أرشيفهم و تاريخنا
أرشيفهم وتاريخنا

ملف تأسيس دولة إسرائيل ج1

تتناول الحلقة ملف تأسيس دولة إسرائيل منذ تصاعد المسألة اليهودية مع بداية القرن العشرين حيث كان الاتحاد السوفياتي مناصر للقضايا العربية، فيما اتسم الدور الغربي بالانحياز لإسرائيل.

– سياسة الاتحاد السوفياتي تجاه اليهود
– هجرة اليهود لفلسطين ونشاطات الوكالة اليهودية

– الصهيونية ومغازلة القوى الدولية

– موقف الاتحاد السوفياتي من تهجير اليهود

undefined

فلسطين يا جرحي والذاكرة! فلسطين يا لوعة الموت حين تحفه الزغاريد الباكية، يا صبر يا وجع يا حنين، فلسطين يا أقصى المصلين على حواف الموت بين ذكريات الذبح والصمود، ويا زيتون الشهداء الملوث بضمائر من باع دمهم والأكفان! .. جهاد الرجبي.

[تعليق صوتي]

إنها القضية الأشهر والأخطر في تاريخ العالم الحديث حتى إننا لم نعد ندري أهي قصتهم؟ أي قصة اليهود، أم قصتنا نحن العرب؟ ولكن أيا كانت الإجابة كان علينا مواصلة النبش في آتون هذه القضية التي لا تزال مشتعلة وتكاد النيران تحرق أطراف أصابعنا ونحن نحاول البحث في أصلها خوفا من سيف معاداة السامية المعلق على رقابنا وكأننا نحصد أشواكا وليس أوراقا ووثائق رسمية تتحدى من يريد قراءتها والبحث فيها وكأنه يحمل رأسه بين كفيه إذ يدخل هذا الحقل المزروع بالألغام التي لن يستطيع نزع فتيلها مهما حاول أن يتسم بالحياد والموضوعية في بحثه ولكن فلندع الخوف من العاقبة لنحاول إلقاء نظرة ثاقبة.

ملف تأسيس دولة إسرائيل

[تعليق صوتي]

ثبت في وعينا العربي طيلة النصف الثاني من القرن العشرين حقيقة ثابتة مفادها أن الاتحاد السوفييتي كان على الدوام هو الطرف المناصر للقضايا العربية فيما اتسم الدور الغربي بالانحياز التام والأعمى إلى صالح إسرائيل، فهل في هذا كل الحقيقة؟ أم أن الاتحاد السوفييتي كان يكفر عن خطيئته الأولى مجرجرا خلفه عقدة ذنبه التاريخية وسقطته السياسية الكبرى في القرن العشرين وكأنه قد أطلق الوحش الذي انفلت من عقاله فيما بعد ليكون صانعه هو ذاته أول ضحاياه؟

ملف تأسيس دولة إسرائيل

الدور السوفييتي

[تعليق صوتي]

ظل القادة السوفييت لينين وترويسكي وصولا إلى ستالين ينظرون إلى المسألة اليهودية من منظور الثورة البلشفية التي تهدف إلى إدماج مختلف الفئات القومية في إطار الدولة الاشتراكية التي يتساوى فيها الجميع وذلك تطابقا مع أدبيات كارل ماركس التي تقوم على فكرة معالجة المسألة القومية في إطار دولة الطبقة العاملة، بيد أن طرح المسألة اليهودية كان يتم بشكل تصاعدي على الساحة الدولية قبيل وبعد الحرب العالمية الأولى وكانت الجماعات اليهودية في العالم تعمل وفق أجندة مقررات مؤتمر بال الصهيوني الأول الذي عقد سنة 1897 وتقرر فيه استعادة الوطن القومي لليهود عبر الاستيطان والهجرة اليهودية وتأسيس دولة إسرائيل.

ماريا أرباتوفا- كاتبة وناشطة في مجال حقوق الإنسان- موسكو: طالما أننا نعي أن طبيعة العقلية السوفييتية كانت قائمة على محو كل ما هو إثني وقومي فإن أي طرح تعلق بالمسألة القومية اعتبر نشاطا ضد الفكرة السوفييتية.


سياسة الاتحاد السوفياتي تجاه اليهود

[تعليق صوتي]

لكن ارتداء المسألة اليهودية لباس الحركة الصهيونية وظهورها على أجندة القوى العالمية المتصارعة جعلها تخترق الإطار المرسوم لها سوفييتيا مما حدا بزعيم الثورة البلشفية فلاديمير ألييتش لينين بأن يرى في دعوة الحركة الصهيونية فكرة رجعية بشكل مطلق وإثر وفاة لينين وتولى ستالين الحكم واجهت الدولة السوفييتية من جديد المسألة اليهودية.

الجزء الأول

المغازلة

رفعت السعيد- الحزب الشيوعي المصري سابقا ورئيس حزب التجمع- القاهرة: ستالين عرض عليهم يعملوا دولة يهودية في الاتحاد السوفييتي وفي الفترة دي كانت الحركة الصهيونية هي الحركة الشهيدة التي يضطهدها النازي اللي أهم أعداء الاتحاد السوفييتي، أنا ما عنديش معلومات بس إقامة مثل هذه العلاقة مسألة طبيعية وبعدين عايز أقول لك حاجة إنه ثبت إن الحركة الصهيونية كانت بتتصل بكل الناس بما في ذلك النازي.

