آنيت لوو.. استفتاء استقلال تايوان
مقدم الحلقة: | ديمة الخطيب |
ضيف الحلقة: | آنيت لوو: نائبة الرئيس التايواني |
تاريخ الحلقة: | 14/01/2004 |
– الاستفتاء الدفاعي.. هل هو مقدمة لاستفتاء الاستقلال؟
– تايوان.. سيادة وديمقراطية وإنجازات
– أول صينية منتخبة في تاريخ الخمسة آلاف عام
ديمة الخطيب: أهلاً بكم، منذ عدة أسابيع يسود توتر متصاعد بين الصين وتايوان، الحرب الكلامية وصلت إلى حد تبادل الانتقادات اللاذعة والتحذيرات والاتهامات بين الطرفين بشكل شبه يومي على لسان كبار المسؤولين، السبب هو استفتاء تريد إجراءه تايوان.
ضيفتنا اليوم هي واحدة من أبرز شخصيات الحزب السياسي الحاكم في تايوان إنها نائبة الرئيس التايواني آنيت لوو، سيدة آنيت لوو حَدّثِينا أولاً عن مشروع الاستفتاء الدفاعي الذي يثير ضجة كبيرة.
الاستفتاء الدفاعي.. هل هو مقدمة لاستفتاء الاستقلال؟
آنيت لوو: منذ تسلمي والرئيس تشين منصبينا في العشرين من مايو-أيار من عام 2000 لم يتخل الزعماء في بجين بكين عن اهتمامهم وطموحهم بغزو تايوان والحقيقة أنهم يزيدون عدد الصواريخ البالستية على سواحل الصين والموجهة ضدَّ تايوان شهراً بعد شهر، سنة بعد سنة وحتى اليوم، إذ نشروا حتى الآن أربعمائة وستة وتسعين صاروخاً باليستياً موجهة ضد تايوان مع احتمال ارتفاع الرقم إلى خمسمائة أو ربما ستمائة وخمسين أو حتى ثمانمائة صاروخ لا يعرف عنها العالم شيئا،ً ومؤخراً صادق برلماننا للمرة الأولى على قانون يمنح الرئيس حق ممارسة سلطاته عند الحاجة للدفاع عن البلاد وكذلك الدعوة إلى إجراء استفتاء، لهذا فإن الرئيس تشين أعلن -بعد فترة قصيرة من موافقة البرلمان على القانون- أنه إذا لم يوافق الزعماء الصينيون على سحب صواريخهم فإنه -من أجل الدفاع عن تايوان- سيجري استفتاءً دفاعياً في نفس الوقت الذي ستجرى فيه الانتخابات الرئاسية في العشرين من مارس- آذار المقبل.
الرئيس تشين بصفته قائداً للجيش ورئيساً لدولة تايوان لديه -بكل تأكيد- التبرير للقيام بمثل هذا الإعلان، ولم يتم اتخاذ قرار بخصوص صيغة أو لغة الاستفتاء، لكن الرسالة هي أننا نود استغلال هذه الفرصة لكي يعبر جميع سكان تايوان عن رغبتهم في السلام وأملهم بوقف الحرب وسحب الصواريخ من قِبَّل الصين، بحيث يسمعهم بشكل واضح وواسع الزعماء في بجين بكين وأيضا الزعماء في كل بقعة من بقاع العالم.
ديمة الخطيب: الصين تخشى أن يكون هذا الاستفتاء بداية لاستفتاءات أخرى، مثل الاستفتاء حول الاستقلال، فهل تنوي حكومتكم أن تُنظِم مثل هذا الاستفتاء، أي حول استقلال تايوان؟
آنيت لوو: على المرء أن يتساءل عن السبب الذي يدفع الصين لمثل هذا الطرح، فحتى قبل أن يتم الاستفتاء فالصين تعرف أن نتيجة الاستفتاء ستكون رفضاً لها، إذا كانت لديهم الثقة بأن الشعب التايواني سيكون مولعاً بالصين، إذاً فإن نتيجة الاستفتاء ينبغي أن تكون معاكسة لما يقولون إنهم يتوقعونه، حتى قبل أن يتم الاستفتاء فالصين تعرف منذ الآن أن تايوان سترفض الصين، الحقيقة هي أن الصين تخشى الديمقراطية بدرجة كبيرة، لذا فهم يحاولون منع إجراء أي استفتاء في تايوان وإلا فبينما يتم الاستفتاء في تايوان فإن الناس في هونج كونج وفي مكاو وفي التبت وفي كل مكان في الصين قد يطالبون هم أيضاً بإجراء استفتاء لديهم، فهل يستطيع العالم أن يرى حقيقة مخاوف الزعماء الصينيين؟ أعتقد أنه ليس هناك داع للقيام بإعلان رسمي للاستقلال والسبب بكل بساطة هو أن تايوان مستقلة منذ عقود، سواء مع وجود اعتراف الدول الأجنبية بها أو عدمه، الحقيقة هي أننا مستقلون منذ عقود لذا فليس هناك داع لنا للقيام بمثل هذا الإعلان الرسمي، لكن بصفتنا دولة مستقلة ذات سيادة فإن حكومة وشعب تايوان يتمتعان بكل الحقوق الشرعية والسلطات لاتخاذ أي إجراءات لازمة لحماية أمن البلاد وللحفاظ على كرامة تايوان أيضاً.
