جيل كيبيل .. تفجيرات واشنطن وأثرها على الإسلاميين
مقدم الحلقة | ميشيل الكيك |
ضيوف الحلقة | جيل كيبيل، مفكر فرنسي متخصص في شئون الحركات الإسلامية |
تاريخ الحلقة | 18/11/2001 |
– أبعاد تفجيرات واشنطن على الحركات الإسلامية
– دعوات الجهاد وتأثيرها على الطبقات الاجتماعية المختلفة
– الروابط والفوارق بين مخلف الجماعات الإسلامية
– مسؤولية الدول والمجتمعات المدنية في تشكيل هذه الجماعات
– الحضارة الغربية والإسلامية بين الالتقاء والصراع
![]() |
![]() |
ميشيل الكيك: أهلاً بكم إلى هذه الحلقة الجديدة من برنامج (لقاء اليوم) التي نستضيف فيها الدكتور جيل كيبيل (أحد أبرز المتخصصين الفرنسيين في الإسلام السياسي المعاصر).
أهلاً بكم.
جيل كيبيل: أهلا، شرفت.
أبعاد تفجيرات واشنطن على الحركات الإسلامية
ميشيل الكيك: شكراً، لابد لنا وأن نبدأ بآخر التطورات التي استجدت بعد اعتداءات نيويورك وواشنطن وكل ما رافقها من ذيول وصولاً إلى هذا اليوم.
جيل كيبيل: أعتقد أنه يجب إعادة وضع أحداث نيويورك وواشنطن في السياق الأعم لتطور الحركات الإسلامية الراديكالية، فخلال التسعينات لم تنجح هذه الحركات في الاستيلاء على السلطة في معظم الدول التي حاولت فيها فعل ذلك، لا في الجزائر ولا في مصر، وفي السودان هُمِّش الترابي، وفي تركيا لم ينجح الحزب الإسلامي في البقاء في السطلة، وفي إيران على وجه الخصوص توجد حركة تفكير كاملة معارضة لأسس الجمهورية كما حددها الخميني، ورأينا أنه داخل كل حركة تطور حالياً تيار يبحث عن نوع من الديمقراطية المسلمة مثل حزب الوسط في مصر، أو بعض الإسلاميين الأتراك وفي الجزائر والمغرب أيضاً، وفي الحقيقة فإن ما نراه مع انفجارات نيويورك ومن تجدد العنف والإرهاب هي محاولة لبعث حركة فقدت كما يبدو لي قدرتها على التأثير السياسي في نهاية التسعينات مع تفجر مذهل للعنف.
ميشيل الكيك: نتيجة لكل ما شاهدناه مؤخراً، ونتيجة اليوم للضربات الأميركية على أفغانستان ومما يجري، هل تعتقدون ربما نشهد عمليات جديدة وستكون له انعكاسات خطيرة ربما في المستقبل؟
جيل كيبيل: هذا سيتعلق كثيراً بردود فعل سكان العالم الإسلامي، لأن المجموعات الراديكالية المتطرفة ليس لها تأثير كبير في جماهير الناس، ومع أحداث نيويورك وواشنطن عزفت هذه المجموعات طبعاً على شعور معادي لأميركا واسع الانتشار في العالم الإسلامي اليوم بعد قصف العراق وفرض الحظر عليه، وبعد الانتفاضة والطريقة التي غسلت بها واشنطن يديها من السياسة الإسرائيلية، لكن معاداة أميركا شيء ومساندة أسامة بن لادن ومجموعته شيء آخر.
