سعد الدين إبراهيم .. تزوير البطاقات الانتخابية في مصر
مقدم الحلقة | حسين عبد الغني |
ضيف الحلقة | سعد الدين إبراهيم أستاذ بالجامعة الأمريكية ورئيس مركز ابن خلدون |
تاريخ الحلقة | 17/08/2000 |
![]() |
![]() |
حسين عبد الغني:
دكتور (سعد الدين إبراهيم) بعد الإفراج عنك، يقول البعض: لماذا يتورط مركز أكاديمي وشخصية أكاديمية معروفة مثل الدكتور (سعد الدين إبراهيم) في تزوير ما يقرب من أربعة عشر ألف بطاقة انتخابية لمواطنين مصريين، ويقدمها إلى جهة أجنبية هي الاتحاد الأوروبي للحصول على منحة مالية تحت ذريعة أو بند المشاركة الانتخابية وزيادة الوعي الديمقراطي في مصر؟
د. سعد الدين إبراهيم:
ثبت أن كل ده كلام غير دقيق ويجافيه الصواب من أوله إلى آخره.. هذا الجزء الأول من السؤال، الواقعة التي تحكي عنها قيلت، قرأنا عنها في الصحف، وحققت فيها النيابة، لم تجد أن هذه التهمة تستحق أن توجه لي رسميًّا، رغم أنه -طبعًا- أي شيء يذهب للنيابة لابد أن تحقق فيه كجهة مسؤولة عما يصلها من بلاغات، وصلها بلاغات بهذا المعنى، ولكن اتضح أنها بلاغات كاذبة..
حسين عبد الغني [مقاطعًا]:
دكتور، حضرتك أشرت قبل كده أن هذا التحقيق مازال مفتوحًا، يعني لا نستطيع أن نقول: إن النيابة حسمت الأمر.
د. سعد الدين إبراهيم:
لا.. لا.. على الأقل إلى الآن لم يوجه هذا الاتهام، وجه في الصحافة -وخاصة الصحافة الصفراء- ولم يوجه إلى الآن بعد ستة أسابيع أو سبعة أسابيع، لم يوجه إلى الآن أي اتهام لا لمركز (ابن خلدون) ولا لرئيس مجلس أمناء مركز (ابن خلدون).
حسين عبد الغني:
دكتور سعد، ألم يحدث أن النيابة واجهتكم في التحقيقات بأن هناك أوراق انتخابية تخص بطاقات تم تزويرها عن طريق المركز وأن هذه الأوراق تم..؟
د. سعد الدين إبراهيم [مقاطعًا]:
أنا لم أرَ بطاقة واحدة مزورة، لأنه حتزور بطاقة إيه.. عندنا انتخابات النهار ده؟ حد بياخد بطاقات انتخابات قبل الانتخابات ولا بتاخدها لما بتدخل مركز التصويت؟! الذي يتحدثون عنه هو بطاقات تسجيل المواطنين لكي يستطيعوا أن يدلوا بأصواتهم، حتى هذه الدقة في شرح الموضوع، لم تتطوع بها الصحافة الغوغائية الصفراء..
حسين عبد الغني [مقاطعًا]:
نعم، بس احنا كنا نفهم من البداية أن المقصود بها هي بطاقة تسجيل الناخب التي تتيح له حق الاقتراع، طب هذه الاتهامات التي وجهت إليك من النيابة، ألم تكن هناك أي أحراز أو أي أشياء رسمية عثر عليها تؤكد هذه الاتهامات؟
د. سعد الدين إبراهيم:
لم أرَ واحدا، لم تواجهني النيابة، أطلعتني على بعض أوراق في ادعاءات بتهم أخرى، إنما في هذه التهمة بالذات، لم أرَ ورقة واحدة.
حسين عبد الغني:
ألم توجد في منزلك وتم العثور عليها، مجموعة من الأكياس فيها هذه بطاقات تسجيل الاقتراع؟ وأنك ألقيت باللوم على هؤلاء الشباب الموجودين بالمركز أنهم ربما قاموا بالتزوير..
د. سعد الدين إبراهيم:
لا.. لا.. أنا لم أقل إنهم قاموا بالتزوير لأنني أنا لم أرَ التزوير، لم أرَ بطاقة، إنما فيه آه أكياس فيها أوراق..
