إسرائيل والسلام الدولي، الانتخابات الموريتانية
مقدم الحلقة: | جميل عازر |
ضيف الحلقة: | إبراهيم الجعفري |
تاريخ الحلقة: | 08/11/2003 |
– تصاعد وتيرة الأحداث في العراق
– فشل محادثات شارون في موسكو
– استطلاع للرأي في أوروبا يظهر خطر إسرائيل على السلام الدولي
– الموريتانيون وديمقراطية صناديق الاقتراع
– دلالات تأخر التدخل العربي في الشأن السوداني
– أزمة سياسية ودستورية في سيريلانكا
– تشاندريكا كوماراتونجا.. شخصية الأسبوع
جميل عازر: مشاهدينا الكرام، أهلاً بكم إلى هذه الحلقة من (الملف الأسبوعي)، وفيها:
العراق أسبوعٌ دامٍ للأميركيين واستهداف للقضاة وتغيير في نبرة خطاب الحاكم المدني الأميركي مع تصاعد الهجمات.
شارون في موسكو ثلاثة أيام من المحادثات مع كبار المسؤولين الروس، ولكن رئيس الحكومة الإسرائيلية يعود بخفي حنين.
وملف السلام السوداني اهتمام عربي متأخر، أم تهميش متعمد يتسبب في انسحاب مندوبة جامعة الدول العربية من المفاوضات؟
تصاعد وتيرة الأحداث في العراق
تعتبر الأيام القليلة الماضية الأكثر دموية لقوات الاحتلال منذ إعلان وقف العمليات الرئيسة في الحرب إلى العراق، وإذا كان في استهداف طائرات الهليكوبتر الأميركية ما يدل – في رأي المراقبين- على تغيير في نوعية عمليات المقاومة، فإن إعلان (بول بريمر) الحاكم المدني الأميركي عن اعتزامه إعادة تنظيم سلطة الاحتلال لإدارة التصرف بالعشرين بليون دولار في عمليات إعادة الإعمار دليلٌ أيضاً على تحوُّل في الاستراتيجية الأميركية لمواجهة المتغيرات الميدانية، وبينما أعلنت أنقرة أنها لن ترسل قوات إلى العراق قال وزير الخارجية الأميركي إن بلاده لن تدير ظهرها وتغادر العراق ما لم تتأكد من استتباب الأمن هناك.
تقرير/ بيبه ولد أمهادي (مراسل الجزيرة- بغداد): التاسع من إبريل/ نيسان الماضي يعتبر بداية النهاية للحرب الأميركية الشاملة على العراق بسقوط بغداد وتمثال الرئيس السابق صدام حسين ونظامه أيضاً، لكن ذلك اليوم يعتبر بالدرجة نفسها بداية لحرب جديدة ما زالت فصولها تتوالى، وعلى مدى الأشهر الماضية ظل الأميركيون وحلفاؤهم من جهة والمقاومة العراقية التي تحسب في أحيانٍ كثيرة على صدام حسين من جهة ثانية طرفي هذه الحرب، لكن العمليات التي وقعت قبل أسابيع وكانت من أبرزها استهداف مقر الصليب الأحمر ومراكز للشرطة العراقية في بغداد حملت معها نمطاً جديداً من حيث الأهداف وتزامن التنفيذ، ورسخت لدى كثيرين اعتقاداً بأن أنصار صدام ليسوا الطرف الوحيد المناهض لقوات الاحتلال، ولم يتردد أعضاء في مجلس الحكم وضباط في الشرطة العراقية في الإشارة إلى مسلحين يدخلون من بلدان مجاورة وإلى عراقيين متضررين من سقوط النظام السابق بصفتهم أطرافاً جديدة يحتمل وقوفها وراء تلك العمليات، وإلى جانب هؤلاء هناك غالبية ساحقة من المواطنين لا ترتاح لوجود قواتٍ للاحتلال على أرض العراق أياًّ كانت جنسيات هذه القوات، لا سيَّما أن القوات الموجودة حالياً لم تحقق حتى الآن الأمن أو الرخاء الاقتصادي، ولعل ذلك من دواعي الرفض الشديد رسمياً وشعبياً لدخول قوات تركية أو من بين دول الجوار الأخرى رغم أن الهاجس الأمني كبير.
فمع أن دفعات عديدة من الشرطة العراقية تخرجت وأدت بعض المهام التي أسهمت في تراجع العنف بمعناه العام، فإن عدم وجود صلاحيات حقيقية بين أيدي قوات الأمن العراقية وما يقال عنها قد ينطبق أيضاً على مجلس الحكم يقلل من هيبتها لدى العراقيين، وقدرتها على تنظيم المرور بشكل لائق، ناهيك عن توفير الأمن للمواطنين.
وأما على الصعيد الاقتصادي فما زال العراقيون يتطلعون إلى غدٍ أفضل ينسيهم فترة الحصار الطويلة وتبعات الحرب المستمرة بأشكال مختلفة، ورغم زيادة الرواتب فإن دخل المواطن العراقي ما زال عاجزاً عن ملاحقة الارتفاع المتواصل لأسعار بعض المواد الاستهلاكية الأساسية كالرز والألبان واللحوم لتنضم إلى الهم الأمني هموم أخرى عن الوضع الاقتصادي وإعادة الإعمار المنشودة.
وقد شهدت بعض المدارس والوزارات والمباني الحكومية مساعي لإعادة بنائها، وتختلف المدة المحددة لإصلاح هذه الوزارة أو تلك بين ستة أشهر وسنة تبعاً لحجم الخسائر التي لحقت بها إبان الحرب.
اليد العاملة عراقية 100%، والتمويل من مداخيل النفط أو الأرصدة العراقية السابقة على الوعود التي تمخض عنها مؤتمر مدريد للأطراف المانحة.
