لقاء اليوم

عيد بن مسعود الجهني .. نفط الخليج

ما هي أسباب انخفاض وارتفاع أسعار النفط، وما دور أميركا والدول خارج أوبك في تحديد أسعار النفط؟ وما مدى نجاح دول الخليج في الاستفادة من موارد النفط؟ وما مدى تأثير نفط بحر قزوين ومصادر الطاقة الأخرى على نفط الخليج؟ وهل الأنظمة السياسية في الخليج تتأثر بالاقتصاد النفطي؟

مقدم الحلقة:

فيصل القاسم

ضيف الحلقة:

الدكتور عيد بن مسعود الجهني : خبير سياسي واقتصادي سعودي

تاريخ الحلقة:

03/12/1999

– أسباب انخفاض وارتفاع أسعار النفط
– دور أميركا والدول خارج أوبك في تحديد أسعار النفط

– مدى نجاح دول الخليج في الاستفادة من موارد النفط

– مدى تأثير نفط بحر قزوين ومصادر الطاقة الأخرى على نفط الخليج

– الأنظمة السياسية في الخليج والتأثير الاقتصادي للنفط عليها

undefined
undefined

د. فيصل القاسم: نرحب بسعادة الدكتور عيد بن مسعود الجهني (الخبير الاقتصادي والسياسي في المملكة العربية السعودية)، أهلاً دكتور، إذا نظرنا إلى سوق النفط في الآونة الأخيرة نرى أن الأسعار شهدت تذبذباً كبيراً يعني بحيث وصلت في مرحلة من المراحل إلى مستويات قياسية في الانخفاض، بحيث أثرت بشكل سيئ جداً على اقتصاديات الدول المنتجة للنفط، وخاصة اقتصاديات دول الخليج.

لكن الآن نرى أن أسعار النفط ترتفع إلى.. إلى.. يعني.. إلى أرقام قياسية -إذا صح التعبير- أيضاً بالمقارنة مع الماضي حيث وصل سعر البرميل إلى 25 دولار، ما الذي يحدث؟


أسباب انخفاض وارتفاع أسعار النفط

د. عيد بن مسعود الجهني: أولاً: بالنسبة لأسعار النفط، ساحة أسعار النفط كما نسميها فيها ثلاثة لاعبين: الدول المصدرة للنفط، والدول المستهلكة والتي هي أعضاء منظمة وكالة الطاقة الدولية، وأيضاً شركات النفط الكبرى، فأسعار النفط تتحدد بهذه الساحة كما يقولون خبراء النفط.

إعلان

لكن للأسعار أسلوب معين سواء بالارتفاع أو بالانخفاض، وهذا ما نسميه

-أيضاً- بعنصري العرض والطلب، وأيضاً عنصري الإنتاج والأسعار، يعني بمعنى أن الأسعار قد ترتفع إذا انخفض الإنتاج، وقد أيضاً تنخفض الأسعار إذا ارتفع الإنتاج، ولكن مَنْ هو الذي يتحكم بانخفاض الإنتاج، أو ارتفاع الإنتاج أو الأسعار في نفس الوقت.

د. فيصل القاسم [مقاطعاً]: ليست.. ليست الدول المنتجة؟

د. عيد بن مسعود الجهني [مستأنفاً]: لا تتحكم الدول المنتجة في أسعار النفط لوحدها، لأنه لا يمكن للاعب واحد في صراع النفط –نسميه – العالمي أن تتحكم.. يتحكم C a r t e l واحد زي (الأوبك) على سبيل المثال، أو وكالة الطاقة الدولية، ولكن هناك عوامل عديدة تخدم انخفاض أولاً ارتفاع الأسعار

–وعلى سبيل المثال- الدول المستهلكة للنفط عندما يزيد طلبها على النفط حينها ترتفع الأسعار، ولكن إذا سحبت من المخزون الاحتياطي الموجودة بها بكميات كبيرة.

على سبيل المثال في عام 1985م وصل المخزون الاستراتيجي لدى الدول الصناعية حوالي 8 مليارات برميل، وعام 96 انخفض إلى حوالي 6 مليارات برميل، عندما نتكلم عن المخزون الاستراتيجي نتكلم عن المخزون الموجود في المستودعات وعلى ظهر السفن، وعلى اليابسة، وفي..

د. فيصل القاسم [مقاطعاً]: الموجود لدى الدول المستهلكة، لكن السؤال المطروح في هذه الحالة، هناك من يقول بأن الدول المنتجة للنفط -في واقع الأمر- لا علاقة لها بالأسعار لا من بعيد ولا من قريب، والمتحكم الأول والأخير هو الدول المستهلكة للنفط وليس العكس، والدليل على ذلك بأنه -مثلاً- نرى أن استهلاك النفط في العالم يزداد يوماً بعد يوم، في الوقت نفسه نرى أن الأسعار تنخفض، هذه هي القصة التي نريد أن نفهمها؟

د. عيد بن مسعود الجهني [مستأنفاً]: أنا أزيدك من الشعر بيتاً –كما يقولون- في عام 1950م استعمال.. استهلاك النفط لم يزد على ثمانية ملايين برميل في اليوم، وصل الآن إلى حوالي 74 مليون برميل يومياً، مع هذا الاستهلاك الضخم، وهذا الإسراف في استعمال النفط واستنـزافه زاد الاحتياطي النفطي حوالي 500 ضعف عما كان عليه في أوائل هذا القرن، الذي لم يبقى عليه إلا أسابيع وتغيب الشمس عنه. الموضوع هنا ليس بيد الدول المستهلكة 100%، وليس بيد..

إعلان

د. فيصل القاسم [مقاطعاً]: الدول المنتجة.

د. عيد بن مسعود الجهني [مستأنفاً]: الدول المنتجة 100%، وليس بيد شركات النفط أيضاً 100%، وإنما نستطيع أن نقول أن الدول الصناعية تلعب دوراً كبيراً بتحديد أسعار النفط، لماذا؟ لأن الدول الصناعية تستهلك 75% من استهلاك النفط في العالم، وعدد سكانها لا يتجاوز 15%.

د. فيصل القاسم [مقاطعاً] : من سكان العالم، نعم.

د. عيد بن مسعود الجهني [مستأنفاً] : من سكان العالم، هذا بحد ذاته يعطينا مؤشراً قوياً بأن هذه الدول تمسك بين أيديها بمفاتيح اللعبة الدولية بما يتعلق بأسعار النفط.

