أنطونيو ماريا كوستا.. أفغانستان والأمم المتحدة
مقدم الحلقة: | عمرو الكحكي |
ضيف الحلقة: | أنطونيو ماريا كوستا: نائب الأمين العام للأمم المتحدة |
تاريخ الحلقة: | 05/11/2003 |
– مهام مكتب مكافحة المخدرات والجريمة التابع للأمم المتحدة
– مكافحة الإرهاب في ظل عدم اتفاق دولي على تعريفه
– دور المكتب الأممي في التصدي لغسيل الأموال
– الجريمة المنظمة وأحدث التشريعات لمكافحتها
– كيفية مكافحة المكتب لجرائم تهريب البشر
– تجارة المخدرات في العالم وكيفية مكافحتها
عمرو الكحكي: أيها السيدات والسادة، أهلاً بكم إلى حلقة جديدة من برنامج (لقاء اليوم).
ونستضيف فيه هذه المرة السيد أنطونيو ماريا كوستا المدير التنفيذي لمكتب مكافحة المخدرات ومنع الجريمة التابع للأمم المتحدة، وهو نائب الأمين العام للمنظمة الدولية، كما أن ضيفنا الذي وُلِدَ في إيطاليا عام 1941 هو المدير العام لمقر المنظمة الدولية في العاصمة النمساوية فيينا، والسيد أنطونيو كوستا متخرج من جامعة (تورينو) الإيطالية في العلوم السياسية، ثم حصل على شهادة الدكتوراة من جامعة (كاليفورنيا أدبركلي) في الاقتصاد بالولايات المتحدة، وشغل ضيفنا مناصب عدة في المنظمة الدولية التي قضَّى فيها نصف حياته العملية على الصعيد الدولي أي نحو خمسة عشر عاماً، كما عمل وكيلاً للأمين العام لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية وكذلك المفوضية الأوروبية حتى بلغ فيها منصب المدير العام للمالية والاقتصاد، ثم تولى منصب الأمين العام للبنك الأوروبي للتنمية وإعادة الإعمار، وقد تسلم السيد كوستا منصبه الجديد في الأمم المتحدة في شهر مايو/ أيار من العام الماضي.
مهام مكتب مكافحة المخدرات والجريمة التابع للأمم المتحدة
سيد أنطونيو كوستا، أهلاً بك وسهلاً في قناة (الجزيرة).
لنبدأ أولاً بالسؤال عن المهام التي يقوم بها مكتب مكافحة المخدرات ومنع الجريمة التابع للأمم المتحدة؟
أنطونيو ماريا كوستا: يسرني ذلك، منذ سنوات وبالتحديد في عام 2000 مع مطلع الألفية الجديدة اتفق زعماء الدول الأعضاء في الأمم المتحدة على أهداف الألفية الجديدة. وتم التركيز مرة أخرى على استمرارية التنمية، اتفق أيضاً على أن التنمية لا يمكن أن تستمر من دون السيطرة على بعض السلوكيات الاجتماعية التي تشكل خطراً على التنمية وعلى المجتمع، ومنها الإرهاب والمخدرات، وتهريب البشر والجريمة المنظمة وغسيل الأموال والفساد، ومكتبنا يتعامل مع كل تلك الأمور.
