غونتر غراس .. زيارته لليمن ورؤيته للأزمة العراقية
مقدم الحلقة: | أنور العنسي |
ضيف الحلقة: | غونتر غراس: كاتب ألماني حائز على جائزة نوبل للآداب |
تاريخ الحلقة: | 23/12/2002 |
– زيارة غونتر غراس إلى اليمن
– مدى تطابق الرؤى بين الأدباء العرب والألمان
– موقف غونتر غراس من الأزمة العراقية
– موقف غونتر غراس من الحرب الأميركية ضد الإرهاب وصدام
– القواسم المشتركة بين الوحدة اليمنية والوحدة الألمانية
أنور العنسي: مشاهدينا الكرام، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً ومرحباً بكم إلى هذا اللقاء.
ضيفنا اليوم مفكر عالمي بارز، كاتب روائي، وشاعر، ورسام، ونحات، حصل على العديد من الجوائز في مقدمتها ومن أهمها جائزة نوبل للآداب العام 1999، إنه السيد (غونتر غراس) الذي حفلت حياته الأدبية والسياسية والأخلاقية بالكثير من الجدل والإعجاب في آن معاً. مرحباً بالسيد غونتر غراس.
زيارة غونتر غراس إلى اليمن
فقط يومان بين تحذير وزارة الخارجية الألمانية لكم بعدم السفر إلى اليمن، وبين وجودكم في صنعاء، ألا ترون في ذلك مفارقة كبيرة؟
غونتر غراس: كنت جندياً عندما كان عمري 17 عاماً، وقد عرفت الخوف في ذلك الوقت، لهذا فمن الصعب على أحد أن يخيفني من شيء ما، على العكس كنت فرحاً جدا بتحقيق هذه الزيارة، وقد أعلنت ذلك في أكثر من مناسبة هنا في اليمن، قلت إنني أشعر بالأمان كما لو كنت في حضن بلدتي.
أنور العنسي: لاحظنا أن هناك احتفاءً واضحاً بزيارتكم إلى اليمن على صعيد رسمي وشعبي عام، هل أحسستم بأن وراء هذا الاحتفاء شيء ما أراد بعض اليمنيين إخفاءه عنكم؟
غونتر غراس: أنا قمت بزيارة رسمية صحيح، واستقبلت رسمياً من الجهات الرسمية هناك، لكنني في نفس الوقت التقيت كثيراً من الناس البسطاء، وتحدثت معهم ضمن تجوالي في المدن اليمنية، وكما تعرفون إنني رسام أيضاً، وقد قمت بتخطيط بورتريهات للعديد من الناس البسطاء، وأينما حللت كان الناس يستقبلونني بصداقة ومودة، لم أجد هناك ما يثير الشك في معظم زيارتي.
مدى تطابق الرؤى بين الأدباء العرب والألمان
أنور العنسي: كيف تقيِّمون نتائج هذا الملتقى في صنعاء تحت شعار "من هنا يبدأ الحوار"؟ إلى أي مدى تطابقت رؤى وأفكار المبدعين العرب والألمان؟
غونتر غراس: إن ما أدهشني هنا بلا شك وما علينا أن نتعلمه بالنظر إلى أننا في ألمانيا نعيش نوعاً من الحياة تتسم بالسرعة والعجلة، قد تعلمنا هنا إيقاعاً آخر من الحياة، وهذا ما أثار انطباعاً جيداً عندي ولدى زملائي أيضاً، لكنني لاحظت من طرف آخر أن هناك العديد من المواضيع المحرمة هنا عند الكتاب اليمنيين، وبطبيعة الحال هذه المحرمات كانت موجودة في ألمانيا. إنني ومنذ وقت مبكر لا أعير انتباهاً لهذه المحرمات، إن على الكاتب عندما لا يريد أن يكسر هذه الحدود والمحرمات أن يختار وظيفة أخرى، كأن يكون حلاقاً مثلاً. إن السياسيين ورجال الدين يحاولون دائماً التدخل في عمل الأديب، ونحن كأدباء يجب أن لا نعير انتباهاً لذلك. ما أثار انتباهي أكثر هو أن هناك العديد من الكتاب اليمنيين والعرب الذين يضعون أنفسهم دائماً في موقع الضحية، ويقومون بعمليات تعميم فيما يخص الغرب، أقول لهم إنه ليس هناك غرباً موحداً، وهذا ينطبق أيضاً على المجتمع اليمني أو العربي، وعلى سبيل المثال فإنه لا يمكن أخذ المملكة العربية السعودية واليمن بنفس المقاييس، الحرية النسبية المتاحة في اليمن أفضل مما هي عليه في المملكة العربية السعودية.