ديمة الخطيب: إذاً، أفهم أنكم دولة مستقلة؟
آنيت لوو: دعيني أُطلعك على الخلفية التاريخية لتايوان والعلاقة مع الصين بشكل سريع لو سمحتي، في الماضي الحقيقة أن الصين لم تسيطر قّط بشكل فعلي وحقيقي على تايوان حتى أنها لم تفرض حكمها على تايوان أبداً، إنها أسطورة تلك التي تقول إن تايوان هي جزء من جمهورية الصين الشعبية، لذا نود أن يفهم العالم بأجمعه هذا الواقع وهو أنه منذ تأسيس جمهورية الصين الشعبية لم تُمارِس الصين ولو لدقيقة واحدة أي حكم على تايوان، لذلك فإن القول إن تايوان تابعة لجمهورية الصين الشعبية هو دون شك أسطورة غير منطقية، لهذا كله فإنه ليس هناك أي داع لأن نقول إننا يجب أن نكون مستقلين عن الصين، نحن نقول إن هناك دولة على كل ضفة من ضفتي مضيق تايوان.
ديمة الخطيب: الحكومة الأميركية أعربت عن معارضتها لإجراء مثل هذا الاستفتاء، هل تنوون المضي في الاستفتاء رغم موقف الحكومة الأميركية؟
آنيت لوو: الجميع كان يدرك أنه عندما علَّق الرئيس بوش قائلاً: "إن الولايات المتحدة تعارض أي تغيير من طرف واحد في الوضع الحالي بين الصين وتايوان"، فإنه هو نفسه أشار وأوضح جيداً بأن الأمر ينطبق على كل من الصين وتايوان معاً وذلك أمام رئيس الوزراء الصيني وين جيا باو، لذا أعتقد أن العالم ينبغي أن يقرأ تعليقاته بحذر وبإنصاف، فهو لا يطلب من تايوان وحدها ألا تغير الوضع الحالي، بل وفي حقيقة الأمر هو يؤكد بشكل أكبر على الجانب الصيني لأنه قال إنه يعارض أي تغيير من جانب واحد سواء من قِبَّل الصين أو تايوان والسيد وين جيا باو كان شاهداً على ذلك.
ديمة الخطيب: ألا تخشون أكبر قوة في العالم؟ ألا تخشون خسارة دعمها لكم؟
آنيت لوو: أنا أتفهم الوضع، عندما اجتمع الرئيس بوش مع السيد وين جيا باو فلديهما مصالح خاصة مشتركة بينهما، لكنني أؤمن أيضاً بأنه لا يوجد سبب لأن تضحي الولايات المتحدة بتايوان، فالقضية التايوانية ليست مشكلتنا وحدنا وليست مشكلة الصين أيضاً، مضيق تايوان نفسه ذو طابع دولي إلى حد كبير، فكل يوم هناك حوالي أربعمائة سفينة دولية تعبر المحيط أي المضيق، وفي الأعلى .. في السماء هناك يومياً حوالي ثلاثمائة وخمسين طائرة تعبر المضيق، إذاً مضيق تايوان ليس مضيقاً لتايوان وحدها، بل هو بكل المعايير مضيق دولي، تخيلي إذاً أي تغيير في مضيق تايوان ومدى الإزعاج والقلقلة وحالة عدم الاستقرار التي يمكن أن يُسبِبها في هذه المنطقة.
ديمة الخطيب: أليس من مصلحة جزيرة صغيرة مثل تايوان أن تكون جزءاً من دولة كبيرة مثل الصين، يُتوقَّع لها أن تصبح دولة عظمى بدلاً من أن تكون جزيرة صغيرة إلى جانبها؟
آنيت لوو: نحن أبداً لم نخف من الصين، مع أنها عملاق سياسي وعسكري ضخم ومع أنها قريبة من تايوان وجارة لها، الحقيقة أننا كلما أصرينا كلما تقدمنا، كلما ساعدنا العالم أكثر في الحفاظ على السلام، لا تنسي أنه بفضل تايوان تمت محاصرة الشيوعية الصينية أو تم منع انتشارها في آسيا، لدينا أصدقاء جيدون في أميركا الوسطى لسبب بسيط وهو أن دولاً كثيرة في أميركا الوسطى وفي منطقة الكاريبي المجاورة اختارت تايوان كأفضل صديق لها بدلاً من الصين بحيث أنه لدينا إلى جانبنا أميركا الوسطى ولدينا كذلك الولايات المتحدة من أجل منع انتشار الشيوعية ونجحنا في ذلك، وفي هذا الخصوص أنا أؤمن أيماناً قوياً بأن العالم بأكمله مَدين لتايوان بالتقدير والتعويض، وقد آن الأوان أن يرد العالم كله لنا الدعم والعدالة، كفاكم إفساداً لأولئك الزعماء أنفسهم الذين يهددون الوضع الأمني في المنطقة.
