أجراس الخطر ج1
سري للغاية

أجراس الخطر.. الحقيقة وراء 11 سبتمبر ج1

تتناول الحلقة ما حدث بعد عودة يسري فودة في لقائه بالقاعدة، وفي طريقها لغزوة منهاتن القاعدة تعيش مع مخبر لمكتب التحقيقات الفدرالي.

– الأميركيون لا يسمعون إلا أصواتهم
– بداية حكاية الحادي عشر

– رسائل خطيرة

الأميركيون لا يسمعون إلا أصواتهم


undefinedيسري فودة: بعد عودتي إلى لندن من كراتشي صيف عام 2002 كانت كلمة بعينها لرئيس اللجنة العسكرية لتنظيم القاعدة لا تزال ملء سمعي تحيطني من كل جانب بأشباح الجواسيس والعملاء، قال لي خالد شيخ محمد أول ما قال عندما يأتيك هؤلاء الكلاب يقصد عملاء (CIA) وأعوانهم في هذا المبنى (MI6) عندما وليس إذا عندما يأتونك سيسألونك عن كذا وكذا وكذا، مرت شهور خمسة فَقُبِضَ على رمزي بن الشيبة الذي التقيته أيضاً في ذلك المبنى الآمن، ثم مَرَ أحد عشر شهراً فَقُبِضَ على خالد شيخ محمد نفسه، اليوم مرت سنوات طويلة على ذلك اللقاء الفريد لكن شيئاً من نبوءته لم يتحقق، كلمة أقولها والله شهيدي أنا الصحفي الوحيد في العالم الذي أتيحت له فرصة اللقاء بالعقول المدبرة لأخطر عملية إرهابية في التاريخ ولا يسأله أحد، ثمة حلقة مفقودة أم أننا أغبياء إلى هذا الحد، هل يوجد في الإدارة الأميركية كلها من هو مهتم حقاً بحل حادثة الحادي عشر من سبتمبر أم أنه يراد لنا جميعا أن نبقى في هذه المعجنة؟ على مدى هذه الحلقة والحلقات الثلاث القادمة من هذا البرنامج نُعيد دراسة الحادي عشر من سبتمبر على ضوء ما استجد من معلومات ونطرح التساؤل، هل يجوز لنا أن نأخذ اعتراف القاعدة على علته أم أنها في طريقها إلى ما يسمى غزوة مانهاتن؟ كانت القاعدة مجرد حد السكين التي كان يمسك بمقبضها أحد ما في مكان ما. لأنني كنت أسعى إلى إقناع بعضهم بالحديث إلينا قبلت دعوة للحديث إليهم داخل مجلس الشيوخ الأميركي، صار بن لادن بطلاً للكثيرين ليس لأنه هاجم أميركا ولكن ببساطة لأنه عبر عن مشاعر الكثيرين، حشد المنظمون عدداً كبيراً من الصحفيين والخبراء ممن أسميهم أعضاء نادي بن لادن مع عددٍ آخر من عملاء الاستخبارات من بينهم هذا الذي كنت أريده مايكل شوير، حتى أيام قليلة خلت كان رئيساً لِمَا يسمى محطة ألك الاسم الحركي لوحدة استخباراتية مهمتها الإيقاع بأسامة بن لادن.

مايكل شوير- رئيس وحدة بن لادن في الاستخبارات الأميركية سابقاً: لقد قالها يسري فودة صباح اليوم، بن لادن يقصد ما يقوله والعالم الإسلامي يراه كذلك، علينا أن نستمع إلى ما يقوله لكننا لا نستمع.

يسري فودة: كان عميل وكالة الاستخبارات المركزية (CIA) قد أَلَفَ أثناء عمله كتابين باسم مستعار، ثم أُمِرَ بغلقِ فَمِهِ فاستقال.

مايكل شوير: الأميركيون يخدعون أنفسهم إذا اعتقدوا أننا نتقدم في هذه الحرب والخطأ يكمن لدى القيادة في الحزبين التي لم تصارح الشعب الأميركي والتي تتلقى نصائح سيئة أو ما هو أسوأ من ذلك.

يسري فودة: قبيل انتهاء عام 2002 أُسنِدَتْ مهمة البحث عن الحقيقة وراء الحادي عشر من سبتمبر إلى لجنة قوامها سياسي في جذوره.

البروفيسور/ ستيفن غيل- معهد البحث في السياسات الخارجية: المكونات الأربعة الأولى التي طلبها الكونغرس من اللجنة هي ابحثوا عَمَ وقع يوم الحادي عشر من سبتمبر، افتراض كي يُدان لمن لم يقم بواجبه ثم قولوا لنا ما يمكننا عمله كي نمنع الإرهاب بوجه عام.

مايكل روبرت- مؤلف عبور الحد: توماس كين رئيس اللجنة شريك في مؤسسة أمردهاس مقرب من عائلة بن محفوظ السعودية في مشاريع النفط نائبه لي هاملتون له تاريخ طويل في التستر وتزييف الأدلة، فيليب زيليكو المدير التنفيذي أَلَفَ كتاباً مع كونداليزا رايس وقد تكتم على الكثير ولم تكشف شهادته.

ضياء رشوان- مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية: لابد من وجود محترفين بغض النظر عن كانوا جمهوريين أو ديمقراطيين أميركيين أو غير أميركيين لأن هذا الحدث أثر فينا جميعاً، فلماذا يستأثر الأميركيون وحدهم بالتحقيق فيه؟ إنه أثر في مستقبلنا أثر في مستقبلي أنا وأبنائي وأثر في العراق وأثر في أفغانستان وأثر في كل شيء، فلماذا يستأثرون وحدهم بالتحقيق في شيء أثر في مستقبلنا جميعاً.

