الهند وباكستان، العلاقات المصرية الإيرانية، حوادث الطيران
مقدم الحلقة: | جميل عازر |
تاريخ الحلقة: | 10/01/2004 |
– العلاقات الهندية الباكستانية
– برويز مشرف شخصية الأسبوع
– عودة العلاقات المصرية الإيرانية وسط اضطرابات المنطقة
– حوادث الطيران المتكررة..إهمال أم جشع الربح؟
– جدار أمني أم سكاني أم عرقي؟
– سوريا وتركيا… عهد جديد شاب من العلاقات
– السودان يحتضن أبناءه
جميل عازر: مشاهدينا الكرام أهلا بكم إلى حلقةٍ جَديدةٍ من الملف الأسبوعي وفيها:
-كشمير وقمة فاجبايي ومشرف، بُؤرة صراع مَصدراً للوفاق، ما قول الكشميريين؟
-القاهرة وطهران مُصالحةٌ وتَطبيع فما هي الحِسابات، وما هي التَوقعات؟
-دولة عَلمانية في فلسطين التاريخية، طَرحٌ قَديمٌ مُجددٌ يَصطَدِم بِجدارِ الفصل الصهيوني بين اليهود والعرب.
العلاقات الهندية الباكستانية
لابد أن يكون أي لقاءٍ بين المسؤولين في الهند وباكستان باعِثاً على الأمل في أن تتمكن الجارتان من إيجاد حلولٍ للمشاكل التي تتسبب في توتر العلاقات بينهما، فاجتماع الرئيس الباكستاني برويز مشرف ورئيس الوزراء الهندي أتال فاجبايي على هامش قمة رابطة دول آسيا الجنوبية للتعاون الإقليمي أضافت بُعداً جديداً و زادت من أهمية القرارات التي اتخذتها الرابطة، ونظراً للمتغيرات الدولية والإقليمية ومُقتضيات مُكافحة الإرهاب العالمي، تَجِد الهند وباكستان في واقع الحال ما يُرغِمهما على البحث عن حل لأخطر مُسَبِّبات النزاع بينهما ولكن الحوار الذي اتفقا زعيماهما على بدئِه لحل مشكلة كشمير لن يُقَدَّر له النجاح من دون إشراك أهل القضية فيه.
[تقرير مسجل]
أحمد بركات [مراسل الجزيرة- إسلام اباد]: لعل أبرز ما حققته قمة سارك الثانية عشر هو مشاركة رئيس وزراء الهند آتال بيهاري فاجبايي بدايةً وما تَبِع ذلك من مُفاجآت جرت على هامش القمة بَدءاً من اللقاءات التي تَمت بين وزراء خارجية الهند وباكستان ثم لقاء جمالي فاجبايي إلى أن تُوِّج الأمر بلقاء فاجبايي-مشرف، ثم الإعلان المُشترك الذي أعتبره العديد من المراقبين مُفاجأة القمة، الإعلان المشترك بين الهند وباكستان شكل مفاجأة أذهلت الكشميريين والجماعات الإسلامية والمعارضة الباكستانية على حد سواء، الاتفاق على استئناف الحوار دون ذِكر أي دور للكشميريين فيه والاتفاق على تعاون مشترك لِمُحاربة ما يوصف بالإرهاب في ظل تباين وجهات نظر البلدين حول تَعريفه سَبَّبَ قلقاً بالغاً للكشميريين الذين بَاتوا يتساءلون عن مصير الحركات التحررية الكشميرية، هل لا زالت تَحَرُّرية أم باتت إرهابية في ظل التَفَاهمات الجديدة؟
وجهات نظر غالبية أحزاب المعارضةِ الباكستانية تكاد تُجمِع على أن الهند تسعى للقضاء على الحركات التحررية الكشميرية من خلال الحوار مع باكستان، الأمر الذي دَفَع زعماء حزب الرابطة وحزب الشعب والأحزاب الإسلامية إلى رفض الاتفاق واعتباره رضوخا للضغوط الهندية وتفريط من جانب باكستان في كشمير، تجاهل دور الكشميريين كَطَرف رئيسي في الصراع دفع رئيس وزراء كشمير الأسبق سلطان محمود خان في مؤتمر صحفي عقده في إسلام اباد برفض الاتفاق الهندي الباكستاني مشدداً على ضرورة إشراك الكشميريين في تقرير مصيرهم، الرئيس برويز مشرف سعى لطمأنة الكشميريين على أن أي اتفاق بين باكستان والهند لن يتم إلا بعد أخذ موافقتهم عليه، لكن 4 ساعات من الاجتماعات مع أعضاء حكومة كشمير الخاضعة لسيطرة باكستان لم تُفلِح في تبديد مخاوف هؤلاء رغم المُعلَن من المواقف الدائمة للرئيس مشرف، حيث طالب غالبيتهم بأن يكون الحوار ثلاثياً لا ثنائياً، الأمر الذي قد لا يَروق للهند وقد يُوقِع باكستان في حرج سياسي.
الشارع الباكستاني يخشى أن يُترجَم الاتفاق الهندي الباكستاني إلى حملة اعتقالات واسعة في صفوف الإسلاميين لِكسب ثقة الهند قبيل بدء المحادثات من جهة وتحجيم معارضة الجماعات الإسلامية في أية خطوات تنفيذية قد لا تَتفق مع أهدافهم في كشمير من جهة أخرى. في ظل ما يُقال عن ضغوط خارجية تُمَارس على الهند وباكستان وغياب التعريف مُجمع عليه لمفهوم الإرهاب وشُحّ المعلومات عن المحادثات الهندية الباكستانية المُرتقبة فإن الأبواب تبقى مُشَرَّعةً على كافة الاحتمالات ويبقى الترقب هو سيد الموقف، أحمد بركات- الجزيرة، خاص لبرنامج الملف الأسبوعي – إسلام اباد.
