كيف استقبلت بيلاروسيا انهيار الاتحاد السوفياتي؟ وإلى أين تسير بيلاروسيا في ظل الواقع الجديد؟ ما تأثير أحادية القطب في النظام العالمي الحالي؟ ما طبيعة العلاقات التي تربط روسيا وبيلاروسيا؟ في لقاء مع ألكسندر لوكاشينكا رئيس جمهورية بيلاروسيا.
مقدم الحلقة | أكرم خزام |
ضيوف الحلقة | – ألكسندر لوكاشينكو، رئيس جمهورية بيلاروسيا |
تاريخ الحلقة | 07/04/1999 |
 |
 |
أكرم خزام: أعزائي المشاهدين مساء الخير. حلقة اليوم كانت في العاصمة البيلاروسية (مِنسك) مع الرئيس البيلاروسي (ألكسندر لوكاشينكا). السيد الرئيس، بداية أريد أن أسألكم: كيف استقبلت جمهورية بيلاروسيا انهيار الاتحاد السوفيتي؟
ألكسندر لوكاشينكا: حين يُطرح عليَّ هذا السؤال خصوصاً من قِبَل صحفيين العالم العربي الذي -كما تعرفون- ربطته بالاتحاد السوفيتي علاقات طيبة، علاقات ذات أفق مشرق.. أليس كذلك؟! عندئذ تبرز لدي الرغبة بأن أطرح عليكم سؤالاً مقابلاً: ماذا كان موقفكم أنتم أصدقاءنا القدامى أصدقاء الاتحاد السوفيتي من انهيار الاتحاد السوفيتي؟بيد أن الموقف الآن يفترض أن أقدم الجواب أنا لأنك أنت من يطرح السؤال. أظن أن هذا الحدث لم يستدعي في العالم العربي أي تحليل لأن آفاق التعاون المستقبلية كانت كبيرة.
وأؤكد ذلك مرة أخرى، وتم بذل الكثير من الجهود لخلق تلك الآفاق إن كان في مجال الاقتصاد أم في المجال العسكري والتقني، ولذا فإنني لمست من خلال زياراتي ولقاءاتي مع قادة مصر وسوريا وهما بلدان أساسيان في المنطقة ويتمتع قادتهما بالاحترام، أقول: لمست هناك تأسفاً واضحاً على ما حدث للاتحاد السوفيتي والآن إذا ضاعفنا هذا الأسف مئات لا بل آلاف المرات فسنحصل على صورة واضحة للشعور الذي عشناه نحن هنا من جراء انهيار الاتحاد السوفيتي طبعاً يتفاوت هذا الشعور لدي مختلف الناس في دول الاتحاد السوفيتي السابق لكن ما يميز بيلاروسيا هو أن جميع المواطنين تقريباً يتحسرون على أن الاتحاد السوفيتي ليس قائماً اليوم، يتحسرون على انهيار دولتهم.
الأسباب هنا كثيرة طبعاً وتأتي في مقدمتها الأسباب الاقتصادية فقد كنا على مدى ما يقارب الثمانين سنة نبني نظاماً اقتصادياً موحداً وفي بيلاروسيا تحديداً تم بناء مؤسسات صناعية ضخمة تعتبر من المؤسسات العملاقة على المستوى العالمي كما هو حال معمل السيارات في (مِنسك) ومعمل الجرارات مصانعنا الكيماوية وغير ذلك. والآن نجد أن هذه المعامل مازالت تصنع منتوجات عصرية، لكن العناصر الأولية اللازمة كانت ترد إليها من كل مناطق الاتحاد السوفيتي ابتداءً بالشرق الأقصى وانتهاء بمؤسسات صناعية هنا في بيلاروسيا والآن بعد أن تفكك الاتحاد السوفيتي تمزقت علاقات التعاون الإنتاجي القائمة سابقاً مما أسفر عن انخفاض هائل في الإنتاج.