خذ مثلاً آخر : حتى نضع الأمور في نصابها وبشكل علمي وبشكل واقعي، ونحن العرب لابد أن ننظر إلى المواضيع -أيضاً- من منظور استراتيجي، بالنسبة للنفط، لأنه سلعة استراتيجية، ولذا نحن نسمي هذا القرن قرن النفط، وسيبقى القرن القادم قرن النفط. الولايات المتحدة الأميركية سكانها لا يمثلون أكثر من 5% من سكان العالم، ولكنها تستهلك 25% من استهلاك العالم أجمع.


دور أميركا والدول خارج أوبك في تحديد أسعار النفط

د. فيصل القاسم : طيب، وهذا يقودنا إلى سؤال بخصوص الولايات المتحدة، يا ترى ما هو الدور الذي تلعبه الولايات المتحدة في تحريك سوق النفط، والتلاعب بأسعاره أيضاً؟ لأنه اسم الولايات المتحدة يدخل دائماً على الخط عندما نتحدث عن أسعار النفط، ارتفاعها أو انخفاضها إلى ما هنالك من هذا الكلام، وفيما يتعلق بالمخزون الاستراتيجي بشكل خاص.

د. عيد بن مسعود الجهني : نحن كعرب -بصراحة- أي مشكلة عندنا لا نجد لها حلاًّ نعلقها على الولايات المتحدة الأميركية.

د. فيصل القاسم [مقاطعاً] : حتى في موضوع النفط.

د. عيد بن مسعود الجهني [مستأنفاً] : بكل شيء.. بكل شيء، حتى في الأمور السياسية نقول الولايات المتحدة هي السبب، الولايات المتحدة -بالمناسبة- يهمها جداً أن تكون هناك أسعار نفط معقولة، وعندما أعني بأسعار النفط المعقولة أن تكون عادلة للمنتجين والمستهلكين بما يحقق استقراراً للسوق النفطية الدولية، ويضمن عائدات نفطية للدول المنتجة خاصة الكبيرة، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية.

إعلان

فأسعار النفط المعقولة هي ما بين 18 دولاراً إلى 21 دولار، وهذا يحقق فوائد كثيرة: يحقق للدول المنتجة أنها تخطط لميزانيتها، ولاقتصادياتها لفترة أطول، وتستطيع أن تخطط للتنمية، ورفاهية شعوبها ضمن حدود معينة لإنتاجها ودخلها من النفط.

د. فيصل القاسم : وسآتي على موضوع.. يعني موضوع علاقة النفط بالاقتصاديات الخليجية، لكن هناك.. يعني لم نتحدث عن الدول خارج منظمة (أوبك) والدور الذي تلعبه في تحديد أسعار النفط وحركة النفط في الأسواق العالمية.

د. عيد بن مسعود الجهني : هذه ضمن المجموعة اللي تحدثنا عنها وقلنا : أن الدول الصناعية تُنتج، وتستهلك 75% من استهلاك العالم للنفط، الدول خارج الأوبك -وهذا محور مهم جداً في سياسة النفط العالمية- تصور أن حوالي 20% أو 22% فقط من الاحتياطي في العالم يتركز في الدول خارج منظمة الدول المصدرة للبترول، 78.65% هذا هو احتياطي الأوبك في.. بالنسبة للاحتياطي المؤكد في العالم. دول مجلس التعاون الخليجي لها 47.5 من الاحتياطي العالمي..

د. فيصل القاسم [مقاطعاً] : وهي نسبة كبيرة جداً.

د. عيد بن مسعود الجهني [مستأنفاً] : وهذا يمثل أيضاً 465 مليار برميل، لو أخذنا هذه الأرقام العلمية، وكما يقولون "الإحصاء لا يكذب الذين يكذبون هم الإحصائيون، هذه الإحصائيات تعطينا مؤشراً أن حوالي 70% من استهلاك العالم من النفط يأتي من دول لا تملك احتياطياً أكثر من 22% من احتياطي النفط، وهذا طبعاً في حد ذاته يجعل دول الأوبك تنتج ضمن سقف محدد، وتأتي من وقت لآخر وتخفض هذا السقف للإنتاج محافظة على السعر.

أنا لست ضد هذا، لأن المحافظة على إنتاج وسقف إنتاج معين يضمن للجميع سعراً مستقراً، ليس كما حصل انهياراً في الأسعار في أواسط الثمانينات عام 1986م.

ولكن الدول خارج الأوبك.. الدول خارج الأوبك تنتج بكل طاقتها، تنتج كل برميل تستطيع أن تقدمه لسوق النفط الدولية، وإذا استثنينا الاتفاق الأخير الذي قادته المملكة العربية السعودية فيما يتعلق بإدخال (المكسيك) و(النرويج) و(روسيا ) ودول أخرى خارج الأوبك، هذه الاتفاقات التي رفعت سعر النفط وحدت من الإنتاج طبخت خارج الأوبك، وبدايتها كانت على هامش الاحتفال بافتتاح حقل الشيبة في المملكة العربية السعودية، وبرئاسة ولي العهد الأمير عبد الله بن عبد العزيز، فكان لها نتائج إيجابية، انعكست قادتها المملكة العربية السعودية، حتى استطاعوا إلى أن يصلوا إلى هذا السعر الذي تسميه أنه سعراً قياسياً.

إعلان

د. فيصل القاسم [مقاطعاً] : بالمقارنة مع الماضي.

د. عيد بن مسعود الجهني [مستأنفاً] : بالمقارنة مع… هو ليس سعراً قياسياً بالارتفاع لو رأينا.. نظرنا إلى سعر الدولار الأميركي، وانخفاضه أمام العملات الأخرى.

تصور أن دخل دول مجلس التعاون الخليجي من النفط العام الماضي حوالي

57 بليون دولار، هذه تساوي حوالي 20 بليون دولار فقط إذا قسناها بدولارات عام 1973م..

د. فيصل القاسم [مقاطعاً] : إذاً لها علاقة بتذبذب العملة الأميركية أيضاً.

د. عيد بن مسعود الجهني [مستأنفاً] : بدون شك.

