
ملف بانرمان.. بئر الأسرار، الهروب إلى الأمام
– بانرمان.. رجل بريطانيا
– أصل الأفكار
– بانرمان.. نحو القمة
– متاهات الأرشيف
– المفاجأة..
حسين شحادة: إنه عالمنا العربي الكبير حلمنا الدائم نحو الوحدة والتقدم، نالت بلدانه كافة حرياتها في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، تم إنجاز الجزء الأول من الحلم وبدأ التطلع نحو استكماله، طال الانتظار وخابت المحاولات وسقطت المنطقة برمتها في أتون صراعات وخلافات لا تنتهي، لا نزال ندور في ذات الحلقة المفرغة والمحافظة بدوائر أخرى من الجهل والتخلف العلمي والفقر وغياب الديمقراطية الحقيقية فضلا عن حقيقة أن أمم أصغر وأقل إمكانيات قد سبقتنا بعقود طويلة، فأين تكمن الأسباب؟
[شريط مسجل]
جمال عبد الناصر: حاول الاستعمار بكل وسيلة من الوسائل أن يضعضع قوميتنا وأن يضعف عروبتنا وأن يفرق بيننا فخلق إسرائيل صنيعة الاستعمار. كانوا يهدوا حاجة واحدة يجب أن كل فرد فينا يعرفها ويعلمها لأولاده القضاء على قوميتنا، بيعتبروا أنه إحنا لنا قومية تجمعنا من المحيط الأطلسي إلى المحيط الفارسي كلنا عرب بنتكلم لغة عربية هذه قوة يجب أن يعمل لها حساب إذا استيقظت فستكون قوة دولية كبرى.
[نهاية الشريط المسجل]
الجزء الأول
الهروب إلى الأمام
حسين شحادة: هكذا جاءت فترات المد القومي الكبرى في أجزاء عديدة من عالمنا العربي لترسخ في أذهاننا عبر المناهج الدراسية أن مستشاري الدول العربية الكبرى نظروا في أسباب صعود وانهيار الإمبراطوريات فتوصلوا بعد إمعان النظر في تاريخ وخارطة العالم أن السبيل إلى استمرار السيادة والهيمنة هو ضمان الإبقاء على مناطق بعينها متخلفة متفرقة تابعة وضعيفة وكانت المخاطر تكمن أمامهم في المنطقة العربية. حتى لا نتهم بالوقوع في فخ نظرية المؤامرة لجأنا في تساؤلاتنا إلى أساتذة من خارج المنطقة العربية.
مشارك1: الأوروبيون أصروا على المضي في المشروع القائم على تفتيت الإمبراطورية العثمانية وطرح البدائل والخيارات الأوروبية التي كانت من الخارج كما هو معروف، جلب الاستقلال والحرية إلى شعوب ودول هذه المنطقة ولكنها في الأساس كانت خطة مركزة تقوم على الانتشار والسيطرة على المنطقة.
مشارك2: كانت القوى العظمى تتصارع على الشرق الأوسط منذ الأزل، في القرن 19 كانت هناك ثلاث قوى عظمى تتصارع على الشرق الأوسط هي روسيا وفرنسا وبريطانيا، وفي القرن العشرين لا يزالوا يتنافسون على الشرق الأوسط.
حسين شحادة: الحقيقة الثابتة هي أنه هنا في مدينة غلاسكو الاسكتلندية وفي السابع من سبتمبر/ أيلول من العام 1836 تبدأ قصة الرجل الذي تدور من حوله قصة تلك الوثيقة، إن السير هنري كامبل بانرمان تزوج السير جيمس كامبل النبيل البريطاني وعمدة مدينة غلاسكو بالسيدة جانيت بانرمان حيث رزقا بمولود أسمياه هنري كامبل هو الابن الثاني والأصغر بين ستة أطفال، كان هنري كامبل وقد تلقى تعليمه في مدرسة غلاسكو العليا بين عامي 1845- 1847 وجامعة غلاسكو عام 1851 وكلية تيرينيتي في كامبردج منذ العام 1854 وحتى العام 1858، تزوج بالسيدة سارة شارلوت بروس حيث استقر هو وعروسه في الرقم ستة في حدائق كليرموند في ضاحية بارك في الطرف الغربي من غلاسكو، انتخب في عام 1868 لمجلس العموم كنائب ليبرالي عن ستيرلينغ بيرغز الاسكتلندية وهي الدائرة الانتخابية التي ظل يمثلها لمدة أربعين عاما.
