لقاء اليوم

سليم الحص .. تطورات الوضع اللبناني

عملية تحرير أرنون هل تعتبر بداية جديدة لتعامل لبنان مع قضية الجنوب المحتل؟ ما مستقبل قوات حزب الله بعد انسحاب إسرائيل من الجنوب؟ وما أسباب وجود القوات السورية في لبنان؟ وما أبرز التحديات التي تواجه حكومة سليم الحص؟.

مقدم الحلقة

جميل عازر

ضيف الحلقة

د. سليم الحص: رئيس وزراء لبنان

تاريخ الحلقة

24/03/1999

undefined
undefined

جميل عازر:

أهلاً بكم مشاهدينا الكرام، في حلقة اليوم من (لقاء اليوم) نستضيف الدكتور سليم الحص رئيس وزراء لبنان. دكتور سليم، برزت أخبار لبنان في الآونة الأخيرة من خلال عملية تحرير (أرنون) هل تنظر إلى هذه العملية كبداية جديدة لتعامل لبنان مع قضية الجنوب المحتل؟

د. سليم الحص:

إن عملية تحرير (أرنون) كانت هدفاً نعتز به. لا.. بل نقول إنه كان هدفاً تاريخياً لأول مرة يستطيع الشعب أن يحرر أرضاً محتلة بالأكف العارية، عُزَّل من السلاح.. ولا شك أن هذا تطور تاريخي يدل على إيمان الشعب اللبناني بأرضه وبوطنه وتشبثه بكرامته.. كانت اندفاعه عفوية من قبل الطلاب الذين شاركوا في تلك التظاهرة التاريخية فبورك بهم. وهذا يأتي مصداقاً لما أقول دائماً أن إسرائيل كانت لها الغلبة على العرب عندما كان العرب يواجهونها بالسلاح الذي تتفوق إسرائيل به عليهم وهو التكنولوجيا الحربية المتطورة، عندما كانت تواجه الطائرة بالطائرة والدبابة بالدبابة والمدفع بالمدفع كانت الغلبة لإسرائيل، وقد كانت الغلبة للعرب عندما قرروا مواجهتها بالسلاح الذي يتفوقون به عليها وهو الإنسان العربي، كان ذلك في حال الانتفاضة الفلسطينية، كما كان ذلك في حال المقاومة اللبنانية، سلاح الإنسان العربي هو إيمانه وثقته بنفسه ورهانه على كرامته وحقه.

جميل عازر:

طيب -دولة الرئيس- إلى ماذا تعزو الموقف الإسرائيلي -اللين نسبياً- إزاء الطلاب الذين قاموا بنزع الأسلاك الشائكة من حول أرنون؟

د. سليم الحص:

لم يكن ليناً على الإطلاق كانت هناك أسلاك شائكة وكان يُشاع أن الأرض كانت ملغمة، أو القرية ولكن الطلاب بشجاعتهم وحماسهم اقتحموا الأسلاك الشائكة ولم يأبهوا لمقولة "أن هناك ألغام على الطريق" كان هذا فعل إيمان من الشباب اللبناني.

جميل عازر:

طب هل تتوقعون عمليات مماثلة في أنحاء أخرى من جنوب لبنان؟

إعلان

د. سليم الحص:

قد يحصل أولاً يحصل ولكن ما حصل هو تاريخي.

جميل عازر:

هناك رأي -دولة الرئيس- في أن مشكلة لبنان مع إسرائيل واحتلال الجنوب لها طرفان، والطرفان هما حزب الله ودعمه من إيران، ووجود سوريا صاحبة اتخاذ القرار في لبنان ما قولك في هذا؟

د. سليم الحص:

لا شك أننا نلقى الدعم من سوريا في كل المجالات وعلى كل المستويات، وبصورة خاصة في الصمود في وجه العدوان الإسرائيلي المستمر على لبنان وشعبه، سوريا دائماً.. كانت دائماً تقف ولا تزال تقف إلى جانب لبنان في تصديه للعدوان الإسرائيلي وعلاقتنا مع إيران علاقة طيبة جداً، ولا شك أنها.. ولا شك أن إيران أيضاً تساند لبنان في تصديه للعدوان الإسرائيلي.

جميل عازر:

طيب بالنسبة لحزب الله ألا تعتقد أنه يزيد من انكشاف لبنان للإصبع الأجنبي في الشأن اللبناني ولماذا -مثلاً- لا تعمل الحكومة اللبنانية على استيعاب حزب الله وجعله ذراعاً أخرى في الدفاع اللبناني؟ هل هناك مشكلة في هذا الشأن؟!

