إبعاد مجاهدي خلق، والقمة العالمية للمعلومات
مقدم الحلقة: | جميل عازر |
ضيوف الحلقة: | إلياس حرفوش: الكاتب الصحفي والمحلل السياسي من لندن |
تاريخ الحلقة: | 13/12/2003 |
– قرار إبعاد مجاهدي خلق من العراق
– قمة العالم لمجتمع المعلومات
– نتائج الانتخابات التشريعية الروسية
– مستقبل السلام في السودان في ظل زيارة وفد الحركة الشعبية للخرطوم
– جون قرنق.. شخصية الأسبوع
– فشل حوار الفصائل الفلسطينية
– العلاقة الأميركية الصينية
جميل عازر: مشاهدينا الكرام، أهلاً بكم إلى حلقة جديدة من (الملف الأسبوعي)، وفيها:
مجاهدي خلق قرار إبعادهم من العراق، فإلى أين؟ وهل هذه نهاية المطاف للمعارضة الإيرانية؟
قمة العالم لمجتمع المعلومات، إعلان مبادئ وخطة عمل أم جعجعة بلا طحن؟
والسودان زيارة وفد الحركة الشعبية إلى الخرطوم أولى بشائر السلام، أم لا يزال الطريق محفوفاً بالمخاطر؟
قرار إبعاد مجاهدي خلق من العراق
أعلن مجلس الحكم الانتقالي في بغداد أنه تقرر إخراج جماعة مجاهدي خلق الإيرانية المعارضة من الأراضي العراقية بحلول نهاية هذه السنة، وإذ بادرت المنظمة إلى الاعتراض على هذا القرار، ووصفته بأنه جريمة حرب رحَّبت به طهران على أساس أنه خطوة إيجابية جداً، وهذا ليس غريباً بالطبع، فالحركة استهدفت نظام الحكم في طهران بعد انشقاقها عن الثورة التي كان المجاهدون جزءاً فاعلاً في بداياتها، ولكن الحركة أصبحت بلا أنياب بعد نزع أسلحتها في أعقاب الاحتلال الأميركي للعراق واعتقال قادتها في فرنسا حيث يقبعون الآن تحت الإقامة الجبرية، إذن إلى أين المصير؟ وهل انتهى دور ما كانت أداة ضاغطة على طهران؟
تقرير/ حسن إبراهيم: قرار مجلس الحكم الانتقالي طرد حركة مجاهدي خلق الإيرانية المعارضة، وإغلاق معسكراتها في العراق كان متوقعاً، فقد أصدرت قوات الاحتلال قراراً في مايو/أيَّار الماضي لنزع سلاح الحركة مع الإبقاء على مقاتليها داخل معسكراتهم في الجنوب العراقي، فأصبحت من الناحية العسكرية غير قادرة حتى على الدفاع عن نفسها.
كان القرار ضربة قوية لهذا التنظيم فاقت كل الضربات التي وَّجهتها إليه الحكومة الإيرانية إطلاقاً، وبعد اعتقال السلطات الفرنسية مريم رجوي (زعيمة مجاهدي خلق) ومائة وستين من كبار أعضائها بتهمة الإرهاب ومصادرتها ثمانية ملايين دولار من أموال المنظمة، فإن مجاهدي خلق أصبحوا مجرد اسم على مسمَّى، يفتقدون السلاح والقيادة والمال رغم إفراج الفرنسيين لاحقاً عن المعتقلين ولو بإبقاء معظمهم رهن الاعتقال المنزلي.
تأسست مجاهدي خلق في أواسط الستينات من القرن المنصرم، وتقوم أفكارها على مزيج من الإسلام والماركسية واجتهادات (المفكر الإسلامي الإيراني) دكتور علي شريعتي، وشاركت الحركة في النضال ضد نظام الشاه محمد رضا بهلوي، واغتالت العديد من المستشارين العسكريين الأميركيين العاملين في إيران في أوائل وأواسط السبعينيات، وانخرطت في الثورة الخومينية التي أدت في النهاية إلى إقصاء الشاه، وكان هناك شهر عسل قصير بينها وبين الجمهورية الإسلامية الناشئة إبَّان ولاية الرئيس أبو الحسن بني صدر، وأيد المجاهدون اجتياح الطلاب الثوريين للسفارة الأميركية الذي تسبب في قطيعة بين طهران وواشنطن لا تزال مستمرة حتى الآن.
لكن سرعان ما اختلف قادتها مع الجمهورية الإسلامية، وهرب مسعود رجوي إلى فرنسا، حيث تزعم الجناح العسكري للحركة، بينما اُنتخبت زوجته مريم رجوي رئيسة لها، ونفذوا العديد من الهجمات ضد نظام الحكم في إيران كان أشهرها على الإطلاق تفجيري البرلمان الإيراني عام 80 ثم عام 81.
منح صدام حسين مجاهدي خلق قاعدة في العراق منذ عام 86 في خضم الحرب العراقية الإيرانية عندما قاتلت الحركة إلى جانب الجيش العراقي، ومنذ حرب الخليج عام 91 عمد مجاهدو خلق إلى تنفيذ عديد من الهجمات في إيران كان أجرأها إطلاق قذائف الهاون على موكب الرئيس خاتمي عام 2000.