دعوات الجهاد وتأثيرها على الطبقات الاجتماعية المختلفة
ميشيل الكيك: ما نلقاه اليوم من دعوات إلى الجهاد في ظل كل ما يجري وأنتم كتبتم الكثير من الكتب وتناولتم هذا الموضوع المتعلق بالجهاد فما هو تفسيركم لهذه القضية بالذات؟
جيل كيبيل: للجهاد في الإسلام مفهوم واسع جداً، جهاد النفس مثلاً لمقاومة الأحاسيس السلبية وللتدرج في مراتب الكمال، أما الجهاد العسكري الجهاد المسلح ففيه رؤيتان أو منظوران كبيران للأمور، المنظور الأول يدعي الجهاد الهجومي حيث يهاجم العدو، وهنا يتعلق الأمر ببساطة بالمجموعة التي تنفذه، ففي عقل بن لادن ومن نفذوا الهجمات على أميركا أنها من قبيل الجهاد الهجومي، وهناك جهاد آخر أكثر أهمية يسمى الجهاد الدفاعي عندما تتعرض أراضي المسلمين للهجوم، وفي هذه الحالة يكون الجهاد فرض عين، بمعنى أنه على كل فرد القتال بوسائله الخاصة، بالسلاح أو بالمال أو بالدعاء ضد من يهاجمون أراضي المسلمين، هذا هو بالضبط ما تتمناه طالبان والمجموعات المتطرفة، فانطلاقاً من الهجوم الأميركي على أفغانستان يحاولون إثارة موجة كبرى من التضامن تقارن إلى حدٍ ما بما وقع عندما هاجم الروس أفغانستان في الثمانينيات، وهنا طبعاً تكمن الصعوبة كلها أمام العملية التي تقوم بها السياسة الأميركية حالياً.
ميشيل الكيك: ونتيجة لكل ما قمتم به من أبحاث هل تعتقدون أن قضية الجهاد ستلقى آذاناً صاغية لدى بعض الطبقات الاجتماعية من خلال دراساتكم وكتبكم في هذا المجال، أو في أماكن معينة؟
جيل كيبيل: أعتقد أن الحركة الإسلامية كانت قوية جداً منذ السبعينيات وإلى غاية عام 2000 عندما نجحت في حشد مجموعات اجتماعية مختلفة حول هدف الاستيلاء على السلطة، بمعنى حشدت في الوقت نفسه شبان المدن الفقراء والشبان الذين ولدوا نتيجة الانفجار الديموغرافي والنزوح الريفي، والذين أصبحوا راشدين في السبعينيات والثمانينيات في العالم الإسلامي وغيروا المشهد السكاني بتوسع ديموغرافي مهم، ثم هناك الطبقات الوسطى المتدينة التجار وأصحاب الأسواق الساخطون على الديكتاتوريات العسكرية وعلى الملكيات في الوقت نفسه، فقد حاولت الحركة الإسلامية استغلال جماهير الشبان الفقراء لقلب الأنظمة والاستيلاء عليها، والرابط بين المجموعتين هي مجموعة ثالثة أضيق اسميها أنا النخبة أو intelligence الإسلامية من الجامعيين والطلبة الذين ينتجون الأيديولوجيا التي تجمع حول أهداف معنوية وسياسية ودينية غير بارزة اجتماعياً، ذلك أن رغبة الطبقات الوسطى من التجار من جهة، ورغبة الفقراء من جهة أخرى ليست رغبات واحدة، الأوائل يريدون تغييراً ثورياً للمجتمع، والآخرون يريدون الاستيلاء على السلطة بكل بساطة، النموذج الذي نجح هو الثورة الإيرانية حيث جند الخميني كل هذه المجموعات معاً، ولم ينجح ذلك في بلدان أخرى، في السودان وقع انقلاب عسكري، وفي أفغانستان جاءت طالبان بمساعدة الأجهزة الباكستانية والأميركان في ذلك الوقت، إذن الحركة الإسلامية لم تنجح رغم كل ما استثارته طورته من آمال ومن مخاوف للاستيلاء على السلطة فعلاً، لقد وصلت إلى أزمة متعلقة بأهدافها في التسعينيات ويجب فهم الأحداث الحالية في هذا السياق.
