جون برندر غاست.. مفاوضات السلام السودانية
مقدم الحلقة: | إسلام صالح |
ضيف الحلقة: | جون برندرغاست: المستشار الخاص لمجموعة الأزمات الدولية |
تاريخ الحلقة: | 08/09/2003 |
– الاتهامات الموجهة لمجموعة النزاعات بدعم الحركة الشعبية لتحرير السودان
– أسباب تعثر مبادرة إيغاد
– أوجه القصور في اتفاقية إيغاد
– ردود فعل الإدارة الأميركية في حال فشل المفاوضات
إسلام صالح: مشاهدينا الكرام، السلام عليكم ورحمة الله.
نرحب في هذا اللقاء بالسيد جون برندر غاست (مستشار مجموعة الأزمات الدولية) والتي هي أشهر بيوت الخبرة الدولية التي تمد هيئة الإيغاد التي ترعى المفاوضات بين الحكومة والحركة الشعبية بالبحوث والاستشارات المطلوبة لإدارة المفاوضات بين الطرفين.
السيد برندر غاست كان مديراً للشؤون الإفريقية في البيت الأبيض وفي مجلس الأمن القومي الأميركي إبَّان عهد الرئيس السابق (بيل كلينتون)، وله عدة بحوث وإصدارات فيما يتعلق بالقضايا والنزاعات الإفريقية.
الاتهامات الموجهة لمجموعة النزاعات بدعم الحركة الشعبية لتحرير السودان
والحقيقة قبل أن نشرع في تسجيل هذا اللقاء كنت أطالع الصحف السودانية التي نقلت تصريحات لوزير الخارجية السوداني ينتقد فيها دور مجموعتكم، ويصفه بأنه دور هدَّام وسالب على مفاوضات السلام التي تجري بين الحكومة والحركة الشعبية، والحقيقة هذا الشك ينظر إليه الكثيرون بأنه شك في مكانه باعتبار أن مجموعتكم ليس لها دور سوى مناصرة ودعم الحركة الشعبية لتحرير السودان في المفاوضات التي تجري بينها وبين الحكومة السودانية، ما هو ردكم على هذه الاتهامات؟
جون برندر غاست: من المؤسف حقاً الإطلاع على مثل هذه التعليقات لأننا في مجموعة الأزمات الدولية كنا دائماً نسعى لدعم الجهود الهادفة للتوصل لاتفاق سلام نهائي بغض النظر عن شكل هذا الاتفاق الذي يمكن أن يوقع عليه الطرفان، لم نيأس ولم نحاول طرح حلول بعينها على الطرفين، موقفنا كان دائماً هو أننا بحاجة لاتفاق ينتج عنه سلام شامل، وكذلك أن يحقق هذا الاتفاق الديمقراطية للشعب السوداني، هذا هو الأساس الذي اعتمدناه، فإذا كنا قد أثرنا حفيظة أحد الأطراف فإن هذا أمر مؤسف، وأتمنى من خلال حوار أكثر عمقاً أن يتم تجاوز هذه العقبة.
إسلام صالح: إذن لماذا تقتنع مجموعتكم بأن الدور الأكبر في عملية السلام السودانية يجب أن يظل بيد الولايات المتحدة دون سواها من الدول سواء كانت على المستوى الإقليمي أو المستوى العالمي أو حتى المنظمات التي يمكن أن تسهم إسهاماً فعَّالاً في دفع جهود السلام السوداني؟
جون برندر غاست: في رأينا إنه في مرحلة معينة من المفاوضات فإن كلا الطرفين بحاجة إما إلى التشجيع أو ممارسة الضغوط لكي يكون هذا الطرف أكثر جدية، لذلك فإن الولايات المتحدة تلعب الدور الرئيسي في هذا الجانب، ويمكن أن تلعب دوراً اكبر من ذاك الذي تقوم به الآن حتى يمكن تجاوز العقبات التي تمر بها المفاوضات، فإذا ما مارست درجة أعلى من الضغوط وقدَّمت شروطاً أفضل من الإغراءات لتدفع بهذه المفاوضات إلى الأمام، قلنا أيضاً في عدة مناسبات إن الدولتين الأهم الآن فيما يتعلق بسلام السودان هما الولايات المتحدة ومصر، لأن بمقدورهما التأثير على كل من حكومة الخرطوم والحركة الشعبية للتوصل لحل سلمي ونهائي. قناعتنا هي أن هناك دوراً لأي طرف على المستوى الإقليمي والدولي، لأن الأمر يتطلب جهداً جماعياً للتوصل للسلام في السودان.