برويز مشرف شخصية الأسبوع
جميل عازر: والجماعات الإسلامية في باكستان تُعتبر من أكبر مُعارضي الرئيس الجنرال برويز مشرف الذي أَدخَل في سياسة باكستان من التغييرات عناصر لم يكن في مَقدور حاكم سابق له مُجرد التفكير فيها، فهذا الجنرال الذي بَاغت السَاسة في بلاده بأن انقَلَب عليهم من حيث لم يكونوا يَتوَقعون، قد أَظهر قَدراً من البراعة في ترسيخ أقدامه ومن المُرونة في إدخال تعديلات دستورية وفي التعامل مع خصومه السياسيين ما يُصَنِّفه بجدارة في خَانة رجال الدولة وإذا تمكن برويز -شخصية الأسبوع في الملف-، من التعامل مع الهند بِنفس القدر من البراعة فأنه سيتبوأ مكانة في التاريخ يريد مُعارضوه حرمانه منها.
[تقرير مسجل]
جيان اليعقوبي [تقرير]: أثار الجنرال برويز مشرف من الجَدَل حول شَخصه وسياسته وشرعيته ما لم يُثِره أي حاكم باكستاني قبله، فهذا الرجل الذي يظهر وابتسامة هادئة لا تُغادر وجهه ربما يكون أخطر من مَرَّ في التاريخ الحديث لبلاده عندما قَلب ثوابت السياسة الباكستانية المُستقرة منذ نصف قرن رأساً على عقب.
ولد مشرف في مدينة دلهي عام 1943 أي عندما كانت شبه القارة الهندية تخضع بأكملها للإدارة البريطانية ونَزَح أهله مع ملايين من المُسلمين إلى دولة جديدة باكستان، ينحدر مشرف من أسرة متواضعة الحال لم تستطع أن توفر له فُرصة الدراسة في المعاهد الأجنبية الراقية فاستعاض عن ذلك بالالتحاق بالمؤسسة العسكرية، وهكذا بَدَأ هذا الشاب الطموح حياته المهنية عام 1964، ابتُعِثَ مشرف إلى بريطانيا في دورتين عسكريتين، عُيِّن بعدهما مُديراً عاما للعمليات العسكرية في عهد بنظير بوتو قبل أن يُصبح قائداً عاماً للجيش عام 1998 وذلك بعد استقالة الجنرال جيهانجير كرامات بيومين فقط احتجاجاً على دَعوة الجيش لِلَعِب دور أكبر في عملية اتخاذ القرار السياسي وبَقي الأمر على حاله في عهد نواز شريف الذي زاد اعتماده على مشرف بِاعتباره غير مُؤهلٍ للنهوض بدور القائد والمُحَرِّض لأنه لا ينتمي إلى النخبة الأرستقراطية العسكرية المنحدرة من البنجاب، ولكن حسابات نواز لم تكن خاطئة فقط بل أصابت حياته السياسية في مقتل وكانت أزمة كشمير والقتال الذي دار في مرتفعات كرغيل المَدخل لهذا العسكري الطموح وخرج من هذه الأزمة بِسمعة الجنرال ذو الرؤية الاستراتيجية والوطني الذي لا يُساوم على قضايا بلاده، وكان مشرف قد بدأ منذ تلك الأزمة يرسم خطوط العلاقة الخفية مع الأخوة الأعداء في دلهي.
في عام 1999 خرج مشرف من وراء الكواليس ليلعب دوره عَلناً مُتحدياً الجميع بمن فيهم الأحزاب السياسية المعارضة من قَومية إلى ليبرالية إلى إسلامية، ولاوياً عُنق الدستور والشرعية لتثبيت مكانته، مشرف لم يَتَحَدَّ الطبقة السياسية فقط بل كَسب خصوماً إضافيين بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر عندما تجاوز الخط الأحمر الاستخبارتي وفك ارتباط بلاده مع حركة طالبان ومن يوالونها من باكستانيين وعرب، ولم يكن الرأي العام الباكستاني مُهيئا بعد ليرى رئيسه يستقبل مسؤولين أميركيين وبريطانيين رفيعي المستوى وهم ينسقون مع رئيسهم في الحملة ضد فلول طالبان والقاعدة، ولم يَكتف مشرف بذلك وهو المُعجب بالزعيم التركي كمال آتاتورك فقد أصر على ظهور زوجته علناً وهي السيدة غير المتحجبة، ولم يخف كذلك توجهاته الليبرالية في القضايا الاجتماعية ورغم أن ذلك أكسبه تأييد قطاع عريض من النساء مثلاً فقد زاد من شراسة خصومه الذين لم يترددوا في محاولةِ تصفيته مرة واثنتين وثلاثة.
عودة العلاقات المصرية الإيرانية وسط اضطرابات المنطقة
جميل عازر: تُعتبر القاهرة وطهران قُطبين في منطقة الشرق الأوسط مُتجاذبين ومُتنافرين في آن واحد، وهذا سِمَة تاريخية مَيَّزت العلاقة بينهما، وإذ تَمر المنطقة في مرحلة من التحولات التي لا تستطيع أي منهما التأثير فيها بِشكل فَاعِل إلا إذا تعاونت مع الأخرى، فمن المَنطقي أن يُصبح التجاذب الآن هو الحافز المشترك ومن هنا فإن الإعلان عن قُرب تبادل العلاقات الدبلوماسية وإنهاء القطيعة التي بادرت إليها الثورة الإسلامية في إيران يَكتَسِب أهمية ليس على الصعيد الثنائي المصري الإيراني فحسب بل وعلى المستوى الإقليمي والدولي أيضا.