سيمور هيرش- مؤلف سلسلة القيادة: لقد استولت عصابة من المحافظين الجدد على حكومتي، ثمانية أشخاص أو تسعة يحملون أكثر الرؤى تطرفاً لكن السؤال الحقيقي الذي أريده من اللجنة أن تجيب عنه هو كيف سيطروا على البلاد؟ كيف أزاحوا العسكريين والكونغرس والبيروقراطيين والصحافة؟ كيف فعلوها؟ ليس لدي إجابة.

يسري فودة: قدمت اللجنة في يوليو تموز عام 2004 نتائج عملها في تقرير اقترب من ستمائة صفحة.

توماس كين- رئيس لجنة الحادي عشر من سبتمبر: لا تزال هناك أسئلة عالقة لأن من كانوا في قلب المؤامرة ماتوا، إذا اعتقلنا أسامة بن لادن كما أتمنى ربما تكون هناك معلومات جديدة.

يسري فودة: لكن رئيس اللجنة لا يذكر أن العقول المدبرة أبو زبيدة ورمزي بن الشيبة وخالد شيخ محمد وغيرها جميعا الآن في أيدي الأميركيين وأنه لم يسمح للجنته بسؤال أي منهم ولا حتى بسؤال من سألوهم، تصدر التقرير رغم ذلك مبيعات الكتب في الولايات المتحدة الأميركية واعْتَقَدَ البعض أنه الكلمة الفصل في أحداث الحادي عشر من سبتمبر.

تييري ميسون- مؤلف الخديعة الكبرى: لقد كُتِبَ التقرير في شكل رواية فهو يبدأ بهذه الجملة.. كان الصباح صباحاً جميلاً بينما كان سكان نيويورك يتوجهون إلى العمل ثم فجأة وقع الهجوم.. بمعنى آخر يترك التقرير مجال التحقيق الموضوعي ويدخل في نطاق العواطف.

نعوم تشومسكي- مؤلف 11/9: لم يسألوا شيئاً عن خلفية الحادي عشر من سبتمبر، أين التقرير من هذا، إنه دليل على أن الإرهاب يهم إذا عانينا منه وليس حين نقوم نحن به.

"
التقرير الخاص بأحداث سبتمبر كان محاولة للخروج بحل توفيقي بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي ولذلك كان فيه خمسة ديمقراطيين وخمسة جمهوريين للخروج بمقولة موحدة تحمل رواية موحدة لشأن لا يزال غامضا
"
عبد الله النفيسي

دكتور عبد الله النفيسي- مؤلف غزوة مانهاتن: وأنا أتصور التقرير كان محاولة للخروج بحل توفيقي بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي ولذلك كان فيه خمسة ديمقراطيين وخمسة جمهوريين للخروج بمقولة موحدة تحمل رواية موحدة لشأن لا زال غامضاً.

يسري فودة: يذكر التقرير في أحد هوامشه أن خالد شيخ محمد اعترف أثناء التحقيق بأن ما قاله لمذيع الجزيرة يسري فودة من أن لجنة استطلاع تابعة لتنظيم القاعدة حددت ثلاثين هدفاً محتملاً داخل الولايات المتحدة أواخر التسعينات كان كذبة هدفها تضخيم نطاق عملية الحادي عشر من سبتمبر، بعبارة أخرى كما نفهم من التقرير إما خالد شيخ محمد كاذب أو أنا نفسي كاذب أو كلانا كاذب ولأنني ببساطة أعلم تمام العلم أن أينا لم يكذب بل أن الرجل لم يُشِر إلى ذلك أثناء لقائي به لا من قريب ولا من بعيد يبقى إذاً احتمال واحد، أخطأ التقرير إما سهواً أو عمداً وهو ما لا يطمئنني على بقية ما جاء في التقرير من أوله إلى آخره.

مايك إيزيكوف- مجلة نيوزويك: من المضحك أن الهوامش تقول للتأكد من هذا أنظر تقرير (CIA) رقم 27 مع خالد شيخ محمد، لكننا لا نستطيع أن نقوم بهذا لأن (CIA) ببساطة ترفض نشر التقارير.

مايكل روبرت: لقد تغاضت اللجنة عن بعض أوضح الأدلة وتسترت على البعض الآخر، أشعر بالعار من الانتماء إلى بلد يقدم شيئاً كهذا على أنه الحقيقة إلى العالم.

يسري فودة: في سعينا نحن وراء الحقيقة طلبنا موعداً مع المدير التنفيذي للجنة فيليب زيليكو، وافق بعد إلحاح على أن يلتقيَنا في هذا الفندق القريب من البيت الأبيض، لم يحضر أعطيناه فرصة أخرى وأخرى وأخرى لكنه رفض، اتصلنا بأعضاء اللجنة جميعهم واحداً واحداً رفضوا جميعاً واحداً واحداً، أما مايكل شوير فلم أستطع أن ألومه بعد أن قدم استقالته إذ جاء اعتذاره خوف أن تأتيه الطعنات من الخلف إذا تحدث إلى قناة الجزيرة وأما الرجل الذي كان يومها على رأس قسم مكافحة الإرهاب في وكالة الاستخبارات المركزية كوفر بلاك فلم أستطع أمامه إلا أن أفاجئه بالسؤال، لماذا يا سعادة السفير لم تتصل بي بعد لقائي بالعقول المدبرة؟

كوفر بلاك- رئيس قسم مكافحة الإرهاب سابقاً: حسناً لا أدري إذا تحدث إليك أحد أم لا، فنحن على التليفزيون وأنت تتحدث عن أمور استخبارية ولا أعلم بموقفك الشخصي، لكنني متأكد من أن السلطات المناسبة ربما ترى الآن الطريق مفتوحاً للاجتماع بك لست أدري ربما لم يُريدوا التأثير على وضعك الصحفي ربما لست أدري لا أملك الإجابة.