د. سليم الحص:

ليس هناك مشكلة حقاً وإنما للحكومة اللبنانية أو للدولة اللبنانية جيشها، الذراع العسكرية للدولة اللبنانية هو الجيش اللبناني وليس أي تنظيم آخر. بالتالي لا تستطيع الدولة اللبنانية أن تراهن إلا على جيشها ولكننا حكومة وشعباً ندعم المقاومة اللبنانية باعتبار أن هذا حق مشروع لأي شعب له أرض محتلة من عدو مجاور، فنحن ندعم المقاومة، الحكومة تدعم المقاومة اللبنانية ولكنها لا تستعيض عن الجيش اللبناني بالمقاومة.

جميل عازر:

ولكن ألا تعتقد أن هناك احتمال لأن يكون حزب الله هو الذي يفرض على الدولة اللبنانية مواقف معينة يجوز أنها في غنى عنها مثلاً؟

د. سليم الحص:

حتى الآن لم يحصل ذلك، إن ما تفعله المقاومة الإسلامية إنما هو من ضمن الحق المشروع للشعب اللبناني في مقاومة الاحتلال، ونحن ندعم المقاومة في عملها هذا.

جميل عازر:

على الطرف الآخر من هذه المعادلة اللبنانية، كيف يمكنكم إقناع اللبنانيين بأن احتلال جنوب لبنان مرتبط باحتلال الجولان وخاصة أن اللبنانيين الذين يدفعون ثمن ذلك الاحتلال وجبهة الجولان هادئة جداً بينما الجنوب اللبناني تقريباً مشتعل باستمرار!!

د. سليم الحص:

نعم، الجنوب اللبناني هناك قرار يتعلق به بصورة خاصة هو القرار 425 الذي يملي على إسرائيل الانسحاب من الأرض اللبنانية بالكامل حتى الحدود المعترف بها دولياً وبدون قيد أو شرط.. صدر هذا القرار منذ 21 عاماً بعد الاجتياح الإسرائيلي الأول في عام 1978، وبعد هذه المدة الطويلة من الزمن لم يزل هذا القرار عالقاً من دون تنفيذ، فالانسحاب الإسرائيلي مطلوب من الجنوب بالكامل بموجب القرار 425، ونحن غير معنيين بمبدأ الأرض مقابل السلام الذي أقر في مؤتمر مدريد وفق القرار 242، نحن غير معنيين بالقرار 242 لأنه جاء بعد حرب 67 ولبنان لم يشترك في تلك الحرب فالانسحاب من الجنوب اللبناني حق للبنان على إسرائيل بموجب هذا القرار.

ولكن.. ولكن مسيرة التسوية أمر آخر.. فنحن ملتزمون بمسيرة التسوية، ولكن ضمن إطار وحدة المسارين اللبناني والسوري، يعني إسرائيل، نحن نطالب إسرائيل بالانسحاب فوراً من الأرض اللبنانية بموجب القرار 425، بصرف النظر عن تطورات الموقف بالنسبة للتسوية، أو محادثات التسوية.. أما التسوية فلبنان مستعد للتوقيع عليها بالتزامن مع سوريا.

إعلان

جميل عازر:

طيب لنفترض.. لنسلم جدلاً أن إسرائيل ستنسحب بموجب القرار 425 وبالشكل الذي يطالبها به لبنان. هل ستعود الأوضاع بينكم على الحدود بينكم وبين إسرائيل إلى ما كانت عليه قبل عام 78؟

د. سليم الحص:

هذا الكلام لا نريد أن نتطرق إليه..

جميل عازر:

لماذا؟

د. سليم الحص:

هذا موضوع لا نتحدث فيه، لأنه ينطوي على شروط لانسحاب إسرائيل ونحن نرفض أي شروط لانسحابها، لأن القرار 425 يفرض على إسرائيل الانسحاب من دون قيد ولا شرط.. ليست هناك شروط لا بترتيبات أمنية ولا بسلام فنتحاشى الحديث عن هذا الموضوع حتى لا يُساء تفسير ما نقول ويُفسر على أنه رضوخ لمطالبة إسرائيل بترتيبات أمنية شرطاً لانسحابها.

