ليونيد إفاشوف .. أحداث الحرب في داغستان
مقدم الحلقة: | أكرم خزام |
ضيف الحلقة: | ليونيد إيفاشوف: رئيس إدارة العلاقات الدولية في وزارة الدفاع الروسية |
تاريخ الحلقة: | 29/09/1999 |
– أسباب اشتعال الأحداث في شمال القوقاز
– علاقة بعض الدول الإسلامية بالحرب في داغستان
– العلاقة بين المقاتلين الإسلاميين وبعض القوى السياسية الروسية
– دور أميركا والناتو في منطقة القوقاز
– احتمالات اندلاع الحرب مرة أخرى في داغستان والشيشان
– مستقبل الجيش الروسي
![]() |
![]() |
أكرم خزام: أعزائي المشاهدين.. مساء الخير، ضيف البرنامج (لقاء اليوم) الفريق (ليونيد إيفاشوف) رئيس دائرة العلاقات الدولية في وزارة الدفاع الروسية، (الجزيرة) التقت به في مكتبه في (هيئة الأركان العسكرية الروسية).
أسباب اشتعال الأحداث في شمال القوقاز
السيد ليونيد جريجوفيتش ، أودُّ البدء من الأحداث الأخيرة في (داغستان) ما هو تقديركم لما يجري؟ هل هو انتفاضة إسلامية، أم مؤامرة دولية، أو أن الأمور متعلقة بالأوضاع الداخلية في روسيا؟ الكثيرون يعتقدون أن الأحداث اشتعلت هناك لأن البعض في (موسكو) يريد تفجير الأحداث في داغستان و(الشيشان)، وهناك من يقول: الشيشانيين هم الذين يقفون وراء هذه الأحداث، فهل تفضلتم بإبداء الرأي؟
ليونيد إيفاشوف: أشكركم على السؤال أولاً، وأود إبداء آرائي عن الأهمية الاستراتيجية لمنطقة القوقاز، فالأساس في كل ما يحدث هناك هو الأهمية الجيوسياسية والجيواستراتيجية لهذه المنطقة، فليس صدفة أن الولايات المتحدة الأميركية و(الناتو) باتا يعتبران القوقاز منطقة لمصالحهم الحيوية الهامة، ثانياً: شمال القوقاز هو أضعف وأوهن منطقة من مناطق، روسيا الجديدة من روسيا الاتحادية، وهي المنطقة الأضعف بسبب تعقد الوضع الاقتصادي الاجتماعي مما يعتبر تربة خصبة لشتى أنواع المتطرفين والإرهابيين، وكذلك للمتطرفين الإسلاميين، وهذه المنطقة هي المنطقة الأقل حماية من مناطق روسيا.
وهذه الأمور مجتمعة هي التي أدت إلى حدوث الانفجار الحالي للأحداث في شمال القوقاز، وعندما نتحدث عن المهمات الاستراتيجية للدول الأخرى فإننا نقصد أن إعلانها للقوقاز منطقة لمصالحها الحيوية، يعني -بلا شك- أنها معنية ببقاء القوقاز حلقة ضعيفة في روسيا الاتحادية، وذلك لكي لا تتنطح روسيا للنهوض بدور الدولة ذات النفوذ القوي في هذه المنطقة، وهم معنيون بإبعاد روسيا عن ثروات بحر قزوين، وعن منطقة القوقاز ذات الأهمية الاستراتيجية.
أما ما يخص نشاط الإرهابيين فقد سبق وقلت إنهم وجدوا في القوقاز مرتعاً مربحاً بسبب ضعف المنطقة، وضعف حمايتها من الناحية العسكرية،و الاقتصادية، والاجتماعية، والفكرية الروحية أيضاً.