مكافحة الإرهاب في ظل عدم اتفاق دولي على تعريفه
عمرو الكحكي: إذا بدأنا بالإرهاب على وجه الخصوص لأنه الموضوع الأسخن على الساحة الدولية حالياً، أي إرهاب نعني؟ هناك محاولات كثيرة لتعريف الإرهاب، وأعتقد أن العرب والمسلمين لهم تحفظات على الخلط بين الإرهاب والمقاومة المشروعة، فما هي نتائج محاولات تعريف الإرهاب حتى الآن في الأمم المتحدة؟
أنطونيو ماريا كوستا: تعلمون أن مناقشات ومفاوضات جرت في الأمم المتحدة في نيويورك وليس في فيينا حيث أعمل واستهدفت تلك المناقشات التوصل إلى اتفاقٍ على أول اتفاقية شاملة لمكافحة الإرهاب، ولم يتم توقيع الاتفاقية حتى الآن، والمفاوضات متوقفة الآن بسبب عدم القدرة على تعريف الإرهاب بشكل أساسي غير أن هناك نحو اثنتي عشرة اتفاقية أو بروتوكولاً تم الاتفاق بشأنها حتى الآن حول جوانب متعددة من الإرهاب، منها تمويل الإرهاب واستخدام الأسلحة ومكافحة الهجمات الإرهابية على الطائرات وحماية الدبلوماسيين والمبعوثين وهكذا، ومهمة مكتبي هي ضمان أمن جميع الدول الموقعة على تلك البروتوكولات والاتفاقيات في العالم، هذه الدول ستصادق عليها في برلماناتها وتنفذها في شكل تشريعات وقوانين تفرض بقوة القانون لمنع غسيل الأموال ومواجهة الفساد، وهكذا فإن مهمتنا هي مساعدة البلاد المختلفة على تنفيذ الاتفاقات التي وقعت عليها خاصة تلك البروتوكولات البالغ عددها اثني عشر.
عمرو الكحكي: هناك جماعات ومنتقدون لهذا المنهج يقولون إنه قبل المضي قدماً في مكافحة الإرهاب لابد من تعريفه أولاً حتى لا يتم الخلط بين الساعين للحصول على حقوقهم ومن يروعون الناس فعلاً للحصول على مكاسب من وراء العنف، فما تقييمكم لهذا الصراع؟
أنطونيو ماريا كوستا: إنه صراع معروف وهو صراع فلسفي، لكنه أيضاً عملي ذو طابع قانوني، وهنا أسوق مثالاً تشبيهياً لمشاهدي (الجزيرة) عن اتفاقيتين تم التوقيع عليهما في مقر المنظمة الدولية بفيينا، أحدهما عن الجريمة المنظمة والآخر عن الفساد، في كلا الحالتين اتفقت الدول المشاركة ومسؤولو المنظمة على عدم وضع تعريفٍ للجريمة المنظمة أو للفساد، واستعضنا عن ذلك بالحديث عن أنماط الجريمة المنظمة والظروف التي تجعلها حقيقة واقعة على الأرض، وعن الفساد تساءلنا ما هي الحالات التي نتفق على أنها فساد، وهكذا يمكن التعامل مع قضية ما كالإرهاب والجريمة المنظمة والفساد سواءٌ بالتعريف الذي يكون مادة مثيرة للجدل السياسي أو عن طريق تقديم مواقف معينة يمكن أن تكون مشمولة تحت أحد تلك المسميات، ونفضل المنهج الثاني لأنه عملي ولأنه يمكننا من تجاوز مسألة التعريف، لكنني أعي.. أعي تلك المشكلات التي يفكر فيها المشاهدون.
دور المكتب الأممي في التصدي لغسيل الأموال
عمرو الكحكي: حسناً، طالما تحدثت عن الجوانب المختلفة التي تقع في نطاق مسؤولية مكتب مكافحة المخدرات ومنع الجريمة، أذكرك بمقولة لك تقول: إن الرابط بين الإرهاب والجريمة المنظمة والاتجار في المخدرات هو غسيل الأموال، وبعد الحادي عشر من سبتمبر تم وضع تشريعات في هذا الصدد في بلدان كثيرة حول العالم، فكيف تضمنون أن الدول المشرعة تنفذ تلك القوانين؟
أنطونيو ماريا كوستا: طبعاً، نعمل على ضمان تنفيذ تلك القوانين، بل وأكثر من ذلك، فطبعاً نحن ندوِّن دور القائمين على غسيل الأموال سواء في تمويل الإرهاب أو الجريمة المنظمة أو السلوك الشرير والمجتمع الدولي يتخذ إجراءات لمواجهة ذلك، وهناك تشريعات دولية في هذا المجال عن طريق الأمم المتحدة أو فريق عملٍ مالي أو ترتيبات إقليمية، لكننا نرى أن هناك أشياء تتخطى ذلك لأنه مع وجود هذه التشريعات يجب أن تنشئ الدول نظم مراقبة وأجهزة شرطة خاصة لذلك الغرض، عن طريق الجهات المالية المسؤولة كوزارات المالية أو البنوك المركزية أو وزارات الداخلية، وذلك بهدف المساعدة في تنفيذ تلك الاتفاقيات التي التزمت بها تلك الدول، وجهودنا الآن تتخطى مسألة غسيل الأموال، فهناك دول كثيرة ينتشر فيها الإرهاب، منها كولومبيا في أميركا اللاتينية، أو جواتيمالا في أميركا الوسطى أو أفغانستان في آسيا الوسطى، تلك الدول فيها أموال كثيرة ناتجة عن زرع وتصنيع وتهريب المخدرات ويصل جزء من تلك الأموال لعصابات الجريمة المنظمة أو للإرهابيين وهكذا نجد طرقاً جديدة للتمويل، ولا تحضرني الآن الأرقام الدقيقة في هذا الشأن، ولكن تلك الطرق أخطر وأكثر من غسيل الأموال.