[تعليق صوتي]

"
الاتحاد السوفياتي أعلن عن مشروع لاحتواء المسألة اليهودية في شكل جمهورية يسود فيها اليهود في بيروبيغان ويكون الانتماء الوطني فيها لدولة اشتراكية تحكمها الطبقة العاملة، ولكن اليهود رفضوا هذه الفكرة
"
تقرير مسجل

أدى طرح اليهود لمشاريع حل مسألتهم داخل الاتحاد السوفييتي إلى ردود فعل في الاتحاد الحديث النشأة فأمام تصاعد طرح اليهود لسيناريو وطن قومي في أوكرانيا ثم في شبه جزيرة القرم أُعلن في الاتحاد السوفييتي في شهر تشرين الأول من عام 1929 عن مشروع لاحتواء المسألة اليهودية في شكل جمهورية يسود فيها اليهود في بيروبيغان على غرار جمهوريات الاتحاد السوفييتي الأخرى التي كانت تضم أغلبيات مسلمة ومسيحية على أن يكون الانتماء الحقيقي للدولة هو الانتماء الوطني لدولة اشتراكية تحكمها الطبقة العاملة، لكن اليهود رفضوا هذه الفكرة وشهدت سنوات الثلاثينات والأربعينات احتكاكات بين الدولة السوفييتية والجماعات والعناصر اليهودية في عدد من المناطق السوفييتية وخصوصا في أوكرانيا، غيرت تفاعلات أوضاع اليهود في ألمانيا عشية الحرب العالمية الثانية في مجريات العلاقة بين الاتحاد السوفييتي والحركة الصهيونية وبدأ جوزيف ستالين زعيم الحزب الشيوعي ورئيس مجلس الوزراء السوفييتي يتفاعل مع أجندتها في قضايا الهجرة اليهودية.

يوري أفنييري- مفكر وناشط سلام- تل أبيب: كانت أمامهم مشكلة بالفعل، كان لدي ستالين مشكلة يمكنه أن نصفه بالخبير في القضايا القومية، الكتاب المهم الوحيد الذي كتبه ستالين في حياته كان حول مشكلة القوميات في الاتحاد السوفيتي، كانت للشيوعية السوفيتية مشكلة مع اليهود وهي كيفية ملائمة اليهود للتوجه السوفيتي الشمولي إذ نشأ اليهود كقومية وفي الهوية السوفيتية تسجل قومية اليهودي كيهودي، إنها الدولة الوحيدة في العالم في اعتقادي عدا إسرائيل فيما بعد التي سجلت القومية يهودي.

ماريا أرباتوفا: لا أعتقد إنه يمكن تفسير هذه القضية إلا في سياق محاولة خلق تحالف مشترك ضد العدو المشترك ممثلا في القوات الهتلرية النازية.

[تعليق صوتي]

في فلسطين اتجهت سياسة الاتحاد السوفيتي مبكرا لمناهضة الانتداب البريطاني والدعوة لإسقاطه وتحرير فلسطين وإقامة دولة ديمقراطية موحدة تضم العرب واليهود وإلى حدود هذا الموقف استمر الاتحاد السوفيتي منسجما مع منطلقات الموقف الماركسي اللينيني الذي وضعه المؤسسون.

أوليج فيتي- خبير ومختص في مسألة الصراع العربي اليهودي- موسكو: على الرغم من وجود بعض الظواهر والأحداث التي دفعت بالسوفيت إلى كره اليهود إلى حد ما من نمط أنهم كانوا يعتبرونهم بمثابة أرستقراطيين حمر لأنهم كانوا في مصاف النخبة وهذا ما ظهر في المدن والقرى السوفيتية، لكن النظرية ستواجه صعوبات في التطبيق مع تصاعد مطالب اليهود الداخلية في جمهوريات الاتحاد السوفيتي وظهور تفاعلات للمسألة اليهودية في العالم بعد طرحها في المؤتمرات الدولية التي عُقدت إبان الحرب العالمية الأولى فقد صدر عن الحكومة البريطانية في 1917 ما يُعرف بوعد بلفور نسبة إلى اللورد آرثر بلفور وزير خارجية بريطانيا ويقضي الوعد بمنح اليهود الحق في إقامة دولتهم على فلسطين التي كانت خاضعة للإمبراطورية العثمانية قبل تفككها وبدا الحلم أقرب للتحقق عندما فُرض الانتداب البريطاني عام 1922 على فلسطين إضافة إلى التوصية بحل المسألة اليهودية والتي صدرت عن مؤتمر فرساي في العاصمة الفرنسية الذي عُقد إثر الحرب وشاركت فيه بريطانيا وفرنسا وألمانيا وكان واضحا أن الحل يتأسس على أنقاض الدولة العثمانية التي كانت متحالفة مع ألمانيا.

فلاديمير شاجال- مستشرق يهودي- موسكو: في الفترة التي كانت فلسطين فيها جزء من الإمبراطورية العثمانية وجدت هجرات يهودية محدودة من داخل هذه الإمبراطورية إلى فلسطين، لكن وهذا ما يحب التوقف عنده وبعد صدور وعد بلفور فإن إنجلترا أخذت على عاتقها التحكم بمصير فلسطين في الوقت الذي ضربت فيه بعرض الحائط المصالح العربية أي أن الإنجليز أصروا على قيام كيان لليهود في فلسطين دون أن يعيروا اهتماما إلى العرب المقيمين هناك، وعد بلفور يهدف إلى مصالحهم من بعيد أو حتى من قريب وهذا مهم كواقعة تاريخية.

هجرة اليهود لفلسطين ونشاطات الوكالة اليهودية

[تعليق صوتي]

حقيقتان سيتسم بهما المشهد في فلسطين إبان الحرب العالمية الثانية أولهما هو مشهد الهجرة اليهودية المكثفة نحو فلسطين تحت وطأة ضغط حوادث المأساة التي تعرض لها اليهود في أوروبا والحقيقة الثانية هي اتساع معاناة الفلسطينيين الذين ستبدأ قصص تهجيرهم من أرضهم، أظهرت الأحداث التي شهدتها فلسطين خلال عقد الثلاثينيات بدء بثورة عز الدين القسام عام 1936 وصولا إلى الاحتجاجات التي قاداها الحاج أمين الحسيني مفتي القدس قبل هروبه إلى الخارج أن نظام الانتداب الذي فرضته بريطانيا على فلسطين منذ عام 1922 لم يصمد أمام اختبار الزمن وطبقا لإعلان الحكومة البريطانية نفسها في منتصف الأربعينات فقد كان الانتداب حيال فلسطين غير قابل للتطبيق عمليا.