حسين عبد الغني [مقاطعًا]:
بمنزلك؟
د. سعد الدين إبراهيم:
بمنزلي آه، أحضرها، لم أطلع عليها، يعني أحد العاملين، مش مركز ابن خلدون -وهذه برده عدم الدقة- في هيئة أخرى اسمها هيئة "دعم الناخبات" لا علاقة لها بمركز ابن خلدون، لا توجد عليها حراسة، شعرت هذه المسؤولة، مسؤولة إدارية في هيئة دعم الناخبات أن هذه الأوراق أوراق مهمة ومسؤوليتها، ولا يوجد في المكتب حراسة وخافت عليها، وتوسلت إلي أن تحتفظ بها في منزلي، ولأن البنت شويه طيبة أو ساذجة إن لم نقل أكثر من ذلك، وكانت في حالة هلع في أن هذه الأوراق قد تفقد وهي مسؤوليتها فتوسلت إلي أن أحتفظ بها في بدروم في منزلي، فأتت بها قبل القبض عليَّ بيومين في أكياس، ووضعتها في مكان ما في بدروم في الدور السفلي للمنزل. ولذلك حينما أتت النيابة أو أتى أمن الدولة ذهب إلى هذه الغرفة فورًا، مما يدل على أنه كان هناك -ربما- مخطط لزرع هذه الأكياس في منزلي.
حسين عبد الغني:
ألا تعتبر نفسك مسؤولاً -بأي صورة من الصور- عن هذه الأوراق التي وجدت بمنزلك؟
د. سعد الدين إبراهيم:
لا.. مسؤول أننا قبلت مساعدة هذه الفتاة التي كانت في حالة هلع أن تضيع منها المستندات.
حسين عبد الغني:
هذه السيدة -دكتور سعد- هي نفسها اتهمتك بأنها كانت تضع أموالاً في حسابك الشخصي بتعليمات..
د. سعد الدين إبراهيم [مقاطعًا]:
أنت دي الوقت تنقلني إلى موضوع تاني، موضوع يخص مركز ابن خلدون، وموضوع هذا (الديسك) Desk الذي كان من أوراق البورصة أو إلى آخره، أنا أيضًا لم أطلع على هذا الديسك، لم أره، لم تواجهني به النيابة، سمعت عنه من الصحف كما سمعت أنت عنه، من الذي قام بذلك؟ إلى الآن لا أعرف اسمه ولم أره، واحتمال كبير أنه قد يكون قد زرع أيضًا في المركز، زي ما فعلت هذه الفتاة في منزلي فعلت نفس الجهات ده في مركز ابن خلدون، مركز ابن خلدون مفتوح، ولعلك أتيت إلى مركز ابن خلدون يدخله القاصي والداني، ولأننا ليس لدينا ما نخفيه أو نخافه فالمكان فعلاً مفتوح، يعني ممكن أي واحد ييجي ويضع فيه شيء، وتيجي بعد كده المباحث، وتدور على أي.. تكون عارفة طبعًا أو أي جهات تحقيق وتأخذ ال.. إنما اتضح طبعًا، الراجل اللي جاب هذا (الديسك) من البورصة، حينما سألته المباحث: هل تعرف فلان؟ قال: لا أعرفه، ولم أره ولم أتحدث إليه.
حسين عبد الغني:
لكن حتى في النهاية، حتى لو كان الذي قام بذلك أفراد عاملون في المركز، فحضرتك المشرف على المركز والمسؤول عنه، يعني أنت مسؤول مسؤولية كاملة، حتى لو تمت هذه المسألة في حدود علم بسيطة أو بدون علم، يعني حضرتك..
د. سعد الدين إبراهيم:
يا حسين ما تخلنيش بقه يعني أنتقدك في البرنامج..
حسين عبد الغني [مقاطعًا]:
لا.. احنا ده حوار مفتوح، انتقدني.
د. سعد الدين إبراهيم:
لا، في وزارة التربية والتعليم، في نفس الشهر الذي قُبض عليَّ فيه، قام عدد من المسؤولين الكبار على مستوى مدير عام لوزير التربية والتعليم بتهريب امتحانات الثانوية العامة، فهل الدكتور (حسين كامل بهاء الدين) وزير التربية والتعليم المصري مسؤول عما فعله هذا المدير؟ لا، هو مسؤول في أنه حينما اكتشف حقق في الموضوع.