يسري فودة: أحد الذين لديهم إجابة على كثير من الأسئلة قضى سنوات طويلة رجل البيت الأبيض لمكافحة الإرهاب، دعاني ريتشارد كلارك إلى غذاء في واشنطن لدردشة لم أستطع بعدها أن ألومه على عدم الجلوس أمام الكاميرا، لكن الرجل الذي حكم أميركا يوم الحادي عشر من سبتمبر عندما هرول حكامها إلى المخابئ كان قد اتخذ مقعده بعد ذلك في مرارة أمام لجنة التحقيق.

ريتشارد كلارك- منسق مكافحة الإرهاب في البيت الأبيض سابقاً: إلى هؤلاء في هذه القاعة وإلى أولئك الذين يشاهدون على التليفزيون أقول لقد خذلتكم حكومتكم هؤلاء المسؤولون عن حمايتكم خذلوكم وأنا نفسي خذلتكم، حاولنا جدياً لكن ذلك لا يهم لأننا فشلنا، أسألكم عندما تُعلنُ الحقائق أسألكم التفهم والصفح لهذا يا سيادة الرئيس يسعدني أن أجيب على أسئلتكم.

بداية حكاية الحادي عشر

يسري فودة: في الحادي والعشرين من أبريل نيسان عام 2002 توقفتُ في دبي قادماً من كراتشي عقب لقائي بالعقول المدبرة، لم يكن أحد يعلم بما تم ولا حتى رئيسي في العمل كنت في حاجة إلى راحة في هذه المدينة لعلني استوعب الصدمة، هاأنا ذا في جعبتي أول اعتراف مباشر من القاعدة بأنها وراء الحادي عشر من سبتمبر بالتفاصيل، ذلك النوع من التفاصيل الذي يسهل التأكد من صدقيته، حُسِمَت القضية إذاً أو هكذا كنت أظن.

"
هناك فرق بين أن يكون تنظيم القاعدة هو الذي قام بالعملية وبين  أن تكون هناك جهة أخرى، وهناك مساحة مظلمة لم تُرى بعد، رأينا شيئا وشيئا حقيقيا ولكنه ليس كل الحقيقة
"
فهمي هويدي

فهمي هويدي- كاتب في شؤون الإسلام السياسي: هناك فرق بين أن يكون تنظيم القاعدة هو الذي قام بالعملية وبين نفي أن تكون هناك جهة أخرى، يعني أنا يكون عندي انطباع أنه فيه هناك مساحة مظلمة لم تُرى بعد، رأينا شيء وشيء حقيقي أو اقتنعنا بأنه حقيقي ولكنه ليس كل الحقيقة.

يسري فودة: ينتابني السؤال من يومها كل يوم سبع مرات أين كانوا الأميركيون وأعوانهم في كل شارع وفي كل منحنى فيما تحركت الخطة من طور إلى آخر؟ أحد أحدث استطلاعات الرأي في أميركا أوضح أن نصف سكان نيويورك يعتقدون أن حكومتهم كانت تعلم بالهجوم قبل وقوعه وأنها اختارت عمداً أن تغض النظر.

إدوارد اسبانوس- مجلة إنتيليجنس ريفيو: ربما اعتَقَدَ الذين نفذوا العملية أنهم نفذوها وحدهم لأغراضهم لكن ذلك لا ينفي احتمال أن تكون أبواب بعينها فُتِحَت أمامهم.

يسري فودة: لم أكن أعلم يومها وأنا أغادر مطار دبي أن زياد جراح كان قد استوقف هنا في طريق عودته من أفغانستان يوم الثلاثين من يناير كانون الثاني عام 2000، بناء على طلب أميركي خضع جراح الذي امتلأت حقيبته بمواد تثبت انتمائه لتنظيم القاعدة لتحقيق استمر أربع ساعات اعترف أثناءَهُ بعزمه تعلم الطيران في أميركا، وصلت المعلومات بطبيعة الحال إلى الأميركيين وبشكل عجيب سُمِحَ لمن كان حتى ساعات قليلة خلت مع أخطر رجلين في العالم بن لادن وخالد شيخ محمد بالعودة إلى ألمانيا، إلى ألمانيا وصلتُ أنا بعد ذلك بنحو شهر مسلحاً بمعلومات أهداني إياها منسق عملية الحادي عشر من سبتمبر رمزي بن الشيبة أسماء أشخاص عناوين بعينها أرقام هواتف وغيرها من تفاصيل، كانت هامبورغ أول محطة للتصوير كي أتأكد مما قاله لي زعماء القاعدة وكنت أراها لأول مرة بعينَيْ من كان نقطة ارتكاز أخطر خلية في التاريخ، لكن شغفي كان يزداد يوماً بعد يوم، كنت قد اضطررت إلى ترك شرائط اللقاء معهما على أن يجدا هما طريقة لتوصيلها إليَ في مرحلة لاحقة، عُدتُ إلى مكتبي في لندن فوجدت رسالة بالفاكس ممن سميته أبا بكر الوسيط الذي كان أصلاً رتب اللقاء يقول فيها.. قابلت بالأمس الرجل الذي كان معنا في المطار وحدثته في الموضوع وإن شاء الله سنقوم بإرسال الأغراض إليكم وكن مطمأن سوف أتابع معهم وأتواصل معكم بالهاتف.. بعدها بيومين كنت في القاهرة للقاء مشحون مع والد محمد عطا كان ولا يزال في حالة رفض تام.

والد محمد عطا: ابني يا إما معتقل في أميركا يا إما صُفِي.

يسري فودة: أثناء وجودي هناك لم تستطع الذرائع الإعلامية للقاعدة أن تنتظر حتى انتهائي من التحقيق فأرسلت شريط كان خالد شيخ محمد قد أعطاني نسخة منه إلى قناة الجزيرة بشكل مباشر فأذاعته، رسالة لا لبس فيها.

[شريط مسجل]

أحد أفراد تنظيم القاعدة: فإلى أميركا صَنِعُوا توابيتكم واحفروا قبوركم فالموت قادم لكم بإذن الله.