د. فيصل القاسم : لكن… يعني نسمع في بعض الأحيان بأن هناك نوعاً من المؤامرة -إذا صح التعبير- وراء ارتفاع أسعار النفط في الآونة الأخيرة ووصولها-إذا ما صح التعبير- إلى 25 دولار للبرميل الواحد -كما قلنا قبل قليل- هناك من يقول : بأن يعني الولايات المتحدة -في واقع الأمر- تدخل في هذه اللعبة من أجل رفع الأسعار، لأغراض تتعلق باقتصادياتها، وبديونها على بعض البلدان المنتجة للنفط، وخاصة فيما يتعلق بتسديد صفقات كبيرة من الأسلحة، ما صحة مثل هذا الكلام؟ أم أنه يدخل في إطار التكهنات ليس إلا؟

د. عيد بن مسعود الجهني : كما قلت في بداية الحديث نحن كعرب –للأسف الشديد- كل صراع، أو كل مشكلة لا نجد لها حلاً نسندها إلى الولايات المتحدة الأميركية، فيما يتعلق بديون الولايات المتحدة الأميركية على الدول الخليجية، إذا كنت تقصد هذا من السؤال، فليس لدينا أرقام موثقة ، حتى من يعتمد على أرقام أحياناً ينسبها إلى مركز معين أو إلى.. حتى صندوق النقد الدولي، وهذه ليست أرقام موثوق بها، إذا كانت الولايات المتحدة تريد أن ترفع السعر لتأخذ ما يعود من ارتفاع السعر تسديداً لديونها، فإذا قررنا أنه ليست هناك ديون، لأنه ليس أمامنا أرقام، أو إحصائيات نستند عليها، حتى نعطي رأيا علمياً محاسبياً صادقاً، ونقول هناك مبلغ معين يجب دفعه على.. لأميركا من قبل دول مجلس التعاون الخليجي، هذه الأرقام ليست متوفرة لدينا، ولكن الذي أعرفه علمياً واقتصادياً أن الولايات المتحدة يهمها -بالمناسبة- أن يكون سعر النفط يتجاوز حاجز الـ20 دولار لفرضية بسيطة جداً.

إعلان

د. فيصل القاسم [مقاطعاً] : ما هي؟

د. عيد بن مسعود الجهني [مستأنفاً] : أن الولايات المتحدة الأميركية يهمُّها التصدير لدول الخليج العربي بشكل عام، وأعطيك مثلاً : صادرات العراق –رغم الحظر المفروض عليه- جاءت في المرتبة السادسة بعد المملكة العربية السعودية إلى الولايات المتحدة الأميركية، ووصلت حوالي خمسة بليون دولار، تصور! يعني هذه حقائق علمية، وهذه تنشرها الولايات المتحدة الأميركية نفسها، وليس نحن أهل الخليج العربي.

نعود إلى موضوع الأسلحة، أيضاً ما ينطبق على أرقام الديون ينطبق على قيم الأسلحة، ليست هناك أرقام حقيقية موثقة أن الولايات المتحدة تبيع إلى دول النفط أسلحة مقابل مليارات الدولارات ويجب دفعها.

طبعاً هناك مصالح، وهناك تبادل بالمصالح، وهناك تسليح، هذا لا ينكره أحد، الشرق الأوسط أكبر مستورد للسلاح.

د. فيصل القاسم [مقاطعاً] : صحيح.

د. عيد بن مسعود الجهني [مقاطعاً] : في العالم، ولكن هذا لا يعني أنه يأتي من الولايات المتحدة الأميركية، ويصب في دول مجلس التعاون الخليجي، كل دول الشرق الأوسط تستورد، وأميركا صادراتها إلى إسرائيل تمثل الرقم واحد بالنسبة لصادرات الأسلحة إلى..

د. فيصل القاسم [مقاطعاً] : المنطقة العربية، نعم.

د. عيد بن مسعود الجهني [مقاطعاً] : منطقة الشرق الأوسط.

د. فيصل القاسم : ذكرت قبل قليل -دكتور- بأن يعني تذبذب أسعار النفط يلعب دوراً كبيراً في الاقتصاديات الخليجية، السؤال المطروح يعني هل اقتصاديات الخليج -في هذه الحالة- ستظل مهددة على ضوء تذبذب أسعار النفط وسيطرة الدول الصناعية على النفط عرضاً وطلباً؟ أم أن هذه الدول –دول الخليج بشكل خاص- يعني ستتبع، أو ستضع استراتيجيات وسياسات مستقبلية تواجه فيها الدول المستهلكة للنفط، ووكالة الطاقة الدولية بشكل خاص؟

د. عيد بن مسعود الجهني : بالمناسبة اقتصاديات الخليج أنا أعرفها بأنها نفط بنفط، والنفط سيصبح –أيضاً- في القرن القادم الذي لا يبقى عليه سوى أسابيع العمود الفقري لاقتصاديات هذه الدول، لأن اقتصاديات دول مجلس التعاون الخليجي تعتمد على عائداتها النفطية بنسبة تتراوح ما بين 75% حتى 90%، هنا..

إعلان

د. فيصل القاسم [مقاطعاً] : دكتور، هنا أريد أن أتدخل هنا ألا تعتقد أن هذا يدل على أن دول الخليج فشلت فشلاً ذريعاً في استغلال موارد النفط؟ يعني إذا قلنا إنه في الآونة الأخيرة أو في الآونة الماضية كان التركيز على النفط، وأنه-كما قلت قبل قليل- أن اقتصاد الخليج هو نفط بنفط، وسيبقى على هذا الحال، إذن أين ذهبت هذه الأموال؟ لماذا لم تستغل في بناء يعني بنية تحتية اقتصادية تعوض عن النفط في حال تدني أسعاره وتذبذبها، وفي حال نضوب هذه المادة الاستراتيجية؟


مدى نجاح دول الخليج في الاستفادة من موارد النفط

د. عيد بن مسعود الجهني [مستأنفاً] : هنا دول الخليج –الحقيقة- لم تبذر الأموال، شوف.. ليس هناك دولة، أو شخص كامل، الكمال لله –سبحانه وتعالى- ولكن نحن في الخليج نعتبر النفط ده هبة من الله –سبحانه وتعالى- كما يقولون في مصر "مصر هبة النيل" نحن هبة النفط في الخليج، فكل هذه البنية التحتية التي أنشئت في الخليج، والمدن الضخمة التي أقيمت، والإعمار الذي حصل في الحرمين الشريفين-على سبيل المثال- يعني في عام 1946م كان عدد الحجاج لا يتجاوز مائة ألف كانوا يتقطعون في الطريق، الآن عدد الحجاج يزيد على أربعة ملايين سنوياً، هذا بنية.