الجريمة المنظمة وأحدث التشريعات لمكافحتها
عمرو الكحكي: تحدثنا عن الإرهاب وغسيل الأموال فلننتقل إلى الجريمة المنظمة، ما هي أحدث التشريعات التي صدرت في مجال مكافحتها؟
أنطونيو ماريا كوستا: تسرني الإجابة على هذا السؤال، لأنني أعتبرها إحدى قصص النجاح التي حققها مكتبنا، فقد استغرقت المفاوضات على الاتفاقية الخاصة بمكافحة الجريمة المنظمة ثمانية عشر شهراً فقط، ووافقت عليها دول العالم البالغ عددها 141 دولة، لتوافق عليها بين عامي 99، 2000، وتم التوقيع في نهاية عام 2000 في (باليرمو) بإيطاليا. وتدخل الاتفاقية حيز التنفيذ بمجرد مصادقة 40 دولة عليها، وقد بلغ عدد من صادق عليها من الدول حتى الآن واحداً وخمسين، وبدأ العمل بها في التاسع والعشرين من سبتمبر عام 2003 وهكذا ستتغير أمور كثيرة، فالحكومات ستجرِّم أنماطا سلوكية معين، وستمعن النظر في أنماط معينة من الجريمة المنظمة وغسيل الأموال، وتهريب الأسلحة خاصة الخفيفة منها، وكذلك تهريب البشر، وهكذا يكون الأمر مسعىً من الدول لتجريم أفعال معينة، ووضع أسس الترحيل وتسليم المجرمين والتعاون فيما بينها في تعقُّب المجرمين عبر الحدود، وهذا إنجاز.
عمر الكحكي: في هذا الصدد هناك من يشتكي من دول تغض الطرف عن عصابات الجريمة المنظمة أو عن تهريب المخدرات أو عن رعاية الإرهاب، فهل لديكم تفويض لفرض إجراءات عقابية على الدول التي يثبت أنها تتغاضى عن ذلك أو تشجعه؟
أنطونيو ماريا كوستا: إلى حد كبير، نستطيع الآن متابعة هذه الدول بسبب تلك الاتفاقية، فبدونها تصبح الدول حرة في فعل ما تريد، أما بعد تنفيذ الاتفاقية، فتُلزم الدول التي صادقت عليها ببنودها، أما الدول التي لم تصادق على الاتفاقية ولا تلتزم بما جاء فيها فيمكن للهيئة المشرفة على تنفيذ الاتفاق أن تبدأ بمناشدتها بالالتزام، فإن لم تستجب تلك الدول، فهذا يعني أن لديها ما تخفيه، وهكذا نركز عليها، فإما أن نُعلن للرأي العام عدم تعاون تلك الدول، أو يمكن ممارسة ضغوطٍ شديدة عليها عن طريق مفاوضات ثنائية حتى تمتثل، وهذا ممكن بفضل الاتفاقية.
