
إيغور إيفانوف .. علاقات روسيا بالشرق الأوسط
مقدم الحلقة | أكرم خزام |
ضيف الحلقة | إيغور إيفانوف: وزير الخارجيَّة الروسي |
تاريخ الحلقة | 16/11/2000 |
![]() |
![]() |
أكرم خزام:
أعزائي المشاهدين، أهلاً وسهلاً بكم في هذه الحلقة الجديدة من برنامج (لقاء اليوم) التي أجريناها مع (إيغور إيفانوف) وزير الخارجيَّة الروسي الذي تفضل مشكوراً بالإجابة عن أسئلتنا قبيل توجهه إلى بغداد، ومن ثمَّ إلى عدد من بلدان منطقة الشرق الأوسط.
السيد الوزير، العراق هو المحطة الأولى في جولتكم الشرق أوسطيَّة، هل هذا مجرد صدفة؟ ثم هل تحملون في جعبتكم مبادرة محددة لحل الأزمة حول العراق؟
إيغور إيفانوف:
تشمل زيارتي منطقتين متأزمتين للأسف هما: الشرق الأوسط والخليج العربي، وفي الحالتين تتمثل المهمة الرئيسيَّة في المساعدة على إحياء عمليَّة التسوية الشرق أوسطية، كذلك المساعدة في تسوية الوضع حول العراق، وفيما يخص العراق فإن روسيا تدعو إلى رفع العقوبات عنه بدون إبطاء، على أن يتلازم ذلك، وفي نفس الوقت مع إعادة الرقابة الدوليَّة على البرامج العسكريَّة المحظورة طبقاً لقرارات مجلس الأمن الدولي ذات الصلة، ونعتبر أن الوضع الراهن الذي نقيمه على أنه مأزقي لا يستجيب لا لمصالح العراق، ولا لمصالح المجتمع الدولي، ولا أيضاً للاستقرار في منقطة الخليج الدولي.
ونعتبر كذلك أن من الضروري وضع خطوات تسمح بتطبيق قرارات مجلس الأمن من جهة، كما تضمن فرض الرقابة الفعَّالة كما قلت آنفاً على البرامج العسكريَّة المحظورة، ولهذا الغرض من الضروري إعادة إحياء الحوار وإقامة الحوار البنَّاء بين العراق وهيئة الأمم المتحدة، ولدينا مقترحات محددة في هذا الشأن، بحثناها بصورة مسبقة مع الأمين العام للأمم المتحدة، وعدد من الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن، ونزمع بحثها مع القيادة العراقيَّة.
وأريد التأكيد مرة أخرى أن المهم في هذا الأمر هو إحياء الحوار البنَّاء بين العراق والأمم المتحدة، ومن جهة أخرى لابدَّ من رسم أفق واضح يؤدي –كما قلت– إلى الرفع السريع للعقوبات الدولية عن العراق، كذلك إلى إعادة الرقابة الفعَّالة على البرامج العسكرية والمحظورة وفقاً لقرارات مجلس الأمن الدوليّ ذات الصلة.
أكرم خزام:
من المعروف أنه ما أن تكثف روسيا جهودها لحل أزمة العراق حتى تعمد واشنطن من جهتها إلى تنفيث هذه الجهود، هل توصلتم إلى اتفاق ما مع الولايات المتحدة بشأن مقترحاتكم الجديدة؟
إيغور إيفانوف:
بداية أريد التأكيد على أن الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن ملزمون بدون استثناء بالعمل على جعل القرارات المتخذة في مجلس الأمن قابلة للتطبيق. وهذه الالتزامات تشمل روسيا، كما تشمل الولايات المتحدة والأعضاء الآخرين في مجلس الأمن، لذا علينا جميعاً العمل –وقبل أي شيء– على المساعدة في خلق المناخ المواتي لتطبيع الوضع وتطبيق القرارات الدوليَّة.