يسري فودة: فيما وصلتُ إلى بيروت بحثاً عن جذور زياد جراح كان إحساس قد بدأ يتسرب إلي بأن كلاً من خالد ورمزي قد عاد أدراجه من حيث أتى تحت الأرض وأن آخرين الآن هم الذين يمسكون بشرائط اللقاء، كان رمزي قد أكد لي أنه سينشغل هو نفسه بالإشراف على إنتاج فيلم وثائقي عن الحادي عشر من سبتمبر من خلال شركة السحاب، أثناء وجودي أمام منزل زياد جراح في مرج البقاع اتصل بي فجأة أبو بكر كان يريد التأكد من وصول ذلك الفاكس ولم يكن لديه جديد، طور الغربيون اهتماماً خاص باللبناني الذي كان يفكر في الجنة فيما كان يستمتع بدنياه، من بيروت طِرتُ إلى الدوحة في الرابع عشر من يونيو حزيران عام 2002، كان قد مر إذاً على لقائي بزعماء القاعدة أربعة وخمسون يوماً شهران تقريباً وكان من الصعب كتم الخبر أكثر من ذلك، اضطررت إلى التنازل عن السيطرة على الموقف قبل أن يسيطر الموقف عليَ الآن، ثلاثة من زملائي في الجزيرة كانوا يعلمون، هدأت الدوحة في عيني هدوء أهدأ من هدوء الدوحة التقيت فيها بعالم كويتي جليل لم أستطع وقتها أن أسأله لماذا يصر رمزي بن الشيبة على أن تشارك أنت تحديداً في برنامجي؟ كان له أن يعلم بعدها بعامين عندما التقينا في الدوحة مرة أخرى بعد أن قرأها في كتابي.

عبد الله النفيسي: أنا استغربت بالفعل لأن لم تكن تربطني أي معرفة برمزي أو بخالد رفيقه في الجهاد، لكن لا شك هذا يدل على متابعة من طرفهم إعلامية لِمَا يُطرَح في الجزيرة قناة الجزيرة عندكم، أكثر من مرة نناقش موضوع القاعدة وربما من خلال متابعتهم وجدوا فيما نقول ويقوله آخرون أيضاً يعني ضالة فكرية ومادة فكرية للاستعانة بها.

يسري فودة: هل يقلقكم ذلك بشكل أو بآخر؟

عبد الله النفيسي: لا أبداً لا يقلقنا نحن نعتقد بأنه آن الأوان للأمة الإسلامية أن تُعيد صياغة أفكارها من جديد وِفْقَ مصالحها ووفق دينها وحتى لو لم يرض الأميركان عن ذلك.

يسري فودة: من الدوحة إلى كراتشي كان قراري بالعودة إليها في ذلك الوقت قرار أكثر من جريء، فإلى جانب اجتماعي فيها قبل شهرين باثنين من أخطر المطلوبين أميركياً وألمانياً كانت هذه المدينة قد شهدت قبل أيام معدودة هجومين أحدهما على أحد فنادق النجوم الخمسة والآخر على القنصلية الأميركية، انفتحت العيون الآن في كل زاوية وفي كل شارع، رويداً انتقلت قندهار إلى كراتشي كان الأميركيون يعلمون وكان الرئيس الباكستاني قد اتخذ قراره الاستراتيجي بالانضمام إلى الأميركيين فيما وُصِفَ بالحرب على الإرهاب وكنت أنا وقتها بدوري قد اتخذت قراراً استراتيجياً سأستمر في إنتاج هذا التحقيق سواء وصلتني شرائط اللقاء أو لم تصل، من أجل هذا كنت في حاجة إلى إعادة بناء ما تم من أحداث قبل ذلك بشهرين، كيف توهوني في شوارع كراتشي؟ كيف ساقوني خارجها ووضعوا عصابة على عيني؟ كيف وجدت نفسي على سلم في الطابق الرابع في مبنى كهذا في انتظار أن يُفتَحَ الباب؟ كانت المسألة كلها غريبة ومضحكة في بعض الأحيان من وجهة نظر فريق محلي لم يكن يعلم لأي غرض يتم التصوير لكنني كنت أمهلت نفسي أربعة أيام أو خمسة لإنجاز ذلك عسى في أثنائها أن يتصل أبو بكر وأحياناً يأتيك الحظ، اتصل أبو بكر بعدها بساعات قليلة كان في غرفتي في هذا الفندق.

يسري فودة: شاي؟ قهوة؟ أي حاجة؟

أبو بكر: شاي. كيف أخبارك إنت؟ الآن أنا قلت لك عن أبو غيث أنا كنت عاوز أدخله في الموضوع، هو متحدث شوية الآن همه بيراقبوا التليفونات مراقبة شديدة الفرنسيين شغالين عندهم سيارات، المخابرات الفرنسية والمخابرات الأميركية حتى التليفونات، أنا عندي أربعة تليفونات غلقوهم كلهم والله أربعة تليفونات إحنا مصلحتنا أكلمك أنا الصراحة مصلحتك إنت مصلحتنا إنت رجل ليس محسوب على القاعدة مثلاً وإحنا في نفس الوقت.

يسري فودة: علشان كده أنا كنت متخيل الموضوع أسهل وأنا هنا.

أبو بكر: لما أنا أرسلت لك وهم قالوا أرسلت لك فاكس، هو رمزي كتب لي قال لي الورقتين دوله هادي وجهة نظرنا إذاً هو يحب بساعد معانا في هذا الأمر وإحنا أرسلنا لك الفاكس هذا.

يسري فودة: نعم.

أبو بكر: وبعدين أنا كلمت خالد، قال لي 15 يوم وبعدين كلمني قال لي يا أخي في شهر تسعة.

