إبراهيم يزدي .. حركة الحرية في إيران
مقدم الحلقة: | غسان بن جدو |
ضيف الحلقة: | د. إبراهيم يزدي |
تاريخ الحلقة: | 28/08/1999 |
– وصف وأهداف حركة الحرية في إيران
– مدى نجاح النظام الإيراني في تحقيق أهدافه
– اتهام حركة الحرية بالعمل على إسقاط النظام
– أسباب الحظر المفروض على حركة الحرية بممارسة النشاط السياسي
– مدى نجاح الرئيس محمد خاتمي في تحقيق أهدافه
– رؤية حركة الحرية للتيار المحافظ في إيران
– تأثير تأييد مرشد الثورة الإسلامية لسياسات الرئيس خاتمي
![]() |
![]() |
وصف وأهداف حركة الحرية في إيران
غسان بن جدو: طبعًا حركة الحرية معروفة هنا في إيران ومعروفة خارج إيران، وأنتم إبراهيم يزدي أيضًا معروف أحيانًا هناك من يصفكم بأنكم زعيم المعارضة هنا في إيران، لكن حتى لا نتجنى عليكم، كيف يمكن أن تصفوا حركة الحرية بالتحديد هل هي حزب معارض ديمقراطي فيدرالي علماني، ماذا بالتحديد؟
د. إبراهيم يزدي: بسم الله الرحمن الرحيم، تأسست حركة الحرية عام 60 من قبل أشخاص كالمرحوم آية الله خلفاني والمهندس مهدي باذرجان والمرحوم الدكتور مصطفى شمران، والدكتور علي شريعة، وهي حزب وطني إسلامي، والمرحوم المهندس باذرجان يقول في تعريفه لحركة الحرية في إيران إننا إيرانيون مسلمون مصدقيون نسبة للدكتور مصدق، وفي الحقيقة فإن هذه الكلمات الثلاث هي التي تحدد هوية حركة الحرية وتشير إليها على أنها حزب وطني إسلامي ملتزم بأسس الدين ويعمل لإعمار إيران ورفعتها وحريتها، ومصدقيون من باب أننا كافحنا ضد الاستعمار والهيمنة الخارجية ولا نزال كذلك.
غسان بن جدو:لكن منافسيكم هنا حتى خصومكم في .. في طهران يصفونكم بالحركة الليبرالية والحزب الليبرالي، أنتم الآن تتحدثون عن أنكم حزب وطني إسلامي قومي، حينئذٍ ما هو فهمكم للدين الإسلامي؟ ما هي أهم مطالبكم الحزبية السياسية في إطار نظام الجمهورية الإسلامي الراهن؟
د. إبراهيم يزدي: إن الأشخاص الذين يطلقون عن عمد مصطلح الليبرالية علينا لا يرغبون في الفصل بين الليبرالية الفلسفية والليبرالية السياسية ومعارضو حركة الحرية يعتقدون أنه لا وجود للحرية في الإسلام، وأنه ليس هناك ديمقراطية شعبية في الإسلام، أما نحن فنؤمن بأن العنصر الرئيسي في الرؤية الكونية التوحيدية هو الله والإنسان، فالله خلق الإنسان واقتضت إرادته أن يكون الإنسان حرًا، ويتمتع بحرية الاختيار، ولا يصح قياس حركة الحرية الإيرانية بالليبرالية الغربية لمجرد أن الحركة تدعو لمنح الشعب حريته وحقوقه، نحن نعلم بأن للمسلمين في أنحاء العالم رؤيتين مختلفتين ومتناقضتين إزاء حرية الإنسان، فالبعض يرى أن سيادة الشعب تتناقض مع العبودية لله في حين أن البعض الآخر يرى أن سيادة الشعب هي إمتدادهم للعبودية لله، وحركة الحرية تؤمن بالرؤية الثانية، ولا ترى تناقضًا بين سيادة الشعب وحريته مع عبوديته لله.
غسان بن جدو: لكن عفوًا دكتور يزدي طالما نحن نتحدث في إطار الجمهورية الإسلامية، الجمهورية يعني لا نقول .. لا أقول فقط سيادة الشعب، ولكن دور الشعب الفعَّال في تقرير مصيره، هنا في .. في إيران، هل هناك من لا يؤمن بسيادة الشعب، من لا يؤمن بحاكمية الشعب؟
د. إبراهيم يزدي: نحن نعتقد بأن الجمهورية الإسلامية تعني أمرين، الأول : ركن الجمهورية، والثاني: ركن الإسلامية، ونحن نؤمن بعمق بركن الجمهورية على أساس إيماننا بسيادة الشعب وحق تقرير مصيره، وإذا ما تحققت الجمهورية بصورة كاملة ولأن 97% من الإيرانيين هم مسلمون، فإن أفكار وخلفيات الشعب الدينية تنعكس بصورة تلقائية عن الجمهورية الحقيقة، وتتحقق بذلك إسلامية النظام.
غسان بن جدو: لكن عفوًا في إيران أُعيد سؤالي في إيران من لا يؤمن بسيادة الشعب أو بدور الشعب في تقييمك؟ وهل هناك من يوجد في إيران؟
د. إبراهيم يزدي: نعم، إذ أن بعض الجماعات في إيران تعتقد بأن الجمهورية والديمقراطية وحقوق وسيادة الشعب تتناقض مع المباديء والأسس الدينية التي يطرحونها، المحافظون وبعض علماء الدين المحافظين قالوا ذلك بصراحة، وهم يرون أن الانتخابات ورأي الشعب وسيادته مسائل لا وجود لها في الإسلام، لو تتذكرون قبل عامين وبعد بضعة أشهر من تعيين السيد( رافسنجاني) رئيسًا لمجمع تشخيص في مصلحة النظام اقترح فصيل رئيسي في التيار المحافظ تغيير اسم الجمهورية الإسلامية الإيرانية إلى اسم الدولة الإسلامية، وهذا يعكس عدم إيمانهم بالديمقراطية وسيادة الشعب وركن الجمهورية.