إسلام صالح: يقال إنكم شخصياً كان لكم دور كبير في إقناع الإدارة الأميركية السابقة بعزل وإبعاد مصر وليبيا عن جهود السلام السودانية خاصة وأن مصر وليبيا كانت قد تقدمتا بمبادرة مشتركة لحل الأزمة السودانية، هل هذا الاتهام صحيح؟
جون برندر غاست: عندما كنت أعمل في الإدارة السابقة، وكما هو الحال الآن حين لا يكون لديك مفاوضات متحركة، وتحقق قدراً من النجاح ثم تظهر مبادرة جديدة فإن أحد الأطراف سيحاول الانسحاب من هذه المفاوضات لأنه غير سعيد بالاتجاه الذي تسير إليه الأمور، ما حدث خلال عامي 99 و2000 أنه كان لدينا مبادرتان متنافستان واحدة ترعاها منظمة الإيغاد وأخرى ترعاها كل من مصر وليبيا، هذا الوضع كان غير مجدي وكانت كل من الحكومة والمعارضة تتقدمان وتتراجعان ما بين هاتين المبادرتين، وبالتالي لم يحدث أي نوع من التقدم، ما أفضله أنه في نهاية الأمر سيقبل الطرفان بمبادرة واحدة، لأنه لا يمكن التوصل لسلام عن طريق وسطاء متناقضين في أهدافهم ومصالحهم.
أسباب تعثر مبادرة إيغاد
إسلام صالح: ألا ترى أن مبادرة الإيغاد لم تحرز حتى الآن تقدماً ملموساً على أرض الواقع، الفشل المتكرر مازال يصيب مفاوضات السلام السودانية، ما هو السبب الرئيسي في تقديركم لهذا الفشل؟
جون برندر غاست: أعتقد أنه من العدل الحكم على مبادرة الإيغاد من خلال ما أحرزته خلال العام والنصف الأخير من عمرها عندما تم تعيين الجنرال (لازروس سيمبو) القائد العام السابق للجيش الكيني كرئيس للمفاوضين، هذا هو الوقت الذي أصبحت فيه الإيغاد مبادرة جادة ولديها شراكة مع المجتمع الدولي على نحو أكثر اتساعاً بما يشمل مصر، وبالتالي أصبح هناك عدد من العناصر الفاعلة، وفي يوليو عام 2002 حدث الاختراق الأكبر في المفاوضات عندما تم التوقيع على اتفاق مشاكوس الإطاري، وذلك عندما قبلت الحكومة في الخرطوم بمنح حق تقرير المصير لجنوب السودان مقابل الإبقاء على قوانين الشريعة الإسلامية في شمال البلاد.
الحقيقة أن هذا الاتفاق قرَّب مواقف الطرفين بحيث أصبح التوصل لاتفاق ممكناً، بالطبع مازالت هناك بعض القضايا الأساسية التي لم يتم التوصل لاتفاقٍ بشأنها، لكني أعتقد أن مبادرة الإيغاد قد قرَّبت الطرفين أكثر فأكثر نحو السلام، وسيكون من غير الملائم التخلي عنها الآن، فإذا ما توصَّلنا لقناعة بأن الإيغاد قد فشلت فإنه يتعين علينا البحث عن خيار آخر، لكنها لم تفشل حتى الآن، وفي كل المفاوضات التي كنت لصيقاً بها في مناطق مختلفة من العالم، فإنه كلما اقتربنا من الحل كلما واجهنا المزيد من الصعاب.