دومينيك فيدال- مؤرخ متخصص في الشؤون الإسرائيلية- باريس: خلال السنوات التي تنطلق مع بداية الوصاية البريطانية عام 1922 وحتى الحرب حصلت هجرة مكثفة شجعتها لندن.. هذا صحيح، ثم تراجعت الأمور شيئا فشيئا ولندن توخت الحذر لأن الرفض لدى الجانب العربي تنامى كثيرا، لقد كانت فترة الثورة الفلسطينية الكبيرة من عام 1936 إلى عام 1939 وبالتالي إنه ابتداء من 1939 فقط بدأت لندن تقول بشكل عام لنوقف الهجرة أو على الأقل هجرة يهودية محدودة.

[تعليق صوتي]

من هنا.. من لندن عاصمة الإمبراطورية الزائلة بدأت الوكالة اليهودية تكثف تلك الخطوات التي بدأتها منذ زمن باتجاه الاتحاد السوفيتي تلك القوة الدولية الهائلة التي أفرزتها الحرب العالمية الثانية والتي تتضارب مصالحها بوضوح مع المصالح البريطانية حيث اتجهت سهامها إلى ذلك المبنى الذي تقع فيه سفارة الاتحاد السوفيتي، يكشف الأرشيف السوفيتي عن تلك الرسالة التي بعث بها مايسكي السفير السوفيتي لدى لندن إلى خارجيته بتاريخ الثالث من فبراير عام 1941 حيث يقول زارني منذ أيام ضيف منتظر هو الدكتور وايزمان الزعيم المشهور للحركة الصهيونية إنه (Gentleman) طويل القامة وتجاوز مرحلة الشباب وأنيق الهندام، ذو سحنة شاحبة تميل إلى الصفرة وصلعة كبيرة على رأسه ويمتلئ وجهه بالتجاعيد وببقع قاتمة نوع ما وأنفه معقوف ولحيته مدببة وأسلوبه في الحديث يتسم بالهدوء والتباطؤ ويتحدث الروسية بطلاقة على الرغم من أنه غادر روسيا منذ خمسة وأربعين عاما مضت، حاييم وايزمان هو من مواليد بلدة موتول في ولاية بنسك لروسيا البيضاء عام 1874، تلقى تعليمه الديني في المدرسة اليهودية ببلدته ثم غادر إلى بنسك لدراسة الكيمياء وأتم دراسته في أحد أشهر معاهد الكيمياء في ألمانيا، كان وايزمان من رواد الحركة الصهيونية وترأس الوفد الروسي لمؤتمر الحركة الصهيونية الثاني الذي عُقد سنة 1901 وتولى مهام الإشراف على الشؤون المالية في الحركة وكتتويج لدوره السياسي الذي لعبه في بريطانيا لإقناع البريطانيين بإصدار وعد بلفور عام 1917 انتخب وايزمان رئيسا للحركة الصهيونية في مؤتمرها العام الذي عُقد في لندن سنة 1920 وظل يشغل هذا المنصب حتى عام 1946 وانتقل عام 1947 للإقامة في الولايات المتحدة الأميركية ونتابع هنا مقتطفات من أفكار وايزمان حول مسألة الهجرة اليهودية ومستقبل الدولة الإسرائيلية وذلك خلال لقائه السفيرة السوفيتية في لندن طبقا لما ورد في وثيقة الخارجية السوفيتية، طرح وايزمان في البداية السؤال التالي.. إن فلسطين لا تجد مكانا تصدر البرتقال إليه فهل يمكن أن يقايضه الاتحاد السوفيتي بالفراء؟ وعرض تسويق الفراء بصورة جيدة بواسطة الشركات اليهودية في أميركا وقلت له إنني لا أستطيع قول أي شيء محدد الآن ووعدته بأن أستفسر حول هذا الموضوع لكنني أشرت مقدما إلى أن على يهود فلسطين ألا يمنوا أنفسهم بالآمال كثيرا لأننا في الأساس لا نستورد الفواكه من الخارج وهذا ما حدث فقد رفضت موسكو الاقتراح وبعثت إليه برسالة بهذا الصدد لكن وايزمان انتقل في سياق حديثه عن البرتقال إلى الشؤون الفلسطينية كما تحدث عن وضع اليهود ومستقبلهم في العالم وبدا وايزمان متشائما جدا وطبقا لحساباته يوجد في العالم الآن حوالي 17 مليون يهودي منهم 10 إلى 11 مليونا يعيشون ظروفا مقبولة نسبيا ولا يتهددهم خطر الإبادة الجسدية وهم اليهود القاطنون في الولايات المتحدة والإمبراطورية البريطانية والاتحاد السوفيتي.

ليونييد جوخوفيتسكي- كاتب ومؤرخ: التجمعات والشخصيات اليهودية امتلكت تأثيرا في الاتحاد السوفيتي حتى في سنوات الحرب العالمية الثانية وكان هذا مبررا لأن ستالين كان مهتما بأن تجمع الأموال في الولايات المتحدة وترسل إلى الاتحاد السوفيتي ومعنيا بتأسيس جبهة ثانية ولأجل هذا كان مستعدا لاستخدام كل الوسائل وكانت إحدى الخيارات أمامه تكمن في تأسيس اللجنة اليهودية لمناهضة النازية في الاتحاد السوفيتي كي يتمكن اليهود السوفييت من السفر إلى أميركا وإقناع اليهود هناك بمساعدة الاتحاد السوفيتي والضغط على البيت الأبيض لتأييد السوفييت، هذا كل شيء.