مدى نجاح النظام الإيراني في تحقيق أهدافه
غسان بن جدو: أنتم شاركتم في الثورة، وشاركتم أول حكومة مؤقتة بعد الثورة، ثم انسحبتم أو أبعدتم، أنتم الآن بعيدون عن مؤسسات الحكم والدولة، تقريبًا منذ 19 عامًا، بصراحة دكتور يزدي هذا النظام الذي يقوده الآن علماء الدين برأيك بعد عشرين سنة من الثورة، هل فشل أم نجح في تحقيق أهدافه الأساسية المرفوعة سياسيًا، اقتصاديًا، ثقافيًا، اجتماعيًا؟
د. إبراهيم يزدي: الثورة الإسلامية في إيران كانت في الحقيقة تعبيرًا عن مجمل تطلعات الشعب الإيراني عبر مسيرة مائة عام، وذلك منذ انتفاضة التمباكو قبل 90 عامًا إلى الثورة الدستورية إلى كفاح شعب إيران المتواصل ضد الإستبداد البهلوي، ثم عهد الحركة الوطنية بقيادة الدكتور مصدق، وكان للشعب الإيراني طيلة القرن الأخير هدفان رئيسيان، الأول تحقيق السيادة وتوفير الحريات، والثاني: التصدي للإستعمار الأجنبي وتحقيق الاستقلال، لذلك يمكن طرح السؤال بالصيغة التالية:
هل تحقق حتى الآن هذان الهدفان اللذان طرحهما الشعب إبان الثورة عندما رفع شعار الإستقلال والحرية والجمهورية الإسلامية؟
فيما يرتبط بالاستقلال السياسي نحن نعتقد أنه تحقق، وإن كنا لم نبلغ درجة من الاستقلال الإقتصادي نستطيع معها الوقوف على أقدامنا اقتصاديًا، لكن بالنسبة للهدف الأول ليس الأمر كذلك وينبغي القول بأن هناك تفريطًا في موضوع الحرية ليس من الناحية النظرية، فقد تم تعريف حقوق الشعب وحريته في الدستور، والفصل الثالث من الدستور تضمن بنودًا تم التغافل عنها، وكمثال على ذلك المادة الرابعة والعشرون التي تحظر تفتيش المعتقدات، ومهما كانت الظروف والأسباب لا يحق لأحد أن يسأل عما يعتقد ويؤمن به الآخرون، لكن وللأسف نرى مثلاً إنه عند التقدم بطلب عمل أو تسجيل في الجامعات بل حتى بصورة رسمية في الاستمارات التي تعطيها وزارة الداخلية لمرشحي الانتخابات النيابية أو الرئاسية أو البلدية يُطرح سؤال عن معتقدات المرشح، وما يؤمن به، وذلك خلافًا لما نص عليه الدستور.
غسان بن جدو: وفي تفتيش على العقائد حسب معرفتي أن هناك الإستمارة، ولكن بعض الأسئلة التي ينبغي أن تكونوا ملتزمين بالقانون الانتخابي؟
د. إبراهيم يزدي: هناك فرق بين الالتزام بالدستور والإيمان به، لا يحق لأحد مطلقًا أن يسألني عن الدين الذي أؤمن به، أو الدين الذي أُطبق أحكامه، هذا هو تفتيش للعقائد .
اتهام حركة الحرية بالعمل على إسقاط النظام
غسان بن جدو: معنى ذلك دكتور يزدي مع كل ما تتصورون به الآن، أنتم متهمون في حركة الحرية بأنكم تعملون على إسقاط هاديء لهذا النظام، نظام الجمهورية الإسلامية.
د. إبراهيم يزدي: أولئك الذين يتهموننا بإسقاط النظام لا يفرقون بين الجهاز الحاكم والنظام، هناك أربع مفردات، الثورة الإسلامية التي نؤمن بها وبأصالتها وأهدافها، ثم نظام الجمهورية الإسلامية الذي أدلينا بأصواتنا لصالحه ونحن أوفياء له، والمفردة الثالثة هي الدستور الذي وضع تعريفًا لنظام الجمهورية الإسلامية ونحن ملتزمون بالدستور، أما المفردة الرابعة وهي الجهاز الحاكم فإن معارضينا يرون أنه مقدس في ذاته، ويرون أنه إذا انتقدنا الحاكم فهذا يعني -بالنسبة لهم- أننا انتهكنا حرمة النظام، في حين إننا نقول إن الأمر ليس كذلك، فالدستور ينص على حق الشعب في تغيير رئيس الجمهورية كل أربع سنوات، وحقه في تغيير أعضاء مجلس كبراء القيادة الذين يختارون المرشد كل ثماني سنوات، ولكل تغيير من هذه التغييرات تبعاته، فعندما يتغير رئيس الجمهورية، يتغير الوزراء تبعًا لذلك، وكذلك المؤسسات، إذًا تغيير الحكام لا يعني تغيير نظام الجمهورية الإسلامية، وما نعترض عليه ليس النظام بل نعارض النهج والسياسات الحالية التي تسببت في الوضع الاقتصادي المتردي الراهن.