وأرى أنه من الخطأ أن روسيا بقت فترة طويلة دون أن تولي الاهتمام الكافي للمسائل الفكرية الأيدلوجية بما في ذلك الإسلام حصراً، فانطلاقاً من تشريعاتنا الخاصة بحرية المعتقد، سمحنا طويلاً بنشاط تلك القوى المتطرفة التي تدعو إلى العنف علناً، وتدعو إلى خروج داغستان من قوام روسيا الاتحادية، وسمحنا بالعمل لأولئك الذين يملون على السكان فكرهم الديني بالتهديد والقوة، فلا يجوز تحديد إيمان الناس بهذه الديانة أو تلك، نعم لا يجوز، لكن يبدو أنه يجب تحديد الدعاة الذين لا علاقة لهم بالإسلام التقليدي الحقيقي، وأقول الإسلام الحسن الطيب، ولا يجوز السماح بإملاء الفكر الغريب على الشعب، خاصة الفكر الخطر، الذي لا يأخذ ذات الإنسان بعين الاعتبار.
صرت أدرك مغزى الأفكار والشعارات التي يحارب الإرهابيون تحت لوائها في داغستان والشيشان، وأستطيع القول: إنها أفظع من أفكار الفاشية الألمانية لذلك أعتقد أن خطر هؤلاء الإرهابيين المتطرفين يكمن في تخفيهم وراء شعارات الإسلام، وهم بالتالي يسهمون في تحقيق حلم الغرب القديم في الإيقاع بين روسيا والعالم الإسلامي، فقد تحدث عن ذلك السيد (كسينجر) منذ فترة قاصداً حلمه بالإيقاع بين روسيا والإسلام.
أما السيد (بريجينسكي) فقد أطلق على القوقاز لقب (البلقان الأوراسي) مما يعني أننا أمام مجموعة كاملة من المشاكل الخارجية والداخلية، وأمام طائفة من طموحات قوى مختلفة في الغرب، إضافة إلى غياب الفهم الصحيح لمشاكلنا في القوقاز من قبل جيراننا، بالإضافة أيضاً إلى المشاكل الاجتماعية للسكان، مما يدفعنا إلى الاستنتاج بأن الإرهاب وجد لنفسه الحلقة الأضعف في هذه المنطقة بالذات، وأن هذا الإرهاب مُوجه من قوى معينة معنية بإضعاف روسيا وإيقاع الصدام بين روسيا والعالم الإسلامي.
أكرم خزام: السيد (ليونيد جريجوفيتش) نعلم أن القوى التي تحدثت عنها موجودة في الشيشان وداغستان منذ أكثر من ثلاث سنوات، و سؤالي هنا هو: لماذا بدأت الحرب في داغستان في نفس اليوم الذي أقيل فيه رئيس الوزراء
(سيرجي ستيباشن) وعُيِّن فيه السيد (فلاديمير بوتين) رئيساً للحكومة الروسية؟
ليونيد إيفاشوف: لا أود ربط هذه الحرب بتبديل الحكومات في روسيا، لا شك أن الإقالات المتواصلة للحكومات في روسيا لا تتيح الإمكانية لسلوك نهج دقيق حازم ومتواصل لقطع دابر النشاطات الإرهابية، وأنا لا أربط بين هذه الحرب وإقالة الحكومة، فالسبب الرئيسي لهذه الحرب هي -كما قلت- الأهمية الاستراتيجية، والاقتصادية القصوى لمنطقة القوقاز من ناحية، وضعف حمايتها من ناحية أخرى.
ثمة مسألة إضافية هي أن روسيا لم تكن لفترة طويلة تمتلك استراتيجيتها في مكافحة التطرف، ولم يكن لديها برنامجها الخاص بالحماية الروحية للسكان في منطقة متعددة القوميات والأديان، وقد تكون روسيا أفلتت من يدها مبادرة إنشاء منظومة دولية لمكافحة هذا الشر العالمي.
الآن فقط بدأنا نأخذ بعين الاعتبار خبرة الدول العربية الصديقة التي اصطدمت بالإرهاب لسنوات عديدة، ولا تزال تعاني منه، وبدأنا نعتني بخبرة الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأميركية، علينا ألا نكتفي بدراسة هذه الخبرات، بل يجب توحيد القوى، لأن هذا العدو هو عدو عام، وعدو مخيف، وخطر على حياة وصحة الناس، وقادر على تخريب دول بكاملها.