إسلام صالح: سيد برندر غاست، ألا تتفق معي في أن الخلل الرئيسي في مبادرة الإيغاد هو إبعاد القوى السياسية الرئيسية في السودان عن هذه التسوية الجارية الآن، المعارضة الشمالية بالأحزاب التي تمثل الثقل في المجتمع السوداني معزولة عن هذه المفاوضات، وبالتالي فإن باب التوتر سيظل مفتوحاً في السودان ما لم تُستوعب هذه القوى؟
جون برندر غاست: نعم، هذا خلل رئيسي، لكنه ليس بالخلل أو الخطأ القاتل، فمنذ وقت مبكر كنا في مجموعة الأزمات الدولية نقول على الدوام إن المشكلة الأكبر التي تواجه مبادرة الإيغاد هو أنها لا تشمل السواد الأعظم من السودانيين، لأن التنظيمات التي تمثل الأغلبية من مثل حزب الأمة وكذلك الفصائل المكوِّنة للتجمع الوطني الديمقراطي ليسوا جزءاً من هذه التسوية، لكن التسوية تمضي الآن دون أن يكون هؤلاء جزءاً منها، وهذا أمر مؤسف لأنه كان من الممكن أن تثري هذه التنظيمات النقاش على طاولة المفاوضات، مع ذلك فإن بعض هؤلاء حاول التعبير عن مواقفه عبر اتصاله بطرفي التفاوض وعبر لقاءاته بالوسطاء، وبالطبع لم يكن ذلك كافياً، ولذلك يجب أن تكون هناك مواجهات واضحة في الاتفاقية عن الكيفية التي يتم بها استصحاب بقية الأطراف في الفترة الانتقالية وكذلك عن الكيفية التي سيمثَّلون بها في الحكومة المقبلة، وهكذا فإنه على الرغم من أن هذه القوى قد تم عزلها عن التسوية الحالية، لكن هناك عدة سبل لتشارك هذه القوى في تنفيذ الاتفاقية التي قد يتم التوصل إليها، وأنا أقر بأن هذا ليس كافياً، لكن هناك فرصة لدفع عملية السلام، وكلما تقدمت هذه العملية كلما أمكن استقطاب أطراف أخرى.
[فاصل إعلاني]
أوجه القصور في اتفاقية إيغاد
إسلام صالح: وجه آخر للقصور في مبادرة الإيغاد هو أنها لا تضع أي تصور لكيفية التحول الديمقراطي في السودان، هي تتحدث عن تسوية بين طرفين هما الحكومة والحركة الشعبية، لكنها لا تضع أي مسار لقضية التحول الديمقراطي، كيفية احترام حقوق الإنسان، في ظل غياب هذه العناصر الرئيسية كيف نضمن ديمومة اتفاقية السلام التي يمكن أن يتوصل إليها الطرفان؟
جون برندر غاست: نعم هذا سؤال جيد، هذه الاتفاقية لن تكون اتفاقية دائمة إذا ما ظلت اتفاقية بين طرفين لا ثالث لهما، خاصة إذا ما ظل هذان الطرفان غير ديمقراطيين ولذلك فأنا أعتقد أن واحداً من أهم العناصر التي تضمنتها المقترحات المطروحة الآن هو أن تجرى الانتخابات خلال ثلاث سنوات، هذا ينطبق على الانتخابات العامة بمثل ما ينطبق على الانتخابات المحلية، الأمر الذي سيفضي بشكل من الأشكال إلى تحول ديمقراطي، وهو التحول الذي يتطلع إليه الشعب السوداني، لكن الأمر لا ينتهي عند هذا الحد، لأن الاتفاقية تنص على مراجعة وتعديل الدستور بمشاركة كل القوى الرئيسية في السودان لذلك فإن الجميع سيجلس إلى طاولة المفاوضات عندما يبدءون في إعادة صياغة الدستور، فلن يكون بمقدور الحكومة والحركة بمفردهما أن يقوموا بهذه المهمة دون سائر القوى، ثم إنه يجب أن تكون هناك حكومة وحدة وطنية قبل إجراء الانتخابات بحيث تمثل فيها كافة الأحزاب والفاعليات السياسية، وهذا سيكون هو التحدي الأساسي للجميع، لكن الضمان الحتمي لتنفيذ هذه الاتفاقية يكمن في إجراء انتخابات حرة ونزيهة تسمح لكل طرف من الأطراف بأن يكون جزءاً من الاتفاقية خلال ثلاث سنوات، ومن ثم سيكون هذا هو التحول الديمقراطي الذي يضع الأساس لتنفيذ واستمرار اتفاقية السلام.