إن الشعب الإيراني عندما أدلى بأصواته لصالح السيد ( خاتمي) فإنه صوت بذلك في الحقيقة لصالح التغيير، وأن التصويت لصالح تغيير الحكم أو تغيير رئيس الجمهورية لا يمكن أن يصفه أحد بأنه تصويت لقلب نظام الحكم، لذلك نحن نرفض ما يتهمنا به معارضونا.
غسان بن جدو: في الحقيقة خصومكم ومعارضوكم هنا في .. في إيران يعتبرونكم أذكياء، أنتم تقولون نلتزم بالدستور، ونؤمن بنظام الجمهورية الإسلامية، وندافع عن قيم الثورة، ونريد الإصلاح والتغيير، لذلك هم يعتبرونكم أذكياء، لأنكم بهذا وبهذه الشعارات وبهذا القول أنتم تتجنبون أو تتفادون الإقصاء الطرد ومن خلال بعض المعارضات الأخرى الموجودة في الخارج التي تستعمل العنف في التغيير، لكنكم متهمون بشكل أساسي لماذا أنتم أذكياء؟ لأنكم ترتبطون بعلاقات قوية مع جهات أجنبية، وبالتحديد الولايات المتحدة الأميركية وإستراتيجيتكم في الداخل أنكم تحاولون ضرب التيار المحافظ ودعم الرئيس محمد خاتمي حتى تتغلغلوا في السلطة، وبعد ذلك تجهزون على هذا النظام بكامله.
د. إبراهيم يزدي: نحن نرفض بشدة هذه التهمة، لأنها لا تستند إلى أي دليل أو وثيقة أو شواهد، وخلافًا لذلك فإنكم إذا أمعنتم النظر في بعض أحداث العقدين الأخيرين فسترون مثلاً أن ( كولاهي) هو الذي فجَّر مبني حزب الجمهورية الإسلامية، وقتل اكثر من ثمانين شخصية من قادة الثورة، ولم يكن كولاهي تابعًا لحركة الحرية، كما أن ( كشميري) هو الذي فجَّر مكتب رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء، وكان كشميري آنذاك أمين مجلس الأمن القومي في الجمهورية الإسلامية، ولم يكن عضوًا في حركة الحرية، وفي عمليات اغتيال المثقفين العام الماضي فإن مجموعة من داخل وزارة الاستخبارات والمعاون الأمني للوزير كانوا المسؤولين عن عميلات القتل، وهذا ما أقر به المسؤولون في السلطة القضائية ولجنة التحقيق الرئاسية، هؤلاء المسؤولون قالوا إن المتورطين عملاء للخارج، واتهامنا بالعمالة للأجنبي هو تضليل للشعب، ولم يقدموا دليلاً واحدًا طيلة العشرين سنة الماضية من الثورة تثبت صدق ادعاءاتهم، بل على العكس يوجد من بينهم من يعمل للخارج ولإسرائيل أو لأمريكا، وعقب الأحداث التي وقعت في جامعة طهران مؤخرًا صرح المسؤولون ومن ضمنهم المرشد بأن الأشخاص الذين اقتحموا الجامعة ومبيت الطلبة مرتبطون بالخارج، وعليه فإن ما يذكره معارضو حركة الحرية يعكس خشيتهم من أن تكون للحركة قوة إجتماعية، ويعكس قلقهم بعد أن خسروا قاعدتهم الشعبية، ثقوا لو كان لديهم أدنى وثيقة تدين حركة الحرية بارتباطها بالأجانب لكانوا أبادونا، لكن لا يوجد لديهم شيء من ذلك، وهم يعترفون بذلك في جلساتهم الخاصة، لأن مؤسسي وناشطي وقادة حركة الحرية هم من أطهر وأشرف أبناء هذا البلد.
أسباب الحظر المفروض على حركة الحرية بممارسة النشاط السياسي
غسان بن جدو: لكن عفوًا لماذا قرر أو أوصى الإمام الخميني بإبعادكم عن السياسة وعن السلطة وعن الدولة، هناك يقال أن هناك رسالة كتبها الإمام الخميني من أجل منع حركة الحرية من ممارسة النشاط السياسي والدخول إلى مؤسسات السلطة، لماذا؟
د. إبراهيم يزدي: فيما يخص الرسالة التي تنسب لقائد الثورة الفقيد، قلت مرارًا واستنادًا لنص وصيته الصريح إن هذه الرسالة لا تحظى بأية قيمة لدى فقهاء الإيمانية الذين يُجمعون واستنادًا لنص القرآن الكريم بأنه لا يحق لأحد تغيير وصية المتوفي، ولا يحق لأي مسؤول تغيير النص الصريح بوصية الإمام الخميني الواضحة، وهو يقول إن أمورًا نُسبت لي في حياتي لا صحة لها، وستنسب لي أمور أخرى بعد وفاتي، بيد أنني أقول إن كل ذلك لا قيمة له بعد الآن، إلا إذا كان هناك تسجيل بصورتي وبصوتي في الإذاعة والتليفزيون، أو أن يكون بخط يدي وبتوقيعي، وبعد تأييد الخبراء لذلك، ولقد مضت عشر سنوات عن التاريخ الذي نشر فيه وزير الداخلية السابق السيد محتشمي هذه الرسالة، ولم يتم التحري والتحقيق في صحة مضمونها، وعليه فإن هذه الرسالة لا قيمة لها استنادًا لنص وصية الإمام .
