لقاء اليوم

محمد صغير .. معتقلو طالبان والقاعدة في غوانتانامو

ما هي ظروف معتقلي طالبان والقاعدة في غوانتانامو؟ هل يسمح للمعتقلين بممارسة الشعائر الدينية؟ على ماذا يتركز التحقيق مع المعتقلين وهل يعتزمون مقاضاة الحكومة الأميركية وطلب تعويضات عن مدة اعتقالهم؟ هذه الأسئلة وغيرها يجيب عنها محمد صغير أول باكستاني يفرج عنه من غوانتانامو.

مقدم الحلقة:

أحمد بركات

ضيف الحلقة:

محمد صغير: أول باكستاني يفرج عنه من غوانتانامو

تاريخ الحلقة:

20/11/2002

– طريقة اعتقال رجال دوستم ومعاملتهم لأسرى طالبان
– عملية نقل الأسرى إلى قندهار ثم إلى غوانتانامو

– طريقة معاملة الأميركان لأسرى طالبان في غوانتانامو

– طبيعة التحقيقات الأميركية مع الأسرى وطريقتها


undefinedأحمد بركات: مشاهدينا الكرام، نرحب بكم في حلقة جديدة من برنامج (لقاء اليوم) وضيفنا الشيخ محمد صغير (أول باكستاني أفرج عنه من سجن جوانتانامو بكوبا).

نرحب بفضيلة الشيخ محمد صغير.

سؤالنا متى اعتقلتم؟ وكيف؟ وأين ومن الذين اعتقلوكم؟


طريقة اعتقال رجال دوستم ومعاملتهم لأسرى طالبان

محمد صغير: اعتقلت في قندز من قِبَل رجال دوستم عندما استسلمت قوات طالبان، وكنت مع جماعة التبليغ، وقد حاولت الخروج قبل استسلام طالبان، ولكن بعض القادة منعونا، وطلبوا منا العودة إلى مناطق طالبان بحجة أن الطرق وعرة، ولا يمكن خروجنا من قندز.

وعدنا إلى هناك، وركبنا شاحنات قبيل منتصف الليل، وفجأة جاءت طائرات الهليكوبتر وبدأت في قصفنا، وسقط العديد من القتلى، وكنت أرى كتل اللهب تشتعل في الشاحنات التي طالها القصف، في الصباح جاءت قوات دوستم، ودفنت القتلى والجرحى وهم أحياء، أما الذين بقوا على قيد الحياة، فقد قامت قوات دوستم بتفتيشهم ومصادرة كل ما يملكونه من نقود وساعات وأحذية وملابس وأي شيء كانوا يعتبرونه ذا قيمة، وكان يساعد دوستم الهزارة أيضاً، بعد ذلك قيدوا أيدينا وأرجلنا، وعصبوا أعيننا، ووضعونا في شاحنات نقلتنا إلى مزار الشريف، وهناك قاموا بتعذيبنا، ثم نقلونا إلى حاويات كبيرة، ووضعوا أعداداً كبيرة في كل حاوية، والحاوية التي كنت فيها كان داخلها مائتان وخمسون شخصاً أغلقوا علينا باب الحاوية بشكل محكم، لم يكن هناك مجال للتنفس إضافة إلى ارتفاع درجة الحرارة في الحاويات المعدنية وظلامها، لم نكن نعلم إلى أين نحن متجهون، ولكن علمنا فيما بعد أننا نقلنا إلى شيبرغان.. وعند وصولنا إلى شيبرغان أنزلونا بعد كان حوالي 50 فرداً منا قد ماتوا مختنقين، وهناك بعض الحاويات التي مات كل من فيها، وبعضها لم ينج منها إلا القليل، وقام بعد ذلك الجنود بنقل الموتى إلى قلعة (دشت جلي) الصحراوية لدفنهم.

