مصطفى الفقي.. الحزب الحاكم في مصر
مقدم الحلقة: |
حسين عبد الغني |
ضيف الحلقة: |
د. مصطفى الفقي: عضو مجلس الشعب- الحزب الوطني الحاكم |
تاريخ الحلقة: | 09/11/2003 |
– ملامح تغيير السياسة الخارجية المصرية
– مدى تراجع الدور المصري في القضايا العربية
– التوازن المصري بين الالتزام بقضية فلسطين والضغوط الأميركية
– موقع أوروبا في السياسة الخارجية المصرية
– طبيعة الضغوط الأميركية على مصر
– مدى إهمال الملف العراقي في الإستراتيجية الخارجية المصرية
– إدراج الديمقراطية وحقوق الإنسان في ثوابت الحزب الوطني الحاكم في مصر
حسين عبد الغني: المؤتمر السنوي الأول للحزب الوطني الديمقراطي الحاكم في مصر مثَّل نقطة تحوُّل مهمة في تاريخ الحزب وربما في تاريخ الأحزاب المصرية كأنه أعلن عن إصلاحات في كل من السياسة الداخلية والخارجية.
لإلقاء الضوء على هذا التطور نلتقي اليوم الدكتور مصطفى الفقي (المفكر السياسي ورئيس لجنة العلاقات الخارجية بالبرلمان المصري، وأيضاً رئيس لجنة مصر والعالم في المجلس الأعلى للسياسات بالحزب الوطني الحاكم).
دكتور مصطفى، أهلاً بك في هذا اللقاء مع قناة (الجزيرة).
د.مصطفى الفقي: أهلاً وسهلاً.
ملامح تغيير السياسة الخارجية المصرية
حسين عبد الغني: دكتور مصطفى، أسألك أولاً: هل غيَّر الحزب الوطني الحاكم مبادئ وعناصر السياسة الخارجية المصرية المستقرة منذ فترة طويلة؟ وهل تلزم رؤية الحزب مؤسسات السياسة الخارجية المصرية المعروف منذ ثورة يوليو أنها تعمل مباشرة تحت إشراف مؤسسة الرئاسة المصرية؟
د.مصطفى الفقي: يجب أن نعترف أولاً أن الحزب لا يضع السياسة الخارجية المصرية، ولكنه يحدد الرؤى العامة التي تتحرك في إطارها علاقات مصر مع الخارج، واضعاً في الاعتبار أن السياسة الخارجية عمل سيادي يمارسه رئيس الدولة ويعينه فيه.. يعاونه فيه جهاز دبلوماسي برئاسة وزير الخارجية، إنما التوجهات الرئيسية للسياسة الخارجية يحددها رئيس الحزب.
حسين عبد الغني: طيب، ما رأيك في أن هذه التوجهات يبدو وكأنها تم تغييرها بمعنى أنها أصبحت وكأنها سياسة نفعية ميكيافيلية لا علاقة لها بهوية مصر العربية الإفريقية الإسلامية؟
د.مصطفى الفقي: لأ، دعني أختلف معك، في نص الأوراق التي قُدِّمت للحزب هذا العام ورقة منفصلة عن مصر والعالم العربي كل من يطلع عليها سوف يدرك أن الحزب يعطي لعروبة مصر وقوميتها الصدارة، نقول فيها بوضوح إن عروبة مصر ليست رداءً نرتديه حين نريد ونخلعه حين نشاء..
حسين عبد الغني[مقاطعاً]: ولكنه في المقابل -دكتور مصطفى- يتكلم وكأنه يقايض انتماء مصر العربي بمصالح نفعية يحصل عليها، يقول أيضاً أن علاقة مصر العربية طريق ذو اتجاهين وليس عطاءً مطلقاً من طرف واحد على حساب مصالحه ومصالح أجياله يعني هو يتحدث هنا عن علاقة نفعية وليس عن انتماء أصيل.
د.مصطفى الفقي: هذا.. هذا أمر لا يختلف عليه أحد، لأنه الفكرة القومية نفسها طرأ عليها في المفهوم المعاصر كثير من الأمور التي جعلتها أكثر واقعية وجعلتها ليست فقط رباط عواطف ولكنها شبكة مصالح، وأنا عالجت شيئاً من ذلك في كتابي "تجديد الفكر القومي" منذ 10، 12 سنة، الحزب بوضوح بيتبنى تصور أن عروبة مصر ليست محل جدل، وأن هناك ثوابت ومبادئ لا جدال حولها ولا فصال فيها، ولكن يجب أن نعترف أنه لكي نمضي عربياً يجب أن نخلق شبكة مصالح ذات اتجاهين لكل دولة، لا يمكن أن تقنع الجماهير العربية بفكر قومي لا يحقق له مصالح حقيقية..
