لقاء اليوم

فاروق الشرع .. العلاقات السورية الأميركية

هل تثير التصريحات الأميركية بشأن الدول التي تؤوي مايسمى بالمنظمات الإرهابية قلقا لسوريا؟ وهل تشمل الحرب دولا غير أفغانستان؟ الخلاف الأميركي الإسرائيلي عن تصريحات شارون الأخيرة عابر أم مؤشر لتغيير في موقف واشنطن من القضية الفلسطينية؟

مقدم الحلقة

أحمد الشيخ

ضيف الحلقة

– فاروق الشرع ، وزير خارجية سوريا

تاريخ الحلقة

11/10/2001

– تأثير التصريحات الأميركية ضد الإرهاب على سوريا
– رد الفعل العربي تجاه أحداث 11 سبتمبر وما نتج عنها

– موقف أوروبا والأمم المتحدة من الأزمة

– موقف دول المؤتمر الإسلامي من الغارات الأميركية على أفغانستان

undefined
undefined

أحمد الشيخ: مشاهدينا الكرام، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً بكم إلى هذا اللقاء مع وزير الخارجية السوري الأستاذ فاروق الشرع، إذ نلتقيه اليوم على هامش اجتماعات وزراء خارجية منظمة المؤتمر الإسلامي، وهذا الاجتماع ينعقد لبحث الأزمة التي ابتدأت منذ الحادي عشر من سبتمبر إثر وقوع الهجمات على نيويورك وواشنطن وما تلا ذلك من ضربات عسكرية وغارات جوية أميركية على أفغانستان منذ يوم الأحد الماضي.

سعادة الوزير، نرحب بك في هذا اللقاء.

فاروق الشرع: شكراً.

تأثير التصريحات الأميركية ضد الإرهاب على سوريا

أحمد الشيخ: ولنبدأ أولاً فيما يتصل بفصول هذه الأزمة وتداعياتها بما يتصل بهمنا العربي، الولايات المتحدة على لسان عدد من المسؤولين فيها ومنهم الرئيس ووزير الدفاع قالت: إن ما تقوم به الآن لاجتثاث جذور ما تسميه بالإرهاب قد يمتد في يوم ما من الأيام ليشمل دولاً تتهمها واشنطن بإيواء الإرهاب وهي أيضاً وضعت قائمة بأسماء ومنظمات ودول تقول إنها ترعى الإرهاب أو تمارسه ومنها منظمات المقاومة الفلسطينية وحزب الله و.. إلى آخره، وهذه المنظمات موجودة في سوريا، هل تثير هذه التصريحات قلقكم؟

فاروق الشرع: ليس تماماً، لأننا نعتقد أن هذه التصريحات غير مسؤولة وتصدر بدافع التخويف وبدافع خلق نوع من القلق في المنطقة غير مبرر –بتقديري- يعني عندما ندين الإرهاب فنحن لا ندينه من أجل سواد عيون أميركا، لأننا فعلاً تأثرنا بما جرى في نيويورك وواشنطن، أدنا هذا العمل، والسيد الرئيس بشار الأسد كان واضحاً في إدانته لهذا العمل البشع من جهة وأيضاً الإعراب عن مواساته وتضامنه مع الشعب الأميركي ومع ذوي الضحايا، إذن نحن عندما اتخذنا الخطوة الأولى منذ اليوم الأول لم يكن أحد يهددنا ولم يكن أحد يخيفنا فيما بعد جرت تصريحات لبعض المسؤولين الأميركيين نحن لا نعول كثيراً على بعض التصريحات الأميركية أقول لك بصراحة، لأنهم في حالة انفعالية، كانوا في حالة صدمة، ونحن نفهم الحالة الانفعالية والصدمة، ونفهم حجم الكارثة التي حلت بها، ونفهم الارتباك الخطير الذي وقع بهم، وعندما ترتبك دولة كبرى تخطئ –أحياناً- أكثر من الدول الصغرى..

إعلان

أحمد الشيخ: هذا ما يثير القلق..

فاروق الشرع: يثير القلق، نعم.

أحمد الشيخ: أن تعمد إلى عمل غير محسوب.

فاروق الشرع: انتهى.. فترة الانفعال انتهت ولذلك أنا لست قلقاً.

أحمد الشيخ: ولكن..