لما بتأتي إلى مدينة الرياض -العاصمة- التي فتحها الملك عبد العزيز عام 1902م 1319هـ وأميرها الآن نجله الأمير سلمان بن عبد العزيز هذه المدينة –خذ مثلاً بسيطاً- هذه المدينة كانت لا تتجاوز خمس كيلو مترات، الآن أكثر من 3.000 ثلاثة آلاف كيلو متر مربع، أصبحت واحدة من أكبر المدن في العالم تطوراً في العمران، والبنية التحتية، والبنية الأساسية..

د. فيصل القاسم [مقاطعاً] : طيب إذا كان هناك بنية تحتية وبنية أساسية، لماذا لا يتم الاعتماد عليها اقتصادياً؟ يعني يقال –إنه مثلاً- أنت تحدثت عن هذه المدن الكبيرة التي شيدت في الخليج.. لكن هل تعتقد أن هذه هي الطريقة المثلى لاستخدام، أو استغلال موارد النفط في إغراق أسواق الخليج –مثلاً- بالكماليات، والبضائع المستوردة من أوروبا و(اليابان) إلى ما هنالك، وتشييد هذه العمارات الكبيرة؟ لماذا لم يتم استغلالها في وضع قاعدة اقتصادية يستطيع الخليج أن يعتمد عليها للمستقبل بدلاً من أن يكون تابعاً ومعتمداً على الغرب وعلى الدول الأخرى التي تورد له هذه البضائع؟

إعلان

د. عيد بن مسعود الجهني [مستأنفاً] : التنمية التي سبقت في دول مجلس التعاون الخليجي تنمية كان لا فكاك منها.. لابد منها الحقيقة، الآن أعتقد أن دول مجلس التعاون الخليجي-وعلى رأسها المملكة- لابد أن تعيد تخطيط إعادة هيكلة اقتصادياتها، وتنويع مصادر الدخل، وهذا لا يأتي بين عشية وضحاها، أحياناً قد تدرك المشكلة، وتعرف الحل، ولكن كيف تصل إلى هذا الحل؟

أنا اعتقد أن الوقت قد حان الآن لدول مجلس التعاون الخليجي، وأنا في بلدي الآن بدؤوا.. يعني لو تابعت الخطاب الذي ألقاه ولي العهد الأمير عبد الله بن عبد العزيز في حفل أهالي المدينة المنورة، وأيضاً خطاب الأمير سلطان (النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء، وزير الدفاع، والمفتش العام) الذي ألقاه في رجال الأعمال في أميركا، ترى أنهما وضعا خطة لاستشراف المستقبل الاقتصادي السعودي وهذا –أنا بأتحدث أيضاً بواقع نعايشه الآن- وهذا يركز على إعادة الهيكلة، وإعادة الهيكلة لا تعني أنك تريد أن تصلح كل شيء بين عشية وضحاها-كما ذكرت قبل قليل- ولكن هناك عجز بالميزانية كما تفضلت، صحيح العجوزات في الميزانية في دول مجلس التعاون الخليجي بدأت منذ انهيار أسعار النفط عام 1986م، ونحن نعايش هذا العجز، العجز في الميزانية في حد ذاته ليس مشكل

-بالمناسبة- هو جزء من المشكلة، لكن المهم هو ما وراء هذا العجز، لابد أن تبدأ هذه الدول بترشيد الإنفاق، وترشيد الإنفاق هنا وإعادة الهيكلة –الحقيقة- ليست مطلباً فقط، وليست ترفاً، وإنما هي ضرورة لابد، وإعادة الهيكلة تبدأ من : تخفيض العجز في الميزانية، ترشيد الإنفاق، ضغط الإنفاقات غير الضرورية، النظر إلى الأسواق المالية في دول مجلس التعاون الخليجي والتركيز عليها، أيضا إعادة هيكلة جميع الأجهزة الإدارية التي تحتاج إلى تنظيم وإعادة تنظيم، الأجهزة الإدارية أيضاً تضخمت، أيضاً لابد أن توجد هناك سوق للأوراق المالية، وجلب للاستثمار والمستثمرين للدول الأجنبية..

إعلان

د. فيصل القاسم [مقاطعاً] : لضخ.. الأموال كما يحدث في لعض دول الخليج، نعم.

د. عيد بن مسعود الجهني [مستأنفاً] : هذا صحيح، وضخ للأموال الأجنبية للاستثمار في داخل المملكة، أعطيك مثالاً : حصة الدول العربية كلها – وليست دول الخليج فقط- من الاستثمارات العالمية كلها قد تستغرب أنه 1%!!

د. فيصل القاسم : صحيح.

د. عيد بن مسعود الجهني : فعندما نبدأ، ونخطط للمستقبل ونجذب هذه الاستثمارات، ونفتح الأبواب المشروعة ونضع الضوابط العلمية، أعتقد أنها يمكن..


مدى تأثير نفط بحر قزوين ومصادر الطاقة الأخرى على نفط الخليج

د. فيصل القاسم [مقاطعاً] : سننطلق إلى أفق.. إلى أفق جديد، لكن –دكتور- السؤال المطروح، هناك من يقول بأن هذا التخطيط وهذا الاستشراف للمستقبل يأتي -في واقع الأمر- في الوقت الخطأ، هناك من يقول بأن منطقة الخليج، أو نفط الخليج لن يكون بذات الأهمية التي كان عليها في السنوات الماضية بسبب اكتشاف مصادر جديدة للنفط في العالم، أتحدث هنا عن نفط بحر (قزوين)، هناك من يقول بأن التركيز سيكون على نفط بحر قزوين على حساب نفط الخليج العربي، وفي هذه الحالة.. يعني لن يكون هناك نفع كبير على صعيد التخطيط الاقتصادي واستشراف المستقبل.

د. عيد بن مسعود الجهني : دكتور فيصل، هذا الكلام غير علمي وغير موثَّق، وأنا لا أؤمن إلا بالتوثيق العلمي والإحصائي.

د. فيصل القاسم : كويس.