يسري فودة: هو الأخ خالد مش فاهم المسائل الفنية؟ أنا صورت في ألمانيا وفي بريطانيا وفي مصر وفي بيروت وفي الإمارات وهنا ورايح أميركا بعد كده.

أبو بكر: أنت توكل على الله على أميركا وبإذن الله وحده عندما تصل أنا هأوصل لك الأمور في قطر أو.. المهم ها نتصرف في الموضوع.

[فاصل إعلاني]

يسري فودة: الولايات المتحدة الأميركية تلك التي سماها بن لادن ومؤيدوه رأس الأفعى في طريقهم إلى الحادي عشر من سبتمبر، وَجَدُتنِي في رحلة مكوكية لمدة أسبوعين من توتلاند شمال بوسطن حيث قضى محمد عطا ليلته الأخيرة في هذا الفندق عبر مختلف المطارات التي أقلعت منها طائرات الموت إلى المدارس التي تعلموا فيها الطيران، كان رمزي بن الشيبة يريد أن يلتحق بزميله زياد جراح في هذه المدرسة في فينيسيا غربي فلوريدا على وجه التحديد.

آرني كرويتهوف- مدير مركز فلوريدا للطيران: كثيراً ما نحيل الضعفاء في اللغة الإنجليزية إلى مدرسة للغات ومن خلال إحداها حاول رمزي الحصول على تأشيرة لكنه فشل وعندما سألت زياد لماذا فشل؟ قال لا أدري.

يسري فودة: أثناء وجودنا في فينيسيا اتصل أحد عملاء مكتب التحقيقات الفدرالي بمنتج التصوير كان يستفسر عما فعلناه وعما سنفعله، تجنب العميل أن يتحدث إلي لكن ناقوس من نوع خاص دق في قلبي، في اليوم التالي كنا نصور أحد الشواطئ شمالي ميامي حيث كانت تسكن طائفة من جنود القاعدة عندما اتصل أبو بكر كي يقول لي إن الشرائط الآن بين يديه، هرولت في رحلة طويلة متصلة من واشنطن إلى لندن إلى دبي إلى كراتشي وصلتها في السابع والعشرين من يوليو تموز عام 2002، في الفندق نفسه في الغرفة نفسها اتخذ الرجل مقعده المفضل فيما تنقلت عيناي في فضول بين جيوبه علني استرق تأكيد على وجود البضاعة لكنه قال لي إنه تركها وديعة لدى أحد الأخوة وأنه سيخرج الآن كي يعود بها، قبل خروجه أعطاني قرصاً به رسالة من رمزي فقط لأن الزمن تجاوز أهميتها الأمنية بعد القبض على رمزي وخالد نكشف الآن النقاب عنها لأول مرة.

رسائل خطيرة

[رسالة من رمزي بن الشيبة]

رمزي بن الشيبة: هناك بعض الملاحظات في حالة سؤالكم عن الأشخاص الذين قابلتهم، من المهم جداً أن لا تعطي تفاصيل جديدة لشخصياتهم والتغيير الحاصل لهيئاتهم والاكتفاء بالملامح الموجودة عندهم في الصور، يحبذ أن تكون لكم مقابلة مع الدكتور عبد الله النفيسي والأستاذ عبد الباري عطوان هناك إصدار جديد لمؤسسة السحاب ينتهي العمل منه قريباً قد نزودكم بنسخة أولية منه حال الانتهاء منه مع بعض المقتطفات للشيخ أسامة وغيره من القيادات، القَسَمُ الذي أقسم به الشيخ أسامة يشكل محور مهم لعملكم أرى أن تضمنوه عملكم هناك بعض الأناشيد مثل قوافل الشهداء واحد واثنين وثلاثة يمكن أن تحصلوا عليها من المكتبات الإسلامية يُرجى مراعاة عدم مصاحبة الموسيقى للقرآن الكريم أو الحديث الشريف بأي حال من الأحوال وجزاكم الله خير.

يسري فودة: ثم عاد أبو بكر لدى منتصف الليل وليته ما عاد، عاد مكفهر الوجه مضطرب كي يلقي على الطاولة برسالة خطية من الأخ الذي ائتمنه على الشرائط.

[الرسالة الخطية]

الأخ: نحن المجاهدين نتعرض لضغوط كثيرة هذه الأيام ورغم أننا نقاتل في سبيل الله لا يصلنا ما يكفي من الدعم في مرحلة حاسمة من جهادنا وبناء على ذلك فإننا نطلب منكم التبرع بمبلغ مليون دولار لمساعدة الأخوة على الاستمرار في الجهاد في سبيل الله ولا يُعتبر هذا المبلغ ضخم بالقياس إلى أننا عشرة مجاهدين لا نزال متمسكين بكلمة الله وهؤلاء الصحفيون قادرون بالتأكيد على تدبير المبلغ ومن المهم أن يتم تدبير المبلغ نقداً وأن يوضع في حقيقة سامسونايت تغلق بالأرقام السرية ويتم توصيلها إلى الأخ فلان الذي يعمل في صيدلية كذا الموجودة في كذا مع العلم بأن هذا الأخ لا يعلم بهذا الأمر ولكننا نثق به وهذا رقم الهاتف المحمول عليك أن تتصل بهذا الرقم وتترك الشفرة الرقمية لفتح الحقيبة علماً بأن هذا الهاتف سيعمل فقط لمدة يومين ستبقى الشرائط لدينا إلى أن يتم تسليم الحقيبة وعندها سنقوم بتوصيل الشرائط إليكم بمعرفتنا.

