قسَّم العراق قبيل الحرب إلى أربع مناطق عسكرية، وتولى الدوري مسؤولية تكريت وكركوك.
ويبدو أن الخسائر الأميركية المتلاحقة تلهب الشارع السياسي في واشنطن، مما دفع لجنة الاستخبارات في الكونجرس الأميركي إلى مطالبة وكالة الاستخبارات المركزية الـ CIA بتقديم الأدلة على الخطر الذي كانت تعزوه إلى برامج التسلح العراقية، والتي كانت قد قدَّمتها لإدارة الرئيس بوش، مسوغة بذلك قرار شن الحرب.
أما العراقيون فيتساءلون بغضب عن الغاية من استهداف المدنيين والأمم المتحدة والصليب الأحمر والمنشآت النفطية، بدلاً من حصر المقاومة في مهاجمة قوات الاحتلال مثلاً، إلا أن النظرة إلى هذه الهجمات ومَنْ يقومون بها تتباين بين العراقيين حسب انتماءاتهم، فبينما يعتقد البعض أن المنفذين هم من أنصار صدام حسين والبعثيين، يرى آخرون ومعهم الأميركيون أنهم إرهابيون يتسللون من دول مجاورة قد تكون سوريا أو السعودية أو الكويت أو إيران أو حتى تركيا أو كلها مجتمعة، ويعتبرها بعض العراقيين أعمالاً تخريبية، ويعتبرها آخرون مقاومة مشروعة ضد الاحتلال.
ومن الملاحظ أن الهجمات تنشط في المناطق التي غالبية سكانها من السُنة، بالمقارنة مع الجنوب الشيعي، فتجد مناطق ملتهبة مثل الفلوجة وبعقوبة وديالى وبغداد وتكريت مسقط رأس صدام، وموطن عشيرته، وحتى في كركوك شمالاً، وقد يعزى الهدوء في مناطق الشيعة إلى انشغالهم بمشاكل التنافس حول المرجعية وحول الانتماء، ومع ذلك فهم ليسوا راضين عن الاحتلال إذ هناك أئمة منهم يدعون إلى المقاومة بطريقة سلمية، وربما يتخوفون من الضجة التي يثيرها مقتدى الصدر، فهو نجل آيه الله محمد صادق الصدر، الذي اغتيل إبَّان فترة حكم صدام حسين، ورغم بعض المصادمات بين بعض رجال مقتدى الصدر والقوات الأميركية التي راح ضحيتها أفراد من الجانبين فإنه لا يزال يطاق أميركياً ولو على مضض، لئلا يوجد عسكر واشنطن أنفسهم يواجهون رقعة مواجهات أوسع نطاقاً، وهناك من يخشون من أن يكون تشكيل جيش المهدي مقدمة استعدادٍ لصراع شيعي شيعي على السلطة، عندما تحين اللحظة، فالمدارس في النجف وكربلاء لها مرجعيات متنافسة على النفوذ، رغم أن هذا التنافس لم يصل حد الصراع الدموي باستثناء الشكوك التي دارت حول اغتيال عبد المجيد الخوئي بُعيد سقوط النظام الآفل، وآية الله محمد باقر الحكيم قبل حوالي شهرين.
وهكذا فإن وضع اللوم على عاتق عناصر متسللة لن يعفي العراقيين من المسؤولية عن مستقبل بلدهم، وما عليهم سوى حسن التدبير، مع تصاعد الهجمات أيًّا كان منفذوها.