فاروق الشرع: لكن بقي الأثر المدمر، بقي الفعل الذي لابد وأن يُواجه، الآن هم قالوا أنفسهم أن شبكة القاعدة هي التي تقف وراء هذا العمل، الحقيقة هم لم يقدموا برهاناً كافياً ولا حتى للأوروبيين، لحلفائهم الأقربون، وبقيت أسماء غامضة وكشف عن أسماء لم تكن في الطائرات إطلاقاً، والصناديق السوداء أين؟ ماذا قرئ منها؟ وهي مهمة هي لا تدمر، لا تتلف، أحد المسؤولين السعوديين قال لي: كيف يمكن أن لا يتلف جواز سفر سعودي ويتلف الصندوق الأسود؟

أحمد الشيخ: نعم.

فاروق الشرع: إذن نحن أمام ارتباك أميركي، وهذا الارتباك الأميركي مفهوم، لكن يجب ألا يصل إلى درجة أو يستمر إلى درجة التخويف أو التهديد، نحن لا نخاف من التهديد ولا نقبل الوعيد، نحن دولة لدينا حقوق ندافع عنها في أرضنا، وإذا كان هناك لائحة نحن لا نهتم بهذه اللائحة ولا نعتبرها أنها لائحة شرعية إطلاقاً واليوم في القرار الذي صدر عن المؤتمر الإسلامي يؤكد هذه الناحية، أن كل الدول الإسلامية تعتبر أن ما يصدر عن الأمم المتحدة هو الشيء الشرعي النقطة الأخرى التي أود أن أتحدث عنها، أننا اتخذنا قراراً برفض أي تهديد أو استهداف لأي دولة عربية أو إسلامية تحت ذريعة مكافحة الإرهاب، ولماذا أخذنا؟ كان يمكن أن لا نتخذ هذا القرار، اتخذناه لأن هناك لغط وهناك بعض التصريحات التي صدرت عن الإدارة الأميركية لم تكن هذه التصريحات موفقة –بتقديرنا- ويجب أن لا نأخذها على محمل الجد، إذا أردنا أن نأخذها بمحمل الجد فيجب أن يبلغوننا إياها رسمياً.. لكن لم يبلغوننا أي شيء رسمي بهذا الخصوص.

أحمد الشيخ: لكن.. لكن سعادة.. لكن سعادة الوزير الحقيقة أن حتى في داخل الإدارة الأميركية يبدو أن هناك مواقف متضاربة، هناك أجنحة متشددة تضغط باتجاه اتخاذ إجراءات أشد صرامة ضد الدول المتهمة بإيواء الإرهاب، والمسؤولين العرب بعضهم قالوا أن الولايات المتحدة بعثت بتطمينات إلى أنها لن تهاجم العراق أو سوريا أو لبنان أو ليبيا أو دول أخرى، ثم جاء الرئيس (بوش) في مؤتمر صحفي وقال لم نطمئن أحداً، ألا يدل ذلك على أن هناك نية مبيتة ربما تصل في لحظة من اللحظات إلى إنه تضرب سوريا لإيوائها المنظمات الفلسطينية أو لمساعدتها حزب الله؟

فاروق الشرع: نحن في قراءتنا للوضع الراهن والمستقبلي لا نعتمد على التطمينات أساساً، يعني هم أعطونا تطمينات بأن عملية السلام ستعطي نتائج باهرة في مدريد ومر عشر سنوات دون أن تعطي أي نتيجة، رغم وجود تطمينات موجودة في وزارة الخارجية السورية الآن لو ننشرها ستربك الإدارة الأميركية والولايات المتحدة الأميركية بشكل عام، نحن نعتمد على سلوكنا، نحن دعاة سلام لأننا نريد السلام، ويجب أن يكون هذا السلام عادلاً وشاملاً ويعيد كامل أراضينا المحتلة وحقوقنا المغتصبة، ومطلبنا من أجل السلام ليس لأن أميركا تريد السلام أو لأن إسرائيل لا تريد السلام هذا حق وهذه من الثوابت السورية، الشيء الآخر أن الذي لديه أرضاً محتلة من حقه بموجب القانون الدولي وبموجب ميثاق الأمم المتحدة وشرعية حقوق الإنسان أن يدافع عن هذه الأرض ويقاوم المحتل الإسرائيلي، ثم إذا أخذنا التهديد أو الوعيد أو التخويف الذي يصدر عن بعض المسؤولين الأميركيين فيجب أن يهددوا إسرائيل أولاً، لأن إسرائيل ترتكب منذ سنوات طويلة إرهاب الدولة، تحتل أراضي الغير بالقوة، تخالف ميثاق الأمم المتحدة، تخالف اتفاقية جنيف الرابعة، تهدم المنازل على رؤوس أصحابها الفلسطينيين، تقتل الأطفال، تزرع المستوطنات، تجرف الأراضي، كل هذه الأمور هي نوع من الإرهاب ضد الشعب الفلسطيني الرازح تحت الاحتلال، إذا كانت فعلاً الولايات المتحدة تريد أن تقود حملة عالمية وليس فقط في أفغانستان حملة واسعة شاملة، يجب أن تبدأ بإسرائيل.