وكان يجب علينا إما تغيير منحى العملية الإنتاجية، وإما تأسيس معامل جديدة هنا لتعويض اللوازم التي كانت ترد من المناطق الأخرى، وبالتالي كانت النتائج مذرية حتى على المستوى المحلى للإنتاج، وطالما أن حجم الإنتاج تقلص فقد تقلصت أرباح المؤسسات مما أدي إلى تفشي البطالة وهي ظاهرة لها ذيول اجتماعية سلبية جداً جاءت نتيجة لانهيار الاتحاد السوفيتي، هذا ناهيك عن العواقب السياسية لتفكك وحدتنا. لنأخذ مثلاً مسألة تعدد الأقطاب في العالم، مهما يكن من أمر كان هناك نظامان في العالم يوازن أحدهما الآخر: الاتحاد السوفيتي من جهة والولايات المتحدة الأمريكية على رأس العالم الغربي من الجهة الأخرى. كان النظامان يتمتعان بجبروت بكفي لحفظ التوازن العالمي، وأظن أنه كان من الممكن ظهور نقاط ارتكاز ثالثة في آسيا -الصين والهند- وركيزة رابعة في العالم العربي وكان يمكن للعالم أن يتوازن على أربع ركائز.
ما حصلنا عليه الآن هو نظام يقوم على ركيزة واحدة، وأنا أكرر دائماً أن أي نظام يقوم على نقطة ارتكاز واحدة لا يمكنه العيش طويلاً لأن الأجل قادم بالنسبة لنظام كهذا عاجلاً أم آجلاً. هذه إن شئت بعض جوانب الموضوع وهي تدل على أن انهيار الاتحاد السوفيتي لم يكن خيراً ليس على شعوب بلادنا فحسب وإنما على معظم شعوب الكوكب وأظنك توافقني أن هذه الحجج قوية.
أكرم خزام: السيد الرئيس، القرن العشرون آيل إلى نهايته نريد أن نعرف منكم إلى أين تسير بيلاروسيا؟ وفي أي اتجاه؟ ما جوهر نظام الدولة عندكم؟
ألكسندر لوكاشينكا: أفهم قصدك، أفهمه. سيكون جوابي تقليدياً هنا أيضاً. لا أريد أن يفهم أحد وكأن بيلاروسيا تسير في منحى مختلف عن الدول الأخرى وتختار سبيلاً أو نهجاً خاصاً بها، كلا ليس الأمر كذلك. إنه لمن الصعب اليوم اختراع طريق جديد يخص بيلاروسيا وحدها، ذلك أن جميع السبل خلال عشرين قرناً قد تم تجريبها وتاريخ البشرية يعرفها جيداً فعلى الصعيد الاقتصادي، هناك سبيلان هناك خيار السوق الحرة والمقصود به حرية السوق دون أي تقيدات كانت، وخيار السوق القائم على التخطيط الصارم حيث يتم تخطيط وتوزيع كل شيء وتوجيه العمليات الاقتصادية في النواحي التي تفرزها السلطات المركزية في الدولة المعنية. بين هذين الخيارين الأساسيين توجد تنويعات مختلفة، لكنها ترتكز عليهما بدرجة أو بأخرى.
نظرتي تتلخص في أن المرحلة الراهنة من تطور البشرية يناسبها تطوير نظم اقتصادية على أساس مبدأ التخطيط مع استخدام الحرية الواسعة وعلاقات السوق. قد تقال إن دول الغرب تعتمد اليوم مبدأ السوق الذي لا يلجأ إلى تخطيط وضبط العمليات الاقتصادية ولكني لا أصدق ذلك، فما هو قائم لديهم ليس سوى نظام سوق يجرى ضبطه بشكل صارم ولكن بوسائل ذات خصوصية فريدة اقتصادية وإدارية. إنني مطلع على هذه النواحي في اقتصاد الولايات المتحدة وأوروبا وكذلك في البلدان العربية وأنا على معرفة بالاقتصاد الصيني أيضاً الذي يتمتع بطابع خصوصي يجعله حالة هجيناً تجمع بين أفضل سمات التخطيط الاقتصادي الذي كان قائماً هناك ومبادئ السوق الحرة والأعمال الحرة.