إعلان

أحمد بركات: كيف تعامل معكم رجال دوستم حين اعتقالكم؟ وهل تعرضتم للضرب؟

محمد صغير: كان عددنا حوالي ثلاثة آلاف شخص، ووضعوا في كل غرفة 70 نفراً، علماً بأن حجم الغرفة لا يتجاوز الثمانية أقدام طولاً وثمانية أقدام عرضاً، كان الوقت هو الحادي عشر من رمضان، هذا الذي أذكره، كانوا يعطوننا إبريقاً من الماء وستة أرغفة، كنا نجاهد لنبقى على قيد الحياة، واستمر بنا الحال هكذا سبعة أيام، تدخل بعدها الصليب الأحمر الدولي، وأرسل بعض الشاحنات المليئة بأكياس الأرز، ولكن جماعة دوستم والهزارة قاموا بمصادرتها ونقلها إلى بيوتهم، مع أنها كانت مرسلة إلينا، مرات نادرة أطعمونا بعض الأرز، كان غذاؤنا طوال شهر ونصف عبارة عن قطعة من الخبز فقط طوال اليوم.


عملية نقل الأسرى إلى قندهار ثم إلى غوانتانامو

أحمد بركات: كيف تم نقلكم إلى قندهار؟ وهل كُبِّلت أيديكم وأرجلكم؟

محمد صغير: جاء الأميركيون وأخذونا على شكل مجموعات، كل مجموعة تضم خمسة عشر شخصاً قيَّدوا أيدينا وأرجلنا، ووضعونا في شاحنات نقلتنا إلى المطار، حيث نقلنا من هناك بطائرات هليكوبتر إلى قندهار، كانت مجموعات أخرى قد سبقتنا ومجموعات أخرى قد وصلت في اليوم التالي، وبقينا في قندهار ثمانية عشر يوماً.

أحمد بركات: هل لكم أن تصفوا لنا عملية نقلكم من قندهار إلى جوانتانامو؟

محمد صغير: حلقوا رؤوسنا وشواربنا ولحانا، ثم قيدونا وربطوا أعيننا، وحملونا مرةً أخرى في شاحنات إلى المطار، حيث كانت طائرات كبيرة في انتظارنا، وربطونا إلى كراسينا، وعندما كنا بحاجة للذهاب إلى الحمام خلال هذه الرحلة كانوا يأخذوننا مقيدين إلى حمام صغير مظلم، كانت المضيفات خلال هذه الرحلة يناديننا بالعسكر، وقدمن لنا تفاحة، ثم تفاحة أخرى، وأحياناً قطعة من الخبز، ولم يمنعوا عنا الماء طوال هذه الرحلة، توقفت الطائرة في مكان ما لمدة نصف ساعة للتزوُّد بالوقود، وقد استغرقت الرحلة إلى كوبا نحو اثنين وعشرين ساعة.

إعلان

[فاصل إعلاني]


طريقة معاملة الأميركان لأسرى طالبان في غوانتانامو

أحمد بركات: عندما وصلتم إلى جوانتانامو بعد رحلة شاقة، هل أُتيحت لكم فرصة الاستراحة، أم بدأ التحقيق معكم فوراً؟

محمد صغير: بعد ما أنزلونا من الطائرة نقلونا بشاحنات إلى مجمع السجن، ولم نكن نعلم أين نحن، وعلمنا بذلك فيما بعد.

الرحلة من الطائرة إلى السجن استغرقت نصف ساعة، وعندما وصلنا انهالوا علينا بالضرب المبرِّح، وأصيب معظمنا بجروح، وعانينا آلاماً شديدة، ثم أجلسونا على الأرض في ساحة المعتقل لمدة ثلاث ساعات ونقلونا واحداً تلو الآخر إلى زنازين انفرادية.

أحمد بركات: هل لكم أن تصفوا لنا زنازين جوانتانامو من حيث السعة ومن حيث التجهيزات؟

محمد صغير: الزنازين محاطة بشبك من جهاتها الأربع، ومغطاة بسقف حديدي ومساحة كل زنزانة حوالي ستة أقدام كان عن يمين زنزانتي 24 زنزانة وعن شمالها 24 زنزانة أخرى، أي أنه في كل مجمع 48 زنزانة، كل زنزانة مزودة ببطانيتين ومنشفتين وشال وفرشاة إسفنجية رقيقة ودلوين واحد للماء وآخر لقضاء الحاجة، كانوا يملئون دلو الماء بواسطة أنبوب من خلال فتحات الشبك، بينما يقوم الجنود بتفريغ الدلو الآخر، وكانوا يخرجوننا كل أسبوع مرتين ولمدة نصف ساعة خارج الزنزانة ويسمحون لنا بتغيير ملابسنا مرة كل ثمانية أيام.