إعلان

أحمد الشيخ: إذن سعادة الوزير، وكأننا نقول أن موقفكم من المنظمات الموجودة منظمات كحماس والجبهات الفلسطينية الأخرى وحزب الله لن يتأثر بهذه التهديدات، أنتم سيظل..

فاروق الشرع[مقاطعاً]: هذه المنظمات معترف بها بأنها مقاومة مشروعة ضد الاحتلال الإسرائيلي، في القمم العربية، وفي القمم الإسلامية، في آخر قمة في عمان، وقبل مؤتمر وزراء الخارجية في آذار/ مارس من عام 2000م، الكل أشادوا حتى بالمقاومة الوطنية في لبنان، أشادوا بحزب الله، إذا كانت أميركا تريد أن تضع العالم بجانب وهي بجانب، وتكون هي على حق، وكل.. والآخرون على ضلال، هذا شيء آخر، كيف تريدنا أن نتضامن معها في محنتها، وهي فعلاً تمر بمحنة وفي مأساتها، وهي فعلاً تمر بمأساة، وقتل آلاف الأبرياء في نيويورك، يجب أن أيضاً تتحس مشاعر الآخرين، وكان يجب أن تتحس مشاعر الآخرين قبل حدوث هذه الكارثة في 11 سبتمبر/ أيلول الماضي.



رد الفعل العربي تجاه أحداث 11 سبتمبر وما نتج عنها

أحمد الشيخ: ولكن سعادة الوزير، كنت تتحدث عن تعريف الإرهاب وما إلى ذلك الملاحظ أن كل الدول العربية والإسلامية أو معظمها إذا أردنا أن نقول كان هناك إفراط في الإدانة لما حدث في أميركا وهو أمر يستحق الإدانة لأن أبرياء قتلوا فيه، ولكن الموقف من أفغانستان الفقيرة المعدمة بصرف النظر عما إذا كنت تتفق مع طالبان أو تخالفها، تجد أن اللهجة حين.. وحين قرأت نص البيان الختامي، مسودته، وجدت أن نبرة الخطاب حين يتعلق الأمر بإدانة ما تتعرض له أفغانستان تجدها قد انخفضت، هناك نوصف تلك الهجمات بأنها وحشية، وهنا لا نتخذ مواقف مماثلة في القوة.

فاروق الشرع: أنا لا أختلف معك في هذا الموضوع، نحن لدينا ثوابت في سوريا، لا إفراط ولا تفريط بمعنى لا نبالغ ولا نتجاهل، لكن نعطي كل شيء حجمه، لكن الحجم.. حجم الضحايا في نيويورك فعلاً كبير جداً كبير.. كبير جداً سبعة آلاف إنسان طبعاً لو غداً –لا سمح الله- تعرض سبعة آلاف أفغاني لنفس الكارثة التي تعرض لها سبعة آلاف أميركي في نيويورك، ستقوم الدنيا ولا تقعد في العالم الإسلامي أنا أؤكد لك يجب ألا نستبق الحوادث أولاً، ويجب أن نأخذ الأمور بحجمها الحقيقي.


أحمد الشيخ: نعم، إذاً إذا كان الأمر على هذه الحالة، لماذا تداعت الدول الإسلامية في هذا الموقف لعقد اجتماع، ولم تطالب الولايات المتحدة، دونما مطالبة على الأقل قبل عقد هذا الاجتماع بتقديم دليل واحد على الأقل، هم يقولون: هؤلاء ارتكبوا هذا العمل المشين، نحن لم نسمع بدليل عملي واحد مقبول، يمكن أن يقبله الإنسان ويقول: هذا يدمغ فلان وفلان، سواء كان بن لادن أو غيره، لماذا تداعينا هكذا دون أن نصر، ويجب أن نصر على وجود دليل؟

فاروق الشرع: التعاطف مع الضحايا لا يحتاج إلى دليل…

أحمد الشيخ[مقاطعاً]: هذا الاجتماع عُقد للتعاطف مع الضحايا أم لاتخاذ موقف؟!