[تقرير مسجل]
أسامة راضي:العلاقات الدبلوماسية بين مصر وإيران في طريقها للتطبيع حَتماًَ بعد قطيعة دامت ربع قرن من الزمان يبدو أنها كانت كافية ليُعيد كل من الجانبين النظر في أولوياته السياسية ويبدو أن تحويل اسم أحد شوارع طهران من خالد الاسلامبولي إلى الانتفاضة لم يكن سوى المرحلة الأَخيرة من تمهيد طريق قد يؤدي إلى زيارة الرئيس المصري للعاصمة الإيرانية لحضور قمة الدول الثماني النامية الشهر القادم.
ويمكن القول أن تَوقيت مصر وإيران عِملاَقَي الشرق الأوسط لتطبيع العلاقات بينهما دليلٌ على أن التطبيع أصبح من مُقتضيات المرحلة الراهنة ونتيجةً للتطورات التي شهدتها وتشهدها المنطقة، فإيران وبعد الثورة الإسلامية بقيادة الإمام الخُميني وتحديداً في عام 1980 قطعت علاقاتها مع مصر، لأنها كانت الدولة الوحيدة التي تَجَرأت على استضافة شاه إيران بعد الإطاحة به ولتوقيعها معاهدة السلام مع إسرائيل، الحليف الأكبر للولايات المتحدة التي يسميها الإيرانيون الشيطان الأكبر.
وقد عَبَّرت إيران الثورة عن حِدَّة عدائها لـ القاهرة بأن أطلقت أسم خالد الإسلامبولي، الضابط المصري الذي أُعدِم لمشاركته في اغتيال الرئيس الراحل أنور السادات على أحد شوارع عاصمتها، وبادرت القاهرة إلى اتهام طهران بتمويل جماعات إسلامية حاولت إثارة اضطربات في مصر، التي اعتبرت ذلك مُتَفِقاً مع شعار تصدير أفكار الثورة الإسلامية، واتخذ العداء بين البلدين مَنحىً آخر بمساندة مصر للعراق في حربه مع إيران لمواجهة ما اعتبرته دول المنطقة أطماعاً إيرانية في منطقة الخليج، ولكن الصورة الآن تَبَدَّلت على الأقل في إيران، حيث ظهر تياران، إصلاحي يحكم ومحافظ يراقب، النظام العراقي الذي قاتل إيران لسنوات زال، وأصبح للشيعة في العراق نفوذ مع ما يوجد بينهم وبين إيران من روابط وثيقة كما أصبح الجميع يتحدث عن مُحاربة الإرهاب ويتعاون في استئصاله إرضاءاً للولايات المتحدة والغرب بوجه عام، كما أن الجميع بات مَضغوطاً عليه من جانب واشنطن إن كان بذريعة امتلاك سلاح دمار شامل أو التحريض على الإرهاب أو تأييد المقاومة الفلسطينية أو السماح بتسلسل إرهابيين إلى آخر قائمة الاتهامات الأميركية الجاهزة لاستهداف أيٍ من دول المنطقة، ولكن من غير المنطقي والحال هذه، ألا يُنظر إلى التحسن الملحوظ في العلاقة بين إيران ومصر خارج نطاق التطورات الإقليمية وبوجه خاص، بعد كل ما شهدته الساحتان الفلسطينية والعراقية من تحولات، وبما أن الولايات المتحدة أصبحت عُنصراً أساسياً له دور فَاعِل في الشأن الشرق أوسطي، يتحرك وِفق أجندة وضعتها واشنطن التي تتصرف بمقتضاها في المنطقة كان لابد من عودة العلاقات وقنوات الاتصال بين طهران والقاهرة لمحاولة التنسيق والتعاون لِدَرء ما قد يُضيرَهما من تداعيات.
حوادث الطيران المتكررة..إهمال أم جشع الربح؟
جميل عازر: أصبح السفر الجَوي مَحفوفاً بالمِخاطر ليس بسبب تحويل طائرات الركاب إلى مَقذوفاتٍ تُهاجِم ناطحات سحاب وهذا أمر وارد بالطبع بل ولأن هناك من الدلائل على وجود إهمال متزايد في مُراعاة معايير السلامة والأمان من جانب شركات الخطوط الجوية وتَتفاقم المشكلة خُطورةً عند النظر إلى القطاع السياحي الذي يُشَكِّل عصباً حيوياً في حركة النقل الجوي فانتشار أنماط الرحلات المُنظمة ضمن صفقات السفر الرخيص زاد من أعداد السياح الذين يَقصِدون وجهات لديها من المرافق السياحية الحديثة والتاريخية ما يَفي بما تنشده أذواق مختلفة وهذه الزيادة بحد ذاتها زادت أيضا من التنافس لتحقيق الرِبح، ربما على حساب السلامة.