[تعليق صوتي]

جاء تشبيه وايزمان أوضاع اليهود في كل من الولايات المتحدة وبريطانيا والاتحاد السوفيتي كمقدمة لرحلة طويلة من الغزل بين الجانبين حيث يصير الغزل أشد صراحة وحرصا على إزالة أي لبث أو سوء فهم، حيث جاء في محضر السفير مايسكي.. قال وايزمان عن اليهود السوفييت ما يلي.. لا أشعر بالقلق بشأنهم فلا يهددهم أي شيء وستمضي فترة عشرين إلى ثلاثين عاما وإذا ما بقي النظام الحالي في بلادكم فأنهم سيندمجون مع غيرهم واعترضت قائلا كيف يندمجون؟ ألا تعرف أن اليهود في الاتحاد السوفيتي يتمتعون بجميع حقوق الأقليات القومية إلى جانب الأرمن والجورجيين والأوكرانيين وغيرهم؟ فرد وايزمان بقوله.. لا أنا أعرف ذلك جيدا لكنني عندما أقول يندمجون فأنني أقصد أن اليهود السوفييت سيصبحون تدريجيا جزء لا يتجزأ من المجرى العام للحياة الروسية وقد لا يعجبني ذلك لكنني مستعد للتسليم به وعلى أقل تقدير لا يجعلني مصيرهم أشعر بالارتجاف والفزع بينما لا أستطيع التفكير من دون أن أشعر بالفزع بصدد مصير حوالي ستة إلى سبعة ملايين يهودي يقطنون في وسط وجنوب شرقي أوروبا في ألمانيا والنمسا وتشيكوسلوفاكيا والبلقان وخاصة في بولندا، فماذا سيكون مصيرهم وإلى أين سيتوجهون؟ وأضاف قائلا إذا ما ربحت ألمانيا الحرب فإنهم ببساطة سيهلكون وأردف قائلا إنه لا يؤمن ولا يثق في انتصار ألمانيا ولكن حتى إذا ما ربحت بريطانيا الحرب فماذا سيحدث عندئذ؟

ماريا أرباتوفا: في هذه الفترة لم توجد ظاهرة معاداة السامية في روسيا أو الاتحاد السوفيتي لكن علينا أن نتذكر أنه وبعد الحرب العالمية الثانية انطلقت حملة سياسية قاسية ضد اليهود، يمكنني القول أن أمي التي تنتمي لمواليد عام 1922 اصطدمت بهذه المشكلة لكنني أنا التي أبلغ من العمر ثمانية وأربعين عاما لم ألحظ في شبابي ظاهرة معاداة السامية وكثيرا ما كان وما يزال يزعجني حجم المثيولوجية التي تحيط بهذه القضية.

[تعليق صوتي]

انتقل وايزمان ببراعة من حديثه عن وضعية اليهود السوفييت إلى سيناريوهات الحرب وتحليله لنتائجها على أوضاع اليهود ومن ثم رسم سيناريو قاتما سواء كسب الألمان الحرب وهو هلاك اليهود أو كسبتها بريطانيا وطرح مخاوفه من سلوك البريطانيين ونظرتهم لليهود والعرب حيث يواصل مايسكي حكاية مقابلته في الوثيقة وهنا صار وايزمان يطرح مخاوفه قائلا البريطانيون لن يحبون اليهود ولا يحبه على الأخص رؤساء الإدارات البريطانيون في المستعمرات وهذا واضح بصورة خاصة في فلسطين حيث يعيش اليهود والعرب فهناك يفضل كبار المسؤولين البريطانيين العرب على اليهود، فلماذا؟ التفسير بسيط للغاية.. يواصل وايزمان القول إن العرب الفلسطينيين بالنسبة للمسؤول الإداري البريطاني يعتبرون كفئران تجارب بينما يجلب اليهود المنغصات إليه فهم غير راضين عن أي شيء ويطرحون الأسئلة ويطلبون الإجابة عنها علما أنها أجوبة صعبة أحيانا وعندئذ يبدأ المسؤول الإداري بالغضب كما ينظر إلى اليهود باعتبارهم ثقلاء ولكن الشيء الرئيسي أن المسؤول يشعر طوال الوقت بأن اليهود يتطلعون إليه ويفكرون في دخائل أنفسهم كالتالي.. هل أنت ذكي؟ ربما أنا أكثر ذكاء منك بضعفين وهذا يجعل المسؤول يقف ضد اليهود نهائيا ويبدأ بكيل الثناء للعرب فالتعامل معهم سهل، إنهم لا يريدون شيء ولا يشكلون مصدر إزعاج له.

ماريا أرباتوفا: تاريخ العلاقات البريطانية اليهودية أعرفه من خلال عائلتي ولم تكن هناك مشاكل فجدي الذي عاش في إنجلترا كان يتعاون وعلى كافة الصُعد مع زوج ابنته ذي النقرة الديمقراطية في إسرائيل ولا أعرف من خلال تاريخ العائلة اليهودية أية ضغوطات قامت بها بريطانيا على اليهود في فلسطين أو إسرائيل فيما بعد.

[تعليق صوتي]

كان وايزمان وهو الذي أدهشه السفير مايسكي منذ البداية عندما طلب لقاءه يهدف من خلال حديثه المتذمر عن البريطانيين إلى تمهيد الأرضية لطرح خطته على السفير السوفيتي إذ يواصل وهكذا وبأخذ جميع هذه الأمور بعين الاعتبار ماذا يمكن أن يجلب انتصار بريطانيا لليهود؟ إنه يطرح هذا السؤال ويستخلص الاستنتاجات التي لا تبعث على الاطمئنان لأن الخطة الوحيدة التي يمكن أن يضعها وايزمان من أجل إنقاذ يهود وسط أوروبا خاصة يهود بولندا تتلخص فيما يلي.. نقل مليون عربي يعيشون في فلسطين الآن إلى العراق وتوطين أربعة إلى خمسة ملايين يهودي من بولندا والبلدان الأخرى في أراضيهم بعد إخلائها لكن هيهات أن يوافق البريطانيون على ذلك وإن وافقوا فماذا سيحدث بعد ذلك؟ وقد أعربت عن دهشتي بشأن الكيفية التي يعتزم وايزمان بها نقل خمسة ملايين يهودي إلى الأراضي التي يقطن فيها مليون عربي فضحك وايزمان وقال لا تقلق بهذا الصدد فعادة ما يوصف العربي بأنه ابن الصحراء فهو بكسله وبسذاجته يحول البستان المزدهر إلى صحراء مقفرة فأعطيني الأراضي التي يسكنها مليون عربي وسأوطن فيها خمسة أمثال هذه العدد من اليهود بأفضل حال وأختتم وايزمان كلامه قائلا المسألة هي كيف سنحصل على هذه الأراضي؟ تلك هي المشكلة الحقيقية التي كانت تؤرق الأوساط الصهيونية.. كيفية الحصول على هذه الأراضي؟