توقفت عمليات النهب وغاب كثير من أوجه اللصوصية لانتشار دوريات قوات التحالف والشرطة العراقية، لكن الأمن الحقيقي لم يستتب بعد، وإعادة الإعمار ما زالت مطلباً يتجاوز ترميم مدرسة هنا وإصلاح وزارة هناك، ما يريده العراقيون أكبر من ذلك بكثير.
بيبه ولد أمهادي- (الجزيرة) – لبرنامج (الملف الأسبوعي)- بغداد.
جميل عازر: وينضم إلينا من بغداد الدكتور إبراهيم الجعفري (عضو مجلس الحكم الانتقالي). دكتور إبراهيم، ما هو تأثير تصاعد هذه الهجمات على العلاقات بينكم وبين بريمر بوجه خاص؟
د.إبراهيم الجعفري: بسم الله الرحمن الرحيم، العمليات بالنسبة لنا التي تتوجه في الشارع العراقي وتستهدف إخلال الأمن الجنائي أو الأمن السياسي نحن معنيون قبل أي طرف آخر بها، ونتعامل على ضوء مواجهة أعمال الإرهاب والتخريب بالقدر الذي يحد من هذه العمليات ويحقن دماء المواطنين من جانب.
من الجانب الآخر نظراً للتداخل الميداني بين قوات الأمن العراقية وكذلك القوات المسلحة للتحالف لابد من ثمة تفاهم وتنسيق لأن طبيعة التشابك بين العمليتين وبين الآليتين لابد من الاهتداء إلى الصورة، ولذلك على هذا الأساس نحن نطور الصيغة بشكل مستمر بيننا وبين قوات التحالف لغرض الاطلاع وتعريق العملية الأمنية وتصعيد مستوى الأمن والأداء الأمني لما يمكن أن يضعِّف ويقلل ويقلص من دائرة الجرائم.
جميل عازر: طيب، منذ مدة وأنتم تقولون للأميركيين دعونا نتولى حقيبة الأمن – إن صح التعبير- هل لو جاءكم بريمر وقال لكم يعني هو موافق مع هذا الطلب، هل أنتم مستعدون لذلك فوراً؟
د.إبراهيم الجعفري: أستاذ جميل، ضع في حسبانك حقيقتين:
الحقيقة الأولى – إذا صح أن نعبر عنها- ذات مسار عمودي، اللي هي تحديد الأداء الأمني على ضوء ما بعد وما قبل النظام المقبور، هذه المقارنة بين القبلية البعدية، هل يمكن أخذ الملف الأمني بشكل كامل وبشكل مفاجئ مع هذه الحالة من التصعيد والتحدي، هل أن الملفات التي استلمت في كافة الوزارات وكافة الحقول مع إجراء بعض التطوير والتغلب على بعض الصعوبات، هل هي بنفس الدرجة، أم أن هناك ثمة فارق نوعي بناءً على أن خلفية تشكيل الجهاز الأمني يختلف تمام الاختلاف عن خلفية تشكيل الجهاز الزراعي والصحي والقضائي والصناعي والنفط، وكذا بقية الوزارات، أعتقد أنك تتفق معي أن الخلفية الأمنية لتأسيس الجهاز حتى على مفهوم الأمن، كان المفهوم الأمني مفهوماً يقوم على أساس أمن الحاكم والسلطان الديكتاتوري المنفرد بقمع الشعب، وإشاعة.. وبث الرعب وتشغيل ماكينة الموت وطاحنة القتل في مختلف مناطق العراق، وعلى هذا الأساس بُنِي الجهاز الأمني، فنحن إذن نرث جهازاً في الحقل الأمني يختلف تمام الاختلاف عما هو عليه بقية الأجهزة في المناطق الأخرى، هذا جانب.
الجانب الثاني ثمة أيضاً تداخل أفقي بين الأداء الأمني والعسكري نظراً للترابط العضوي بين العمليتين أنه الآن شئنا أم أبينا العراق لا يزال محتل، نحن نسترجع السيادة ونبذل الجهد بشتى السبل من أجل تحقيق الاسترجاع ضمن مبدأ الاسترجاع بالكفاءة يثبت العراقيون كفاءة عالية سواء كان في داخل مجلس الحكم أو خارج مجلس الحكم من أجل استرجاع السيادة بشكل تدريجي، هذا التداخل اللي ما ممكن الآن فكه، خصوصاً وقد وجد له من طرف التحالف غطاءً على مستوى الأمم المتحدة حتى في قرار 1511، رغم أنه افترض بشكل جيد على طريق تحقيق طموحاتنا إلا أنه إلى الآن يعتبر الاحتلال له صفة شرعية.
هذا الترابط بين الجانب ما قبل وما بعد النظام المقبور من جانب والتداخل مع هذه نجد أن العملية تمشي -بحسب ما أعتقد- تمشي بشكل جيد رغم الصعوبات الموجودة الآن.
أنا في تقديري إذا ما تخلى الأميركيون العملية لا تقرأ من.. من زاوية رياضية، تقرأ من زاوية اجتماعية لا يمكن التفكيك بين أجزائها، يرتبط العامل السياسي بالعامل الاقتصادي بعامل الكفاءة الأمنية، بعامل التواجد، ومدى تفاعل وانفعال مراكز القرار الأخرى من قوى التحالف إلى منظومتي جامعة الدول العربية والمؤتمر الإسلامي إلى هيئة الأمم، كل هذه العوامل تساهم وتسهل مهمة أداء مجلس الحكم باعتباره الجهة الانتقالية الآن التي تضطلع بمهمة الأمن سيساهم إلى درجة كبيرة بكفاءة.