وفي هذا الصدد طالما دعت روسيا بشدة –ومازالت– الولايات المتحدة وبريطانيا إلى وقف القصف الجوي ضد العراق، هذه الضربات الجويَّة التي تمثل خرقاً لميثاق الأمم المتحدة وخرقاً للقانون الدولي، وهذا الشرط ضروري كخطوة هامة نحو تطبيع الأوضاع، ليس حول العراق فحسب، بل وفي منطقة الخليج العربي أيضاً، ونعتقد أن ذلك يستجيب لمصالح العراق ولجيران العراق أيضاً.
أما فيما يخص التنسيق فنحن نجري مشاورات مستمرة في إطار مجلس الأمن الدولي، وفي الوقت نفسه من واجب كل دولة، كل عضو في المجلس أن يقدم إسهامه، لذلك أستطيع القول إنني أناقش الآن خطة ما متفق عليها في مجلس الأمن، فكما ذكرت وضع التسوية موجود في مأزق الآن، وبالتالي ما يجرى هو استطلاع، استطلاع خطوات محتملة، وكما تعملون فقد كان السيد (بليكس) في موسكو منذ أيام، وقد بحثنا معه في هذه المواضيع، وبحثنا هذه المواضيع أيضاً في قمة روسيا والاتحاد الأوروبي، بمعنى آخر نعتبر أنه لا يجوز الجلوس مكتوفي الأيدي والاكتفاء بمراقبة كيف تتعقد الأوضاع، بل لابدَّ من اتخاذ خطوات فعَّالة وبنَّاءة تسمح لاحقاً باستكشاف سبل الخروج من هذا الوضع.
أكرم خزام:
ثمة أحاديث تدور حول استعداد روسيا للعب دور الوسيط بين العراق والكويت والعربيَّة السعوديَّة، ما مدى صحة هذه الأحاديث؟
إيغور إيفانوف:
أعتقد أنه من غير الدقيق الحديث عن وساطة ما، إنما روسيا تملك علاقات متبادلة مع العراق، كما تملك علاقات جيدة مع الكويت والعربيَّة السعوديَّة، ونعتبر أننا قادرون، أو أننا مستعدون على الأقل لتقديم العون في تطبيع العلاقات، وأنتم تعلمون أننا قمنا بمثل هذه المهمة في الماضي القريب، ونحن مستعدون للمساعدة لاحقاً في العمل على إقامة منطقة سلام وتعاون واستقرار في الخليج.
ونرى أن هذه هي الخطوة التالية إلى جانب التسوية العراقيَّة، فتسوية الوضع حول العراق غير كافية لوحدها –لا أشك أنها خطوة أولى وهامة- لكن إذا كنا نريد حقاً أن يصبح الخليج العربي منقطة سلام واستقرار على المدى البعيد من الضروري إيجاد خطوات أخرى شاملة، وإقامة إجراءات الثقة والأمن في هذا المنطقة، ولدينا مقترحات محددة في هذا الشأن أيضاً، لكن تحقيقها على الأرض سيكون ممكناً بعد تسوية الأوضاع حول العراق.
أكرم خزام:
أعلن طارق عزيز مؤخراً في تصريح تليفزيوني أن روسيا فقدت ثلاثين مليار دولار جَّراء استمرار العقوبات الاقتصاديَّة ضد العرق، كيف تقيمون هذا الوضع؟ وما هو الدور الملقى على روسيا للحصول على هذه الأموال؟
إيغور إيفانوف:
لم تخسر روسيا وحدها، إنما روسيا فقدت –فعلاً- مبالغ كبيرة تقدر بثلاثين مليار دولار أو أكثر، وقد توصلنا إلى هذه الأرقام بنتيجة الحسابات التي أجريناها أخذاً في عين الاعتبار الأموال التي فقدناها بنتيجة الأزمة، وكذلك العائدات المقترضة التي فقدناها بعد وقف العلاقات مع العراق، وهذه المبالغ تضاهي ثلاثين مليار دولار، وقد أطلعت الأمين العام للأمم المتحدة على هذا الأمر.