الروابط والفوارق بين مختلف الجماعات الإسلامية
ميشيل الكيك: لابد لنا هنا نتيجة لإجابتكم أن نتطرق أيضاً إلى هذا الفرق أو القواسم المشتركة أو ما يجمع أيضاً، ما يجمع أو ما يفرق بين عدة حركات أصولية موجودة مثلاً في أفغانستان، في القوقاز، وبين الروابط التي هي بينها وبين مثلاً مجموعات أخرى في الشرق الأوسط، ما الذي.. أو في الجزائر أو في دول المغرب العربي، ما الذي يجمع بينها وما الذي يفرق بينها برأيكم؟
جيل كيبيل: في الحقيقة الظاهرة التي نجحت في خلق هذا الاندماج ذلك العنصر الرابط القوي جداً هو تجربة الجهاد في أفغانستان، عندما انطلق في الثمانينيات الحركة من البلدان الغربية والبلدان العربية المحافظة، وكانت حركة الجهاد تلك ضد السوفييت في أفغانستان، فمن جهة كان هناك بطبيعة الحال دعم للمجاهدين الأفغان، وشاهدنا كذلك في كل المعسكرات حول بيشاور نشوء نوع من الحركة العالمية من القادمين من الجزائر ومصر وباكستان، من جنوب شرق آسيا وتركيا ومن تايلاند والفليبين الذين خلقوا نوعاً من التيار السلفي الجهادي. هؤلاء كانوا في الوقت نفسه سلفيون جداً وذوي منظور ضيق جداً للأشياء وحرفيين في فهمهم للدين، وفي الوقت نفسه استهواهم العنف لأنهم رأوا أن هذا الجهاد الذي أعلنوه أسقط إحدى القوى العظمى، أسقط الاتحاد السوفيتي وأعطاهم شعوراً بأنهم لا يهزمون، وأوجد بينهم تضامناً قوياً جداً في مجموعات مغلقة عاشت تلك التجربة الدامية، لم يكونوا يحسنون فعل شيء آخر، لقد مارسوا الحرب 10 سنوات، وبعد عام 92 بعد سقوط كابول في أيدي المجاهدين رجع أولئك الذين كانوا في المعسكرات لا سيما من العرب إلى بلدان، إلى الجزائر ومصر و البوسنة والشيشان وكشمير حاملين معهم الأيديولوجيا نفسها التي مفادها تكرار تجربة الجهاد الأفغاني في بلدانهم.
ميشيل الكيك: هذا ما يجمع لكن هناك بالطبع اختلافات، ما هو الفارق بين وجود اليوم فكر إسلامي –فرضاً- متطرف في دول الشرق الأوسط، أو استمراره في.. في أفغانستان ودول أخرى في القوقاز؟
جيل كيبيل: توجد في الحقيقة اختلافات معتبرة داخل الحركة الإسلامية بين مجموعات استخلصت من فشل التسعينيات ما فحواه وجوب أن تكون أقرب للديمقراطيين وأن تكافح التسلط بالمزج بين التراث الإسلامي والمتطلبات الديمقراطية هذا من جهة ومن جهة أخرى هناك مجموعات أكثر راديكالية تقول بالإيغال في العنف، وانتهى بها ذلك إلى أحداث نيويورك مثلاً، وهي ترى أن هذه هي الطريقة الوحيدة لبعث حركة بدأت تتآكل حركيتها السياسية، توجد اختلافات بين المجموعات الراديكالية والمتطرفة، لدينا اليوم السلفية الجهادية التي قامت بالكثير من الأعمال في مصر مثل حركة الجهاد المصرية التي يقودها أيمن الظواهري من أفغانستان، وهناك اتجاهات أخرى مثلاً: حركات تنتسب إلى حركة مصرية تسمى التكفير والهجرة في السبعينيات، وهذه الحركة تفاصل المجتمع وتكفره، وهذه المجموعات متصارعة فيما بينها، في الجزائر ذبح السلفيون الجهاديون أناساً من التكفير والهجرة والعكس، إذاً لا وجود لوحدة مطلقة بين هذه الجماعات التي كثيراً ما يخترقها عدد من أجهزة الاستخبارات.