غسان بن جدو: طب في رأيك إذاً لماذا تمنعون من تأسيس حزب سياسي علني وقانوني وحتى تشاركوا في الانتخابات؟ لماذا؟
د. إبراهيم يزدي: نعتقد أنهم لا يتحملون منح غيرهم حق الحياة السياسية، وذلك برأيي ناجم عن نوع من الخوف وعدم الثقة بأنفسهم، ونحن نعتقد بان خشيتهم هذه لا مبرر لها، لأننا نرى بأن المحافظين يمتلكون قاعدة جيدة في إيران، وهم يتحركون من قاعدة قوية نسبيًا في مواجهتهم للإصلاحيين، ولا يوجد أي مبرر لتخوفهم، لكنهم قلقون على ما يبدو من أن يضطروا يومًا للتخلي عن مواقعهم في الحكم إذا ما تساهلوا إزاء الأحزاب السياسية المعارضة كحركة الحرية الإيرانية، وما نقوله لهم هو أنكم إذا استجبتم للواقع فقد تفقدون بعض المراكز والمؤسسات، لكن يمكن أن يُدلى بالأصوات لصالحكم مرة أخرى، لذلك لا يوجد مبرر لتخوفكم هذا، وعلى العكس من ذلك إذا حجبتم الحرية عن الشعب وتمسكتم بالسلطة بأي ثمن ولم تسمحوا للأحزاب المعارضة بمزاولة نشاطاتها، فسيأتي اليوم الذي تخسرون فيه كل شيء، لكنهم للأسف لم يدركوا هذه الحقيقة حتى الآن.
مدى نجاح الرئيس محمد خاتمي في تحقيق أهدافه
غسان بن جدو: مع أنه طبعًا في انتخابات البلدية .. الانتخابات البلدية الأخيرة أنتم شاركتم وعدد من مرشحيكم حتى القياديين البارزين في حركة الحرية شاركوا، ولكن لم يفوزوا في طهران، مثل الدكتور غلام عباس توصلي لم يفوز، إذا رجعنا للوضع الراهن في هذه الأيام تمر الذكرى الثانية لتولي الرئيس محمد خاتمي السلطة، في الرئاسة بعد سنتين في رأيك هل أخفق الرئيس محمد خاتمي في تحقيق أهدافه؟ أم نجح أم نجح نسبيًا أم اخفق نسبيًا؟
د. إبراهيم يزدي: لسؤالك قسمان: نحن شاركنا في الانتخابات البلدية، وصحيح أن مرشحينا لم يفوزوا، لكن غالبية مرشحينا كانت قد رُفضت طلبات ترشيحهم، هذا أولاً، وثانيًا: أنهم ضيقوا علينا طيلة فترة الحملة الانتخابية، أما ما يتعلق بالقسم الثاني من سؤالكم، فإن السيد خاتمي اعتمد في دخوله الانتخابات الرئاسية على مشروع التنمية السياسية، واستجاب الشعب لهذا المشروع، لأنه أدرك جيدًا إننا ما لم نضع حلولاً لقضايانا السياسية فإن من الصعب حل القضايا الاقتصادية، وعليه إذا شئت تقويم مسيرة عمل حكومة الرئيس خاتمي بعد مرور عامين، فأقول إنه لم ينجح في حل المشكلات الإقتصادية، ولم ينجز أي عمل، وصحيح أن السيد خاتمي لم يتعهد للشعب بتحسين حالته الإقتصادية، لكن الشعب في كل الأحوال يأمل من رئيس جمهوريته احتواء الأزمة الإقتصادية، وهذا ما لم يحصل مع الأسف، وربما يعود ذلك إلى أن خاتمي لم يُعط حرية اختيار وزرائه في الحكومة، إذ نلاحظ انه أبقى في حكومته على الأشخاص أنفسهم الذين عملوا في المجال الإقتصادي منذ عشرين عامًا، وهؤلاء كانوا قد قدموا ما يملكونه من طاقات، ولم يكن لديهم شيء يضيفونه لتحسين الوضع الإقتصادي، لذلك لم ينجح خاتمي في اختيار مساعديه المكلفين بتنفيذ خطط الإصلاح الإقتصادي، أما ما تعهد به السيد خاتمي في مجال الإصلاحات السياسية، فينبغي أن أقول إنه نجح في تحقيقها بصورة نسبية، والأجواء السائدة في الصحافة اليوم، وبالتالي الأجواء السياسية هي أكثر انفتاحًا من السنوات السابقة، ونهج السيد خاتمي هذا دفع ببعض المحافظين لقبول التعقل في سياساتهم والابتعاد عن تلك التيارات المؤمنة بأساليب العنف كأدوات لتحقيق الأهداف السياسية.