حسين عبد الغني: بس هذا التلميح الضمني وكأن تضحيات مصر المقدرة والمعتبرة في مثلاً في القضية الفلسطينية وكأنها ذهبت هدراً دون أن تحصل مصر على شيء، هذا يجافي التاريخ، يعني صحيح مصر بذلت ما لم يبذله أحد، لكنها أيضاً حصلت في كل المراحل على دعم اقتصادي وعلى دعم تسليحي لجيشها، ما حدث قبل وأثناء وبعد حرب أكتوبر يمثل دليلاً على ذلك يعني مساعدة مصر لليمنيين كانت مكسباً استراتيجياً أمَّنت مصر بمقتضاه مثلاً باب المندب أثناء حرب أكتوبر، يعني لم تكن..
د.مصطفى الفقي: بس دعني من حكاية الدعم المالي والمادي، لأنه لا شيء يعوض أرواح الشعوب وتضحياتهم الحقيقية، لأنه مصر لم تكن في يوم من الأيام شعب من المرتزقة يُدفع له فيحارب، دا بيحارب عن قضية قومية، وأنا معاك الأمن القومي العربي.. الأمن القومي المصري جزء منه، دا مصر دولة حدود مباشرة مع إسرائيل، خاضت حروبها السابقة ليس فقط من أجل انتماءها القومي أو العربي، ولكن دفاعاً عن الأمن القومي المصري، ولذلك أوراق الحزب بتقول بصراحة التي شارك فيها مجموعة كبيرة من قواعده وباحثيه بتقول إنه انتماء مصر العربي أمر لا تفريط فيه، لأنه دا من الثوابت، إذا سألت أي مواطن فهو مصري عربي لا يجادل في ذلك أحد، ولكن نحن نحاول ترشيد مفهوم الانتماء العربي، لا يصبح مجرد شعارات وأحاديث وعواطف، ولكن يتحول إلى مصالح وإلى حقائق وإلى مبادرات موضوعية للخروج من المأزق الحالي.
مدى تراجع الدور المصري في القضايا العربية
حسين عبد الغني: يعني هل هذا الترشيد -دكتور مصطفى- يصل إلى حد ما يمكن وصفه بالانسحاب من القيادة، أن يبدو وأن مصر في الأزمات الإقليمية المتكررة التي حدثت في الفترة الأخيرة، أزمة العراق، الانفجار والتردي الحاصل في الوضع الفلسطيني، وأن مصر لا تلعب الدور الذي يتوقع الجميع منها أن تلعبه.
د.مصطفى الفقي: المشكلة أيه يا أخ حسين بيه؟ إن الناس بتفكر في الحاضر بلغة الماضي، الدنيا تغيرت، قدر حركة أي بلد عربي وربما أي بلد في العالم ليس بنفس المرونة التي كانت عليها في الستينيات ولا حتى في السبعينيات، لا يوجد اتحاد سوفيتي، لا توجد قوى متنافسة يمكن أن تلعب عليها الدول، لا يوجد أيضاً زخم الشعور الجارف في الشارع العربي، لأنه اختفى عصر النجوم اللامعة يعني لا هو عصر (ديجول) ولا (ماو تسي تونج) ولا عبد الناصر الكاريزما السياسية لم تعد مطلوبة، لأنها غالباً على حساب الديمقراطية، تصيب الناس بالعمى وتشغلهم بشكل عاطفي يكون على حساب المصلحة بعد سنوات، نحن أمام واقع مختلف تماماً.
حسين عبد الغني: يعني هل أنهت القطبية الواحدة هامش المناورة الذي كان متاحاً لقوى إقليمية بارزة في إقليمها مثل مصر؟
د.مصطفى الفقي: يجب أن نعترف أننا في عصر الهيمنة الأميركية، نحن نعيش العصر الأميركي، مش معناها إن إحنا تابعين، طب أنا هأقول لك حاجة يجب أن نعترف بها بوضوح، مصر أكثر دولة عربية بتحتفظ بهامش الاختلاف القائم على الاحترام المتبادل مع الـsuper power مع القوة الأعظم، مع الولايات المتحدة الأميركية، مصر لا تقول نعم دائماً. غير صحيح، مصر تحاور وتحاول أن تشرح، ولكن مؤمنة إن فيه علاقات قوية مع الولايات المتحدة الأميركية، وهذا أمر لسنا نحن فيه بدعة، الكل يحافظ على علاقات طيبة مع الولايات المتحدة الأميركية، الصين، إيران تأمل شيئاً من ذلك، سوريا لا تعارض في شيء من ذلك، يعني ما نتصورش إنه الدنيا زي زمان، مواجهة مع قوة، عملية الانتحار السياسي لم تعد ممكنة في هذا العصر.