ميشيل الكيك: تحدثنا بالطبع عن عنف هذه الجماعات وتفكيرها الأيديولوجي، لكن ظاهرة الانتحار، الانتحار والانتحار الجماعي أيضاً مع.. مع كل هؤلاء الناس، كيف.. كيف تفسرون هذه الظاهرة والتصميم لدى البعض على أن يكونوا انتحاريين في.. في عملياتهم؟
جيل كيبيل: أعتقد بوجود إشكالية حقيقية بشأن العلاقة بالعنف داخل الحركة الإسلامية وأن الجهاد –كما يقال- هو سيف ذو حدين نعرف متى يبدأ ولا نعرف متى ينتهي، وكان العلماء دائماً حذرين جداً جداً في تاريخ المجتمعات الإسلامية في هذا الصدد، لأنه يجب دائماً توجيه الجهاد نحو شيء محدد جيداً، فعندما يصبح الجهاد خارجاً عن السيطرة قد يتحول إلى فتنة، فتنة تدمر أساس وتنظيم المجتمعات الإسلامية في مجموعها.
ميشيل الكيك: إذا كانت العوامل التي تؤدي إلى تغذية هذا التطرف هي الفقر والجهل وبعض الطبقات الاجتماعية والوضع السياسي وما رافق ذلك، لكننا وجدنا الذي نفذوا عمليات نيويورك وواشنطن أنهم من الأغنياء والميسورين المتعلمين والمثقفين وأحدث التقنيات إلى.. إلى ما رافق، كيف.. كيف يمكن الجمع بين. بين كل ما تحدثتم عنه وما حلَّ في نيويورك وواشنطن؟
جيل كيبيل: حقاً ما حدث في نيويورك وواشنطن هو مرحلة جديدة تماماً مقارنة بما شاهدناه في التسعينيات فعندما وقعت في فرنسا الأعمال الإرهابية ذات العلاقة بالجماعة الإسلامية المسلحة الجزائرية عام 95 وعام 96، وعندما وقعت العملية الأولى ضد مركز التجارة الدولي، كانت أغلبية من قاموا بها من أصول اجتماعية متواضعة ومعدل الذكاء عند أفرادها ضعيف جداً وبوسائل مالية قليلة، لقد قاموا بما يمكن تسميته عمل هواة أما هنا فنحن نرى أناساً من أوساط ميسورة، والعديد منهم من شبه الجزيرة العربية درسوا في الغرب، إنهم بالأحرى عبارة عن مثقفين تحولوا إلى الراديكالية، وأرى أن هناك شيئين علينا النظر فيهما، الأول هو البحث عن التأثير الذي تكلمت عنه في تأثير تجربة المعسكرات بباكستان حول بيشاور حيث تشكل وسط مورس فيه ما يمكن تسميته غسل الدماغ عند السلفية الجهادية، مما جعل الذين ينخرطون في هذا المنطق يعيشون تجربة من القوة قولبتهم واستطاعوا البقاء على تلك الحال رغم أنهم عاشوا في المجتمعات الغربية لاحقاً، وحيث نهضوا صباحاً بعد أن قضوا ليلة صاخبة ليتلقوا الأوامر ويذهبوا ويفجروا الطائرات، لكن هذه الظاهرة تذكرنا بشيء آخر وقع في المجتمعات الغربية أيضاً، في الوقت الذي كانت فيه الحركة الشيوعية تسير نحو الانحدار والأفول، كان هناك أنواع من المجموعات الإرهابية بالغة التطرف، التي لها تركيبة اجتماعية نفسها، الجيش الأحمر في ألمانيا، والألوية الحمراء في إيطاليا، أو كارلوس الذي جاء أفرادها من أوساط ميسورة، كارلوس كان ابناً لرجل فنزويلي بالغ الثراء، لقد انخرطوا في تلك الحركات لأنهم ظنوا أنهم بالعنف وبضرب الرأسمالية في قلبها يمكن أن يثيروا لك النوع من الحماس، حماس الجماهير التي لم تعد مجندة في الحركة الشيوعية وجعلها تتجند من جديد، إذن توجد عناصر قابلة للمقارنة بين ديناميكية ما يسمى شبكات بن لادن حالياً في قضية نيويورك وواشنطن وبين إرهاب السبعينيات والثمانينيات في أوروبا.