ديمة الخطيب: أنتِ شخصياً تتهمين الصين بأنها دولة إرهابية، البعض يجد في هذه الاتهامات من طرفكِ نوعاً من الاستفزاز لبكين، ماذا تقولين في ذلك؟
آنيت لوو: ليس هناك ما هو أكثر استفزازية من نشر حوالي خمسمائة صاروخ باليستي على سواحل الصين ضد تايوان، إذا كانت لغتي استفزازية فأرجوكم قولوا للزعماء الصينيين بأن أساليبهم العسكرية التي يهدفون منها إخافة تايوان أكثر استفزازية، ليس لتايوان فحسب بل لمنطقة شرق آسيا بأكملها.
تايوان.. سيادة وديمقراطية وإنجازات
ديمة الخطيب: أنتم ترفضون مبدأ الصين الدَّاعي إلى الدولة الواحدة بنظامين، ماذا لو تحولت الصين إلى دولة ديمقراطية ذات اقتصاد مزدهر، دولة قوية وربما قوى عظمى؟ تقولون إن الخلاف مع الصين هو خلاف عقائدي وليس عرقي، فإذا توحدت العقيدة بينكم وبين الصين هل تفكرون بإعادة الوحدة معها؟
آنيت لوو: عندما تشير الصين إلى مبدأ (صين واحدة بنظامين) فهي تعني أن تايوان يجب أن تتخلى عن سيادتها وتخضع لسيادة جمهورية الصين الشعبية، أي أن تايوان ستصبح واحدة من الحكومات المحلية التابعة للصين، لا أحد في تايوان يمكن أن يقبل بمثل هذه الصيغة هذا أولاً، أما ثانياً فبعد عقود من النضال ومن الجهد نجح شعب تايوان في إرساء قواعد حقوق الإنسان والديمقراطية لشعب تايوان، فضلاً عن أننا قمنا بإنجازات عظيمة عديدة أخرى في مجال الاقتصاد وفي مجال التكنولوجيا المتقدمة أيضاً.
ليس هناك أي سبب يدفع أي تايواني للقول إننا يمكن أن ننتظر أو بأننا سنضحي برفاهية حياة شعب تايوان أو بإنجازاته لمجرد إرضاء طلب الصين بأن تستسلم تايوان للصين، ثالثاً لا أحد يستطيع أن يتنبأ بما يمكن أن يحدث للصين في السنوات القادمة، لقد رأينا الصين لديها مصاعب داخلية كافية لوحدها، وأدعو الله أن يباركهم وأن يلهم الزعماء في بكين لكي يهتموا اهتماماً أكبر بمشاكلهم الخاصة وأن يعتنوا اعتناءً أكبر بشعبهم، نحن التايوانيين يمكننا أن نعتني بأنفسنا بأنفسنا، نحن لسنا أبداً أعداء الصين، نحن على العكس لطفاء جداً جداً مع الصين ونقدم لها المساعدة في الماضي وسنقدم لها المساعدة في المستقبل أيضاً، ونعتبر دائماً أن تايوان بالنسبة للصين والصين بالنسبة لتايوان بمثابة أقارب وجيران، ونحن سنحافظ على التعايش السلمي وكذلك على التعاون البنّاء.
ديمة الخطيب: أنتِ محامية وقانونية، ألا تَجِدين معي أن كون اسم دولتكم جمهورية الصين ووجود دولة أخرى اسمها جمهورية الصين الشعبية يسبب نوعاً من الحيرة ويقلل من إمكانية الاعتراف بكم دولياً كجمهورية تُدعى جمهورية الصين؟
آنيت لوو: لنتذكر التاريخ سريعاً إذا استطعنا، أولاً تم تأسيس جمهورية الصين عام 1912 في الصين لكنها اِستُبدِلت بجمهورية الصين الشعبية في الأول من أكتوبر- تشرين الأول من عام 1949، ثم هرب الجنرال تشين كاي تشك إلى تايوان، وفي العام التالي أعاد نظام جمهورية الصين على أرض تايوان هذه واقعة، وفي حقيقة الأمر منذ أن تم تأسيس جمهورية الصين الشعبية على يد ماو تسي تونغ في بجين بكين فإن هناك بلدين على الأقل اسمهما الصين، الأولى هي جمهورية الصين الشعبية في بجين بكين والثانية هي جمهورية الصين في تايوان، ومن الواقعية ومن الصدق أن نقول إن هناك بلدين اسمهما الصين رغم أن بعض الزعماء التايوانيين الأصليين يفضلون تغيير اسم جمهورية الصين إلى جمهورية تايوان، وهذا الأمر بالطبع مفتوح للنقاش.