حسين عبد الغني:
يعني هل تريد سيادتك أنك لم تكتشف أي شيء عن هذا الموضوع نهائيا؟
د. سعد الدين إبراهيم:
طبعا.. الله!! هل تهزل أنت؟! هل أنا أعرف ذلك، أنا اللي قاعد أحارب التزوير في الانتخابات، حأعمل تزوير في مركز ابن خلدون؟ ولماذا؟!
حسين عبد الغني:
هناك بعض الناس في مركز (ابن خلدون) في التحقيقات قالوا: إن هناك فسادًا ماليًّا في المركز، وأنك كنت تطلب منهم التوقيع على شيكين في كل معاملات مالية كانت تتم: أحدهما بقيمة حقيقية، وأحدهما بقيمة أكبر كثيرًا، لإعطاء انطباع للجهات المانحة للمعونات أو المنح للأبحاث في المركز بأن يتم تسديد خانات الصرف بشكل سري، ما رأيك؟
د. سعد الدين إبراهيم:
لا.. قيل هذا، وليست مسألة رأي، قيل هذا وهو غير صحيح، وهؤلاء الأولاد لأنهم يبدو أن بعضهم فعلاً انحرف، وبدأ يدرك أنه متورط، فأراد أن يورط آخرين من زملائه، أو أراد أن يسند المسؤولية لرئيس المركز، أولاً أنا بيني وبين هؤلاء الأولاد فيه ثلاثة أربعة مستويات للضبط، للمراقبة، للتدقيق إلى آخره..
حسين عبد الغني [مقاطعًا]:
اتضح أنها فشلت كلها -يا دكتور- في ضبطهم ومنعهم من الانحراف.
د. سعد الدين إبراهيم:
أفندم؟
حسين عبد الغني:
واضح أنها فشلت كلها من منعهم من الانحراف..
د. سعد الدين إبراهيم [مقاطعًا]:
لا. لا. ليس صحيحًا، هذا ما تقوله أنت، وأنت لم تطلع على شيء، ولم ترَ شيء، إنما واضح أن كل معلوماتك..
حسين عبد الغني [مقاطعًا]:
حضرتك قلت الآن: إنهم انحرفوا فعلاً.
د. سعد الدين إبراهيم:
لا.. ما قلتش كده، أنا قلت يبدو، شوف أنا أختار كلماتي بدقة شديدة، يبدو حينما أحسوا أن بعض انحرافاتهم -والكل طبعًا هم مش ملائكة- أنا لا أستخدم في هذا المركز مجموعة من الملائكة، أنا عندي في المركز عشرين واحد يشتغلوا، اللي بتتكلم عنهم دول اثنين فقط من عشرين.
حسين عبد الغني:
ألم تؤيد -يا دكتور سعد- في بيان صدر بالتعاون مع الهيئات القبطية في الخارج أن هناك اضطهادًا للأقباط في مصر؟
د. سعد الدين إبراهيم:
هل عندك هذا البيان؟
حسين عبد الغني:
ألم تقل في ندوة أقيمت بالكاتدرائية: إن مصدر التوتر الحقيقي في المجتمع سببه النص الموجود في الدستور المصري، وهو أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع؟
د. سعد الدين إبراهيم:
هل لديك هذا الاقتباس؟
حسين عبد الغني:
أنا أسألك يا دكتور، هذا كلام أثير في التحقيقات.
د. سعد الدين إبراهيم:
لا، لم يثر هذا في التحقيقات، مين قال كده؟! هل تفتكر أن النيابة حققت في هذا الموضوع؟ لا.. إطلاقًا، هذا هو التضليل الذي أحيانًا بحسن نية..
حسين عبد الغني [مقاطعًا]:
دعنا نتفق أنا أطرح الأسئلة، وحضرتك تجيب عليها، وصحح الأسئلة -أيضًا- كما تريد، يعني أرجو أن يكون صدرك واسعًا لأن ده مسألة..
د. سعد الدين إبراهيم:
أنا صدري واسع جدًّا، هو أنت حتقول أكثر من اللي قالوه هؤلاء الغوغاء في الصحافة الصفراء؟
حسين عبد الغني:
ولم تقل: إن هناك اضطهادًا مستمرًا للأقباط؟
د. سعد الدين إبراهيم:
لا.. لم أقل هذا، إنما فيه تفرقة في المعاملة في بعض المسائل: مثل بناء دور العبادة، أنت حينما تبني مسجدًا لا تحتاج إلى تصريح، حينما تبني كنيسة تحتاج إلى تصريح، الأقباط مواطنون مصريون، هل تعلم ذلك أو لا تعلم؟
حسين عبد الغني:
لكن هناك أيضًا حتى المساجد تحتاج إلى ترخيص، وهناك قيود عليها.