ونعتقد أن ما فقدناه من الصعب تعويضه بالكامل، لكن الإحصاء السريع للتعاون الاقتصادي، والرفع العاجل للعقوبات الاقتصاديَّة عن العراق يسمحان لنا بالتأكيد بالتوسيع التعاوني والتبادل الاقتصادي مع العراق بشكل جدي بحيث لا تتراكم الخسائر إن لم يكن ثمة رجاء في تعويض ما فقدناه، وبالتالي تطوير التعاون مع العراق ومع بقية بلدان الخليج، وأود التأكيد على أننا معنيون بتطوير التعاون البناَّء مع الكويت ومع العربيَّة السعودية، وبلدان الخليج الأخرى، ونعتبر أن ثمة إمكانيات كبيرة حقاً لتحقيق هذا الغرض، ومن أجل تجسيد هذه الإمكانيات لابدَّ من الخروج من هذه الأزمة القائمة في المنطقة.
[فاصل إعلاني]
أكرم خزام:
السيد الوزير، يتحدث الكثيرون عن أن الوضع في الشرق الأوسط وصل حد المأزق، أمَّا روسيا فتتحدث عن إمكانية للتوصل إلى حل بين الفلسطينيين والإسرائيليين، الأمر الذي يسهل فرض الحل السلمي، ما هو الأساس الذي اعتمدتم عليه في إطلاق هذا التفاؤل المشوب بالحذر؟
إيغور إيفانوف:
أولاً: لا أستطيع وصف الوضع القائم بالمأزق، فالتاريخ يعلمنا أنه لا توجد أوضاع مهما بدت صعبة ومعقدة يصعب إيجاد مخرج منها إذا ما توفرت الإرادة لإيجاد مخرج عن طريق الجهود السياسيَّة، لذا أنا أعتبر أن هذا ليس مأزقاً، بل أزمة، أزمة حادة تتأجَّج في الشرق الأوسط ليس للمرة الأولى، لذلك وقبل كل شيء لابَّد من فهم أن أي حل بالسبيل العسكري غير ممكن في الشرق الأوسط، الحل يمكن عن طريق المباحثات السياسيَّة والجهود الدبلوماسيَّة، وقد أثبتت السنوات العشر الأخيرة أن هذا السبيل فقط يدفع نحو التسوية.
ومهما قيل ويقال فقد تحقَّق الكثير في الشرق الأوسط بعد مؤتمر مدريد، وذلك بفضل الجهود المشتركة، وأؤكد الجهود المشتركة من قِبل كافة الدول، وهذا إنجاز مشترك، ورأس مال مشترك يُفترض الحفاظ عليه وعدم تبذيره، وفي هذا الصدد فإن المهمة الرئيسيَّة اليوم وفي هذه اللحظة إنما تتمثل في وقف العنف فوق الأرضي الفلسطينية، فالعنف في الأرضي الفلسطينية يحمل يومياً ضحايا جدداً وآلاماً جديدة للسكان المدنيين.
كما أنه يعقِّد –وهذا المهم– عملية إحياء المفاوضات السلميَّة، عملية التسوية السياسية للوضع في الشرق الأوسط، وهذا هو السبيل الوحيد لإقامة سلام مضمون ودائم في هذه المنطقة، لذلك أعتبر أن المهمة الأولى أمامنا، أمام روسيا والمجتمع الدولي عامة هي ألا نتنافس وأن نكون شركاء في مهمة مشتركة، وهذه المهمة تتمثل في تحقيق تلك الاتفاقيات الموقعة حتى اليوم حول وقف العنف.
المرحلة الثانية تتمثل بتطبيع الوضع، للأسف لقد دفعت هذه الأزمة إلى الخلف أجواء الحوار بين البلدان العربيَّة وإسرائيل، ومن دون حوار من الصعب بدء القيام بمفاوضات، لذا لابد من بذل جهود مشتركة من أجل إعادة الثقة الضعيفة التي اهتزت، والمفترض توفرها لإجراء المفاوضات، وهنا فإن روسيا التي تملك علاقات طيبة مع العالم العربي، والتي تملك الآن علاقات واتصالات نشطة مع إسرائيل مستعدة للعب دورها.
وأشير هنا إلى أننا لا نطمح إلى دور ما مميز، بل علينا التنسيق والتعاون مع الولايات المتحدة ومع الاتحاد الأوروبي والبلدان الأخرى، ومع كل القادرين على تقديم الإسهام والعون، هذه المهمة الأولى، لأنه بدون حل هذه المهمة أي إذا لم نستطع وقف العنف في الأراضي الفلسطينية فلن يكون من الممكن الحديث عن أي أمور أخري.