بول وولفويتز شخصية الأسبوع
جميل عازر: ولما تكن الحرب على العراق سوى ملف كان (بول وولفويتس) نائب وزير الدفاع الأميركي مرجعاً رئيساً فيه، فهذا المحاضر الأكاديمي يقوم بدورٍ بارز في تحديد مسارب السياسة الأميركية، وقد سهل له ذلك كونه منخرطاً في التيار اليميني المتطرف، الذي لا يطيق معارضة بأي شكل من الأشكال، للمواقف الأميركية من القضايا الدولية، فهو يؤيد رئيسه (جورج بوش) في القول: من ليس معنا فهو علينا، في إطار الحرب على الإرهاب، وإذ كاد وولفويتس شخصية الأسبوع في الملف أن يقع فريسة لما يسميه الإرهاب في بغداد التي كان يزورها، فإن نجاته أبقت على عماد من أعمدة التطرف في الإدارة الأميركية.
تقرير/ جيان اليعقوبي: لم يكن بول وولفويتس يتخيل أن صاروخاً سيضرب الفندق الذي كان يقيم في طابقه الثاني عشر في ثاني زيارةٍ له إلى بغداد، بغداد التي جاهد طويلاً وبعناد شديد كي يسقط نظامها، وعلى الخصوص رأس النظام صدام حسين.
يعتبر وولفويتس من حيث الوزن والتأثير السياسي أكبر بكثير مما يوحي به منصبه الرسمي، فهو اسمياً مجرد نائب لوزير الدفاع، ولكنه في الواقع يمارس نفوذاً أقوى من معظم الوزراء في إدارة الرئيس بوش.
وولفويتس هو ابن مهاجر يهودي من بولندا، ولد عام 43 في مدينة نيويورك وتخرج يتفوق من جامعة كورنيل بشهادة في الرياضيات، تبعها بشهادة الدكتوراة في العلوم السياسية من جامعة شيكاغو، وكان في ذلك الوقت من الشبان المتعاطفين مع الحزب الديمقراطي مثله مثل معظم أفراد المجموعة التي تُعرف الآن بالمحافظين الجدد، والتي تتحكم في السياسة الخارجية للبيت الأبيض.
تقلب وولفويتس بدءاً من عام 73 في العديد من المناصب الحساسة التي صقلت خبراته، وكان قد عُيِّن عام 77 نائباً لوزير الدفاع، ثم عاد مع إدارة (ريجان) في أوائل الثمانينات ليشغل عدة وظائف هامة في وزارة الخارجية، وكان في تلك الفترة قد أكمل مع رفاقه تحوُّلهم العقائدي من الحزب الديمقراطي إلى أقصى يمين الحزب الجمهوري مع (جين كيرك باتريك) و(ريتشارد بيرل) و(إليوت إبراهامز) وغيرهم، ثم عاد إلى وزارة الدفاع عام 89 في نفس الوظيفة التي تناوب على شغلها أي نائباً لوزير الدفاع، وبقي في المنصب حتى عام 93، وقد كان خلال السنوات الأربع التي قضاها فيه المحرك الرئيس لخطة تشكيل تحالف دولي لإخراج القوات العراقية من الكويت، ووراء فرض العقوبات الشاملة على العراق، والتي وإن تسببت في إضعاف وتآكل النظام من الداخل والقضاء على أسلحة الدمار الشامل، فقد أدت في الوقت نفسه إلى وفاة عشرات الآلاف من المدنيين الأبرياء، وتدمير البنية التحتية للبلاد.
ثم عاد وولفويتس مرة أخرى إلى نشاطه الأكاديمي حتى جاء الرئيس بوش الابن فعاد مرة أخرى إلى منصبه المحجوز له في البنتاجون.
تتلخص فلسفة وولفويتس في مبدأين:
الأول هو: نهج متشدد رافض لأي فكرة للتعايش مع قوى منافسة للولايات المتحدة، بما في ذلك الأنظمة الديمقراطية حتى لو كانت أوروبية.
والثاني هو: الدعم الاستراتيجي المطلق لقوى اليمين المتشدد داخل إسرائيل، ووولفويتس اليوم هو أحد كبار الداعين لمهاجمة سوريا، كما سبق وأن فعل مع العراق، ولهذا فهو رمز للتشدد حتى بين أكثر أعضاء الإدارة الأميركية تشدداً، وملكي أكثر من ملك إسرائيل نفسها.