غسان بن جدو: طبعًا الرئيس خاتمي أمامه الآن سنتان، برأيك دكتور يزدي ما هي أهم التحديات التي ستواجه الرئيس خاتمي في المرحلة المقبلة؟ وما رأيك في القول أو المقاربة في حق من يجرم الرئيس محمد خاتمي لن يكمل ولايته أي بمعنى آخر لن يكمل السنتين المقبلتين، ما رأيك في هذا؟
د. إبراهيم يزدي: إن المواجهة القائمة بين المحافظين والإصلاحيين هي في عمقها مواجهة بين تيارين عريقين في تاريخ إيران، فعدم اتفاق التقليد والتجدد قائم منذ بدء الحركة الدستورية في بداية هذا القرن، وفوز السيد خاتمي كان في الحقيقة فوزًا للمثقفين المتدينين، وفوزًا للقوي الدينية الوطنية، ونصرًا للعقلانية السياسية، والسيد خاتمي يحاول إرساء شرعية النظام على أساس العقلانية، لكن المحافظين لا يؤمنون بشرعية العقل، ويريدون إقامة الشرعية على أساس الدين فحسب، ودون شك فإن مثل هذه الشريعة إذا لم تتأثر بإظهار العقل فإنها ستؤدي إلى مشاكل وتعقيدات حتى قائد الثورة الفقيد، ورغم أنه كان يتمتع بشرعية دينية إلا أنه كان يطرح من داخل هذه الشرعية شرعية عقلانية، وعندما كان يطلب من الشعب شيئًا كان الشعب يستجيب له، إلا أنه كان يؤكد مرارًا بأن المعيار هو رأي الشعب، لقد استند السيد الخميني دائمًا إلى العقلانية والالتزام بالقانون، وكان يردع رجال الدين ويمنعهم من اتخاذ القرارات نيابة عن الشعب، والآن في عهد السيد خاتمي هناك في الحقيقة مواجهة بين الشرعية العقلانية والشرعية الدينية، الشرعية الدينية تأتي في إطار العقلانية شريطة أن يقبل الشعب بها، لكن تيار المحافظين يريد إرساء هذه الأسس على قاعدة الشرعية الدينية سواءً قبل الشعب بها أم رفضها، هنا إذًا يوجد تناقض، لذلك فإن المحافظين الذين يسيطرون على مؤسسات الحكم كافة -باستثناء رئاسة الجمهورية- يحاولون وضع العراقيل أمام البرنامج الإصلاحي للرئيس خاتمي، هناك قضية أخرى وهي أن السيد خاتمي بيده رئاسة الجمهورية، لكنه لا يمتلك أدوات الحكم وفي الطرف المقابل يمتلك المحافظون هذه الأدوات، لكن رئاسة الجمهورية ليست بأيديهم، ولأن رئيس الجمهورية انتخبه أكثر من 20 مليون مواطن فإن المحافظين لم يتمكنوا من إسقاط حكومة خاتمي رغم كل الأساليب التي اتبعوها طيلة العامين الماضيين، وعليه فإن الحكمة السياسية تقتضي أن يقبل المحافظون بالتعايش مع خاتمي، غير أن الأمر المؤسف هو أن عقلية المحافظين لا تزال تعتبر مثل هذا التعايش نوعًا من المساومة على مبادئهم، وهم بذلك لا يفرقون بين التسامح والمساومة، في الوقت الذي نرى فيه أنه في مجتمع تعددي مثل إيران توجد هناك قراءات مختلفة حتى عن الدين، وحتى إزاء مبدأ مثل مبدأ ولاية الفقيه، توجد هناك آراء مختلفة، والسيد خاتمي يواجه مشكلة المحافظين الفكرية هذه .. هذه المواجهات التي حصلت خلال العامين الماضيين تسير رويدًا رويدًا نحو نقطة يقبل فيها المحافظون بأنه لابد من الاعتراف بشرعية منافسهم، وحينذاك ستحل مشكلة السيد خاتمي.
رؤية حركة الحرية للتيار المحافظ في إيران
غسان بن جدو: دكتور يزدي، بصراحة أنا ألاحظ انك تنتقد كثيرًا التيار المحافظ، وربما.. ربما إذا يسمعك الآن محافظون سيقولون انك تظلمنا كثيرًا، بصراحة أليس في عهد المحافظين كانت هناك حرية رأي وصحافة قبل مجيء الرئيس خاتمي، صحيح أن الآن حرية الصحافة أصبحت أكثر، ولكن في عهده كان هناك حرية صحافة، أليس في عهد المحافظين تمت انتخابات رئاسية نزيهة بدليل أن مرشح التيار المحافظ الحاكم فشل في حال أكبر ناطق نوري. ومرشح الشعب إن صح التعبير أو المرشح المستقل السيد خاتمي فاز، ألا تعتبر بأن هناك تحامل مبالغ فيه على التيار المحافظ؟
د. إبراهيم يزدي: يجب الفصل بين شيئين، ينبغي ألا ننسى أن المحافظين جاءوا من داخل ثورة تاريخية كبيرة شارك فيها ملايين الإيرانيين، ونحن نعلم بأن تيارًا من المحافظين ومنذ بداية الثورة عارض مشاركة النساء في الانتخابات، ولكنهم لم يحققوا رغبتهم تلك آنذاك، والسبب هو أن الثورة فرضت وجودها على الجميع.