جميل عازر:

طب أُثيرت بعض نواحي الالتباس حول تصريحات نسبت إليك -دولة الرئيس- بشأن إعادة تفعيل أو إحياء لجنة الهدنة المشتركة بين لبنان وإسرائيل، ما حقيقة ما قلته في هذا الصدد؟!

د. سليم الحص:

لا أريد أن أردد ما قلته لأن.. لأن تفسيرات أُعطيت بهذا القول لم تكن مقصودة لما قلته، فالموقف المبدئي والثابت هو أننا على غير استعداد للبحث مع إسرائيل في أية ترتيبات أمنية أو إعطائها أي ضمانات شرطاً للانسحاب، يعني موقف لبنان الثابت هو هذا، وليس غير هذا.

جميل عازر:

طب ما هي شروطكم لانسحاب إسرائيل؟

د. سليم الحص:

لا شروط لنا لانسحاب إسرائيل، إسرائيل لم تستأذن أحداً عندما دخلت لبنان وليس لها أن تستأذن أحداً في الخروج منه فنحن نطالب إسرائيل بالخروج فوراً من لبنان وكلياً.. من دون أية محادثات ومن دون أية ترتيبات.

جميل عازر:

في حالة الانسحاب ماذا عن حزب الله؟ كيف سيكون موقفكم من حزب الله؟ هل ستكون القوات اللبنانية على استعداد للدخول وملء الفراغ في الجنوب اللبناني؟

د. سليم الحص:

هذا حديث آخر يقود إلى ترتيبات أمنية، نحن عندما نستعيد سيادتنا على أرض لبنان في الجنوب فالأمر يعود لنا لما نفعل أو لا نفعل، ولسنا على استعداد لإطلاق وعود بترتيبات أمنية أو ضمانات لإسرائيل فهذا ليس من حقها. عليها أن تنسحب وفق القرار من دون أية شروط.

جميل عازر:

هناك بعض الملاحظات والتقارير عن موقفكم من دور مجموعة مراقبة تحت مظلة "تفاهم نيسان" هل لديكم مآخذ على اللجنة؟

د. سليم الحص:

الحقيقة نحن نتمسك "بتفاهم نيسان" وبالتالي باللجنة التي انبثقت عن هذا التفاهم، قيمة اللجنة هي في وجود القوى المتمثلة فيها، من المعروف أن هذه اللجنة يتناوب على رئاستها المندوب الفرنسي والمندوب الأميركي وفي اللجنة أيضاً مندوب من سوريا وبالطبع مندوب من لبنان ومندوب من إسرائيل، قيمة هذه اللجنة هي من القوى المتمثلة فيها فهي ملاذنا الأول. كل ما وقع اعتداء على لبنان نحن نراجع هذه اللجنة، وتعمل اللجنة ما تستطيع من أجل ضبط الأوضاع وتهدئتها والحول دون مزيد من التصعيد.

بالطبع قرارات اللجنة ليست كلها على خاطرنا وعندما شعرنا بشيء من التقصير أو الخذلان لما صدر عن اللجنة في وقت سابق حاولنا اللجوء إلى مجلس الأمن الدولي.. فمن حق لبنان أن يلجأ إلى مجلس الأمن الدولي ساعة يشاء، ولجنة تفاهم نيسان يجب أن لا تكون حائلاً دون ذلك، فيبقى من حق لبنان -مع وجود لجنة تفاهم نيسان- اللجوء إلى مجلس الأمن الدولي عندما تقتضي الحاجة ولكن مرجعنا اليومي هو لجنة تفاهم نيسان.

جميل عازر:

لكن وجود هذه اللجنة حرمكم من المرجع الدولي خاصة بالنسبة لأرنون. لماذا لم تمضوا قدماً في الاقتراح اللبناني أصلاً في إحالة قضية أرنون إلى مجلس الأمن الدولي؟

د. سليم الحص:

لأ نحن كنا ماضين قدماً في الحقيقة ولكننا كُنا في طور المشاورات عندما تحررت أرنون على يد الشباب اللبناني فانتفى الموضوع، نحن كنا نقوم بمشاورات حتى نضمن النتيجة المتوخاة من مجلس الأمن الدولي عندما نصله، نحن لا مصلحة لنا باللجوء إلى مجلس الأمن الدولي إذا كانت النتيجة غير مضمونة، نحن لذلك كنا نقوم بتلك المشاورات الواسعة، مع الدول ذات العضوية الدائمة ومع المجموعة العربية وسائر الدول الصديقة توصلاً إلى مجلس الأمن الدولي بنتائج نستطيع أن نطمئن إليها.