ثانياً: وكما قلت -سابقاً– علينا العمل لإحياء أجواء الثقة، أي خلق الشروط من أجل التفاوض.
وثالثاً: استئناف عمليَّة التفاوض، علماً أن ذلك لا يعني أنه ينبغي البدء بالمفاوضات من صفحة بيضاء، الأمر ليس كذلك، لا.
لابد من الحفاظ على كافة الاتفاقيات بدءاً من مؤتمر مدريد، والتي في أساسها قرارا مجلس الأمن الدولي (242) و (338)، والقرارات الأخرى التي تمَّ التوصل إليها.
يجب الحفاظ على هذه الأمور كلها، كذلك الاتفاقات التي تمَّ التوصُّل إليها مؤخراً ثم المضي قُدماً، وندرك جيداً أنها عملية صعبة، لكن من الضروري التقدم والسير المتلازم في هذه المسارات الثلاثة الرئيسيَّة للتسوية، لا يجوز التسابق فيما بين هذه المسارات، لأن ذلك لن يؤدي إلاَّ إلى تعقيد المفاوضات، لابد من المُضي في المسارات الثنائيَّة وفي مقدمتها –طبعاً– المسار السوري الإسرائيلي، والمسار اللبناني الإسرائيلي، والمسار الفلسطيني الإسرائيلي، كذلك المسار متعدد الأطراف، والذي تبحث في إطاره المشاكل المشتركة الهامة للمنطقة كلها.
ومن وجهة نظرنا لابد من التقدم في هذه الاتجاهات جميعاً، والآن علينا مناقشة الشكل المقبول لهذه المفاوضات، وربما –أيضاً– مسألة توسيع دور روسيا كأحد راعيي هذه العمليَّة، هذا إذا وافقت الأطراف المعنيَّة طبعاً، واليوم ثمة دعوات توجه إلينا من هذا الطرف ومن ذاك، وأقصد هنا البلدان العربيَّة وإسرائيل من أجل أن تلعب روسيا دوراً فاعلاً، وإذا كان هذا الاستعداد متأخراً حقاً فإن روسيا لن تتهرَّب من لعب هذا الدور بفاعليَّة.
أكرم خزام:
فيما يخص وقف العنف .. ما هي التصُّورات لديكم؟ ما هي الخطوات العملية لتحقيقها ؟
إيغور إيفانوف:
لا يجوز التفكير أو عقد الآمال في بعض الأحيان على أن يأتي أحد ما ويعرض تركيبات سحرية قادرة – فجأة – على تغيير الأوضاع جذرياً، هناك اتفاقات جرى التوصُّل إليها في شرم الشيخ، ونعتبر هذه الاتفاقات معقولة، وقد أيَّدناها من جانبنا، كذلك قبل الطرفان بها، وليس مطلوباً اليوم ابتداع شيء ما جديد، فالمهمة المطروحة الآن هي تطبيق ما اتفق الطرفان عليه، فالطرفان قد توصلا إلى اتفاق، والتزما بتعهدات معينة.
وبالتالي نرى أن مهمة روسيا والمجتمع الدولي عامة ليس اختراع شيء ما جديد، إذ من الصعب اختلاق أشياء جديدة، وتلك المقترحات العقلانيَّة تم تباحثها مُسبقاً مع روسيا، وقد أيدناها من جانبنا، ومن الضروري فصل الأطراف والعودة إلى تلك النقطة التي كانت موجودة قبل الأزمة، كذلك من الضروري اتخاذ الإجراءات الكفيلة بوقف العنف، وأعتقد أن هذه الإجراءات معقولة، ولن نقترح أشياء جديدة، بل سنناقش كيفية التطبيق العملي لتلك الاتفاقات التي تم التوصُّل إليها وما هو المطلوب لتحقيق ذلك .