إسلام صالح: المفاوضات متعثرة الآن وذلك بسبب تمسك الحركة الشعبية بوثيقة (ناكورو) التي تتضمن مقترحات الإيغاد لقضايا قسمة السلطة وقسمة الثروة والترتيبات الأمنية بين الطرفين، بينما تتمسك الحكومة بالرفض لهذه الوثيقة التي تعتبرها مُكرِّسة لانفصال جنوب السودان عن شماله، ما هو المخرج في رأيك؟
جون برندر غاست: نعم، على نحو ما هذا سؤال متعلق بإشكاليات إجرائية وعلى نحو آخر فإنه يذهب أبعد من ذلك، الحكومة لم تقبل بالمقترحات التي تضمنتها وثيقة ناكورو، لذلك فهي تنادي بإسقاط هذه الوثيقة والعودة مجدداً لمناقشة القضايا الخلافية، الحركة من جانبها ترى أن الوثيقة تُعطي الفرصة للمرة الأولى للاقتراب من القضايا الأساسية للأزمة السودانية، وبالتالي فهي تتخوف من أنها إذا ما تنازلت عن هذه الوثيقة وعادت للنقاش المعمم، فإنها ستفقد الفرصة الوحيدة لإمكانية التوصل لاتفاق سلام شامل، لذلك فهي تتمسك بالوثيقة وبكل القوة.
نحن نتفهم بأن كلا الطرفين لديه مصلحة ما في موقفه إزاء الوثيقة، لكن من المؤسف أن نرى أن كلا الطرفين يجادل بحجج نابعة من مواقف مبدئية حول قضايا إجرائية، وهذا ليس مفيد على الإطلاق.
لقد خاب أملي خلال الأسابيع الماضية بسبب موقف الحكومة قبل بدء المفاوضات، وكذلك موقف الحركة الشعبية خلال سير المفاوضات، لأن كلا الطرفين كان متشدداً للغاية، لكن مع ذلك أعتقد أنه يجب أن يكون هناك تفهم وتقدم للأمام بأن تصبح هناك مرجعية واضحة لوثيقة ناكورو ولبقية الاتفاقات الجزئية التي توصل إليها الطرفان في السابق، أما ما يتعين على الوسطاء الآن هو تقديم جدول أعمال واضحٍ للمفاوضات ومرتبط بالاتفاق.
إسلام صالح: إذن في تقديركم ما هو السيناريو المرتقب إذا ما فشل الطرفان في التوصل لأي اتفاق؟
جون برندر غاست: في مرحلة ما سيتعين على الوسطاء تحديد الطريقة التي يمكن بها وضع نهاية لهذا النزاع، وذلك عن طريق تقديم مقترح لاتفاقية سلام ودعوة الطرفين في تاريخ ومكان محددين للتوقيع، ومع الوسطاء ينبغي البحث أيضاً عن طريق ثابت، وإرغام الطرفين على العودة إلى طاولة المفاوضات، وإذا ما تخلف أحدهما عن الحضور فيجب تحديد الطرف المتسبب في هذا الفشل، أعتقد أنه في هذه الحالة فإننا سنكون أمام سيناريو آخر، حيث يمكن للمرء أن يتخيل أن كل طرف سيحاول إلقاء اللوم على الطرف الآخر، لكن الأهم من ذلك أن الطرف الذي سيتسبب في إفشال هذه المفاوضات ستقع عليه عقوبات مختلفة ومتنوعة كما سيتم تحديد المسؤول عن إفشال مسلسل السلام، كما أننا نتوقع أن النتيجة الحتمية للفشل في التوصل لاتفاقٍ ستكون هي العودة مجدداً إلى الحرب.