علاقة بعض الدول الإسلامية بالحرب في داغستان
أكرم خزام: تتحدث الشخصيات الرسمية الروسية عن وجود علاقة
للمملكة العربية السعودية وباكستان والإمارات العربية المتحدة بالحرب في داغستان، فهل لديكم معطيات فعلية عن وجود علاقة لهذه الدول بالحرب في داغستان؟
ليونيد إيفاشوف: أنا لا أربط هذه العلاقة بدول بالذات، فعندما نقول دولة نعني قيادة الدولة، وقواها السياسية الأساسية، والرأي العام، وكذلك السكان في هذه الدولة، وأنا لا أعتقد، بل ليس لدينا معطيات بأن أحداً ما من قادة هذه الدول، أو أن أي قوة سياسية من هذه الدول، تعتمد سياسة هادفة إلى إشعال فتيل هذا النزاع في داغستان، وعدا عن ذلك فإن أكثرية الدول العربية إن لم نقل جميعها تعتبر روسيا دولة صديقة.
وقد قال لنا بصراحة قادة هذه الدول، وأعربوا عن اهتمامهم بأن تكون روسيا دولة قوية، خاصة وأن روسيا كانت تؤيد العرب، وتسدي لهم الدعم المعنوي والسياسي والاقتصادي والعسكري، لذلك لا أقول إن بعض الدول العربية تسهم في إشعال فتيل هذا النزاع، ومع ذلك لدينا براهين قاطعة بأن إعداد وتجهيز الإرهابيين يتم على أراضي عدة دول، بما فيها تلك التي أوردتها في سؤالك، ومن ثم إرسالهم إلى الشيشان وداغستان ، إضافة إلى تقديم عون مادي نقدي جدي للبنى الإرهابية، ومن ثم تزويدهم بأحدث الأسلحة والعتاد الحربي.
نعم.. هذه البراهين متوفرة لدينا، ونحن نأمل طبعاً في دعم قيادات الدول العربية لروسيا -في هذه الأوضاع المعقدة- في حربها ضد هذا الشر العالمي، وبأن تتخذ جميع الإجراءات اللازمة لقطع دابر إعداد الإرهابيين وتزويدهم بالمال والعتاد، ونأمل بأن تقوم الدول العربية والإسلامية الأخرى الصديقة بتقديم المساعدة لروسيا في هذا المجال، فروسيا تحتاج اليوم لهذا المساعدة.
العلاقة بين المقاتلين الإسلاميين وبعض القوى السياسية الروسية
أكرم خزام: ليونيد جريجوفيتش، كنت في الشيشان في معسكر خطاب، ورأيت بأم عيني سمات دخول (فيزا) روسية لدى العديد من المقاتلين، فهل يعني هذا وجود قوى داخل روسيا معنيَّة -أيضاً- بإشعال فتيل الحرب في داغستان؟ الوثائق لديهم رسمية، وهم يصلون إلى داغستان والشيشان عبر موسكو، أو عبر مدن أخرى، فهل تعتقدون بوجود علاقات بين المقاتلين الإسلاميين وهذه القوى؟
ليونيد إيفاشوف: لا اعتقد أنه توجد علاقة بين المقاتلين الإسلاميين وبين أي قوى سياسية جديَّة علي الساحة السياسية الروسية، هناك دوائر معينة من تنظيمات الإجرام المنظم التي تجني أرباحاً من جراء توريد السلاح، وفي تقديم المساعدة للمقاتلين بعبور الحدود، نعم، هذه الدوائر الإجرامية موجودة، وهناك دوائر –وهي أيضاً من تنظيمات الإجرام المنظم- معنية بعدم الاستقرار في روسيا لكي تقوم بغسل أموالها القذرة المعجونة بالدم، وعلى الأغلب فإن هذه الدوائر الإجرامية هي التي تسهم بما يجري.