مشارك3: كان كامبل سياسيا اسكتلنديا ليبراليا وكان رئيس وزراء ليبرالي بين عامي 1905 و1908 عندما وافته المنية، لقد جاء من خلفية تفكر في الليبرالية ومن موقع بريطانيا في العالم والتي كانت بالطبع تساند فكرة الإمبراطورية البريطانية.
حسين شحادة: مثلت دعاوى محاولات الاستعمار الدائمة للسيطرة على المنطقة ومنعها من التقدم نقطة الانطلاق نحو ذلك التصور ومن ثم كانت بداية بحثنا حول أصل الأفكار التي تروج لانهيار الحضارات وتوارث بعضها بعضها. كان الفيلسوف الألماني أوزولد سبينغلر أول من تنبأ بانهيار الحضارة الأوروبية الراهنة ذاهبا إلى أن التاريخ الإنساني ليس خطا مستقيما إلى التقدم ولكنه دورات متعاقبة من النمو والانحلال وأن كل حضارة هي أشبه بإنسان يولد وينمو ويزدهر ثم يشيخ ويذبل ويموت ثم تبدأ دورة حضارة أخرى في مكان آخر من العالم، وهكذا. وآمن أرنولد توينبي بنظرية شبينغلر في أن التاريخ دورات حضارية تولد وتنمو ثم تشيخ وتموت ولكنه قال إن هذا لن يحدث للحضارة الراهنة والسبب في رأيه أن الحضارة الراهنة تعلمت من التاريخ وعرفت الخطر فهي سوف تتمكن من أن تتجنب تكراره. ومن العرب قرأنا لدى ابن خلدون أن لدى الأمم والدول أعمار طبيعية كما للإنسان فبعد أن تأخذ الأمم بالدعة والراحة وتنغمس في الملذات والشهوات وتميل إلى الرخاء والترف تأخذ بمبادئ العطب وتتضعضع أحوالها وتنزل بها أمراض مزمنة من الهرم إلى أن يقضى عليها. الدكتور الطيب تيزيني باحث متخصص في التاريخ والفلسفة الإسلامية الحديثة سألناه حول ما ذهب إليه ابن خلدون.
الطيب تيزيني/ باحث متخصص في التاريخ والفلسفة الإسلامية: ابن خلدون كان واحدا من أهم من طرح هذه المسألة وحاول أن يكتشف آليات الحضارات واستطاع أن يصل إلى فكرة الدورات الحضارية حينما رآها ماثلة في ثلاث حلقات: النشوء والازدهار والسقوط.
حسين شحادة: بدأت كتابات وأبحاث وصلت إلى قاعات أكاديمية عربية تشير إلى ما يسمى بوثيقة هنري كامبل الصادرة عام 1907، الدكتور حسان حلاق وفي كتابه الصادر في بيروت عام 1982 بعنوان "دور اليهود والقوى الدولية في خلع السلطان عبد الحميد الثاني" كان قد أشار إلى وثيقة كامبل والعلاقة بينها وبين أهداف الحركة الصهيونية قائلا وفي الفترة الممتدة بين عامي 1905 و1908 شهدت الحركة الصهيونية نشاطا جديدا بقيادة ماكس نوردو وحاييم وايزمان وسواهما وذلك على الأصعدة الدولية والعثمانية ولهذا فإن مؤتمر كامبل بانرمان الاستعماري الذي عقد في عام 1907 إنما كان الهدف منه تفتيت الدولة العثمانية وتقويض أركانها.
مشارك4: هناك وثائق تشير إلى مشاركة أميركا أيضا في الانقلاب على السلطان عبد الحميد الثاني وقد أشارت وثائق وزارة الخارجية البريطانية المنشورة اليوم وهي بين أيدي الباحثين والمؤرخين عبر مراسلات بين السفير البريطاني في اسطنبول لوثر إلى وزير الخارجية البريطاني إدوار غريه تؤكد جميع هذه المراسلات بأن حادثة خلع السلطان عبد الحميد الثاني عن العرش إنما هي مدبرة من القوى اليهودية ومن القوى الصهيونية.