فاروق الشرع: أنا أقول أن التعاطف مع الضحايا لا يحتاج إلى دليل، خاصة إذا كان حجم الكارثة كبير والمحنة كبيرة جداً، وهذه المحنة الكبيرة والكارثة الكبيرة تضعها الولايات المتحدة أمام مفترق طرق، يجب أن نفكر فيه جيداً، كيف يمكن لنا كعرب أن نستفيد من هذه الانعطافة الحادة التي تواجه العالم ولا تواجه فقط الولايات المتحدة والعالم الإسلامي، أنا –كما قلت- لا نبالغ في وصف الأشياء ولا نقبل بتبسيط الأشياء، بمعنى إذا قيل لنا أن هناك دليلاً، وأن هذا الدليل ليس كافياً، لن نقول نحن في سوريا.. لن نقول أننا نملك أدلة دامغة قدمتها لنا الولايات المتحدة، سنقول هذا الكلام فعلاً عندما تقدم لنا أدلة دامغة.


فأنا لا أريد أن أنتقد الآخرين، وليس من مهمتي انتقاد الآخرين، ولا.. ونحن لا نضع من أنفسنا قضاة على مجريات الأمور، نحن طرف في وضع دولي يتطور باتجاه معين يجب أن نوضح موقفنا، أن لا نخطئ التقدير، وأن لا نخطئ أيضاً في التقييم وأن نحمي بعضنا البعض كعرب، لكي لا نكون مُستهدفين، لاسيما إذا سألتني سؤال يتعلق بإسرائيل، أقول لك: إن إسرائيل زودت –ومنذ عقود من الزمن الولايات المتحدة- بمعلومات خاطئة أمنية واستخبارية، لكي تُبعد.. لكي تُبعد الإرهابيين الحقيقيين عن الشبهة وتجلب إلى الشبهة المقاومة الوطنية المشروعة.

إعلان

أحمد الشيخ: أنا سيدي أتحدث عن دليل، أثرت هذه النقطة، لأنك ربما وقد رأيت بالتأكيد أن ما تعرض له كل ما.. من هو عربي أو من أصل عربي أو مسلم في الولايات المتحدة، وحتى مش.. ليس في.. في الغرب عموماً أصبحنا جميعاً نُسمى بأننا إرهابيين، وكأن هناك تفكير نمطي عُمم علينا، رغم الحديث عن التقدم التكنولوجي وما إلى ذلك، والحضارة والانفتاح والشفافية، .. كان يجدر بنا أن نقف أعتقد موقفاً أقوى، لأن وجود مثل هذا الدليل سيبرأنا أو سيديننا إذا كان.. هكذا وصلت الأمور لتفكير نمطي عام.

فاروق الشرع: أتفق مع شيء من الذي قلته وهو أننا يجب أن لا نقبل إلا بدليل ولكن لا أتفق مع المبالغة بأن كل العرب والـ.. كل العرب والمسلمين متهمون بالإرهاب الآن في الولايات المتحدة هذا الكلام مُبالغ فيه، هناك بعض الاتهامات وبعض الاعتداءات وبعض المضايقات التي تحصل في بعض الولايات، نحن نحاول أن نعالج هذا الموضوع عبر قناتين: قناة دبلوماسية رسمية وعبر قناة أخرى، والتي هي الجاليات العربية الموجودة في الولايات المتحدة، كيف يمكن أن تتصرف حيال هذا الموضوع باتصالها أيضاً مع جمعيات ومؤسسات ومنتديات ومع المسؤولين الأميركيين، لإبلاغهم مدى خطورة مثل هذه الاتهامات التي تُلقى على عواهلها، دون تمحيص أو تدقيق أو تحقيق، هذا سيُلحق ضرراً بالغاً بالولايات المتحدة، وأنا أقول لك.. لك شيئاً: أن لست متشائماً من زاوية أن هذه المضايقات والاعتداءات على العرب في أميركا مثلاً ربما توحد العرب هناك ربما لأول مرة هم كانوا مندمجين جداً من المجتمع الأميركي، أقول: ليس لصالح أميركا أن تضايقهم وأن تعزلهم، وأن تتهمهم لأنهم في هذه الحالة سيتجمعون كعرب وكمسلمين على بعضهم البعض، ويشكلون قوة لا يُستهان بها في المستقبل، ولا يندمجون كلياً مع المجتمع الأميركي، ومن مصلحة الولايات المتحدة والإدارة الأميركية أن ترى مواطنيها وقد اندمجوا بالمجتمع الأميركي، وأصبحوا جزءاً منه، فإذن لكل شيء له وجهان، وجه سلبي ووجه إيجابي.

