لقاء اليوم

محسن رضائي .. الثورة الإسلامية في إيران

كيف استطاعت الثورة الإسلامية في إيران تأسيس قوات حرس الثورة؟ وما هي المراحل التي مر بها وما دوره بالتحديد؟ وهل هناك مؤامرة أميركية إسرائيلية على إيران وعلاقاتها بدول الجوار العربي والخليجية تحديداً؟ وهل فشلت الثورة في استيعاب جيلها؟

مقدم الحلقة

غسان بن جدو

ضيف الحلقة

محسن رضائي: القائد العام السابق لحرس الثورة في إيران

تاريخ الحلقة

24/02/1999
undefined
undefined

غسان بن جدو:

بسم الله الرحمن الرحيم، السلام عليكم ورحمة الله دكتور محسن رضائي.

د. محسن رضائي:

السلام عليكم ورحمة الله.

غسان بن جدو:

طبعاً نحن عرفناك، والعالم العربي عرفك، وحتى العالم كله عرفك باعتبارك أحد المؤسسين الرئيسيين لقوات حرس الثورة الإسلامية، وكنت لفترة طويلة القائد العام لقوات حرس الثورة الإسلامية، والآن انتقلت إلى موقع آخر كأمين عام مجمع تشخيص مصلحة النظام، نود أن نعرف منكم كيف كانت تعمل الخلايا السرية قبل انتصار الثورة؟

د. محسن رضاي:

في مرحلة ما قبل انتصار الثورة كانت هناك ثلاث مجموعات: الأولى: ذات أنشطة سياسية، والثانية ثقافية، والثالثة نهضت بمهمة الكفاح المسلح، وباستثناء مجموعة النشاط الثقافي التي كانت تؤدي مهامها بصورة علنية، فإن مجموعات العمل السياسي كانت تمارس عملها بصورة شبه سرية، بينما كانت خلايا العمل المسلح تعمل في سرية مطلقة، وكانت المجموعات الثلاث تسعى طبعاً نحو تحقيق هدف واحد وهو تغيير الواقع السياسي والاجتماعي والثقافي للبلاد، حيث كان الشعب الإيراني قد توصل منذ العام 66 إلى قناعة واضحة بضرورة العودة إلى الإيدلوجية الإسلامية كمنقذ له مما كان يعانيه من أوضاع مزرية على كافة المستويات.

لقد جرب شعبنا الشعارات القومية والتشديد على الهوية الإيرانية، لكنه أدرك أنها لم تحقق النتائج المرجوة، فالحركة الدستورية قبل نحو مائة عام وتجربة تأميم النفط التي رفعت شعارات وطنية أكثر مما رفعت شعارات إسلامية لم تؤد إلى قيام حكومة تلبي مطالب الشعب، أو أنها عندما قامت لم تتمكن من الاستمرار، لذلك فإن شعبنا وبعيد انتفاضة يونيو عام 63 لاذ بالإسلام الذي وجده يجسد تطلعاته، وهكذا أصبح الإسلاميون بعد عام ثلاثة وستين محور النشاط السياسي في البلاد ليدور في فلكهم الوطنيون والقوميون، وعلى مدى الأعوام الممتدة بين 63 و 79 خاضت الحركات الإسلامية كفاحها السياسي والثقافي والعسكري ليتوج هذا الكفاح بالنصر في الحادي عشر من فبراير عام 79.

إعلان

طبعاً أثبتت مجمل التجربة التي خضناها أن علينا صيانة وطنيتنا، والمحافظة عليها مثلما نسعى لصيانة إسلاميتنا والدفاع عنها، وكل إفراط أو تفريط لأي بعد من هذين البعدين سيلحق الضرر بشعبنا.

غسان بن جدو:

عفواً، دكتور رضائي، بعد انتصار الثورة كان هناك كجيش، لماذا أنشأتم وكيف أسستم قوات حرس الثورة الإسلامية؟

د. محسن رضائي:

إن قوات حرس الثورة الإسلامية هي في الحقيقة القوات والخلايا نفسها التي كانت قد تشكلت في المساجد، والأزقة، والشوارع، والمدارس، والمصانع إبان مرحلة الثورة وإرهاصاتها، ولأن الجيش أصبح ضعيفاً بعد الثورة إذ شهد حالة تغير وتصفية لكبار ضباطه لا سيما برتبة عقيد فما فوق، ولما تكن من مهامه مواجهة القلاقل الداخلية التي واجهت الثورة في أيامها الأولى، ولهذا السبب فإن الإمام الراحل أمر بتأسيس حرس الثورة لمواجهة هذه القلاقل وكل ما يهدد الأمن الداخلي للبلاد.

