
ديميتري داغوزين .. الدور الروسي في الشرق الأوسط
مقدم الحلقة: | أكرم خزام |
ضيف الحلقة: | ديميتري داغوزين: رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الدومة |
تاريخ الحلقة: | 02/05/2001 |
![]() |
![]() |
أكرم خزام: أعزائي المشاهدين أهلاً وسهلاً بكم في هذه الحلقة الجديدة من برنامج (لقاء اليوم) والتي نجريها مع السيد ديمتري زاغوزين رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الدوما الروسي.
السيد راغوزين لو سمحتم أن نبدأ لقاءنا بالحديث عن النزاع الفلسطيني الإسرائيلي، ولدي في هذا المجال أسئلة عديدة محاطة بالألغاز عن الموقف الرسمي الروسي، مؤخراً أعلن السيد فلاديمير بوتين عن ضرورة وقف العنف أولاً، ومن ثم البدء بالمفاوضات وهذا يعني في جوهر الأمر تبني الموقف الإسرائيلي، ما هو رأيكم؟
ديمتري زاغوزين: الأوضاع ليست سهلة عن الإطلاق ونحن نتابع كل ما يجري في منطقة الشرق الأوسط، ونسعى إلى وقف النزف الدموي انطلاقاً من تجربتنا الخاصة لأنه عندما تسيل الدماء يدفع إلى الخلف السياسيون المؤهلون للتفاوض والحوار، من جهة أخرى تعلمون أن روسيا كانت ومازالت تثمن غالياً حق الفلسطينيين في إقامة دولتهم المستقلة وتحترم نضالهم لبلوغ هذا الهدف، وشاءت الجغرافيا أن روسيا كانت دائماً على مفترق طرق الغزوات المختلفة عبر التاريخ، سواء من الشرق نحو الغرب، أو من الغرب نحو الشرق.
ونحن إذن ندرك جيداً معنى الحرية والاستقلال والسيادة، ودفعنا ملايين، بل عشرات الملايين من الضحايا من أبناء شعبنا على هذا الطريق، لذا وبعد قيام دولة إسرائيل في أعقاب الحرب العالمية الثانية اعتبرنا أن للفلسطينيين نفس الحق كما لليهود في إقامة دولتهم المستقلة، ثم نتذكر جميعاً الحروب التي شهدتها المنطقة واحتلال الأراضي وطرد الشعب الفلسطيني من أراضيه، وكانت أعداد كبيرة منهم موجودة داخل الاتحاد السوفيتي.
لذا لا يجوز الحديث عن تغيير ما في الموقف الروسي، علماً –والحق يقال- إن في عهد يلتسين كان اللوبي اليهودي في أروقة السلطة الروسية قوياً بما فيه الكفاية، وقد حاول هذا اللوبي تغيير سياسة روسيا وإعطاءها دور المراقب الموضوعي الكاذب بهدف إرضاء الجميع، ولكن عندما فشلت هذه المساعي بذلت عندئذ الجهود من أجل تحييد روسيا وإخراجها من هذه العملية، من المؤكد أن بوتين حصل على إرث سياسي صعب بعد حكم يلتسين.
وفي الأشهر الأولى لحكمه جرت عملية جرد واسعة لهذا الإرث، وقد انتهت هذه العملية الآن، ولعل الأهم في اختبار الدبلوماسية الروسية هو التصويت الذي جرى قبل فترة في مجلس الأمن الدولي، حيث أثار هذا التصويت حالة هستيرية متشنجة لدى القوى المؤيدة لإسرائيل بما في ذلك داخل روسيا نفسها، حيث تعرض الموقف الروسي لانتقادات عنيفة من قِبَل وسائل الإعلام التي يديرها أشخاص معروفون وبينهم من يحمل الجنسية المزدوجة الروسية والإسرائيلية، لذا من الضروري الكلام عن وجود هذا اللوبي وعن تأثيره أيضاً.