أحمد الشيخ: تحدثت قبل قليل سيدي يعني أن هذا الحادث الذي حدث في أميركا، العالم كان قبله على وضع وبعده أصبح على وضع، هذا الذي فهمته، وقبل أن نعود للحديث عن هذا المؤتمر بالذات، أود أن أسأل هل أن هذا الحادث وما تبعه من تطورات وتصريحات للمتهمين وما.. سيجبر أميركا أو.. سيقنعها -على الأقل في رأيك- على أن تعيد النظر في سياستها في المنطقة.. تجاه المنطقة، بحثاً عن الأسباب والجذور التي تجعل أمة تتهمها بمعاداتها لها عواطف ضد أميركا، هل تعتقد أن المؤسسة الأميركية –سواءً مَنْ هم حاكمين أو مَنْ هم مشرعون- سيعيدون النظر في مواقفهم، أم أن الأمر هكذا أميركا تنسى، يقولون؟


فاروق الشرع: نحن نأمل أن تعيد أميركا النظر في سياستها وخاصة تجاه إسرائيل وتجاه.. تجاهنا جميعاً كعرب وكمسلمين، ولكن ليس بالضرورة أن يحصل ذلك، صنع القرار في الولايات المتحدة مسألة معقدة في غاية التشابك والتعقيد، ويجب أن نعرف بأن من يصنع القرار في أميركا ليس فقط من هم في البيت الأبيض أو من هم في البنتاجون أو من هم في وزارة الخارجية، هناك قوى ضغط كبيرة، وهناك مصالح متعددة وأحياناً متعارضة، وهناك الكونجرس بشقيه: مجلس الشيوخ ومجلس النواب، ومن وراء الكونجرس أيضاً قوى ضغط معينة، ومصالح كبيرة، نحن نحاول أن نشرح هذا الموقف وأن نقول: أنه ليس من مصلحة الولايات المتحدة أن لا تستغل هذه الكارثة والمحنة وتُعيد تقييم سياستها الخارجية، وخصوصاً في الشرق الأوسط، لأن –كما علمت من بعض الاستطلاعات التي جرت في أميركا- أن نسبة عالية من المواطنين الأميركيين يعتبرون أن الدعم اللامحدود لإسرائيل، والذي تقدمه الإدارات المختلفة للولايات المتحدة هو من الأسباب الرئيسية وراء ما جرى في نيويورك وواشنطن إذا كان هذا صحيحاً، وهذه آراء استطلاع يتقنها الأميركيون جداً فلابد أن تعيد الإدارة الأميركية تقييم سياستها في المنطقة، وبالذات تقييم هذا الدعم اللامحدود واللامشروط لإسرائيل، لأن إسرائيل تضرب العرب والفلسطينيين بأسلحة أميركية وتدمر منازلهم بأدوات أميركية وبغطاء سياسي أميركي، الآن لو أردنا أن.. مثلاً في اليوم الأول للحادي عشر من سبتمبر/ أيلول قُتل أكثر من اثني عشر فلسطيني.

أحمد الشيخ: فلسطينياً.

فاروق الشرع: وزير الدفاع الإسرائيلي يفتخر ويتباهى بأنه قتل هؤلاء الاثني عشر..

إعلان

أحمد الشيخ: فلسطينياً.

فاروق الشرع: فلسطينياً، ولم (ينتبه) العالم إلى ذلك، إذاً هو يريد أن يغفل العالم عن قتل الفلسطينيين، هذا موقف لا إنساني إن لم يكن هو موقف أخطر من ذلك بكثير، هي جريمة حرب، جريمة ضد الإنسانية، استغفال الولايات المتحدة بحد ذاته يُعطي مؤشراً على أن سياسة الولايات المتحدة في منطقتنا مليئة بالثغرات.