أحمد بركات: هل كنتم تشعرون بوجود حرية دينية، وهل كان يسمح لكم بأداء الصلاة ورفع الأذان والوضوء بحرية؟

محمد صغير: لقد أوجدوا لنا مشاكل كثيرة واستفزونا بشكل كبير حينما منعونا من الأذان والصلاة، والذي كان يؤذن أو يصلي يتعرض للضرب، ولم يكن يسمح لنا بالتحدث إلى بعضنا، ومن يخالف يتعرض للضرب، ولم يكن يسمح لنا بالتحدث إلى بعضنا، ومن يخالف يتعرض للضرب أيضاً، كانوا فقط يعطوننا عشر دقائق للأكل، ثم يرفعونه سواء أكملناه أم لا، هذه الاستفزازات دفعتنا للجوء إلى الإضراب عن الطعام، بعد الإضراب قام المشرفون على السجن بالتوقف عن ممارساتهم الاستفزازية وإهانة شعائرنا، وأعطونا نصف ساعة للطعام واستمروا بالسماح لنا بمغادرة الزنزانة مرتين في الأسبوع، كل مرة لمدة نصف ساعة وسمحوا لنا بالتحدث مع بعضنا، وركبوا مكبر صوت لرفع الأذان وكانوا يستخدمون في البداية شريطاً مسجلاً بصوت مؤذن عربي، ثم سمحوا لنا بعد ذلك برفع الأذان بأنفسنا.

إعلان

أحمد بركات: كيف كانت نوعية الطعام والشراب، وهل كانت الكميات كافية للأسرى؟

محمد صغير: صباحاً كانوا يعطوننا بيضاً وبعض الحلوى المصنوعة من الدقيق والماء دون أي سكر أو ملح أو زيت وكوب حليب وقطعة خبز وكوب شاي، على الغذاء كانوا يعطوننا قطعة كيك وعلى العشاء أرز وفاصوليا وكوب حليب وسبانخ وخبز، وأحياناً كانوا يعطوننا برتقالة أو تفاحة على العشاء أو الفطور، وكانوا يقدمون لنا لحم بقر أو سمك أو دجاج مرتين أسبوعياً.

أحمد بركات: هل كنتم تلقون الرعاية الصحية وعندما يمرض إنسان هل كان يتم نقله فعلاً وبسرعة إلى الطبيب أم يبقى يعاني؟

محمد صغير: كان هناك طبيب يقوم بفحص السجناء بانتظام وفي أوقات محددة وإذا كان هناك شخص مريض بشكل حاد ينقل إلى مستشفى عسكري، وفي أغلب الأحيان كان يتم العلاج داخل الزنازين.

أحمد بركات: هل التقيتم ببعض السجناء العرب وهل تحدثتم إليهم وهل تعرفتم على بعض أسمائهم؟

محمد صغير: كان هناك كثيرون من السجناء العرب، ولا أتذكر معظمهم، ولكن كان هناك أشخاص من الرياض والبحرين والمدينة ومكة وفلسطين، كانت زنازيننا متجاورة، وكنا نتحدث مع بعضنا، أذكر من السجناء العرب عبد الرحمن من الرياض، وإبراهيم من مكة والحاج من مكة، وبروش من المدينة وخالد من الكويت، كنت أعرف الكثيرين، ولكن الآن لا أذكر منهم إلا القليل مثل عبد العزيز من مكة.

أحمد بركات: هل سمعت عن وجود مصور قناة (الجزيرة) الذي كان يعمل في كابول ويدعي سامي، هل سمعتم عنه شيئاً أو التقيتم به؟

محمد صغير: لم أسمع به أو التقي به.


طبيعة التحقيقات الأميركية مع الأسرى وطريقتها

محمد بركات: على ماذا كان يتركز التحقيق؟ وما هي الأسئلة التي كانت تتكرر بشكل دائم أثناء التحقيق؟

محمد صغير: كانوا يسألوننا بشكل مستمر: هل تعرف أحداً من القاعدة؟ هل تستطيع التعرف على أحد منهم؟ وكانوا يعرضون علينا صوراً ويطلبون منا التعرف على أصحابها، كانوا يسألوننا.. هل تعرف أسامة بن لادن؟ وأين هو؟ كان جوابي: أنني لا أعرف أحداً ولم أر أسامة في حياتي، ولم أسمع بالقاعدة، لم أسمع بهذا الاسم من قبل، ولم أكن أعرف ما هي القاعدة، وفقط عرفت من خلال المحققين أنها اسم تنظيم.