يسري فودة: ألقيت بنفسي إلى شوارع كراتشي ورائحة عفنة تزكم أنفي، اِنْهَارَ أبو بكر حين قلت له أن بوسع أصدقائه أن يحصلوا على مبلغ أكبر من القنصلية الأميركية، كان رفضي مبني على يقيني بأن أياً من رمزي أو خالد لم يكن على علم بهذه المساومة، عدتُ إلى لندن وأنا أكثر يقيناً بأنه لو كان المال هدف أياً منهما لكان يمكنه أن يحصل على ما هو أكثر من هذا بأقل من ذلك وبأن من سولت له نفسه أن يستغلَ حقيقة أنهما الآن في مخبئهما مكتوفة أيديهما لن يجرؤ على بيع الشرائط لأحد آخر وإلا حكم على نفسه بالإعدام إن عاجلاً أو آجلا لقد كانت تلك ببساطة بضاعة لا يشتريها إلا زبون واحد، لدى تلك المرحلة افترضتُ أن ما كان بين يدي هو كل شيء لا انتظار بعد اليوم حان وقت كتابة النص، هذه قصة لم يشهد تاريخ الصحافة مثلها وفرة في المعلومات وقلة في الوضوح كلما تَعَمَقتَ فيها زاد الغموض، اشترط خالد ورمزي قبل اللقاء ألا أتحدث عن تفاصيل أمنية فوعدته والتزمت بوعدي على حساب أمني الشخصي أحياناً حتى تغير الموقف ولم تعد لتلك التفاصيل قيمة، كان رمزي في الوقت نفسه يريد أن يخرج البرنامج وفقاً لرؤيته فاستمعت إلى مقترحاته ولم أقطع على نفسي لا أمامه ولا من وراءه وعداً بتنفيذها بعضها كان ذكي يعتمد على الحقائق فاستعنت به وبعضها كان دعائي لا علاقة له بالحقائق فأهملته، فجأة وصلني اتصال من أحد الزملاء في الدوحة وهو لا يعلم ما كنت أفعل يسألني إن كنت في انتظار بعض الشرائط أوقع في يدي فلم أرد فشرح أن أحداً ما قد اتصل في مكتبنا في إسلام أباد يطلب سبعة عشر ألف دولار في مقابل توصيلها إليَ، كان رفضي هذه المرة أكثر حدة تحولت المسألة الآن إلى مجرد مسألة مبدأ بعدها بأيام قليلة وقد أوشك شهر أغسطس آب على الانتصاف كنت أضع اللمسات الأخيرة على الجزء الأول من التحقيق عندما اتصل بي صوت لم أتعرف عليه في البداية ثم فجأة بعد تلميح وترميز أدركت أنه ذلك الشاب الذكي الذي سميته حسن، كان دليلي الذي صعد بي إلى حيث المنزل الآمن من يومها صار أبو بكر مجرد ذكرى، فهمتُ من حسن أنه لا توجد لديه نسخة أخرى من الشرائط وإن كان لدى رمزي الذي عَلِمَ الآن بالموضوع شيء يمكن أن ينقذ الموقف، بعدها بيومين وصل إلى مكتبي مظروف بني اللون أدركت حتى قبل أن أفتحه من طريقة كتابة العنوان أنه من القاعدة كان يحتوي فقط على اسطوانة كمبيوتر (CD Rom) أجابني رمزي على أسئلة إضافية كنت قد تركتها له في رسالة مع أبي بكر في تلك الليلة العصيبة كان من أهمها الأسماء الحركية للتسعة عشر سَبْقٌ صحفي عالمي والنص الكامل لآخر رسالة إلكترونية بعث بها محمد عطا من أميركا إلى حبيبته جيني في ألمانيا ولم تكن هذه صور رمزي بن الشيبة يشير فيها إلى اللمسات الأخيرة للعملية، سبق صحفي عالمي آخر والأهم من ذلك نسخة صوتية من لقائي به في كراتشي لحسن الحظ كان قد احتفظ بها.

رمزي بن الشيبة- منسق عملية 11 سبتمبر: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي نصر عبده وأعز جنده وهزم الأحزاب وحده والقائل في كتابه الكريم: {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ ويُخْزِهِمْ ويَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ ويَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ}.