الطيب تيزيني: الإمبراطورية العثمانية بحكم أيديولوجيتها الدينية الإسلامية وجدت في مشروع هرتزل في المشروع الصهيوني خطرا أيديولوجيا دينيا على الإسلام وعلى الإمبراطورية بكاملها ولذلك كان هذا الموقف يعني حائلا أنا أقول حاسما في إيقاف المشروع الصهيوني حتى حين، لكن الصهيونية التي أخذت طابعا عالميا متعاظما كانت تلح على ضرورة اختراق الحركة العثمانية المضادة مما سرع بسقوط الإمبراطورية.
مشارك2: كانت مصالح الصهيونة زائدة عن الحد، أولا كانوا يريدون قوة عظمى لتساند طموحهم للعودة إلى فلسطين كما رأوها، وبريطانيا، كل من بريطانيا وفرنسا كانتا تريان ذلك في مصلحتهما ولكن بريطانيا هي من قامت بوعدهم وبريطانيا أعطتهم الأرض بعض الحرب، الصهاينة وصلوا إلى هدفهم أي الحصول على دعم استيطانهم من بريطانيا وكان ذلك الأمر الأهم، فالصهاينة لم يكن لديهم اهتمام بتفتيت الإمبراطورية العثمانية أكثر من غيرهم لا أعتقد ذلك ولم يكونوا يريدون تقسيم الوطن العربي في ذلك الوقت، كل ما كانوا يطمحون إليه هو قاعدة في فلسطين التي يمكنهم أن يتوسعوا منها.
حسين شحادة: كانت مجلة السياسة الدولية قد نشرت دراسة للدكتور محمد السعيد إدريس أشارت إلى تقرير كامبل الذي تناول الوضع في المنطقة العربية قائلا "يكمن الخطر على الغرب في البحر المتوسط لكونه همزة الوصل بين الشرق والغرب ويعيش في شواطئه الجنوبية والشرقية شعب واحد تتوافر له وحدة التاريخ واللغة والجغرافيا وكل مقومات التجمع والترابط وذلك فضلا عن نزعاته الثورية وثرواته الطبيعية الكبيرة" ويتساءل التقرير عن مصير المنطقة إذا انتشر فيها التعليم والثقافة ويجيب بأنه إذا حدث ذلك فسوف تحل الضربة القاضية بالإمبراطوريات القائمة.
محمد السعيد إدريس: هذه المنطقة منطقة جنوب المتوسط أو منطقة البحر المتوسط هي من أخطر المناطق بالنسبة للأمن الغربي أولا هي مصدر الثروات كل.. كان النفط بدايات النفط مصدر الثروة مصدر الطاقة هي الموقع الإستراتيجي بين القارات الثلاث وأهم ما في هذه المنطقة هو قناة السويس والمنطقة التي تقام فيها فلسطين ولذلك قالوا تلاقي القارات الثلاث آسيا وإفريقيا وأوروبا، الأمر الثاني أنهم قالوا إن هذه المنطقة رغم يعني هي فيها ثروات ولكن فيها ما هو أخطر، وحدة الشعب ووحدة الأرض ووحدة اللغة، إذا توفرت هذه الأسس الثلاثة مع العلم فإنه سوف تنشأ قوة عربية موحدة قادرة على تهديد المصالح الغربية.
حسين شحادة: ذهبنا بالسؤال نفسه إلى الخبراء البريطانيين وجاءت إجابات متعارضة.
مشارك2: في القرن 19 كان هناك صراع على إفريقيا حيث تحاول القوى العظمى الاستحواذ على إفريقيا والتحكم بها قدر الإمكان بين البريطانيين والفرنسيين، البريطانيون كانوا يحاولون السيطرة على المحور الشمالي والجنوبي من إفريقيا والفرنسيون كانوا يتحركون من الغرب إلى الشرق.
مشارك3: أجد من الصعب تصديق أنه كان هناك أي سياسي بريطاني كبير يأخذ القومية العربية على محمل الجد بين عام 1905 و1906 فلقد كانوا على جهل تام بها.