موقف أوروبا والأمم المتحدة تجاه الأزمة

أحمد الشيخ: هل من موقعك ترى فرقاً واضحاً بين الموقف الأوروبي من هذه القضية وتجاه العالم العربي والإسلامي والموقف الأميركي بالذات بما يجعلنا نتفاءل بأن أوروبا –على الأقل- ربما تساهم في إقناع أميركا.. هل هناك فرق بين الموقفين؟


فاروق الشرع: أنا أعتقد يوجد فرق.. يوجد فرق لا نستطيع أن نتجاهله، لكن ربما لا يكون هذا الفرق الكبير الذي نطمح إليه، يوجد فرق في الموقف الأوروبي، بحكم الجوار بحكم التجارة منذ مئات، بل آلاف السنين بيننا وبين الأوروبيين بحكم التبادل الثقافي الواسع بين المنطقتين، بحكم الأمن المتبادل والمتداخل بين أوروبا والشرق الأوسط، إذا حصلت كارثة –لا سمح الله- في منطقتنا، تهز الأوروبيين، أكثر مما تهز الأميركيين، والأميركيون لأول مرة يُصابوا باهتزاز حقيقي يضرب في قلب المجتمع الأميركي وهم في محنة حقيقية، ونحن نريد أن نتعاطف معهم من جهة، ونريد أن نقول لهم أن هذه الفرصة يجب أن تكون مناسبة، لإعادة تقييم السياسة الأميركية باتجاه الشرق الأوسط خصوصاً والعالم عموماً، وأن تندمج الولايات المتحدة مع رؤى وتطلعات العالم كله وأن تؤمن بالمساواة والعدالة بين الناس.

أحمد الشيخ: الحقيقة هنا هذه الأزمة تختلف عن أزمات سابقة، في أزمات سابقة اتُخذت كل القرارات.. كل القرارات اتخذت تحت مظلة الأمم المتحدة، الآن أميركا أرادت.. همشت الأمم المتحدة، وضعتها على جهة، ووقف الرئيس بوش ليقول للعالم بأسره: إما أن تكونوا معنا وإما أن تكونوا مع الإرهاب، وكأنه لا يأبه بشيء، في رأيك هذا..

فاروق الشرع[مقاطعاً]: طب أنا أسألك هل..

أحمد الشيخ[مستأنفاً]: هل الشرعية الدولية انتهت الآن؟

فاروق الشرع: لأ.. لأ، لم تنته الشرعية الدولية، أنا قلت في البداية أننا ضد المبالغة، هل قطر مع أميركا أو ضد أميركا، هل تحارب الآن قطر إلى جانب الولايات المتحدة ضد أفغانستان؟ لا تحارب ومع ذلك هي صديقة لأميركا، فليس كل تصريح يجب أن نأخذه تماماً بحرفيته وكأنه.. مُنْزَل، تحصل تصريحات أحياناً للاستهلاك المحلي وأنا أقول لك أن رئيس الولايات المتحدة بشر، مثله مثل أي رئيس لأي دولة صغيرة أو كبيرة في هذا العالم، دائماً يفكر بالمواطن الأميركي، وكيف يُعجب كلامه هذا المواطن، فليس بالضرورة أن يكون هذا الكلام دقيقاً وحرفياً، سيُطبق وستعد الخطط اللازمة لتطبيقه على الأرض، ليس بالضرورة..

أحمد الشيخ[مقاطعاً]: نعم، سؤال عن..

فاروق الشرع[مستأنفاً]: فأنا لا أعتبر أن العالم كله الآن مثلاً انقسم بين من هو ضد ومن هو مع، أنا لمست أن كل العالم ضد الإرهاب، هناك.. هناك مشكلة..

أحمد الشيخ[مقاطعاً]: لكن لماذا غُيبت الأمم المتحدة؟

فاروق الشرع[مستأنفاً]: هناك مشكلة بالنسبة لدول تحتل أراضي الغير من حقها أن تقاوم، يجب أن يفهم الأميركيون هذه النقطة، هذه.. هذه اللحظة المناسبة، لكي يفهمها، إذا فهمت الولايات المتحدة أن هناك مقاومة لابد منها، وعندما يُزال الاحتلال لا يوجد مبرر لاستمرار المقاومة، لن تجد.. لن تجد إلا كل العالم يقف معها في حال تعرضها لأي عمل إرهابي.