د. سعد الدين إبراهيم:
يا أستاذ حسين، أنت تعرف أن هناك نصوص معينة خاصة ببناء المساجد، تختلف عن النصوص الخاصة ببناء الكنائس؟
حسين عبد الغني:
نعم.
د. سعد الدين إبراهيم:
طيب، لما تقول في ده واقعة، يعني فيه لوائح، قوانين.. فعلاً أنت تقول هذا، إنما النص اللي أنت خاص بالشريعة الإسلامية أنا لم أقله، ولم يوجد في أي محاضرة، وتحديت كثيرين أنهم يقولوا لي فين المحاضرة؟ قالوا: محاضرة مسجلة ومنشورة.
حسين عبد الغني:
هذه الأبحاث التي يقول البعض..
د. سعد الدين إبراهيم:
اثنين: لا، أوقفك أنت، أصل أنت كمان تكلمت عن هذا الموضوع، كما لو كان هذا الموضوع الوحيد الذي يشغل ابن خلدون، ده موضوع من 16 موضوع يقوم بها مركز (ابن خلدون):
هل تعلم أننا نقوم بدراسات عن الأحزاب السياسية العربية؟
هل تعلم أننا نقوم بدراسات عن التحول الديمقراطي في العالم العربي؟
هل تعلم أننا نقوم بدراسات عن المرأة؟
هل تعلم أننا نقوم بدراسات عن الحركات الاجتماعية والسياسية؟
هل تعلم أننا نقوم بدراسات عن السياسات السكانية؟
لكن أصحاب الغرض وأصحاب الهوى يأخذون –حتى لو هي القضية حساسة، حتى ولو هي القضية هذه فقط- ما العيب؟ العالم العربي يحتاج إلى من يعالج المسائل الحساسة بطريقة علمية موضوعية، ماذا يفعل عالم الاجتماع إذا لم يتعرض لهذه القضايا الحساسة؟ هل يتركها لأنصاف المتعلمين، وللصحفيين السطحيين الغوغاء، أو يتركها للسياسيين الانتهازيين اللي دخلونا في متاهات، وخلوا هذه القضايا تكلف الوطن العربي: 2.5 مليون قتيل و6 مليون نازح و3 تريليون دولار في الخمسين سنة الأخيرة؟
حسين عبد الغني:
تتعرض لها يا دكتور، لكن لا تكون الشغل الشاغل بحيث تكون أداة للضغط على القرار السياسي للحكومات، أسألك يا دكتور لماذا التعاون..
د. سعد الدين إبراهيم [مقاطعًا]:
لا.. لن أترك هذه النقطة لأنك ألححت عليها، هل هو ده الموضوع؟ قلت لك: واحد من ثلاثين موضوع، ومع ذلك أنت تعيد الكرة، وتقول: لماذا هذا الموضوع؟ وقلت لك الأسباب، وده يمثل ضغط على مين؟ الضغط على مين يا حسين؟ أنت قلت يضغط على مين؟ صاحب القرار؟ من صاحب القرار؟ من هو صاحب القرار الذي ضغطنا عليه بهذا؟
أنت تنير الرأي العام، ولصاحب القرار أن يأخذ ما يأخذه، إنما على الأقل تقدم وجهة نظر أخرى، هو يأتيه وجهات نظر من أجهزته، وأنت تقدم وجهة نظر مستقلة، زي الصحافة بالضبط، زي ما أنت بتعمل ده الوقت.
حسين عبد الغني:
دكتور سعد، هل من المقبول أن يكون التعاون مع مراكز الأبحاث الإسرائيلية، مع جامعة (حيفا) الإسرائيلية المعروف أنها مرتبطة بالمؤسسة الإسرائيلية سواء العسكرية أو المخابراتية.. هل من الممكن أن يكون وسيلة لخدمة المواطن العربي؟
د. سعد الدين إبراهيم:
أنت تفترض أنو فيه تعاون، يعني أنا مش ضد التعاون مع أي أحد، إذا كان التعاون شروطه واضحة وموجود، إنما أنت تفترض هذا التعاون.. أنت شفت شيء يدلك أنو فيه تعاون بين مركز ابن خلدون وجامعة حيفا؟
حسين عبد الغني:
يعني أنت تريد أن تقول: إنك ليست لك أي صلة على مستوى البحث للمركز بجامعة حيفا، أو بأي مركز بحثي إسرائيلي؟
د. سعد الدين إبراهيم:
لا طبعًا.