نحن لا نستغني عن إسناد الآخرين لكننا نفرق بين مفهومين، الإسناد الذي يستفرغ مهمة الكيان الأمني العراقي بالشكل الذي يحاول أن.. أن.. أن يستعيض عن القوى الأمنية العراقية والرجال العراقيين برجال آخرين هذا نرفضه، وأما الإسناد الذي يساهم في تصعيد الكفاءة الأمنية من توفير الأجهزة والتدريب دون أن يتدخل، نحن نعتقد أن العراقيين قادرون على الاضطلاع بالمهمة الأمنية كما هو في المجالات الأخرى.
جميل عازر: أنا أتفق معك في قولك أن الجهاز الأمني السابق كان من مهماته الحفاظ على أمن النظام كما أسلفت، ولكن بالنسبة لتشكيل جهاز أمن جديد، من أين تبدأ؟
د. إبراهيم الجعفري: العملية تبدأ بكل.. بكل صراحة تبدأ باعتبار الحالة المخلة بالأمن الآن ظاهرة مُركَّبة العوامل، لا ينبغي أن تؤخذ ببساطة، أولاً: لابد من التفكيك في مجال التعرض لها الظاهرة بين الأمن الجنائي والأمن السياسي، الأمن الجنائي، أنا أعتقد كل قارئ ومهتم بالشأن العراقي فضلاً عن أن يكون في الداخل العراقي يجد أن الأداء الأمني على مستوى كبح جماح الجرائم الشخصية والسرقات والقتل انخفض بدرجة ملحوظة جداً، وأن المواطن يتحرك ويتنفس برئة مفتوحة أكثر مما كان عليه سابقاً.
يبقى مسألة الأمن السياسي، الأمن السياسي يبدو أن عوامل أخرى ساهمت فيها، دعني وإياك أصل إلى العوامل القابعة والتي تقف وراء ظاهرة اختراق الأمن أو خرم الأمن السياسي، على رأس هاي العوامل هو بقايا النظام السابق المقبور الذين يعتقدون على عنوان ثقافة اليأس، ثقافة اليأس من الحالة الموجودة أكسبهم شجاعة اليائسين، البعض من عندهم يعتقدون ربما يتلمسوا خطاباً من هنا وخطاب من هناك أنهم في كل الحالات سيقض مضجعهم الوضع الجديد، وبالتالي فإنهم مهددون، فلذلك يعني يرفسون ولذلك يعني هذه الرفسات وهذه ردود الفعل اغتالت قاضياً في النجف وقاضياً في الموصل، هي في الحقيقة كأنهم قرءوا خطأ بأن الحالة الجديدة ستقوم بعملية إدانة وسفك الدماء، بالنسبة لنا ليس الأمور بهذه الدرجة، فإذن هناك عامل أساسي هو مرتبط بفلول النظام السابق، ويقرءون الوضع الجديد على خلفية الانتقام والقتل.
عامل آخر من العوامل هو عامل ثقافة الحجر أعبر عنها، ثقافة الحجر في تقديري هذه أخطر.. أخطر شيء فيها أنها أولاً هي تستورد من خارج الحدود، وتأتي بمجموعة من الشباب ليست لهم خلفية، وثقافتهم تملي عليهم أنهم يفكرون بالتقرب إلى الله خطأً من أنهم مستعدون أنه يقدموا على عمليات انتحار من أجل الانقضاض على الأطراف المعنية من وجهة.. من وجهة نظرهم بالمركب الشاخص الآن في العراق سواء كان على خلفية التحالف أو خلفية الأجهزة التنفيذية من الشرطة أو خلفية الوزارات أو مجلس الحكم والأعضاء القائمين.
هذا النوع من الثقافة ثقافة الحجر أكسبت هؤلاء قدرة.. البعض منهم قدرة على أنه مستعد كشاب مستعد أنه ينقتل ويعتقد أنه يسدي بذلك خدمة إلى الإسلام، وهذا طبعاً هذا خطأ إلى حد كبير جداً، الإسلام ينمي عند الإنسان حالة الجهاد والدفاع بالحق لكنه ليس على خلفية ثقافة الحجر، بل ثقافة الانفتاح الذي يجعل الإنسان كقيمة عليا هو الأساس، ولذلك يرأب.. أن ينأى بنفسه أنه يقوم بمثل هاي العمل، هذا أخطر ما بالمعادلة، ولذلك سجلت أرقام لبعض العمليات وألقي القبض على البعض ممن لهم ثقافة الحجر الذين يـأتون من الخارج.
دعني وإياك أغور إلى العمق أكثر، هناك بعض العوامل استقطبت من الناحية الاقتصادية استقطبت بعض الشباب ممن لم تتوفر لهم فرص العيش الكريم، العراقي بطبيعته كريم النفس، العراقي بطبيعته يعيش في بلد غني وثروة طائلة، ولذلك لا يجيد فن الاستجداء يريد أن يعني يصل إلى مستوى الكفاءة على أساس القابلية الاقتصادية الذاتية، المشكلة هنا أنه طالما يجد فاد عدد قطاع كبير ممن تحولوا من الأجهزة العسكرية أو الأجهزة الأمنية السابقة وبقوا بدون حل، فليست لهم الآن أجهزة ينخرطون فيها ويعملون ويعيشون حياة كريمة من جانب، هناك بعض الشباب ممن ليست لهم ثقافة كافية تمنعهم من ذلك، فلذلك أصبحوا فرصة اقتنصتهم بعض الأجهزة، ودفعت بهم في أتون عملية، في تقديرنا عملية بائسة، ولذلك القسم منهم أول ما يلقي القبض عليه كان يكيل الشتائم واللوم على من ورطه بهذا العمل.