أما ما يخص سمات الدخول (الفيزا) فيبدو أنه من الصعب على سفاراتنا في الخارج أن تحد من تسرب المقاتلين إلى هنا، خاصة وأنهم لا يحملون سلاحهم معهم، بل يأتون تحت أسماء مستعارة، وبجوازات سفر مستعارة أيضاً، لكن وزارة الخارجية الروسية غيرت الآن -وبصورة جذرية- طرق تعاملها مع مثل هذه الظواهر، لذلك نأمل بألا يحصل الإرهابيون مستقبلاً على سمات دخول من خلال سفاراتنا.
دور أميركا والناتو في منطقة القوقاز
أكرم خزام: تطرقتم في بدية حديثكم إلى دور الولايات المتحدة الأميركية والناتو في منطقة القوقاز، وبنفس الوقت تحدث المارشال (سيرجيف) وزير الدفاع مؤخراً عن إمكانية التعاون مع أميريكا في مجال مكافحة الإرهاب، فكيف لنا أن نفهم ذلك، أليس ثمة مفارقة مع حديثكم ؟
ليونيد إيفاشوف: يبدو لي أنه لا تناقض في الأمر، صحيح أن الولايات المتحدة تطمح إلى تثبيت دور معين لها في هذا المنطقة القوقازية، فأميريكا والناتو يبذلان جهوداً معروفة لعزل دول القوقاز عن التعاون الوثيق مع روسيا، وجذبها إلى دخول الناتو، أو إلى التحالف مع أميريكا، فهذه المحاولات موجودة.
وأقول مباشرة إن هذه الظاهرة هي إحدى الظواهر المؤثرة علي الأوضاع في منطقة القوقاز بصورة عامة، فبدلاً من أن تقوم هذه الدول بتوحيد جهودها مع روسيا لمكافحة شر الإرهاب، نجد أنها تسمح ببعض الأنشطة المعادية لروسيا بما فيها بعض الفعاليات المتعلقة بالأحداث في داغستان والشيشان، ويتسرب الإرهابيون أيضاً عبر أراضي بعض الدول المجاورة، ويجري هناك إنشاء مراكز حيث يتم تجميع الأموال وتشكيل الخلايا المنظمة، في هذا المجال بالذات تقدم أميريكا والناتو خدمة سيئة.
لكن من جانب آخر، وخاصة إذا كان المقصود بالتعاون، التعاون الذي اقترحه وزير الدفاع الأميركي (كوهين) فنحن لا نستطيع رفض مثل هذا التعاون، وأعتقد أن الدول الأوروبية وأميريكا ذات مصلحة في هذا التعاون
فالولايات المتحدة الأميركية ليست في ضمانة من نشاط الإرهابيين الدوليين، والدول الأوروبية أيضاً، وهم يفهمون جيداً أن هذه العدوى ستمس في حالة انتشارها الدول الأوروبية وأميريكا، فهذه الظاهرة ظاهرة دولية، وقد أخذت تكتسب طابعاً شمولياً، وجرثوم هذا الوباء سريع الانتشار.
احتمالات اندلاع الحرب مرة أخرى في داغستان والشيشان
أكرم خزام: هل تعتقدون أن الحرب في داغستان انتهت، أم أنها يمكن أن تندلع ثانية في أي وقت، خاصة وأن وزير الدفاع الروسي المارشال (سيرجيف) أعلن مؤخراً أن هناك تحذيرات لتسرب المقاتلين إلى داغستان، فكم سيستمر هذا الوضع ؟
ليونيد إيفاشوف: أعتقد أن عملية الاستقرار في شمال القوقاز بحاجة إلى فترة زمنية طويلة، صحيح أنه تم تحطيم مائتين أو ثلاثمائة، أو حتى عدة آلاف مقاتل، لكن الأهم هو نزع التربة التي تساعد على ظهور هؤلاء المقاتلين.
إن الوهابية وخاصة الوهابية المتطرفة تسربت اليوم إلى داغستان والشيشان، وليس صدفة أن الرئيس الشيشاني (أصلان مسخادوف) أخذ يتحدث عن هذا الخطر، وتسرب هذا المذهب إلى آسيا الوسطى، وقد ناقشنا هذه المشكلة في اجتماع وزراء دفاع كومنولث الدول المستقلة مؤخراً، ولذا فإن انتزاع هذه الأفكار الفاشية الغاشمة هو أمر أعقد وأطول زمناً من تحطيم عصابة أو عصابتين.