إعلان

جميل عازر:

نظراً للدعم الكبير -المطلق تقريباً- من الولايات المتحدة لإسرائيل، هل تتفقون مع حزب الله وقول أمينه العام حسن نصر الله بأن العدو الحقيقي للبنان هو أمريكا؟

د. سليم الحص:

أولاً وأخراً أنا مسؤول في لبنان (…) وهناك علاقات نشطة بين لبنان والولايات المتحدة وليس من حقي أن أقول هذا القول ونحن نراجع الولايات المتحدة الأمريكية في جملة الدول التي نراجعها كلما وقع اعتداء على لبنان ونطلب المساعدة على لجم إسرائيل منها ومن سائر الدول التي نعود إليها.

جميل عازر:

دولة الرئيس، بالنسبة للجنوب اللبناني والمشكلة والأزمة مع إسرائيل بينكم وبين إسرائيل هل تخلى لبنان عن البعد العربي لهذه المشكلة؟

د. سليم الحص:

أبداً، منذ نشأت منذ أن نشأت قضية الجنوب ونحن نقول أن قضية الجنوب هي مسؤولية عربية مشتركة لأن مواجهة إسرائيل هي تحدٍ للعرب جميعاً. والعرب.. ولبنان في تصديه للعدوان الإسرائيلي إنما يدافع عن كرامة العرب أجمعين، فنحن نعتبر أن العرب مسؤولون عن قضيتنا في الجنوب اللبناني كما لبنان، وبالتالي نحن نطرح قضيتنا في الجنوب أنىَّ ذهبنا أنىَّ توجهنا.

أنا في جولتي العربية وفي زيارتي الأشقاء العرب أطرح هذا الموضوع من كل أبعاده وأطلب الدعم وبالتالي نحن نلقى هذا الدعم من جميع الذين نتحدث إليهم ونطلب المزيد من الدعم في كل المجالات وعلى كل المستويات.

جميل عازر:

دولة الرئيس، على الصعيد الداخلي وقد مرت 100 يوم أو أكثر منذ تعيينكم رئيساً للوزراء، ما هي أصعب التحديات التي واجهتموها خلال هذه الفترة؟

د. سليم الحص:

هناك صعوبات كثيرة -الحقيقة- لأن التركة التي ورثناها ثقيلة على كل الصعد، بالطبع أول التحديات التي واجهناها كان تحدي الإصلاح الإداري، وقد باشرناه من بابه الواسع، في الوقت نفسه عكفنا على وضع موازنة للعام 1999، كان يجب أن تكون هذه الموازنة جاهزة عندما تسلمنا الحكم في ديسمبر 98، لأن الدستور اللبناني يملى على الحكومة -أية حكومة- أن تقدم مشروع الموازنة إلى مجلس النواب في بدء الدورة، دورة أكتوبر من كل سنة عن السنة المقبلة ونحن تسلمنا الحكم في ديسمبر، ولم يكن هناك موازنة جاهزة وبالتالي كان علينا أن نعكف على وضع مشروع موازنة للعام 99 وقد استغرقت منا وقتاً طويلاً وتطلبت منا جهداً كبيراً وشغلتنا من حيث كان يجب أن لا تشغلنا.

فوضع مشروع الموازنة مسؤولية كبيرة -بصورة خاصة- لأن هذه الموازنة يجب أن تتصدى لقضايا مالية كبيرة تواجه لبنان في المرحلة الحاضرة ويجب أن تعكس سياسة الحكومة المالية في السنوات المقبلة، كان هذان الموضوعان هما التحديان.. التحديين الأكبرين اللذين حاولنا التصدي لهما خلال الأشهر الأولى من عمر حكومتنا.. بالإضافة بالطبع إلى هموم الجنوب بالإضافة إلى هموم الجنوب التي كانت تشغلنا في كل الأوقات.