من جهة أخرى يبدو لي أن في الدبلوماسية الروسية ثمة مسلكاً متميزاً إزاء قضية الشرق الأوسط، حيث من جهة يقف الرأي العام إلى جانب الشعب الفلسطيني ويتساءل المواطنون في مختلف أرجاء روسيا: لماذا لا يتحقق الحق الفلسطيني بإقامة الدولة؟ ولماذا تجري المساواة بين الإسرائيليين والفلسطينيين؟ في حين أن الدبلوماسية تفرط في الملاطفة، الأمر الذي ليس له ما يبرره، في الوقت نفسه توجد في روسيا سياسة عدم تقدير للإمكانات الذاتية، يسترقون النظر إلى الأميركيين بصفتهم الأقوياء والأغنياء وأصحاب السطوة، لذا عندما نتحدث اليوم عما يجب أن تكون عليه سياسة روسيا تجاه النزاع الفلسطيني الإسرائيلي فإني أعلن بوضوح أن مجلس الدوما يقف إلى جانب الفلسطينيين بالمطلق، والموقف الرسمي الروسي يتطور رويداً.. رويداً في اتجاه قضية الشعب الفلسطيني.
أكرم خزام: السيد راغوزين هل لديكم –كرئيس للجنة العلاقات الخارجية في مجلس الدوما الروسي- وصفة جاهزة لحل النزاع الفلسطيني الإسرائيلي؟ ولن نتكلم هنا عن المسارين السوري الإسرائيلي واللبناني الإسرائيلي، هل لديكم برنامج متكامل حول هذا الموضوع؟
ديمتري زاغوزين: لا أستطيع التحدث بعد عن سيناريو جاهز لحل النزاع لسبب بسيط: هو أنه تنبغي زيارة المنطقة والاطلاع ميدانياً على مجريات الأمور، ولقاء كافة الأطراف المشاركة في النزاع، وأنا واثق بأن الحل موجود، إنما بلوغه يتطلب التحلي بالصبر، إذن أين تكمن مشكلة الأميركيين؟ ولماذا يتحملون كامل المسؤولية عما يجري الآن في موضوع القدس.
وفي موضوع المستوطنات الإسرائيلية وفي القصف الذي تتعرض له المدن الفلسطينية؟ السبب في ذلك كله هو التمشي مع الأوضاع والأنانية السياسية، إذ يعتبر الأميركيين أنفسهم ملمين بكافة الأمور، وأن مفاهيمهم عن الديمقراطية هي مفاهيم عالمية ينبغي تطبيقها في كافة أرجاء العالم، ولعل مشكلة الأميركيين تكمن في أن دولتهم حديثة العهد ولا يملكون تقاليد احترام الثقافات الأخرى، بل يخشون الثقافات الأخرى ولا يفهمونها، فهم لا يفهمون العرب والروس والصينيين ويخشونهم.
والذي حدث على مدار عام 2000م إذا نظرت له، تجد أننا شهدنا الانتخابات الرياسية في أميركا في شهر نوفمبر الماضي، ومن أجل تعزيز حظوظ المرشح الديمقراطي آل جور أقدم كلينتون على تسريع المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين، التسريع ينفع فقط في حال نضوج نقاط معينة، لكن هناك عقبتين صعبتين هما: جبل الهيكل، وموضوع القدس، حيث لم يتوفر حل وسط حولهما، بل إن من الصعب إيجاد الحل السريع.