ردود فعل الإدارة الأميركية في حال فشل المفاوضات
إسلام صالح: وإذا ما قُدِّر أن الحكومة السودانية رأت أن الاتفاقية المقترحة من قبل الوسطاء غير مقبولة بالنسبة لها، كيف تتنبأ برد فعل الإدارة الأميركية؟
جون برندر غاست: لا أعتقد أن الأمر مجرد تنبؤ، لأن الإدارة الأميركية واقعة بالفعل تحت ضغوط قوية من قِبَل الكونجرس، وأعتقد أن عدداً من الشخصيات الناشطة داخل الكونجرس لديها أجندة أكثر تشدداً من تلك التي تتبناها الإدارة تجاه الحكومة السودانية، لذلك سيكون هنالك ضغط من قِبَل الكونجرس لتأسيس محاكم لجرائم الحرب تطال بعض المسؤولين في السودان، هؤلاء في الكونجرس لديهم النموذج الذي تم تطبيقه على (تشارلز تايلور) في ليبيريا، وهم سيرغبون في إعادة نفس السيناريو في السودان، وفي اعتقادي أنه إذا كنت قريباً من التوصل لسلامٍ، فإنه من السهل التفكير في مثل هذا النوع من الضغوط، وكذلك فإن بعض ناشطي الكونجرس يرون أهمية تقديم دعمٍ للحركة الشعبية، والحقيقة أن الإدارة الأميركية راغبة بالفعل في إعادة المفاوضات لمسارها الطبيعي، لكنها ستكون واقعة تحت ضغوط من هذا القبيل من قِبَل الكونجرس، وهناك بعض الشخصيات داخل البيت الأبيض لديها رأيها حول المدى الذي ينبغي أن نذهب إليه فيما يتعلق بموضوع السودان، لذلك فإنه إذا ما تسببت حكومة الخرطوم في إفشال مساعي السلام فإن الذين يمكن أن نطلق عليهم لقب الصقور داخل الإدارة الأميركية سيرتفع صوتهم في المناداة بتبني إجراءات أكثر صرامة تجاه السودان.
إسلام صالح: ألا تعتقد أن قانون سلام السودان الذي تتبناه الولايات المتحدة قد ألقى بظلاله السالبة على المفاوضات، بمعنى أن الحركة الشعبية مازالت متصلبة في موقفها التفاوضي بسبب قناعتها بأن الحكومة السودانية تقع تحت الضغوط الأميركية وتحت ضغوط سلام السودان، ألم يؤثر ذلك سلباً على سير المفاوضات؟
جون برندر غاست: أعتقد أن هناك سوء فهم لقانون سلام السودان، لذا من المهم أن أوضح، القانون يقول إنه إذا توصلت الإدارة الأميركية إلى أن الحكومة السودانية هي الطرف المسؤول عن انهيار المفاوضات، فإن هذا يعني استمرار العقوبات الموقعة سلفاً على السودان، وفي الحقيقة أن واشنطن تتخذ موقفاً معادياً للسودان في عدد من المحافل الدولية الهامة، من مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، إذن ليس هناك جديد في الموضوع، وفي جانب آخر فإن القانون ينص على منح مائة مليون دولار سنوياً لجنوب السودان لمدة ثلاث سنوات، وهي في شكل منحة، هدفها تأهيل جنوب السودان لفترة ما بعد السلام، لتمويل جهود التنمية والصحة والتعليم، وبالطبع فإن هذه المنحة ليست مخصصة لتسليح الحركة الشعبية بجنوب السودان، إذا ما فشلت جهود السلام.