حسين شحادة: ذهبنا إلى جامعة اليرموك في الأردن لمقابلة الباحث أحمد سعيد نوفل حيث يشرح الخلفيات التاريخية للمشروع الصهيوني في فلسطين وارتباطه بالخلفيات الدينية والثقافية والسياسية الغربية وخصوصا الفرنسية والبريطانية ويشير إلى دعوة نابليون بونابرت عام 1997 لليهود للعودة إلى فلسطين وكيف تطور الاهتمام البريطاني بفلسطين من مواجهة محمد علي ومشاريعه للوحدة في منتصف القرن 19 إلى وثيقة كامبل بانرمان عام 1907 التي تحدثت عن إنجاز حاجز بشري قوي وغريب في المنطقة التي تربط آسيا بإفريقيا بحيث يكون معاديا لأهل المنطقة ومعتمدا على الغرب.
أحمد سعيد نوفل/ باحث: والبعض يرى بأن وعد بلفور هو الأساس، هناك وعد آخر وعد فرنسي اسمه وعد كامبو، وعد كامبو صدر من وزارة الخارجية الفرنسية من عند وزير الخارجية الفرنسية جورج كامبو في عام 1916 قبل ثمانية أشهر فقط من صدور وعد بلفور، وهذا الوعد قد تستغربون بأن هذا الوعد قد صدر وهو نفس الصيغة التي صدر فيها وعد بلفور على أساس وعد كامبو الحركة الصهيونية وسوكولوف الذي كان مندوب الحركة الصهيونية في باريس حصل على هذا الوعد من الحكومة الفرنسية بإعطاء فلسطين لليهود في نهاية عام 1916.
حسين شحادة: لتوضيح تفاصيل الدور الفرنسي والأفكار الأوروبية السائدة كان اللقاء مع هنري لورنس المتخصص في تاريخ السياسة الفرنسة والأوروبية في الشرق الأوسط والعالم الإسلامي.
هنري لورنس/ متخصص في تاريخ السياسة الفرنسة والأوروبية في الشرق الأوسط والعالم الإسلامي: خلال تلك الفترة تميزت الجمهورية الفرنسية بالعدائية تجاه الحركة الصهيونية، لم يكن هناك فرنسي واحد يعتقد بأن تأسيس دولة يهودية في فلسطين سيكون وسيلة لعزل المشرق عن المغرب العربي، من ناحية أخرى الإنجليز الذين كانوا في مصر يسيطرون على قناة السويس والتي كانت بالنسبة إليهم طريقا حيويا إلى الهند تلك المستعمرة البريطانية العظيمة، المهم هو أن بعض الإنجليز اعتقدوا فعليا أن توطين اليهود في فلسطين يمكن أن يكون عاملا دفاعيا من أجل حماية قناة السويس.
الطيب تيزيني: كامبل بانرمان هذا كان رئيس وزراء بريطانيا في بدايات القرن العشرين وكان رجلا مثقفا خصوصا بالقضايا الإستراتيجية يعني ربما نعتبره هذا الرجال واحد من كبار من أسس للاستعمار البريطاني وواحدا من كبار من أسس لمفهوم الإستراتيجية المفتوحة للاستعمار البريطاني.
حسين شحادة: هكذا شكلت خلفية السير هنري كامبل دافعا له لمزيد من التقدم، عين سكرتيرا ماليا لوزارة الحربية في نوفمبر من العام 1871 فشغل هذا المنصب حتى العام 1874 وأعاد شغله من العام 1880 حتى العام 1882، عمل كسكرتير برلماني ومالي لوزارة البحرية بين العامين 1882 و1884 انضم إلى وزارة غلادستون الثانية بصفة كبير سكرتيرية أيرلندا العام 1884، في وزارتي غلادستون الثالثة والرابعة ووزارة روزبيري شغل كامبل وزير الدولة للحربية، أقنع دوق كامبريدج ابن عم الملكة بالاستقالة من منصب القائد العام مما أهل كامبل بانرمان للقب سير أو فارس الصليب العظيم، في عام 1898 خلف السير وليام فيرونن هاركورت كزعيم لليبرالية في مجلس العموم.