حسين عبد الغني: نعم، لكن هل انقلبت السياسة الخارجية المصرية التي قادت الحركة القومية، خاصة منذ ثورة 52، لترى في -كما تصف الورقة- الخط القومي انفعالاً أهوج تحركه العواطف، وما يبدو كأنهم ينظرون إلى القوميين العرب وكأنهم ديناصورات سياسية لا صلة لهم بالواقع المعاصر.
د.مصطفى الفقي: هذا أقول..
حسين عبد الغني: يعني الشارع العربي -دكتور مصطفى- المصري أثبت في كل مناسبة انتماءه العربي، منذ الانتفاضة ترى المظاهرات تتحرك من أجل فلسطين، منذ الحرب على العراق تحركت المظاهرات من أجل العراق، يعني هذا..
د.مصطفى الفقي[مقاطعاً]: وأنا أريد أذكرك في ما قبل الحرب على العراق خرج.. خرجت مظاهرة المليون مصري، يقودها الحزب الوطني، من الذي يقول أن هذا الحزب انتماءاته العربية ليست قوية؟ على العكس أنا أعتقد أن هذا الحزب يقف على أرضية صلبة، من أهم ثوابتها الانتماء العربي، يعني لا أحد يجادل على عروبة مبارك، أنا في رأيي.. دعني أذكرك، إذا كنا بنتكلم على انحسار الضوء، منذ سنوات طويلة من الذي أعفى المنطقة من مواجهة عربية تركية؟ هو مبارك بزيارة 98 في شهر أكتوبر، كانت المواجهة.. كان أمر القتال قد صدر للقوات التركية على الحدود السورية، دعك من هذا، عندما يأتي أكبر رئيس دولة في العالم إلى المنطقة في دبلوماسية البحر الأحمر الأخيرة، يبدأ بالأرض المصرية في شرم الشيخ، يعني إحنا بس يجب أن نفرق بين أمرين بين أن الدور كان له شخصية معينة، وأصبح للدور شخصية مختلفة.
حسين عبد الغني: صحيح، لكن هو الاختلاف هو هل هذه الشخصية تصل إلى حد أن تصبح الأولوية المطلقة في أولويات السياسة الخارجية المصرية هي العلاقة الاستراتيجية مع أميركا -كما تصفها الورقة- بينما يشحب الانتماء العربي، يعني الورقة التعبير الوحيد لعلاقة استراتيجية أعطته فقط للعلاقة مع الولايات المتحدة، ولم تُعطِ هذا الوصف لدور مصر القيادي في العالم العربي أو لارتباطاتها العربية.
د.مصطفى الفقي: دعني.. لأ، دعني أذكرك بفصول كاملة عن الشراكة مع أوروبا، الجار المباشر على الضفة الأخرى من البحر الأبيض، وشريك الحضارة في..
حسين عبد الغني[مقاطعاً]: سأعود لهذه النقطة لأنه لم تكن هناك يعني.. يعني لم توازن الورقة بين أولوية العلاقة مع أميركا، وبين أولوية العلاقة مع أوروبا..
د.مصطفى الفقي: بالعكس الورقة الأولى تتحدث عن علاقات مصر بالعالم العربي، يمكن الورقة الأميركية الورقة الثالثة أو الرابعة بعد أوروبا وإفريقيا..
حسين عبد الغني: نعم، صحيح..
د.مصطفى الفقي: وبالتالي لا يستطيع أحد أن يجادل في هذا، لا يوجد تعارض بين حرصك على علاقات سليمة وصحية مع الولايات المتحدة الأميركية وبين انتماءك العربي، نريد أن نقف في مصر على نقطة التوازن بين انتماء قومي لا تفريط فيه، والتزام دولي لا خروج عنه، مشكلة مصر في سياستها الخارجية مع العالم العربي أن هذه النقطة لا تكون مفهومة أحياناً.
التوازن المصري بين الالتزام بقضية فلسطين والضغوط الأميركية
حسين عبد الغني: في القضية الفلسطينية مثلاً عندما تصبح الضغوط الأميركية كلها في اتجاه الضغط على الفلسطينيين، ولصالح الإسرائيليين، وهي واحدة من أكثر الإدارات الأميركية انحيازاً لإسرائيل وعداءً للعرب، كيف تُوفِّق بين التزام مصر بالقضية الفلسطينية -وهي مسألة أمن قومي كما تفضلت سيادتكم- وبين الضغوط الأميركية؟
د.مصطفى الفقي: دعني أذكرك، مصر لديها حوار مستمر مع الإدارة الأميركية شأن بعض الدول العربية الأخرى.