د. عيد بن مسعود الجهني : فعلى سبيل المثال بحر قزوين، أو نفط بحر قزوين عندما تحدث الخبراء عنه، وهناك ندوات-بالمناسبة- إحدى الندوات كانت في الإمارات عن نفط بحر قزوين، وتحدث كثيرون عن هذا، لكن الواقع المعاش أن بحر قزوين كان قد قدر بحوالي 200 بليون برميل احتياطية، انخفضت التقديرات الآن ما بين 15 إلى 20 مليار برميل، ولكن.. وهذا لا يعادل-بالمناسبة-ربع احتياطي حقل واحد في المملكة العربية السعودية كحقل (الغوار) الذي احتياطه يصل إلى 90 مليار برميل، أو حقل (زاكم) في الإمارات أيضاً، فنحن نتحدث عن حقائق علمية.

إعلان

بحر قزوين حتى هذه اللحظة لم تثبت جدواه الاقتصادية لعوامل عديدة : منها ما هو سياسي، ومنها ما هو اقتصادي، تكلفة نقل البرميل تتجاوز ستة دولارات أميركية..

د. فيصل القاسم [مقاطعاً] : وهو مبلغ كبير جداً.

د. عيد بن مسعود الجهني [مقاطعاً] : جداً، وأيضاً رغم وجود تقنيات جديدة الآن في التنقيب والاستكشاف، تقلل التكلفة كما يحصل الآن في بحر الشمال وفي النرويج وفي المكسيك هناك تقنية جديدة في التنقيب والاستكشاف عن النفط وخفضوا التكلفة، ولكن بحر قزوين ينفرد بعوائق كبيرة جداً، يعني حتى نقله في الأنابيب كانوا بيدخلوا إيران، الآن طلعت إيران خرجت من اللعبة.. النقل، أيضاً هناك خلافات سياسية داخل هذه المنطقة، فكيف لي أن أقارن منطقة لم يثبت ولم يُصدَّر منها برميلاً واحداً بمنطقة يزداد احتياطيها يوماً بعد يوم؟!

في عام 1970م احتياطي دول مجلس التعاون الخليجي كله حوالي 140 مليار برميل، اليوم 465 مليار برميل، نحن نتوقع أن تزيد –أيضاً- هذه الاحتياطيات، وتزيد هذه الأهمية للخليج، ولذلك أنا أقول أن الأحداث هنا في الخليج، والصراعات هنا في الخليج، والثروة هنا في الخليج..

د. فيصل القاسم [مقاطعاً] : وستبقى هذه الصراعات.

د. عيد بن مسعود الجهني [مستأنفاً] : وستبقى هذه الثروة.

د. فيصل القاسم : يعني يمكن القول أن منطقة الخليج ستزداد أهمية في الألفية الثالثة فيما يخص.. فيما يخص النفط، بالرغم من المنافسة التي بدأت تظهر هنا وهناك؟

د. عيد بن مسعود الجهني : هذا بدون شك، كما قلت أن منطقة الخليج هي بؤرة الصراع في العالم، وستكون أيضاً المركز الرئيسي لنفط العالم، والأهمية لاستراتيجية للدول الصناعية المستهلكة للنفط –وعلى سبيل المثال- وكالة الطاقة الدولية التي ذكرتها –وإن كنت أنا لا أؤمن بالتقديرات، والتنبؤات الغير علمية-وكالة الطاقة تقدر أنه في عام 2010م سيصل احتياج العالم لاستهلاك النفط باليوم إلى حوالي مائة مليون برميل باليوم..

إعلان

د. فيصل القاسم [مقاطعاً] : بالرغم من ظهور مصادر جديدة للطاقة.

د. عيد بن مسعود الجهني [مستأنفاً] : مصادر جديدة تصور إذا وجدنا أن هناك دولاً مثل إندونيسيا والجزائر وهي أعضاء في منظمة الأوبك احتياطها بدأ يتناقص، مَنْ الذي سيقوم برفع الإنتاج، وتزويد العالم بهذه الطاقة النفطية التي تعتير سلعة استراتيجية في العالم الغربي؟ لا بديل للعالم، ولا فكاك للعالم من دول مجلس التعاون الخليجي.

هذه السلعة ستبقى كما كانت في القرن الماضي بؤرة الأحداث وأهم الأحداث، رغم أن هناك كانت حربين عالميتين، وكان هناك انهيار الشيوعية، وكان بروز للرأسمالية، ثم قطب واحد في العالم اللي هو الولايات المتحدة الأميركية.

هذا كله ليست أحداث نستطيع أن نقيمها تهم العالم بقدر ما يهم العالم أن يكون لديه نفط يستعمله ويستغله، لأنه لا يعيش على هذه الأرض بدون هذا النفط، أصبح كالماء، وأصبح للدول المستهلكة للنفط كرغيف الخبز.

د. فيصل القاسم : إذاً في هذه الحالة يمكن القول إن المنطقة من الناحية السياسية ستزداد يعني الصراعات فيها-إذا صح التعبير-وسيظل-كما يقول البعض-النفط بالنسبة لهذه المنطقة نقمة وليس نعمة.

د. عيد بن مسعود الجهني : الصراعات السياسية قد تكون في خارج المنطقة، بالنسبة فيما يتعلق بالفوز بنفط دول مجلس التعاون الخليجي، وكسب ود هذه المنطقة، ولكن النفط نعمة وليس نقمة، وبدليل أنه نعمة من نعم الله -سبحانه وتعالى- أن كل هذه البنية الأساسية التي تراها على أرض دول مجلس التعاون الخليجي النفط وراءها.

الخليج يعيش أهم لحظاته التاريخية بسبب النفط، دول مجلس التعاون الخليجي كانت من أفقر دول العالم، وانتقلت بسبب النفط من حالة الكفاف إلى

حالة الغنى. وأضرب لك مثلاً حياً، المملكة العربية السعودية عندما خطا الملك عبد العزيز من الكويت إلى الرياض سبعمائة كيلو مشياً على الأقدام، كان زاده التمر واللبن -إذا وجد.. إذا وجد- وفتح مدينة تاريخية لتكون عاصمة يحجُّ إليها الناس الآن وزعماء العالم طلباً للنفط.

إعلان

هذا مما يجعل قيمة دول مجلس التعاون الخليجي وأهميتها في العلاقات الدولية، ضمن استقرارها السياسي، لأن الاستقرار السياسي -أيضاً- يلعب دوراً.. يلعب دوراً رئيسياً في دعم السلع، سواء أي سلعة كانت فما بالك إذا كانت السلعة استراتيجية كالنفط.