مشارك3: وصول الليبراليين إلى الحكم تحت قيادة كامبل بانرمان عام 1905 لا يزال أكبر الانتصارات الانتخابية والتي فازوا بها في عام 1906 ويمثل نقطة تحول حقيقية في تاريخ السياسة الداخلية البريطانية، أما إذا نظرنا إلى السياسة الخارجية فهناك عناصر استمرارية قوية في السياسة الخارجية الإمبريالية بين الليبراليين بقيادة كامبل بانرمان وخليفته اسكويب مع من سبقهم من المحافظين ولكن كان هناك على الدوام توتر ما ضمن الليبراليين بين من يعرفون بالليبراليين الاستعماريين والتي كانت نظرتهم للسياسة الخارجية البريطانية ترتكز أساسا على الإمبراطورية والحاجة إلى تأمينها وحمايتها، ولفعل ذلك يجب تحديدا الحفاظ على علاقات قوية مع كل من فرنسا وروسيا وبين من يعرفون بالراديكاليين الذين كانوا إلى حد ما على عداء أيديولوجي مع فكرة مشاركة دولة استبدادية كروسيا ومهتمين أكثر باكتشاف إمكانية المشاركة والتفاهم مع ألمانيا.
[فاصل إعلاني]
حسين شحادة: هنا في العقار رقم ستة في غروز فينربليس جنوب غربي لندن أمضى السير هنري كامبل بانرمان السنوات التالية حتى انتقل إلى مقر رئاسة الحكومة في رقم عشرة داونينغ ستريت وأصبح هنري كامبل أول لورد يلقب رسميا برئيس الوزراء بدلا من الوزير الأول للخزانة وهو اللقب الذي أطلق على رؤساء حكومات المملكة المتحدة لبريطانيا العظمى وأولهم سير روبرت ولبول في أبريل/ نيسان من العام 1742.
مشارك3: الشيء الرئيسي هو أولا كسر عشرين عاما من هيمنة المحافظين ثم قاموا بعد وفاة كامبل بانرمان وتحت قيادة خليفته اسكويب بتعديل دستوري هام في عام 1910 يحد من سلطة مجلس اللوردات والذي كان بمثابة ملعب لحزب المحافظين لذلك اتخذوا خطوة كبيرة في اتجاه توسيع نطاق الحقوق الديمقراطية في البلاد.
حسين شحادة: شهدت أيضا رئاسة كامبل بانرمان ما سمي بالإصلاحات الليبرالية التي شملت الإجازة المرضية ومعاش الشيخوخة علاوة على تحقيق التفاهم مع روسيا في العام 1907 على يد وزير خارجيته السير إدوارد غريه، في العام نفسه نال كامبل بانرمان لقب أبي المجلس وهو لقب شرفي يمنح للعضو الذي قضى أطول مدة متصلة في البرلمان فكان رئيس الوزراء البريطاني الوحيد الذي يجمع بين اللقب ورئاسة الوزراء حتى اليوم.
هنري لورنس: كما تعلمون ظهور المحافظين أو الليبراليين عبر التاريخ البريطاني كان مرحلة تغيرات سياسية طبيعية وكان ذلك أمرا ثانويا، الأمر المهم حقا هو أنه ابتداء من هذه الفترة مع نهاية القرن التاسع عشر تخلت بريطانيا عما يمكن وصفه بعزلتها الكبيرة إذ إنها كانت قبل ذلك قوة عالمية عظمى بلا حلفاء غير أن الظروف السياسية الأوروبية في نهاية عام 1890 أجبرت بريطانيا على الدخول في تحالف مع فرنسا أولا ثم مع روسيا وهو ما يعني دخولها في نظام تحالف تكتلي.
حسين شحادة: في الثالث من أبريل/ نيسان 1908 قدم هنري كامبل بانرمان استقالته لأسباب صحية وخلفه وزير الخزانة في حكومته هربرت هنري اسكويب لكن بانرمان بقي في مقر إقامته الملحق بمقر مجلس الوزراء في داونينغ ستريت وكان المرض قد اشتد عليه إلى أن توفي في يوم 22 أبريل/ نيسان من العام نفسه، دفن في ساحة كنيسة أبرشية ميغل في بيرثشاير بالقرب من منزله في قلعة بلموند. أهمية الرجل الفائقة في التاريخ الاستعماري البريطاني جعلته من رؤساء الوزراء القلائل الذين تم نحت تمثال لهم تخليدا لذكراهم.