جميل عازر: نعم دكتور.. دكتور إبراهيم جعفري في بغداد أدركنا الوقت وشكراً جزيلاً لك.
فشل محادثات شارون في موسكو
ما من أحدٍ يتوقع أن تكون موسكو الكتف الذي يمكن أن يضع (أرئيل شارون) رأسه عليه طلباً للاطمئنان وراحة البال، فرئيس الحكومة الإسرائيلية قضى ثلاثة أيام من المحادثات مع كبار المسؤولين الروس لبحث قضايا يوجد لإسرائيل بصددها مواقف معروفة، ولكنها تجد تعامل موسكو معها مؤرقاً، فإعلان موسكو اعتزامها مخاطبة مجلس الأمن الدولي بمشروع قرارٍ يؤدي في نهاية الأمر إلى تدويل خطة خريطة الطريق، يثير قلق حكومة شارون، لأنها ترى في ذلك سبيلاً للضغط عليها، كما أن رفض روسيا إدراج تنظيمات فلسطينية وحزب الله اللبناني في قائمة الإرهابيين لا يريح شارون، إضافة إلى استمرار تعاون روسيا النووي مع إيران وفي عودة شارون من موسكو بخفي حنين عدة مدلولات.
تقرير/ سمير خضر: لم تنجح الابتسامات المتبادلة وعبارات المجاملة الدبلوماسية في إذابة الجليد الذي يعتري العلاقات بين موسكو وتل أبيب، علاقات لم تعد تتسم بالتوتر الذي كان سائداً إبان الحقبة السوفيتية، لكنها لم تصل بعد إلى مستوى العلاقات الاستراتيجية التي تنشدها إسرائيل مع دولة لا تزال تصنف بين الدول الكبرى في العالم.
شارون جاء إلى موسكو على عجل حاملاً معه عدة ملفات آملاً في إقناع (بوتين) بتبنيها أو على الأقل النظر إليها بعين العطف والتفهم.
أولاً: الملف النووي الإيراني الذي ظل يشكل منذ سنوات نقطة خلاف رئيسية بين البلدين، ملف لا يبدو أن موسكو مستعدة لإعادة فتحه، خاصة بعد استجابة طهران لطلبات الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ونداءات المجتمع الدولي.
وثانياً: الملف الفلسطيني بكل أبعاده، وخاصة عملية السلام المتعثرة، فروسيا لا تزال تعتبر ولو نظرياً راعياً لعملية السلام هذه، رغم تراجع دورها منذ مؤتمر مدريد العتيد عام 91، وحتى مشاركتها في المجموعة الرباعية كانت رمزية أكثر منها فاعلة، تلك المجموعة التي أعدت ما يعرف اليوم بخطة خريطة الطريق التي عمل شارون كل ما في وسعه لإفراغها من مضمونها.
ولكن فجأة ودون سابق إنذار، أخذت موسكو زمام المبادرة بشكل أزعج الإسرائيليين والأميركيين معا، مبادرة قد تسحب البساط من تحت أقدام الأميركيين في الشرق الأوسط، فقد تقدمت روسيا إلى مجلس الأمن بمشروع قرار يطالب طرفي النزاع بالالتزام بخريطة الطريق، والعمل على وضعها موضع التنفيذ، فمثل هذا المشروع في حال تبنيه من قِبَل مجلس الأمن يجعل من خريطة الطريق جزءاً من القانون الدولي، ويفرض على الطرفين الالتزام بها، ومع إعلان واشنطن على الفور رفضها لهذا المشروع، حاول شارون إقناع موسكو بسحبه، حتى لا يواجه بفيتو أميركي على خطة تبناها الرئيس (بوش) شخصياً، وهو الأمر الذي سيفسر على أنه تناقض في السياسة الأميركية حيال النزاع الإسرائيلي الفلسطيني، وقد تنبهت موسكو إلى هذه المناورة من قبل شارون، الساعي لإنقاذ حليفه بوش من هذه الورطة الدبلوماسية، لكن المسؤولين الروس رفضوا هذا المسعى الإسرائيلي تماماً كما رفضوا كل محاولات شارون لإقناعهم بإدراج تنظيمات مثل حزب الله وحماس والجهاد على القائمة الروسية للمنظمات الإرهابية، وكل ما تلقاه رئيس الوزراء الإسرائيلي كان وعوداً بدراسة هذه المطالب، مع التأكيد على السياسة الروسية، التي تتلخص في عدم إدراج أي تنظيم على قائمة الإرهاب، إلا إذا كان ينشط داخل الأراضي الروسية.
أما فيما يتعلق بالرئيس الفلسطيني عرفات، وإصرار شارون على أن توقف روسيا التعامل معه، فقد كان الرد أقرب إلى الصفعة، فموسكو أبلغت شارون صراحةً أنها ستستمر في تعاملها مع عرفات ومع كل من تريد، وهي ليست مستعدة لتلقي الأوامر بهذا الشأن من أحد.
شارون غادر موسكو خالي الوفاض، واكتفى بتصريحات روسية دبلوماسية، تخفي في طياتها الفشل التام لهذه المهمة العاجلة، التي لم يحصل منها شارون والإسرائيليون من ورائه سوى على مصافحات وابتسامات صفراوية أمام عدسات الكاميرا.