لأجل كده أنا بأقول من حظ العالم أن تكون هناك في دول الخليج أنظمة سياسية مستقرة، أن يكون في المملكة العربية السعودية نظاماً سياسياً على

مدى 270 عاماً يملك من الخبرة الطويلة في الحكم والسياسة والإدارة ما يؤهله لإدارة هذه الثروة التي تمد العالم بحوالي 26% من احتياطي النفط..

د. فيصل القاسم [مقاطعاً] : طيب.. لكن دكتور، أنت قلت أن النفط نعمة وليس نقمة، ولكن البعض يرى العكس تماماً في واقع الأمر، صحيح أن دول الخليج استفادت من هذه الطفرة النفطية في تشييد بنية تحتية وعمران إلى ما هنالك من هذا الكلام، لكنها في نهاية المطاف أصبحت يعني أرضاً مستباحة للغير وللأميركان والغرب بشكل خاص، بحيث أصبحت تابعة في الكثير من الأمور للسياسات الغربية!

د. عيد بن مسعود الجهني [مستأنفاً] : أولاً : موضوع التبعية للسياسة الغربية، إحنا عندما نتحدث في القانون الدولي نجد أن من عناصر الدولة، أو أركان الدولة السيادة، جميع دول مجلس التعاون الخليجي دول كاملة السيادة، والدولة كاملة السيادة من حقها.. من حقها أن تتعامل مع الدول الأخرى، وتتبادل المصالح معها.

كما قلت : النفط هنا، والأحداث هنا، والصراعات هنا، الثروة -في حقيقة الأمر- تثير لعاب الكثيرين، ولدينا أمثلة : الحرب العراقية الإيرانية سببها النفط، وإن قال البعض بأنها حدودية، هذا كلام أنا لا أؤمن به على الإطلاق، لأن الحدود والمساحات المساحة بالنسبة للدولة إذا لم تكن بها من المعادن أو النفط أو .. لا تكون مغرية، فبدأت الحرب وانتهت وخسروا الدولتين، ولكن الخاسر الأكبر هو الأمتين العربية والإسلامية، وبلغت تكاليف الحرب بالنسبة لإيران حوالي مائة مليار دولار، وبالنسبة للعراق حوالي ثلاثمائة مليار دولار، وهذا هو السبب..سبب الثروة الذي جعل صدام حسين يتجه إلى الكويت ويحتلها بسبب الثروة..

إعلان

د. فيصل القاسم [مقاطعاً] : إذا.. إذا حتى حرب الخليج الثانية هي حرب نفطية في واقع الأمر.

د. عيد بن مسعود الجهني [مستأنفاً] : بدون شك..بدون شك، أما كون أن الدول الأميركية.. أميركا –على سبيل المثال- أو أوروبا، أو أي دولة تستبيح الخليج، هذه لا تستبيح الخليج، هناك تبادل مصالح، وهناك علاقات دولية، وأنا بأقول : إنه الدول الكبرى لا يهمها -بالمناسبة- لا العدل، ولا المنطق، الذي يهمها مصالحها.

د. فيصل القاسم : المصالح، نعم.

د. عيد بن مسعود الجهني : ونحن أيضاً في الخليج نقول أنه يهمنا العدل، ويهمنا السلم الدولي، ويهمنا الاستقرار، ويهمنا استقرار سوق النفط الدولي، ولكننا نتعامل مع هذه الدول من منطق الحق والعدل، وإن كانوا هم لا يطبقوه، ولكن نحن نطبقه ولا نقبل إلا بالحق والعدل، وبالتالي ما يفيدنا نأخذه، حتى في التكنولوجيا.

د. فيصل القاسم : صحيح.

د. عيد بن مسعود الجهني : وحتى في التطور، وفي عصر المعلومات، نحن نعيش الآن عالم اقتصاد وليس عالماً سياسياً، بالمناسبة نحن عندنا سلعة، وسلعة استراتيجية نبيعها للآخرين، ولكن هناك شروط لابد أن يتفق عليها المستهلكين والمصدرين لهذه السلعة، فالعملية عملية مصالح في العلاقات الدولية.


الأنظمة السياسية في الخليج والتأثير الاقتصادي للنفط عليها

د. فيصل القاسم: تماماً، السؤال المطروح.. يعني دكتور إذا تحدثنا عن العلاقة بين السياسة والنفط في منطقة الخليج، من المعروف أنه يعني البنية الاقتصادية

-عادة- لأي بلد تحدد في نهاية المطاف البنية السياسية، أو الشكل السياسي في.. لذلك البلد، لكن إذا نظرنا إلى منطقة الخليج الآن نرى أنه بالرغم من أن البترول هو عصب الحياة بالنسبة لهذه المنطقة، إلا أننا بدأنا نرى.. يعني تبايناً في الأنظمة السياسية.

بعض البلدان سائرة في ركب الديمقراطية، تريد أن.. أن.. يعني.. تقيم أو تنشئ برلمانات، مجالس نيابية إلى ما هنالك من هذا الكلام، في الطرف الآخر نرى أن البعض الآخر : يريد تكريس نظام الشورى، ما هو النظام الأمثل بالنسبة لمنطقة الخليج؟ أن نسير في هذا الركب الديمقراطي، أم أن نحافظ على الأنظمة الشوريَّة؟

إعلان

د. عيد بن مسعود الجهني : نحن كعرب، أو كمسلمين يجب أن نثمن أولاً : الديمقراطية، وموضوع الديمقراطية بالمناسبة –دكتور فيصل- كثر الحديث والنقاش والحوار عنه، دعني أقول لك أن الديمقراطية هذه كلمة لاتينية، وأول ما نشأت في اليونان، واليونان لم تطبقها، وحتى (أفلاطون) عندما فكر في جمهوريته.. ما نسميها أحلامية، حلم..لم تتحقق، انتقلت هذه الكلمة إلى فرنسا أيام الثورة الفرنسية، ولم يستفد الغرب، أعطني دولة واحدة في العالم تطبق الديمقراطية، يقولون أن الديمقراطية…

د. فيصل القاسم [مقاطعاً] : حكم الشعب.

د. عيد بن مسعود الجهني [مستأنفاً] : هي حكم الشعب، ونحن نقول : أن الحكم لله في الإسلام، شوف الفارق الكبير، يعني عندنا الحكم لله -سبحانه وتعالى- رئيس الدولة هو مستودع للسلطات التنفيذية، ولكن.. والسلطة القضائية أيضاً تتبعه بشكل تبعي، ولكن مستقلة، ولكن ليس من حقه التشريع، في النظام الديمقراطي.. الأنظمة الديمقراطية في العالم ما يسمونه النظام البرلماني في بريطانيا، النظام الرئاسي في أميركا، والنظام شبه الرئاسي في فرنسا، والنظام المجلسي في سويسرا.