مشارك4: هذا الرجل هو يهودي الأصل بريطاني بالتأكيد خدم في الجيش البريطاني أصبح ضابطا تولى مناصب عليا وبدأ يتدرج إلى أن أصبح وزيرا من وزراء الحكومة البريطانية لا سيما وزيرا للحربية في أواخر القرن 19 وتحديدا في عام 1888 وهو من حزب الأحرار وأيضا تشير بعض الموسوعات التاريخية على أنه كان له دور عسكري وقيادي في جنوب إفريقيا وفي مناطق متعددة من العالم، وأيضا هذا الرجل يميل بطبيعته استنادا إلى ثقافته وإلى خلفيته التاريخية يميل إلى ضرورة تقوية بريطانيا كدولة عظمى كإمبراطورية عظمى وفي أن تستمر قوية في مستعمراتها وأيضا للبحث عن مستعمرات جديدة.
حسين شحادة: هكذا بدأت رحلة فريق العمل نحو مراكز الأرشيف البريطاني، كانت محطتنا الأولى إدارة الأرشيف الوطني في لندن للسؤال عن تلك الوثيقة وهكذا تمت إحالتنا إلى سلسلة طويلة ومعقدة من الإجراءات ومحركات البحث والتي جربناها كلها من دون جدوى وخرجنا من الأرشيف كما دخلنا بلا معلومات أو نتائج نسترشد بها.
مشارك3: من خلال بيروقراطية الحكومة الحديثة ومع وجود عدد كبير ومركب من الإدارات مع عدد التسجيل قدر الإمكان يكون من الصعب إخفاء أمر بهذه الضخامة.
حسين شحادة: عدنا بالسؤال مجددا إلى أصحاب الدراسات والأبحاث التي وردت فيها إشارات إلى وجود تلك الوثيقة.
محمد السعيد إدريس: الوثائق كثيرة ومنشورة ومتعددة موجودة على أكثر من موقع بيتحدث عن تفاصيل التقرير، بيتحدث عن الجلسات التي تمت من سنة 1905 إلى 1907، خلفيات عقد هذا المؤتمر. كامبل كان وزير المستعمرات ولما انتهت المدة من سنة سنتين تقريبا أصبح رئيس وزراء بريطانيا، التقرير كان مهما والوثيقة أخطر مما يتصور الكثيرون لأنه هي بتؤسس لحقيقة مهمة جدا وهي التلاقي بين المشروع الاستعماري الغربي وبين المشروع الاستعماري الصهيوني.
أحمد سعيد نوفل: عند انهيار الدولة العثمانية كانت بريطانيا والدول الغربية تطمح لوضع نظام عالمي جديد لكي ترث الدولة العثمانية وفعلا شكل بانرمان لجنة من عدة علماء اقتصاد وسياسيين وإستراتيجيين في وضع إستراتيجية متكاملة لكيف من الممكن أن تكون عليه المصالح الغربية في هذه المنطقة.
مشارك4: العرب كانوا آنذاك ما يقارب ثلاثين مليون نسمة، أشار المؤتمر إلى أن العرب سيصبحون في وقت من الأوقات مائة مليون بل إن الافتراضات الإحصائية تقول بأن العرب سيصبحون أكثر من ثلاثمئة مليون نسمة، أضف إلى ذلك بأن هذه الرقعة العربية الجغرافية لا تتميز فقط بكثيرة السكان وإنما بإمكانيات اقتصادية على غاية من الأهمية وكان بعض الخبراء من اليابان ومن الدول الأوروبية بدؤوا ينقبون عن البترول في عهد السلطان عبد الحميد الثاني وقد أشار السلطان عبد الحميد إلى ذلك في مذكراته، ثم العالم العربي يتميز بموقع هام ثم لديه إمكانيات على غاية من الأهمية، هل ستسمح بريطانيا والدول الأوروبية الاستعمارية بموت الرجل المريض الدولة العثمانية لتحل محلها دولة عربية فتية تقف حائلا دون أطماع وأحلام الاستعمار في السيطرة على هذا العالم العربي؟
مشارك5: كامبل بانرمان دعا كل المفكرين في العالم وليس في إنجلترا أو في أوروبا بس، المفكرين والمختصين بالزراعة بالآثار بالفلسفة مختصين بأي شيء جمعهم وخطب فيهم وقال، إذا درسنا تاريخ العالم نجد أن الإمبراطوريات تقوم في هذه المنطقة ولا تخلد ولا تبقى طويلا، كل أربعمئة كل خمسمئة سنة يظهر شعب ويقضي على هذه الإمبراطويات، المطلوب منكم أن تدرسوا لنا كيف يمكن أن تخلد إمبراطورية أوروبا.