أكرم خزام:
مؤخراً استقبلتم شخصيات إسرائيليَّة رسميَّة، وأيضاً محمود عباس، ما هو شعوركم ؟ هل لمستم استعداداً للتوصل إلى حل ما بين الفلسطينيين والإسرائيليين؟
إيغور إيفانوف:
لدينا انطباع بأنه سواء الطرف الإسرائيلي أو الطرف الفلسطيني يفهمان أن من الضروري وقف العنف، ذلك أنه يُعقِّد العملية السلميَّة في المنطقة، ويعيق تحقيق ما تم التوصُل إليه بين الطرفين، لكن –وللأسف– من الصعب عادة القيام بالخطوة الأولى في أي أزمة وليس في الأزمة الإسرائيلية الفلسطينية فقط، ذلك أن هوة عدم الثقة تتسع كل يوم، وهذا ما نلمسه بحدة اليوم سواء من قبل هذا الطرف أو ذاك، وبالتالي علينا تقديم المساعدة لإحياء مناخ الثقة تحديداً، وذلك للبرهنة على أن وقف العنف لن يكون على حساب مصالح لا هذا الطرف ولاذاك، بل يعود بالفائدة على الطرفيين معاً.
أكرم خزام:
عرفات فشل مؤخراً بالحصول على أي شيء من واشنطن، الولايات المتحدة لم توافق على دعوة قوات دولية، بالمناسبة هذه الفكرة بدأت عبر روسيا، ثم تراجعتم عنها، وثمة غموض حول هذا الموقف من قبلكم؟
إيغور إيفانوف:
نحن لم نتقدم باقتراح دعوة القبَّاعات الزرقاء، إنما عندما نرى أن الصدامات تتواصل يومياً، وكل طرف يتهم الآخر بخرق الاتفاقيات، فالإسرائيليون يقولون: إن الطرف الفلسطينيين ينتهك الاتفاقيات، والفلسطينيون يقولون: إن الطرف الإسرائيلي هو المنتهك، عندما نرى ذلك لابد من البحث عن سبيل عن آلية ما تسمح بفصل الطرفين، وليس بالضرورة عن طريق القبَّاعات الزرقاء أو غيرها، لكن أي حل يجب أن يأتي بموافقة الطرفين.
وهذا أحد المواضيع الذي ننوي بحثه مع القيادة الفلسطينية ومع القيادة الإسرائيلية وهذا بالضبط ما قلته لك قبل قليل، الاتفاقيات موجودة، إنما المطلوب هو إيجاد آليات وأشكال تنفيذ هذه الاتفاقيات، فإسرائيل تعتبر أن الوجود الدولي سوف يؤدي إلى تزويد هذه المشكلة، هنا يجب -إذن– إيجاد حل لا يثير محاذير لدى إسرائيل، ويؤمَّن في الوقت نفسه تنفيذ الاتفاقيات، ولا يمكنني الآن تحديد الشكل الأنسب الذي سيتبع، فهذه المسألة ستكون في طليعة القضايا التي سنبحثها، وآمُل أن نتلمس من خلال النقاشات مخرجاً يوفر تنفيذ تلك القرارات .
أكرم خزام:
ثمة غموض أيضاً حول دعوتكم لقمة شرم الشيخ؟
إيغور إيفانوف:
لم نتلق دعوة رسميَّة، هنا الجواب واضح.
أكرم خزام:
لكن روسيا إحدى راعيتي مؤتمر السلام.
إيغور إيفانوف:
لم يحضر الراعيان –فقط– في شرم الشيخ، وأقول لك: إن هذه المسألة شكليَّة، لذا لا نعيرها اهتماماً كبيراً، وأقصد المشاركة أو عدم المشاركة في هذا اللقاء أو ذاك، لأنه توجد وسائل مختلفة للحوار والنقاش بشأن هذه القضية، ونملك قنوات ثنائيَّة، وكما تعلمون فنحن نُجري حواراً دائماً مع كافة الأطراف، وإذا كان ثمة سبب ما وراء عقد قمة شرم الشيخ في شكل المشاركة التي عٌقدت فيه فهذا لا يثير لدينا حساسية أو غيرة، إن رغبتنا الوحيدة تتمثل في أن يستقر الوضع، وإذا كان ذلك ممكناً تحقيقه بدون روسيا فنحن نرحب بذلك، وإذا تطلَّب الأمر مشاركة روسيا فنحن مستعدون لذلك.