قرار ترحيل هؤلاء المعارضين الإيرانيين إلى خارج العراق إنما يعكس الوجود الشيعي القوي في مجلس الحكم الانتقالي، ولكن الأمر يثير تساؤلات حول ما إن كانت هذه الخطوة ستلعب دوراً مهماً في تطور العلاقة بين بغداد وطهران، وكيف سترد إيران على ذلك لمكافأة العراقيين؟ وهل ستطلب تسليم مجاهدي خلق إليها، أم أنها ستكتفي بالقول إنها ستعفو عمن يسلمون أنفسهم؟
والأهم من ذلك كله هل يمكن أن تكون الخطوة قد جاءت جزءاً من صفقة لها ثمن دبلوماسي وسياسي بين طهران وواشنطن؟
وهل يُعقل أن يفرِّط الأميركيون بأداة ضغط من هذا القبيل دون الحصول على ثمن مجزٍ بينما لا يزالون ينعتون إيران والإيرانيين بكل صفات الإرهاب والمروق؟ إن كان الأمر كذلك فإنه السذاجة السياسية بعينها.
قمة العالم لمجتمع المعلومات
جميل عازر: انعقدت القمة العالمية لمجتمع المعلومات في جنيف بحضور كبير من الوفود الدولية ورؤساء دول أكثرها يفتقر إلى تكنولوجيا المعلومات، وإذ كان الهدف من هذه القمة الأولية هو الخوض في كيفية تضييق الهوة بين الدول النامية والمتطورة في مجال المعلومات الرقمية، فإن الكلمات التي لم تتعدَّ كونها تعبيراً عن تمنيات، كما أن إعلان المبادئ وخطة العمل لتنمية تقنية المعلومات والاتصال في الدول العالم الثالثية، بقي موضوع خلاف حول كيفية تمويل ردم الهوة، رغم أن هذا الموضوع متروك للقمة المعلوماتية في تونس عام 2005، فإن توفير المعلومات ليس مسألة تقنية فحسب، بل له جانبه السياسي والاجتماعي، لأنه يتعلق بحرية الوصول إلى مصادر المعلومات عندما تتوفر الوسيلة.
تقرير/ ميشيل الكيك (مراسل الجزيرة – جنيف): القمة هدفت في أولوياتها إلى إيجاد الوسائل التي من شأنها ردم الهوة العميقة بين الشمال والجنوب، وبما أنها جمعت عدداً كبيراً من الرؤساء تحولت إلى مناسبة للتلاقي بين من هم كانوا حتى الأمس القريب أكثر جفاءً في العلاقة، فكانت القمة الاستثنائية المفاجئة بين الرئيس المصري مبارك ونظيره الإيراني خاتمي بعد أربعةٍ وعشرين عاماً من القطيعة المصرية الإيرانية، وقد شَكَّلت هذه القمة برأي المراقبين خطوة مهمة في اتجاه تحسين العلاقة بين القاهرة وطهران، بعدما كانت السلطات الإيرانية قد قطعت علاقاتها الدبلوماسية مع مصر إثر اتفاقات كامب ديفيد، ثم تراكمت الخلافات بين الجانبين بعد استضافة مصر للشاه محمد رضا بهلوي.
وإذ تحولت قمة المعلومات إلى مكان رحب لتذليل خلافات قديمة، مثل الخلاف المصري الإيراني نظراً للمعطيات الإقليمية المستجدة سواء في العراق أو الشرق الأوسط إلا أنها لم تحد عن هدفها الرئيسي، وهو تحقيق نوع من التوازن بين الشمال الغني والجنوب الفقير الذي لا تصله المعلومات اللازمة لأسباب سياسية واقتصادية مع اشتراط العديد من الدول، مثل الصين، وباكستان وبعض الدول العربية بأن يكون هناك إشراف مباشر من حكوماتها على المعلومات، أي بمعنى آخر إخضاعها لمقص الرقابة، وبقية (العبدة) الرئيسية متمثلة بالتمويل والجهات التي ستدفع الفاتورة المكلفة لإيصال التقنيات الحديثة إلى الجنوب، علماً أن الدول الغنية كالاتحاد الأوروبي واليابان لم تتعهد بدفع ما يلزم من مساعدات.
ومقارنة مع الحضور العربي والإفريقي والأوروبي الكثيف لوحظ تمثيلٌ أميركيٌ على أضعف المستويات بعدما رفضت واشنطن إنشاء هيئة تابعة للأمم المتحدة تشرف على تسيير نظام المعلومات والإنترنت مفضِّلة إبقاء هذه التقنية في أيدي القطاع الخاص، أما المنظمات غير الحكومية والمجتمع المدني الذي شارك بكل فعَّاليته في قمة جنيف، فقد شدَّد على العلاقة المتينة بين حرية التعبير وحقوق الإنسان، ورفع بعض الناشطين في هذا المجال شعارات تطالب بعراق حر وفلسطين حرة، فأيُّ حرية للتعبير والوصول إلى المعلومة الحقيقية طالما بقي الاحتلال قائماً، وكانت مطالبةٌ أساسية بأن تلتزم كل الدول من دون استثناء بمسألة حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية، واحترام التعددية الثقافية واللغوية، إذ لا يمكن أن تتحول المعلومات إلى سلعة تُباع وتُشترى وتُراقب.