إننا وبحكم الوضع التاريخي الناشئ نحاول التوصل إلى نموذج ملائم لخصوصية دولتنا وخصوصية مجتمعنا وبناء نظام مناسب لبيلاروسيا، ولأن هنالك العديد من الدول التي قطعت هذا الطريق قبلنا بوسعنا أن نزن ما هو إيجابي وما هو سلبي في تلك التجارب. ما يتضح لنا هو أن الانتقال المفاجئ من الاقتصاد القائم على التخطيط إلى اقتصاد السوق، أو بالأحرى تلك الصورة التي تكونت في أذهاننا عن اقتصاد السوق الذي كنا نجهله يؤدي إلى إفقار الناس، وهذا ما لا يجب أن يكون، وبكلام آخر فإن العلاج بالصدمة ليس مقبولاً بالنسبة لبلدنا ولشعبنا.
لقد رفضنا الطريق الذي تميزت به مثلاً بولونيا وروسيا فليس لدينا لا الوقت اللازم ولا الموارد الكافية لخوض هذه التجربة ونحن نرى السلبيات التي أسفر عنها هذا النهج، ولذا اخترنا سبيل التحسين التدريجي الارتقائي بنظامنا الاقتصادي. لقد رفضنا خياراً من شأنه تحطيم ما كان قائماً لأنه ليس لدينا
-وهذا ما أؤكد عليه دائماً- موارد مادية كافية لتهديم كل شيء حتى الأساس ثم البدء ببناء نظام جديد. لذلك أعلنا أمام الرأي العام في المجتمع أن ما كان قد بُني شيء جيد، ولكن يجب تحسينه، لأن ثمة تكنولوجيا جديدة تتطلب خوض منافسة في الأسواق العالمية مع منافسين أقوياء في مؤسسات حكومية، لذلك اخترنا الثقة الهادئة الارتقائية بقصد تحسين النظام الاقتصادي الذي بُني في بلدنا في السنوات السابقة.
وكلى أمل أننا سنوفق إلى بناء اقتصاد فعال يجمع ما بين مبدأ التخطيط الذي يضمن التنبؤ بمسار العمليات الاقتصادية في ظل دور توجيهي للدولة مع إطلاق المبادلة بالنسبة لكل فرد، بحيث يمارس الإنسان لون النشاط الاقتصادي الذي يحلو له ضمن حدود القانون السائد هذا بالطبع اقتصاد سوق ذو توجه اجتماعي وهو خيارنا فيما يخص الجانب الاقتصادي.
أما فيما يخص السياسة فلست أظن أن علينا تغيير شئ في نظامنا السياسي، لقد بنينا دولتنا وأرسينا الأسس القانونية لحياتها، والآن يعمل لدينا البرلمان وكل أجهزة السلطة بشكل نشيط من أجل تطوير النظم القانونية. إننا بالطبع نبني دولة ديمقراطية حيث إرادة الشعب فوق كل شيء، فوق إرادة أي مسؤول، فوق إرادة الرئيس، وليس بمقدور أحد في هذا المجال أن يملي علينا السير في هذا الاتجاه أو ذلك، بما يتعارض مع مشيئة الشعب هذا ما لن يكون أبداً. وهذا ما لا يروق -بالمناسبة- لشركائنا في الغرب لأننا نبني علاقتنا معه وسياستنا العامة وفق مشيئة الشعب وأي سبيل غير هذا يتناقض مع المبدأ الأساسي الديمقراطية (ديموكراتيز) أي حكم الشعب، أليس كذلك؟
لذا سوف نبني سياستنا على مبدأ الديمقراطية ولسنا ننوي أن نكمم أفواه الناس ونهضم حقوق الإنسان، لكن يجب ألا ننسى أن الكذب في وسائل الإعلام، والتهكم على شعبنا وتقسيم الناس إلى فئات وشيع للمافيا هو أيضاً من الأشياء التي لن نسمح بها. نحن لا نعيق صيرورة وسائل الإعلام الخاصة بالمعارضة، لكن عليها التقيد بحدود القانون. بالمناسبة، عدد وسائل الإعلام المعارضة يفوق بكثير عدد الوسائل الحكومية هذا أمر معروف وليس صحيحاً اللوم الذي يُلقى علينا بخصوص مصادرة حقوق الإنسان لكن لا يجوز أن ننسى أيضاً أول حق من حقوق الإنسان هو حقه في الحياة، وحقه في كسب عيشه، وتأمين مستلزمات الحياة لعائلته، وأظن أن المقارنة بين وضعنا في هذا المجال ووضع العديد من دول الاتحاد السوفيتي السابق ستكون لصالحنا على أكثر من صعيد.