جميل عازر:

مشروع الموازنة أو الموازنة التي أشرت إليها يقال إنها ستشتمل على عجز بحدود 40% هل هناك وسائل لسد هذا العجز، كيف ترتأون ذلك؟

د. سليم الحص:

لا يمكن معالجة موضوع العجز كلياً بين ليلة وضحاها أو خلال سنة أو حتى سنتين، فمعالجة العجز يقتضي فترة من الزمن قد تمتد إلى خمس سنوات قبل أن يصبح العجز تحت السيطرة الفعلية، 40% ليس ليس رقماً نهائياً، نحن لم ننجز الموازنة بعد، مشروع الموازنة بعد، وقد شارفنا على إنجازها وسنحيلها إلى مجلس الوزراء في وقت قريب ومن ثم إلى مجلس النواب عليه، بصدد الرقم الذي ذكرت فهو ليس رقماً نهائياً بعد، أود أن أذكر بأن عجز الموازنة الرسمي في عام 1998 في السنة الماضية كان 43% وهذا دون اعتبار النفقات التي تمت عن عام 1998 خلال الفترة المتممة في 99 فإذا شملنا هذه النفقات وهي من نفقات من صلب نفقات 1998 لأصبح العجز 46% وهذا دون اعتبار النفقات المعقودة والتي لم تدفع من قبل الحكومات السابقة. هناك مستحقات متراكمة من عهود الحكومات السابقة تبلغ نحو 1400 إلى 1500 مليار ليرة لبنانية، فلو وهذه الأرقام غير مشمولة برقم الدين العام ولا هي مشمولة في تقديرات العجز عن السنة الفائتة، فلو شملناها -وهي نفقات طبيعية- لكان العجز أكبر بكثير مما ذكرنا، فإذا استطعنا أن نخفض العجز في السنة المقبلة إلى 40% من النفقات، فسيكون ذلك تقدماً.

جميل عازر:

دكتور سليم، كيف تصفون علاقاتكم بالرئيس لحود وكذلك برئيس مجلس النواب السيد نبيه بري؟ هل في العهد الجديد اختفت "الترويكا"؟

إعلان

د. سليم الحص:

"الترويكا" اختفت كلياً، وأتستطيع القول أنها أصبحت أثراً بعد عين، لا وجود لشيء اسمه "ترويكا" الحكم منذ أن قامت هذه الحكومة، لم يعد هناك شيء اسمه "ترويكا الحكم" بمعنى أن فكرة المحاصصة والتقاسم زالت كلياً من سياسة وتوجهات الحكومة ولكن هذا لا يعني أن العلاقات ليست طيبة، العلاقات بين الرؤساء الثلاثة -إن صح التعبير- طيبة جداً، أقول إن صح التعبير إن فيه رؤساء ثلاثة فهناك رئيس اسمه رئيس جمهورية ورئيس مجلس نواب ورئيس وزراء، العلاقة بينهم على أحسن ما يرام، إنها طيبة جداً لا تشوبها شائبة.

جميل عازر:

اختفاء "الترويكا" لا يتعارض مع اتفاق الطائف مثلاً والمحاصصة وغير ذلك؟

د. سليم الحص:

أنا أعتقد أن وجود الترويكا كان يتعارض مع اتفاق الطائف لأنه. لأن الطائف ترجم إلى.. اتفاق الطائف ترجم إلى نصوص دستورية، وترويكا الحكم.. صيغة" ترويكا الحكم" كانت تتنافى مع نص دستوري صريح يقضي بالفصل بين السلطات، وترويكا الحكم كانت تتجاوز حدود الفصل بين السلطات، كانت تتجاوز حدود الفصل بين السلطات تمزج بينها، وجود ترويكا الحكم كان مخالف للدستور اللبناني وبالتالي مخالف لاتفاق الطائف، لا بل أعتقد أكثر من ذلك، أن صيغة "ترويكا الحكم" كانت صيغة لا ديمقراطية، لأن الرؤساء اختصروا المؤسسات التي يرأسون في شخصهم بموجب ترويكا الحكم، بموجب صيغة "ترويكا الحكم" وهذا من شأنه تعطيل عمل المؤسسات وبصورة خاصة السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية، فكانت ظاهرة غير ديمقراطية، لا دستورية ولا ديمقراطية ثم أنها مسخت -صيغة ترويكا الحكم- مسخت الحكم إلى صيغة محاصصة وتقاسم وهذا مُضر بصورة الدولة وبسلطاتها.

جميل عازر:

دولة الرئيس -بعيداً عن المجاملة- لقد أشيد بنزاهتك وصراحتك وجرأتك خاصة وأنت في السلطة في واحدة من أحلك فترات تاريخ لبنان، الآن عدت إلى السلطة، ولكنك كما يقال -بكل صراحة- متهم بملاحقة العهد السابق، ماذا تقول وترد على ذلك؟!