مشروع طموح هدفت إليه –إذن- هذه القمة في مرحلتها الأولى التي انتهت في جنيف مع بدء الإعداد لمرحلتها الثانية في تونس في العام 2005، مع تأكيدٍ واضح من قِبَل المؤتمرين بضرورة إزالة الفوارق، حتى يتم التمكن وحسب خطة العمل الموضوعة من إيصال الإنترنت إلى كل بقعة في العالم من الآن وحتى العام 2015.
ميشيل الكيك – لبرنامج (الملف الأسبوعي)- (الجزيرة)- جنيف.
جميل عازر: وينضم إلينا من لندن (الكاتب الصحفي والمحلل السياسي) إلياس حرفوش، أستاذ إلياس، عندما نتحدث عن مجتمع المعلومات ما الذي نقصده بذلك؟
إلياس حرفوش: مجتمع المعلومات ما يُقصد به هذه الشبكة الواسعة التي تنقل المعلومة الآن عبر القارات الخمس طبعاً ضمن نطاق توافر الحصول عليها سواء تقنياً أو سياسياً من خلال الأنظمة التي تسمح أو لا تسمح بوصول هذه المعلومات، يعني هذه القرية الصغيرة التي اسمها الإنترنت في الوقت الحاضر محصورة في الدول الصناعية يعني سهولة الوصول.. الوصول إليها محصورة في الدول الصناعية، بينما هي مضبوطة إلى حدِّ كبير ومُراقبة لأسباب مختلفة في دول العالم الثالث أو أنها محدودة الانتشار في هذه الدول كما هو الحال في الدول الإفريقية مثلاً.
جميل عازر: إذن في.. في سياق القمة التي انعقدت في جنيف، نحن لا نتحدث عن مسألة تكنولوجية فقط.
إلياس حرفوش: طبعاً أنا أعتقد أنه هذا أول مؤتمر على مستوى عالمي ترعاه الأمم المتحدة وتُطرح فيه المسألة من جوانبها الثقافية والحضارية والاجتماعية، يعني في هذا المؤتمر ظهر لأول مرة أن.. كم أن الإنترنت أصبحت أداة سياسية في يد القوة التي تديرها ولو بشكل تقني وهي الهيئة -كما أشار مراسلكم- التي أنشأتها الحكومة الأميركية والتي ترفض الآن أن تديرها الأمم المتحدة كما يطالب (كوفي أنان) في.. كما طالب كوفي أنان في المؤتمر، إضافة إلى ذلك هناك مسألة ثقافية أخرى أشار أيضاً إليها الأمين العام للأمم المتحدة، هي سيطرة اللغة الإنجليزية على.. على عالم المعلومات هذا، وأعتقد أنه كان شجاعاً في طرح هذه المسألة لأنها نقطة حساسة جداً لدى الأميركيين ولدى الثقافة الأنجلوسكسونية بشكل عام.
جميل عازر: طب في تقديرك هل توفير التمويل وحده يكفي لتضييق الهوة أم أن هناك متطلبات أخرى ينبغي توفرها ليس فقط من جانب الدول المتمكنة وإنما من جانب الدول التي ستتلقى المعونات؟
إلياس حرفوش: نعم، كما لاحظنا الدول التي طُلب منها التمويل وهي بشكل خاص الدول الصناعية، الولايات المتحدة، واليابان والدول الأوروبية رفضت التمويل، رفضته لأنه فتح باب المعلومات على مصراعيه كما تريد دول العالم النامي، يعني إيصال المعلومة كما هي من غير رقابة لا يخدم الثقافة الغربية، هذه ناحية.
الناحية الأخرى: أنه هناك جانب آخر إنه هناك بعض الدول ومعظمها مع الأسف دول عربية لا ترغب حقيقة في فتح هذا الباب على مصراعيه مع أنها قادرة تمويلياً يعني ليس هناك مشكلة في العالم العربي من ناحية التمويل خصوصاً في الدول القادرة، هناك مشكلة سياسية أخرى هي محاولة حظر فتح هذا الباب على مصراعيه لأسباب أولاً سياسية وهي محاولة مراقبة مختلف الآراء المتناقضة التي يمكن أن تصل إلى هذه المجتمعات.
وناحية أخرى هي ناحية أخلاقية ودينية وهذه نقطة مهمة جداً، لأن هذه الناحية يعني وصول أو فتح ما يسمى المواقع الجنسية أو المواقع التي تنشر الشذوذ عبر هذه الشبكة أصبح يثير مشاكل من نوع الجرائم حتى في الدول الأوروبية، الدول المحافظة في العالم العربي والإسلامي -وعن حق كما أعتقد- تحاول ضبط هذه المسألة.
جميل عازر: طيب إذن في هذا السياق هل تعتقد أن التذمر من عدم إفساح المجال لدول العالم الثالثية للوصول إلى المعلومات عبر تكنولوجيا الاتصالات هل هذا التذمر من قبيل النفاق إذا لم تكن هذه الدول قادرة على تحمل تبعات هذه.. هذا الوصول؟
إلياس حرفوش: قد يكون هناك شيء من ذلك، طبعاً مثل –كما قلت سابقاً- في الدول.. لدى الدول التي ليست لديها مشكلة تمويل، أعتقد أنه هناك دول أخرى نامية، طلبت التمويل في هذا المؤتمر، أعتقد أنها جدية في طلبها وأن هناك الآن دول في القارة الإفريقية على طريق النمو الديمقراطي تحاول فعلاً وبشكل جدي فتح هذا الباب، ولكن كما قلنا المشكلة ثقافية، يعني أي ثقافة يريد الغرب أن تصل إلى هذه الدول الإفريقية؟ من هنا مشكلة الحد من التمويل التي عرقلت هذا المؤتمر وانتهى -كما رأينا- بدون أي نتائج حسية.