غسان بن جدو:

عفواً، عندما تتحدثون عن وضع الأمن ماذا تقصدون بالتحديد؟

د. محسن رضائي:

كما تعلمون فإن في إيران عدة قوميات، وقد حاول البعض استغلال النعرات القومية والعرقية ليرفع شعارات المطالبة بالحكم الذاتي حاملاً السلاح في وجه الحكومة المركزية.

لقد بدأنا نلحظ أن هناك من بدأ يتجرأ في أقاليم كردستان، بولشستان، وخوزستان، وأذربيجان، وبندرتركمان ليطالب بإقامة حكومات محلية، وتأكدنا بعد ذلك أن الكيان الصهيوني، وحزب البعث العراقي كان وراء دعاة الحكم الذاتي، وقدموا لهم السلاح بهدف زعزعة الأوضاع الداخلية، وإيجاد الصعوبات أمام الحكومة المركزية، وعرقلة جهودها في إجراء الانتخابات التشريعية.

غسان بن جدو:

ونحن الآن في الذكرى العشرين لانتصار الثورة الإسلامية أي بعد عشرين سنة من تأسيس الجمهورية الإسلامية وقوات حرس الثورة الإسلامية، كيف تقيمون وضع الحرس الثوري؟ يعني كيف استطاع أن يبقى؟ ما هي المراحل الرئيسية التي مر بها خصوصاً وأن هناك ثمان سنوات كانت استثنائية في تاريخ إيران وهي مرحلة الحرب مع العراق؟

د. محسن رضائي:

لقد مرَّ حرس الثورة الإسلامية بعدة مراحل، الأولى امتدت منذ انتصار الثورة حتى سبتمبر عام 81، وخلال هذه الفترة كانت قوات الحرس عبارة عن مجموعات صغيرة تمارس حرب العصابات لم يتجاوز حجمها العشرة أفواج وبعض الخلايا الفدائية، غير أنه وبعد عام 81، بدأنا بإعداد وتشكيل قوات المشاة ليبلغ حجمها عام 85 مائة وخمسين فرقة عسكرية مدربة، وخلال تلك السنوات كنا نحارب إلى جانب الجيش ونخوض العمليات العسكرية معاً، وبعد عام 85 وحتى عام 88 انفصلنا عن الجيش، الأمر الذي عزز قدراتنا المدفعية، والمدرعة، والصاروخية بعد أن كنا نستعين بالجيش في هذه الصنوف من الأسلحة.

وفي تلك الفترة تأسست القوة البحرية لحرس الثورة، وخلال السنوات من 85 إلى 88 يمكن القول أن كافة العمليات العسكرية في جبهات القتال مع العراق قامت بتنفيذها قوات حرس الثورة بعد أن كان الإمام الراحل قد أصدر أمراً بتشكيل القوات البرية والبحرية والجوية للحرس.

وبين الأعوام من 88 إلى 97 خضعت هذه القوات لتصنيف الرتب العسكرية، وبدأت تطبق فيها قوانين الانضباط العسكرية الكلاسيكية، كما تم خلال هذه السنوات تعزيز البنية القتالية لها، هكذا تأسست قوات الحرس التي حاربت على جبهتين: الأولى داخلية وتصدت فيها للعناصر المعادية للثورة، والثانية خارجية لدفع عدوان نظام البعث الحاكم في العراق الذي طال خمساً من محافظات البلاد واحتل فيه آلاف الكيلو مترات المربعة من أراضينا في بدايات الحرب.

إعلان

غسان بن جدو:

إذا أردنا -دكتور رضائي- أن نعطي تعريفاً للحرس.. قوات حرس الثورة الإسلامية، هل نقول: إن حرس الثورة الإسلامية هو فقط مؤسسة عسكرية، أم عسكرية وسياسية وثقافية وشاملة؟

د. محسن رضائي:

الحرس قوة ثورية تعرف نفسها بأنها القوة المدافعة عن الثورة في حال تعرضها للتهديد والخطر، لذلك فإن المنتسبين للحرب -وفقاً لأوامر القائد المرشد-عسكريون منضبطون يتمتعون أيضاً بالوعي السياسي والثقافي، على أن هذا الوعي الخاص لا يسمح لهم بالتدخل في القضايا والصراعات السياسية إلا في حال تعرض الثورة للتهديد أو لخطر معين، وهنا يستخدم المرشد قوات الحرس للدفاع عن كيان الثورة.