حسين عبد الغني:
ليست هناك؟
د. سعد الدين إبراهيم:
طبعًا، وأنا أنتهز هذه الفرصة عشان مش بس أصححها، إنما عشان نرد كمان على الأقاويل والعنعنات، أنا أولاً من حيث المبدأ لست ضد التعاون مع أي مركز بحث في العالم كله، ما دامت الشروط واضحة، وما دامت هناك شفافية، ماذا أفعل؟
حسين عبد الغني:
حتى لو كانت دولته مازالت عدوة لنا ومحتلة أراضي عربية؟
د. سعد الدين إبراهيم:
أنا باتكلم عن مراكز بحوث، مراكز البحوث مراكز حرة.
حسين عبد الغني:
حضرتك عندما كنت تقول: هذه مراكز حرة، كنا نتحدث أنا وسيادتك بمجرد خروجك من السجن، وقلت لي في تأكيد أن التهمة التي نُسبت إليك بالتخابر مع دولة أجنبية تهمة غير صحيحة، أن من كان يشارك معك بعض أعضاء مركز أبحاث مصري، وهو المركز القومي لدراسات الشرق الأوسط، وهذا المركز على صلة وثيقة بالمؤسسة السياسية، ومؤسسة الأمن المصرية، كلنا نعرف أن المراكز ليست حرة تمامًا، أو ليست كلها -على الأقل- حرة.
د. سعد الدين إبراهيم:
كونه حتى وثيق الصلة بأي جهاز مخابرات، سواء جهاز المخابرات المصرية، أو جهاز المخابرات في الناتو، إنما الباحث الذي يقوم بالدراسة لا رقيب عليه إلا ضميره، ده الفرق بين الباحث العلمي والمباحث.
حسين عبد الغني:
ألم تسرب أي معلومات، أو تقدم أي تحليلات، يمكن أن تشكل إضرارًا بالأمن القومي لبلدك، أو تستعملها دولة أجنبية في الضغط عليها، سواء على القرار السياسي فيها، أو لاستخدام نقط ضعف فيها؟ ألم -مثلاً– تطلب من بعض تلاميذك في الجامعة -خصوصا الجامعة الأمريكية- إجراء بعض البحوث عن: لماذا تبني مصر سفارات في بعض المناطق في العالم مثلاً؟
د. سعد الدين إبراهيم:
ماذا تريد أن تسأل يا حسين؟ هل أسرب معلومات؟ طبعًا لا أسرب معلومات، ما هذا الخبل الذي يجعل صحفي زي سيادتك يسأل أستاذ جامعي كان زعيمًا للطلبة العرب في عدة سنوات، كان زعيمًا للطلبة المصريين، أستاذ جامعي ينشر كل ما عنده لمدة أربعين سنة..
حسين عبد الغني [مقاطعًا]:
يا دكتور (سعد) أنت رجل ليبرالي، ورئيس الدولة الأمريكية (كلينتون) وُوجِه من الصحافة بأعنف مما واجهتك بك، لماذا تعتبره خبلاً؟ أعتبره حقًّا أنا أطرحه، وأنت تصحح ما تريد.
د. سعد الدين إبراهيم:
وأنت لا تستفز، خليك صدرك واسع.
حسين عبد الغني:
أنا لست مستفزًا على الإطلاق.
د. سعد الدين إبراهيم:
أنا أقول لك السؤال مخبول ليه؟ لأن بناء سفارات لمصر في دول أخرى.. هل ده سر؟ هل ده سر؟ أنك تبني سفارة في دولة إفريقية أو آسيوية أو لاتينية، هل ده سر من الأسرار؟ كل دولة تبني أي سفارة أو تقيم أي علاقة لتخدم مصالحها، وهذا شيء مشروع، إنما هذه المعلومة بالذات معلومة خاطئة، أنا باقول لك حتى لو كنت قمت بعملها فليس فيها تسريب لأي معلومات، أو أسرار تضر الأمن القومي.