جميل عازر: ومن قناة (الجزيرة) في قطر نواصل وإياكم هذه الجولة في (الملف الأسبوعي) وفيها أيضاً بعد فاصل:
المحافظون في بريطانيا حزبٌ معارض ضعيف يبحث عن زعيم جديد للخروج من حظه المتعثر.
[فاصل إعلاني]
تشديد الإجراءات على الهجرة إلى فرنسا
جميل عازر: وإلى فرنسا حيث يشكل التعامل مع الهجرة والمهاجرين شرعيين منهم أم متسللين، قضية بل مشكلة تواجه الحكومة الحالية بتحديات على أكثر من صعيد، ولا تشذ فرنسا في هذا عن مواقف دولٍ أوروبيةٍ أخرى في هذا الصدد، هناك من الدوائر في باريس ما يدعو إلى الواقعية في معالجة المشكلة التي يستغلها اليمين المتطرف لتأليب الرأي العام على الحكومة، وتطالب بوجوب تنظيم عملية الهجرة كجزء من حل أزمة تمويل نظام الضمان الاجتماعي، والنقص المتوقع في الأيدي العاملة بعد حين، ولكن بما أن فرنسا الدولة الأوروبية التي تضم العدد الكبير من المهاجرين، فإن عملية ترحيل مَنْ يعتبرون مهاجرين غير شرعيين دخلت مرحلة التنفيذ حتى قبل تطبيق القانون الذي أقرته الجمعية الوطنية.
تقرير/ عياش دراجي – باريس: يبقى الغرب عموماً وأوروبا خاصة قبلة لمن تهفو قلوبهم لأي هجرة بعيداً عن أوطان ليس فيها من يرعى حقاً أو يدفع إلى القيام بواجب بما يكفي، وتشهد الأيام أن شفرة الشارع الأوروبي باتت تتضاءل تدريجياً وسط زحام بقية الألوان، وللتفاعل مع هذا الواقع صارت الدول الغربية أكثر احترازاً من ذي قبل في التصدي للهجرة غير المشروعة بقوانين صارمة وأكثر حرصاً على توخِّي سياسة واضحة في معالجة موضوع الهجرة بشكلٍ عام.
في فرنسا صادق البرلمان بغرفتيه على مشروع قانون خاص بهذا الملف يفرض قيوداً مشددة على الهجرة والإقامة مما جعل بعض نواب المعارضة يصفونه بالمجحف وأنه معيب لتقاليد الضيافة الفرنسية، ومنهم من يعتزم اللجوء إلى المجلس الدستوري لمراجعة الأمر.
القانون الجديد يلزم كل من يحصل على تأشيرة سياحة بتسجيل بصماته لدى القنصليات الفرنسية، ويطيل فترة الانتظار اللازمة للحصول على إقامة عمل في فرنسا من ثلاث إلى خمس سنوات، كما يعاقب المتورطين في عمليات الزواج الأبيض أو المزيف من أجل الحصول على وثائق إقامة، أما فيما يخص الإيقاف التحفظي الذي كان يخضع له حتى الآن الأجانب المقيمون في فرنسا بصفة غير مشروعة فينص مشروع القانون على تمديد فترة الإيقاف من اثني عشر يوماً إلى اثنين وثلاثين يوماً.
ولعل من أقوى بنوده هو ما يتعلق بالترحيل الفوري للمهاجرين بطريقة غير مشروعة، لا سيما وأن وزير الداخلية الفرنسي قد خطا خطوات طويلة في هذا الاتجاه، وقام بإعادة سبعة آلاف مهاجر غير شرعي إلى بلادهم منذ مطلع هذا العام، ذلك أن الداخلية الفرنسية تسعى إلى ترحيل ما بين عشرين ألف وثلاثين ألف مهاجر غير شرعي سنوياً، وهو العدد الذي تفيد الإحصاءات التقريبية أنه يدخل فرنسا بشكل غير شرعي كل عام، بينما يقدر عدد مثل هؤلاء المهاجرين الموجودين في فرنسا بما بين مائة وخمسين ألف إلى مائتي ألف شخص، ومن المنتظر أن يدخل القانون الجديد حيز العمل به قبل نهاية العام الجاري.