[موجز الأنباء]

تأسيس دولة إسرائيل

الدور الصهيوني

ديفد واتكين- نائب عمالي بالبرلمان البريطاني: آنذاك كانت توجد مجهودات جبارة للحركة الصهيونية للتغلغل في صفوف حزب العمال وكانت تعطي الانطباع بأن الصهاينة يضعون مصالح عرب فلسطين نصب أعينهم وأنهم سيحررونهم من القمع الواقع عليهم ولذلك فإن هؤلاء يرحبون بمقدم اليهود مع أن الواقع كان هو أن الحركة الصهيونية عكس ذلك تماما كانت تسعى لشراء أراضي العرب وطرد أصحابها منها واستقدام اليهود ليحلوا محلهم، كان الغرض هو طرد جميع الفلسطينيين من أراضيهم، الحركة الصهيونية كانت إذاً تحاول أن تبني أمة يهودية في فلسطين.

الصهيونية ومغازلة القوى الدولية

[تعليق صوتي]

لم تكن خطوة وايزمان وخططته التي أسر بها للسفير السوفييتي معزولة بل تدل المؤشرات على أنها كانت مدروسة ضمن تحرك عالمي لمغازلة القوى الدولية المؤثرة والصاعدة بهدف عرض القضية اليهودية وإدخالها في مسالك التوجهات الدولية من خلال استباق نتائج الحرب العالمية وسوف نلاحظ أن هذه المغازلات أثمرت تجاوب من قبل عدد من الدول الأوروبية والأميركية إضافة إلى الاتحاد السوفييتي ومن ثم نهجت سياسة دولية لحماية المهاجرين اليهود كنتيجة لتداعيات ما تعرض له اليهود في أوروبا الشرقية ومن أهم التدابير التي اتخذت في هذا الصدد سياسة المرافق الحرة لتسهيل هجرة اليهود التي طبقها عدد من الدول الأوروبية.

فلاديمير شاجال: في هذا السياق علينا ألا ننسى شيء مهما، هل تعلمون حجم اليهود الذين هاجروا إلى إسرائيل من الدول العربية نفسها تاركين أعمالهم وبيوتهم سواء كانوا من المغرب أو الجزائر أو العراق؟ كان عددهم ضخما ويتوهم من يظن أن الموجات الكبرى للمهاجرين اليهود قدمت من أوروبا، المسألة ليست كذلك تماما.

نهاد الغادري- مفكر ومؤرخ- دمشق: يجب ألا ننسى أن المشكلة اليهودية الحقيقية هي المشكلة مع المسيحية وليست مع الإسلام، المسلمين.. ما عندنا مشكلة مع المسلمين، مشكلة اليهود الحقيقية هي في المجتمعات المسيحية الغيتو والاضطهاد نشأ في المجتمعات المسيحية في أوروبا في فرنسا وألمانيا وليس في لبنان أو سوريا كانوا عايشين هنا حياتهم الطبيعية العادية ضمن المجتمع، هناك كانت الحركة المعادية لليهود.

[تعليق صوتي]

لم تكن المغازلة عبر مايسكي سفير لندن هي الحيلة الوحيدة لقادة الوكالة اليهودية للفوز بقلب الاتحاد السوفييتي بل تواصل مد حبال الود عبر عاصمة أوروبية أخرى، في الثامن من ديسمبر وبتوصية من السفير البريطاني في أنقرة السيد غيو غيسين استقبل الرفيق فينو برادوف سفير اتحاد السوفيتي في أنقرة إلياس مناحيم آبشتاين ممثل الوكالة اليهودية في فلسطين لشؤون الهجرة والاستيطان وحسب أقوال الأخير فإن هذه المنظمة تعترف بها عصبة الأمم رسميا ولديها حق الآن مكاتب في جنيف ولندن وواشنطن واسطنبول وقد طرح إلياس مناحيم آبشتاين على الرفيق فينو برادوف الاقتراحات التالية.. تود فلسطين إقامة علاقات تجارية مع الاتحاد السوفييتي عن طريق توريد الأدوية إلى الاتحاد السوفييتي وفي حال موافقة الحكومة السوفييتية على ذلك فإن آبشتاين يود التوجه إلى الاتحاد السوفييتي وبرفقته خبير الإنتاج المهندس الكيميائي إيليا دوبكين من أجل إجراء المفاوضات وأشار آبشتاين في الوقت نفسه إلى أن المنظمة التي يمثلها يمكن أن ترسل إلى الاتحاد السوفييتي فريق من الأطباء مع مستشفيات ميدانية، إذا ما سمح لآبشتاين بالسفر إلى الاتحاد السوفيتي فإنه يود أن يطرح على الحكومة السوفييتية موضوع السماح للمسنين من أقارب اليهود الفلسطينيين الموجودين في الاتحاد السوفييتي بالسفر إلى فلسطين ويزعم أن الحكومة البريطانية تمنح مائة رخصة إلى المسنين من اليهود القادمين من الاتحاد السوفييتي من أجل دخول فلسطين، أعرب آبشتاين عن رغبته بالحصول على أفلام سينمائية تتضمن مشاهد معارك من أجل عرضها في اجتماع حزب العمال اليهودي في فلسطين، سلم آبشتاين إلى الرفيق فينو برادوف قرار الدورة 45 للاتحاد العام لحزب العمال اليهودي الصادر بتاريخ الثاني من أكتوبر عام 1941.