أكرم خزام:
ألا تعتقدون أن واشنطن تريد -عمداً- إبعاد روسيا عن التسوية؟
إيغور إيفانوف:
أتصَّور أن التفكير بهذه الطريقة وكأن طرفاً ما يُبعد طرفاً آخر إنما يعود إلى نمط التفكير إبَّان الحرب الباردة، حين كانت الدولتان العظميان تتنازعان على مناطق النفوذ وتتقاسمان الأراضي، أو رسم حدود المصالح، أقول لك: إننا كنا وسنبقى شركاء شرفاء للولايات المتحدة وللبلدان الأخرى بما يخدم التوصُّل إلى تسوية الشرق أوسطيَّة، فنحن لا نبحث عن مصالح ذاتية ضيقة، لأننا واثقون ومؤمنون بأن إقامة السلام في الشرق الأوسط يستجيب موضوعياً لمصالح روسيا التي تمتلك علاقات جيدة وجذوراً عميقة في المنطقة، والنزاع وحده لا يستجيب
لمصالحنا.
لقد ذكرت بنفسك مثلاً واحداً عن فقداننا ثلاثين مليار دولار، وهذا بنتيجة الأزمة في المنطقة، ولو لم يكن ثمة نزاع لكنا نكسب فقط، وهذا الأمر ينسحب على المنطقة بأسرها، ونحن واثقون أن إحلال السلام الدائم سيشق السبيل أكثر أمام إمكاناتنا في تطوير العلاقات مع كافة بلدان المنطقة، وهذا الأمر يمثل المهمة الثالثة التي أحملها في جولتي هذه إلى المنقطة، أي تطوير العلاقات الثنائيَّة تلك الدول التي أزورها.
وأقول لك: إن علاقاتنا قد شهدت تراجعاً حاداً –للأسف– في أوائل التسعينيات مع البلدان العربيَّة التي لدينا معها علاقات تقليدية ومع بلدان المنطقة بشكل عام، لكن في السنوات الأخيرة –وبفضل جهودنا المكثفة – فإننا نلاحظ الآن عودة مُطردة وثابتة للعلاقات بيننا وبين مختلف بلدان المنطقة، ونتلمس ذلك في مجال الحوار السياسي كما في المجال الاقتصادي، حيث يزداد التبادل التجاري بين بلداننا، كذلك المشاريع الاستثماريَّة، ونحن واثقون أن مع تقدم عملية التسوية سوف تتسع إمكاناتنا وتزداد.
أكرم خزام:
ما موقفكم من انتقادات إسرائيل بحق تصريحاتكم في دمشق مؤخَّراً؟
إيغور إيفانوف:
كما تعلم في ظروف احتدام الأزمة عندما تؤخذ جملة ما أو كلمات معينة على حده من تصريح ما، فمن البديهي أن تكتسي معنى غير مقصود في النص الأصلي، ودائماً تبذل مساعي لجلب روسيا إلى هذه الجهة أو تلك، بينما الراعي الشريك قادر على العمل الفعَّال، والفائدة المرجَّوة فقط في حال تعاونه المفتوح مع كل طرف من الأطراف، وروسيا تعمل في هذا المنحى تحديداً، وليس هناك أي معنى لإزاحة روسيا عن موقفها هذا.
علماً أن مساعي تُبذل في هذا الصدد، ويحاولون تصوير أن روسيا غير صادقة في جهودها في الشرق الأوسط أو تُستخَدم عبارات أخرى مشابهة، وأعتقد أن هذه المحاولات ما هي إلاَّ سياسة قصيرة النظر، فلدى روسيا سياسة واضحة في الشرق الأوسط، ولدينا علاقات صداقة وتعاون قديمة مع البلدان العربيَّة، وفي السنوات الأخيرة وسعنا جدياً علاقاتنا مع إسرائيل، وعلاقاتنا مع إسرائيل قائمة على الحوار السياسي المفتوح والبنَّاء، وهذا –برأينا– يخدم عملية التسوية السلميَّة، وهكذا يجب أن يعمل راعي التسوية، إما بشأن الانتقادات فقد قال أصحاب الانتقادات في جلسات معي: إنهم لم يفهموا أقوالي على حقيقتها.