حسين عبد الغني:
إذا لم يكن لديك علم بفساد مالي أو بتزوير في بطاقات انتخابية، لم تشارك في أي أبحاث تؤدي إلى نوع من أنواع إثارة الأقليات أو اختراق للأمن القومي. إذن لماذا قبضت عليك السلطات المصرية؟ ولماذا أخضعتك سلطات التحقيق لستة أسابيع من الاحتجاز الذي نرجو -إن شاء الله- ألا يتم أبدًا بعد ذلك؟
د. سعد الدين إبراهيم:
أولاً لأنه ده واجبها لأنها لو سمعت مثل هذه الأقاويل أن تحقق فيها.
حسين عبد الغني:
أنا أتحدث أولاً على من أحالك إلى السلطات.
د. سعد الدين إبراهيم:
وصلت هذه المعلومات غير الدقيقة، غير الصحيحة لجهات: جهاز مثلاً وطني زي جهاز مباحث أمن الدولة، أو إلى جهاز وطني آخر زي هيئة المخابرات، طيب هذه البيانات تبدو من كثرة ترديدها ربما تكون صحيحة، فيحيلوها إلى سلطات التحقيق لكي تتأكد منها، وهذا ما حدث.
حسين عبد الغني:
طيب.. دكتور أنت ذكرت في أكثر من مرة أن المسكوت عنه، وأن القبض عليك تم بسبب عزمك إجراء أو تشكيل لجنة لمراقبة الانتخابات العامة المقبلة كما فعلت عام 1995م، كيف يصدق شخص بسيط مثلي ولديه أسئلة فيها قدر كبير من الخبل، أن السلطات تقبض عليك لأنك تعتزم أن تفعل شيئًا، وهي لم تعاقبك أو لم تقبض عليك عندما قمت بالعمل نفسه عام 1995م وأصدرت كتابًا عن هذه التجربة؟
د. سعد الدين إبراهيم:
لماذا لم يفعلوا ذلك في 95م لأنهم لم يكونوا يتوقعوا أن هذه اللجنة ستكون قادرة:
أولاً: على عمل ما ادعت أنها ستعمله، أنها تراقب.
اثنين: أن كلمتها ستكون مسموعة من الرأي العام الداخلي والخارجي.
ثلاث: أن القضاء سيأخذ بتقاريرها.
حينما حدثت كل هذه الأشياء استمع إليها أكثر مما توقعت الدولة، يعني الدولة كانت بتطلع بيانات، ونحن كنا بنطلع بيانات، كانت بياناتنا تُؤخذ مأخذ الجد أكثر من بيانات الدولة فيما يتعلق بنزاهة الانتخابات، اثنين أن هذه البيانات لجأ إليها أو استخدمها بعض من ذهبوا إلى القضاء لكي يشكوا التزوير، وأخذت المحاكم بتقارير اللجنة المصرية المستقلة التي كنت أقوم كأمين عام بها، وكان رئيسها الدكتور (سعيد النجار) أستاذ فاضل، المحاكم أخذت بما ورد في هذه التقارير، وقضت ببطلان الانتخابات، محكمة النقض أعلى محكمة مدنية قضت ببطلان الانتخابات في 90? من الدوائر التي قلنا: إنه حدث فيها تزوير.
حسين عبد الغني:
هل صحيح أنك أردت أن تفرض نوعًا من الوصاية الأجنبية على الانتخابات العامة القادمة في مصر عن طريق أن تشكل لجنة مراقبة الانتخابات هذه المرة بالتعاون مع مؤسسات أمريكية كمؤسسة كارتر أو المعهد القومي الأمريكي للديمقراطية، وأنك كنت تنوي الاستعانة بخبراء أمريكيين، وأن هذا يفسر لماذا رفضت بعض منظمات حقوق الإنسان والمجتمع المدني المشاركة معك في هذه اللجنة؟
د. سعد الدين إبراهيم:
يعني أنت ده الوقت سألت 5 أسئلة:
السؤال الأول لا، لم يحدث، لم يحدث أننا طلبنا دخول.. نحن عملناها لأن الحكومة رفضت في 95م وكنا نعلم أنها سترفض، لأنها ما يقدرش ييجي مراقبين دوليين إلا بموافقة الحكومة المعنية. الحكومة احنا عارفين موقفها من هذا الموضوع، واحنا أحزاب المعارضة لجأت إلينا في 95م حينما رفضت الحكومة المصرية أن تسمح بلجنة مراقبة دولية.