غسان بن جدو:

وهذا حتى الآن لم يحصل، يعني منذ انتصار الثورة الإسلامية حتى الآن لم يحصل أن النظام تعرض إلى خطر كبير داخلي طبعاً استدعى أن قوات الحرس تتدخل سياسياً أو غير ذلك، لم يحصل؟

د. محسن رضائي:

من الناحية السياسية لم نشعر حتى الآن بخطر يهدد الثورة ويستدعي تدخل الحرس، ولكن عسكرياً كانت هناك بعض المخاطر من قبل بعض المجاميع الداخلية المسلحة في السنوات الأولى للثورة.

غسان بن جدو:

عفواً دكتور رضائي، بعد عشرين سنة لا يزال جماعة (مجاهدي خلق) يقومون بعمليات عسكرية في إيران آخرها قبل أيام، ماذا يعني هذا؟ هل يعني أن قوات مجاهدي خلق لديهم إمكانات قوية بهذا الشكل؟

د. محسن رضائي:

لابد أن تعرفوا أن لنا حدوداً طويلة مع العراق، ويوجد مجاهدو خلق في العراق على بعد مائة كيلومتر من الحدود، ونحن لا نرغب في تأزيم علاقاتنا الودية مع العراق بسببهم، وإلا فإن بإمكاننا مهاجمتهم وإبادتهم، لذلك ننصح العراق بالسيطرة على نشاطاتهم ومنع هؤلاء المنافقين من التسلل عبر الحدود وتنفيذ عملياتهم الإرهابية داخل إيران، والتي طالما ذهب ضحيتها أبرياء في الشوارع والأماكن العامة.

طبعاً مثل هذه العمليات يمكن أن تقع في أماكن من العالم وهي لا تؤثر على قوة نظامنا، ونحن في كل الأحوال نعتبر أن الحكومة العراقية لم تقم بواجبها كما ينبغي تجاه هؤلاء الإرهابيين، وعليها منعهم من مواظبة نشاطاتهم هذه، ونحن بصراحة لا نشغل أنفسنا كثيراً بهم ولا نريد إثارة أزمة مع العراق بسببهم، ونأمل أن يفكر العراق بهذه الطريقة أيضاً.

غسان بن جدو:

دكتور رضائي، أنا قرأت لكم أكثر من مرة تصريحات وخصوصاً خطاباتكم في السنوات الماضية وحتى الآن دائماً تركزون على قضية بأنه هذه الثورة وهذا النظام صمد رغم ما تسمونه أو تصفونه بمؤامرات الاستكبار العالمي وخاصة أمريكا وإسرائيل، يعني نود أن نعرف بالتحديد كيف تجسدت هذه المؤامرات.عفواً، لماذا أسألك هذا السؤال؟لأن هناك من يرى،أو هناك من يحلل بأنه في الحقيقة لم توجد مؤامرات حقيقية على الأرض وإنما القادة هنا المسؤولين في إيران يقولون هذا الأمر حتى يغطوا على بعض المشاكل الداخلية.

د. محسن رضائي:

إن الأمريكيين ظلوا يمارسون نشاطاتهم المعادية لنا، ولكنهم الآن خففوا من تحركاتهم بعض الشيء، غير أن الصهاينة ما زالوا يعملون على الإساءة إلى علاقاتنا مع الدول الصديقة في المنطقة، كما أنهم يحاولون الإخلال بالوضع الداخلي في إيران.