وبالتالي فإن من الخطأ تكفيف المفاوضات وتسريعها هاتين النقطتين لأن ذلك سيؤدي حتماً إلى اندلاع العنف، المسألة الثانية: هي أنه لحظة وصول المفاوضات إلى موضوعي القدس وجبل الهيكل، أو الحرم القدسي الشريف كان كل من عرفات وباراك قد استنفذ احتياطي المرونة، أي إن كل واحد منهما قدم التنازلات ما جعله عاجزاً عن الإقدام على أي تنازلات أخرى، أي أنهما بدأا يفقدان أنصارهما، عرفات يتعرض للانتقادات من قِبَل العرب والفلسطينيين، وباراك من قِبَل الإسرائيليين، وجوهر الانتقادات أنهما يقدمان تنازلات كبيرة جداً، بينما الأميركيون يلحون: هيا.. هيا وقعوا الآن، لم يبق لدينا الوقت الكثير.. الانتخابات عندنا غداً، أعطونا نتيجة الآن. بالنسبة للأميركيين النتيجة هي المبتغى ولا فرق ما ستكون عليه هذه النتيجة، بل إنهم كانوا مستعدين حتى لخداع حليفهم الاستراتيجي إسرائيل كثمن للنتيجة التي يبغونها.
هذه النتيجة مطلوب تحقيقها، ليس في القدس مثلاً أو في مصر حيث كانت تجري المفاوضات، بل في واشنطن بالتحديد، وكانت النتيجة أنهم أفشلوا المفاوضات وأسقطوا المسيرة التفاوضية وأشعلوا الحرب وهم يتحملون مسؤولية ذلك، في نفس السياق أنا شخصياً من دعاة إرسال قوات سلام روسية إلى الشرق الأوسط، فربع سكان إسرائيل هم من المهاجرين اليهود الروس الذين لم ينسوا اللغة الروسية بعد، وهي لغة التخاطب فيما بينهم، كذلك نعلم أن السلطات الإسرائيلية تضع معظم هؤلاء المهاجرين في فوهة المدفع عن الطريق بناء المساكن لهم في المستوطنات الواقعة في الأراضي المحتلة، معنى ذلك هو خيانة لأولئك الناس الذين هاجروا إلى إسرائيل، خيانة من قِبَل قيادة دولة إسرائيل لمواطنيها الجدد.
من ناحية أخرى، ما المانع في أن يسيطر العامل المسلم من بين التتار وغيرهم على تركيبة تلك القوات الروسية مما يساعد على إقامة علاقات طبيعية مع الفلسطينيين؟ من هنا يقدر لدور قوات السلام أن يكون فاعلاً في خلال فترة أحياء المفاوضات، أي أن تتزامن علمية وقف إراقة الدماء مع عملية إحياء مسيرة التفاوض، ولا ينجح هنا شرط وقف العنف ثم بدء المفاوضات، القوات الروسية في رأيي قادرة على إطفاء نار العنف تمهيداً متزامناً مع بدء التفاوض في هذا النزاع للجذور العميقة التاريخية والنفسية، لذا تراني أروج لفكرة غير شعبية، إذ لا أحد يحبذ إرسال أبنائه إلى الحرب، لكن الجنود الروس قادرون على لعب دور فعال هناك.
أكرم خزام: أشرتم في حديثكم إلى أوروبا، هل ثمة مواقف مشتركة بين روسيا وأوروبا من الموضوع الآنف الذكر؟
ديمتري زاغوزين: للآسف لا، والأسباب هي عينها، لوبي يهودي قوي، لكن نلاحظ نمو الأقلية الإسلامية في عدد من البلدان الأوروبية، ففي فرنسا لوحدها مثلاً هناك حوالي 6 ملايين مسلم، بينما الإحصاءات الرسمية تشير إلى 4 ملايين فقط، في ألمانيا يوجد كثير من الأتراك، في بريطانيا يكثر الباكستانيون، بمعنى آخر الجالية الإسلامية في أوروبا كبيرة، ولا تستطيع البلدان الأوروبية تجاهل هذا العامل، المسلمون مواطنون في تلك البلدان ولهم رأيهم إزاء ما يجري في الشرق الأوسط، وهم بالتالي يسعون للتأثير على مواقف حكومتهم.
