البرازيل عملاق الجنوب
لقاء اليوم

سيلصو أموريم.. قمة العرب وأميركا الجنوبية

تستضيف الجزيرة وزير خارجية البرازيل سيلصو أموريم ليتحدث عن القمة المرتقبة بين الدول العربية وبلدان أميركا الجنوبية وعن سياسات بلاده التجارية.

– لولا وعودة المصداقية للبرازيل
– أهمية التقارب بين العرب وأميركا الجنوبية

– موقف الدول الصناعية من العالم الثالث

– البرازيل بين الإصلاحات الدولية والزعامة الإقليمية

لولا وعودة المصداقية للبرازيل

رشيد جعفر: مشاهدي الأعزاء أهلا وسهلا بكم إلى هذا اللقاء الخاص مع وزير خارجية البرازيل السيد سيلصو أموريم، السيد أموريم أهلا وسهلا بك وشكرا على إتاحتك هذه الفرصة لنا لقناة الجزيرة ولو تكرمت سؤالي الأول هو منذ مجيء السيد لويس إناسيو لولا دا سيلفا إلى الحكم قبل عامين ونصف ما هي أهم التغييرات التي شهدت البلاد منذ ذلك الحين؟

سيلصو أموريم – وزير خارجية البرازيل: أولا وقبل كل شيء أعتقد أن البلاد استعادت ثقتها في نفسها فالبرازيل كانت تواجه مشكلة مصداقية داخليا وخارجيا عند مجيء الرئيس لولا إلى الحكم، على الصعيد الدولي كان السبب الرئيسي في تلك المشكلة هو أن السياسات المالية للبلاد وقدرتها على تسديد ديونها أصبحت محل شك، إذ كان معدل التضخم في ارتفاع مستمر آنذاك ولذلك فقد كان الأمر يتطلب اتخاذ إجراءات صارمة وجادة في تلك الفترة وهو ما فعله الرئيس بعد وصوله للحكم ونتيجة لتلك الإجراءات فإن الاقتصاد ينمو حاليا بنسبة 5.2% في حين أن البطالة انخفضت إلى مستويات أقل ما تكون فلم نعد نواجه الآن أي مشكلات كبيرة بخصوص الدين الخارجي، لذلك فإن تلك الإجراءات قلصت العوامل التي كانت تجعل البرازيل عرضة لمواجهة مشكلات فيما يتعلق بعلاقاتها مع الأسواق الخارجية وتدفق رؤوس الأموال إليها، أما على الصعيد الداخلي فكانت البلاد تواجه أيضا مشكلة مصداقية، غير أن البرازيل أحرزت تقدما كبيرا منذ ذلك الحين، فنحن نحتل مثلا المرتبة الثالثة أو الرابعة في العالم في مجال صناعة الطائرات المدنية. كثيرون يعتقدون أننا لا نُنتج سوى البن وعصير البرتقال وهذا صحيح غير أن البلاد أحرزت تقدما لا يستهان به في مجالي العلوم والتكنولوجيا، إذ أن لنا قمرا صناعيا مشتركا مع الصين مثلا، لكن البلاد على الجانب الآخر تعاني من دين اجتماعي هائل فهناك كثيرون يعانون من شدة الفقر إذ يعيش حاليا ما بين أربعين إلى خمسة وأربعين مليون شخص تحت خط الفقر وأعتقد أن ما فعله الرئيس لولا هو وضع الاقتصاد على مساره الصحيح من جهة والبدء في وضع سياسات اجتماعية تمنح فئات واسعة الأمل في أنه سيتم إشراكها في جني ثمار التقدم الذي تُحرزه البلاد، لذلك فما تم هو تحقيق الانتعاش الاقتصادي في البلاد وإعادة المصداقية إليها من جهة وإدماج الفئات المهمشة في المجتمع من جهة ثانية، إن اهتمام الحكومة بالفئات الفقيرة وسعيها لوضع برامج اجتماعية لتحسين أوضاع هذه الفئات لهما أولوية متقدمة في سياسات الرئيس.