غسان بن جدو:

في هذا الإطار -دكتور رضائي- ما هو موقفكم من المحاور التي تتشكل الآن في المنطقة، وتبدو وكأنها تريد أن تطوق إيران، أحياناً تقولون: تطوق إيران من الغرب: الحلف التركي الإسرائيلي، والقوقاز، أو تطوق إيران من الشرق: حركة طالبان، وأحياناً تقولون بأنه هناك رغبة في تطويق إيران من الشمال: اختراق إسرائيلي وأمريكي في آسيا الوسطى لتطويقها، ما هو تصوركم لهذه المحاولة التي تتشكل؟

د. محسن رضائي:

هناك سببان للتحرك المعادي لنا إقليمياً، الأول:أن لإيران علاقات وأواصر تاريخية وثقافية عريقة مع آسيا الوسطى، ويخشى الأمريكيون نفوذنا في هذه المنطقة بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، فسارعوا إلى إيجاد حركة الطالبان في أفغانستان بينما ضاعفت إسرائيل في تغلغلها في البلدان الواقعة شمال إيران، ثم دفعوا إلى حلف بين تركيا وإسرائيل موجة ضد إيران من الغرب.

إعلان

أما في منطقة الخليج فإنهم يخشون إلى حد كبير أي تقارب أو اتحاد بين إيران وبلدان المنطقة، بل إنهم ينظرون إلى مثل هذا التقارب على أنه يشكل خطراً حقيقياً عليهم، لذلك جاء بأساطيلهم إلى الخليج ليوجهوا تهديداتهم إلى العالم الإسلامي وليثيروا الفتنة بين دوله، ويواجهوا النفوذ والدور الإيراني في آسيا الوسطى، لكن الأمريكيين والإسرائيليين لم يعد بإمكانهم فعل شيء مهم لمواجهة هذا الدور.

غسان بن جدو:

يعني هل أفهم من هذا أنكم تستبعدون أن تتعرض إيران لضربة عسكرية أمريكية أو إسرائيلية؟

د. محسن رضائي:

أستبعد جداً حصول مواجهة عسكرية بيننا وبينهم فضلاً عن أن الظروف الدولية والإقليمية الراهنة لا تسمح لهم بالتفكير في التعرض لنا، إنهم في قضية كقضية العراق ومع وجود القرارات الدولية إلا أنهم عجزوا عن كسب التأييد من أي كان حتى لتوجيه الضربات الصاروخية التي استهدفت تدمير الأسلحة الجرثومية والكيماوية، وإذا كان هذا حالهم مع العراق فكيف سيكون بإمكانهم شن حرب ضد إيران؟ لذلك نحن نستبعد حصول مثل هذا الاحتمال تماماً.

غسان بن جدو:

لا نتحدث عن حرب عسكرية ولكن ضربات صاروخية مثلاً أو بالطائرات، لأنه أنتم تعلمون أنه أمريكا وإسرائيل تحذر دائماً من الأسلحة النووية الإيرانية ربما تضرب محطة (موشهر) النووية، تضرب بعض المواقع الاستراتيجية العسكرية، لا تخشون من هذا الأمر؟

د. محسن رضائي:

لا أتصور ذلك مع أننا أعددنا ما يلزمنا للدفاع عن أنفسنا، إن إسرائيل إذا وجهت نحونا صاروخاً واحداً فإننا سنرد عليها بعشر صواريخ، ولدينا القدرة على القيام بمثل هذا الرد، وهم باتوا يدركون ذلك، لذلك لا أعتقد أنهم يفكرون بأية مواجهة عسكرية معنا.

غسان بن جدو:

في هذا الإطار، هل هناك نية أو استراتيجية إيرانية لتوثيق التعاون الأمني والعسكري مع دول الجوار، وأقصد بالتحديد الدول الخليجية؟

د. محسن رضائي:

بعد أن انهار نظام القطبية الثنائية الذي كان يتزعمه الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة بدأ العالم يتجه نحو التعددية القطبية والتكتلات الإقليمية، ونحن والإخوة العرب نعيش في منطقة الخليج شئنا أم أبينا، ولابد لنا من الارتباط بعلاقات ود وصداقة لنوفر الأمن لمنطقتنا، وسيكون لتعايشنا وتعاوننا آثار إيجابية هائلة على مختلف الأصعدة: الاقتصادية، والأمنية، والسياسية، بينما تكلفة حال العداء والخصومة باهظة جداً.