استطلاع للرأي في أوروبا يظهر خطر إسرائيل على السلام الدولي
جميل عازر: وخيبة أمل لشارون في العاصمة الروسية تزامنت مع صفعة أخرى لسياسته ولصورة إسرائيل في أوروبا، فقد كان الإعلان في بروكسل عن نتائج استطلاع للرأي أجرته مفوضية الاتحاد الأوروبي لمعرفة من هي الدول التي تشكل أخطر تهديد للسلام العالمي مؤرقاً آخر لشارون والأميركيين معه، فإذ أعطى الأوروبيون إسرائيل صفة أكبر دولة تهدد السلم في العالم، وتساوت في رأيهم الولايات المتحدة مع كوريا الشمالية وإيران في هذا الشأن أيضاً، سارعت الدوائر الصهيونية واليهودية إلى التذرع كالعادة بأن معاداة السامية في أوروبا وليس سياسات حكومة شارون هي المسؤولة عن هذا التصور الأوروبي لإسرائيل.
أما إن كانت نتيجة الاستطلاع ستؤدي إلى تغير في تعامل دول الاتحاد الأوروبي مع إسرائيل، فمسألة أخرى ولكنها لن تمر من دون اعتبار.
تقرير/ حسن إبراهيم: ربما بسبب هذه المشاهد وهذا الدمار اعتبر الأوروبيون إسرائيل أخطر تهديد للسلام العالمي، وربما لهذه المشاهد أيضاً تساوت الولايات المتحدة مع إيران وكوريا الشمالية في استطلاع الرأي الأوروبي.
وأتت نتيجة الاستفتاء كالتالي: اعتبر 59% من الذين شملهم الاستفتاء إسرائيل الأخطر تهديداً للسلام العالمي، 53% اختاروا إيران ربما بسبب برنامجها النووي وسياستها الخارجية، و53% اختاروا كوريا الشمالية بسبب برنامجها النووي ونهجها الانعزالي المتصلب، و53% كذلك اختاروا الولايات المتحدة بسبب حربها على الإرهاب التي أدت إلى تزايد الإرهاب، واختار 50% أفغانستان بسبب وجود حركة طالبان وتنظيم القاعدة فيها، وفشل حكومتها في تحجيم الإرهاب، واختار 48% باكستان بسبب استمرار تفريخها لكثير مما تعتبر عناصر إرهابية، واختار 37% سوريا بسبب دعمها لما تسمى بمنظمات إرهابية، واختار 36% ليبيا ربما بسبب ماضيها في مجال الإرهاب، وعدم الثقة في إنها تغيرت بالكامل، واختار 36% المملكة العربية السعودية لاتهامها ومناهجها التعليمية بتغذية التشدد الديني.
رد الفعل الإسرائيلي كان متوقعاً، فقد اتهم الإسرائيليون أوروبا بمعاداة السامية، وترسيخ العنصرية فيها ضد اليهود، ولا شك أن الأوروبيين يتحملون أعباءً كثيرة، نتيجة لاستغلال الصهيونية معاناة اليهود على يد هتلر إبان الحرب العالمية الثانية فيما أصبح يسمح بصناعة المحرقة، التي تدر على إسرائيل مليارات الدولارات سنوياً، في شكل تعويضات ومنح وقروض وتعاون استراتيجي، لكن هناك حقيقتين على أرض الواقع يصعب تجاهلهما:
الأولى: هي أن هناك تعاطفاً أوروبيا جماهيرياً مع معاناة الشعب الفلسطيني، وقد تزايد في الآونة الأخيرة.
والثانية: هي أن بعض ما يقوله الإسرائيليون واليهود عامة عن وجود مشاعر معادية للسامية في أوروبا ينطوي على شيء من الحقيقة، فأوروبا لم تكن تاريخياً حانية على اليهود كأقلية، بل حوصروا في جيتوات مدنها أو طهروا عرقياً، كما في بكرمات روسيا، أو على يد النازيين، ولكن أوروبا تدفع الثمن معنوياً ومادياً أملاً في التخلص من تأنيب الضمير.
جماهير الأوروبيين بدأت تبدي بعض السأم مما تعتبرها ابتزازاً ومعايير مزدوجة، وهم يرون كيف أن ضحايا الأمس أصبحوا يتعاملون مع الفلسطينيين بأسوأ مما عوملوا به أنفسهم، فالتململ الذي يبديه اليمين في أوروبا بما فيه من تيارات متطرفة فاشية أو نازية جديدة، ربما يكون من أخطر ردود الفعل التي قد يتسع نطاقها ليشمل تيارات في الوسط السياسي، أو حتى إلى يسار الوسط، فهذه المشاهد وتطرف حكومة شارون في استخدام القوة، ورفضها لكل المبادرات الفلسطينية والأوروبية، يراها غالبية من الأوربيون سبباً وجيهاً لتصنيف إسرائيل كأكبر خطر يهدد السلام العالمي.
جميل عازر: ومن قناة (الجزيرة) في قطر، نواصل وإياكم هذه الجولة في (الملف الأسبوعي) وفيها أيضاً بعد فاصل:
الموريتانيون وديمقراطية صناديق الاقتراع، انتخابات رئاسية في مرحلة حساسة، ولكن هل يتغير أي شيء؟
[فاصل إعلاني]
الموريتانيون وديمقراطية صناديق الاقتراع
جميل عازر: وإلى مراكز الاقتراع احتكم الناخبون الموريتانيون لاختيار رئيس جمهوريتهم من بين ستة مرشحين كان أحدهم امرأة، ولكن المدافع عن هذا المنصب معاوية ولد أحمد الطايع أثار كثيراً من المخاوف على مصداقية العملية الديمقراطية، عندما بادر إلى اعتقال منافسه الأقوى الرئيس السابق محمد خونا ولد هيدالة، الذي انقلب عليه الطايع عام 84، وأطاح به من الرئاسة، ومع الإفراج عنه لاحقاً يبدو أن عملية التصويت جرت بشكل هادئ، رغم أن المعارضة تتحدث عن تلاعب وتزوير.