جميل عازر: طيب حتى لو توفر التمويل ولو توفرت الوسائل ألا تعتقد أن الذي يتحكم بمصدر المعلومات هو الذي يمكن أن –إن صح التعبير- يدير شؤون العالم أيضاً؟
إلياس حرفوش: طبعاً.. طبعاً، من هنا.. من هنا الرفض الأميركي المطلق لتغيير.. لإنشاء هيئة أخرى تشرف عليها الأمم المتحدة لمراقبة شبكة المعلومات، يعني نحن قد نتوقع.. إذا كان الإنسان عادياً ولا يعرف دقة التقنية هذه أن المعلومات مفتوحة على مصراعيها على شبكة الإنترنت هذا غير صحيح، لأنه الهيئات التي تشرف على هذه الشبكة تشبه إلى حد كبير هيئات الرقابة التي تقوم في بعض الدول العربية على.. على المواقع التي تُفتح أو لا تُفتح بنفس القدر –وإن يكن بنسبة أقل طبعاً- هذه الهيئة التي تشرف على الإنترنت هي التي توصل لك المعلومة أو لا توصلها، من هنا نجد غزارة المادة الموجودة على الإنترنت تتصل مباشرة بثقافة معينة هي الثقافة الغربية –كما قلنا- وحتى لو أُتيح للعالم الثالث أن يوصل معلوماته فإنه في ظل التنظيم الحاضر غير قادر على ذلك.
جميل عازر: أستاذ إلياس حرفوش في لندن، شكراً جزيلاً لك.
نتائج الانتخابات التشريعية الروسية
وإلى روسيا والانتخابات التشريعية التي يبدو أنها ضمنت للرئيس (فلاديمير بوتين) تأييدا قوياً في الدوما وحتى عودة إلى الرئاسة في الانتخابات الرئاسية القادمة، غير أن هذه الانتخابات لم تنجُ من انتقادات خارجية من الجانب الأوروبي والأميركي، ليس لكيفية إجرائها وإنما للحملة التي سبقتها، فالناقدون يقولون إن النتيجة التي أعطت مؤيدي بوتين ذلك العدد الكبير من المقاعد في الدوما إنما جاءت بفضل تسخير وسائل الإعلام الرسمية وحرمان الأحزاب المعارضة والليبرالية من قدرٍ مماثل من الدعاية في تلك الوسائل، وإذا كان أنصار حزب روسيا المتحدة يقولون إن انتصاره يعني استمرار الإصلاحات الديمقراطية في روسيا، فإن المعارضين وعلى رأسهم بعض الميالين إلى الغرب يرون في ذلك الفوز تكريساً لدولة بوليسية تقمع الحريات.
تقرير/ أكرم خزام (مراسل الجزيرة – موسكو): البرلمانيون الروس الذين عملوا لمدة أربعة أعوام في الدوما الثالث أنهوا فترتهم النيابية وودعوا بعضهم وأخلوا الأمكنة للدوما الرابع الذي سيصبح دوما بوتين، دوما خالياً من المعارضة اليمينية ذات النهج الراديكالي الاقتصادي، وخالياً من أكثرية شيوعية كانت قد سيطرت على البرلمان السابق، وخلقت متاعب للسلطة التي استخدمت العنف ضده عام 93 تارة وهددت بحل الدوما في فترات زمنية لاحقة تارة أخرى.
الدوما الرابع الجديد خلاصة انتخابات برلمانية لم تكن فيها حظوظ المتنافسين متكافئة بسبب الدعم المالي والإداري الهائل لحزب السلطة "روسيا الموحدة" الذي وبالرغم من افتقاره لبرنامج سياسي واقتصاره على تأييد بوتين حصد أكثرية أصوات الناخبين تاركاً قسماً منها لحركة الوطن التي تعتبر السلاح الخفي للكريملين وقسماً آخر لحزب (جرينوفسكي) الحزب الليبرالي الديمقراطي الذي سيكون ابناً مطيعاً لما يريده الكريملين في كل شاردة وواردة.
وبغض النظر عن مدى ديمقراطية ونزاهة الانتخابات البرلمانية، فمن الواضح أنها دللت على أن الشارع الروسي يمكن إدارته عبر الأوامر السلطوية من جهة، وعلى أن الأحزاب الشيوعية واليمينية في آن معاً فشلت في إقناع ذلك الشارع بشعاراتها ما يعكس وجود أزمة جدية داخل هذه الأحزاب.
نتائج الانتخابات البرلمانية التي صبت في إطار ما يريده الكريملين، أثبتت أيضاً أن الشارع الروسي يصفق لمن يقول له روسيا ستستعيد أمجادها، ولن ترحم من يحاول المساس بأبنائها، هذا الشعار القومي الرنان الذي أطلقه حزب روسيا الموحدة، وتلقفه وردده الحزب الليبرالي الديمقراطي، وعزفت على أوتاره حركة رودينا، أي الوطن.