إعلان

أحمد بركات: هل كنتم تتعرضون للضرب خلال التحقيق؟

محمد صغير: أنا شخصياً لم أضرب خلال التحقيق، ولكن سمعت أن العرب يتعرضون للضرب المبرح خلال التحقيق، كانوا يضربونهم بقوة، لدرجة أن بعضهم كان يغمى عليه، العرب كانوا يمتنعون عن الحديث وكان التحقيق يستمر معهم 4 ساعات وأحياناً 6 ساعات أو أكثر وكانوا يلجأون للإضرابات بشكل مستمر.

أحمد بركات: على ضوء تجربتكم وكونكم خرجتم من السجن هل تعتقدون بأن جميع من هم في جوانتانامو مذنبون أم أن بينهم أبرياء؟

محمد صغير: حسب اعتقادي فغالبية الذين في جوانتانامو أبرياء ولم يرتكبوا ذنباً يعاقبون عليه، وربما يكون من بينهم بعض المذنبين، ولكن الأغلبية أبرياء.

أحمد بركات: هل كان يسمح لكم بمراسلة ذويكم وكم مرة في الأسبوع وفي الشهر؟

محمد صغير: كان الصليب الأحمر يقوم بنقل رسائلنا وكان الجنود يزودوننا بالأوراق والأقلام، وكنا نكتب رسائل إلى ذوينا وإلى أهلنا.

أحمد بركات: هل لكم أن تصفوا لنا الحالة النفسية للأسرى في ضوء بعض التقارير التي تحدثت عن انهيار بعضهم وتفكير بعضهم بالانتحار؟

محمد صغير: الله وحده يعلم بنفسياتهم، ولكن معنوياتهم عالية جداً وثقتهم بالله كبيرة بأنه سيفرج عنهم قريباً، البعض منهم تسرب اليأس إلى نفسه لشعوره بأنه غير مذنب وبأنه مسجون ظلماً، وربما لا يطلق سراحه أبداً، هؤلاء يأسوا من العودة ثانية إلى بيوتهم، لذلك قد يفكر في الانتحار لشعوره بأنه لا معنى للحياة، سمعت عن محاولات انتحار لكني لم أرَ ذلك بنفسي.

أحمد بركات: لماذا أفرج عنكم بالذات؟

محمد صغير: أفرج عني لأنني برئ، لم يثبت أنني ارتكبت جرماً، إنها إرادة الله –سبحانه- الذي قضى لي بالخروج، وأعتقد أنه –سبحانه- قد استجاب لدعائي.

أحمد بركات: هل تنوون مقاضاة الإدارة الأميركية وطلب تعويضات جرَّاء اعتقالكم لأكثر من سنة؟

إعلان

محمد صغير: أعتقد أنهم اعتقلوني لمدة سنة دون ذنب، وأنا بريء وضحية للإرهاب، لدي أولاد صغار، وماكينة تقطيع الخشب التي كانت عندي تعطلت في غيابي وعائلتي استدانت مبالغ كبيرة من الناس لعدم وجودي، وللصرف على معرفة مكان وجودي، حيث كانت أخباري مقطوعة لفترة عنهم، لقد تراكمت علينا الديون، وأنا أطالب الولايات المتحدة –من خلالكم- بإعطائي حقي مهما كان هذا الحق على أساس إنساني، أطلب ذلك لأنني سجنت ظلماً، فقط أعطوني 100 دولار عند إطلاق سراحي، وقالوا لي: عندما تصل باكستان ستحصل على مبالغ أخرى، ولكن حتى الآن لم أستلم سوى المائة دولار.

أحمد بركات: نشكر محمد صغير على هذه المقابلة، كما نشكر مشاهدينا الكرام على متابعتهم، شكراً لكم، وإلى اللقاء في حلقة قادمة بإذن الله.

المصدر: الجزيرة