مشارك3: مع وجود مخاوف قديمة حول صعود القومية في الهند وإلى حد ما في مصر هذا الشعور الذي سيطر على الإمبراطورية أنه مع مرور الوقت ربما سيزداد هذا أكثر مما قبل ومن ثم سيكون الدفاع عن الإمبراطورية أكثر صعوبة.
حسين شحادة: اعتمادا على كل تلك التأكيدات انتقلنا بالبحث إلى المحطة التالية وهو مكتب الوثائق العامة في منطقة كيو في لندن وبدأنا الرحلة مجددا، ومرة أخرى دخلنا الباب السحري لمتاهة الأرشيف وغرقنا بين الأسماء للأكوام من المكاتبات والرسائل التي تحمل الاسم ذاته بانرمان، ولكن ليس ثمة إشارة إلى ذلك المؤتمر.
مشارك4: موضوع مؤتمر كامبل بانرمان ليس سرا وهناك الموسوعات البريطانيا وكل الموسوعات تشير إلى مؤتمر كامبل بانرمان ودور رئيس الوزراء في هذا المؤتمر مع بقية الدول الأوروبية.
حسين شحادة: في محاولة للبحث عن طرف للخيط استكملنا رحلة البحث عن الوثيقة في وثائق المتحف البريطاني ومكتبة الوثائق في جامعة كامبريدج، كل ما استطعنا الخروج به كتابان لافتان الأول بعنوان "المسألة الشرق أوسطية" وصدر عام 1903 للمؤلف فالنتاين شيرول أما الثاني فهو "مشاكل الشرق الأوسط" ونشر في لندن عام 1909 بعد سنتين من صدور تقرير كامبل المزعوم، واللافت هنا أن الكتابين يجمعان على أهمية المنطقة لأوروبا والعالم وطالبا بضرورة السيطرة عليها ولم ترد فكرة المساعدة والتنمية على الإطلاق.
مشارك4: هذا الطرح أن دول الاستعمار لماذا لم تساعد العالم العربي عوضا عن أن تسيطر عليه، هذه المقولة لا أساس لها من الصحة عند الاستعماريين الأوروبيين الذين كانوا ينوون ونهبوا، ينوون نهب موارد البلاد واستثمار خيراتها وتوظيف صناعاتهم في أسواق هذه الدول فضلا عن المواقع الإستراتيجية للعالم العربي.
مشارك5: من يوم ما جاء ماركو بولو إلى الشرق فجاء بهذه النفسية ومن يوم ما جاء كريستوفر كولومبوس أيضا لاكتشاف أميركا كان بنية السيطرة واحتكار شرق البحر الأبيض المتوسط، وأول كتاب كتبه للدولة المضيفة له أن أصله إيطالي وليس إسبانيا، أول رسالة يبعثها لملك ولملكة إسبانيا يقول لهم أنا اكتشفت في ذهب كثير وأرجو أن يكون هذا الذهب لتحرير القدس.
هنري لورنس: الثورة الاقتصادية جعلت أوروبا غنية وقوية جدا لدرجة أن المشرق العربي لم يعد له وزن يذكر لديها، من ناحية أخرى كان الاقتصاد الأوروبي يستهلك بشكل متزايد منتجات قادمة من المشرق، الأمر الذي يعني أن اقتصاد المشرق العربي كان يتبع كليا أوروبا التي كانت تشتري مثلا القطن من مصر والحمضيات والحرير إلى آخره، من الناحية الاقتصادية وباستثناء القطن الذي كان يعتبر مادة أساسية وكانت الولايات المتحدة البلد الأبعد مسافة عن أوروبا هي أكبر منتج له لم تكن هناك أي منفعة ذات قيمة على عكس المرحلة اللاحقة.