عندما كنا في باريس جاء هؤلاء المحافظون إلى الإمام وطلبوا منه أن يُفتي بعدم حق المرأة في قيادة السيارات، أي أن قيادة النسوة للسيارات مخالف للشريعة تمامًا كما يرى علماء الدين في بعض الدول العربية، بيد أن الإمام رفض ذلك، لأنه كان للنساء دور أساسي في الثورة، وأثبتن جدارتهن في الدفاع عن حقوقهن السياسية، لذلك فإن قبول مثل هذه الأمور لم يكن من باب أن المحافظين رضخوا لذلك بسهولة، لكن المحافظين توغلوا رويدًا رويدًا بعد الثورة واستولوا على مراكز الحكم وسعوا تدريجيًا لترسيخ خطهم، لكنهم لم ينجحوا في جميع الحالات، وإذا أجرى المحافظون الانتخابات فذلك لأن الدستور يقضي بذلك، ونحن نعلم بأنهم سعوا لاتخاذ قرارات فوق القانون، بيد أن الضغوط الشعبية لم تسمح لهم بذلك، ولم يكن بمقدورهم السيطرة في الانتخابات البرلمانية الأولى والثانية والثالثة، وأن يفرضوا رقابتهم الإلزامية، لكنهم بالتدريج سيما بعد رحيل الإمام تمكنوا من الحصول على إمكانيات أكبر، وحاولوا ونجحوا في إقصاء فصائل أخرى، وليس فقط تيارًا كحركة الحرية، إنما أقصوا حتى علماء دين عملوا معهم لسنوات طويلة، وإذا كانوا قد هُزموا في الانتخابات الرئاسية فلأنهم لم يتمكنوا من إقصاء السيد خاتمي، إنهم اختاروا أربعة أشخاص من بين 235 مرشحًا في الانتخابات الرئاسية حتى أنهم توهموا عندما عمدوا إلى كتابة اسم مرشحهم السيد ناطق نوري في صدر البطاقة الانتخابية خلافًا لما كان معمولاً به بكتابة أسماء المرشحين حسب تسلسل حروف الألف باء، وخُيل لهم بان الناس سينتخبون الاسم الأول في البطاقة، لكن الشعب عندما رأى إصرارهم المتزايد على انتخاب شخص معين واجه ذلك الإصرار بقوة وأدلى بصوته لصالح السيد خاتمي، ولو أن المحافظين كانوا يعلمون بأن خاتمي سينجح بهذه المواصفات لكانوا رفضوا ترشيحه.
لقد كانت معلوماتهم حتى قبل أسبوع واحد من إجراءات الانتخابات تشير إلى أن مرشحهم سيفوز بنسبة 70%، ولم تثبت لهم استطلاعات الرأي خلاف ذلك إلا قبل أربعة أيام فقط من الانتخابات، حيث أشارت الاستطلاعات أن خاتمي سيفوز بنسبة 70%، وعليه فإن ذلك لم يكن وفق مرامهم، ولو كانت تلك رغبتهم لتعين عليهم قبول فوز خاتمي كرئيس انتخبه الشعب والتعاون معه، لكن لم نر ذلك مع الأسف.
غسان بن جدو: أنت قبل قليل دكتور يزدي كنت تنتقد التفتيش عن العقائد، قلت أنت أنا ضد هذا الأمر، الآن في حديثك هذا ألست أنت الوجه الآخر لهذه القضية.. القضية تماماً يعني أنت أيضًا تحاسب خصومك ومعارضيك أو التيار المحافظ على نواياهم في حين أننا لم نسمع من رموز التيار المحافظ على سبيل المثال ناطقين حتى في الانتخابات الرئاسية وحتى الآن هؤلاء عندما يتحدثون، هم يدافعون أيضًا عن حق المرأة في المشاركة، يدافعون عن الانتخابات، يدافعون عن حرية الرأي والتعبير، ألست أنت الوجه الآخر أيضًا للتيار المحافظ؟
د. إبراهيم يزدي: ما قلته لا تفتيشًا للعقائد، بل هو تحليل سياسي، وأنا لم ألج نوايا المحافظين فالله وحده يعلم ما في نواياهم وسرائرهم، وأنا لم اقل بأنهم طلاب سلطة، بل أقول إن أعمالهم تتناقض مع الدستور، أنا أقول إن المحافظين في بياناتهم وتصريحاتهم وخطبهم في صلاة الجمعة يعلنون بصراحة أنهم لا يؤمنون بالديمقراطية، ويقولون بضرورة العمل بالسيف، وعندما نقول إن في الإسلام حرية الإعتقاد والتعبير وأن تاريخنا مليء بالأفكار والانتقادات فإن هؤلاء يقولون في خطب صلاة الجمعة إنهم سيشهرون سيوفهم بوجه كل من يطرح آراءً مخالفة لآرائهم، وهذه ليست نية، بل هي استعداد لإشهار السيف.
غسان بن جدو: طيب في هذا الإطار دكتور يزدي، هل أنت تتفق مع رأي بعض مؤيدي الرئيس خاتمي في أن التيار المحافظ كان يريد أو يعمل على إسقاط الرئيس خاتمي في التحركات الطلابية الأخيرة.
د. إبراهيم يزدي: إن المحافظين يحاولون إنهاك السيد خاتمي واستنزاف طاقته ليرغم على تقديم استقالته، لأنهم لا يستطيعون سحب الثقة منه أو أن يصوتوا بعدم كفاءته السياسية، ذلك لأن السيد خاتمي يمتلك معلومات عن أي شخص منهم، وهو من خلال موقعة كرئيس جمهورية مُطَّلع على ما يحدث خلف الستار، وإذا أرادوا أن يقوموا بعمل كهذا، فذلك يعني أن السيد خاتمي سيضطر في سياق الدفاع عن نفسه إلى كشف معلومات لا يمكن أن تخدم التيار المحافظ إطلاقًا، والسيد خاتمي يحرص دائمًا على مراعاة الخطوط الحمراء، وهو ما ينبغي أن يعمل به، لذلك فإن السبيل الوحيد المتبقي أمام المحافظين هو إرغام السيد خاتمي على الإستقالة، وكل هذه الأحداث التي تشهدونها من مسلسل عمليات القتل إلى الهجوم على الحي الجامعي وسائر القضايا الأخرى كلها ترمي إلى إيصال خاتمي درجة يرى نفسه فيها عاجزًا عن عمل شيء ليضطر بذلك إلى تقديم استقالته، وإذا فعل ذلك ماذا سيحدث؟ ولماذا يفعل اليمين ذلك؟ الدستور وضع خيارين في حال استقالة رئيس الجمهورية الأول: تشكيل هيئة من ثلاثة أشخاص تتألف من رئيس البرلمان ورئيس السلطة القضائية والنائب الأول لرئيس الجمهورية تتولى زمام الأمور لحين إجراء انتخابات رئاسية جديدة في غضون 50 يومًا، لكن في مثل هذه الظروف يُتوقع أن تُرجأ الانتخابات لوقت آخر بذريعة احتمال توتر الأوضاع في البلاد وضرورة مواجهة هذه الأوضاع، لذلك وفي ظروف كهذه ووفقًا للدستور سيتولى السيد( ناطق نوري) الذي خسر الانتخابات زمام الأمور، أما الخيار الثاني، فهو العمل بالمادة 110 من الدستور التي ينص البند الثامن منها على أن يخول المرشد رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام صلاحية إدارة شؤون البلد في حال عدم التمكن من حل المشاكل الداخلية عبر السبل المألوفة، لذلك فإن جانبًا من أسباب عدم الاتفاق بين المحافظين وكوادر البناء، وهم أمثال رفسنجاني تعود إلى هذا الموضوع، وهو أن السيد خاتمي إذا اضطر لتقديم استقالته فلن يتم اللجوء إلى الخيار الأول، ومن الممكن أن يعود السيد هاشمي رفسنجاني، وهذا ما لا يريده المحافظون.