القانون في حد ذاته لا يعطي شيئاً جديداً للإدارة الأميركية، وأنا لست قلقاً بشأن قانون سلام السودان، الذي حاول البعض استغلاله بشكل يخالف أهدافه، ولكنني قلق بشأن إجراءات جديدة يمكن أن يتخذها الكونجرس، أما قانون سلام السودان فهو قانون أسيء فهمه للغاية، فهدف القانون هو الضغط على الحكومة لكي يكون لديها الدافع لتحقيق السلام، أعتقد أن تحميل هذا القانون مسؤولية تعثر المفاوضات هو اتهام في غير محله، لأنه قانون من دون أنياب.
إسلام صالح: الحقيقة هناك شكوك سودانية وشكون عربية إزاء التدخل الأميركي، أو الاهتمام الأميركي بموضوع السلام السوداني، البعض يرى أن الولايات المتحدة تطمع في الموارد الطبيعية التي يتمتع بها السودان، البعض الآخر يرى أن الولايات المتحدة تهدف من تدخلها في الشأن السوداني إلى تقسيم السودان، إلى أي مدى هذه الشكوك صحيحة؟
جون برندر غاست: أعتقد أنها غير صحيحة، أولاً: يجب أن نقر بأنه لا يوجد ما يسمى بالرأي الأميركي أو الموقف الأميركي، أميركا عبارة عن خليط من كل شيء، وزاخرة بمختلف الأفكار والآراء وأنماط السلوك، لكن بصورة عامة فإن من يصنعون السياسة في الإدارة الأميركية، في الإدارة السابقة أو الحالية. يرغبون في رؤية سودان موحد، لكنه مُوحَّد على أسس طوعية، وأعتقد أن الصادق المهدي وعدداً من القيادات السودانية الأخرى قد أوضحوا هذه النقطة بطريقة جلية وواضحة، الوحدة الطوعية هي الحل المثالي، لأن الناس سيشعرون بأن مصلحتهم تكمن في بقائهم في ظل سودان موحد، تتساوى فيه الحقوق والواجبات.
صانعو السياسة الأميركية لا يرغبون في رؤية سودانٍ منقسم، أو رؤية دولة مغلقة في أعالي النيل، تطفح بكل ما يخطر على البال من مشاكل وأزمات.
ثانياً: وفيما يتعلق بموارد السودان وقضية البترول السوداني، فبصراحة إسهام السودان في سوق الطاقة الدولية ضئيل للغاية، مصلحة الولايات المتحدة في البترول الإفريقي توجد في خليج غينيا من نيجيريا وحتى أنجولا، وهذه هي الموارد الحقيقية للبترول في إفريقيا، وهذه هي المناطق التي يتم فيها استثمار جهود العلاقات الخارجية للولايات المتحدة، إذن البترول السوداني خارج حسابات الإدارة الأميركية، وأنا أعلم أن الحكومة السودانية اعتقدت في وقتٍ ما أنه بوصول أحد رجالات صناعات النفط من تكساس إلى البيت الأبيض، فإنها قد حصلت على حليف لها في واشنطن، لكن بالطبع لم يكن هذا هو الحال، وإذا ما ظهرت استكشافات ضخمة للنفط في السودان، ربما يتغير الوضع، نحن نريد أن نرى الديمقراطية تزدهر في هذا البلد، أما كيف يتم التعبير عن الموقف الأميركي، فإن ذلك يتم عن طريق آراء ومواقف متعددة، لكن الدافع الحقيقي ليس هو تقسيم السودان، وليس هو النفط السوداني، لكنه البعد الإنساني في القضية.
إسلام صالح: سيد جون برندر غاست (المستشار بمجموعة الأزمات الدولية) شكراً جزيلاً لك، وشكراً لكم مشاهدينا الكرام، والسلام عليكم ورحمة الله.