د. سليم الحص:

أبداً، نحن لا نجعل همنا فتح ملفات العهد السابق. هذا ليس همنا على الإطلاق. همنا هو العمل من أجل الحاضر والمستقبل وليس نبش الماضي، ولكن مسئوليتنا تملي علينا أيضاً عندما تقع بين أيدينا قضية معينة أن نلاحقها حتى النهاية، والملفات المفتوحة هي ملفات فتحها القضاء اللبناني وهو مستقل عن السلطة التنفيذية، هذا القضاء اللبناني فتحها، ونحن عندما تتوفر لنا معلومات أو وثائق تتعلق بتلك القضايا المفتوحة فواجبنا يملي علينا أن نحيلها إلى القضاء لخدمة العدالة، فنحن لن نجعل همنا نبش الماضي أو فتح ملفات الماضي، لكننا سنلاحق أية قضية تقع يدنا عليها في سياق عملنا المعتاد منها؟

جميل عازر:

طيب في حالة ملفات مثلاً كملف النفط، الآثار، إهدار أموال الدولة، لنفترض أن التحقيقات أدت إلى الوصول إلى شخصيات من العهد السابق، لنفرض أنها تطال مسؤولين كبار في العهد السابق ما الذي سيكون عليه موقفكم؟

د. سليم الحص:

هذا شأن القضاء كلياً، لا علاقة لنا به ونحن نشجع القضاء -صراحة- على المضي قدماً حتى النهاية في ملاحقة هذه القضايا، دون اعتبار لأي عامل آخر، نحن نتمنى على القضاء ونحضه على متابعة هذه العملية حتى النهاية، بصرف النظر عن مَنْ تتناول.

جميل عازر:

مثال على ذلك شاهي برسوميان في ملف النفط، وكان أحد الوزراء السابقين

د. سليم الحص:

نعم.. أيه.. نعم.

جميل عازر:

هل مازال العماد ميشيل عون يشكل هاجساً لكم في لبنان؟

د. سليم الحص:

أبداً.. أبداً لا يشكل أي هاجس على الإطلاق، ميشيل عون بالنسبة لنا مواطن لبناني.

جميل عازر:

مجرد مواطن؟! عادي؟!

د. سليم الحص:

لأ مواطن لبناني له مكانته ما في شك.

جميل عازر:

إذن، ماذا عن توقيف الطلاب الذين وزعوا منشورات، وكانت تدعو بما يدعو إليه العماد ميشيل عون وهو انسحاب الجيوش الأجنبية من الأراضي اللبنانية مما يعني أيضاً انسحاب السوريين؟

د. سليم الحص:

يعني الجميع تحت القانون، أياً كانت انتماءاتهم، بصرف النظر عن انتماءاتهم السياسية الجميع تحت القانون، رئيس الجمهورية قال أنه شخصياً تحت القانون فمن المفترض أن يكون الجميع تحت سقف القانون، والقضية قضية قانونية يتعاطاها القضاء، لا علاقة للسلطة السياسية بها، فسؤال يتعلق بالشبان من ذوي انتماء سياسي معين، ولكن قد يكون هناك إجراءات مماثلة طاولت طلاب من انتماءات مختلفة.

جميل عازر:

ولكن -دولة الرئيس- السلطة هي التي تحدد النطاق أو مستوى الحريات الفردية في البلد أليس كذلك؟!

د. سليم الحص:

نعم.

جميل عازر:

وكان هؤلاء الطلاب يعبرون عن وجهة نظر وعن رأي، ما مدى الحريات الفردية في لبنان؟

د. سليم الحص:

الحريات.. نحن نعتز في لبنان بأن الحريات مصانة، الحريات العامة مصانة إلى أبعد الحدود، والشبان الذين تحدثت عنهم أطلق سراحهم.

جميل عازر:

بالنسبة للوجود السوري -واسمح لي- إذا عدت إلى هذا الموضوع، هناك لابد من اللبنانيين الذين يقولون: هل يمكن أن تطرأ ظروف بالنسبة للبنان، حيث لا يوجد سبب وجيه لبقاء القوات السورية في داخل لبنان؟

د. سليم الحص:

بالطبع.