كيفية مكافحة المكتب لجرائم تهريب البشر
عمرو الكحكي: إذا انتقلنا إلى تهريب البشر على وجه الخصوص، نجد أن لهذه التجارة فروعاً كثيرة، منها تهريب المهاجرين غير الشرعيين خاصة إلى أوروبا، إلى أميركا الشمالية، أو إلى أستراليا، وهناك أيضاً تهريب النساء والفتيات والبنات للعمل في الدعارة في دول أخرى كرقيقٍ أبيض، هناك أشكال أخرى كثيرة لتهريب البشر، فما هي الإجراءات الدقيقة المتبعة ضد هذا الشكل من أشكال الجرائم، وضد العصابات التي يثبت إنها تتعامل فيه؟
أنطونيو ماريا كوستا: لقد لمست موضوعاً عزيزاً عليَّ جداً بسبب المعاناة التي يتعرض لها البشر، لقد فرَّقت بين حركة الهجرة غير المشروعة وتهريب المهاجرين لقاء المال، لكننا نركز على تهريب البشر، ونعني به تهريب أناسٍ رغم إرادتهم من بلدٍ لآخر، لأنهم تعرضوا لإغراءات أو أجبروا على ذلك، أو اختطفوا، ولقد جمعنا قاعدة بيانات كبيرة لمحاولة فهم المشكلة، فتلك هي الخطوة الأولى دائماً في أي عملٍ نقوم به، إذ نقيس المشكلة ونقيمها ونفهمها حتى نضع القوانين ونقوم بإجراءات عملية، حيث تظهر قاعدة البيانات أن عدداً من الدول هو مصدر هذه المشكلة التي يعانيها المساكين من الأطفال والنساء، وبعض تلك الدول من أوروبا الشرقية مثل رومانيا وملدافيا وأوكرانيا وإلى حد ما روسيا، إضافة إلى دول من الشرق الأقصى كالفلبين وماليزيا والهند، والدول الأصغر في الملايو، حيث يجبر الناس على ذلك بل يباعون بضغط من مجتمعاتهم إلى المختطفين، بعض هؤلاء الناس يعمل في الدعارة في الشوارع في بلدان غرب أوروبا وأميركا الشمالية ودول أخرى، وقد أطلقنا برنامجاً عالمياً ناجحاً لمكافحة مهربي البشر، ونجاحه يعتمد على الجانب المشاعري القوي في هذه المسألة، ويحدد هذا البرامج الضحايا ويحاول إقناع دول مثل الولايات المتحدة وروسيا وبعض بلدان غرب أوروبا، لضمان حماية هؤلاء الأشخاص، لأنهم ليسوا مهاجرين غير شرعيين، لأنهم لم يذهبوا طواعيةً إلى حيث يوجدون، لذلك يتم التعامل معهم ببعض اللين، وترحيل بعضهم إلى بلادهم الأصلية إن رغبوا في ذلك، مع منحهم مبلغاً من المال للبدء في أحد المشروعات، ولدينا برنامج حماية الضحايا الذي يتعقب هؤلاء الذين تسببوا في شقاء الناس، هذا من نفعله.