رشيد جعفر: معالي الوزير قمت بجولة في بعض الدول العربية في الآونة الأخيرة، هل أثمرت هذه الجولة بعض النتائج الملموسة؟

سيلصو أموريم: زُرت أنا والرئيس لولا عددا كبيرا من الدول العربية وأعتقد أن البرازيل تدين بالكثير للمهاجرين العرب وللثقافة العربية بشكل عام ومنذ القرن التاسع عشر كانت البرازيل قد تأثرت بالفعل بالثقافة العربية غير أن الروابط الاقتصادية والسياسية بين بلادنا والعالم العربي لم تكن على مستوى الروابط الثقافية بين الجانبين وأَطْلَعتُ حكومات تلك الدول على هدف مؤتمر القمة الذي دعا الرئيس إلى عقده بين أميركا الجنوبية والعالم العربي، نحن نشعر بتفاؤل كبير بنجاح هذا المؤتمر بل إننا نحن وزراء خارجية الدول المعنية قد انتهينا بالفعل من صياغة الإعلان الختامي لهذه المؤتمر، غير أننا وضعنا الإعلان وسيكون مؤتمر القمة كما قال أحد زملائي في اجتماعنا بمراكش مؤتمر الأمل ومؤتمر الحوار والمؤتمر الذي سيجمع زعماء منطقتين مهمتين، هما أميركا الجنوبية والعالم العربي، اللتان لم تتعاونا فيما بينهما حتى الآن رغم وجود عدة جوانب مشتركة فيما يتعلق بمستوى التنمية وتشابه الطموحات.

أهمية التقارب بين العرب وأميركا الجنوبية

رشيد جعفر: يرى البعض أن هذا الحدث جاء متأخرا، لماذا لم تدعو البرازيل إلى عقد مثل هذا المؤتمر في السابق؟

"
مؤتمر القمة نجح بالفعل إذ إنه منذ الجولة الأولى التي قام بها الرئيس لولا في العالم العربي قبل نحو ستة عشر شهرا ارتفع حجم تبادلنا التجاري مع العالم العربي بنسبة 50%
"

سيلصو أموريم: قبل عام ونصف العام كان البعض يتساءل لماذا الدعوة إلى عقد المؤتمر وما الهدف منه؟ غير أنهم يتساءلون الآن لماذا لم يُعقد من قَبْل؟ لذلك فقد حدث تغييرا على الأقل في وجهات نظر المعنيين بشأن عقد المؤتمر بعد أن بدؤوا يدركون أهمية عقد مؤتمر كهذا طبعا كان هناك من يدرك تلك الأهمية منذ البداية، لكن بالنسبة للمواطن العادي فإنه كان يتساءل عن الجدوى من عقد المؤتمر، بل إنه حتى بعض ممثلي الدول المعنية كانوا يتساءلون عن جدوى عقده ويقولون إن هناك بُعدا شاسعا بين أميركا والعالم العربي، لكنني كنت دائما أرد عليهم بالقول بأنه ليس هناك بُعد بيننا، لنأخذ الصين كمثال فحجم تبادلنا التجاري معها يبلغ عشرة مليارات دولار، طبعا الصين بلد كبير، لنأخذ مثلا تايلاند فحجم تبادلنا التجاري معها مليار دولار، لهذا فالمسافات بين الدول وإن كانت بعيدة ليست ذات أهمية قصوى. أعتقد أن المؤتمر سوف يُكلَّل بالنجاح بفضل حضور قادة الدول المشتركة فيه وهو ما سيجعل الناس يعيرون أهمية أكبر للحدث، لكن دعني أوضح حقيقة مهمة مؤتمر القمة قد نجح بالفعل إلى حد ما إذ أنه منذ الجولة الأولى التي قام بها الرئيس لولا في العالم العربي قبل نحو ستة عشرة شهرا ارتفع حجم تبادلنا التجاري مع العالم العربي بنسبة 50%، فنحن نتحدث هنا عن أرقام لا يُستهان بها لأن تبادلنا التجاري انتقل من نحو خمسة مليارات دولار إلى أكثر من ثمانية مليارات.

رشيد جعفر: هناك مجالات أخرى يبدو وكأن المشرفين على المؤتمر يتجاهلونها مثل العلاقات على الصعيد الإنساني مثلا والثقافي والتبادل التكنولوجي مثلا، تعليقك على هذا الأمر؟