جميل عازر:

متى؟ وكيف؟

د. سليم الحص:

الوجود السوري في لبنان رهن بقرار من السلطة اللبنانية المركزية، ولنذكر جميعاً أن الجيش السوري دخل أو ما دخل بقرار من رئيس الجمهورية والحكومة اللبناني آنذاك في عام 1976، ثم انضوى الجيش السوري في لبنان تحت لواء قوات الردع العربية بقرار من القمة العربية في القاهرة عام 1976 وكان يشارك في هذه القمة رئيس لبنان المغفور له إلياس سركيس ورئيس سوريا بالطبع وسائر القادة العرب، فكان بقرار من السلطة اللبنانية، الوجود السوري في لبنان أساساً وجد بقرار من السلطة اللبنانية، وكانت قوات الردع العربية يجدد لها من قبل جامعة الدول العربية بقرار من السلطة اللبنانية، وأستطيع أن أؤكد لك اليوم أن بقاء القوات العربية السورية في لبنان اليوم هو بقرار من السلطة اللبنانية، عندما تتخذ السلطة اللبنانية، المركزية قراراً بإنهاء مهمات قوات الردع العربية فسيكون بذلك قرار من السلطة والأخوة السوريين لا شك أنهم يوافقون على ذلك. بالطبع ممكن أن يأتي يوم يكون فيه تنتفي فيه الحاجة إلى وجود القوات العربية السورية في لبنان وفي تلك الحالة يتفق يتخذ ذلك القرار بالاتفاق مع الأخوة السوريين.

جميل عازر:

إذن أنت تقول أن وجود القوات السورية ليس لمقتضيات المصلحة اللبنانية وإنما -ليس لمقتضيات المصلحة السورية- أعني إنما لمقتضيات المصلحة اللبنانية.

د. سليم الحص:

بالطبع، وجودهم يعبر عن حاجة لبنانية وعندما تنتفي هذه الحاجة فإن السلطة اللبنانية المركزية يجب أن تتخذ قراراً بذلك بالاتفاق مع الأشقاء السوريين.

جميل عازر:

طب على صعيد المعاوضة الداخلية مثلاً على رأسها رفيق الحريري رئيس الوزراء السابق، وكذلك هناك وليد جنبلاط، يقال إن الحريري على استعداد أن يمد جسور التعاون معكم، هل ترتأي له دوراً في السلطة معكم؟ ربما لامتصاص جانب كبير من شأفة المعارضة الداخلية؟

د. سليم الحص:

نحن أيضاً نفتح يدنا، نمد يدنا للجميع وبصورة خاصة للرئيس الحريري ونحن نرحب بأي تعاون نلقاه من كل القيادات اللبنانية، أما المعارضة فأنا كنت في صف المعارضة قبل أن أتولى رئاسة الحكومة، وأؤمن بأن المعارضة ضرورة ديمقراطية، لا وجود للديمقراطية إن لم يكن هناك معارضة. ففي كل بلدان العالم الديمقراطي الأكثر تقدماً هناك حزبان أو أكثر تعمل في السياسة، حزب في الحكم وحزب في المعارضة، والأنظمة التي كانت تقوم على حزب على حكم الحزب الواحد، مثل ما كان -مثلاً- الاتحاد السوفيتي- كان حكم الحزب الواحد. فهذا ليس من الديمقراطية في شيء، فوجود المعارضة هو المحك الحقيقي لوجود أو عدم وجود ديمقراطية في البلد، فلذلك أقول إن المعارضة ضرورة ديمقراطية ونحن نشجعها، ونعترف بوجودها ونتمنى أن تبقى ولكن نتمنى أن تبقى في حدود المعارضة البناءة.

جميل عازر:

هل تتوقع تعديلات في مجلس الوزراء من الآن، بين الآن وموعد الانتخابات القادمة مثلاً؟

د. سليم الحص:

ليس هناك أي حديث من هذا النوع على الإطلاق، لا حديث داخل الحكم حول تعديل الحكومة أو توسيعها أو ما شاكل ذلك.

جميل عازر:

دولة الرئيس ما هي أولوياتكم الآن؟

د. سليم الحص:

التصدي لـ.. يعني.. بأحب أقول إن نحن مستمرون في عملية الإنماء والإعمار وقد طلبنا من مجلس الإنماء والإعمار أن يضع لنا مشروع خطة مرحلية، قد تكون لثلاث سنوات وقد تكون لخمس سنوات. تراعى أولويات محددة في مقدمها الشأن الاجتماعي وتنمية المناطق الأقل تطوراً في لبنان، وتنمية القطاعات الإنتاجية ولاسيما منها الصناعية والزراعية، مع التأكيد –في كل الأوقات- على ضرورة إنجاز كل المشاريع التي بوشر بتنفيذها سابقاً –بصرف النظر عن رأينا فيها- فهذه هي أولوياتنا.