ليونييد جوخوفيتسكي: لم يكن لدى اليهود السوفييت أية إمكانية أو قدرة على القيام بسياسة مستقلة حتى ولو أنه كان لدى اليهود منطقة حكم ذاتي في بيروبيغان.

"
الحزب الشيوعي السوفياتي يعتبر الحركة الصهيونية حركة قومية وبالتالي ينتقدها بصورة ملموسة، واعتقد أن حل مشاكل اليهود في العالم لم تكن تتعلق بإنشاء دولة وإنما بإدماج اليهود في صفوف الشعوب
"
 دومينيك فيدال

دومينيك فيدال: في تلك الفترة كان الموقف التقليدي للحركة الشيوعية وللحزب الشيوعي السوفييتي على وجه الخصوص يعتبر الحركة الصهيونية حركة قومية وبالتالي ينتقدونها بصورة ملموسة، الشيوعيون وقبلهم كارل ماركس ومفكرون آخرون اعتقدوا دائما أن حل مشاكل اليهود في العالم لم تكن يتعلق بإنشاء دولة فقد كان ذلك هو الموقف الصهيوني وإنما في إدماج اليهود في صفوف الشعوب التي يوجدون بينها وهذا الإدماج كان من المفترض أن تسهله الثورة الاشتراكية.

[تعليق صوتي]

يبدوا أن الرفيق كفتردزا لم يكن أقل صدودا من الرفيق مايسكي إذ يرسل مع محضر الاجتماع إلى الخارجية السوفيتية رسالته قائلا.. يقترح قسم الشرق الأوسط ما يلي.. استطلاع رأي مفوضية الشعب للتجارة الخارجية بشأن تجارة الأدوية مع فلسطين وموضوع جدوى سفر إلياس مناحيم آبشتاين لمرافقة إيليا دوبكين إلى الاتحاد السوفيتي من أجل إجراء المفاوضات، عدم قبول اقتراح آبشتاين بشان إرسال فريق من الأطباء مع مستشفيات ميدانية من فلسطين إلى الاتحاد السوفيتي، اعتبار سفر اليهود المسنين من الاتحاد السوفيتي إلى أقاربهم في فلسطين شيء غير مناسب، عدم معارضة قيام الممثلية التجارية السوفيتية في تركيا ببيع الأفلام السينمائية المتضمنة لمشاهد معارك لعرضها في فلسطين، الاستفسار من مفوضية الشعب للشؤون الداخلية عما إذا توفرت لديها معلومات عن إلياس مناحيم آبشتاين والهيئة التي يمثلها، أرجو تزويدنا بتوجيهاتكم، رئيس قسم الشرق الأوسط كفتردزا ويبدوا أن محضر اللقاء ورسالة المقترحات قد تم تحويلهما بدورهما إلى جوزيف رئيس القسم الأوروبي نفسه حيث يورد النائب فيتشنسكي ملاحظته على الوثيقة.. الرفيق جوزيف ما هو رأيك وبالأخص فيما يتعلق مع حديثنا كربس عن منح مائة رخصة سفر وكيف؟ انتهى.

ماريا أرباتوفا: كانت طرق الهجرة من الاتحاد السوفيتي محفوفة بالمخاطر وكل من سار عليها ارتطم بمتاعب مرعبة من قبل الكي جي بي حتى وصل الأمر أحيانا إلى حد التصفية الجسدية، لا يمكن نسيان ذلك.

[تعليق صوتي]

موقف الاتحاد السوفياتي من تهجير اليهود

في يناير من عام 1942 تأتي الردود المتحفظة للخارجية السوفيتية عبر الرفيق جوزيف والذي يقول في رسالته إن اقتراحات الوكالة اليهودية الفلسطينية لشؤون الهجرة والاستيطان التي قدمها آبشتاين ممثل الوكالة في أنقرة إلى الرفيق فينو برادوف ترمي إلى تحقيق الهدف ذاته الذي تحدث عنه ممثل الوكالة في لندن مع سفارتنا هناك ومن ثم طرحته السفارة البريطانية أمام مفوضية الشعب للشؤون الخارجية في مدينة كويبشيف ويبتغي يهود فلسطين بكل السبل أن يرسلوا إلى الاتحاد السوفيتي إن لم يكن وكيلا دائما لهم فعلى الأقل مفوضا مؤقتا لشؤون هجرة اليهود من الاتحاد السوفيتي إلى فلسطين وقدمت الوكالة أول طلب لها إلى الرفيق مايسكي في لندن لكن الأخير طلب التوجه إلى الحكومة السوفيتية عبر السفارة البريطانية في الاتحاد السوفيتي وفي السادس من نوفمبر عام 1941 طلب بيريه سكرتير السفارة منهم وفي الثامن عشر من نوفمبر طلب كربس منهم أيضا تسهيل سفر اليهود الراغبين في الحصول على تأشيرة سفر إلى فلسطين وذكر كربس أن الحكومة الفلسطينية حددت حصة القادمين إلى فلسطين في الربع الأخير من عام 1941 بعدد 125 شخصا وتود من أجل تنظيم سفر اليهود الراغبين في المجيء إلى فلسطين افتتاح ممثلية لها في الاتحاد السوفيتي وفي السابع والعشرين من نوفمبر من عام 1941 أرسلت جواب إلى بيريه بشأن طلبه وإلى كربس حول هذا الموضوع ووجدنا أنه من غير المناسب مجيء ممثلا دائم أو مؤقت للوكالة لشؤون هجرة اليهود إلى الاتحاد السوفيتي، أما بصدد سفر اليهود من الاتحاد السوفيتي إلى فلسطين فما زال ساريا الأسلوب المرعي للحصول على تأشيرة السفر من الاتحاد السوفيتي بعد تقديم طلب بهذا الشأن إلى هيئة رئاسة السوفيت الأعلى في الاتحاد السوفيتي، أما بصدد السفر إلى كويبشيف من قبل الأشخاص الراغبين في الحصول على تأشيرات السفر البريطانية فقد وعدنا ببحث رغبة السفارة في كل حالة على حدا ومنح الموافقة اللازمة في والفترة من السابع والعشرين من نوفمبر وحتى الوقت الحاضر لم ترد أي طالبات من السفارة بشأن السماح بالسفر إلى كويبشيف.