ولعل الأمر هنا يتمثل في رفع المستوى الروحي، والاقتصادي، والاجتماعي للسكان، فالفقر والبطالة خاصة بين الشباب هما -أيضاً- سبب في هذه الظاهرة، إضافة إلى محدوديَّة أو غياب الإمكانية لدى الشباب في تحصيل التعليم كما كان الأمر في الاتحاد السوفيتي سابقاً، مما يبقيهم في حالة فراغ.
وفي هذه اللحظة يظهر من يسمون أنفسهم بالدعاة، أو كما يدعون دعاة الإسلام الحقيقي، ويبدأون بغزو نفوس هؤلاء الشباب، وهذا خطير، ويحتاج إلى وقت طويل، خاصة ما يتعلق برفع المستوى الروحي من خلال المراكز التعليمية، ولعل الأهم من ذلك كله هو تعليم الناس بأن يميزوا الإسلام الحقيقي الخير، والطيب، عن ذاك المذهب الإسلامي الذي يعتبر ضرباً من الأيدلوجية الفاشية.
أكرم خزام: منذ فترة غير بعيدة أطلق رئيس الحكومة الروسي (فلاديمير بوتين) على (جروزني) لقب المركز الدولي الضخم للإرهابيين، وأنذر مطالباً العاصمة الشيشانية بتسليم من وصفهم بالإرهابيين لروسيا، فهل يعني هذا إمكانية بدء حرب ثانية في الشيشان؟
ليونيد إيفاشوف: روسيا تنتهج في السنوات الأخيرة سياسة محبة.. بل ومحبة جداً للسلام، فقد أدانت روسيا الضربات العسكرية الأميركية للسودان، وأفغانستان، وأدانت الإرهاب على مستوى الدولة فيما يخص شعبي العراق ويوغسلافيا، ونحن نرى أنه يجب حل جميع المشاكل بالطرق السلمية.
ومع ذلك فإن الدولة ملزمة بحماية حياة مواطنيها، فقد لقي عدة مئات من مواطنينا حتفهم بسبب الأعمال الإرهابية الأخيرة، فروسيا وشعب روسيا يقفان أمام تحدٍّ قاسٍ، تحد بالقتل، والقاتل يجب أن يعامل بنفس طريقته، ولذلك فعلى روسيا أن تتخذ جميع الإجراءات الكفيلة بحماية مواطنيها، ورئيس الوزراء يحس بذلك، وهو يعبر بصورة مكثفة عن أحاسيس الشعب، وأعتقد أن بعض الدول العربية تصرفت بنفس الطريقة أثناء صراعها مع المتطرفين، وأعتقد أن تصرفها كان صحيحاً.
أكرم خزام: لكن دروس التاريخ برهنت أن القوة لوحدها لا تحل مشكلة
الإرهاب، لنأخذ الشيشان علي سبيل المثال حيث استخدمت القوة هناك خلال عامين، ومضى بعد ذلك ثلاثة أعوام، لكن الوضع في الشيشان بقي كما كان، وبقيت المشاكل نفسها مثل البطالة والفقر وغير ذلك، فما هي برأيكم آفاق الحل؟
ليونيد إيفاشوف: أكرر مرة ثانية، أن حل هذه المشكلة يتطلب زمناً طويلاً، وأطواراً متعددة، والقوة العسكرية هي إحدى الوسائل التي يصعب استثناؤها، صحيح أنه من العسير أن يتم رفع مستوى معيشة السكان بصورة جوهرية خلال سنة أو سنتين، خاصة وأن اقتصادنا لا يوفر مثل هذه الإمكانية، ومن الصعب اليوم تأمين فرص العمل للجميع في فترة وجيزة.