سيلصو أموريم: أشرت إلى التبادل التجاري لأنه مؤشر جيد وذلك نظرا لوجود أرقام في هذا المجال، أما القضايا الأخرى فمن الصعب شرحها بالأرقام، غير أنني أعتقد أنه فيما يتعلق بالروابط الإنسانية فإنها تذهب إلى أبعد من ذلك وكما أشرت إلى ذلك سابقا فإن هناك مساهمات ضخمة قدمها العالم العربي للبرازيل ولدول أخرى، فنحن عندنا عشرة ملايين أو كما أرى في إحصائيات أخرى 12 مليونا أو أكثر من البرازيليين المنحدرين من أصول عربية، طبعا هناك الزيجات المختلطة مما يجعل من الصعب توفير إحصائيات دقيقة في هذا المجال، لكن مهما كان الحال فإن هذا الرقم كبير لدرجة أن هؤلاء البرازيليين من ذوي الأصول العربية يمكن أن يُشكلوا دولة عربية لا يستهان بها من حيث عدد السكان إذا نظرنا إلى الأمر من هذا الجانب، بل إن عدد البرازيليين المنحدرين من أصل لبناني يبلغ ضعف عدد سكان لبنان لذلك فإن العلاقات على المستوى الإنساني موجودة بالفعل وهناك قاعدة متينة في هذا المجال. وبالإضافة إلى هذا فإن مؤتمر القمة سيُحدث فرصا جديدة للتبادل الثقافي بين الجانبين لذلك سيكون هناك مهرجان للأفلام العربية في برازيليا على هامش انعقاد مؤتمر القمة وهو الأول من نوعه في البرازيل حسب علمي. وهذه القمة تصب فيما يسمى بحوار الحضارات وأعتقد أن رئيس الحكومة الإسبانية السيد ثباتيرو ذهب إلى حد اقتراح تشكيل ما سماه بتحالف الحضارات.

موقف الدول الصناعية من العالم الثالث

رشيد جعفر: هل بدأ العالم الصناعي المتقدم يُنصت إلى الدول السائرة في طريق النمو ودول العالم الثالث الآن؟

سيلصو أموريم: العدالة الاجتماعية مبدأ أساسي عند الرئيس لولا وذلك عائد إلى نشأته، فهو يريد من كل قلبه أن يُسهم في إحداث تغيير على الصعيدين الداخلي والخارجي، دوليا قام الرئيس لولا بعدة مبادرات وقد تكون على عِلم بتلك المتعلقة بمكافحة الجوع وقد طُرحت تلك المبادرة في اجتماع مهم لرؤساء الدول والحكومات ومسؤولين آخرين خلال الجمعية العامة للأمم المتحدة العام الماضي هذا من جانب أما الجانب الآخر فهو التبادل التجاري كما ذكرت في سؤالك فبما أن تلفزيون الجزيرة مقره قطر فأنت على علم بجولة المحادثات المتعلقة بالتنمية التي استضافتها الدوحة، ما نريده هو علاقات أكثر إنصافا ونزاهة ماذا يعني ذلك؟ أولا يعني إلغاء دعم أسعار المنتجات الزراعية التي تشكل فضيحة والتي لا تؤثر على الدول ذات الإمكانيات الكبيرة في مجال التصدير مثل البرازيل والأرجنتين وأوروغواي فحسب بل وتؤثر أيضا على الدول التي تستورد المواد الغذائية لأنها تحرمها من تطوير صناعتها الخاصة بها في هذا المجال. ويمكنني أن أورد هنا مثالا في هذا الصدد فقبل عشر سنوات إلى اثنتي عشرة سنة لم يكن باستطاعة البرازيل تصدير القطن لأن الدعم الذي كانت تقدمه إحدى الدول لأسعار منتجاتها الزراعية كان قويا لدرجة أننا لم نفكر في موضوع تصدير القطن، إننا جميعا متأثرون بشكل كبير من جراء هذا السلاح بالدمار الشامل المُسمى بدعم أسعار المنتجات الزراعية.

رشيد جعفر: هناك من يرى أنه بعد انتهاء الحرب الباردة والصراع بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي السابق تحول الصراع من صراع بين الشرق والغرب إلى صراع بين الشمال والجنوب وهناك محللون آخرون يرون أنه ليس هناك صراع وإنما حوار ساخن بين العالم النامي من جهة وعالم الدول السائرة في طريق النمو من جهة ثانية، هل توافق على أن هناك حوار ساخن بدلا من صراع بين هاتين الكتلتين؟

"
حاولنا في كانكون وجنيف تفعيل جولة محادثات التنمية بالدوحة التي تهدف إلى إلغاء دعم أسعار الصادرات وإجراء تخفيضات جوهرية في حجم الدعم المحلي
"