أكرم خزام: السيد الرئيس لو سمحتم لي بهذا السؤال: كيف تُقيِّمون العلاقات مع روسيا؟معروف أنكم منذ سنوات أنكم تلحون على سياسة التقارب لا.. بل الاتحاد مع روسيا، ولكن يُلاحظ أن الأوساط المعنية في روسيا ليست بهذا الحماس لتطوير التقارب أو لا تريد الاتحاد، ما هي نظرتكم إلى عملية الوحدة بين روسيا وبيلاروسيا؟
ألكسندر لوكاشينكا: فيما يخص روسيا وكلامك حول أنهم هناك لا يريدون الوحدة أظن أنك لست محقاً. لكي نحدد ما إذا كانت روسيا تريد الاتحاد مع بيلاروسيا أم لا تريده يجب أن نحدد من الذي يريد هذا الاتحاد في روسيا ومن لا يريده. روسيا ليست موسكو وحدها، روسيا دولة كبيرة، الذين لا يريدون الوحدة معنا هم الساسة ذوي النزعة الموالية للغرب، الذين يتم تسيرهم من الغرب بشكل واضح وتحديد مسار سلوكهم هؤلاء يسمون أنفسهم ديمقراطيين مع أنه لا شيء ديمقراطي في ممارستهم ويمثلهم (جوبايدر) و (تشوبايس) و (بفلينسكي) وأمثالهم هذا هو الطرف الذي لا يريد التقارب الحاصل بين روسيا وبيلاروسيا.
أما فيما يخص الشعب الروسي فإن معظم استطلاعات الرأي العام تؤكد أن أكثرية السكان والرقم قريب من 90% تؤيد الاتحاد وأظن أن عملية التصويت إذا تمت ستكشف عن نسبة أكبر، ذلك لأن أهل روسيا يذكرون أيام كنا نعيش معاً وهم يعرفون ما هي بيلاروسيا ويعرفون أن بيلاروسيا شريك مضمون الجانب لا يمكن أن ينال منهم، هذا شعور متبادل وهذه حقيقة، بالتالي فإن الأكثرية الساحقة من سكان روسيا -أكرر أن النسبة حوالي 90%- تؤيد اليوم قضية الاتحاد بين البلدين بشكل واضح، أما بالنسبة للساسة الذين ذكرناهم فليسوا هم من يحدد سياسة روسيا لأن زمانهم قد فات وهذا ما يجعلني أنظر بعين الأمل اليوم إلى مستقبل الوحدة بين روسيا وبيلاروسيا.
آفاق هذه العملية تم تحديدها في الإعلان الذي وقع عليه رئيسا البلدين أواخر العام الماضي حيث أعُلن بوضوح عن قيام دولة اتحادية مع الحفاظ على سيادة كل بلد. كيف سيتجسد ذلك في الواقع الملموس؟ لقد شكلنا مجموعتي خبراء من الطرفين لصياغة اتفاقية الاتحاد الجديد ونحن مستعدون للذهاب بعيداً إلى أي حدٍ تستطيع روسيا الذهاب إليه وهذا ما أكدته أكثر من مرة في السابق. إن آفاق هذا الاتحاد هائلة من حيث الإمكان وهذا ما يتمتع بأهمية فائقة ليس بالنسبة لنا فحسب بل ولغيرنا أيضاً، للعالم العربي مثلاً باعتبار أن هذا الاتحاد بوسعه أن يكون جنيناً تنشأ منه ركيزة جديدة من الركائز التي يجب أن يستند إليها النظام العالمي وهذا من شأنه خلق توازن معين في العالم من خلال ثِقَلِ يوازن تلك السياسة المنغلقة التي يمارسها الغرب في شتي أصقاع العالم. هنا أمر ترونه أنتم بوضوح من تجربتكم وتعرفونه جيداً من خلال ما يجري في الشرق العربي.