يسري فودة: داخل غرفة المونتاج اكتشفت أن رمزي قد تلاعب إلكترونياً بصوته لإخفاء معالمه، بعد قليل استطعت أن أعيده إلى أصله لكنني قررت في النهاية أن أستخدمه كما جاء من المصدر لقد كان هذا هو الاتفاق على أية حال ولم أكن أملك سوى الالتزام به، تعمدت ألا أستخدم صوت رمزي لا في الإعلان الترويجي ولا في الجزء الأول نفسه فقط أضفت سطرين لدى نهايته، في الجزء الثاني من هذا التحقيق أول اعتراف مباشر، كيف خططت القاعدة وكيف نفذت الحادي عشر من سبتمبر أيلول؟ تناقلت وكالات الأنباء وكبريات الصحف هذين السطرين فور إذاعة الجزء الأول ليلة الخامس من سبتمبر أيلول عام 2002 وبعدها بثلاثة أيام كانت صحيفة صانداي تايمز تحمل الخبر على صدر صفحتها الأولى مع مقال من ثلاث صفحات كتبته أنا باللغة الإنجليزية بالتنسيق مع قناة الجزيرة، انتشرت القصة في العالم انتشار النار في الهشيم بكل لغة الأرض انفتحت فجأة شهية العالم فطُلِبتُ إلى الدوحة على وجه السرعة، كان ثمة سبب إضافي لهذا الاستدعاء العاجل فقد وصل إلى الجزيرة للتو شريط من القاعدة لم يكن شريطي أنا رغم أن الأفكار غازلتني قليلاً لابد أنه إذاً ذلك الشريط الذي قال لي رمزي إن شركة السحاب كانت تقوم بإعداده، احتوى الشريط على ثلاثة مقاطع رئيسة تنشرها القاعدة لأول مرة وصية عبد العزيز العمري رفيق محمد عطا حتى آخر لحظة، صوت بن لادن يؤبن شهداء القاعدة واحداً وحداً ويذكر مناقب كل منهم واحداً واحداً وأخيراً صور نادرة لعدد من الجنود يدرسون في أفغانستان خرائط الأهداف قبيل سفرهم إلى الولايات المتحدة، لأول وهلة لفتت الخرائط نظري وكتب الطيران وغيرها من تفاصيل لقد كانت هي، هي نفسها التي قمت بتصويرها بيدي في ذلك المنزل الآمن، ثم أرهبت السمع إلى الصوت المعلق لا يمكن إلا أن يكون هذا الصوت إلا لشخص واحد رمزي بن الشيبة، لم يستطع رجل مقاومة شغفه بالإعلام فوقع هو طوعاً في شرك كان يحذرني منه كان صوت منسق عملية الحادي عشر من سبتمبر داخل قناة الجزيرة ولم يكن أحد يعلم لا في الجزيرة ولا في غير الجزيرة حتى اليوم، منعت نفسي حتى في الإعلان الترويجي للجزء الثاني من استخدام صوت رمزي بن الشيبة حتى آخر يوم صباح الذكرى الأولى للحدث، بعد نحو خمسة أشهر من العمل المتواصل منذ لقائي بزعماء القاعدة غادرت مبنى الجزيرة أطلال إنسان عائد أدراجي إلى الفندق ممنياً نفسي بنوم عميق تعقبه استرخاء كسول على شاطئ الدوحة الساحر صباح اليوم التالي، في عز الليل كان رئيس التحرير المناوب عرار الشرع يوقظني كي يفجر في وجهي قنبلة لقد قبضوا على رمزي بن الشيبة لم أستوعب انهمر شريط طويل من الذكريات على رأسي فرادة وجيوشاً وأنا أحاول أن أجد معنى لِمَا حدث على ضوء تجربة مرهقة كانت من وجهة نظر صحفية أقرب إلى حلم رومانسي تحول فجأة إلى كابوس ضاغط، وصل إدراكي إلى سيناريو بعينه يمكن أن يشرح ما حدث ثم ما لبث أن لمع أمام عيني سيناريو آخر محتمل ثم ثالث ثم رابع تسرب إلي ذلك الإحساس بالعجز وأنا أدرك أنني لن أستطيع أن ألوم أحداً إذا ربط بين لقائي به والقبض عليه يا لصعوبة الموقف ويداي مغلولتان بوعود قطعتها على نفسي في ذلك المنزل الآمن قبل إجراء الحوار هي قصة لا أنساها حتى بعد مرور سنوات طويلة وهو موقف من تلك المواقف التي تختبر معادن الناس، أُشهِرَت الخناجر والسكاكين، صحيفة نيويورك تايمز تلومني لأنني كتبت القصة ولم أتصل بأي جهة أمنية، الواشنطن بوسط نزعت كلماتي من سياقها وزعمت أنني خائف من العودة إلى مسرح اللقاء، الأهرام المصرية لم تصدق أنني نجحت في التصوير في كل تلك الأماكن دون مساعدة مخابراتية، عنوان على صدر صحيفة لبنانية الجزيرة أبلغت المخابرات الأميركية بالموعد يقصدون موعد اللقاء في باكستان الذي لم يعلم به حتى رئيسي إلا بعدها بنحو شهرين، أما السيناريو الخرافي كله فقد هبط بقدرة قادر على صحيفة سعودية ممن تقول إنها مصادر تدعي أن المخابرات الأميركية اتصلت على مستوى عالي بقناة الجزيرة فور بث البرنامج وأن الشخصية الكبيرة اتصلت مباشرة بفودة وطلبت منه التعاون وقامت المخابرات الأميركية بمراقبة تليفون فودة الشخصي وتوصلت عن طريقه للوسيط الباكستاني ويبدو أن هذا الخيط من التخمينات بريئة كانت أم مغرضة أوحى لمجلة ديرشبيغل الألمانية أن تفكر في إعداد تقرير حول هاتفي المحمول لونه حجمه طرازه ما إذا كان له جورب أو سماعة أذن، أكثر ما أثار سخريتي تقرير طويل في جريدة الشرق الأوسط عنوانه محققون أميركيون وباكستانيون يستجوبون منسق هجمات الحادي عشر من سبتمبر رمزي بن الشيبة وأبو بكر المسؤول الإعلامي للقاعدة، ذلك أن أبا بكر هذا نفسه لم يكن يعلم أنني سميته أبا بكر إلا بعد أن أذيع البرنامج والأهم من ذلك أنه لم يُقبض عليه ولا يحزنون، أما القاعدة نفسها فقد أصابها تخبط مؤقت غير معتاد ففي البداية أنكر موقع الجهاد الإلكتروني وقوع رمزي في الأسر ثم وصفني بيان لاحق بالخنزير والخائن بينما أصدرت الجماعة التكفيرية التي لم يُسمَع بها من قبل بيانها الأول الذي تقول فيه إنني هالك بإذن الله، كان الاحتفاظ برأس بارد خلال ذلك الأسبوع الثالث من سبتمبر أيلول عام 2002 أشق من تجربة كراتشي نفسها وما تبعها من مخاطر لم أعد قادراً على التأكد مما إذا كان بيان ما صادراً عن القاعدة أم عن هؤلاء وقد كانوا كُثراً الذين حاولوا الاصطياد في الماء العكر، قررت أن أغير أحد عناصر قصتي مع خالد ورمزي على أن يكون هذا العنصر معروفا فقط لهما وللفئة القليلة من أخوانهم التي كانت على علم بالموضوع وعلى أن يكون هذا من العناصر الأساسية في رواية أي قصة دون أن يؤثر تغييره في صدقيتها وعلى أن يكون خالد وأخوانه في موقف يسمح لهما بتعديل التغيير عندئذ وعندئذ فقط أستطيع أن أتأكد مما إذا كان البيان التالي قد أتى فعلاً من القاعدة الحقيقة أم من طرف آخر، انتظرت أسبوعاً كاملاً لم أفتح فمي رغم اهتمام دولي غير مسبوق صرت معه أنا نفسي جزءً من الحدث وحين قررت أن أتحدث كان لابد أن يكون الحديث عبر قناتي قناة الجزيرة.