[تقرير مسجل]
مكي هلال: حتما لم يكن الفرنسيون الذين كانوا على متن طائرة فلاش آير لاين في الرحلة 604 ذات فجرٍ مصري يعتقدون ولو للحظة أن رحلة العودة التي بدءوها من شرم الشيخ لن يُكتب لها أن تبلغ منتهاها لتتهاوى طائرة البوينغ بسرعة في عرض البحر الأحمر وتُغرِق معها جثث الضحايا وأسرار أسباب الحادث، رحلة اللاعودة هذه أو السيناريو الأسود لبداية العام الجديد أعادت إلى الأذهان فصولاً مَأسَاوية من الحوادث والمُحققون لم يحسموا بعد ملف الطائرة الغينية التي سقطت بِمجرد إقلاعها في ساحل كوتونو بـ البنين ليَذهب ضحية الحادث ما يزيد عن مائة وثلاثين ضحية أغلبهم لبنانيون بسبب حُمولة زائدة، كما أُعلِن مؤخرا، فصول المأساة في قصة أهم اختراع بشري عديدة ولعل أبرزها:
– تحطم طائرة بوينغ 747 يابانية في مارس عام 1977 قُتِل فيها 583 شخصاً في أجواء جزر الكاناري الأسبانية.
– سقوط طائرة بوينغ 747 تتبع شركة تي دبليو أيه الأميركية في يوليو 1996 قبالة سواحل نيويورك.
– تحطم طائرةٍ مصرية كانت مُتجهة من نيويورك إلى القاهرة مما أدى إلى مَقتل 217 شخصاً في أكتوبر 1999.
– ثم سقوط طائرة بحرينية من نوع (إيرباص) 320 في أغسطس عام 2000 وقُتِل جَرَّاء الحادث 143 غالبيتهم من المصريين.
– وفي الثامن من يوليو، قُتل 115 شخصاً في حادث تحطم طائرة سودانية عقب إقلاعها بوقت قليل من مطار الخرطوم ولم ينجو من الحادث سوى طفلٌ صغير.
التحقيقات في أسباب الحادثين الأخيرين خلال الأسبوعين الماضيين، استبعدت أي عملٍ إرهابي رغم تَبني مجموعة إسلامية لحادث شرم الشيخ ومع ذلك فإن الخوف المُستمر من احتمال تكرر هجمات نيويورك وواشنطن ضَاعف من مشاكل قطاع الطيران الذي أصبح بعد الحادي عشر من سبتمبر يُعاني من هبوط اضطراري في المَداخيل وفي مستوى راحة المسافرين، والاعتبارات المالية تَلعب دوراً مُهماً في الحفاظ على مُستويات السلامة والأمان في عمليات النقل الجوي، وما من شكٍ في أن شيوع أنماط السياحة المُنظمة والإقبال الجماهيري عليها يزيد من الضغوط على شركات الطيران وبالتالي على التنافس بين هذه الشركات للفوز بنصيب الأسد من عائدات قطاعٍ يُعتبر أكثر القطاعات الاقتصادية نمواً.
ولكن حوادث من قبيل ما حل بطائرة فلاش أير لاين في شرم الشيخ والطائرة الغينية في بنين تُظهِر جانبي المشكلة التي تَكمن وراء أغلبية كوارث الطيران، تَهافُت على نقل أكبر عدد مُمكن من المسافرين وتَقصير في توفير معايير السلامة المَرعِية إن كان من حيث مُستويات صلاحيات الطائرات أو الإجراءات الأمنية، فهذان الجانبان بما يقتضيانه من مَسؤولياتٍ وما يَنطويان عليهما من تَبِعات يتنافيان والأهداف التجارية للشركات الخطوط الجوية، خاصة تلك التي تَرفض القطاع السياحي، ومن غير المُرجَّح أن تُثني كوارث الطيران الناس عن السفر الجوي، ولكن من المُؤسف أن يُصبح النشاط السياحي هَاجِساً بدل أن يكون مصدر استرخاءٍ وتثقيف وتواصل بين شعوب الأرض وسيظل السياح يشترون تذاكر يأملون أن تكون دائما بِطاقات ذهابٍ وإيابٍ بنفس القدر من الأمان والسلامة.
جميل عازر: ومن قناة الجزيرة في قطر نواصل وإياكم هذه الجولة في الملف الأسبوعي، وفيها أيضا بعد فاصل، الرئيس السوري في زيارة تاريخية إلى تركيا، على صفحة الماضي القريب وتجديد لحسن الجوار.
[فاصل إعلاني]
جدار أمني أم سكاني أم عرقي؟
جميل عازر: دولةٌ واحدةٌ للفلسطينيين وأُخرى للإسرائيليين، أم دولةٌ واحدة بقوميتين، يبدو في الوقت الراهن أن الجواب هو دولةٌ واحدةٌ للإسرائيليين ولا دولة للفلسطينيين، ولكن تصريح رئيس الوزراء الفلسطيني أحمد قريع بأنه نظراً إلى تَعَثر خارطة الطريق التي ترتئي دولتين مُتجاورتين وغياب الرغبة الشارونية لتنفيذ هذا المشروع، كان لابد من التفكير في طريق آخر، فعاد أبو علاء إلى ما كان قائماً أصلاً في الميثاق الوطني الفلسطيني الذي أُرغِمت منظمة التحرير الفلسطينية على تعديله، بِحيث لم يعد يرتئي دولةً واحدةً للعرب واليهود في حدود فلسطين التاريخية، وما الجدار الأمني الذي يبنيه شارون إلا سَدَّاً ليدرأ غَائِلة المَد السكاني الفلسطيني بالفصل بين القوميتين الصهيونية والفلسطينية.