ديمة الخطيب: أنتِ مناضلة قديمة في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان، كيف ترين أن الديمقراطية لعبت دوراً هاماً في استمرار وبقاء تايوان ككيان سياسي يسعى لاعتراف العالم به؟
آنيت لوو: في الماضي عانى الشعب التايواني من ثمانية وثلاثين عاماً على الأقل من نظام قانون الطوارئ وتم خلالها تجاوز أغلب حقوق الإنسان الأساسية أو حتى انتهاكها، أنا شخصياً والرئيس تشين نفسه عانينا، لكن بعد عقود من النضال أرسينا أسس الديمقراطية، ونحن الآن مستعدون لمشاركة تجاربنا وما نتمتع به مع باقي العالم، الديمقراطية هي دون شك أساس دولتنا وهي دون شك أساس القيم العالمية، اليوم لم يعد هناك سوى خمس دول شيوعية على وجه الأرض والصدفة شاءت أن تكون أربعة من أصل الدول الخمس هذه في آسيا، نحن نأمل بكل تأكيد أن يمكن لباقي آسيا في المستقبل القريب أن تتمتع بالحرية التي نتمتع بها هنا بما فيها الصين.
أول صينية منتخبة في تاريخ الخمسة آلاف عام
ديمة الخطيب: أنتِ أول امرأة صينية وصلت عن طريق الانتخاب المباشر إلى هذا المنصب العالي، كيف تصفين لنا طبيعة عملك كسيدة سياسية وسط مجتمع سياسي يُهَيْمِنُ عليه الرجل؟
آنيت لوو: بالنسبة لأولئك المُطّلعين على تاريخ الحضارة الصينية قد يُقِرّون بأنني أول امرأة في تاريخ ما يعرف بخمسة آلاف عام من الحضارة الصينية أنني أول امرأة ينتخبها الشعب لهذا المنصب، أما بالنسبة لأولئك المُطَّلعين على السياسة في آسيا، فإنهم ربما يتفقون معي أيضاً على أنني الاستثناء الوحيد فيها، فقد وصلت إلى هذا المنصب ليس لأنني منحدرة من أسرة سياسية ذات نفوذ وإنما لأنني ضحيت بكل شيء من أجل هذا المنصب، هناك دول كثيرة أخرى لديها سيدات في منصب الرئاسة أو رئاسة الوزراء لكن جميعهن على ما أظن حققن ذلك لما لديهن من علاقات وثيقة جداً بأسرهن السياسية سواء عن طريق الأب أو الجد أو الزوج أو غيرهم، وهكذا تم اختيارهن لشغل المنصب خلفاً لأحدهم، أما أنا فقد خضت الطريق كاملة من السجن الأسود إلى مكتب الرئاسة، إنه نضال طويل بالنسبة لي.
ديمة الخطيب: سؤال أخير لَكِ سيدة آنيت لوو، الجميع يعتبرك شخصية سياسية قوية جداً في الحكومة التايوانية وفي الحزب الحاكم، هل تنوين ترشيح نفسك للرئاسة في عام 2008 مثلاً؟
آنيت لوو: حتى اليوم لم أفكر بمثل هذا الطموح ولا أعتقد أن المجتمع التايواني جاهز بعد لأن تكون لديه رئيسة.. ليس بعد، أقول ذلك لأنني الآن في سنتي الرابعة كنائبة الرئيس وخبرتي الشخصية تقول لي إنه لا تزال هناك بعض العقبات الثقافية والسياسية التي ينبغي على النساء التغلب عليها لكي يصلن إلى منصب رئيس البلاد، على أية حال أنا أرحب بجميع النساء الأصغر سناً مني والأذكى مني لأن يجربن حظهن، بالنسبة لي في الوقت الحالي سوف أعمل بشكل وثيق مع الرئيس تشين وابذل أقصى جهدي في عملي معه، فهو دائماً كريم وشجاع في إصراره على اختياري لأكون جنباً إلى جنب معه من أجل حماية تايوان.
ديمة الخطيب: شكراً لَكِ سيدة آنيت لوو، شكراً لكم للمتابعة، نلقاكم في حلقة مقبلة، إن شاء الله.