أنور العنسي: هنالك من العرب من يعتقد أن الغرب يحاول أن يمارس هيمنة ووصاية على ثقافة العرب وآدابهم وإبداعهم، وأن الغرب لا ينظر إلى آداب العرب وإبداعهم من موقع الندية لهذا الأدب ككيان مستقل ومعبر عن أمة وحضارة، لأنكم تريدون من هذا الأدب أن يكون تابعاً ومحاكياً لأدبكم في الغرب.
غونتر غراس: يجب أن أؤكد أنني أرفض مصطلح صراع الثقافات، وأعتقد أنه اختراع من قبل الأصوليين على الجانبين، الأصولية الغربية والأصولية الإسلامية.
عندما صرح الرئيس بوش بشعاره الحرب الصليبية كأنه بهذا الشعار أراد العودة بنا إلى القرون الوسطى. لقد كان هناك في الغرب رفضٌ كامل لهذا الطرح، كان هناك الكثير من الاعتراضات. الأصولية الإسلامية يجب علينا أيضاً أن نرفضها.
من خلال تجربتي الروائية التي أضافت الكثير من روايات الفروسية، والتي كانت تقليداً في كتابة روايتي في إسبانيا، هذا التقليد في كتابة الرواية في إسبانيا في ذلك الوقت جاء نتيجة تأثير الثقافة الموريسية، التي كانت موجودة في إسبانيا، في ذلك الوقت كان الغرب مفتوحاً على هذه التأثيرات بصورة جيدة، وأذكر هنا الشاعر (جوته) مثلاً الذي كتب قصائد متأثرة بروح الشرق في ديوان "شرق غرب" وهذا يؤكد أن الثقافات متلاقحة، أما الثقافات التي تنغلق على نفسها ولا تستفيد من بعضها فهي ثقافات مملة، ومآلها إلى الانقراض حتما، لذا علينا أن نرفض ما يسمى بصراع الثقافات.
ولكن من جانب آخر أؤكد أن هناك اختلافات في الثقافات، غير أن هناك تلاقح، ويجب على أي ثقافة أن تستفيد من الثقافات الأخرى. كتاب "ألف ليلة وليلة" مثلاً أثر على كتابٍ كثيرين، وكما نعرف أن كتاب "ألف ليلة وليلة" كان يحتفي بالجسد الأنثوي أيضاً، وعندما ظهر هذا الكتاب لم يكن الاحتفاء بالأيروسية محرماً، على العكس هذه الأيروسية والحرية التي تضمنها هذا الكتاب اختفت مع الوقت، وهذه خسارة كبيرة، ونلاحظ أن العرب كانوا يقرءون هذا الكتاب ملخصا بعد أن تحذف منه قصص الأيروسية، بينما كان النص الأصلي في الغرب موجوداً بالكامل. لماذا يسمح للغرب بقراءة النص الأصلي كاملاً، بينما في الشرق لا يسمح بذلك؟ أنا أستغرب هذا. نحن كلنا نأتي من الجسد الأنثوي، وعلينا الاحتفاء بهذا الجسد بشكلٍ جميل ورائع.
موقف غونتر غراس من الأزمة العراقية
أنور العنسي: ثمة حرب متوقعة تحضر لها الولايات المتحدة ضد العراق كيف يمكن لقوة التصور لدى مبدع كبير في منزلة غونتر غراس أن تمكننا من توقع النتائج المحتملة لهذه الحرب؟
غونتر غراس: أنا رأيت أهداف الحرب الأميركية وكنت واعياً لها، ولحسن الحظ ليس أنا الشخص الوحيد وإنما هناك أصوات عديدة في الغرب ترى ما أرى، وحتى المستشار الألماني (جيرهارد شرودر) الذي يتشاور أحياناً مع المثقفين الألمان يرى نفس الشيء، صحيح أنه في البداية أعلن شعاره المعروف، التضامن غير المشروط ضد الإرهاب، ولكن ذلك لا يعني إرسال الجنود الألمان في مغامرة عسكرية، المشكلة في العراق لا تُحل عن طريق الحرب، رغم معرفتنا أن صدام حسين ديكتاتور مرعب، لكن هذه الحرب يمكن أن تتسبب في زعزعة أمن المنطقة وربما في اندلاع حرب عالمية ثالثة، المشاكل لا أعتقد أنها تُحل دائماً بالحروب
أنور العنسي: ثمة من يأخذ عليكم سيد غراس تحفظكم على استعانة بعض العراقيين بالولايات المتحدة الأميركية في مواجهة ما يصفونه بالنظام الديكتاتوري للرئيس صدام حسين، ويقولون: أنكم أنتم استعنتم بالولايات المتحدة وبالاتحاد السوفيتي وبغيرهما في مواجهة (هتلر) ونظامه، ما تعليقكم؟
غونتر غراس: أعتقد أن الدول العربية المجاورة للعراق عليها أن تكون في الوضع الذي يؤهِّلها لأن تصنع وضعاً إنسانياً في العراق بعيداً عن صدام حسين، على العرب أن يملكوا الثقة في أنفسهم، أن يقولوا للعالم نحن نستطيع تغيير الوضع في العراق بأنفسنا دون الحاجة لأي عون خارجي.