[تقرير مسجل]
سمير خضر: دَولةٌ فلسطينية مُستقلة مُنفصلة إلى جانب دولة إسرائيل، هذا ما تَنَص عليه خارطة الطريق التي أطلقها بوش وطلقها شارون وهذا ما نَصَّت عليه اتفاقات أوسلو التي باتت اليوم حِبراً على ورق بعد زوال أسبابها ومُسبباتها وبين أحلام الأمس وواقع اليوم المرير، ضاعت الرؤية أو بالأحرى أصابها نوع من التشويش، الوضع الحالي كما هو على أرض الواقع لا يَلعب في صالح أيٍ من طرفي النزاع وكلٌ منهما يحاول ابتكار حلاً ما، هذا إذا سمينا الجدار الفاصل الإسرائيلي ابتكاراً مُبدِعاً، فالهدف كل الهدف من هذا الجدار الحفاظ على نقاء دولة إسرائيل يهوديةً خالصةً ما أمكن ومُتوارية عن محيطها الفلسطيني وراء هذا الستار.
إجراءات الفصل التي يهدد بها شارون كانت مَطلباً فلسطينياً منذ عهد مناحم بيجن الذي أَطلق سياسة الدَمج مع الأراضي المحتلة وقد أصبحت اليوم مطلباً إسرائيلياً، لا بل ضرورة من ضرورات البقاء بعد أن اكتشفت تل أبيب أن المُعادلة السكانية ليست في صالحها خاصة مع تضاءل فرص تنفيذ سياسة الـ ترانسفير أو الترحيل التي كان يُعَوِّل عليها اليمين الإسرائيلي المُتطرف، حتى التيار الوسطي المعتدل في الحكومة الإسرائيلية يُوافق على فكرة الفِصل ولكن بدون هذا الجدار الذي يقضم الأراضي الفلسطينية، والبرازعي تومي لبيد إلى التحذير من أن إسرائيل سَتواجه عُزلة دولية كتلك التي واجهها نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، ناسياً أو بالأحرى مُتناسيا أن نُفوذ دولته في واشنطن يَحول دون تعرض بلاده لهذا الخطأ. الفلسطينيون من جانبهم يُكابِدون يومياً مَشقة الجدار الذي يفصل بينهم وبين أراضيهم وقُراهم لكنه لحد الآن عاجزٌ عن الفصل بينهم وبين بطش قوات الاحتلال الذي تَجوب دباباتها ومدرعاتها مدنهم من نابلس إلى طولكرم وإلى جنين، وإذا كان شارون قد حَوَّل حِلمهم بالدولة المستقلة هباء مَنثوراً فإن مسؤوليهم لا يزالون يبحثون عن السبيل إلى الخروج من هذا المأزق، رئيس الحكومة الفلسطيني أحمد قريع فَجَّر قنبلةً تردد صداها في كل أرجاء إسرائيل لا بل حتى في واشنطن، إذا كان شارون لا يرغب في منح الفلسطينيين دولتهم فلم يَعد هناك من حلٍ سوى ذلك الذي كانت تُنادي به منظمة التحرير قبل أوسلو أي دولة واحدة علمانية بشعبين، قريع كان يَعي تماماً أن مثل هذا الطرح يشكل تهديدا مباشراً لما يسمى بنقاء الدولة اليهودية الإسرائيلية لسببٍ بسيط للغاية ألا وهو أن المعادلة السكانية ستكون في صالح الفلسطينيين إن عاجلاً أم آجلاً، حلٌ من بين الحلول بل مثل كل الحلول التي تُطرح والتي لم يَجِد أي منها إلى الآن طريقه إلى التنفيذ.
جميل عازر: وينضم إلينا من القاهرة الدكتور أسامة غزالي حرب رئيس تحرير مجلة السياسة الدولية التابعة لـ لأهرام، دكتور أسامة أولاً في تقديرك ما الذي حَفَّز أو دفع أبو علاء أحمد قريع إلى التصريح بأن الحل يَكمُن في دولةٍ ذات قوميتين؟
أسامة غزالي: أنا أعتقد أن هذا الاقتراح من أبي علاء ربما يُعَبِّر عن رغبة في إيجاد نوع من المناورة في مواجهة ما يفعله شارون نتيجة إحساس إسرائيل .. الفلسطينيين وأبو علاء شخصياً بأنه ليس هناك سَبيل للحل في هذه الظروف وأن هناك إصرارٌ من شارون على بناء الجدار الفاصل على تدمير أي فُرص حقيقة للتسوية، وبالتالي أراد القيام بِنوع من المناورة بنوع من الهجوم المُضاد يُعبر عن نوعٍ من اليأس، يُعَبِر عن نوعٍ من الاختبار، كل هذه الاحتمالات واردة في الحقيقة، إنما هي هدفها إلقاء اقتراح مضاد للسياسة الإسرائيلية يقول نحن الفلسطينيون مُستعدون لدولة ذات قوميتين، وهي طبعاً كما نعلم جميعاً فكرة قديمة وليست جديدة.