أكرم خزام: قبل انطلاقي من موسكو كنت أتكلم بالهاتف مع عائلة صديقي وزوجته روسية، وحين أخبرتهم أنني مسافر إلى منسك بقصد هذه المقابلة طلبت إلى تلك السيدة أن أبلغكم تحياتها مع القول أن الأمل معقود عليكم، على الرئيس لوكاشينكا بالذات، سيما وأن نصف أقاربها يعيشون في بيلاروسيا.
ألكسندر لوكاشينكا: دونك إذن رأي المواطن الروسي العادي وهو ليس رأياً نادراً أو خصوصياً، فنحن نعرف كيف تعيش روسيا، وما الذي يشغل بال الناس فيها؟
أكرم خزام: نقرأ أو نسمع آراء عديدة تفيد بأن رئيس بيلاروسيا مندفع بالطموح إلى اعتلاء سُدَة السلطة في روسيا من خلال ترشيح نفسه في الانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها في الدولة الاتحادية الجديدة، ما هو قولكم وإلى أي مدى يمكن اعتبار هذه الآراء مطابقة للواقع؟
ألكسندر لوكاشينكا: أتعرف؟ إنني أدرك أن هذه المسألة وللأسف موجودة وتتم إثارتها وأول من أثار هذا السؤال هو المعارضة البيلاروسية ذات النزعات الفاشية القومية وكان المقصد من ذلك هو الإيقاع بيننا أنا والرئيس (يلتسين) فلسان حالهم يقول: انظروا كيف أن ديكتاتور بيلاروسيا، وهم يسمونني هكذا هنا في (مِنْسِك) وهناك في موسكوُ أعني أنصار (جايدر) و(تشوبايز) وغيرهم –مقدم على احتلال السلطة في موسكو.
لا شك أنك سمعت تأوهات الديمقراطيين الروس بهذا الخصوص أكرر أن الغاية هي خلق صدام بين لوكاشينكا ويلتسين، ولكن بعد حين توضحت تخوم هذه اللعبة فلو أن المعارضة هناك كانت واثقة من واقعية هذا الاحتمال ومن إمكانية رسوخه في وعي الناس لما ألحت في الكلام حوله، لكن حساباتهم أصابت هدفاً معاكساً لنواياهم حيث رسخوا في وعى المواطن الروسي إمكانية قيام دولة موحدة، دولة يمكن أن يكون لها فعلياً رئيس واحد ربما كان الرئيس البيلاروسي الحالي، هذا ما جعل الناس يفكرون بالأمر على محمل الجد في روسيا وبيلاروسيا، ربما بنوع من الأسف في بيلاروسيا، أعتذر هنا عن عدم التواضع، وأؤكد أنني لا أنوي بحال من الأحوال ترك منصبي كرئيس لبيلاروسيا لأن الشعب هو الذي انتخبني بمشيئته وسأبقى في عملي طالما أن تلك المشيئة قائمة.
أما في روسيا فإن الأحاديث حول هذا الموضوع قائمة ورغم كل محاولات وسائل الإعلام التي تصورني على هيئة "بعبع" تراهم لا ينجحون في ذلك ولن ينجحوا، فشعب روسيا لا يصدق ما تقوله ما تقوله وسائل الإعلام، الوسائل المرئية خصوصاً لا بل إن الحملة قد هدأت الآن، فلم تعد تلاحظ ذلك الهجوم السابق على بيلاروسيا وعليَّ شخصياً كما في السابق إن كنت تذكر المسألة مثارة إذن وهي متداولة، لكن الحقيقة تتلخص في أن الآراء المذكورة هي وليدة القيل والقال إذ لا توجد أية أطر أو أسس حقوقية للتداول في مسألة من نوع أن لوكاشينكا قد يصبح رئيساً لروسيا هذا أولاً.
أما ثانياً: فإن عدد الطامحين إلى الرئاسة في روسيا اليوم هم بعدد نجوم السماء وأنا أقول في قرارة نفسي أحياناً ربي ساعدهم على تقاسم هذا المنصب دون قلق، الطلاب كثيرون والمقعد واحد وأنا لا أنوي الاشتراك في هذه المشاحنات.