أكرم خزام:
لماذا لم تدرج سوريا ولبنان في برنامج زيارتكم؟
إيغور إيفانوف:
للأسف كما ترون عليَّ زيارة بلدان عدة في غضون ستة أيام، ولدينا حوار دائم مع سوريا، كذلك حوار دائم مع لبنان وكما قلت نحن مع أن تسير العملية السلمية على كافة المسارات، السوري الإسرائيلي، واللبناني الإسرائيلي، والفلسطيني الإسرائيلي .. لكن المهمة الرئيسية اليوم هي وقف العنف فوق الأراضي الفلسطينيَّة، وبدون تحقيق هذا الأمر لا توجد إمكانية لأيَّة مفاوضات، لذلك نعتبر أنه ينبغي أن نكون هناك حيث من المفترض ومن المطلوب حل هذه المهمة الأولى وهذا لا يعنى –في أي حال– أننا نقطع الحوار ولو ليوم واحد حيث لدينا حوار مستمر مع دمشق وبيروت.
أكرم خزام:
هل تتوسطون للإفراج عن الأسرى الإسرائيليين المُحتجزين لدى حزب الله؟
إيغور إيفانوف:
أعتقد أن الموضوع مُعقَّد جداً الآن، وأنا شخصياً لا أملك معلومات عن الجهود أو الخطوات التي تُبذَل في هذا الصدد، وجهودنا محصورة في حقل توفير المعلومات، ولا نقوم بأي جهود أخرى في هذه المسألة.
أكرم خزام:
قريباً سيُعرف اسم رئيس الولايات المتحدة، بوش أو آل جور، كيف تنظرون إلى مستقبل العلاقات بين روسيا والولايات المتحدة خاصة في ظل خلافات البلدين بشأن كوسوفو والعراق والشرق الأوسط؟
إيغور إيفانوف:
بداية أريد القول إن سياساتنا ليست موسميَّة، فهي نفسها لأربع سنوات بين انتخابات رئاسيَّة وأخرى، بل هي طويلة الأمد، ولا تخضع للتعديلات وفقاً للنتائج التي تُسفر عنها الانتخابات الأمريكيَّة، فنحن نبني علاقاتنا مع الولايات المتحدة على أساس دائم، أما من ستحمله الانتخابات إلى سدة الرئاسة فنعمل معه في السنوات الأربع القادمة، ونعتبر أنه ثمة اختلاف في المواقف بيننا في مسائل محددة وهامة، وأولها ليس نزاعات معينة بقدر ما هي مسألة الاستقرار الاستراتيجي، أي المسائل المتعلقة بإقامة النظام الدولي في العالم.
لكن في الوقت نفسه لدينا مخزون كبير من الإيجابيات في الأعوام الأخيرة، وهذا الأمر يجري تناسيه أحياناً –للأسف- أو الصمت إزائه أحياناً أخرى، لكن الأعوام الأخيرة حملت في علاقاتنا مع الولايات المتحدة طائفة واسعة من الإيجابيات سواء في حق نزع السلاح، أو الثقة، أو التعاون المشترك في معالجة نزاعات معينة، وبناء عليه إذا كان المطلوب تقييم أعمالنا مع إدارة كلينتون لثمان سنوات، فإن المحصلة العامة إيجابية بنظرنا وليست سلبيَّة، ونريد أن نستخدم هذه المحصلة الإيجابيَّة في علاقاتنا المتبادلة مع الإدارة الأمريكيَّة الجديدة، ولذا نحن مستعدون لحوار سياسي فعَّال وبنَّاء مع الإدارة الجديدة حول كافة القضايا المطروحة على جدول الأعمال سواء في القضايا الدولية الكبرى أو في مواضيع العلاقات الثنائيَّة.
أكرم خزام:
أعزائي المشاهدين، إلى اللقاء في حلقة قادمة من برنامج (لقاء اليوم) ها هو أكرم خزام يحييكم من مطار (فونكفا) الحكومي في العاصمة الروسية موسكو.