ماريا أرباتوفا: طبعا كانت هناك مصاعب جمة، لقد كانت القيادة السوفيتية تقف بصرامة ضد هجرة اليهود ومن يفكر في الهجرة كان يواجه معضلات كثيرة، أذكر أنه في فترة العشرينات والثلاثينات كان لي جدان هاجرا إلى فلسطين دون أية مشاكل لكن أحدهما عاد إلى الاتحاد السوفيتي لممارسة ما يخص تطوير الأراضي الزراعية لكن القيادة السوفيتية لم تسمح له بالعودة إلى فلسطين مرة ثانية.

[تعليق صوتي]

تواصل الوثيقة رفض الأسلوب التي كانت تتبعه الوكالة اليهودية لاستدراج الاتحاد السوفيتي من خلال تقديم عروضها التضامنية مع السوفيت في مواجهتهم للألمان، سلمت قرار الاتحاد العام لحزب العمال اليهودي الذي قدمه آبشتاين إلى الرفيق فينو برادوف إلى الرفيق هيلينسنكوف رئيس الصليب الأحمر مع طلب قبول المساعدات الطبية المعروضة بشكل أدوية ومعدات طبية وتبرعات نقدية، كما يرفض طلب إرسال مستشفيات ميدانية إلينا.

دومينيك فيدال: في تلك الفترة شاهدنا في السياسية السوفيتية تعايشا بين سياسية داخلية لقمع اليهود ستزداد قوة من عام ابتداء من عام 1945 أو 1946 وسياسية خارجية ستكون أكثر فأكثر سياسية دعم للقوى اليهودية وقد قلنا ذلك وبالتالي لا يجب أن نبحث برأيي عن أسباب تطور الموقف السوفيتي حيال فلسطين في الوضع السوفيتي الداخلي، بما أنها في الداخل وعلى العكس شاهدنا قمعا متزايدا.

يوري أفنييري: نشأت كراهية بين الصهيونيين والبلشفيين منذ اللحظة الأولى منذ اللحظة التي قامت بها الحركة الصهيونية ومنذ اللحظة التي قامت بها الحركة البلشفية، بالمناسبة كلتاهما قامتا في نفس الوقت، انتقلت هذه الكراهية من جيل لآخر حتى اليوم يوجد صهيونيون قدماء يحملون في دمهم كراهية للشيوعية ويوجد شيوعيون وبالأخص شيوعيون يهود.. القسم اليهودي في الحزب البلشفي كره ولاحق الصهيونيين، عند قيام الاتحاد السوفيتي لوحق الصهيونيون حتى في الجيش وأرسلوا أيضا إلى سيبيريا منذ سنوات العشرينيات الأولى.

كريس دويل- جامعة ورويك- لندن: تاريخ ستالين يظهر عدائه للسامية وأنه قام بإعدام مجموعة كبيرة من اليهود في أرجاء الاتحاد السوفيتي وأنه أبعدهم إلى مناطق يهودية في الاتحاد اليهودي وصنفهم كقومية متعددة الجذور ولم يكن له تاريخ في المواقف الإيجابية مع المجتمعات اليهودية وقد حاول الاتحاد السوفيتي منع هجرة اليهود إلى إسرائيل واعتبر الصهيونية حركة فلسفية منافسة لا يجب السماح بها لأنها تشكل حركة منافسة للحزب الشيوعي نفسه.

ماريا أرباتوفا: لست من مؤيدي مقولة اليهود هم شعب الله المختار لأن هذه الفكرة صهيونية لكن اليهودية كانت القومية الوحيدة التي خضعت للتحديد بالنسبة لدى الانتساب إلى المعاهد والجامعات، مثلا حين عاش جدي في روسيا وكانت آنذاك كل من بلغاريا وبلا روسيا في إطارها، كان هناك مرسوم قيصري بعدم قبول أكثر من 1% من المنتسبين للمعاهد العليا من اليهود ولهذا كان على أجداد اليهود ومنهم أجدادي الحصول على التعليم في أوروبا.

[تعليق صوتي]

إن توجهات الوكالة اليهودية نحو حث الاتحاد السوفيتي بلغة دبلوماسية على إطلاق هجرة اليهود السوفييت نحو فلسطين وما يقابله من تجاوب سوفيتي محفوف بالتردد والتحفظ يبدو شكلا من أشكال النفاق المتبادل لذا كان لزاما علينا رصد وجهات نظر الأطراف الأخرى التي تراقب تلك العلاقة الناشئة وتترصدها وهكذا انتقلنا بالبحث على الجانب الآخر عبر المحيط إلى الأرشيف الأميركي الذي كانت خارجيته بلا شك ترصد بعناية كلا من الحالة اليهودية والسوفيتية وبعد البحث وجدنا بعض الإشارات، وصل إلى وزارة الخارجية في واشنطن بعد انتهاء الحرب تقرير من مصدر سري تشير الوثيقة إلى ضرورة إخفائه إذ تقر الرسالة بأن وضعية اليهود في أوكرانيا سيئة للغاية وأن مسؤولين عن الطائفة اليهودية أكدوا أن عناصر من جماعات وطنية سوفيتية قاموا بمهاجمة وقتل يهود في جنوب أوكرانيا وتلمح الرسالة بأن المعتدين هم مسيحيون وذكرت البرقية أن الحكومة السوفيتية رغم أنها وعدت باتخاذ الحذر ومتابعة هذه التطورات إلا أنها لم تتخذ أي عقوبات ضد المعتدين ولم تفعل أي شيء لإيقاف هذه الاعتداءات.