جميل عازر: طيب ما الذي تقرأه في تصريحات مسؤولين إسرائيليين من تَخَوفٍ من البعد الديموغرافي الفلسطيني، هل تعتقد أن المشروع الصهيوني وصل إلى طريقٍ مسدود وبدأ في التراجع؟
أسامة غزالي: لا هو طبعاً مسألة التهديد الجغرافي .. التهديد الديمغرافي لإسرائيل مسألة الخوف من عدم التوازن بين عدد السكان العرب وبين عدد السكان في إسرائيل مسألة أساسية في الفكر السياسي الإسرائيلي، مسألة أساسية في الفكر الصهيوني، نقاء الدولة اليهودية يَستلزم طبعاً مُعارضة كل مثل هذه الأفكار صحيح أن هناك بعض الأصوات اليهودية منذ القِدَم في الحقيقة منذ العشرينات والثلاثينات التي تتحدث عن فكرة دولة ثنائية القومية أو ما شابه ذلك إنما التيار الأساسي في الحركة الصهيونية في إسرائيل الآن هو ذلك التيار الذي يتحدث عن الدولة اليهودية ذات النقاء اليهودي، وبالتالي فهناك مَخاوف حقيقية من أي تأثير للعنصر العربي في أي حلٍ يتضمن عَرباً داخل إسرائيل وبالتالي هذه المسألة في الواقع مسألة مثالية مسألة نظرية، إنما التيار الأقوى والأساسي في إسرائيل قَطعاً يرفض هذا وهناك تخوف حقيقي لا شك في ذلك.
جميل عازر: طيب، هل هذا يؤثر في تقديرك أو دَعني أضع السؤال بطريقة أُخرى، ما مدى تأثير هذا على التفكير الصهيوني التوراتي من حيث اعتبار جميع فلسطين هي أرض الميعاد؟
أسامة غزالي : لا طبعا هُما .. هُما طبعا بيعتبروا أن إسرائيل .. بأن جميع فلسطين هي أرض للتوراة .. هي أرض اليهود وكل شيء، المسألة هنا في الواقع ليست مسألة دينية، المسألة هنا مسألة سياسية.. مسألة قُدرة حقيقية على التفاوض مع الفلسطينيين.. مسألة قُدرة الإسرائيليين أياً كانت قوتهم في الواقع على فرض هذا الحل في مواجهة العالم كله، إنما لا مَفَرَّ في النهاية من إيجاد صِيغةٍ ما تسمح بوجود دولة يهودية نَقية وِفقاً لهذا الفكر والتعايش بدرجة أو أخرى مع وجود فلسطيني لا يُهَدِد إسرائيل وفي الواقع هذا السعي لهذا التوازن هو مُعضِلة الحال العربي الآن لحل الصراع العربي الإسرائيلي.
جميل عازر: طيب في مثل هذه الحالة إذا أخذنا الموقف الإسرائيلي الرافض لقيام دولةٍ ذات قوميتين في ضِمن حدود فلسطين التاريخية، هل تعتقد أن هذا التصريح من جانب رئيس الوزراء الفلسطيني سيكون أداةَ ضغطٍ على الإسرائيليين لكي.. وخاصة شارون لكي يتحرك عن موقفه المُتشدد إزاء مثلاً خارطة الطريق؟
أسامة غزالي: هو طبعاً .. هو طبعاً هذا التصرف من أبو علاء الغرض الأساسي منه هو القيام بهذا الضغط على شارون لأن مهما يكن من مثالية أو خيالية هذه الفكرة إلا أنها تُلَوِّح للإسرائيليين بمخاوف حقيقية بمخاوف أننا نحن الفلسطينيين نقبل أن نتعايش مع اليهود على أرض إسرائيل هذه الفكرة يُمكن أن يتقبلها العالم الخارجي يمكن أن يتقبلها الرأي العام العالمي هي قطعاً ليس لها أي أساس حقيقي لأن تكون واقعية هدفها أو غرضها أو فائدتها أنها تمثل ضغطاً معنوياً ضغطاً سياسياً على ما يقوم به شارون والواقع أن مدى فاعلية هذا الضغط مسألة يمكن أن تَخضع لكثير يعني من التقييمات، هناك من يعتقد أن مثل هذه الخطوة من جانب أبي علاء ربما لا تساعد على الإطلاق في عمل أي ضغط على شارون على أساس أن المسألة مثالية في النهاية وخيالية وليست لها أي عناصر حقيقية للتطبيق، وهناك من يتصور في الحقيقة من ناحية أخرى أنها بالفعل يمكن أن تمثل ضغطاً على شارون وخصوصاً في ضوء الأوضاع الداخلية في إسرائيل واقتناع كثير من القوى بأن السياسة المضادة لـ شارون القائمة على فرض .. الحل الإسرائيلي بالقوة، على التلكؤ في خارطة الطريق في الواقع لم تُحدِث أي إنجازات حقيقية ولم يوفر شارون للشعب الإسرائيلي الحد الأدنى من الأمن الذي كان يتوهم أنه قادر عليه.
جميل عازر: طيب دكتور أسامة أخيراً، كيف يمكن للفلسطينيين في هذه الحالة أن يُسَخِّروا يعني الانقسام الظاهر الذي بدأ يتضح في أوساط المجتمع الإسرائيلي إزاء السياسة التي ينتهجها شارون الآن تجاه الفلسطينيين؟
أسامة غزالي: يعني يا أستاذ جميل هذا سؤال يُمكن أن تتعدد الإجابات عليه…
جميل عازر [مقاطعاً]: أيو..