تقرير/ محمد بابا ولد أشفغ (مراسل الجزيرة – نواكشوط): السياق المحلي والدولي الذي اكتنف تنظيم الانتخابات الرئاسية الموريتانية، والإرث السياسي لأبرز المرشحين، جعل من هذه الانتخابات حدثاً بارزاً في التاريخ السياسي الموريتاني، فالموريتانيون يتأرجحون بين عالمين إفريقي وعربي، وأنهم يشكلون همزة وصل بينهما، ففي إفريقيا هبت رياح التغيير الديمقراطي وتحقق التناوب السلمي عن طريق صناديق الاقتراع على رأس الهرم السياسي في بلدين جارين هما السنغال ومالي، وفي العالم العربي ما تزال الأحادية السياسية المكشوفة أو المقنعة هي السائدة، والرئيس ولد الطايع المرشح لخلافة نفسه بعد 19 عاماً من الحكم، يدخل هذه الانتخابات بعد خمسة أشهر من محاولة انقلاب فاشلة للإطاحة به، وفي ظل عتبٍ عربي وداخلي على العلاقات التي أقامها مع إسرائيل، لكنه مع ذلك يحظى بدعم واسع في صفوف كبار رجال الأعمال ورؤساء القبائل.
أما ولد هيدالة الذي سبق أن ترأَّس البلاد لفترة مارس فيها القمع ضد معارضيه، فقد فاجأ الوسط السياسي الموريتاني بترشحه، خاصة أنه اعتزل العمل السياسي بشكل شبه تام منذ الإطاحة به عام 84، وهو يحظى بشكل خاص بدعم الإسلاميين والبعثيين وهي ورقة يوازي رواجها في الداخل كسادٌ كبير في الخارج، خاصة لدى الأميركيين والخليجيين، الذين يتحكمون في هيئات التمويل الدولية والعربية التي تُعوِّل عليها موريتانيا كثيراً في جذب الاستثمارات.
ويدخل ولد داده الانتخابات معتزاً بتجربته عام 92، حيث حصل على أكثر من ثلث أصوات الناخبين، لكن القوى والشخصيات السياسية التي كانت تدعمه يومئذٍ، انسحبت عنه تباعاً بشكل كامل تقريباً.
أما مسعود بلخير فهو أول مرشح للرئاسة من فئة (الحراطين) العبيد القدامي، الذين ظلوا مهمشين لقرون طويلة، ومع أن ولد الطايع يقول إنه عمل على تقية هذه الفئة، وأشرك في صنع القرار السياسي عدد من رموزها بينهم رئيس الوزراء الحالي الصغير ولد مبارك، فإن ولد بلخير الذي استوزره ولد الطايع في منتصف الثمانينات انقلب عليه، وأصبح واحداً من أبرز معارضيه منذ اثني عشر عاماً.
أما بنت جدانه فأهمية ترشحها رمزية أكثر مما هي سياسية، خاصة أن المرأة الموريتانية، رغم أنها ظلت تحظى بحرية اجتماعية لا مثيل لها في باقي العالم العربي، بقيت دائماً بعيدة عن دوائر صنع القرار السياسي.
نقاط القوة والضعف في كل مرشح وضعت على المحك أثناء الحملة، وتداخلت السير الذاتية بالبرامج الانتخابية في صياغة تصورات الناخبين الموريتانيين لمشاريع المجتمعات التي بشر بها المرشحون.
محمد بابا ولد أشفغ -برنامج (الملف الأسبوعي) -(الجزيرة)- نواكشوط.
دلالات تأخر التدخل العربي في الشأن السوداني
جميل عازر: وجدت المبعوثة الخاصة لجامعة الدول العربية نفسها مهمشة في مفاوضات السلام التي ترعاها منظمة الإيجاد، مما اضطر الدكتور نادية مكرم عبيد إلى استقالتها من المهمة المكلفة بها في الشأن السوداني، ولكن دخول الجامعة العربية على خط التفاوض يبدو متأخراً، لأن الحرب الأهلية السودانية دائرة منذ عشرين عاماً، رغم أن الجامعة أسست قبل فترة وجيزة صندوقاً لتنمية الجنوب السوداني الذي دمرته الحرب، فإن الدور العربي في المفاوضات وحتى ولو بصفة مراقب يثير تساؤلات عن مدى تفهم العرب لأهمية السودان الاستراتيجية ليس فقط على الصعيد الإقليمي الذي برر لمصر وليبيا وضع مبادرة لإنهاء الصراع بين الخرطوم والحركة الشعبية لتحرير السودان فحسب، بل وعلى الصعيدين الإقليمي والدولي أيضاً.
تقرير/حسن إبراهيم: انسحاب ممثلة الأمين العام لجامعة الدول العربية الدكتورة نادية مكرم عبيد من محادثات السلام السودانية مؤشر له دلالاته ويعكس مأزق الدور العربي في معادلة السودان الجديد.
فقد احتجت نادية مكرم عبيد على هيمنة دول الإيجاد على المحادثات وما يسميه مراقبو الشؤون السودانية من العرب بالتحكم الأميركي الكامل في طرفي النزاع. ومنذ أن ابتدأ مبعوث الرئيس الأميركي لمفاوضات السلام السيناتور السابق (جون دانفورث) والعرب يحسون بتهميشٍ لدورهم، وكانت مصر بالذات تظن بأن دورها سيكون الأكبر في تشكيل المعادلة السودانية الجديدة خاصة وأنها كانت ولا تزال تؤوي التجمع الوطني الديمقراطي المعارض.
ورغم أن العلاقات المصرية السودانية قد شهدت تحسناً كبيراً منذ أن انشق الرئيس البشير على عَرَّاب النظام السابق الدكتور حسن الترابي إلا أن الخرطوم وخاصة منذ الحادي عشر من سبتمبر قد اتخذت قراراً استراتيجياً بالتقارب مع الولايات المتحدة الأميركية.