سيلصو أموريم: أنت محق في كلامك فإن كل شيء حاولنا القيام به في كانكون وبعدها في جنيف هو تفعيل جولة محادثات التنمية بالدوحة وتعزيز اتفاقية الدوحة التي تهدف إلى إلغاء دعم أسعار الصادرات وإجراء تخفيضات جوهرية في حجم الدعم المحلي، أي دعم أسعار المنتجات المحلية. هم يُطلقون عليه اسم المحلي والأمر هنا لا يعدو كونه تهربا من استعمال مصطلح دعم الأسعار والذي يؤثر سلبا على التبادل التجاري الدولي، طبعا نتمنى إلغاء هذا الدعم لو استطعنا لكن ذلك غير ممكن على المدى القصير، لكننا نريد إجراء تخفيض حقيقي وفعال في دعم الأسعار وهذا ما نحاول تحقيقه، أريد العودة إلى النقطة التي أثرتها، الأمر ليس مسألة منافسة بل مسألة واقعية، سيكون من الحماقة محاولة منافسة القوى الكبرى في الشمال مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وهي شركات لنا في التبادل التجاري، ما نريده هو قواعد أفضل وأكثر إنصافا في مجال التبادل التجاري مع هذه الدول حتى نتمكن من التبادل معها على أساس أرضية عادلة، لكن لا يمكن توفير أرضية عادلة إذا كانت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ودول أخرى نامية تستخدم هذه الأموال الهائلة من صناديقها لتوفير منتجات نقدر على منافستهم في تقديمها وأعتقد أن هذا هو السبب وراء تشكيل مجموعة العشرين التي تضم دولا تسير في طريق النمو. وأعتقد أن هذه المنظمة حركة لتحقيق العدالة في العالم بطريقة واقعية وذلك عن طريق الانفتاح.

رشيد جعفر: هل بدأ العالم الصناعي المتقدم يُنصت إلى الدول السائرة في طريق النمو ودول العالم الثالث الآن؟

سيلصو أموريم: أرى أنهم يريدون أن يفرضوا القواعد عندما يمكنهم ذلك، غير أنني أعتقد أن الأمر أصبح أكثر صعوبة في الواقع، هناك مَثَلٌ في البرازيل لا أعرف كيف أترجمه لكنه يقول ما معناه إن استخدام الغليون لفترة طويلة يصيب الفناء بالاعوجاج، لذلك حتى ولو لم يرغبوا في فرض الأمور فإن لديهم النزعة إلى ذلك لأنهم تعودوا على ذلك. كل هذه النظم التي تحدثت عنها والتي تكتسي كلها أهمية بالغة تنسجم كلها مع ما يدعو إليه الرئيس لولا منذ فترة وهو إحداث جغرافية اقتصادية جديدة في العالم يكون لها بالطبع أثر على الجغرافيا السياسية للعالم. ما نريده من خلال هذه النظم كلها هو توسيع نطاق الحوار، نحن لا نفعل شيئا محل شيء آخر لأننا لا نقيم تبادلا تجاريا داخل منطقة أميركا الجنوبية بدلا من إقامة تبادل تجاري مع الولايات المتحدة أو مع العالم العربي بدلا من أوروبا، نحن نريد تنويع علاقاتنا وإجراء حوار يشملنا جميعا لأن ذلك هو ما نستمد منه قوتنا دون أن ندخل في أي مواجهة. لا أريد الحديث كثيرا عن الأرقام لكنني أعتقد أن ذلك مهم، فقبل خمسة عشر سنة لم يكن حجم تبادلنا التجاري مع الدول السائرة في طريق النمو يتعدى 15% من حجم تبادلنا التجاري مع الخارج، أما في الوقت الراهن فإن حجم تبادلنا التجاري مع دول العالم السائرة في طريق النمو يبلغ 45% وهذا مجال يزداد اتساعا، فنحن لا نريد مواجهة أحد لكنني أريد التحدث إلى أصدقائي في مصر أو المغرب أو قطر دون المرور عبر مرآة الدول النامية، أنا أتحدث إلى الولايات المتحدة واليابان لكنني أريد أيضا التحدث إلى أصدقائي في مناطق أخرى من العالم السائر في طريق النمو بصورة مباشرة وذلك ما نريد تحقيقه من بين أكبر التحديات التي نواجهها إقامة خطوط جوية بين بلداننا.