ليونييد جوخوفيتسكي: طالما نتحدث عن أوكرانيا فقد كانت تحت الاحتلال الألماني وكثير من مواطنيها كانوا يتعاونون مع الألمان، هؤلاء وربما ذويهم شعروا بالذنب لأنهم قاموا بتسليم اليهود للألمان كما أن مواطنين سوفييت خدموا في مؤسسات ألمانية في الدول التي وقعت تحت احتلالهم وهنا أراد ستالين أن يقول إن الحكومة السوفيتية ليست لديها أي سياسة مسبقة تجاه اليهود.

أوليج فيتي: يمكنني أن ألفت نظركم إلى أن عمليات القمع وكذلك ظاهرة معاداة السامية التي بدأت بوادرها بين عامي 1942 و1943 تحت انطباع عدم النجاح في الجبهة وظن ستالين آنذاك أن هذه الخيبة على الجبهة أو الخسارة مردها أن العلوم السوفيتية لم تساهم كما يجب.

يوري أفنييري: بالنسبة للأميركيين وخاصة اللاساميين كانت في أميركا أيضا لاسامية قوية جدا ليست مكشوفة إلى حد كبير ولكنها كانت مخبأة فكرة أن اليهود والبلشفيين متشابهين وبأن اليهود هم من قاموا فعليا بالثورة البلشفية والحقيقة أن جميعهم كانوا يهودا ماعدا لينين وستالين.

[تعليق صوتي]

لم ينل التحفظ السوفيتي تجاه غزل الوكالة اليهودية له من عزمها على مواصلة التقرب رغم الصد الذي تعرضوا له أولا فبعد ستة أشهر من لقاء لندن وبعد بدأ الهجوم الألماني على الاتحاد السوفيتي وردت رسالة من السفير السوفيتي في لندن مايسكي تقول قام بزيارتي اليوم الزعيم الصهيوني المعروف وايزمان حيث جاء يطلب النصيحة فقد نال البيان الذي أصدره يهود الاتحاد السوفيتي لإدانة الفاشية والنازية صدى كبير لدى الأوساط اليهودية في إنجلترا وأميركا ورغب وايزمان في إرسال برقية يعرب فيها عن تعاطفه وتأييده لهذا البيان وسألني هل يستحق الأمر ذلك؟ وقال ألا يثير هذا رد فعل غير مرغوب فيه بسبب الموقف السلبي للحكومة السوفيتية من الصهيونية؟ وقلت له إنني لا أجد مبررا يمنعه من إرسال مثل هذه البرقية لكنني نصحته بالعمل من أجل انضمام منظمات يهودية أخرى إليها وقد أعرب عن ارتياحه وكشف عن تحركات للمنظمات اليهودية في إنجلترا لأجل الرد على اليهود السوفييت.

دومينيك فيدال: لقد كانت فترة صعبة جدا بالنسبة للاتحاد السوفيتي الذي كان تحت وطأت الملايين من الجنود الذين نشرهم الجيش النازي بقوة هائلة وأنت تعلم أنه حتى نهاية 1941 لم يكن معروفا إن كانت موسكو ستنجح في المقاومة وإن لم تكن قوات هتلر ستسيطر عليها وبالتالي كانت توجد إرادة للم الشمل وفي هذا الإطار وبموافقة الحزب الشيوعي السوفيتي بالطبع تم في موسكو تشكيل لجنة يهودية مضادة للفاشية ستلعب دورا مهما في جمع الأموال وحشد الدعم في الغرب للاتحاد السوفيتي.

بول سكام- متخصص في الشؤون الإسرائيلية: لاحظ القادة الصهاينة أنه في مقدورهم تكوين جماعات ضغط في باقي العالم لمحاولة إيجاد كيان يهودي وقد لاحظوا أن الاتحاد السوفيتي واحد من الدول الهامة جدا في العالم وقد بذلوا جهودا مدروسة للوصول إليهم وحاولوا شرح وجهة نظرهم وانطباعهم وأرى أنه كانت هناك مساعي واضحة للتقرب من الاتحاد السوفيتي.

[تعليق صوتي]

ويصل الغزل من قبل وايزمان إلى مداه في الفقرة التالية.. كانت الشكوك تراوده فقط تجاه إمكانية إرسال برقية تحمل توقيعه ومع ذلك فإنه يرى أهمية الرد على البيان السوفيتي فاليهود في إنجلترا لا يسمح لهم بإبداء مواقفهم تجاه الحرب ويعرقل البريطانيون في فلسطين تشكيل قوات يهودية، لا توجد هناك سوى فرقة يهودية واحدة ومن ثم فقد أعرب عن ارتياح كبير لأن صوت اليهود في هذه الحرب تعالى من الاتحاد السوفيتي.

نهاد الغادري: أنا في قناعتي أن اليهودي يعيش دائما الخوف وإذا لم.. يعني إذا لم يشعر بالخوف، إذا لم يكن هنالك ما يخيفه يزداد شعوره بالخوف، يخلق لنفسه شعور الخوف لأنه يعيش به، اضطهاد تاريخي عمره ألفين سنة الآن.

[تعليق صوتي]

وسط أجواء الحرب الصاخبة والتي واصلت شرارتها التطاير في كل أرجاء العالم كان اليهود يواصلون السير بحسب المخطط في اتجاهات متعددة، فهل كان السعي المحموم للفوز بقلب الاتحاد السوفيتي هو الهدف الأوحد؟ هل كانوا غائبين عن لعب الدور نفسه في نصف العالم الآخر القابع خلف المحيط؟ هل كانت الحكومات العربية فاقدة لأية مقومات للإغراء حينها؟ كيف كان اليهود بعد الحرب العالمية الثانية هم الفائز والخاسر الأكبر في آن واحد؟ تمتد رحلتنا وسط الوثائق المتعددة لنواصل تحليل تلك الأيام الصعبة في تاريخنا. حرب سرة.

المصدر: الجزيرة