ورداً على اتهامات المعارضة من سياسيين وجماعات حقوق إنسانية تؤكد الحكومة الفرنسية أن حزم القانون الجديد لا يسقط عنه صفة العدالة والإنسانية وأن هدفها هو منع الهجرة غير الشرعية مع الترحيب بالمهاجرين الشرعيين، علماً بأن حكومة (شيراك) اليمينية تركز جهودها على تحقيق الأمن ومكافحة الهجرة غير المشروعة في محاولة لنزع مبررات سياسة اليمين المتطرف الذي يشن حرباً شعواء على المهاجرين، وتشكل الهجرة غير المشروعة وقوداً مستعراً لسياسته.
بعيداً عن الجدل السياسي الآني يؤكد بعض المهتمين بالمستقبل الاقتصادي والاجتماعي أن على فرنسا عدم إغفال مسألة الشيخوخة في المجتمع الأوروبي، ويقولون إنها ستعرف انخفاضاً كبيراً في اليد العاملة بعد عشرين عاماً ويتمنى بعضهم صدور قانون آخر يأخذ بعين الاعتبار الحاجة الاقتصادية والاجتماعية للأجيال القادمة.
عياش دراجي – الجزيرة -لبرنامج (الملف الأسبوعي)- باريس.
حزب المحافظين البريطاني والبحث عن زعيم جديد
جميل عازر: وفي بريطانيا انتزع نواب حزب المحافظين وهو حزب المعارضة الرئيس في البرلمان الثقة من زعيمهم (إيان دانكن سميث) فالمحافظون الذين يبشرون بلا مركزية أسلوب الحكم واتخاذ القرار لم يفيقوا بعد من صدمة الهزيمة التي لحقت بهم في أواسط التسعينات على يد (توني بلير) زعيم حزب العمال الجديد، ولكن احتضان المتحدث باسم الحزب في شؤون الخزانة (مايكل هاورد) ليصبح الزعيم الرابع للمحافظين خلال ست سنوات ونصف مضت قد يكون سابقاً لأوانه، رغم أنه المرشح الوحيد حتى الآن، بالإضافة إلى المساومات والمناورات وراء الكواليس، ولكن أياً كان الزعيم الجديد، فإن واحدة من أولى مهامه ستكون فرض النظام والانضباط في صفوف المحافظين.
تقرير/ أسامة راضي: حزب المحافظين البريطاني يبحث عن وجه قوي يقوده إلى انتصار في الانتخابات القادمة، فالحزب يعمل بشكل مستميت لضمان عدم خسارة جديدة بعد انتكاستين في انتخابات عامي 97 و2001، فالهزيمة في الانتخابات القادمة ستعني اثني عشر عاماً للمحافظين في الظل، وهي فترة كفيلة بنسيان أي ناخب لثقل الحزب الذي يفخر بأنه يوماً كان تحت زعامة (وينستون تشرشل) و(مارجريت تاتشر).
لكن بعض المحللين يرى أن حقبة تاتشر نفسها كانت فصلاً أخيراً لتماسك وقوة الحزب وأن الضعف والخلافات والانشقاقات لم تدب في أوصاله إلا بعد انتهاء تلك الحقبة في عام 90، وفشل خلفها (جون ميجور) في ملء فراغ تركته المرأة الحديدية، ويبدو أن الوهن في هيكل الحزب والخلافات التي تعصف به لم تكن وحدها التي تنال من شعبيته على الساحة السياسية خاصة وأن انخفاض شعبية رئيس الحكومة العمالية بسبب حربه على العراق لم ينعكس على شعبية المحافظين أو زعيمهم المنصرف كما يحدث عادة بالنسبة لحزبٍ معارض رئيس، بل زاد من وقع انخفاض شعبيتهم أيضاً ما أظهرته استطلاعات الرأي من أن حزب الليبراليين الديمقراطيين صار منافساً للمحافظين على مكانتهم كالمعارضة الرئيسية في البرلمان.