حسين عبد الغني:
دكتور سعد كيف تفسر لي هذا الاهتمام الأمريكي بعملية القبض عليك؟ هذا الاهتمام جاء على أعلى مستوى، خرج مسؤول أمريكي في مفاوضات (كامب ديفد) لا ليدلي بحديث عن تطورات المفاوضات، لكن ليدلي بحديث عن قلق الحكومة الأمريكية من احتجازك، وهذا لا يحدث لمجرد أنك تحمل -أيضًا- إلى جانب الجنسية المصرية الجنسية الأمريكية، فتحدث مع كل الناس، ألا يعني هذا -ربما- أنك تمثل قيمة أو فائدة من نوع خاص للأمريكيين.
د. سعد الدين إبراهيم:
أولاً: أنا -طبعًا- لم أطلع على ذلك، ولم أره فقد كنت خلف القضبان.
اثنين: اللي أنا فهمته لما طلعت من السجن أن هذا الاهتمام كان اهتمامًا عالميًّا، إنما لأنه في مصر الاهتمام بأمريكا وعقدة أمريكا عقدة موجودة في الرأي العام وخاصة عند الصحافة والإعلام، فمركِّزين على أمريكا، لكن البيانات التي خرجت من Amnesty International (أمنيستي انترناشيونال) منظمة العفو الدولية -وهي في رأيي أهم من أي بيان يصدر من أمريكا ليه؟ لأنها محايدة.
حسين عبد الغني:
الإفراج جاء عن سيادتك بعد حملة صحفية مكثفة في الصحافة الأمريكية ضد النظام المصري، وبعد حملة مركزة لتصريحات من المسؤولين الأمريكيين، وبعد زيارات متتابعة قام بها مرتين على الأقل، قام بها السفير الأمريكي لرئيس الوزراء المصري هنا، وقال البعض: أن هناك ضغوطًا أمريكية جبارة مورست على الإدارة المصرية من أجل إطلاق سراحك.
د. سعد الدين إبراهيم:
يعني أولاً: معرفتي بشخصية الرئيس (مبارك)، ومعرفتي بطبيعة الدولة المصرية، لا أعتقد أن الرئيس مبارك كان ليخضع أو يستجيب لمثل هذا النوع من الضغوط، ولو كانت مورست هذه الضغوط، وأنا لا أعلم إذا كانت مورست ولا لا، لأني كنت خلف القضبان، ما كانش فيه اتصال بيني وبين العالم الخارجي، حتى لو كانت مورست هذه الضغوط فربما هي التي أخرت الإفراج عني، ولم تعجل بالإفراج لأنه مش عايز أدعي أنني أعرف الرئيس مبارك معرفة شخصية وثيقة، لكن بالقدر الذي أعرفه به كمتابع وكإنسان تشرف بمقابلته مرتين أو ثلاثة على المستوى الشخصي المباشر أعرف أنه شخص عنيد جدًّا، وأنه مثل هذا النوع ما كان يؤتي النتيجة المرجوة من الذين يمارسون الضغط.
اثنين: أنه في نفس الفترة، طب ما هو أمريكا مارست ضغط آخر فيما يتعلق بقضية القدس، ولو كانت الحكومة المصرية من النوع الذي يستجيب للضغوط، لكانت قد استجابت لما تريده أمريكا في موضوع القدس.. لا أعتقد.. هذا افتراء يردده -أيضًا- أصحاب الجرائد الصفراء، وأنا أؤكد..
حسين عبد الغني [مقاطعًا]:
واضح أن سيادتك جعلت لنفسك بعض الأعداء زي أجهزة الأمن والصحف الصفراء.
د. سعد الدين إبراهيم:
أنا لم أقل: إن أجهزة الأمن هي عدوة، ولم أقل حتى إن هذه الصحف الصفراء عدوة، هم أقل من أن يكونوا عدو..الصحف الصفراء، وأجهزة الأمن أنا وصفتها أنها أجهزة أمن وطنية بتقوم بواجبها، بتستمع إلى ادعاءات كثيرة، بعضها صحيح وبعضها غير صحيح، من واجبها أن تحقق فيها، من واجبها أن تطرحها على النيابة، إنما لا تضع.. أنا أستخدم كلماتي بدقة شديدة فأنا أحذرك، أحذرك..