من ناحية أخرى هناك الأمم المتحدة ومن الضروري اللجوء إليها، وأذكر هنا أن الدول الأوروبية نبَّهت الولايات المتحدة بوجوب اللجوء للأمم المتحدة، ولقد أذعنت أميركا إلى اقتراحات أوروبا ولجأت إلى الأمم المتحدة، ولذا أُرسلت فرق التفتيش من جديد إلى العراق، أعتقد أن اللجوء إلى الأمم المتحدة في النهاية كحل هو شيء جيد.
من جانب آخر أعود وأؤكد أن على العرب أن يملكوا الثقة بأنفسهم وأن يرفعوا أصواتهم عالية، وأن يقولوا لصدام حسين إن زمنك انتهى وعليك التنحي عن السلطة والذهاب بعيداً، علينا هنا أن نتذكر أن الأميركيين هم الذين أمدوا العراق وجهزوه بمختلف الأسلحة، إنها الـCIA التي بنت صدام حسين نفسه مثلما بنت بن لادن.
أنور العنسي: يعني أنتم تقولون الآن إنه على الدول العربية المجاورة للعراق أن تقول لصدام انتهى وقتك عليك أن ترحل، كأنكم تريدون من الدول العربية أن تقوم بمواجهة صدام بالنيابة عن الولايات المتحدة؟
غونتر غراس: نعم.. نعم، وبدون حرب وبمساعدة الأمم المتحدة.
أنور العنسي: ولكنكم تعرفون أن الأمم المتحدة تخضع لسيطرة أو لهيمنة شبه كاملة من قِبَل الولايات المتحدة الأميركية.
غونتر غراس: الولايات المتحدة التي أرادت أن تقود الحرب مباشرة على العراق أذعنت في النهاية إلى الأمم المتحدة ووافقت على اللجوء إليها، الأمم المتحدة ضعيفة أحياناً، هذا صحيح، ولكنها في أحيان أخرى تقوم بردود فعل قوية، في الواقع الأميركيون لا يعرفون الشيء الكثير عن الوضع في العراق، البلدان العربية وخاصة المجاورة منها تعرف الكثير عن العراق وعليها هي أن تتحمل المسؤولية، أقول ذلك لأؤكد في نفس الوقت إنني عندما أنتقد أميركا وأنا صديق للأميركيين وأنتقدهم كصديق، هناك أصدقاء عديدون لي في أميركا، ولكن أنتقد السياسة الحالية لأميركا، وكذلك الحال نفسه، أنا صديق لإسرائيل وفي الوقت نفسه أنتقد سياستها الحالية، أنا صديق للعرب ولكنني أنتقد الأعمال الانتحارية التي يقومون بها في فلسطين، أعرف أن كل يوم يُقتل فيه عربي أو إسرائيلي فيه أيضاً مقتل لشخص إضافي من أي جانب.
[فاصل إعلاني]
أنور العنسي: ولكن ألا ترون ثمة ازدواجية في مواقف.. أو سياسات ألمانيا الشرق أوسطية، مثلاً بين تحفظها على الحرب ضد العراق وبين تزويدها المحتمل لإسرائيل ببعض الدبابات؟
غونتر غراس: لا أقبل الأمر هكذا، أذكركم أنه عندما طلبت إسرائيل مؤخراً أسلحة من ألمانيا كان هناك نقاش حول الموضوع ففي ألمانيا قانون لا يسمح بإرسال أسلحة إلى مناطق متأزمة، أذكركم أنهم طلبوا دبابات ذات قدرة على استشعار الأسلحة الكيماوية وعلى حد علمي فإن ألمانيا إلى هذه اللحظة لم توافق على هذا الطلب، إذا أُرسلت هذه الدبابات إلى إسرائيل فأنا سأحتج بصورة علنية.