عمرو الكحكي: قلت أن معظم تلك الإجراءات يطبق بعد عمليات الاختطاف، لكن حين تقول أنه برنامج ناجح، فعن أي إجراءات نتحدث لمنع التهريب من أساسه؟
أنطونيو ماريا كوستا: لقد أطلقنا برنامجاً مهماً يقوم على أساس إعلانات خدماتية عالية، في صورة أفلام مصورة، لا تزيد عن دقيقة واحدة، تذاع في جميع أنحاء العالم باللغات الوطنية، وبدأناه قبل شهرين، وأكون سعيداً لو بثته (الجزيرة) أيضاً، فهناك عددٌ من المحطات الأوروبية والأميركية والأميركية الجنوبية تبث تلك الأفلام، والهدف من وراء ذلك أن ترى البناتُ على وجه الخصوص بناتَ جنسهن اللائي يتم استغلالهن لأغراضٍ جنسية، فإذا تعرَّضن لموقف مشابه عليهن الاتصال برقم الهاتف الموضح على الشاشة أو بمنظمات غير حكومية لمساعدتهن على النجاة من ذلك الموقف، ولكن الأهم هو تنبيه الضحايا المحتملات، أي البنات من سن السادسة عشرة فما فوق، تنبيههن إلى الوعود الزائفة التي يتلقينها مثل تعالي معنا وسنمنحك عملاً رائعاً في أوروبا، ثم ينتهي الأمر بهن إلى العمل في بيوت الدعارة، وهذا ليس عملاً سهلاً، فقد بيعت بناتٌ من دول في غرب إفريقيا، حيث هوجم فريق عمل مكتبنا الذي يدرس تلك الحالات، والهجوم جاء من أُسر البنات أو من كبار رجال قراهن، وقيل لفريقنا إنه إن لم تذهب الفتيات فسيتوقف تدفق المال، ولن نتمكن من حفر بئر للمياه أو بناء جسر، فلا تحاربوا هذه الممارسة، أي بيع البنات، وهكذا يكون عملنا اختباراً صعباً لمواجهة هذه التجارة وحماية البنات.
عمرو الكحكي: سواءٌ كان الأمر يتعلق بالإرهاب، أو بتهريب البشر، أو بتجارة المخدرات، ألا تعتقد أن استئصال شأفة الفقر والتركيز على التنمية في البلدان التي تعاني تلك المشاكل هو الحل الأفضل لمواجهة جذور المشكلة؟
أنطونيو ماريا كوستا: أنت على حق، الفقر أحد المشاكل، لكنه ليس السبب الوحيد لمثل تلك المشكلات، فقد كنت في أفغانستان قريباً وطفت بولاياتها، والتقيت مع السلطات والرئيس (كرزاي)، وقد زرت أقاليم مثل (بازرشان) و(نينجهار)، والفقر لا يحتاج إلى دليل في أفغانستان، فلا طرق، ولا كهرباء، ولا مياه، ولا مدارس أو مستشفيات، واكتشف الأفغان بأن بإمكانهم زراعة شيء غالي الثمن في السوق العالمية، ودخلوا سوقها، وأعتقد أن مكافحة الفقر في أفغانستان أو حتى في كولومبيا أو في ميانمار، أو في لاوس، أو حتى في بعض بلدان غرب إفريقيا حيث يزرع القنب هو طريقة مهمة لاستئصال شأفة المشكلة والقضاء على جذورها، ولذا أنا متفقٌ معك، ورغم ذلك علينا ألا نقع في فخ تبرير الاتجار في المخدرات بالفقر، على العكس نجد أن فقراء كثيرين في العالم لا ينخرطون في هذا النشاط المحرِّم، لكننا نرى أن أحد أسباب المشكلة هو عدم وجود بدائل.
تجارة المخدرات في العالم وكيفية مكافحتها
عمرو الكحكي: لقد تحدثنا عن أفغانستان بالفعل، وقد ذكرتها في حديثك مرتين أو ثلاثا في مجال المخدرات، وهذا يدعونا إلى التساؤل عن السبب في وضع أفغانستان وحدها في بؤرة الاهتمام وقمة أولويات المنظمة الدولية في هذا المجال سواء بزراعة الأفيون والقنب أو تصنيعها أو تهريبها، فلماذا أفغانستان بالذات في ضوء الإحصاءات التي تصدرونها عن تجارة المخدرات؟
أنطونيو ماريا كوستا: الموقف ليس جيداً تماماً في هذا الصدد، صحيح أن هناك أنباء جيدة بشأن وضع دستور في أفغانستان وإجراء انتخابات وغيرها لكن أخبار مسألة المخدرات ليست جيدة، فبالنظر إلى الإحصاءات والعمل الشاق الدؤوب الذي يبذله مكتبنا في الميدان، وعن طريق الأقمار الاصطناعية يمكنني القول إن أفغانستان ليست البلد الرئيسي في زراعة الأفيون حالياً، بل البلد الوحيد، هناك بعض الجيوب في ميانمار لا تزيد عن اثني عشر ألف هكتار من الأراضي، ولكن في أفغانستان نتحدث عن ثمانين ألف هكتار، لماذا إذن في أفغانستان؟ السبب يكمن في المناخ وطبيعة الأرض هناك، لكن هناك بلداناً فيها العوامل نفسها، ولا تزرع الأفيون، وقد فشلت الدولة في الماضي في مكافحة هذه الزراعة على مدى العشرين سنة الماضية لأسبابٍ منها الغزو السوفيتي والحرب الأهلية، وحينما تفشل دولة كأفغانستان في محاربة الأمر على مدى السنوات الماضية، ورغم جهودها لإصلاح الوضع حالياً، فإن زراعة الأفيون تستمر، وهكذا تكون أفغانستان المصدر الرئيسي للأفيون وللهيروين في العالم حالياً.