حسين شحادة: على جانب آخر وفي منتصف رحلة بحثنا لفت انتباهنا أخبار تنفي عقد المؤتمر من الأساس وهو ما نشرته جريدة الشرق الأوسط منسوبا إلى أحد الباحثين الفلسطينيين والذي صرح للصحيفة بأن المؤتمر الذي يشاع أن وثيقة كامبل أعلنت فيه لم يعقد أبدا. وهكذا نقل أحد المواقع الإلكترونية أن الدكتور أنيس صايغ الذي كان رئيسا للمركز الفلسطيني للبحوث والدراسات قام بمحاولات عدة للوصول إلى تلك الوثيقة.
أنيس صايغ: لم أقرأ لكاتب أجنبي متخصص ذكرا لهذه الوثيقة إنما معظم إذا لم أقل جميع الكتاب العرب تحدثوا عن هذه الوثيقة دون أن يذكر أي منهم أين اطلع عليها أين هي موجودة، فذهبت إلى بريطانيا أبحث عن وثيقة معينة، بدأت بمتحف بريطانيا حيث توجد أكبر مكتبة في بريطانيا وواحدة من أكبر مكتبات العالم وبقيت أياما وأسابيع ولم أجد في الكتب المكتوبة المنشور عن السير هنري كامبل بانرمان لم أجد أي ذكر لهذه الوثيقة.
الطيب تيزيني: كان هنالك من يحرص على أن يصار إلى تعميمها لأنها ستثير الناس ولهذا نادرا ما نقرأ عن بانرمان، نادرا ما نجد شيئا من هذه الوثيقة التي خرج بها العلماء المعنيون وبالتالي المؤرخون في العصور الحديثة وما بعدها في منطقة الشرق العربي والمغرب العربي يكادون لا يجدون شيئا، لا يجدون شيئا، حتى أحيانا اسم بانرمان يكون غائبا أو مغيبا.
أنيس صايغ: ذهبت إلى دار الأرشيف في بريطانيا وهي مكتبة ثمينة جدا غنية بكل الوثائق التي صدرت عن أو تتعلق بالحكومة البريطانية وصرفت أسابيع أبحث في هذه المكتبة كل كلمة عن السير هنري كامبل بانرمان وما قام به في حياته خاصة 1905، 1908 لم أجد شيئا، فعلمت أنه أهدى قبل وقاته مجموعة وثائقه ورسائله إلى جامعة كامبريدج وباعتباري أستاذا سابقا في جامعة كامبريدج كان سهلا علي أن يسمح لي أن أطلب ويسمح لي بالبحث في مكتبة إحدى كليات الجامعة اسمها كلية المسيح التي هو كان تلميذا فيها وأهداها مكتبته، سمح لي أن أجمع بجميع وثائق وكانت بخط اليد وبينها مئات الرسائل التي كتبها في حياته أو التي تلقاها في حياته ومن هذه المئات عشرات الرسائل لزوجته حتى قبل أن يتزوج وهي رسائل حرب وكنت أستلطف جدا أقرأ كيف كان يعبر عن حبه هذا الإنسان، ولم أجد بينها ذكرا لوثيقة من هذا النوع.
محمد السعيد إدريس: يعني ربما الوثيقة لم تختف بشكل طبيعي ولكن الوثيقة ما كتب عنها وما نقل عنها الكثير ولكن ربما أطراف معينة هي التي أخفت هذه الوثيقة لعدم إحراج الغرب لهذه الدرجة أو كشف أو تعرية لأن هذه وثيقة خطيرة جدا وثيقة يعني بدونها لا تستطيع أن تحدد المسؤولية البريطانية والمسؤولية الأوروبية في المشروع الصهيوني.
حسين شحادة: طالما وجدت احتمالية كون الإخفاء متعمدا ظل عزمنا منصبا على الاستمرار في البحث والتنقيب عن تلك الوثيقة.