أنور العنسي: هل تعتقد إنه هذا الطلب الإسرائيلي.. هل يعني إنه فعلاً الولايات المتحدة أو إسرائيل بحاجة فعلاً للدبابات الإسرائيلية [الألمانية] أم أن الهدف فقط هو إحراج ألمانيا بسبب مواقفها التي تبدو مستقلة، خاصة إزاء موضوع الحرب ضد العراق مثلاً؟
غونتر غراس: من المحتمل، ولكنني لا أريد الدخول في جدل بهذا الشأن.
موقف غونتر غراس من الحرب الأميركية ضد الإرهاب وصدام
أنور العنسي: قلتم ذات مرة أن من السذاجة ربط كل ما يحدث في العالم من أحداث ووقائع ببن لادن، والولايات المتحدة حاولت في وقت سابق أن تضع في مقدمة أسباب حربها المحتملة على العراق الحئول دون إمداد الرئيس صدام حسين لتنظيم القاعدة ببعض أسلحة الدمار الشامل، كيف تعلقون على ذلك؟
غونتر غراس: لا أجد في تصوير الإرهاب أو بنائه على شخصية واحدة لا أعرف من هي يسمونها بن لادن أمراً مقبولاً، لا أعتقد أن الإرهاب له أسباب عديدة، وعلينا البحث عن هذه الأسباب، أقول لكم: في الستينات والسبعينات كان عندنا في ألمانيا سياسي من الوزن الثقيل أقصد (فيلي برانت) في ذلك الوقت كتب برانت تقريراً يبحث في الصراع بين البلدان الغنية والبلدان الفقيرة، وتحدث حينذاك عن صراع مستقبلي سيتم بين ما نطلق عليه صراع الشمال والجنوب وقال آنئذٍ إن علينا منذ الآن أن نحتاط لذلك الصراع الذي توقعه، وللأسف لم يتم الرجوع إلى تقرير (برانت) وأنا مازلت ألح على ضرورة الرجوع إلى ما كتبه برانت، الإرهاب كما أعتقد أسبابه تكمن فيما طرحه برانت أيضاً، إن الضرر الذي ستعاني منه العديد من بلدان العالم الثالث الجوع الذي يحصل هنا والجهل الذي يسبب الفقر والفقر يدعو إلى اليأس، واليأس مدعاة إلى الحقد والحقد يُنتج الإرهاب، من الممكن استخدام الشرطة في محاربة الإرهاب، لكنها لن تنجح في ذلك حتى الحرب أيضاً لا يمكنها فعل ذلك، عليك أن تكافح الجذور والمنابع الأصلية للإرهاب وهي في رأيي تكمن في الضرر اللاحق ببلدان فقيرة معينة في العالم الثالث، أعود لتقرير برانت فأقول: إنه يجب إنشاء نظام جديد فيه مستوى من التعاون يحترم فيه الشمال والجنوب بعضهم البعض، نظام يقوم على قدر من العدالة أيضاً.
أريد الإضافة هنا أن فيلي برانت كان ضد التسلح، وأتذكر أنه ألقى كلمة في الأمم المتحدة بداية السبعينيات كانت موجهة بالذات إلى الدول المتورطة في السباق على التسلح قال برانت في كلمته، إن الجوع والتجويع حرب أيضاً.
أنور العنسي: هنالك من يعتقد أن الحملة التي تقودها الولايات المتحدة وبعض دول العالم على ما يوصف بالإرهاب تحولت بحد ذاتها إلى ما يشبه الإرهاب نفسه، هل توافقون على ذلك؟
غونتر غراس: هناك مجموعات عديدة تمارس الإرهاب، بن لادن يمارس الإرهاب، والمنظمات القريبة منه تمارس الإرهاب، ولكن من جانب آخر فإن ما تمارسه CIA هو أيضاً نوع من الإرهاب.
أنور العنسي: في رأيك أيهما أجدى البحث عن بن لادن أم الحرب على صدام، أيهما له الأولوية أو الأفضلية؟
غونتر غراس: أعيد وأُذكِّر أن الحرب ليست هي الوسيلة، لكن الوسائل التي استخدمت للقضاء على بن لادن كانت غير صالحة، الحرب ضد أفغانستان كان سببها نظام طالبان الوحشي، ولكن في النهاية الذين تضرروا من الحرب هم النساء والأطفال ومجموعات كبيرة من المدنيين.