نتائج الانتخابات البرلمانية ستؤمن (لبوتين) دعماً هائلاً في معركته الانتخابية الرئاسية في الرابع عشر من مارس/آذار العام القادم، وسيُنظر بنوع من الشفقة إلى المرشح الذي ينوي منافسة بوتين، على أن تلك النتائج ستضع السلطة أمام محك جدي فيما يتعلق بحل المعضلات التي تواجه روسيا على الصعيد الداخلي والخارجي، فمنذ اللحظة لن تستطيع السلطة القول إن مشاغبين يساريين ويمينيين يعيقونها في تمرير القوانين التي ستطرحها على الدوما الجديد للمصادقة عليها، وستتحمل السلطة وحدها مسؤولية مصير روسيا لأربع سنوات لاحقة.
الانتظار سيشكل السمة الأساسية للشارع الروسي في المرحلة اللاحقة، انتظار ربط الشعار بالفعل، انتظار إثبات مصداقية فوز حزب السلطة، الذي بدأ يتهيأ لتقاسم مراكز النفوذ في الدوما، بينما تذرف الأحزاب الخاسرة في الانتخابات دموعها.
أكرم خزام – (الجزيرة) – برنامج (الملف الأسبوعي) – موسكو.
جميل عازر: ومن قناة (الجزيرة) في قطر، نواصل وإياكم هذه الجولة في (الملف الأسبوعي)، وفيها أيضاً بعد فاصل: الفصائل الفلسطينية فشلٌ في الاتفاق على هدنة مع إسرائيل، ولكن بإبقاء الباب مفتوحا لمزيد من الاتصالات.
[فاصل إعلاني]
مستقبل السلام في السودان في ظل زيارة وفد الحركة الشعبية للخرطوم
جميل عازر: وإلى السودان حيث تتسارع وتيرة التطورات في مسيرة إحلال السلام بين الحكومة والحركة الشعبية لتحرير السودان، فمع استمرار المفاوضات بين الجانبين حول قضايا أساسية من قبيل اقتسام الثروة، وتصنيف المناطق الجنوبية، جاء وفد من الحركة الشعبية إلى الخرطوم، في زيارة يعتبرها البعض جزءاً من تباشير السلام، ولكن في خضم التركيز على التطورات بين الحكومة والحركة الشعبية، هناك في غرب دارفور من يتهمون الحكومة بأنها غير جادة في إجراء محادثات سلام لإنهاء الصراع الجديد الذي نشب في ذلك الجزء من السودان، واضحٌ أن هناك الكثير الذي ينبغي اتخاذه من خطوات لترسيخ الاعتقاد بأن السلام قادم إلى السودان لا محالة.
تقرير/ حسن إبراهيم: مشهد لم يكن ليصدقه أحد منذ أشهر قلائل، ياسر عرمان و(باجان أموم)، وبصحبة وفد ضخم من الحركة الشعبية لتحرير السودان في مطار الخرطوم، واستقبال جماهيري، وعناق حميم مع أركان نظام رفعوا السلاح ضده، وضد من قبله منذ مايو/أيار من عام ثلاثة وثمانين، لكن أولى ثمار النيباشا هي رحلة بناء جسور الثقة هذه، لقاءات الوفد امتدت من قيادات الحكومة إلى قيادات المعارضة، واللقاءات الجماهيرية، ويعتقد مراقبو الشأن السوداني أن ما أقلق بعض الأجنحة الأكثر تشدداً في الحكومة السودانية، هو الحشود التي خرجت لاستقبال عرمان وصحبه، فقد أوضح الحشد الذي تألفَّ من المواطنين الجنوبيين قاطني أحزمة الفقر حول العاصمة السودانية، أن الحكومة لم تستطع كسب ولائهم، رغم وجودها في السلطة أربعة عشر عاماً.
واشنطن لم تنس أن تلوح بجزرة كبيرة الحجم معنوياً، ففي اتصالٍ هاتفي إلى الرئيس عمر البشير، ثم إلى زعيم الحركة الشعبية لتحرير السودان (جون جارانج) وجَّه الرئيس الأميركي (جورج بوش) الدعوة إلى الرجلين لتوقيع اتفاقية السلام المزمع عقدها في البيت الأبيض، وما أجملها من هدية انتخابية للرئيس بوش، إنهاء أطول الحروب الأهلية في تاريخ إفريقيا، وأكثرها دموية، عندما يقام مهرجان التوقيع في البيت الأبيض، وفي سنة الانتخابات الرئاسية.
ولكن إبرام السلام بين الحكومة والجبهة الشعبية لتحرير السودان لا يعني إلا نهاية فصلٍ واحد -ولو رئيس- من فصول متاعب السودان، فالبيت السوداني لا يزال يحتاج إلى الكثير من إعادة الترتيب، فهناك تمرد في غربي السودان من جانب حركة تحرير السودان وحركة العدالة والمساواة، وكذلك في شرقه على يد مؤتمر (البيجا) وبقايا قوات التحالف الديمقراطي، وإن كانت الحكومة قد وقعت في سبتمبر اتفاقية سلام مع حركة تحرير السودان، ولاحقاً مع مؤتمر البيجا، كما توصل في جدة (نائب رئيس الجمهورية السوداني) علي عثمان محمد طه إلى اتفاق تفاهم مع محمد عثمان الميرغني (زعيم التجمع الوطني الديمقراطي المعارض راعي طائفة الخاتمية) فربما يحتاج الأمر إلى نفس القدر من الاهتمام، وبالطبع مزيداً من الوقت، حتى يستتب السلام في أرجاء السودان.