(إيان دانكن سميث) الذي انتخب زعيماً للمحافظين بهامش ضيق قبل عامين فشل على ما يبدو في الإبقاء على ثقة نواب حزبه فيه، وحمَّلوه المسؤولية عن عجز الحزب في استعادة هيبته الشعبية أو القضاء على الانقسامات الواضحة في صفوفه نتيجة لسياسات يكرسها دانكن سميث وعلى رأسه موقفه من الاتحاد الأوروبي، وما حجب النواب المحافظين الثقة عنه بأغلبية تسعين صوتاً مقابل خمسة وسبعين سوى دليل على مخاوف حقيقية من الهزيمة مرة ثالثة في صناديق الاقتراع عندما يحين موعد الانتخابات القادمة في غضون عامين، ولكن إخراج إيان دانكن سميث من زعامة المحافظين لا يعني خروجهم من الدوامة التي يجدون نفسهم فيها، ولكنهم مدركون لإلحاحية ضم الصفوف وعليهم أن ينتظروا نتيجة التصويت في الحادي عشر من هذا الشهر لانتخاب زعيم يخلف سميث.
وإذ يرجح العديد من المراقبين أن يفوز بالمنصب (مايكل هاورد) المولود لأبوين يهوديين من رومانيا أصلاً والذي تولَّى مناصب وزارية في حكومات تاتشر وجون ميجور، فإن من غير المرجح أن يتمكن من كسب ثقة الناخب البريطاني إن هو لم يأت بتغييرات جذرية في سياسات المحافظين ومواقفهم من قضايا داخلية وخارجية عديدة على رأسها الهجرة والعلاقات مع واشنطن وبروكسل، ولكن تصريحاته بأنه يؤيد سياسات سلفه ويعوِّل على الأسلوب لا الجوهر في التعاطي معاها لا تبشر بخيرٍ كثير لعودة المحافظين إلى سدة الحكم في لندن، اللهم إلا إذا حدثت معجزة.
العلاقة الصينية الأميركية
جميل عازر: وأخيراً إلى الملف الأميركي الجنوب شرق آسيوي الذي التقت فيه مصالح عملاقين دوليين فبينما يسيطر هاجس التسلح النووي الكوري الشمالي على شطر من اهتمامات واشنطن تتوجس الصين من استئناف واشنطن بيع الأسلحة إلى جزيرة تايوان، وتعلم بكين أنها مفتاح واشنطن إلى عقول وقلوب صناع القرار في بيونج يانج، وربما تستخدم ما لها من دالةٍ على الكوريين لثني واشنطن عن أي تقارب مع تايوان، خاصة في المجالات العسكرية، إلا أن الأزمات الاقتصادية التي تكتنف كوريا الشمالية وعزلتها عن العالم من جهة والهواجس الصينية تجاه تايوان المتقدمة اقتصادياً والتي تخشى حتى من اتحاد مع الصين يماثل وضع هونج كونج من جهة ثانية قد تجعل اللعبة السياسية الرباعية شديدة التعقيد.
تقرير/ مكي هلال: بعد فشل المحادثات السداسية التي احتضنتها بكين في أغسطس الماضي في حسم الخلاف مع كوريا الشمالية حول برنامجها النووي عاد موضوع تسلح بيونج يانج ليطرح بحده خلال زيارتين متزامنتين لوزير الدفاع الصيني إلى واشنطن ورئيس البرلمان الصيني إلى بيونج يانج.