وأخيراً أود القول إنه إذا كنا نريد السير نحو دولة اتحادية حيث سيكون للاتحاد رئيس يقوم بصلاحيات الإشراف على نشاط الرئيسيين في بعض المجالات فلماذا يعتبر البعض أن هذا الرئيس لا يمكن أن يكون من مواطني بيلاروسيا. أظن أن شعبينا هما اللذان يقرران أمراً بهذه الأهمية هذا إذا افترضنا أن الدولة الاتحادية سيكون لها رئيس، الكلام ليس عن لوكاشينكا الآن بل عن فلان أو فلان من أبناء روسيا أو بيلاروسيا تلك هي الممارسة الحضارية. الرئيس يُنتخب من قِبَلِ الشعب أما الحديث في كل هذا الآن فهو أمر مؤسف بالنسب لي لأنه يشكل خلفية غير مريحة بالنسبة للعلاقات بين الرئيسين في روسيا وبيلاروسيا، كلانا يسعى بالطبع إلى عدم ملاحظة هذه الضجة، لكنك توافقني أنه ضجيج مزعج وغير مفيد لعلاقات البلدين.
ويتهيأ لي في الآونة الأخيرة أن (بوريس يلتسين) وأنا كلُ من ناحيته قد تمكنا من تجاوز هذا الحاجز وطرح هذه النزهات جانباً إننا بشر على درجة كافية من الرؤية الحضارية لكي نقرر مستقبلنا ونقرر كيف سنعيش ومن سيقود دولتنا الموحدة إنها قضية الشعب وليست قضية الساسة.
أكرم خزام: ثمة سؤال آخر يخص الكلام حول أن الرئيس لوكاشينكا يحاول إعادة الترسانة النووية إلى بيلاروسيا، ما رأيكم في هذا الموضوع؟
ألكسندر لوكاشينكا: لقد سبق لي أن صرحت بهذا الخصوص في لحظة نشوء هذه الأقاويل حين برزت رغبة لدي البعض من عداد أولئك الناس في روسيا الذين يناصبون بيلاروسيا ورئيسها العداء حين برزت لديهم رغبة في أن يسيؤوا إلى بلدنا ويصورون للغرب عصا غليظة يلوحون بها أمام أنفهم. ولذا أقول: لن يكون لكم ذلك أيها السادة، إنني متأسف جداً على إخراج السلاح النووي السوفيتي من بيلاروسيا أوكرانيا حيث أن هذا القرار كان يفترض أن حلف الناتو لن يزحف نحو الشرق، ولكن ما أن خرج السلاح النووي إلى روسيا حتى أخذ حلف الأطلسي يتوسع على حساب المجر وتشيكيا وبولونيا، وهذا على باب حدودنا الغربية وعلى امتداد آلاف الكيلو مترات.
ما المطلوب منا في هذا الموقف؟ هل المطلوب ألا نلاحظ ذلك؟ لست أنا من اتخذ تلك القرارات التي حذرت من مغبتها ولذلك قلت غير مرة إنني متأسف لخروج السلاح النووي من أراضينا، لكن ليس بوسعي إعادة السلاح النووي، لأن القيادة البيلاروسية السابقة وقعت الاتفاقية المعنية وكنت ملزماً بتسليم بقايا السلاح النووي إلى روسيا. إنه أمر واقع اليوم كما هو واقع تفكك الاتحاد السوفيتي وإن كان الأمر لا يدور اليوم للأسف الشديد حول إعادة إنشاء الاتحاد السوفيتي كما كان فإنه أيضاً لا يدور حول إعادة السلاح النووي إلى بلدنا ولم تجر مناقشة في هذا الموضوع على أي مستوى كان، وأنا لم أطرحه مطلقاً لكن كما قلت هناك قوى معنية في موسكو ليس في روسيا بل في موسكو تقوم بهذا النوع من الخطوات غير الودية تجاه بيلاروسيا، وذلك بقصد التلويح للغرب أن حاذروا فإذا حصل منكم كذا وكذا فإننا سنعيد السلاح النووي إلى بيلاروسيا ولست أدري ما هي حسابات هؤلاء الناس بالضبط لكني أؤكد عدم صدور أي مبادرة منى بهذا الصدد.