لكننا نرى في الجهة الأخرى اللوبي الإسرائيلي القوى تقليدياً في أوروبا والمتأصل والفاعل والمتضامن من داخله، والصراع متواصل بين هاتين القوتين، لذا رأينا انقساماً داخل الاتحاد الأوروبي أثناء التصويت حول الشرق الأوسط، وهذا مؤشر على أن أوروبا ليست جسماً سياسياً موحداً بعد، ومع ذلك فمن الحماقة تجاهل إمكانيات البلدان الأوروبية، وانطلاقاً من ذلك وخلال كافة لقاءاتنا مع الأوروبيين لبحث مختلف الموضوعات نسعى لأن تكون مواقفنا موحدة تجاه مسألة النزاع الفلسطيني الإسرائيلي، وأؤكد لكم أن هذه الجهود غالباً ما تتكلل بالنجاح وتتعزز هذه القناعة لدى إبان لقاءاتي في الخارجية الفرنسية، أو مع الزملاء الألمان، وأعتقد أنه لولا وجود الاتحاد الأوروبي كهيئة سياسية لكانت بلدان أوروبية كبرى على استعداد للاشتراك منفردة مع روسيا في رعاية العملية السلمية والإشراف عليها.
أكرم خزام: لنعرج –لو سمحتم- على الموضوع العراقي، مؤخراً وجهت انتقادات عنيفة لوزارة الخارجية الروسية أثناء انعقاد مائدة مستديرة في موسكو حول العراق خاصة في ظل المادة 50 التي تسمح للشركات النفطية الروسية بتنفيذ عقودها مع العراق، وهذه الشركات تنتقد الخارجية الروسية التي تدعو من جانب إلى فك الحصار عن العراق، ومن جانب آخر لا تتحرك باتجاه تنفيذ العقود، ما هو رأيكم؟
ديمتري زاغوزين: لعلكم تذكرون أن مجلس الدوما وإثر القصف الذي تعرض له العراق في شهر فبراير من قِبَل الطيران الأميركي والبريطاني ذلك القصف غير المبرر، وغير الموافق عليه من قِبَل مجلس الأمن الدولي، بل كما وصفه الرئيس بوش بالقصف الروتيني، يعني أنا أتساءل هنا: ما هذا الروتين الذي يحصد المدنيين؟ إذن تذكرون أن الدوما كان قد شجبه، وشجبه البرلمانيون الروس، فتبنينا قراراً وجهناه إلى الرئيس بوتين، لا ندعوه فيه إلى خروج روسيا على نظام الحصار لما يحمله ذلك من سابقة خطيرة. بالطبع لنا كعضو دائم في مجلس الأمن، لأنه سيفتح الباب أمام أي دولة في المستقبل للخروج على القرارات الدولية ولكانت الولايات المتحدة الأميركية أول من استفاد في هذا الوضع ولخرجت عن عدد من الاتفاقات الدولية.
لقد طرحنا المسألة بالشكل التالي: أن تدعو روسيا مجلس الأمن الدولي إلى الخروج المشترك في نظام العقوبات على العراق، أي أن تغدو روسيا مساهماً فاعلاً في الخروج عن نظام العقوبات، وذلك السببين أولهما: أن لدى قناعة ثابتة بأن أي عزل مصطنع بأي بلد لا يؤدي حتماً إلى الديمقراطية، بل إلى المزيد من الانغلاق السياسي والقوقعة، ولعل مثال الاتحاد السوفيتي خير دليل على ذلك، حيث كان الستار الحديدي والانقسام بين المعسكرين (الناتو) وحلف (وارسو) تلك الأمور لم تساعد لا في إحداث التحولات الجديدة، ولا في ظهور القوى الشابة والفتية إلى الساحة في روسيا، وما إن ظهرت بعض المتنفسات في ذاك الجدار حتى اندفعت إلى السطح القوى الجديدة ورياح التحولات، والأمر نفسه بالنسبة للعراق.