ونفس الشيء سيتكرر في الحرب على العراق، المدنيون هم المتضررون، أما صدام حسين ذاته فلا أعتقد أن شيئاً سيطاله وسيختفي كما فعل دائماً وقد يبقى طويلاً على قيد الحياة، لا أعرف الأسباب الحقيقية المباشرة التي تدعو السيد بوش لخوض هذه الحرب، ربما يُريد أن يثبت لأبيه أنه أفضل منه، أو ربما النفط أو أسباب أخرى، ولكن أيَّاً كانت دوافعه فالحرب تبقى ذات ضرر فادح.
أنور العنسي: أعتقد أنك لابد تتفق معي على أن البشرية والتجربة الإنسانية ليست مشهداً ثابتاً، أن ما يحدث في العراق اليوم يمكن أن يتكرر في مكان آخر وهذا مدعاة إلى..، لكل شعوب العالم أنه.. أن تحول دون وقوع هذه الحرب، ما تعليقكم؟
غونتر غراس: طبعاً يمكن ملاحظة ذلك من خلال مثال الحرب في أفغانستان والحرب المتوقعة في العراق، ومع كل حبي لأميركا والأميركيين أعتقد أن لدى الأميركيين أحياناً حالة من الهستريا تستدعيهم لاختراع أي عدو لهم، في السابق كانوا قد اخترعوا العدو السوفيتي، الآن هذا العدو السوفيتي اختفى، لكنهم كمن يعيش في عزلة لا يستطيع الخروج منها إلا باختراع عدو له، هذه الهستيريا يمكن أن نلاحظها من خلال نظام البورصة، هناك هستيريا في البورصة وهناك غش حصل في قوانين البورصة لم يضعوا قوانين تحمي العلاقات التجارية الداخلية في البورصة بسبب نظام العولمة الذي ألغى الكثير من القوانين الخاصة.
القواسم المشتركة بين الوحدة اليمنية والوحدة الألمانية
أنور العنسي: قلت ذات مرة إنه هناك كارثة في نهاية كل وحدة ألمانية، واليوم تحدثت عن قواسم مشتركة بين الوحدة اليمنية والوحدة الألمانية، ما هي أوجه الشبه؟
غونتر غراس: لم أقل إن الوحدة كارثة كوحدة في ألمانيا، وإنما انتقدت الطريقة التي تمت بها هذه الوحدة، كان هناك الكثير من الأخطاء خاصة أنه صار لدينا طبقتان من البشر، طبقة درجة أولى من الألمان الغربيين وطبقة ثانية من الألمان الشرقيين، ما كان يعنيني هنا في اليمن هو معرفة الكيفية التي تمت بها الوحدة، لذلك التقيت أيضاً أحزاب المعارضة هنا لأعرف المزيد عن الأخطاء التي حدثت وما هي الخبرات التي يمكن أن يستفيد منها كلانا الواحد من الآخر، طبعاً هناك بعض التشابهات خصوصاً ما يتصل منها بوضع المرأة في اليمن وألمانيا، في ألمانيا الشرقية مثلاً كانت فرص المرأة العاملة أكثر مما هي عليه الآن بعد الوحدة، وهذا نجده ينطبق أيضاً على وضع المرأة في جنوب اليمن، حيث كان وضعها أفضل، كانت هنالك قوانين تحميها وتتيح لها فرصاً أفضل للعمل، الآن وضعها سيئ، هناك تشابه آخر يتمثل في مسألة الأبوية من قِبَل الشمال تجاه الجنوب، ونحن عندنا يحدث نفس الشيء من الغرب تجاه الشرق، لهذا فعلينا إزالة هذه الأخطاء ومن الأفضل معرفتها قبل أن تستفحل.
عملية الوحدة تتم بطريقة صحيحة عندما يستفيد طرفاها كلاهما من الآخر، لذلك فإنني عند حديثي مع السيد الرئيس علي عبد الله صالح ناقشته في هذا الأمر وطرحت عليه اقتراحاً بأن يُعقد مؤتمر هنا يحضره ألمان من الجانبين الشرقي والغربي ويمنيون من شمال البلاد وجنوبها وأيضاً تتم استضافة كوريين شماليين وجنوبيين للمشاركة والاستفادة من تجربتي ألمانيا واليمن، أحب أن أؤكد هنا أن عقد مثل هذا المؤتمر مفيد لليمن وقد يوفر لي فرصة أخرى لزيارة اليمن.
أنور العنسي: شكراً جزيلاً.