حسين عبد الغني: نعم.
د.مصطفى الفقي: خلاص، اثنين: مصر حاولت التقريب بين وجهات النظر لدى الفصائل الفلسطينية بكل قوة، وحافظت على الثوابت الفلسطينية زعامة وحكومة وشعباً، الشعب الفلسطيني، وأنا أعتقد إنه لولا جهود الدبلوماسية المصرية ومبعوث الرئيس إلى هناك، كانت حكومة أبو مازن لم تر النور، فكرة رئيس حكومة إلى جانب الرئيس الفلسطيني المنتخب.
حسين عبد الغني: بس هي فكرة أميركية وإسرائيلية يا دكتور من البداية؟
د.مصطفى الفقي: دي قضية أخرى، أنت برضو لا يجب أن تغمط الواقع حقه، هناك قوى في المنطقة دولية وإقليمية، العالم ليس هو نفس العالم، أنا أتمنى معك أن أمضي في هذا السياق المفتوح، لكن الدنيا ليست كذلك.
حسين عبد الغني: ربما كان الأهم في الدور المصري أنها حالت دون حدوث حرب أهلية.
د.مصطفى الفقي: أنا عايز أقول لك حاجة، مصر وضعت يعني يدها على الـ (Break) على الفرامل بشدة في الشهور الماضية، المطلوب هو تغيير المعادلة، المطلوب هو الدخول في مواجهة شاملة، إسرائيل قررت فجأة أن تخرج عن فكرة التواجد الطوعي في المنطقة بالقبول بالتعاون الإقليمي، بالتعايش المشترك، إلى فكرة الوجود القسري، قهر الفلسطينيين، بناء سور عنصري، فرض إرادة وهيمنة على المنطقة، كما أن الولايات المتحدة الأميركية هي سيدة العالم، فلتكن إسرائيل هي سيدة الشرق الأوسط.
حسين عبد الغني: ربما أيضاً فتح باب المواجهة الإقليمية بعد العدوان على سوريا.
د.مصطفى الفقي: لا.. طبعاً يعني هو برضو عملية تحرش، دي وسائل جديدة، نقلة نوعية، عملية تصعيد، والعمليات العسكرية على حدود مصر في رفح، لكن الأمر يحتاج إلى ضبط النفس، لأن المطلوب هو تغيير المعادلة، والعودة إلى المربع الأول، وهذا ليس في صالح لا العرب ولا الفلسطينيين.
حسين عبد الغني: المطلوب من شارون.. المطلوب من شارون.
د.مصطفى الفقي: هذا هو هدف شارون بالضبط.
موقع أوروبا في السياسة الخارجية المصرية
حسين عبد الغني: هذا التوازن أيضاً غير واضح في مجال العلاقات بين الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا، يعني كما تعتبرون أوروبا الظهير الخلفي لها، نحن نعتبرهم أيضاً الظهير الخلفي، يعني.. يعني أمن مصر والعالم العربي مرتبط أيضاً بأمن شمال البحر المتوسط، والأمن الأوروبي، في حين أُعطي الدور الأكبر لأوروبا، ركزنا فقط في الورقة على الجوانب الاقتصادية، وربما بعض الجوانب الثقافية مع أوروبا.
د.مصطفى الفقي: أريد أن أذكر الجميع إنه رغم أن الحرب الباردة انتهت سياسياً، لازالت موجودة اقتصادياً، في كل مؤتمرات (WTO) منظمة التجارة العالمية، وفي كل المواجهات التي تجري الآن تجد إن الأوروبيين في جانب والولايات المتحدة الأمريكية في جانب، وأذكرك بقى رداً على الجزء الأول، أن مصر اتخذت كثير من المواقف المؤيدة للتوجُّه الأوروبي والمتَّسقة معه، وليست بالضرورة مؤيدة أو متسقة مع التوجه الأميركي.