وزير الدفاع الأميركي (دونالد رامفسيلد) احتفى كما يمليه البروتوكول في البنتاجون بنظيره الصيني الذي تُمثِّل زيارته منعرجاً جديداً في مسار العلاقات بين البلدين، بعد أن شابها توتر غير معلن منذ سنتين حينما أُجبرت طائرة استطلاع أميركية على الهبوط الاضطراري في الصين بعد أن اعترضتها طائرة عسكرية صينية.
الزيارة وصفها بيان البنتاجون بأنها كانت مثمرة وبناءة وبعيداً عن البيانات الرسمية يعتبرها المراقبون محاولة من الإدارة الصينية الجديدة التي أعقبت مرحلة (جيانغ زيمين) للعودة إلى واجهة الأحداث الدولية في محيطها الإقليمي على الأقل، وهي التي أمست محاطة بحلفاء جدد وتقليديين للولايات المتحدة، كما أنها سعي جديد لتحريك ورقة كوريا الشمالية ومحاولة للعب دور الوسيط والشريك الكامل للولايات المتحدة في ضبط منطقة جنوب شرقي آسيا وعدم ترك الساحة كلياً لواشنطن حتى لا يفهم موقف بكين على أنه ضعف أو تراجع وما يمكن أن يسببه ذلك من تداعيات في مسألة جزيرة تايوان التي تدعم الولايات المتحدة رغبتها في الاستقلال بينما تصر الصين على موقفها الرافض لما تسميه انفصال الإقليم المنشق.
وضمن المسعى ذاته تُقرأ زيارة رئيس البرلمان الصيني (يوبان جو) إلى كوريا الشمالية، وهو أكبر مسؤول صيني يزور بيونج يانج منذ بداية أزمتها مع الولايات المتحدة، ولعل ما يحسب لهذه الزيارة نجاحها في إقناع كوريا الشمالية باستئناف المحادثات المتعددة الأطراف مع كل من الولايات المتحدة وجارتيها اليابان وكوريا الجنوبية من حيث المبدأ على الأقل وربما بمشاركة روسيا، ويبدو أن بكين تجد أن العرض الأميركي لتقديم ضمانات أمنية إلى كوريا الشمالية لقاء التخلي عن برنامج تسلحها النووي قد يوفر مخرجاً من المشكلة، رغم أن بيونج يانج تطالب واشنطن بإبرام معاهدة عدم اعتداء.
وسواء أكانت المحادثات القادمة سداسية أو ثلاثية أو ثنائية، فإن الصين قد تكون المستفيد الأكبر منها، إذ وظفت الورقة الكورية الشمالية وناورت ببراعة لكسب ود طرفي الأزمة، فبيونج يانج تظل الحليف الوحيد تقريباً في المنطقة وواشنطن هي السوق الأكبر الذي يستوعب كل منتجات الصناعة الصينية الضخمة، ويبدو أن الإدارة الصينية الجديدة التي بدت أكثر براجماتية قد فهمت أن ما تكسبه من دبلوماسية الوساطة والحضور الدولي لهو أكثر مما تحققه سياسة العزلة واحتمالات المواجهة، خصوصاً في مسألة تايوان.
جميل عازر: إذن بهذا نأتي إلى ختام هذه الجولة في (الملف الأسبوعي)، ونذكر حضراتكم بأن بإمكانكم الوصول إلى مضمون هذه الحلقة بالنص والصورة والصوت في موقع (الجزيرة نت) في الشبكة المعلوماتية الإنترنت، أو الكتابة إلى عنوان البرنامج الإلكتروني.
وسنعود في مثل هذا الموعد بعد سبعة أيام لنفتح ملفاً جديداً لأهم أحداث الأسبوع القادم من قناة (الجزيرة) في قطر، فتحية لكم من فريق البرنامج، وهذا جميل عازر يستودعكم الله، فإلى اللقاء.