حسين عبد الغني:
يعني حضرتك تخليت عن وصفها بالغباء.
د. سعد الدين إبراهيم:
أنا قلت ده في البرنامج ده؟
حسين عبد الغني:
أنا آسف لحضرتك.
د. سعد الدين إبراهيم:
لا.. أنا زعلت.. قلت: بعض الادعاءات مخبولة أو غبية لأنها لا تستند لا لمعلومات ولا لمستندات، إنما لم أصف جهازًا، ولم أصف شخصًا بالغباء.
حسين عبد الغني:
طيب دكتور سعد هل الإفراج عنك يمكن أن يكون صفقة ستتنازل بمقتضاها -مثلاً- عما تقول: إنه قد يكون المسكوت عنه في القبض عليك؟ هل ستتنازل مثلا عن مراقبة الانتخابات القادمة؟ هل ستتنازل عن هذه الخطط؟
د. سعد الدين إبراهيم:
هو ده فعلاً كنت على وشك أني أقوله، إنما يثلج صدري تمامًا، وده تم بعد 8 أيام من القبض عليَّ، وحسيت أنه لو لم يتم شيء نتيجة كل هذا الذي أثير حول لجنة مراقبة الانتخابات إلا هذا القرار (قرار المحكمة الدستورية العليا) لكفاني ذلك ولعوضني ذلك عن أي فترة أعيش فيها في السجن، لأنه هو ده كان المطلب، مطلبنا أن يشرف القضاء، ولو كان يشرف القضاء -ربما- كانت انتفت الحاجة إلى اللجنة أصلاً، وربما ينتفي الحاجة إليها في هذه الانتخابات إذا الزملاء رأوا أن ذلك فيه الكفاية.
حسين عبد الغني:
إذا كانت هذه نوعية تقارير أجهزة الأمن فإنني لا أشعر بالأمان على نفسي في مصر.. هل هذا معناه أنك تفكر في مغادرة مصر والهجرة؟
د. سعد الدين إبراهيم:
لا.. ليس معناه ذلك، ازاي معناه ذلك؟ ازاي أنت تستنتج هذا الاستنتاج؟ شوف بقى الفرق بين العنوان واللي تحت العنوان، أنا أتكلم عن تقارير غير دقيقة واستندت إليها جهات مسؤولة وتبين أنها -فعلاً- غير دقيقة، ألا يقلقك ذلك؟ لو حد قدم فيك بلاغ غير دقيق، وترتب على هذا البلاغ حبسك، ألا تشعر بعدم الأمان؟ طبعًا لابد أي مواطن عادي، أنا باتكلم بمنتهى الأمانة والصراحة.
حسين عبد الغني:
إذن أنت لا تفكر في مغادرة مصر، والتحول إلى معارض منتظم مثل معارضين آخرين في الخارج؟
د. سعد الدين إبراهيم:
لا طبعًا، وإلا جيت مصر ليه؟ أنا كنت معارض قبل أن آتي مصر، إنما أتيت مصر لأني وجدت فيه هامش من الحرية، ولأن مصر تستحق ما هو أحسن، تستحق أن تكون أكثر ديمقراطية، تستحق أن يكون مجتمعًا يحترم حقوق الإنسان، تستحق أن يكون مجتمعًا مفتوحًا.
حسين عبد الغني:
يعني هل ستحول -دكتور سعد- إلى باحث مستأنس خاصة وأنك لا تثير..
د. سعد الدين إبراهيم:
الإجابة لا، لن أتحول إلى باحث، سأظل باحث حرّ، والسلطة الكبرى عليه هي ضميره العلمي.
حسين عبد الغني:
حتى وأنت تعلم أن الآن هناك مستمسكات عليك، وأن هناك سيف المحاكمة، أو ربما بعد ذلك إخراجها هذه من الملفات؟
د. سعد الدين إبراهيم:
حتى لو كان.. وإلا لما قبلت أن أتعرض لهذه القضايا العامة.
حسين عبد الغني:
الأستاذ الدكتور سعد الدين إبراهيم أستاذ علم الاجتماع السياسي بالجامعة الأمريكية ورئيس مركز ابن خلدون.. شكرًا جزيلاً لك على هذا اللقاء مع "قناة الجزيرة".
أما أنتم مشاهديَّ الأعزاء فنشكركم على حسن المتابعة، وحتى لقاء آخر هذا حسين عبد الغني يحييكم من القاهرة.