أكرم خزام: كتحصيل حاصل تبقى بيلاروسيا بلداً حدودياً، فما الذي تنوون فعله؟
ألكسندر لوكاشينكا: ما نفعله هو أننا ندعم النظم الحدودية، فالحدود البيلاروسية هي أطول خط حدود مجهز في كل مجال الاتحاد السوفيتي السابق، ولدينا نظام فعال للدفاع الجوي هو الأفضل بين نظائره في الجمهوريات السوفيتية السابقة ولدينا جيش ذو حركية عالية كان الأكثر فعالية ضمن نظام الجيش السوفيتي، فمن المعروف أن المنطقة العسكرية الغربية والمنطقة العسكرية البيلاروسية كانتا الذراعين الأقوى في الاتحاد السوفيتي وفقاً للمعايير العصرية الحالية، هذا الجيش بقي على حاله، ونحن ندعمه ليبقى على نفس الحال، وبالرغم من أن مواطنينا ينتمون إلى مذاهب وقوميات مختلفة فالمجتمع موحد على أي حال، وبالتالي إذا شاء أحد ما أن يتصيد شيئاً في هذا المجال فسيلقى ردعاً لا يخطر بباله.
أكرم خزام: كيف تنظرون إلى قضايا كوسوفو والعراق والشرق الأوسط؟
ألكسندر لوكاشينكا: هنا ثلاث قضايا، فيما يخص كوسوفو، نحن من أنصار الحل السلمي حصراً، نحن مع وحدة يوغسلافيا وسيادتها لا يحق لأحد أن يتدخل في الشؤون الداخلية لهذا البلد نحن نريد أن يكون هناك سلام، ولا نريد للمسيحيين الأرثوذوكس أن يقتلوا المسلمين، كما لا نريد للمسلمين أن يقتلوا المسيحيين الأرثوذوكس، فعندنا في بيلاروسيا تعيش هاتان الطائفتان في وئام بلا صدامات، كل يجد لنفسه المجال الحيوي المطلوب. ليس من شأن أحد أن يتدخل في شؤون يوغسلافيا فهي تملك كامل الحق في تحديد سياستها خصوصاً إزاء محاولات سلخ الإقليم الذي كان مهد الدولة الصربية ومهد الشعب الصربي وصدقني لا أحد في يوغسلافيا يقبل بذلك، لهذا نحن مع السلام في تلك المنطقة. يجب التوصل إلى اتفاقات والجميع يرى أن اليوغسلاف بدءوا يسيرون في هذا الاتجاه.
أما بخصوص العراق فجوهر المسألة هو نفسه، لا يمكن السماح بأن تكون قوة السلاح وسيلة لفرض النظام في هذه الرقعة من العالم أو تلك هذا لا يجوز، هذا غير صحيح، وهو يؤدي في نهاية المطاف إلى ما رأيناه في العراق من قتل المدنيين وتدمير المنشآت المدنية جراء القصف الأميركي، هذا ليس مرغوباً، المطلوب هو التفاهم، الاتفاق، أما استعراض القوة، ونقل مركز اتخاذ القرار بشأن القضايا الداخلية للدول إلى مستويات أخرى في العالم، فإن ذلك أمر لا أخلاقي من الناحية الإنسانية وهو ما سينعكس سلبياً على مستقبل العلاقات الدولية وعلى مبدأ الحل السلمي، نحن مع حل سلمي للمشكلة الخاصة بالعراق. وكذلك هو الحال بالنسبة لمشكلة الشرق الأوسط، إسرائيل من جهة والطرف العربي من جهة أخرى، عليهما تطبيق قرارات مجلس الأمن الدولي "الأرض مقابل السلام" أو "السلام مقابل الأرض" إنها معادلة مقبولة وأظن أنه يجب التمسك بها وفي آخر المطاف تطبيق تلك الاتفاقات التي قبلت بها أطراف الصراع فلا يجوز التراجع عن اتفاقيات تم التوصل إليها سابقاً، ذلك هو موقفنا. ونحن بهذه الرؤية نلتقي تماماً مع موقف القيادات السياسية في العالم العربي، فقد سبق لي مناقشة هذه المسائل هناك.
أكرم خزام: إلى اللقاء في حلقة قادمة.