ميشيل الكيك: لكن هذا المثال قد يحتذى ونجد أشخاصاً مثقفين آخرين وأغنياء آخرين ربما ينضمون إلى هذه القافلة من.. من الجماعات المتطرفة التي تنوي التصرف بنفس الطريقة فما رأيكم في الـ..؟
جيل كيبيل: هذا يرتبط بالثمن الذي سيدفعونه بمعنى أنه في سنة 95 كان هنا في فرنسا تطور صغير لمجموعات متطرفة لشبان من المهاجرين، وكان هناك رد فعل قوي جداً من المجتمع من المسلمين الذين يعيشون في فرنسا، الذين قالوا: كلا، إن هذا النوع من الأشياء سيدمر كل ما حاولنا بناءه للعيش في فرنسا، للعيش في انسجام ولإيجاد مكان لنا هنا، وأعتقد أننا سنرى كيف ستكون عليه ردود فعل المجتمعات الإسلامية حالياً إزاء هذا النوع من الظواهر، وما إذا كانت راغبة في قطع علاقاتها مع هذه المجموعات، إذن نقطة ضعف هذه المجموعات هي عدم وجود امتدادات لها في المجتمع، إنها منغلقة جداً، ومن ثم فعالة جداً وصعبة الاختراق على الشرطة والاستخبارات، هذه قوتها وقوتها لها مفعول المفاجئة، وضعفها هو عدم قدرتها على نشر دعوتها مباشرة في المجتمع، لأنها مقطوعة عن شبكة المساجد والخطباء، وهنا يكمن السؤال عن رد الفعل على الضربة، فهل محاولة الولايات المتحدة والغربيين عزل طالبان ستمكنهم من إرسال رسالة تسمعها الشعوب ومفادها العدل وتقاسم الثروة؟ أو على العكس من لك سنقوم بما يسمح لهذه المجموعات بالنمو لأنه سيكون عندها أرضية ملائمة، نقطة ضعف هذه المجموعات وألح على ذلك هي أنها مغلقة.. جداً، ومن هنا يمكنها إحداث خسائر جسيمة، لكن تواجهها صعوبات الانتشار.
مسؤولية الدول والمجتمعات المدنية في تشكيل هذه الجماعات
ميشيل الكيك: وهذا ما أريد أن أسأله، يعني مع -فرضاً- مع السيطرة الأميركية على أفغانستان، أو وضع نظام سياسي جديد في هذه المنطقة، هل تعتقد.. هذه الحركات ستعود وتنشط بشكل ربما معاكس، وبشكل أقوى؟
جيل كيبيل: في الواقع كان للولايات المتحدة مسؤولية كبرى بتنصيب نظام طالبان في أفغانستان، هم الذين كانوا مؤيدين لهذا النظام من عام 94 إلى عام 95 عبر الباكستانيين، لأنهم كانوا يظنون أن أفغانستان تحت سيطرة طالبان تمكنهم من التحكم في الأمور، كانوا يخشون تكرر تجربة لبنان من جديد، لبنان كما تعرف في الثمانينيات وقضايا الرهائن لم يكن هناك طرف يمكن التحاور معه، فحدث الأميركيون أنفسهم طالبان ومهما كان يدور في رؤوسهم من أفكار، ومهما كان علاقتهم بالمجتمع سيفرضون نظاماً نتعامل معه، وفي عام 96 كما أصبح نعرف الآن ذهب بن لادن إلى أفغانستان بمباركة أميركية بعد أن حاول السودانيون مقايضته، وظن الأميركيون أن وجود بن لادن في مكان معزول يمكن من مراقبته، بينما الحقيقة هي أفغانستان طالبان وفرت لشبكة بن لادن وما يدور حولها قاعدة تعمل انطلاقاً منها، قاعدة واسعة بما فيه الكفاية، واليوم يسير المنطق الأميركي عكس ما فعلوه في عام 96، يريدون تدمير القاعدة والطيران وشبكات الاتصال لعرقلة تطور المجموعات مستقبلاً.