[فاصل إعلاني]

البرازيل بين الإصلاحات الدولية والزعامة الإقليمية

رشيد جعفر: معالي الوزير تقوم البرازيل منذ فترة بدور نشط وبجهود حثيثة من أجل الحصول على مقعد دائم في مجلس الأمن الدولي وتدعو إلى ضرورة إجراء إصلاحات في هيكل الأمم المتحدة بعد مرور حوالي ستين عاما على انتهاء الحرب العالمية الثانية، هل أثمرت هذه الجهود نتائج حتى الآن؟

"
ضرورة حصولنا على مقعد دائم في مجلس الأمن الدولي ليس هوسا بل هو جزء من عملية إدخال إصلاحات على نظام الأمم المتحدة
"

سيلصو أموريم: هذا ليس هوسا من جانبنا بهذه المسألة بل إنه جزء من عملية إدخال إصلاحات على نظام الأمم المتحدة، لا أحد يفهم لماذا تستمر الأمم المتحدة ونحن في القرن الحادي والعشرين في العمل بنظام وُضع في النصف الثاني من القرن الماضي لأن ذلك حدث في عام 1945 أي قبل نحو ستين عاما، هذا الوضع لم يعد ممكنا لأنه يقلص شرعية القرارات التي يتخذها مجلس الأمن الدولي، غير إنني لا أعتقد أن كل الجهود استُنفدت حتى الآن، نرى أن من الأهمية بمكان التوصل إلى تفهم أكثر حول مسائل كالإصلاح الاجتماعي وحفظ السلام لأنهما تسيران غالبا جانبا إلى جنب، إذاً فهناك عدة قضايا بحاجة إلى إعادة نظر فيها في الأمم المتحدة، لكن بما إنك أشرت إلى مجلس الأمن فإننا وصلنا إلى لحظة حاسمة ونأمل أن تكون الدول قادرة على التفكير بطريقة إيجابية وهذا يختلف عما حدث في عام 1945 لأنه لن يكون هناك عملية إصلاح، حتى الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي ذلك لا يعني أنها ستبقى للأبد، أعتقد إنه يمكننا إخضاع هذه العملية بكاملها لعملية استعراض في غضون عشر سنوات أو خمس عشرة سنة مما سيمكننا من تحديد القرارات الصحيحة أو ما إذا كانت هناك حاجة لإجراء تغيرات، لكن يتعين علينا القيام بعملية إصلاح في الأمم المتحدة وهو مهمة صعبة. لقد كنت سفيرا لبلادي لدى الأمم المتحدة وأتذكر الفترة التي كانت تُفرض فيها عقوبات دولية على ليبيا وكانت البرازيل تُفضل إنهاء تلك العقوبات قبل انتهاء فترة سريانها، لكن دون الخوض في التفاصيل جاءت لحظة أعلنت فيها دول الجامعة العربية والاتحاد الإفريقي إنها لن تستمر في تطبيق تلك العقوبات لأنها خلصت إلى أنها عادمه الجدوى، لكن كان ذلك وراء السبب الموقف أيضا أن تلك الدول رأت أن مجلس الأمن لم يكن يملك الشرعية الكافية لأن طريقة توزيع الدول الأعضاء المُمثَّلة فيه لم تكن بالشكل الصحيح وأعتقد أن بإمكان دول مثل البرازيل والهند ودول أخرى القيام بدور وأنا واثق أن الدول الأفريقية والدول العربية قادرة على المساهمة في عملية الإصلاح.

رشيد جعفر: معالي الوزير هناك مقولة في الولايات المتحدة فيما يخص البرازيل هي أن البرازيل وأميركا اللاتينية على العموم ما هي إلا الواجهة الخلفية أو الحديقة الخلفية للولايات المتحدة، البرازيل تقوم بجهود حثيثة على الساحة الدولية لتبوُّء مكانة مرموقة أولا وثانيا لإسماع صوتها بقوة في المجتمع الدولي وثالثا لتكون صوتا للدول السائرة في طريق النمو، هل هناك مساعٍ دبلوماسية تقول بأدب للولايات المتحدة اتركينا وشأننا نعالج أمورنا بنفسنا في أميركا اللاتينية وأميركا الجنوبية؟