أعطيك مثالاً على أميركا بلد الديمقراطية، أميركا لم ينتخب الرئيس الأميركي أكثر من 18% من مجموع السكان، بل أن هناك إحصائيات تخفض هذه النسبة..

د. فيصل القاسم [مقاطعاً] : إلى 8%، نعم.. طيب..

د. عيد بن مسعود الجهني [مستأنفاً] : إلى 8 وإلى 10%، عندما يأتي في أميركا حزبين : الحزب الجمهوري والحزب الديمقراطي، ويحكمون بلداً بأكمله ثم يحكمون العالم، الديمقراطية تطبق على العالم ولا تطبق على أميركا، تصور نورويجا في بنما هل.. هل هذا نظام ديمقراطي أن تأتي برئيس دولة -مهما كان- وتختطفه وتضعه في السجون عندك وتحاكمه، هذه ليست ديمقراطية، ولكن نحن…

د. فيصل القاسم [مقاطعاً] : لكن.. لكن دكتور، هناك فرق بين الديمقراطية على المستوى الداخلي، وبين الديمقراطية في العلاقات الدولية، ليس هناك ديمقراطية في العلاقات الدولية وهذا واضح!

إعلان

د. عيد بن مسعود الجهني [مستأنفاً] : هذا صحيح.. صحيح، لكن أيضاً وليس هناك ديمقراطية في حقوق الإنسان، يعني الدول الصناعية -وعلى رأسها أميركا- تريد أن تطبق حقوق الإنسان كما تراها هي، ونحن في الإسلام نريد أن نطبق حقوق الإسلام كما نراه في الإسلام..

د. فيصل القاسم [مقاطعاً] : هل.. هل في هذه الحال -دكتور- هل تريد أن تقول لي أن الأنظمة السياسية المعمول بها في دول الخليج أفضل من تلك المعمول فيها بالغرب؟

د. عيد بن مسعود الجهني [مستأنفاً] : لأ.. لأ، شوف.. النظريات في الحكم فيه : النظرية اللي هي نظرية الرأسمالية، والنظرية الشيوعية، النظرية الرأسمالية أصلها بتركز على الفرد، وحرية الفرد بشكل مبالغ فيه، فجاءت الاشتراكية أو الشيوعية فغلبت رأي الجماعة وحق الجماعة على حق الفرد، وجعلت الإنسان ترس في آلة، فبينما هاتين النظريتين اتجاههما مختلف.

ولكن –الحقيقة- أنهما كلا.. الفلسفتين لم يركزوا على الجانب الروحي، في الدين الإسلامي.. الدين الإسلامي يركز على الجانب الإيماني..الجانب الروحي في الإسلام، فأنا بأقول : إن نظام الحكم في دول مجلس التعاون الخليجي-وهذا ما تريده يا دكتور- يقوم على أن هذه الدول لها تاريخ طويل في أنظمة الحكم وخبرة طويلة اكتسبتها في هذا النظام.

على سبيل المثال، أعطيك مثلاً بالنسبة لدول مجلس التعاون الخليجي غير المملكة، سأعود إلى المملكة العربية السعودية، هذه الدول كلها حصلت على الاستقلال عام 1971م، الكويت عام 1961م، طبعاً رغم أن هذه الدول كانت تحت نير الاستعمار، وكانت تحت الحكم البريطاني، إلا أنها بعد أن استقلت عادت إلى نظام حكمها الموجود بنفس الأسر الحاكمة التي كانت في الخليج، هذا يعطينا دليلاً أن الأنظمة جيدة.

في المملكة العربية السعودية نظام الحكم فيها يعود إلى الدولة السعودية الأولى، الدولة السعودية الثانية، الآن الدولة السعودية الثالثة لها مائة عام في الحكم ففيه خبرة.. ففيه خبرة، ولكن التركيبة للنظام تختلف عن التركيبة في الغرب.

إعلان

على سبيل المثال، القرآن الكريم والسنة المطهرة لم يأتيا بتفصيل واضح عن نظام الحكم على الإطلاق، لم ترد آية في القرآن الكريم تفصل نظام الحكم، ولم يأت حديث يفصل نظام الحكم أيضاً، ولكن هناك عموميات، لأجل كده إحنا بنقول

إن الشريعة الإسلامية بتكون صالحة.. صالحة لكل زمان ومكان، وكل دولة تأخذ لنظام حكمها ما يتفق مع الشريعة الإسلامية، على سبيل المثال أبو بكر الصديق سمَّى واختار عمر بن الخطاب، وعمر بن الخطاب أخذ البيعة، ثم عمر بن الخطاب أيضاً اختار أهل الشورى الستة، ومن هم أهل الشورى؟ المبشرين بالجنة، وأيضاً اختاروا ولكن أيضاً الخليفة يأخذ البيعة، أصبح عندنا.. أيضاً هذا ما حصل بالنسبة للخلفاء الأربعة، عندما جاء معاوية أخذ البيعة لابنه، وهذا ما يسمى الاستخلاف في الإسلام، ففقهاء المسلمين متفقين على الاستخلاف ومتفقين على المبايعة، فدول شقين في نظام الحكم.

هنا.. بلدي المملكة العربية السعودية تأخذ بالاثنين وليس واحداً الاستخلاف : الملك عبد العزيز بعد أن وحَّد المملكة العربية السعودية عام 1351هـ، واستقرت الأمور، وقضى على الفتن، وعلى الدويلات الصغيرة بايعه الناس، بايعته الأمة جميعاً، ولكده [لذلك] كما جاء في الحديث عن الرسول –صلى الله عليه وسلم- : "أنه يأتي على رأس كل مائة عام من يجدد لهذه الأمة دينها" الملك عبد العزيز يعتبر مجدد، ومصلح وموحِّد عندما انتهى من هذه الفترة أخذ البيعة.