عمرو الكحكي: كيف يمكننا أن نثبت ذلك؟ أرى أنك تحمل خرائط توضح طرق دخول وخروج المهربات من المخدرات في آسيا الوسطى، هل توضح لنا ما تريد على هذه الخريطة؟
أنطونيو ماريا كوستا: يسعدني ذلك، فالأفيون والهيروين يأتي أساساً من أفغانستان، وعادةً ما كانت أفغانستان تزرع الأفيون، وتصدره في صورة خام، ولوجود الرقابة حالياً ووجود قوات التحالف هناك يتم تحويله إلى هيروين داخل أفغانستان نفسها، ثم يصدر الهيروين عبر باكستان إلى حدٍ كبير، أو إلى إيران مباشرة، ثم يأخذ طريقه التقليدية المعروفة باسم طريق الحرير، أي إلى شمالي العراق، ومن ثم إلى تركيا، ومنها إلى أوروبا، وهذه وجهة أساسية، لكن هناك طريقين جديدين أحدهما شمالي إلى أراضي جمهورية تركمنستان، ومنها إلى طاجيكستان، ثم كازاخستان، ومنها إلى روسيا، وفي الجزء الأسفل من الخريطة الآن نرى طريقاً آخر ينطلق عبر إيران أو كراتشي في باكستان إلى الخليج، ومنطقة الخليج هشة للغاية، لأنها بلاد منفتحة ومفتوحة وفيها تجارة حرة، وفيها موانئ مفتوحة، وهذه مزايا يستغلها أي متاجر بسلع غير مشروعة.
عمرو الكحكي: إذا تحولنا إلى الشرق الأوسط بالتحديد في سؤالنا الأخير هذا نجد أن هناك بلداناً منكوبة بأخطار المخدرات، وهناك اتهامات من بعض بلدان المنطقة لبلد أو اثنين بعينهما بالتغاضي عن تهريب المخدرات إلى الجيران.
أنطونيو ماريا كوستا: إذا نظرنا إلى الموقف في كل بلد على حده لا أرى أن أياً من دول الشرق الأوسط يمكنها التغاضي عن عمليات التهريب، والخريطة التي عرضنا لها من قبل تظهر أن الخطر يأتي من الشرق، أي من أفغانستان وكل بلد يحمي حدوده الشرقية، ومن حدوده الغربية يحمي جاره حده الشرقي. وهكذا، لأن حركة المخدرات يفترض أن تسير غرباً باتجاه أوروبا، وهذا يحدث في إيران، وتركيا، وسوريا ودول القوقاز، ولا يمكنني إذن الموافقة على فكرة وجود تغاضي، ولكن يمكنني القول إن البعض لا يتعاون بما فيه الكفاية، نبذل قصارى جهدنا، وأرجو أن تثق بذلك.
عمرو الكحكي: شكراً جزيلاً، السيد ماريا أنطونيو كوستا (نائب الأمين العام للأمم المتحدة)، ونشكره على هذه المقابلة.
سيداتي سادتي، نشكركم أيضاً على حسن المشاهدة، وفي النهاية لكم تحياتي عمرو الكحكي.