وقد يبدو غريباً أن بعض القوى السياسية داخل العراق معنية ببقاء العقوبات إنه أمر غريب حقاً لكنه واقع، كذلك الأميركيون متشبثون من جهتهم ببقاء العقوبات، فهم يبحثون دائماً عن عدو متخيل ها هو صدام حسين الذي يصورونه بالخطر والعدواني الذي يريد رشق العالم بالقنابل النووية أو يخترعون عدواً آخر، لا فرق المهم أن يصوروا هذا العدو هائل الحجم وعظيم القدرة وذلك بهدف تبرير تدخلاتهم وحضورهم في كل مكان سواء في الخليج أو في حوض البحر المتوسط وغيره لتعزيز قواعدهم العسكرية.
من هنا ثمة جهتان معنيتان ببقاء نظام العقوبات، نحن مع رفع العقوبات عن العراق، لأنه بنتيجتها يموت الأطفال والنساء جوعاً ومرضاً، إنها كارثة للعراق وللعالم العربي، لأنه إذا كان ثمة نزاعات عربية كالنزاع العراقي الكويتي، فأنا واثق بأن الحل ينبغي إيجاده من قِبَل العرب أنفسهم على أن تتعهد بعض البلدان العربية ذات الوزن أن تكون ضامنة لأمن الكويت ولتنفيذ الاتفاقات التي تعقد بين الكويت والعراق، ولتجاوز آثار الحرب بين البلدين.
وأنا هنا لا أفهم الوجود الأميركي والبريطاني، وأتساءل: ماذا يريد الأميركيون والبريطانيون الذين لا يفقهون شيئاً لا في عادات المنطقة ولا في تاريخها، ومع ذلك يحاولون إملاء رأيهم وحضورهم، لذا أعتبر أن في مقدور روسيا التي تحمل تراثاً إسلامياً كبيراً وتقع ما بين أوروبا وآسيا وتختزن الكثير من الثقافتين المتقاطعتين من الأسهل عليها تفهم عزة النفس العربية ومدى تأثرها من عدم الفهم الغربي لها، لذا نعتبر أنه ينبغي رفع نظام العقوبات وسوف يلح مجلس الدوما على وزارة الخارجية الروسية لتفعيل دور روسيا في مجلس الأمن الدولي في اتجاه رفع العقوبات نهائياً عن العراق، على أن تكون متابعة حل هذا النزاع في أيدي العرب أنفسهم.
أكرم خزام: مؤخراً لم يأت الرئيس بوتين في كلمته السنوية أمام البرلمان الروسي على ذكر الولايات المتحدة، ماذا يعني ذلك؟ هل هي عودة إلى الحرب الباردة، أم أن روسيا تريد إظهار نفسها كدولة عظمى؟ ما هو رأيكم؟ لماذا لم يقل الرئيس بوتين أي كلمة عن الولايات المتحدة؟ وما هي آفاق العلاقات الروسية الأميركية؟
ديمتري زاغوزين: لقد لاحظت بالتأكيد أن بوتين لم يتحدث كثيراً عن السياسة الخارجية، وأفسر ذلك على النحو التالي: يرى بوتين أن وضع الدولة العظمى لا يقوم ويتعزز بأعداد الجنود الكبيرة أو بنوعيات الأسلحة، بل يتعزز بقوة الدولة الاقتصادية، ولذلك تناول بوتين الاقتصاد بشكل أساسي فتحدث عن تحرير الاقتصاد من البيروقراطية، عن تفعيل السياسة الداخلية، عن حل الأزمة الشيشانية، أي إنه تناول المواضيع التي بدونها لا تستطيع البلاد أن تعتز بكرامتها أو أن تحترم ذاتها، وهذا موقف صحيح تماماً، فكلنا يذكر تلك الأيام التي كانت البلاد فيها تفتقر إلى أبسط المقومات، بينما كانت قرقعة سلاحنا مسموعة في مناطق مختلفة من العالم، هذا أولاً.