لذلك لا أتصور أن أحداً منا بإمكانه العيش براحة بال مع جيرانه بوجود حالة عداء بين الجانبين، وعليه فنحن نقترح إقامة مجموعة اقتصادية وسياسية وأمنية لمنطقة الخليج، ولتلتحق فيما بعد دول أخرى بنا كمصر وسوريا، وبالنسبة لإيران فإن بإمكانها أن تمثل حلقة وصل بين كافة بلدان الخليج وبلدان آسيا الوسطى، وهذا ما سيعود بفوائد اقتصادية كبيرة على بلداننا كافة، وعند ذلك سيكون لهذه المنطقة موقع دولي هام، كما سيكون لها كلمة مسموعة ومكانة مرموقة.

غسان بن جدو:

قبل قليل -دكتور رضائي- استبعدتم بأنه القوات الأمريكية يمكن أن تضرب إيران، ومع ذلك والآن تتحدثون عن رغبة إيرانية في توثيق العلاقات الأمنية والعسكرية مع الدول الخليجية، ومع ذلك نحن نلاحظ أن هناك قوات عسكرية سواء من الحرس أو من الجيش كبيرة في جنوب إيران والخليج، هناك صواريخ إيرانية الآن موجهة إلى تلك المنطقة، هل نفهم من هذا.. أو هكذا هناك بعض التحليلات، هناك بعض التخوفات، وهي ليست خافية عليكم.. عنكم لأن هذه القوات وهذه الصواريخ هي في الحقيقة موجهة إلى الدول الخليجية والدول العربية.

د. محسن رضائي:

هذه الدعايات يروجها الصهاينة الذين يخشون تعزيز العلاقات الإيرانية العربية، لأنها تقلقهم وتهدد أطماعهم، لذلك يحاولون دائماً تصوير قواتنا العسكرية وكأنها موجهة ضد الدول العربية، في حين أن وجود هذه القوات، وقيامنا بالمناورات العسكرية جنوب البلاد هي ذات طابع دفاعي محض، وهي في كل الأحوال تمثل قوة ردع في مقابل الأساطيل الحربية الموجودة في الخليج الفارسي، ولا يمكن أن توجه ضد الدول العربية، وعندما تترك هذه الأساطيل منطقتنا أو تبتعد عنا سترون أن وجود قواتنا هناك سيتغير تماماً، وعندما يخرج الأمريكيون من المنطقة فإننا سننقل أسلحتنا إلى بحر عمان خارج منطقة الخليج.

غسان بن جدو:

بعد عشرين سنة من انتصار الثورة الإسلامية وتأسيس الجمهورية الإسلامية وتشكيل قوات مسلحة جديدة في إيران -دكتور رضائي- بكل موضوعية وصراحة هل أنتم راضون عن وضع القوات المسلحة الإيرانية من حيث تجهيزاتها، وإمكاناتها، وقدراتها؟

إعلان

د. محسن رضائي:

لقد حققنا تقدماً كبيراً، تمكنا من الاكتفاء الذاتي تقريباً في الكثير من المجالات، وبدأنا بتصنيع الدروع، وسنحقق الاكتفاء الذاتي في مجال المدرعات في غضون سنوات قليلة، كما أننا ننتج الآن دبابات وناقلات جنود، وسندخل مرحلة الإنتاج الواسع لها في المستقبل. بالنسبة لقدراتنا الصاروخية فإن وضعنا مناسب، وبشكل عام نعتقد أن إيران ستكون مصدراً تسليحياً جيداً لأصدقائها في العالم العربي والإسلامي، ونحن على استعداد لتزويدهم بالسلاح الذي يرغبون به دون أي قيود.

غسان بن جدو:

يعني أنتم معي -دكتور رضائي- الآن بأن هناك تصورات مختلفة الآن عن المسألة الثقافية في إيران، هناك من يقول: علينا المزيد من الانفتاح في الداخل وعلى الخارج، هناك من يقول في داخل إيران: لأ.. ينبغي أن نحمي الثورة، وينبغي أن نركز أكثر على الداخل، ونتصدى للغزو الثقافي.لديكم جيل جديد لديه أسئلة وطموحات كبيرة، فهل لديكم أنتم تصور للمسألة الثقافية في داخل إيران، وليس على العالم إجمالاً؟

د. محسن رضائي:

في إيران يتحدث الشباب عن الحرية، ويظن الكثيرون أن شعار شبابنا هو الحرية السياسية، إلا أنهم في الحقيقة يهدفون إلى تحقيق الحرية الثقافية، فالحرية السياسية تعني أن يكون لك الحق في التصويت والانتخاب، وهذا الحق متوفر لهم منذ عشرين عاماً، فهم إذاً يريدون تحقيق الحرية الثقافية، تسألون لماذا؟ وأقول: لأن مجتمعنا يسير باتجاه ثقافي، كذلك العالم يسير بهذا الاتجاه، ففي إيران ميول ثقافية قوية وراسخة، لكن عقلية السياسيين المتبلورة من الماضي في عالمنا الإسلامي لا تسمح بتنامي هذه الظواهر، فما يدور في أذهان الحكام يرتبط بالماضي، ونموذج الإسلام المتحجر في أفغانستان مثال على هذه العقلية، بينما تفكير الشعوب يرتبط ويتجه نحو المستقبل.

غسان بن جدو:

طيب، أنتم ما هو موقفكم؟ما هي رؤيتكم لهذه التصورات الثقافية المتنوعة والمختلفة في إيران؟ يعني الآن أنتم معي -دكتور رضائي- أن هناك أكثر من تصور، كما قلت سابقاً هناك من يريد مزيد من الانفتاح الثقافي على العالم، وهناك من يقول: إن شعار الغزو الثقافي هذا شعار واهم، لا يوجد شيء اسمه غزو ثقافي، الآن نحن نعيش في عصر العولمة، عصر الحوار، حوار الثقافات والحضارات فيما بيننا، ولا يوجد شيء اسمه غزو ثقافي، بينما هناك أطراف أخرى تقول:لأ هناك غزو ثقافي حقيقي، وهذا يهدد النظام الإسلامي والجمهورية الإسلامية وحتى الثورة الإسلامية، فأنتم.. أين أنتم من هذه التصورات؟

د. محسن رضائي:

هذا التصور صحيح، لأن الغرب يعد برامج وخططاً ثقافية، لا نريد أن نقول:إن الحكومات الغربية تفعل ذلك، لكن في كل الأحوال فإن هذه البرامج تعد للاستفادة من الكمبيوتر، والفيديو، والأقمار الاصطناعية، وشبكة الإنترنت، وتصل إلى البلدان الإسلامية بما تحمله من مفاسد وابتذال، ولذلك تجد شعوبنا هذه البرامج الثقافية تتعارض مع قيمها وأخلاقها، وتحت ذريعة حرية الرأي فإن شخصاً كسلمان رشدي تجاوز كل الحدود والمعايير لينتهك حرمات المسلمين، وهويتهم العقائدية والدينية.

إن الغربيين يشنون هجوماً منظماً على قيم المسلمين وأخلاقهم وثقافتهم، إنها معركة حقيقية بدأها الغرب، وعلينا إحباطها بأدوات وأسلحة ثقافية نواجه بها المفاهيم المنحرفة وأساليب المساس بقيمنا الإسلامية، ونحن قادرون على ذلك.

غسان بن جدو:

لكن طبعاً أنتم تتحدثون الآن.. أنتم إذن مع رؤية أو نظرية أن هناك غزو ثقافي ينبغي مواجهته، ولكن أود أن أسأل هل تلاحظون بأن جيل الثورة الجديد، هذا الجيل الشباب الموجود الآن في لإيران ربما لا يفهم الأمور بهذا المنظار، يريد مزيداً من الانفتاح، يريد مزيداً من الحريات،وحتى هناك من كتب داخل إيران وليس خارج إيران بأن الثورة فشلت في استيعاب وفي تقديم مشروع لجيلها.. جيل الثورة.

د. محسن رضائي:

هذا نوع من التسرع في الحكم على من يطلق عليه بجيل الثورة، فالثورة الإسلامية استقطبت حتى الآن جيلين: الأول جيل الشباب خلال الفترة بين عامي 1970م و1980م، وهي مرحلة قيام الثورة وإرهاصاتها، والثاني هو جيل الثمانينات، جيل التصدي للعدوان العراقي والدفاع عن الأراضي الإيرانية، أما الجيل الثالث وهو جيل التسعينات فقد كان هناك نوع من البطء وعدم الوضوح في مدى استيعاب الثورة له، لكن لا يمكن القول إن الثورة فشلت.