طبيعة الضغوط الأميركية على مصر
حسين عبد الغني: بس ما تقوله الآن بوضوح -دكتور مصطفى- ليس واضحاً بنفس الدرجة في الورقة نفسها، هل ما أشرت إليه من ضرورة الحفاظ على علاقات استراتيجية مع الولايات المتحدة، يجعل مصر تتجاهل الضربات المتكررة والمتوالية التي وجهتها السياسة الأميركية في السنوات الأخيرة للمصالح القومية المصرية خاصة مصالح الأمن القومي، أذكرك مثلاً بأنها انفردت بتسوية الملف السوداني من (مشاكوس) حتى ما بعد مشاكوس تمت الأمور بدون -على الأقل- إشراك مصر بصورة جدية، ربما تمت بعض الأمور من وراء ظهرها، أيضاً حصار مصر عن طريق حصار الدول المجاورة لها، مثل مصر وليبيا، مثل السودان وليبيا وهي مصر حاولت أن تفك هذا الحصار بطرق مختلفة، حتى اعتبار إسرائيل متغيراً من متغيرات العلاقة المصرية الأميركية وانحياز الولايات المتحدة لإسرائيل في كل أمر يخص العلاقة بين مصر وإسرائيل؟
د.مصطفى الفقي: دعنا نفرِّق بين أمرين، الأمر الأول: هو العلاقات الثنائية بين واشنطن والقاهرة، تلك قضية التي تحدثت عنها من الجوانب الاستراتيجية، وبين السياسة الأميركية الإقليمية، وهي سياسة قد لا توافق عليها مصر بالكامل، خذ موضوع السودان كمثال، الولايات المتحدة الأميركية رأت أن هناك جارين، أحدهما يجب أن يكون من الشمال وهو مصر، والثاني من جنوب السودان وهو كينيا يتعاونان في الحل، وبالمناسبة باركت مصر التوجُّه عموماً عندما تيقنت أن الولايات المتحدة الأميركية ليست وراء خيار الانفصال أو التقسيم.
حسين عبد الغني: بس مصر..
د.مصطفى الفقي: وكذلك أوروبا..
حسين عبد الغني: بس مصر نزلت في الحقيقة على حكم الواقع، يعني ما وجدته واقعاً اضطُّرت للتعامل معه، يعني هذا.. هذه التسوية تعطي للجنوب -نظرياً على الأقل- حق تقرير المصير، أي الانفصال، وهذه مسألة تهدِّد المصالح الأمنية النيلية المصرية.
د.مصطفى الفقي: أولاً: أنا أريد أن أذكِّرك إن أنا لست وصيًّا على السودان، إنما أنا شريك، وزي ما بنقول توأم وجار، ومصالح استراتيجية، وحدودي تبدأ من منابع النيل، وحدوده تبدأ من سواحل المتوسط، ماشي، إنما أنا لا أستطيع أن أتحدث للسودان بما يريده، مش هأكون ملكي أكثر من الملكيين، الساسة السودانيون من كل ألوان الطيف السياسي رأوا هذا التوجُّه، مصر حاولت جمع الشمل، وعملت المبادرة المصرية الليبية -كما تعلم- من عدة سنوات من أجل الخروج من المأزق، إنما عندما اكتشفنا أن خيار الانفصال -وأنا في رأيي هذا- يبدو بعيداً الآن تجاوبنا مع الموقف ومضينا فيه، لو أن خيار الانفصال كان بالقوة التي كان مطروحاً بها من خلال مجموعة (الإيجاد) فقط منذ عدة سنوات لكان الأمر مختلفاً، كان مجموعة الإيجاد دولة زي النرويج مجموعة قوى أوروبية، لكن لا المبعوث الأميركي في جعبته رغبة في الانفصال، ولا المبعوث البريطاني أيضاً في السودان، وبالتالي مصر بالنسبة للمسألة السودانية بالذات عندها حساسيات تاريخية ومشاكل إقليمية، ولا تستطيع أن تكون طرف في الصراع.
حسين عبد الغني: يعني هل ترى..
د.مصطفى الفقي: ما أقدرش أميز الشمال على الجنوب بالمناسبة..
حسين عبد الغني: يعني هل.. نعم.
د.مصطفى الفقي: أنا علاقتي بالجنوب علاقة جيدة وتاريخية أيضاً.
حسين عبد الغني: نعم، صحيح.
د.مصطفى الفقي: أنا علاقتي بسودان متكامل واحد شماله وجنوبه.
مدى إهمال الملف العراقي في الإستراتيجية الخارجية المصرية
حسين عبد الغني: التطور يا دكتور مصطفى في هذا الموضوع في الموقف الأميركي يرتبط إلى حدٍ كبير بالحالة العراقية وبالغضب العربي لقيام الولايات المتحدة بشن حرب خارج الشرعية الدولية، وبدليل أنها الآن تطلق يد إسرائيل حتى لم تُدِن العدوان على سوريا والهجوم على سوريا، ولا حتى ما تقوم به إسرائيل الآن تجاه قتل الناشطين والمدنيين الفلسطينيين، لكن هذا يقودنا أيضاً إلى موضوع تم التعامل معه بشكل شاحب في رؤية الحزب الوطني للسياسة الخارجية، وهو الموضوع العراقي، مصر أكبر دولة عربية لا تطرح في هذه الورقة تصوُّراً استراتيجياً للتعامل مع ثاني أكبر بلد عربي واقع الآن تحت الاحتلال.