ونحن نرى أن شاغلنا في هذه المرحلة هو ضغط عجز الموازنة إلى أكبر حد ممكن إلى أبعد حد ممكن، وبالتالي معالجة الأزمة المعيشية في البلاد، لأن هناك أزمة معيشية خانقة، بدأت منذ بضع سنوات، القول بأن الأزمة حصلت في عهد حكومتنا قول مغلوط وخاطئ. نحن كنا نشكو من الجمود الاقتصادي والركود الاقتصادي منذ بضع سنوات ومازال هذا الركود يسيطر على الاقتصاد الوطني اللبناني، ولذلك أسباب عديدة منها عجز الموازنة نفسه لأن عجز الموازنة يضطر الحكومة إلى الاستدانة من السوق وبالتالي رفع معدلات الفائدة في السوق، ومعدلات الفائدة المرتفعة كما هو معروف في الاقتصاد هي كابح للنشاط الاقتصادي العام، وبالتالي سبب للركود الاقتصادي المسيطر في البلاد، ثم أن هناك خلالاً في بنية الاقتصاد اللبناني نشأت خلال الأحداث الوطنية الكبرى عبر 15 عاماً، ومازالت آثارها ماثلة في الاقتصاد الوطني اللبناني.

زد على كل ذلك أن لبنان يتأثر مباشرة بالأوضاع في المنطقة العربية، والمنطقة العربية تعاني من تراجع في النشاط الاقتصادي بسبب الاستنزاف الذي تعرضت له بعض الدول العربية من جراء الأزمات الخليجية المتكررة، الاستنزاف اللي طرأ بسبب الأزمات الخليجية المتكررة، أو من جراء هبوط أسعار النفط على الشكل الحاد اللي شاهدناه، ولبنان بالطبع يتأثر بالأوضاع في البلاد العربية وبالتالي هذا سبب أضاف للركود الاقتصادي الذي يعاني منه لبنان.

جميل عازر:

هناك تخوف داخلي في لبنان من أن محاولة الحكومة لسد العجز في الميزانية -كما أشرت- قد يعتمد على فرض ضرائب أو ربما زيادة أسعار البنزين.. إلخ.. أليس هذا سيزيد من معاناة المواطنين؟

د. سليم الحص:

عجز الموازنة هو في مقدم أولوياتنا ولأسباب معروفة، لأن عجز الموازنة يشكل قضية كبرى في هذه المرحلة إن لم نتجاوزها فسيكون.. فسوف تتفاقم في المستقبل، فلابد من معالجة المشكلة في أقرب ما يمكن، ومعالجة هذه المشكلة لا تكون إلا بضغط النفقات قدر الإمكان، ونحن نسير في هذه الطريق، عن طريق ترشيد الإنفاق وتعزيز الموارد موارد الدولة، وتعزيز موارد الدولة يتم إما عن طريق توسيع قاعدة المكلفين أو عن طريق زيادة أو تعديل الضرائب والرسوم بما يؤدي إلى تعزيز الموارد ونحن بالطبع نبحث في هذا الموضوع.

جميل عازر:

دولة الرئيس، عندما تنظر إلى منطقة الشرق الأوسط والمسرح العربي بما فيه من انقسامات وما يواجهه من مخاطر تهدد بعض الكيانات العربية، هل يبق لديك ما يبعث على الأمل والتفاؤل للمستقبل؟!

د. سليم الحص:

طبعاً، الأمل معقود على تجاوز حالة الشرذمة التي تعاني منها الأمة العربية والعودة إلى أجواء التضامن بين العرب، ومن ثم الخوض في مشاريع عربية مشتركة تجعل من الأمة العربية كتلة واحدة وبصورة خاصة على الصعيد الاقتصادي، نحن نراهن على هذا الشيء وأعتبر أنه قدر لا مفر منه، على العرب أن يسيروا في هذا الخط، خط تجاوز حالة الشرذمة التي تواجههم اليوم، وإحياء أجواء التضامن فيما بينهم والسير في طريق تنفيذ أو تحقيق مشاريع لجعل العرب كتلة واحد وللسيما على الصعيد الاقتصادي من خلال إنشاء ما يسمى بالسوق العربية المشتركة أو المنطقة العربية الحرة.

جميل عازر:

دكتور سليم الحص، بهذه النبرة المتفائلة نأتي إلى ختام هذا اللقاء وشكراً جزيلاً لك.

د. سليم الحص:

شكراً، شكراً الله يبارك فيك.

المصدر: الجزيرة