أحمد الشيخ: ولماذا غيبت الأمم المتحدة في رأيك في هذا..

فاروق الشرع: لم تُغيَّب تماماً.. لم تُغيَّب تماماً، صدر قرار وصدر بالإجماع أقول لك صدر بالإجماع، رقمه 1373، وتقريباً هو الذي إذا وضعت له آلية يمكن أن ينتج عنه عدة قرارات أخرى.



موقف دول المؤتمر الإسلامي من الغارات الأميركية على أفغانستان

أحمد الشيخ: الآن بالنسبة للمؤتمر، فلنعد إليه، هناك خلافات يبدو.. على ما يبدو حول صيغة البيان الختامي، هناك دول مثل إيران وغيرها تطالب بوقف الغارات الأميركية على أفغانستان، وهناك دول.. قيل إن تركيا وباكستان بالذات رفضتا هذا رفضاً قاطعاً، ما موقفكم أنتم.. ما هو الموقف الذي اتخذتموه وبقية الدول العربية؟

فاروق الشرع: نحن قلنا.. كنا في زيارة للأردن وأصدرنا بياناً مشتركاً مع أشقَّائنا في الأردن، وقلنا نحن مع حل سياسي أمني، لا نفضل الحل العسكري يعني ليس بالضرورة أن نصعد إلى مئذنة ونقول هذا الكلام، الجميع.. أنا أعتقد أنه كل إنسان عاقل يفكر بإستنفاذ الحلول السلمية والسياسية، قبل أن يلجأ إلى العنف واستخدام القوة.

أحمد الشيخ: هل تعتقد -سعادة الوزير- برضو أن هذه الأزمة ربما ينفلت عقالها في يوم من الأيام وتشمل دول أخرى مجاورة أو غير مجاورة في المنطقة، ألا تخشى ذلك، إذا استمرت وخاصة أن هناك في المؤسسة الأميركية من يتحدث عن ضربات متواصلة كما يحدث للعراق؟

فاروق الشرع: نحن نأمل ألا يحصل ذلك، لأنه إذا.. إن حصل، فسيكون كارثة، ليس على منطقتنا فقط سيكون كارثة على أكثر من بلد في العالم، وبالدرجة الأولى على البلد الذي بادر إلى ذلك، وعلى البلدان التي شجعت ذلك، وفي المقدمة إسرائيل.

أحمد الشيخ: وسؤال أخير –لو سمحت- أثناء هذه الأزمة حدث نوع من –خليني أقول- ليس تصادماً بقدر ما هو خلاف حين شبَّه (أرييل شارون) رئيس الوزراء الإسرائيلي، محاولة أميركا اتهمها باسترضاء العرب على حساب إسرائيل، وجاء بذكر ما حصل في تشيكوسلوفاكيا عام 38، ثم وُبِّخ.. قيل، هل.. هل أنتم تعتقدون أن هناك.. أن هذا موقف حقيقي.. موقف أميركي حقيقي يمكن أن يقف في وجه إسرائيل، أم ما هي إلا مجرد قضية عابرة وانتهت؟


فاروق الشرع: فيه شيء من الحقيقة، لأنه لا تستطيع أن توبخ إنسان وتقول له: أنني أسترضيك، وُبِّخ فعلاً، وأنا بتقديري يجب أن توبخ إسرائيل أكثر من ذلك بكثير، لأن أول من بَشَّر –وهي بشارة سوء- بحرق واشنطن هو نتنياهو.

أحمد الشيخ: ماذا قال؟

فاروق الشرع: قال سأحرق واشنطن في أحد تصريحاته، عد إلى الإنترنت وستجد هذا التصريح، لم يقل أي عربي أنه سيحرق واشنطن، لكن مسؤول إسرائيلي كبير وتسلم رئاسة الوزارة في إسرائيل عدة سنوات قال أنه سيحرق واشنطن.

أحمد الشيخ: سعادة وزير الخارجية السوري، الأستاذ فاروق الشرع، نشكرك على هذا اللقاء.

مشاهدينا الكرام إلى أن نلتقيكم في لقاء آخر لكم أجمل المنى، والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.

المصدر: الجزيرة