والسودان الذي كان قبل ذلك التاريخ يأمل في أن تؤدي المبادرة المصرية الليبية إلى حدوث انفراج في مفاوضات السلام تدرك حكومته أنه بدون ضغط أميركي على الحركة الشعبية لتحرير السودان لن يحدث انفراج حقيقي.
وموقع السودان الاستراتيجي في المعادلة العربية يدركه كثيرون إلا أن العالم العربي لم يولِ القضية السودانية الاهتمام الكافي، بل تردت الأمور إلى حد أن دعمت بعض الدول العربية الحركة الشعبية لتحرير السودان بالأسلحة عقاباً للحكومة السودانية على موقفها الرافض للتدخل الأميركي لحل الأزمة العراقية الكويتية.
والعرب عامة ومصر خاصة يدركون أهمية الموارد المائية الضخمة للسودان بالإضافة إلى أراضيه الزراعية الشاسعة التي تبلغ مساحتها 400 مليون فدان خصبة وثروته الحيوانية التي تزيد على مائة مليون رأس من الماشية والتي تتوفر لها أكبر الأراضي الرعوية في إفريقيا والعالم العربي وإذا أضفنا إلى كل هذه الموارد الثروة النفطية المكتشفة حديثاً والموقع الاستراتيجي للسودان الذي يتاخم تسع دول فإننا نجد السودان قادراً على أن يكون مخزوناً استراتيجياً عربياً في مجال التغذية والطاقة والمياه والتواصل مع القارة الإفريقية.
ولا عجب أن يكون السودان أو بعضه هدفاً لمحاولات هيمنة إقليمية ودولية متعددة ، وقد تكون شكاوى نادية مكرم عبيد في محلها من أن هناك محاولات من أطراف إسرائيلية وأميركية لتهميش الدور العربي.
لكن يدفع آخرون بأن الولايات المتحدة وإسرائيل أسهمتا بصورة أو أخرى في إشعال نيران التمرد في السودان وكذلك في إطفائها بينما سجل العالم العربي غياباً شبه كامل على مدى عقدين من الزمان ويبدو أن محاولات العرب للحاق بركب اللاعبين المؤثرين في المعادلة السودانية قد تكون متأخرة بعض الشيء.
أزمة سياسية ودستورية في سيريلانكا
جميل عازر: كان إعلان الرئيسة السيريلانكية (تشاندريكا كوماراتونجا) حالة الطوارئ -ولو ليوم أو أو اثنين- وإقالتها ثلاثة وزراء بمن فيهم وزير الدفاع أثناء غياب رئيس الحكومة (رانيل وكرماسنجي) في زيارة لواشنطن كان بمثابة انقلاب، فتشاندريكا غير متفقة مع رانيل في بعض جوانب مفاوضاته مع نمور التاميل الذين أبرم وإياهم وقفاً لإطلاق النار عبر المفاوضات التي يرعاها النرويجيون فهي أي الرئيسة كوماراتونجا تتهم رئيس الحكومة بتعريض أمن سيريلانكا للخطر بتهاونه في التفاوض مع المتمردين التاميل وحجب أموال عن سلاح البحرية وسلاح الجو بينما زاد النمور من عدد مسلحيهم ثلاثة أضعاف، ومع ذلك فإنها تصر على أنها ستستمر في المفاوضات مع النمور والالتزام بالهدنة.
تقرير/ مكي هلال: بعد أن أنهى متمردو جبهة تحرير نمور التاميل مقاطعتهم لمحادثات السلام مع الحكومة السيريلانكية التي استمرت منذ أبريل/ نيسان الماضي عادت الأوضاع إلى التوتر من جديد منذرة بأزمة داخلية هذه المرة بين الحكومة ورئيسة البلاد (تشاندريكا كوماراتونجا) قد تطال الاتفاق الهش مع نمور التاميل فإقالة وزراء الداخلية والدفاع والإعلام قد تدخل البلاد في أزمة دستورية، خصوصاً بعد أن تصاعد خلاف الرئيسة القديم مع رئيس الحكومة الذي يسعى إلى إنهاء حرب عرقية استنزفت البلاد منذ عشرين سنة وحصدت ما يزيد على 64 ألف قتيل.
كوماراتونجا دافعت عن قرارتها وحاولت طمأنة الشارع السيريلانكي الذي حافظ على هدوئه حتى الآن بأن المفاوضات مع متمردي التاميل ستستمر وفسرت إقالة الوزراء بانتقادها لأداء رئيس الحكومة ورفضها أسلوب إدارته لمفاوضات السلام وتقديمه لتنازلات كبيرة دون الحصول منهم على أي تعهد بالتخلي عن تمردهم المسلح.