ثم نشأت ولاية العهد مثلها مثل ما حدث أيام معاوية، ولكن هذا لا يكفي، الملك عبد العزيز بالإضافة إلى كده، وضع وصية لولي عهده، وصية إسلامية لإدارة الحكم، ثم يبايع مبايعة الطاعة والانقياد، وترى الملك في المملكة العربية السعودية قبل أن يصبح ملكاً يبايع، وولي العهد أيضاً قبل أن يصبح ولياً

للعهد يُبايع، وهذه هي الطريقة الإسلامية في اختيار الحاكم، وهذه هي السليمة -بنظري- التي تجعل المواطنين يعرفون من هو الذي سيرأس دولتهم، ومن هو اللي سيسوس أمورهم.

إعلان

د. فيصل القاسم : طيب، لكن السؤال المطروح إذن.. كيف تنظر إلى التجارب الخليجية الأخرى؟ يعني نرى مثلاً الكويت يسيرون في الركب الديمقراطي، هنا في قطر يفكرون الآن بصياغة دستور جديد، المرأة دخلت الانتخابات، ويتحدثون عن إنشاء برلمان منتخب فعلياً، كيف تنظر إلى هذه التجارب؟ يعني كل يسير في اتجاه مختلف بالرغم من أن القاعدة الاقتصادية متشابهة.

د. عيد بن مسعود الجهني : ليست القاعدة الاقتصادية متشابهة، أيضاً الدين، والعلاقات، والحالة الاجتماعية، والحدود كلها متشابهة، ولكن -كما قلت- الإسلام.. في القرآن والسنة لم تأتي هناك تفصيل محدد لأنظمة الحكم، كل دولة تختار نظام الحكم الذي تعتقد أنه هو الأنسب لها في هذه الطريقة.

فيه نقطة مهمة-بالمناسبة-موضوع الانتخاب، موضوع الانتخابات في اختيار من يتولى مجلس شورى، أو يتولى مجلس أمة، أو برلمان في أي دولة، أنا عندي عليه تحفظ إلى حد ما، تجربة الانتخابات هذه -كما ذكرت- في أميركا أن من 18% إلى 8% الذين اختاروا، وانتخبوا (كلينتون) معنى هذا لا يمثل الشعب، لو طبقنا موضوع الانتخابات سندخل في صراع لا حدود له في الخليج، لأننا في دول مجلس التعاون الخليجي ننفرد بشيء لا يوجد في الدول العربية الأخرى..

د. فيصل القاسم [مقاطعاً] : التركيبة السكانية.

د. عيد بن مسعود الجهني [مستأنفاً] : التركيبة السكانية.. واحد، وأيضاً التركيبة القبلية.. نحن قبائل، وآل سعود عندما -على سبيل المثال- في حكمهم يراعون كل هذه الأمور، وهم أهل شوكة، وهم من أهل الحل والعقد، وفيه أمور..تجربة طويلة جداً في نظام الحكم.

فبالتالي تجد الملك عبد العزيز عندما وحد الجزيرة العربية اعتمد على أربع عناصر في تكوين ونشأة المملكة العربية السعودية، العامل الأول اللي هو العامل الديني لأنهم مسلمين، العامل الثاني : العامل التاريخي اللي هو تاريخ أسرة آل سعود في التاريخ، العامل الثالث : اللي هو العامل الاجتماعي، العامل الرابع : هو عامل القوة، استغل القوة واستعملها بالوقت المناسب، عندما يرى أن هناك حاجة لاستعمالها.

إعلان

د. فيصل القاسم : يعني هل تريد أن تقول : إن الدول التي تحاول أن تنهج نهجاً مخالفاً لذلك في دول الخليج محكومة بالفشل؟ بسبب التركيبة السكنية، والطبيعية القبلية لهذه البلدان؟

د. عيد بن مسعود الجهني : أنا بأقول : إنه موضوع الانتخابات.. له نتائج سلبية أكثر من النتائج الإيجابية، وأعطيك مثلاً : عندما حدث انتخاب ببعض الدول المجاورة، الأصوات كانت تباع كأنها في بورصة لتداول الأوراق المالية، فأنا كيف أثق بشخص سيأتي إلى هذه الانتخابات ويأخذ صوتي ويمثلني، لأنه بعد انتخابه سينقطع عني ولا أعرفه. وأضرب لك مثل بسيط، عندنا في المملكة العربية السعودية انتخاب الغرف التجارية، وهو عمل بسيط جداً، تصور أنهم يقدمون لك اشتراكاً في الغرفة التجارية مجاناً، أو رجل الأعمال يعطيك خصماً معيناً حتى تعطيه صوتك، فهذا بيع وشراء.

د. فيصل القاسم [مقاطعاً] : عملية فاسدة.

د. عيد بن مسعود الجهني [مستأنفاً] : أنا أعتقد من وجهة الأنظمة السياسية وبدراسة الأحزاب، حتى تعدد الأحزاب الحقيقة يعني حتى في موضوع الانتخاب ده نفسه سيجعل صراعاً داخلياً في الدول لا تحمد عقباه بالنسبة لدول الخليج التي تنشد الاستقرار في مستقبلها السياسي.

أما فيما يتعلق بموضوع المرأة، طبعاً موضوع المرأة أنا لا أريد أن أتحدث فيه كثيراً، ولكن الإسلام حدد مسؤوليات المرأة وهل هي تشغل القضاء، أو تشغل وزارة، أو تشغل وظيفة معينة، فاستثناها من بعض الأمور الرئيسية، فنحن لا نخالف الإسلام في هذا.

ولكن المرأة -على سبيل المثال- في المملكة العربية السعودية منها وكيلة الجامعة ومنها الطبيبة، ومنها المديرة، ومنهم العميدة، ويشكلون شريحة كبيرة في المجتمع حتى أن عدد الخريجات في المملكة العربية السعودية –دكتور فيصل- يتجاوز عدد الطلبة بـ 2%.. 52%، وعدد الطلبة في المملكة العربية السعودية الآن أربعة مليون وخمسمائة ألف، كان عندما بدأ البعثات في مكة لا يتجاوزون ألف طالب، فنحن نتكلم عن حضارة، نتكلم عن أمة، نتكلم عن..

إعلان

د. فيصل القاسم [مقاطعاً] : متكاملة.

د. عيد بن مسعود الجهني [مستأنفاً] : متكاملة، فالنظام السياسي لابد أن يكون متكاملاً.

د. فيصل القاسم : طيب، ممتاز، دكتور عيد شكراً جزيلاً.

د. عيد بن مسعود الجهني : العفو.

د. فيصل القاسم : يعطيك العافية، شكراً.

المصدر: الجزيرة