في كل الأحوال فإن الشواهد والقرائن تشير إلى أن المحافظين عازمون على استنزاف وإنهاك السيد خاتمي، لكننا نتصور بأن خاتمي لن يقدم استقالته، وهو يعي هذا الأمر تمامًا، ولقد قال مرة: إنه ابن الصحراء، أي أن لديه صبر وتحمل الصحراء، وقال مرة أخرى: إنكم لا تعرفوننا نحن أهالي أرذكان فإننا أبناء الصحراء، وعليه فأنا أرى أن السيد خاتمي لن يستقيل .
غسان بن جدو: في هذه الدائرة التي تتحدث عنها دكتور يزدي أشرت إلى الرئيس هاشمي رفسنجاني وهو رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام، كيف تحلل مواقفه؟ يعني المراقبون من الخارج أحيانًا يصابون بالحيرة في مواقف الرئيس هاشمي رفسنجاني، معروف أن السيد رفسنجاني هو إصلاحي معتدل، قيل أنه دعم الرئيس محمد خاتمي في الانتخابات الرئاسية، لكن لاحظنا بعد ذلك أنه في انتخابات الخبراء لم يكن مع أنصار الرئيس خاتمي -كان مع المحافظين- في هذه التحركات الأخيرة، التحركات الطلابية كان واضحًا في خطاب السيد هاشمي رفسنجاني أنه كان ينتقد بعنف الإصلاحيين وأنصار خاتمي، وظهر وكأنه يدافع عن التيار الآخر، في الوقت نفسه أن أنصاره حزب كوادر البناء أو الحزب المعروف عندكم (….)، هم الآن جزء من الحكومة، أنت كيف تحلل لنا كيف توضح لنا موقف السيد هاشمي رفسنجاني واستراتيجيته طبعًا؟
د. إبراهيم يزدي: السيد هاشمي رفسنجاني والتيارات الأخرى سواء في خط الإصلاحيين أم في خط المحافظين يعلمون بأنه كلما حصلت المواجهة بين التيارين وبلغ خاتمي نقطة حرجة، فإن من الممكن خسران كل شيء، لذلك فإن الدور الذي يقوم به رفسنجاني ومن هو على شاكلته هو ألا يبلغ الأمر درجة حرجة جدًا، لأن مثل هذه المواجهة طبيعي في ظل مجتمع ديمقراطي، ونحن نرحب بمثل هذا الدور، لأننا نعتقد أننا جميعًا جالسون في هذه السفينة التي إذا غرقت غرقنا جميعًا، فنحن نعارض انهيار هذا النظام، لذلك نحن من دعاة التعايش بين المحافظين والإصلاحيين ونقول بان وضعًا كهذا لا مناص منه في بلد يتحرك نحو الديمقراطية، وأن ما نرفضه ونعتبره خطرًا هو التجنس وأن يتمسك كل تيار بمقولة أما كل شيء أو لاشيء، وهنا يصبح الأمر خطيرًا.