أسامة غزالي [متابعاً]: ويمكن أن تَتَعدد الاجتهادات بشأنه، بالنسبة لي شخصياً أتصور أن السلاح الأساسي لدى الفلسطينيين لكي يُنجزوا أي شيء في مواجهة إسرائيل، هو أن يكونوا صوتاً واحداً في هذه اللحظة، هذه اللحظة تستلزم أكثر من أي لحظة أخرى في تاريخ القضية الفلسطينية توَحُداً في الصوت الفلسطيني توَحُداً في المطالب الفلسطينية، يجب أن يَعلَم العالم أن الفلسطينيين يُعَبَّر عنهم بصوت.. واحد بِشرعية واحِدة.. بسلطة واحدة تُعَبِّر عنهم وتتفاوض مع الإسرائيليين أيّاً كانت المسائل المُتفاوض عليها، المشكلة الآن في الجانب الفلسطيني في الواقع هي ذلك الانقسام هي ذلك التَعدد هي ذلك العجز عن الظهور بِمظهر واحد وبصوت واحد، كل هذه المسائل التي تُطرَح مثل هذه المبادرة الخاصة من أبو علاء الأخيرة بالدولة ثنائية القومية أو بـ مبادرة جنيف أو حتى ما أعلنه الشيخ ياسين مُؤخراً كل هذه تَدخُل في مسائل الضغط السياسي، بالون الاختبار، إلى آخره ولكن هذا كله في الواقع لا يُفيد نحن نريد صوتاً فلسطينياً واحداً في هذه اللحظة يستطيع أن يُواجه التحدي الإسرائيلي مواجهةً حقيقيةً.
سوريا وتركيا… عهد جديد شاب من العلاقات
جميل عازر: دكتور أسامة غزالي في القاهرة، شكراً جزيلاً لك.
كانت زيارة(الرئيس السوري بشار الأسد إلى تركيا تاريخية من حيث كونُها الأولى على الإطلاق من رئيس سوري إلى أنقرة، ولكنها كانت أيضا مُهمة بالنسبة لسوريا من حيث أنها أسَست على الاتفاق الذي تم بين الجارتين في عهد الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد الذي تمكن من نزع فَتيل أزمة كادت تَتفجر حَرباً بين البلدين في أواخر عام 1998، وما من شكٍ في أن الرئيس بشار وجد ترحيبا في أنقرة لأنه تَحَدَث بِنبرة تُرضي مُستَقبِليه هناك، خاصةً فيما يتعلق بِمعارضته للفيدرالية العراقية، والتي يُمكن أن تؤدي إلى نِشوء كيانٍ كرديٍ مستقل، وإذ ركز الجانبان على نقاط التفاهم المُتبادل فقد ارتأيا تجميد قضايا الخلاف بينهما.
[تقرير مسجل]
يوسف الشريف: لعل مظاهر الاهتمام والحَفَاوة البالغة التي رَافقت الرئيس السوري بشار الأسد في كل مكانٍ حَلَّ فيه خلال زيارته لتركيا، لعلها جاءت في إطار سَعي كلا الطرفين للتكفير عن عُقودٍ من الجفاء والخلاف وعدم الثقة بين دولتين جارتين في الشرق الأوسط كان بإمكانهما لولا ذلك الخلاف أن تُشكِلا نواةً لإطارٍ إقليمي فاعِلٍ فيها، لكن يبدو واضحاً أن قيادتي الدولتين قررتا بدلاً من البكاء على اللبن المسكوب وما فات من سنين أن تترك ما بينهما من مشاكل عَالِقةٍ وهي الحدود والمياه وراء ظَهريهما من أجل التطلع إلى مستقبل العلاقة بينهما بعد إذابة جبال جليد الشك وعدم الثقة، لاسيما وأن سوريا تُعتبر بوابة تركيا على الدول العربية وقد تمكنت أنقرة مؤخراً من مُضاعفة حجم مُبادلاتها التجارية مع الدول العربية بعد أن تَخلت سوريا عن تحفظاتها المُستمرة بخصوص العلاقة التركية الإسرائيلية، وفي المقابل تبدو سوريا قد حَيَدَّت تركيا وحَمَت بذلك ظهرها في وقت تمتلئ أجوائه بسيناريوهات إعادة رسم خارطة المنطقة والتي أصبحت أميركا فيها جَارةً بالقوة لكل من تركيا وسوريا. المُصالحة مع سوريا قادها ودعمها العسكر التركي على الرغم من تحفظ بعض الحكومات التركية السابقة التي كانت تُراعي إملاءات واشنطن وإسرائيل، إلا أن التطورات في العراق وعدم ثقة تركيا في النوايا الأميركية والإسرائيلية بشأن مستقبل أكراده دفع بقسمٍ كبيرٍ من العسكر التركي إلى الالتفات إلى التنسيق مع دول الجوار وعلى الأخص سوريا، فيما يَخُصُ الملف الكردي بالذات لاسيما بعد أن أدركت تركيا عملياً أنها لا يُمكنها الوقوف وحدها مهما كانت قوتها العسكرية ضبط الأوضاع في شمال العراق، وذلك بعد أن تجاهل الأكراد التهديدات التركية ودخلوا الموصل وكركوك بُعَيد سقوط بغداد، وهم اليوم يُطالبون بالفيدرالية المُوسَّعة التي تضم المدينتين، ولذا فلا عَجَب أن استبق الرئيس الأسد زيارته بتصريح حول خُطوط سوريا الحمراء التي ترفض تقسيم العراق بالإضافة إلى دعوته لجعل منطقة الشرق الأوسط خَاليةً من أسلحة الدمار الشامل، رداً على الضغوط الأميركية والإسرائيلية التي تتهم دمشق بدعم منظمات إرهابية، فيما أنقرة التي تستضيف الأسد أشادت أكثر من مرة مؤخراً بجهود دمشق التي تُساعدها في حربها على الإرهاب، وبعيداً عن الأجواء السياسية فلا شك في أن هذه الزيارة ساعدت في انهيار الأفكار المُسَبَّقة لدى الأتراك عن سوريا ونظامها، لِتبقى في الأذهان صورة عهدٍ جديدٍ شابٍ ترك في النفوس انطباعاً يبعث على التفاؤل كما علقت الصحف التركية، وهي التي كانت حتى الأمس القريب تنتقد كل ما في سوريا وما يأتي منها.