ومن البداهة أن نتخيل شل قدرتها، هي التي نفذت عملية بتلك الإثارة في نيويورك وواشنطن، لكن طبعاً من غير المستعبد وقوع سلسلة من العمليات الأقل إثارة التي توقع خسائر جسيمة كذلك.
ميشيل الكيك: يعني المسؤولية تقع على عاتق المجتمعات المدنية في هذه الدول العربية والإسلامية، لكن أيضاً هناك مشكلة في الأنظمة السياسية في هذه المنطقة، مثلاً في عدة دول عربية شرق أوسطية تحديداً هناك أنظمة سياسية هي التي أدت إلى خروج هؤلاء وإقصائهم عن الساحة السياسية وإبعادهم عن الساحة السياسية، فهل يمكن لهذه الأنظمة برأيكم أن تحتوي سلمياً هذه الجماعات أو وتشركها في الحياة السياسية لكي نخفف من حدة التطرف؟
جيل كيبيل: نعم، لكن الصعوبة التي تشير إليها هي أيضاً صعوبة متعلقة بتنظيم الأنظمة السياسية، بمعنى أن العديد من دول المنطقة ضيعت الفرصة في نهاية التسعينيات عندما انتصرت على الحركة الإسلامية الراديكالية عسكرياً، وكان ذلك الوقت المناسب لفتح المجال السياسي أكثر، وربما ما يزال الوقت مناسباً بحيث تشارك الطبقات المتوسطة في الحياة السياسية.
مشكلات الشرق الأوسط والعالم الإسلامي عموماً اليوم هو أن السلطة السياسية تبقى مركزة في أيدي لا تريد حقاً فتحها على باقي المجتمع، وهذا يطرح طبعاً إذا استمر مشكلات السلم الاجتماعي في الأمد المنظور، وأعتقد أن هناك مجهوداً يجب القيام به في هذا المجال.
الحضارة الغربية والإسلامية بين الالتقاء والصراع
ميشيل الكيك: سؤال أخير قبل أن نختم هذه المقابلة وتريد أعتقد أن تجيبنا عليه باللغة العربية ويتعلق بكل ما قيل مؤخراً عن صراع بين الحضارات وعن تصادم بين الغرب والحضارة العربية والإسلامية، فما هو رأيكم في كل ما يقال؟
جيل كيبيل: والله أنا لا أظن أنه يمكننا التحدث عن صدام الحضارات، ليش؟ مثلاً نأخد مثال المسلمين الذين يعيشون في فرنسا، نجد ملايين من المسلمين يعيشون عندنا في فرنسا وهم يشاركون الثقافة الفرنسية معانا، يعني نشارك نفس الثقافة، نشارك نفس الحضارة، وهل هذا صدام الحضارات، أو هذا نوع جديد من إمكانيات البنية الاجتماعية؟ يعني نحاول أن نبني معاً حضارة جديدة، حضارة في الغرب مع المسلمين زي ما كان مثلاً حضارة الأندلس، أو حضارة سيسليا في الماضي، حضارة الاندماج والاختلاط الثقافي، مثلاً حضارة ابن رشد، وهي في نفس الوقت حضارة أفلاطون وحضارة ابن حزم، وحضارة أرسطو وابن عربي، وكذلك في.. في العالم الإسلامي اليوم المسلمين من السهل جداً اتصالهم بالثقافة وبالحضارة الغربية، يا عن طريق الهجرة، يا عن طريق العمل في الخارج، أنا أفتكر يعني لابد أن نعتدى بفكرة صدام أو صراع الحضارات، بل لابد أن نحاول أن نبني معاً، يعني ثقافة جديدة، ثقافة مشتركة، حضارة مشتركة من أجل مصلحة القرن الجديد الذي نعيش فيه جميعاً.
ميشيل الكيك: في ختام هذه الحلقة لا يسعنا إلا أن نشكر الدكتور جيل كيبيل (أحد أبرز المتخصصين الفرنسيين في الإسلام السياسي المعاصر) ونشكر أيضاً مشاهدينا الكرام على حسن المتابعة، وإلى اللقاء في حلقة أخرى من برنامج (لقاء اليوم).