وهناك أيضاً مسألة إطلاق الحريات العامة، والتوقف عن إغلاق الصحف أو التهديد بإعادة اعتقال رموز المعارضة، مثل دكتور حسن الترابي (زعيم المؤتمر الشعبي الوطني).
من المؤكد أن السودان في مفترق طرق، كما أن وصول وفد الحركة الشعبية لتحرير السودان إلى الخرطوم خطوة كبيرة نحو إحلال السلام، ولكن ما لم تستوفِ كل استحقاقات السلام، فإنه لن يعني الكثير لمن يتضوَّرون جوعاً، ويعانون من الفقر والمرض، خاصة وأن السودان قُطرٌ غزير الثروات.
جون قرنق.. شخصية الأسبوع
جميل عازر: وإذا ظل اقتسامه الثروة النفطية بوجه خاص، موضوعاً يعرقل التوصل إلى اتفاق بين الحكومة والحركة الشعبية، فإن زعيم هذه الحركة جون جارانج يواصل مفاوضاته مع نائب الرئيس السوداني للوصول إلى حل، وبالتالي إلى اتفاق يمكن أن يوقع عليه الجانبان، وقد ارتبطت الحركة الشعبية بجون جارانج، منذ تأسيسها، ودعمها بجيش كان العنصر الرئيس في دفع قضية الجنوبيين إلى الواجهة، وقد أثبت جارانج أنه سياسي وقائد عسكري بنفس القدر من البراعة في انتزاع مكاسب سياسية وعسكرية ميدانية، اتخذ منها أداة فعالة للمساومة، ولجون جارانج -شخصية الأسبوع في الملف- خلفية هيَّأته لهذا الدور الذي أصبح مصيرياً بالنسبة للسودان ومستقبله.
تقرير/ جيان اليعقوبي: يبدو الدكتور جون جارانج وكأنه على بعد خطوةٍ واحدة من نهاية رحلة الألف ميل، التي بدأها من أدغال الجنوب السوداني، قبل نحو ثلاثةٍ عقود، عندما شنَّ حرباً على الحكومة المركزية في الخرطوم، أصبحت إحدى الحروب الأطول عُمراً في إفريقيا، وأكثرها عنفاً، ومازال هذا الرجل -الممتلئ البدن الطويل القامة- يتمتع بزعامة الاستثنائية في الجنوب، حيث تعيش غالبية من المسيحيين والأرواحيين، الذين فوضوا جارانج ناطقاً رسمياً باسمهم، للمطالبة بحقوقهم في اقتسام الثروة والسلطة، مع أشقاءهم في الشمال.
وُلِدَ جارانج عام خمسة وأربعين في وانجلي، لأسرة ميسورة من قبيلة الدنكا، انتقلت لتعيش في تنزانيا، التي أنهى فيها جارانج دراسته الثانوية، ومن هناك إلى الولايات المتحدة، حيث نال إجازة في العلوم عام واحدٍ وسبعين، ثم عاد إليها بعد ثلاثة سنوات في دورة عسكرية دامت عامين، وانخرط لاحقاً في الأكاديمية العسكرية في الخرطوم، وانضم إلى الجيش برتبة نقيب، بعد اتفاق السلام الذي تمَّ التوقيع عليه في أديس أبابا عام اثنين وسبعين، بإشراف الإمبراطور الراحل (هيلاسيلاسي) والذي أُعطيَ الجنوب بموجبه حكماً ذاتياً واسعاً، عاد جارانج إلى الولايات المتحدة عام أربعة وسبعين ليحصل من جامعة (أيوا) على درجة الدكتوراه في الاقتصاد الزراعي، ورجع إلى الخرطوم واستأنف عمله في الجيش السوداني الذي سرعان ما أرسله عام 83 ليُخمد تمرُّداً قام به 500 جندي جنوبي رفضوا أوامر بالتوجه إلى الشمال إثر قرار الرئيس السوداني السابق جعفر نميري نقل قوات جنوبية إلى الشمال وتطبيق الشريعة الإسلامية في الولايات الجنوبية، ولكن جارانج ذهب جنوباً ولم يعد، وما لبث أن أعلن عن تشكيل الحركة الشعبية لتحرير السودان وبعد ثلاث سنوات شكل جناحها المسلح الجيش الشعبي لتحرير السودان والذي يعتبر الأكثر تنظيماً والأفضل تجهيزاً من الناحية العسكرية ويقدر عدد مقاتليه بنحو خمسين ألفاً، تكتنف الخلفية العقائدية للجيش الشعبي لتحرير السودان نفس الضبابية التي تحيط بزعيمه جارانج فهو يُسخِّر مفرداته الماركسية للحصول على دعم الأصولية المسيحية في ولايات الجنوب الأميركي، وبعد أن كان جارانج يحصل على سلاح سوفيتي عن طريق الحكومة الماركسية في أديس أبابا وحلفائها الكوبيين، أصبح جارانج يحظى باحترام الإدارة الأميركية وثقتها منذ أوائل التسعينات، وسيتذكر التاريخ جون جارانج كسياسي محنك وثعلب ماكر أكثر مما سيذكره كمناضل عقائدي على طراز (جيفارا) أو (باتريس لومومبا).