د.مصطفى الفقي: لا.. لا.
حسين عبد الغني: يعني لا تتحدثوا هنا عن أمدٍ محدد للضغط على الأميركيين والبريطانيين للخروج من.. من العراق، لا.. لا تحدد أمداً محدداً لقيام العراقيين بالسيطرة على شؤونهم وإدارة أمورهم بأنفسهم لوضع دستور وإجراء انتخابات عامة محددة.
د.مصطفى الفقي: ثانية واحدة.
حسين عبد الغني: إنها تكتفي فقط..
د.مصطفى الفقي: موضوع العراق استنزف جزءاً كبيراً من وقتنا في الحزب وفي المجلس الأعلى للسياسات بقيادة أمينه العام هذا العام، السبب أننا أعددنا أوراق قبل الحرب على العراق، وأوراق أخرى لما تغير المزاج العام، وجرى لدينا أمل كان فيه أمل أن العراق سوف يواصل الصمود، فظهرت ورقة أخرى أثناء العمليات..
حسين عبد الغني: لكن المزاج العام لم يتغير يا دكتور مصطفى.
د.مصطفى الفقي: لأ، كان لدينا تصوُّر أن صمود العراق قد لا يُمكِّن الأميركيين من الدخول، ثم ورقة أخرى بعد سقوط بغداد في التاسع من أبريل، وبالتالي كان موقفنا دائماً هو موقف الداعم للشعب العراقي، ومصر تقوم بكثير من الأمور التي قد لا تُرى على الساحة، ولكن نتائجها مباشرة.
حسين عبد الغني: طيب، هل من بينها التعامل مع المقاومة العراقية التي يعني هي ربما الطرف الوحيد الذي يلتمس دور مصر، ويعتمد عليه ويعوِّل عليه كمصدر للشرعية العربية ومواجهة..
د.مصطفى الفقي[مقاطعاً]: استقبلت مصر في مراحل مختلفة كل ألوان المقاومة العراقية بغير استثناء، وليس فقط المجلس الحاكم أو ممثليه أو بعض القوى التي جاءت رسمياً بشكل معروف.
حسين عبد الغني: ألا ترى أن مصر أعطت موافقتها الثمينة -وأنت تعلم هذا- على الحكم.. مجلس الحكم الانتقالي بدون مقابل حقيقي يتمثل..
د.مصطفى الفقي[مقاطعاً]: أنا لا أعرف لماذا يوجه اللوم إلى مصر؟ دا مصر سبقتها دول كثيرة، دا مصر اتخذت موقفاً، وقالت إنه نوع من التسليم بالواقع على اعتبار إنه مرحلة لما هو قادم، ولكن دول أخرى في مقدمتها دولة قوميتها معروفة زي سوريا دعمت المجلس، ورأت أن هذا حل حتى لا يعزل العراق ويكون بعيد عن أمته العربية، لابد من التواصل معه، وبالتالي أنا لا أعتقد إنه اللوم الدائم لمصر في كل خطواتها وهي جزء من أمتها العربية، إذا افترضت إن أنت تريد أن ترفض المجلس الحاكم في العراق ما هو البديل الذي تستطيع أن تفعله الآن؟ إنه خطوة عراقيون بغض النظر عن صلاحياتهم وقدرتهم، وفيه حاكم مدني يقول..
حسين عبد الغني[مقاطعاً]: شُكِّلوا تحت..
د.مصطفى الفقي[مستأنفاً]: أنا معك في هذا، إنما أول الغيث قطرة، أنت تريد أن تتجه إلى الطريق الصحيح الذي يؤدي في النهاية.
إدراج الديمقراطية وحقوق الإنسان في ثوابت الحزب الوطني الحاكم في مصر
حسين عبد الغني: تعرف سيادتكم أكثر من غيركم أن -كمفكر سياسي- أن مسألة الديمقراطية وحقوق الإنسان باتت من محددات العلاقات بين الدول، محددات العلاقات الدولية وأيضاً السياسة الخارجية للدول، أيضاً الحزب الوطني تطرق بشكل واضح في مؤتمره السنوي الأول لمسألة حقوق المواطنة ومسألة الديمقراطية، لماذا يرى كثير من المعارضين المصريين أن ما جاء في هذا المجال هي خطوة متأخرة من ناحية وأقل من المتوقع من ناحية أخرى؟
د.مصطفى الفقي: الناس دائماً متوقعة إن فكرة مؤتمر يعني تغيير، يعني تصعيد وإنزال وتغيير قيادات وأفراد، ليس هذا بالضرورة..
حسين عبد الغني: نحن نتكلم عن سياسات..