سيلصو أموريم: أعتقد بأننا لسنا الحديقة الخلفية لأي مكان وأنه إذا ما كان هناك أي شخص يؤمن بوجهة النظرة هذه فهو مخطئ تماما. وبمناسبة الحديث عن أميركا الجنوبية فإن لدينا مصلحة في الحفاظ على استقرار المنطقة ونحاول منذ فترة تقديم المساعدة في هذا المجال، فقد قمنا بذلك في فنزولا بتشكيل مجموعة أصدقاء وقمنا بذلك فيما يتعلق ببوليفيا عندما كانت تشهد عملية نقل السلطة في ظروف صعبة وقمنا بذلك في مناطق أخرى أيضا ونحن نقوم بتلك المساعي في صمت بدون ضغوط أو تهديدات بالقيام بعمليات عسكرية لكن عن طريق الإقناع والحوار. وعندما شكلنا مجموعة أصدقاء في فنزويلا كانت الخيارات المتاحة تبدو متشددة، كان من شأنها أن تضع إما الحكومة أو المعارضة في موقف حرج غير أننا حاولنا من خلال تشكيل تلك المجموعة بدء حوار بين الطرفين ونجحنا في إيجاد تسوية للأزمة في نهاية المطاف كانت مطابقة لدستور فنزويلا وكانت تلك التسوية حلا ديمقراطيا ولذلك لم ينتقدنا أحد في هذا المجال، لهذا أعتقد أنه حتى فيما يتعلق بهذا الوضع الجيوسياسي في أميركا الجنوبية فإن الأمور تتغير وإذا كان هناك اتحاد ومرة أخرى ليس لمواجهة أحد فإن ذلك على العكس يجعل المنطقة أكثر سلاما. إننا نعالج الأوضاع بطريقتنا الخاصة ولا نريد من أحد أن يعلمنا كيف نفعل ذلك.

رشيد جعفر: سيد سيلصو أموريم البرازيل دولة عملاقة لها موقع استراتيجي ممتاز ومساحة شاسعة تقدر بثمانية ملايين وخمسمائة ألف كيلومتر مربع، لها ثروات طبيعية وبشرية هائلة لها إمكانيات وطاقات كبيرة هذا على جانب، أما على الجانب الآخر فهناك مشاكل مثل الفوارق الطبيعية الهائلة ومثل الفقر المدقع مثل العنف في المجتمع البرازيلي ومثل تدمير البيئة من جهة ثانية، فإذا أخذنا الجوانب الإيجابية على حدا والجوانب السلبية على حدا هل يمكن للبرازيل أن تحقق الحلم القديم المسمى (كلمة بلغة أجنبية) وتصبح دولة كبرى على الساحة الدولية في السنوات القليلة القادمة؟

سيلصو أموريم: أعتقد إننا أشرت إلى هذه الجوانب في البداية عندما قلت إنه كان يتعين علينا تنفيذ أمرين، الأول تصحيح وضع الاقتصاد وهو ما تم بالفعل وهذه بالطبع مهمة متواصلة إذ لا يمكن أبدا تنحيته جانبا والقول بأن العمل انتهى. والثاني هو الدين الاجتماعي الذي تحدثنا عنه والذي أتفق معك تماما بشأنه، أعتقد أن الرئيس لولا سيتفق معك تماما في الرأي على أن هذه المتناقضات هي عار في واقع الأمر، ربما هي جزء من إرثنا التاريخي إذ إننا ننتمي إلى مجتمع كان حتى القرن التاسع عشر يعتمد على الرق، لذلك سوف يتطلب الأمر وقتا طويلا للخروج من هذا الوضع، لكننا نتحرك بالفعل في هذا الاتجاه وأعتقد أنه إذا نظرت إلى السياسات الاجتماعية وقد أشرت في هذا الصدد إلى مبادرة القضاء على الجوع تجد أن هذا البرنامج الذي يقضى بتحويل الأموال إلى الأسر الأكثر فقرا في البرازيل قد أصبح يتم بشكل واسع النطاق وسوف يشمل البرنامج بنهاية العام القادم جميع البرازيليين الذين يعيشون تحت مستوى الفقر وعددهم خمسة وأربعون مليون شخص، هكذا نحاول حل هذه المشكلة لأننا إذا كنا نحاول فقط تحقيق حلم الدولة الكبرى والعظمة في المجال الاقتصادي أو حتى في مجال السياسة الخارجية لكن بدون حل مشاكلنا الاجتماعية فإن تلك العظمة سوف تكون مزيفة لأن العظمة الحقيقية الوحيدة تأتي من رفاهية المواطنين وتحسين أوضاعهم وأعتقد أنه ليس هناك مَن يدرك هذه النقطة هنا أكثر من الرئيس لولا.

رشيد جعفر: في نهاية هذا اللقاء نشكر السيد سيلصو أموريم وزير الخارجية البرازيلي على هذا اللقاء، شكرا جزيلا.