أما ثانياً: فقد شدد بوتين على أهمية العمليات الجارية داخل مجموعة كومنولث الدول المستقلة، وهذا الطرح في محله انطلاقاً من أن أمن أي دولة يتحدد في مسألة من هم الجيران؟ وكم الاستقرار ثابت عندهم؟ ونرى أن الأوضاع المحيطة غير مستقرة لا في أوكرانيا التي تعيش أزمة سياسية ولا في بلدان البلطيق حيث تنتهك حقوق مئات الآلاف من المتحدرين من أصل روسي ولا استقرار على حدودنا الجنوبية حيث يجرى غرس مفاهيم وممارسات طالبان، وحيث الأوضاع الداخلية في جمهوريات آسيا الوسطى متأرجحة ومتقلبة، وثمة خطر أن تفقد تلك الجمهوريات سيادتها الوطنية وغيرها من الأمثلة، هذا ما تطرق إليه بوتين، أهمية الاستقرار حول روسيا في مجموعة الدول المستقلة.
ثالثاً: تطرق إلى موضوع المواطنين الروس، ذلك أن احترام الدولة لذاتها يبدأ من احترامها لموطنيها، أينما كانوا ينبغي الدفاع عنهم وصيانتهم، ثم تحدث عن أوروبا، عن الاتحاد الأوروبي، وهذه أيضاً مسألة مهمة، فعلى روسيا اليوم أن تحدد موقعها وتحالفاتها وعلاقاتها في هذا العالم، ونحن نرى أن أوروبا -وبصرف النظر عن نواقصها وعيوبها، وبصرف النظر عن ضعف أوروبا- فالاتحاد بين روسيا وأوروبا سيكون مفيداً للجميع، وأوروبا التي بدأت تتفهم بشكل أفضل العرب والعالم الإسلامي، يمكنها أن تغدو في المستقبل حليفاً لروسيا، وجزءًا من العملية التكاملية العالمية.
أما لماذا لم يتطرق بوتين إلى الصين مثلاً؟ لأن الصين جارتنا العظمى والعلاقة مع الصين تتطور بشكل جيد وبالتالي ليست هناك مشاكل ينبغي التوقف عندها، كذلك لا نريد إظهار أن الصين تحتل قائمة اهتماماتنا خوفاً من أن يثير ذلك حساسيات كبيرة لدى الآخرين، علماً أن هذا هو الواقع، الصين حليفتنا، والتفاهم بيننا جيد على الرغم من وجود مليار ونصف مليار إنسان هناك، وحوالي 145 مليوناً هنا، هل بوتين لم يتطرق حقاً للولايات المتحدة؟ برأيي أن تناول هذا الموضوع، فقد تحدث بوتين عن أن حق استخدام القوة يعود حصراً إلى صلاحية مجلس الأمن الدولي، وهذا الكلام موجه إلى أميركا، فالولايات المتحدة لا تملك حق استخدام القوة، وأي لجوء من مثلها إلى القوة يشبه دخول الفيل إلى محل الخزفيات، على فكرة الفيل شعار الحزب الجمهوري، وهاهم الأميركيون كالفيلة في محل الخزفيات.
نحن نرى أن علاقاتنا مع الأميركيين لن تكون سهلة، لكن تسيطر البرجماتية عليها مراعاة المصالح المتبادلة، وأنا أعتقد أن عدم إتيان بوتين على ذكر أميركا بصفتها في أولويات السياسة الروسية الخارجية إنما يعكس واقع العلاقات والأمور، روسيا قادرة على العيش والتطور والتقدم بدون أميركا، هذا إذا حددت روسيا لنفسها وبوضوح مهامها الداخلية من جهة وسعيها إلى التكامل مع البنُى الأوروبية من جهة أخرى.
أكرم خزام: أعزائي المشاهدين إلى اللقاء في حلقة جديدة من برنامج (لقاء اليوم) ها هو أكرم خزام يحييكم من العاصمة الروسية موسكو، ويتمنى لكم أطيب المنى.