د.مصطفى الفقي: دعني أذكرك في موضوع المواطنة أنا رأيي إنه كان فيه توفيق شديد جداً من قيادات الحزب، وأنا مش فيها بالمناسبة، عندما اختاروا هذا الموضوع لكي يكون هو التيمة أو الموضوع المركزي داخل المؤتمر، لأن موضوع المواطنة في مصر في بلد بيقترب سكانه من 70 مليون، وفيه تراكم لتراث وعلاقات وشرطة وقضاء، محتاجة إلى إعادة نظر، وبيروقراطية، والمواطن المصري معاناته شديدة أحياناً في التعامل مع الجهاز الحكومي، فالحديث عن موضوع المواطنة باعتبارها المعيار الوحيد لوجود الفرد داخل الوطن وفي علاقته مع الدولة أمر مهم جداً، سبقه الحديث عن المجلس الأعلى لحقوق الإنسان، إلغاء الأشغال الشاقة في السجون، تحديد عمل المحاكم العسكرية لكي تكون قاصرة على قضايا الإرهاب والمخدرات، ثم استُكمل هذا بتصحيح عوار دستوري كان موجود، وهو مساواة المرأة بالرجل في اكتساب ابنها للجنسية مثلما يحمل ابن الرجل المصري.
حسين عبد الغني: كل هذه التغيرات دكتور مصطفى، وأنت رجل جاب العالم ويعرف الأوضاع الديمقراطية في العالم، أقل بكثير سواء من الأوضاع في العالم الخارجي أو أقل بكثير من مطالب المعارضة المصرية، مطالب المعارضة المصرية، إلغاء قانون الطوارئ، تعديل قانون الأحزاب، تعديل قانون الانتخابات، تعديل قانون مباشرة الحقوق السياسية.
د.مصطفى الفقي: بالمناسبة بقى..
حسين عبد الغني: مد نطاق الإشراف القضائي.
د.مصطفى الفقي: طب خلاص، أنت لو تتأمل اللي حصل، يعني عندما أعلن الرئيس عن إلغاء العمل بكثير من الأوامر العسكرية التي كانت قائمة، دي محاولة لحصر تأثير قانون الطوارئ حتى يكون متواكباً فقط مع الهدف من بقائه، وهو قضايا الإرهاب والمخدرات والمسائل المتعلقة بالأمن القومي.
حسين عبد الغني: طب ما قضية الإرهاب انتهت يا دكتور مصطفى لأن الدولة الآن..
د.مصطفى الفقي: من قال لك أن الإرهاب انتهى؟
حسين عبد الغني: الدولة الآن تفرج عن الجماعة الإسلامية، ووزير الداخلية المصري تحدث بصراحة إن هذه الجماعة صادقة في عدولها عن العنف، وطلقت العنف نهائياً..
د.مصطفى الفقي: أولاً..
حسين عبد الغني: ويُفرج عن قادتها..
د.مصطفى الفقي: كل الذين أفرج عنهم استوفوا الأحكام بالمناسبة، ولكن كان يمكن بعد أن يستوفي شخص تشعر إن هناك خطر منه على الأمن العام أو أنه شريك في عمل إرهابي بمواصلة اعتقاله بعد انتهاء المدة، هذا الأمر..
حسين عبد الغني[مقاطعاً]: يعني هل أنت من.. من المفكرين الذين يرون أن قانون الطوارئ مازال ضرورة لمصر بعد اثنتين وعشرين سنة؟
د.مصطفى الفقي: لا أرى ذلك، ولكنني أرى أن هذا القانون يمكن أن يستبدل بقانون لمكافحة الإرهاب، ولكن هناك نص دستوري لا يساعد على ذلك ولا يجيزه، فوجوده مقترن، المهم ليس قانون الطوارئ، المهم كيفية ممارسته واستخدامه، ونحن نتطلع جميعاً، أنا متأكد من أول رئيس الدولة إلى أصغر مواطن إلى الوقت الذي لا تحتاج فيه لهذا القانون الكريه بالتأكيد..
حسين عبد الغني: هل تم الحديث عن مسألة حقوق المواطنة وعن الديمقراطية وحقوق الإنسان كرسالة للحزب الوطني بعد سنوات من تجاهل الحزب لمطالب المعارضة والمجتمع المدني لهذه القضايا كتيمة -كما وصفتها- تحت ضغوط الولايات المتحدة الأميركية لإجراء الديمقراطية وتحت الصيحات التي أطلقها متنفذون في الإدارة الأميركية، إنه إذا -مع استعمال فزاعة العراق- إنه إذا لم تقم الدول العربية بالإصلاحات بأنفسها فنحن سنجري الإصلاحات بطريقتنا.