وفي نفس الوقت لا يجوز السماح بقتل الناس، ولذلك -بالذات- تحتل القوة العسكرية مكان الصدارة، وعلى الأغلب أن تستخدم هذه القوة لفترة غير طويلة، لكنها ستستخدم بقدرات كافية لتحطيم القوى الأساسية للإرهابيين، وفيما بعد سينتقل العمل إلى البوليس، ووزارة الداخلية والخدمات الأخرى، وأعتقد أن الحكومة الروسية ستركز في شمال القوقاز على تغيير الوضع الاجتماعي والاقتصادي، وبالتالي الوضع السياسي أيضاً.
أكرم خزام: هل تعتقد أن هذه الإجراءات الحازمة ستتم داخل الشيشان أيضاً؟
ليونيد إيفاشوف: أنا لم أقل ذلك، وكل شيء سيتم وفقاً لتطور الأوضاع، فروسيا اليوم مستعدة لحل المشاكل في داغستان والشيشان بالسبل السياسية السلمية بشرط الكف عن قتل المواطنين، وتفجير بيوت السكن، نعم نحن مستعدون للبحث عن الحلول الوسط، لكن أولئك الذين ينظمون أعمال الإرهاب لا يفهمون سوى لغة الرشَّاش.
أكرم خزام: منذ فترة غير بعيدة حدثت أعمال تفجير في موسكو وروستوف وداغستان فهل لديكم دلائل قاطعة بأن الشيشانيين، أو الداغستانيين هم الذين نظموا هذه التفجيرات، خاصة وأن وزارة الأمن الروسية أو وزارة الداخلية الروسية لم تعلن بعد عن وجود إثباتات على أشخاص معينين؟
ليونيد إيفاشوف: أولاً لا تزال مسألة التفجيرات في طور التحريات، ومن السابق لأوانه الحديث عن أشخاص بذاتهم، وعدا ذلك فإن وزارة الدفاع تشترك في هذه التحريات بصورة غير مباشرة، ومسألة التحري موكلة لهيئات أخرى، إضافة إلى ذلك يجب التمييز بين المنفذين والمنظمين، فآثار منظمي هذه العمليات واضحة لدينا، وأقصد هنا الشيشان، وأراضي تلك الدول التي تتواجد عليها مراكز إعداد المقاتلين، وطلبيات عمليات التفجير تأتي من هناك، أما المنفذون فيمكن استئجارهم من المجرمين والقتلة العاديين، ويمكن لهؤلاء القتلة أن يكونوا من قوميات ودول مختلفة، ويمكن أن يكونوا من مواطني روسيا، لكنهم في شتى الأحوال قتلة عاديون ينفذون ما يطلب منهم لقاء أجر معين، أو –كما تبين مؤخراً- لقاء نقود مزورة.
أكرم خزام: هل بعثتم برسائل إلى الدول التي تدعم الإرهابيين في الشيشان -كما قلتم- وهل لديكم مذكرات رسمية بهذا الصدد؟ أو هل لديكم إثباتات بأن هذه الدول تدعم الإرهابيين فعلاً بالمال والسلاح؟
ليونيد إيفاشوف: نعم، إن وزارة الخارجية الروسية تواصل عملها على هذا المسار، وحتى وزارة الدفاع تقوم بواجبها في هذا المضمار، حتى أن هذا التصريح لكم يعتبر نوعاً من عمل وزارة الدفاع فهو نداء لقادة الدول العربية، ونقوم كذلك بمقابلة سفراء بعض الدول ومقابلة الملحقين العسكريين، ولديَّ لقاء مع الملحق العسكري لإحدى الدول التي يقع على أراضيها مركز لإعداد الإرهابيين، ونحن نسلمهم بعض المعطيات، ونعبر عن قلقنا بصدد عدم اتخاذ حكومات هذه الدول للإجراءات اللازمة، وأعتقد أنه في حال استمرار هذه الأوضاع، وفي حال عدم قيام هذه الدول بتدابير متعلقة بقطع دابر الإرهاب على أراضيها فإن وزارة الخارجية الروسية قد تتخذ إجراءات أكثر حزماً.