السودان يحتضن أبناءه
جميل عازر: ما من شَكٍ في أن الصفقة التي أَبرَمتها الحكومة السودانية مع الحركة الشعبية لتحرير السودان حول اقتسام الثروة كانت خَطوةَ رئيسةً نحو التوصل إلى اتفاق شامل لإنهاء الحرب الأهلية في الجنوب، وبينما يرى البعض أنها ستُساعد على حل الحرب الدائرة في غربي السودان فإن هناك من يرون فيها بذور تفاقم تلك الحرب.
[تقرير مسجل]
حسن إبراهيم: اتفاقٌ لتقاسم ثروة جنوب السودان.. ابتسامات وعِناق وضَحِكات ملأت تلك القاعة في (نيفاشا) الكينية، لكن هل هي مُقدمةٌ للسلام الشامل؟ أم حلقةٌ في سلسلة الحلول الجزئية التي لا تُعَمِّر طويلاً في المسرح السياسي السوداني؟
الاتفاق يَمنح جنوب السودان نِصف دَخل النفط المُستخرج من الجنوب نفسه، كما يَمنح الولايات المُستَخرِجة للنفط نِسبة اثنين في المائة من الدخل، ويبقى قبل التوقيع لاتفاق نهائي بين الحركة الشعبية لتحرير السودان والحكومة السودانية قضيتان.. اقتسام السلطة وتَبَعية المناطق الثلاثة التي تُسميها الحركة المناطق المُهمشة، لكن المأزق السوداني مُتعددُ الأوجه فبينما وقع باغان أموم من الحركة الشعبية لتحرير السودان وإدريس محمد أحمد عبد القادر الاتفاق على تقسيم الثروة كانت قوات الحكومة تُقاتل لإخماد تمرد آخر في غرب السودان، فـ الدارفوريون يَشكُون من نقصٍ في التنمية استمر منذ الاستقلال بل ومما يَعتبرونه تمييزاً عِرقياً يُمَارس ضدهم أَفرَزَ إحساساً بالغُبنِ والتهميش ورفضت الحكومات المُتعاقِبة في الخرطوم منذ أَمَدٍ طويلٍ التعامل مع احتجاجات مواطني غرب السودان واعتبرتها فِتنةً عُنصريةً لا تَظلم مواطنين لها ما يُبَرِّرُها، بل وأمَدَّت القبائل العربية في غرب السودان بالسلاح لِتقضي على تلك الفتنة العُنصرية، وكان من قبيل الافتراض بأن الحكومات السودانية لم تتفاوض إلا مع من يَحملون السلاح في وجهها لأنهم الأكثر قُدرةً على تهديد بقاءها، أن حمل أبناء غرب السودان السلاح في وجه الحكومة الحالية.
ولا يختلف الحالُ في شرق السودان كثيراً فالفقر المُدقِع والبطالة والتَهميش تُخَيم على الأجواء هناك ولا يمكن إلقاء جميع مشاكل السودان من سوء الإدارة والتخطيط وهدرٍ للكوادر المؤهلة على عاتق الحرب الأهلية، وأزمة الحكم في السودان لن تَنتهيَ باتفاقٍ على توزيع الثروة طالما بقيت أحزاب الشمال المُنضوية تحت لواء التجمع الوطني الديمقراطي وحزب المؤتمر الشعبي الوطني الذي يرأسه دكتور حسن الترابي مُستَثناةٌ من حوارات الحكومة ورغم أن الحركة الشعبية لتحرير السودان تعتبر نظريا فصيلة من فصائل التجمع الوطني الديمقراطي إلا أن التجمع ليس طرفاً في هذه المفاوضات، وكانت الحكومة السودانية قد قامت بِمُبادرات إيجابية تجاه الأحزاب المعارضة بما فيها المؤتمر الشعبي الوطني وإن تَكن تلك المبادرات نتيجةَ ضغوط خارجية وخاصة من الولايات المتحدة الأميركية، وحتى عندما يتم التوقيع على اتفاقٍ شاملٍ وعلى إنهاء الحرب الأهلية مع الجنوب سيظل سِجِل حقوق الإنسان في السودان بِحاجة إلى تحسن كبير لإنهاء ممارسة إغلاق الصُحف والتهديد الذي يُلَوِّح به مسؤولون أمنيون بإعادة الدكتور حسن الترابي إلى المعتقل، فمن الواضح أن استحقاقات الاستقرار في السودان لا تعتمد على اتفاقاتٍ وتوقيع وثائق بل تحتاج إلى عمل دؤوب وصدرٍ رحبٍ يستوعب جميع أبناء السودان، السودان الوطن القارة أو عملاق أفريقيا المريض.
جميل عازر: وبهذا نَختتم جولتنا في (الملف الأسبوعي)، نُذَكِّر حضراتكم بأن بإمكانكم الوصول إلى مضمون هذه الحلقة بالنص والصورة والصوت في موقع الجزيرة نت، (www.aljazeera.net) في الشبكة المعلوماتية أو الكتابة إلى عنوان البرنامج الإلكتروني (wfile@aljazeera.net)، سنعود في مثل هذا الموعد بعد سبعة أيام لِنفتح ملفاً جديداً لأهم أحداث الأسبوع القادم من (قناة الجزيرة) في قطر، فتحيةً لكم من فريق البرنامج وهذا جميل عازر يستودعكم الله، فإلى اللقاء.