فشل حوار الفصائل الفلسطينية
جميل عازر: ربما فشلت الفصائل الفلسطينية في التوصل إلى اتفاق على هدنة مع إسرائيل، وربما يعتبر هذا انتكاسة للجهود الفلسطينية والمصرية في سبيل إحياء خارطة الطريق رغم توزيع الاتهامات حول المسؤولية عن الفشل إلى هذا الفصيل أو ذاك، فقد أُبقيَ الباب مفتوحاً لمزيدٍ من المفاوضات مع أطراف خارج الإطار الفلسطيني الصرف، فالمقاومة تريد من إسرائيل مقابلاً لهدنة تشمل الأهداف المدنية دون العسكرية وهذا ما ترفضه حكومة شارون، وهذا يتعرض إلى ضغوط داخلية وخارجية، وقد تلقَّى صفعة أخرى بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة إحالة ملف سياجه الأمني أو الجدار الفاصل الذي يتخذ من بنائه ركيزة أساسية لسياسته الأمنية إلى محكمة العدل الدولية بعد نجاح الفلسطينيين في الحصول على تأييد دولي لمشروع قرارهم.
تقرير/ أسامة راضي: بدت الفصائل الفلسطينية التي تحاورت في القاهرة وكأنها متخوفة من أن تلدغ من جحر شارون مرتين، فحوار القاهرة جاء بعد أشهرٍ من إقرارها هدنة من جانب واحد أحبطها شارون باغتيالات استهدفت قادة حركتي حماس والجهاد.
ويُرجِعُ المراقبون عدم توصل الفصائل الفلسطينية إلى اتفاقٍ هذه المرة رغم اقترابهم منه إلى عدم الرغبة في تقديم موقفٍ مجاني دون ضمانات تلُزم إسرائيل باحترام الهدنة واتخاذ إجراءات موازية.
الكثير من اللوم وُجِّه لحركة حماس وأربعة فصائل أخرى باعتبارها مسؤولة عن إفشال حوار القاهرة الثاني ورفضها الموافقة على تفويض أحمد قريع بالتفاوض على هدنةٍ والمضي قدماً في مسيرة السلام، وهي ورقة يبدو أن قريع الذي يرتب لأول لقاء له وهو في المنصب مع شارون، كان بحاجة إليها للتحدث باسم كافة القوى الفلسطينية.
ويرى مراقبون أن شارون أيضاً كان بحاجة إلى موقف فلسطيني مهادن يُسهل له الخروج من مأزق داخلي وخارجي أيضاً، فداخلياً أظهرت استطلاعات الرأي الأخيرة في إسرائيل أن نصف الإسرائيليين لا يرونه جديراً بالثقة، كما أن أكثر من النصف غير راضٍ عن أدائه كرئيس للحكومة، وبينما يؤيد 65% منهم إقامة دولة فلسطينية يرى 62% ضرورة إخلاء غالبية المستوطنات ضمن اتفاق سلامٍ نهائي.
أما الضغوط الخارجية على شارون فيتمثل بعضها في الترحيب الدولي بمبادرات كوثيقة جنيف أو صوت الشعب التي يحاول بها اليسار المعارض سحب البساط الانتخابي من تحت أقدامه، بالإضافة إلى قرار الجمعية العامة الأخير باللجوء إلى محكمة العدل الدولية في لاهاي لاستفتائها في شرعية الجدار العازل وهو القرار الذي اعتُبر صفعة لشارون وحلفائه الدوليين كما فتح نقاشاً داخل حكومته حول مسار ذلك الجدار.
وعلى الرغم من حاجة شارون للتهدئة إلا أن المراقبين لا يستسيغون فكرة تخليه عن آماله الأمنية رغم فشل مشروعه الأمني في القضاء على المقاومة الفلسطينية، خاصة وأن قواته تواصل الاجتياحات في ظل غياب عمليات فدائية منذ نحو شهرين، كما أنه يهدد بأن لديه خريطة لطريق آخر سيمضي فيه إذا ما انهارت خريطة الطريق التي لديه أربعة عشر تحفظاً عليها.
الفصائل الفلسطينية ومن بينها حماس التي تحتفل بالذكرى السادسة عشرة لتأسيسها لا ترى أن حوار القاهرة كان نهاية المطاف، وتبدي استعدادها للتوصل إلى اتفاق ولكن بمقابل، وتتشكك تلك الفصائل في جدية الحديث الحالي عن التهدئة لاسيما مع حديث شارون عن إخلاء مستوطنات واستمراره في بناء الجدار العازل الذي تُسوِّغ حكومته بناءه بأنه لأسباب أمنية، للتغطية على حقيقة كونه يقضم الأرض الفلسطينية قضماً ويمهد لتهجير سكانها وكنتوناتٍ مقطعة الأوصال تمثل في رؤية شارون الدولة الفلسطينية.