أكرم خزام: تتكرر في تصريحات بعض المسؤولين الروس، وفي وسائل الإعلام الروسية تعابير مثل الإرهابيين العرب، أو الإرهابيين المسلمين، حتى أن كلمة عربي أو مسلم أخذت تستدعي في الآونة الأخيرة بعض الاشمئزاز لدى الكثيرين في حال سماعها، فما هو رأيكم.. ألن تؤثر هذه التسميات سلباً على مستقبل العلاقات بين روسيا والدول العربية؟
ليونيد إيفاشوف: أعتقد أن قادة الدول العربية والشخصيات السياسية العربية تركز اهتمامها في هذا المجال على تصريحات الرئيس الروسي، الذي أعلن مراراً أن الإرهاب ليس محدوداً بقومية، هناك – فعلاً- خلطٌ للأمور في هذا المضمار خاصة في وسائل الإعلام، لكني اعتبر هذا الخلط خطأ، فالإرهابي ليس محدوداً بقومية فعلاً، وأنه أمر آخر وجود عدد أكبر من الإرهابيين على أراضي هذه الدولة أو تلك، لكن القول بأن الإرهابيين إسلاميين فقط هذا خطأ، فالإرهاب هنا هو إرهاب دولي، وقد انتقل هذا الإرهاب اليوم إلى وضع الهجوم وهو يمارس عمله بنشاط أكبر من خلال صلات وثيقة مع مجموعات الإجرام المنظم نحن لا نستثني وجود صلات لمجموعات الإجرام المنظم في روسيا مع أولئك الإرهابيين الذين يتم إعدادهم في باكستان وأفغانستان والشيشان، أقصد عصابات الإجرام المنظم في روسيا ويمكن القول بوجود تضامن فعلي بينهم.. بين القتلة، ولا يولون أي اهتمام للانتماء القومي، أو الانتماء لهذه الديانة أو تلك، وهم متضامنون باسم القتل، وباسم المال، وكذلك باسم امتلاك الثروات، إنها ظاهرة دولية.
أكرم خزام: السيد ليونيد جريجوفيتش، منذ فترة قريبة تم الإعلان بصورة محددة عن وجود علاقة مباشرة لأذربيحان بالأحداث الأخيرة في داغستان، لكن وزير الدفاع ووزير الخارجية في أذربيجان دحضا هذه التصريحات، وهناك أخبار عن تسرب الدعم للمقاتلين الإسلاميين من خلال (جورجيا)، فهل لنا أن نسمع منكم أي أخبار رسمية في هذا الصدد؟
ليونيد إيفاشوف: نعم، لقد سبق وقلت أن أراضي بعض الدول المجاورة تستخدم لتأمين عبور المقاتلين ولتشكيل بعض الخلايا المنظمة، لكني أعتقد بوجود فهم لدى هذه الدول لمدي الخطر المحيط بها ذاتها، وعندي اعتقاد بأن خطط المقاتلين، وخطط منظمي الأفعال الإرهابية وربطها بصورة محكمة زمنياً مع الأحداث في قازقيستان وأفغانستان ستقتصر على زعزعة الأوضاع في داغستان وحدها، ويبدو أن خططهم أكثر سعة وشمولية.
لذلك يتطلب الأمر بذل جهود مشتركة حتى أن رئيسي أذربيجان وجورجيا أعربا أثناء اجتماع وزراء الخارجية عن استعدادهما للعمل ضد هذا الإرهاب عبر الأجهزة والجهات المعنية، لكن يلاحظ أن هناك ضعف في نشاط الأجهزة المختصة في هذه الدول أيضاً، إضافة إلى غياب إمكانية التمييز بين الإرهابيين وغير الإرهابيين.
مستقبل الجيش الروسي
أكرم خزام: يتحدث الكثيرون عن إمكانية إعلان حالة الطوارئ العامة في روسيا ما يعني ضمناً إلغاء الانتخابات البرلمانية، فما هو الدور الذي سيقوم به الجيش في حال سير الأمور بهذا الاتجاه فعلاً؟
ليونيد إيفاشوف: المهمة الأساسية لأي جيش بما في ذلك الجيش الروسي هي ضمان الأمن العسكري الخارجي، فسواء فرض وضع طوارئ، أم لم يفرض فإنه لدى روسيا ما يكفي من المؤسسات الديمقراطية التي تؤثر على اتخاذ مثل هذا القرار خاصة المجلس الأعلى للبرلمان (المجلس الفيدرالي).