د.مصطفى الفقي: الأمر يختلف، مصر قادت التنوير في القرن الـ19، من رفاعة الطهطاوي لمحمد علي، قادت التحرير في القرن العشرين، وتتجه نحو الإصلاح، ليس المهم إذا كان (كولن باول) قد أعلن عن مبادرة أو أن الولايات المتحدة الأميركية تتحدث عن الإصلاح، المهم هو حاجتنا نحن، آه النظام التعليمي العربي في حاجة إلى إصلاح، الثقافة العربية في حاجة إلى تنقية، التكنولوجيا بحاجة إلى دعم وتوطين، هذه الأمور لا تجادل فيها لا أنت ولا أنا فإذا تحدث عنها الغرب أو الولايات المتحدة الأميركية، ليس يعني أن نقف ضدها ولكن أن نفعلها مستقلين وبدوافع ذاتية ودون ضغط أو إكراه.
حسين عبد الغني: طب لماذا نفعلها ببطء وبصورة حذرة ومترددة، يعني كما أشرت أن النظام التعليمي، النظام الثقافي، النظام الانتخابي ليس في حاجة إلى تغيير؟
د.مصطفى الفقي: كل هذا..
حسين عبد الغني: فكرة تداول السلطة بشكل حقيقي؟
د.مصطفى الفقي: يا أخ حسين، كل هذه الأمور يجري التعامل معها بشكلٍ متوازي، على سبيل المثال موضوع زي موضوع حقوق المواطنة في التقاضي، العدالة البطيئة ظُلم، معاملة المواطن في أقسام الشرطة مسألة أيضاً هامة، وأجاب وزير الداخلية بوضوح، العلاقة بين الأمن السياسي والأمن الجنائي في الدولة، القضايا السياسية والقضايا الاقتصادية أمام القضاء، والاعتبارات التي تحكمها، أنا رأيي إن كان فيه في هذا المؤتمر بالذات قدر كبير جداً من الشفافية لم تكن متاحة من قبل.
حسين عبد الغني: طب هل قَبِل الحزب الوطني في هذه الدورة ما تجاهله.. ما تجاهله لسنوات طويلة وهو أنه لا يمكن أن يجري إصلاحاً اقتصادياً، أن يحدث الليبرالية الاقتصادية وقوانين السوق دون أن يحدث بشكل متوازي ليبرالية سياسية موازية تؤدي إلى تداول سلطة حقيقي في مصر؟
د.مصطفى الفقي: في المؤتمر العام الثامن، السنة اللي فاتت ما فيه مؤتمر كل خمس سنين مؤتمر عام كبير وفيه مؤتمر سنوي، قيل فيه بوضوح أن رئيس الحزب في المرة القادمة سوف يكون بالانتخاب، وليس بالاختيار.. يعني لابد أن يكون هناك أكثر من مرشح، قد ينسحب الأمر على كل المستويات في الانتخابات.
حسين عبد الغني: بما فيها انتخابات رئاسة الجمهورية وغيرها؟
د.مصطفى الفقي: هذا أمر لا أعلمه ولكن أعتقد أننا سوف نتجه إليه في يوم من الأيام.
حسين عبد الغني: متى يمكن أن نقول أن مصر ستقدم مرة أخرى ربما يعني النموذج في قيادة المنطقة هذه المرة نحو الديمقراطية، متى يمكن أن تُصنَّف مصر في مصاف الدول الديمقراطية بشكل حقيقي؟ هل نتحدث هنا عن مدىً قصير عن مدىً متوسط، عن مدىً بعيد؟
د.مصطفى الفقي: أيوه.. بالضبط أنا عايز أقول لك.. أنا أعتقد أن مصر تتجه إلى ذلك، أنا شخصياً رغم كل ما أراه أحياناً من أسباب الضيق واليأس في المنطقة، إنما أرى أن بشائر التحول سوف تكون حتمية إلى الأفضل، وأعتقد أن مساحة الديمقراطية في مصر تتسع يوماً بعد يوم، ومساحة المشاركة السياسية إنه ما يمكن الحصول عليه لا يمكن التراجع فيه.
حسين عبد الغني: دكتور مصطفى الفقي (المفكر السياسي المعروف ورئيس لجنة العلاقات الخارجية بالبرلمان، وأيضاً رئيس لجنة مصر والعالم في المجلس الأعلى للسياسات بالحزب الوطني الحاكم في مصر)، شكراً جزيلاً لك على هذا اللقاء مع قناة (الجزيرة).
أما أنتم مشاهدينا الأعزاء، فحتى لقاء آخر هذا حسين عبد الغني يحييكم من القاهرة.