ونعتقد أن الثورة ستكون قادرة على وضع الصيغ والبرامج اللازمة لاستيعاب هذا الجيل سيما مع خبرة جيلين سابقين، وسنعالج هذه المشكلة في المستقبل، وما تسلم الرئيس خاتمي للسلطة إلا نموذج على قدرة النظام على معالجة هذه المشكلة، فمن جاء بالسيد خاتمي؟ إنه النظام والثورة.

غسان بن جدو:

كيف؟

د. محسن رضائي:

بغية استيعاب الشبان، وجذبهم، وتحقيق مستلزمات ذلك للجيل الثالث، إن مجيء السيد خاتمي هو بداية استقطاب الثورة لجيلها الثالث، وسيكون لنا بعد ذلك برامج أخرى في فترة رئاسة السيد خاتمي وما بعده، وأنا متفائل جداً بأن تبلغ نسبة النجاح80%.

غسان بن جدو:

لكن هذه النقطة التي ذكرتها بالتحديد -دكتور رضائي- هي التي تجعل البعض يقول بأنه انتصار الرئيس خاتمي هو علامة فشل المرحلة السابقة، لأن الناس انتخبت الرئيس خاتمي وهو خارج من المؤسسة، خارج من الحكم، وهذا.. هي علامة الفشل وليست علامة النصر، بينما ما تقولونه الآن طبعاً إذا كان شخص آخر سيئ النية أو يؤمن بنظرية المؤامرة، سيقول إنه أنتم فبرتكم قصة السيد خاتمي وجئتم به حتى تستوعبوا هذا الجيل الجديد.

د. محسن رضائي:

حسناً، إن بعض ذلك صحيح، لكن الرئيس خاتمي لم يكن خارجاً عن النظام

بل خارجاً عن أحد أجنحة النظام وهو جناح البرلمان والحكومة، لكن النظام

أكبر من هذا الجناح، والسيد خاتمي هو من محبي الثورة ومن أبنائها والمدافعين

عن النظام، والنظام هو الذي أوصل السيد خاتمي إلى السلطة، وهو الذي

أوجده.

وهنا أشير إلى أن أمين عام تجمع علماء الدين المجاهدين الشيخ مهدي كروبي كان قد سأل القائد المرشد آية الله على خامنئي قبل انتخابات الرئاسة ما إذا كان تيار تجمع علماء الدين المجاهدين الذين ينتمي إليه السيد خاتمي بإمكانه ترشيح أحد أعضائه للرئاسة، فأجابه القائد بالإيجاب، فقال له السيد كروبي: إننا نريد ترشيح السيد خاتمي فهل توافقون على ذلك؟ فرد بالموافقة.

وبعد ذلك ذهب السيد خاتمي إلى القائد ليتأكد بنفسه إن كان يؤيد ترشيحه للانتخابات الرئاسية، فأكد له القائد ذلك، وقبل يومين فقط من عمليات الاقتراع كانت الأجواء مشحونة ضد خاتمي من خلال شريط فيديو، فتدخل القائد ليعلن للشعب إن ما تضمنه الشريط من إساءات ليس مقبولاً، وكان ذلك دفاعاً صريحاً عن السيد خاتمي، ولذلك نحن سنتمكن -إن شاء الله- للمرة الثالثة من استيعاب الجيل الثالث لصالح الثورة.

غسان بن جدو:

طبعاً هذا الكلام سيكون مثير هنا في الداخل في داخل إيران، أختم هذا اللقاء بالقول: الجنرال الدكتور محسن رضائي، بخلفيتك العسكرية، بتصوراتك الثقافية الحالية، بطموحاتك السياسية المستقبلية، هل أنت -ولنقول خطك- ستتعاون مع الرئيس خاتمي في المرحلة المقبلة؟

د. محسن رضائي:

نحن نتعاون معه الآن، ونحن من أصدقائه ومؤيديه، والسيد خاتمي يشارك بانتظام في جلسات مجمع تشخيص مصلحة النظام، وليس لدي شك في أن عدم التعاون مع السيد خاتمي من شأنه أن يلحق الضرر بالبلاد، وعليه فإننا سندعمه مهما كلف الثمن لتمكينه من النهوض بالمسؤولية الملقاة على عاتقه بنجاح، ونحن نعتقد أن كل نجاح يحققه السيد خاتمي هو نجاح للنظام كله.

غسان بن جدو:

شكراً جزيلاً دكتور محسن رضائي على هذا اللقاء.

المصدر: الجزيرة