وأعتقد أنه في حال اتخاذ أي قرار سيؤخذ بعين الاعتبار الوضع الجنائي، وحالة الإرهاب، والوضع السياسي، وأعتقد أنه سيتم إيجاد الحل الصحيح لهذا الوضع، وحتى الآن لم يصدر أي إعلان من رئيس البلاد، أو من رئيس الوزراء، أو من قبل أي قوى سياسية جدية عن ضرورة فرض وضع الطوارئ في البلاد، والجيش لا يدعم أياً من القوى السياسية، ولا ندافع عن هذا الجهاز أو ذاك، بل نؤمِّن الحماية العسكرية للدولة.
أكرم خزام: السؤال الأخير، سبق وتحدثتم عن وجود خطر على روسيا من الجنوب، فهل هو الخطر الوحيد على روسيا؟ أم هناك أخطار أخرى؟ وعدا عن ذلك لقد شاخت العقيدة العسكرية الروسية السابقة باعتقاد المراقبين فما الذي سيقترحه العسكريون على القيادة السياسية في روسيا؟
ليونيد إيفاشوف: وزارة الدفاع الروسية تعكف الآن على صياغة مشروع جديد للعقيدة العسكرية الروسية، وعملياً تمَّ إعداد الصيغة الأولى لهذا المشروع، وتجري مناقشته الآن، وفعلاً أُخِذَ بعين الاعتبار طابع تغير الأخطار الخارجية والداخلية، وتمَّ من الناحية المبدئية طرح إجراءات ذات طابع وقائي تبعد هذه الأخطار عن روسيا أو تلغي مفعولها على الأقل أو تشلها.
نعم، هناك تعديلات جديدة بلا شك، أنتم تعلمون أن الأخطار الخارجية التي حددها المشروع السابق للعقيدة العسكرية لا تقتصر على الجنوب فقط، علماً أننا نحس بهذا الخطر، لكننا نحس أيضاً بالخطر العسكري من جانب الغرب من جانب الناتو، و خاصة إذا ما أخذنا بعين الاعتبار الاستراتيجية العسكرية الجديدة للناتو، والعمل العدواني الناتوي الأخير ضد يوغسلافيا .
نعم، نحن نحس بخطر الناتو، لكن هناك اتجاهات أخرى تستدعي قلقنا، هناك أخطار تتمتع بطابع الاستمرار والديمومة، لكن هناك أخطار تظهر فجأة، ولذا فإن العقيدة العسكرية الروسية الجديدة ستأخذ بعين الاعتبار رد فعل الدولة ومنظماتها العسكرية على أي نوع من الأخطار التي يحتمل ظهورها.
أكرم خزام: لديَّ سؤال آخر، كيف تتصورون روسيا من الناحية العسكرية في بداية القرن الحادي والعشرين؟
ليونيد إيفاشوف: روسيا ستواجه بداية القرن الحادي والعشرين في وضع الإصلاح العسكري، وهذا الإصلاح جار منذ الآن، ستبقي روسيا مضعضعة لبعض الوقت من الناحية العسكرية، لكن اعتباراً من السنوات الأولى للقرن المقبل سيبدأ النهوض الاقتصادي في روسيا، وستصاغ عقيدة جديدة للجيش الروسي تقتضي الإعداد بصورة جديدة، واستراتيجية جديدة، وسيزود الجيش الروسي آنذاك بالأسلحة الحديثة التي تُعرض نماذج منها الآن في المعارض، والموجودة في مكاتبكم الإعلامية، أي أنه سيكون لدى روسيا والجيش الروسي أفضل أسلحة في العالم، وأعتقد أن الجيش الروسي سيكون بعد عَقْدٍ من السنين مدعاة للفخر والاعتزاز.
أكرم خزام: أعزائي المشاهدين، إلى اللقاء في حلقة جديدة من برنامج (لقاء اليوم) ها هو أكرم خزام يحييكم من موسكو.