[مسجل أكثر من رأي 20 سبتمبر 2002]

يسري فودة-: أجد بعض العذر لأن يقفز إلى أذهان بعض الناس هذا الربط لكن أن يوحي أحد غير ذلك يعني حقائق ووقائع الأمور تنفيه وأنا متأكد أن هؤلاء الذين وجهوا لي الدعوة وهؤلاء الذين كانوا حولهم يعلمون تماماً ما الذي تم قبل وأثناء وبعد اللقاء ثم رأوا البرنامج بعد ذلك وهم أكثر الناس الذين أطمئن إليهم في هذه اللحظة.

يسري فودة: في ثنايا إجاباتي لم يدرك كثيرون أنني قمت بتغيير موعد اللقاء فزعمت أنه حدث في يونيو حزيران عام 2002 رغم أنه حدث قبلها بشهرين.

[مسجل أكثر من رأي 20 سبتمبر 2002]

يسري فودة:توجهت للحصول على معلومات وعدت بمعلومات وخاطرت بحياتي أستحق إن لم يكن الشكر على الأقل أن يدعني الناس في حالي.

يسري فودة: صباح اليوم التالي صدر البيان وصلت الرسالة إلى الرجال الحقيقيين فكانوا على مستوى المسؤولية.

[رسالة خطية]

خالد شيخ محمد: حرصاً من المكتب الإعلامي لتنظيم القاعدة على إظهار الحقيقة وقطع الأقاويل والشائعات فإنه يود التأكيد للجميع على أن قناة الجزيرة والأستاذ يسري فودة مقدم برنامج سري للغاية ليس لهم علاقة بالأحداث التي حدثت في كراتشي في الأيام الماضية وأن ما حدث إنما هو بقدر الله وحكمته كما نود التأكيد على أن لقاء الأستاذ يسري فودة مع الأخ خالد الشيخ والأخ رمزي بن الشيبة قد تم في شهر صفر أبريل من العام الحالي وقد التزم الأستاذ يسري فودة بجميع العهود والمواثيق التي قُطِعَت عليه كما أنه كان أميناً في نقل الأحداث والوقائع التي حصل عليها من جانبنا مع تحفظنا على بعض الفقرات التي وردت في برنامجه.

يسري فودة: برأني خالد شيخ محمد إذاً لكنه بعد خمسة أشهر من هذا البيان كان هو نفسه قد وقع ضحية ما بدا خيانة داخلية أو إهمالاً أمنياً لا يغتفر هنا في روالبندي قرب إسلام أباد ألقي القبض عليه في الأول من مارس آذار عام 2003 فقدت القاعدة واحداً من أعتا عقولها الحركية كي يضاف إلى رمزي بن الشيبة الذي اُعتُقِلَ في كراتشي في سبتمبر أيلول عام 2002 وزين العابدين محمد حسن الشهير باسم أبو زبيدة الذي اُعتقل في فيصل أباد شرقي باكستان في مارس آذار عام 2002 ومحمد عاطف الشهير باسم أبو حفص المصري الذي قُتِل عقب الهجوم الأميركي على أفغانستان في أكتوبر تشرين الأول عام 2001.

"
لا بد أن ندفع الضريبة لو اعتقل إخواننا وأسرنا، فهذه هي ضريبة التمكين في الأرض ولا بد من دفع ثمن الجنة فسلعة الله غالية جدا ولا تنال بالراحة
"
رمزي بن الشيبة

رمزي بن الشيبة: لابد أن ندفع الضريبة لو اعتقل إخواننا وأسرنا لابد أن ندفع الضريبة لو قُتل منا من قتل لابد أن ندفع الضريبة وهذه هي ضريبة التمكين في الأرض لابد من دفع ثمن للجنة فسلعة الله غالية، غالية جداً لا تنال بالراحة ولابد من الدماء والأشلاء فكيف يكون الحال إذا كان الأمر هذا دفاعاً عن أرواح المسلمين؟

يسري فودة: انفرط عقد القاعدة فيما لجأ زعيماها إلى الشعاب والكهوف أو هكذا يحلو لبعض الأميركيين أن يظنوا هؤلاء الذين لم يدركوا بعد ذلك الفارق بين القاعدة التنظيم والقاعدة الفكرة.

فينسينت كانيسترارو- وكالة الاستخبارات الأمنية سابقاً: نتحدث كثيراً عن تدمير ثلاثة أرباع القاعدة هذه أرقام لا معنى لها فهي ليست جماعة جامدة بل حركة ديناميكية وكل ما استُأْصِلَ أحد أعضائها حل مكانه آخر إننا نظن أننا بقتل المزيد منهم سنحل المشكلة ولن يحدث هذا.

يسري فودة: في الجزء التالي من هذا التحقيق لقاء المهاجرين بالأنصار في طريقهم إلى غزوة مانهاتن أمام أعين القبائل فأين كانوا بنو قريظة؟

عبد الله النفيسي: يعني خلك من الشيخ أسامة أو الدكتور أيمن الباقي يعني تجدهم من..

يسري فودة: عامةً.

عبد الله النفيسي: عامة الناس وفهمت كيف، فهؤلاء أيضاً يعني يعدون نفسهم مستضعفين والله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم وعد المستضعفين بوراثة الأرض وبالخلافة ففي وعود وفي بشارات.

يسري فودة: فهاجروا إذاً من مكة التي هي..

عبد الله النفيسي: بارك الله فيك هاجروا فكرياً من مكة إلى..

يسري فودة: يثرب.

عبد الله النفيسي: إلى يثرب.

يسري فودة: التي هي أفغانستان.

عبد الله النفيسي: التي هي أفغانستان نعم.