العلاقة الأميركية الصينية
جميل عازر: برز من جديد مثلث تايبيه بكين واشنطن في الزيارة التي قام بها (ون جياو باو) رئيس وزراء الصين إلى واشنطن، فبينما كان رئيس الحكومة الصينية يستعد لزيارة واشنطن أعلن الرئيس التايواني أنه سيجري استفتاء على مستقبل العلاقة بين تايوان والصين، الأمر الذي يعني في نهاية الأمر استقلال التايوانيين عن الوطن الأم، ولما كانت واشنطن تدرك من دون شك أن الصين لن تتنازل عن تايوان حتى وإن جاءت نتيجة الاستفتاء لصالح الاستقلال فإن الأميركيين لا يريدون مواجهة مع بكين على هذه الجبهة، ومن هنا فقد دعا الرئيس الأميركي الرئيس التايواني إلى عدم إجراء الاستفتاء، وبذلك يكون الزائر الصيني قد عاد بمكسب سياسي مهم على الصعيدين الداخلي والإقليمي.
تقرير/ سمير خضر: صين القرن الحادي والعشرين عملاق يتكون ويتشكل تحت أعين وبصر أكبر قوة في العالم، ما العمل إذن.. مواجهتها ولكن كيف؟
وبماذا، ومتى؟ مجاراتها ولكن على حساب من؟ وماذا؟
واشنطن قررت إذن ألا تقرر، فالأفضل استمرار الوضع الراهن رغم كل الإبهام الذي يصاحبه، فقد انتهى عهد (كلينتون) الذي وصف الصين بالشريك الاستراتيجي وحل محله عهد بوش الذي وصم الصين بالمنافس الاستراتيجي.
نفوذ بكين يتزايد يوماً بعد يوم في شرق آسيا وبدأ هذا النفوذ يتسلَّل إلى أماكن أخرى في العالم، الأمر الذي يسبب حساسية لدى صقور اليمين المحافظ في واشنطن، فالصين لا تزال تعتمد النظام الشيوعي الذي تناصبه واشنطن عداءً عقائدياً لكنها تبنَّت استراتيجية رأس مالية وتحررية بحتة في المجال الاقتصادي، وهو ما يسميه خبراء الاقتصاد بالنموذج الصيني الذي جاء (ون جياو باو) للترويج له في الولايات المتحدة، هذا النموذج يجعل من الصين سوقاً هائلة تتنافس عليها الشركات الأميركية الكبرى التي تتحكم فيمن ينشد الاستحواذ على المكتب البيضاوي في البيت الأبيض رغم تأفف واشنطن أخيراً مما تعتبره سياسة إغراقية تمارسها الصين في السوق الأميركية مستفيدة من عاملين هامين، الأول الأيدي العاملة الرخيصة وانخفاض سعر صرف العملة الصينية مقابل الدولار الأميركي، وهنا تكمن معضلة واشنطن، نظام حكم غير قابل للتصنيف، حكومة شيوعية واقتصاد رأس مالي.
لكن الاقتصاد والسوق الاستهلاكية الناشئة ليست سوى جزء من الأسباب التي تمنع واشنطن من مناصبة بكين العداء بشكل علني، وهناك ثانياً: وضع حقوق الإنسان الذي كانت الولايات المتحدة تستخدمه كورقة ضغط هامة، لكنها فقدتها منذ أن بدأ العالم كله يتحدث عما يعتبره خرق واشنطن نفسها لمبادئ حقوق الإنسان في خضم حربها على الإرهاب.
وجاءت حديثاً قضية كوريا الشمالية وبرنامجها النووي الذي يقض مضاجع (جورج بوش) وإدارته، إذ إن بكين لا تزال تحتكر مفتاح الحل لهذا الملف وأي سياسة تنوي واشنطن انتهاجها تجاه بيونج يانج لابد وأن تمر عبر البوابة الصينية.
أما ملف تايوان فإنه يشكل الشرارة التي ستؤدي إلى مواجهة ساخنة وعلنية بين البلدين، إذ إن واشنطن تعي تماماً مدى حساسية بكين تجاه هذه القضية، وكذلك الرئيس التايواني الذي استغل فرصة وجود ون جياو باو في واشنطن ليعزف على وتر إعلان الاستقلال.
واشنطن تلقَّفت هذه النبرة بشيء من الانزعاج واضطرت إلى التصريح علناً بأنها لن توافق على الأقل في الوقت الراهن على استقلال تايوان، لكنها حذرت في الوقت نفسه بكين من مغبة اللجوء إلى العمل العسكري لإجبار الجزيرة على العودة إلى أحضان الوطن الأم.
جميل عازر: إذن بهذا نختتم جولتنا في (الملف الأسبوعي)، نذكر حضراتكم كالمعتاد بأن بإمكانكم الوصول إلى مضمون هذه الحلقة بالنص والصورة والصوت في موقع (الجزيرة نت) في شبكة المعلوماتية الإنترنت، أو الكتابة إلى عنوان البرنامج الإلكتروني.
سنعود في مثل هذا الموعد بعد سبعة أيام لنفتح ملفاً جديداً لأهم أحداث الأسبوع القادم من قناة (الجزيرة) في قطر، فتحية لكم من فريق البرنامج، وهذا جميل عازر يستودعكم الله فإلى اللقاء.