رئيسة البلاد لم تكتف بسلسلة الإقالات بل علَّقت عمل البرلمان لمدة أسبوعين وأعلنت حالة التأهب في صفوف الجيش ومنحت القوات العسكرية سلطاتٍ لاعتقال المشتبه فيهم لفترات طويلة، وأمرت بنشر وحدات من الجيش حول محطات الإذاعة والتليفزيون ووسائل الإعلام الأخرى ومحاصرة محطات الطاقة الكهربائية تحسباً لأي طارئ هذه تطورات يرى فيها المراقبون مجرد توطئة لأزمة سياسية خطيرة قد تقوِّض حالة الهدوء التي أعقبت وساطة نرويجية عاد بمقتضاها نمور التاميل إلى المفاوضات وقدموا لأول مرة ما يشبه خارطة الطريق لإنهاء الحرب وبداية التطبيع، لكن حالة الطوارئ المعلنة وغياب حكومة مكتملة ومخولة بالتفاوض قد يعيق ترتيب اجتماعٍ كان مقرراً لشهر ديسمبر المقبل لمناقشة الخطوات الأولية في التسوية وقد تعيد خلط الأوراق ومراجعة الأولويات لدى التاميل على وجه الخصوص إذا ما رأوا أن حالة الفراغ إذا ما استمرت والصراع بين رأسي السلطة التنفيذية يمكن الاستفادة منه أكثر باعتماد أسلوب المواجهة والضغط من جديد ما دامت رئيسة البلاد ماضية في سياسة التشدد واستبعاد كل دعاة الحوار في حكومة (رانيل وكرماسنجي) الذي أخذ يجاهر بانتقاده لسياسة كوماراتونجا وهو الذي يحظى بأغلبية في البرلمان تعهد باستخدامها للحفاظ على عملية السلام، ولعل أهم ورقة بيده الآن أنه يتمتع بدعم الرئيس الأميركي (بوش) نتيجةً للزيارة التي قام بها لواشنطن الأسبوع الماضي وتلقيه الدعم الكامل من البيت الأبيض بوصفه رجل السلام.
شاندريكا كوماراتونجا.. شخصية الأسبوع
جميل عازر: والانقلاب الدستوري الذي نفذته تشاندريكا كوماراتونجا ربما يعكس بعضاً من جوانب رؤية هذه السياسية المحنكة للدور الذي تعتقد أنه آل إليها في الحفاظ على وحدة أراضي سيريلانكا، فتشاندريكا ليست دخيلة على المعترك السياسي بل نشأت وترعرعت في كنف والدين سياسيين ووطنيين سنهاليين قلباً وقالباً ولكن هذه التركة والخلفية لم يكونا العامل الوحيد وراء وصولها إلى الرئاسة فهي إلى جانب مؤهلاتها الدراسية وتطلعاتها التقدمية اكتسبت من الخبرة وقوة الشكيمة ما جعل منها سياسية يحسب لها ألف حساب وتشاندريكا كوماراتونجا شخصية الأسبوع في الملف لن تقبل بأقل من الحفاظ على وحدة سيريلانكا طالما ظلت رئيسة للجمهورية.
تقرير/ جيان اليعقوبي: لا تثير الدول الفقيرة اهتمام وسائل الإعلام إلا مع اندلاع أزمة تهدد الأمن الإقليمي أو الدولي، وهكذا أصبحت جزيرة الشاي فجأة محط الأنظار بعد الخلاف الذي انتقل من السر إلى العلن بين الرئيسة ورئيس وزرائها، ولكن كيف تحولت هذه السيدة الخمسينية الهادئة إلى ديكتاتورة على الطراز الآسيوي؟ تحل البرلمان وتعطل الدستور وتطيح بالوزراء دون أن يرف لها جفن، تنحدر تشاندريكا من عائلة توالت على حكم البلاد منذ استقلالها وحتى الآن، فكلا والديها كانا من رؤساء الوزراء ووالدتها (سيري مافوباندرنايكا) كانت أول امرأة في العالم تحتل منصب رئيس وزراء، وقد تلقت تشاندريكا تعليماً راقياً في بلدها أكملته بأربع سنوات في جامعة (باريس) عرفت خلالها بأفكارها المثالية الحالمة بتغيير العالم حتى أنها شاركت الطلاب ثورتهم في ربيع عام 68، ثم عادت إلى كولمبو لتتزوج من النجم السينمائي (فيجايا كوراماتونجا) والذي سرعان ما تحول إلى سياسي يحظى بالقبول والشعبية، ولكن الأيام الجميلة سرعان ما انقضت حين بدأ نمور التاميل حربهم ضد الحكومة المركزية عام 83، ودارت عجلة العنف وحصدت في طريقها نحو 60 ألف شخص وحياة زوج تشاندريكا الذي اغتاله التاميل عام 89 وسقط مضرجاً بدمائه بين يديها وهما يحتفلان بالذكرى العاشرة لزواجهما، ولكن تشاندريكا التي شهدت اغتيال والدها وهي في الرابعة عشر من عمرها واصلت بشجاعة الدور الذي رسمته لها الأقدار، أي الحياة وسط العواصف والأعاصير، وعادت عام 92 لتقود حزبها في الانتخابات الجهوية، ثم الانتخابات العامة بعدها بعام، وأصبحت رئيسة للبلاد في نوفمبر من عام 94، ولكن حزبها شهد انشقاقات في صفوفه عام 2001 مما أدى إلى إجراء انتخابات برلمانية جديدة هزم فيها أمام حزب رئيس الوزراء وانتخبت تشاندريكا في اقتراع منفصل لولاية جديدة تمتد ست سنوات وتنتهي عام 2005 ولكن شوكة التمرد التي يقودها نمور التأميل ظلت الأكثر إيلاماً لجميع الأطراف، وهكذا تعرضت تشاندريكا نفسها لمحاولة اغتيال قبل ثلاثة أعوام، ولكنها نجت من الموت بأعجوبة، ويبدو أنها لن تنجو هذه المرة من حساب الشعب، فالمرأة التي كانت طالبة نجيبة ترسم وتعزف على البيانو تبدو اليوم وكأنها فقدت التحكم في زمام الأمور، فالاقتصاد يتدهور والسلام يبدو حلماً بعيد المنال، فالثقافة العالية والأفكار المثالية لا تجعل من صاحبتها بالضرورة سياسية ناجحة.
جميل عازر: وبهذا نختتم جولتنا في (الملف الأسبوعي) على أننا سنعود في مثل هذا الموعد بعد سبعة أيام لنفتح ملفاً جديداً لأهم أحداث الأسبوع القادم من قناة (الجزيرة) في قطر، فتحية لكم، وإلى اللقاء.