تأثير تأييد مرشد الثورة الإسلامية لسياسات الرئيس خاتمي
غسان بن جدو: في الانتخابات الرئاسية الماضية فُهم أن المشرف الأعلى آية الله على خامينئي كان يفضل الشيخ علي أكبر ناطق نور، فُهم هكذا وإن كان السيد خامينئي لم يصرح بأي اسم يفضله، وخلال السنتين الأخيرتين .. الأخيرتين من عهد الرئيس محمد خاتمي، البعض كان يفسر ويقول إنه آية الله علي خامينئي لا يوافق على سياسات الرئيس محمد خاتمي، بل حتى هناك من الأنصار في الخارج التي تقول إن السياسة الخارجية التي يتبعها الرئيس محمد خاتمي في الإنفتاح والاعتدال لا تروق كثيرًا إلى السيد خامينئي إضافة إلى السياسات الانفتاحية في الداخل، في خطبة الجمعة الأخيرة آية الله علي خاميئني قال : إنني أؤيد سياسات ومواقف الرئيس محمد خاتمي 100%، أولاً: بصراحة دكتور يزدي هل فاجأك هذا القول؟ وثانيًا: ما هي انعكاسات هذا القول؟ في معنى آخر هل أن التيار المحافظ على سبيل المثال سيغير من نهجه من تكتيكه وربما حتى استراتيجيته تجاه الرئيس محمد خاتمي بعد الدعم الصريح والعالمي للسيد خامينئي للرئيس محمد خاتمي؟
د.إبراهيم يزدي: تصريحات المرشد الأخيرة لقيت ترحيبًا من الإصلاحيين ايضًا، وأعتبر ذلك مؤشرًا إيجابيًا، ونحن نرى أنه عندما بلغت المواجهة نقطة حرجة كما حصل قبل عدة أسابيع شعر الجميع فجأة بأنهم لم يراعوا المصالح العليا، حتى أن بعض قادة حرس الثورة وفي مبادرة سياسية لا معقولة وجهوا رسالة إلى رئيس الجمهورية بدلاً من إرسالها إلى القائد العام للقوات المسلحة، وتحدثوا فيها بلهجة يشوبها التهديد، لقد شعر الجميع آنذاك بأنه إذا لم يتم الوقوف بوجه هذه الأعمال فإن من الممكن أن يتعرض النظام للخطر، لذلك فإن خطاب المرشد الأخير لقى ترحيبًا من قبل الإصلاحيين، نحن نرى كما قلت بأن الخلافات والمواجهات في نظام ديمقراطي يمكن أن تبرز، لكن الخطر أن تبلغ نقطة حرجة، في الحقيقة فإن كلام مرشد الثورة سيكون له تبعات إيجابية لصالح السيد خاتمي، خاصةً وأن السياسة الخارجية للسيد خاتمي تعرضت لضربة في الأحداث الطلابية الأخيرة، حيث كان لها انعكاسات سيئة لدى الرأي العام الدولي، فهذه الأحداث لم تلحق الضرر بالسيد خاتمي فحسب، بل بكل نظام الجمهورية الإسلامية، وتولدت شكوك حقيقية بحكومة السيد خاتمي بعد أن كان خاتمي قد تمكن في غضون العامين المنصرمين من كسب مكانة مرموقة لنظام الجمهورية الإسلامية في العالم، ويبدو أن خطاب المرشد على جانب كبير من الأهمية من هذه الزاوية.
وكان يحمل في الحقيقة رسالة مهمة جدًا إلى الخارج والداخل معًا، وفحوى هذه الرسالة هي أن هناك انسجامًا كاملاً على أعلى المستويات في إيران، لذلك فهي رممت الضرر الذي ألحقته تلك الضربة بالسياسة الخارجية للسيد خاتمي.
غسان بن جدو: طيب هل تعتقد أن هذا ستكون له انعكاسات على خطة التكتيك أو حتى استراتيجية التيار المحافظ إزاء الرئيس محمد خاتمي بعد أن دعم المرشد خامينئي سياسته ومواقفه بهذا الشكل؟
د. إبراهيم يزدي: دون شك ستكون لها آثار إيجابية، لأن مواقف المرشد الأخيرة تعني أنه يؤيد سياسة السيد خاتمي استراتيجيًا، وعليه فإن سياسة خاتمي حصلت الآن على قاعدة أفضل، وقد انتهى الأمر لصالح سياسته الخارجية، وسيكون خطاب السيد خامينئي مرشد الثورة لصالح التيار المتعقل في أوساط المحافظين، وسيعزز موقفهم ويضعف موقف تيار العنف داخل المحافظين علينا ترقب تغييرات حقيقية في نهج المحافظين.
غسان بن جدو: وصفتم التحركات الطلابية الأخيرة بأنها كانت لطمة لسياسة الرئيس محمد خاتمي خصوصًا تجاه علاقاته مع الخارج، لكن بصراحة دكتور يزدي أنتم متهمون، ثمة من قال صراحة هنا في طهران بأن حركة الحرية شاركت بفعالية وكانت سبب في هذه التحركات التي أدت في نهاية المطاف إلى العنف أو الشغب المعروف.
د. إبراهيم يزدي: بعض تيارات العنف تعارض حركة الحرية وتعارض أي نمط من الإصلاحات السياسية، وهذه التيارات هي التي وجهت مثل هذه التهمة إلى حركة الحرية، بيد أن الموقف الرسمي للحكومة والتقارير الرسمية لوزارة الداخلية ووزارة الاستخبارات تشير إلى خلاف ذلك، فحركة الحرية والقوى الوطنية والدينية في إيران وقفت بصراحة بوجه العنف وأعمال الشغب، لذلك فإن هذه التهمة لا أساس لها إطلاقًا.
غسان بن جدو: أنت وبعض الوجوه البارزة في المعارضة هنا في إيران وجهتم رسالة مفتوحة إلى الرئيس خاتمي، وقلتم له إنك أضعت فرصة تاريخية خلال .. التحركات الطلابية الأخيرة، فأي فرصة أضاعها خاتمي؟
د. إبراهيم يزدي: الرسالة بعث بها أربعة من قادة الفصائل الوطنية، وفيها قلنا أن السيد خاتمي وبعد فاجعة الهجوم على الحي الجامعي كان بإمكانه الاستفادة من الفرصة المواتية لوضح حد لمجموعات الضغط التي طالما لجأت خلال العامين الماضيين إلى سلوك طريق العنف في تعاملها مع الإجتماعات التي كانت تنظمها القوى السياسية الأخرى، ولكن للأسف ولأسباب لا تزال غير واضحة لدينا فإن السيد خاتمي لم يستثمر تلك الفرصة.
غسان بن جدو: شكرًا جزيلاً لك يا دكتور إبراهيم.