
ملف تأسيس دولة إسرائيل ج4
– الدور السوفياتي وتمايزه عن الدور الأوروبي والأميركي
– مفاوضات من أجل دولة ثنائية القومية
– تحوّل الموقف السوفياتي.. تقسيم فلسطين
"كل اللذين كتبوا عن الدم والجريمة
في هوامش دفتر التاريخ قالوا:
ومن الحماقة أن يظن المعتدون
المرتدون ثياب شاه، أنهم قتلوا الحنين"
محمود درويش
[تعليق صوتي]
بدأ السوفييت إثر الحرب العالمية الثانية يرشحون أنفسهم كقوة مؤهلة لتقديم الحل العادل لقضية فلسطين من منطلقات متعددة، أولها دورهم الحاسم في دحر قوات ألمانيا النازية وثانيا لكونهم قوة تدافع عن التحرر وتؤيد حقوق الشعوب في تقرير المصير وثالثا لكون الاتحاد السوفييتي يرتبط بعلاقات متوازنة مع الطرفين اليهودي والعربي في فلسطين وغير خاضع لتأثير أحدهما على حساب الآخر بخلاف حالتي بريطانيا والولايات المتحدة الأميركية. ومن ثم فإن طرح فكرة الوصاية الدولية على فلسطين تفتح الباب أمام دور سوفييتي مؤثر على الساحة الدولية وعلى صعيد معالجة قضية فلسطين.
الدور السوفياتي وتمايزه عن الدور الأوروبي والأميركي
[تعليق صوتي]
عجيب هو أمر تلك اللعبة الدولية المسماة السياسة، إنها تتلاعب بالمصائر بحسب أهواء المصالح وتوجهاتها وفي ذات الإطار كانت تلك القصة تسير لتشهد تلك التحولات الدرامية العاصفة بالمنطقة واستقرارها والتي لم تهدأ حتى اليوم وربما لأعوام طويلة قادمة كلما تغيرت الأهواء.
[تعليق صوتي]
أندريه جروميكو هو الشخصية السوفييتية التي لعبت دورا مهما في السياسة الخارجية للاتحاد السوفييتي وخصوصا في ملف القضية الفلسطينية، هو من مواليد الثامن عشر من يوليو/ تموز عام 1909 في بيلا روسيا من أسرة زراعية محافظة وإثر الثورة البلشفية انضم للشبيبة الشيوعية التابعة للحزب الشيوعي وعبر الحزب تلقى تكوينه التعليمي وتخرّج مهندسا زراعيا سنة 1936 كما حصل على درجة الدكتوراه في الاقتصاد من المعهد التابع للأكاديمية السوفييتية التي تعد المدرسة الأساسية لنُخب الدولة السوفييتية، في صحيفة القاهرة المصرية بتاريخ التاسع عشر من أكتوبر عام 1946 متابعة لتطورات الموقف السوفييتي الذي كان يشدد على مناهضة الانتداب البريطاني.
" |
نايجل آشتون- مؤرخ متخصص في تاريخ الشرق الأوسط: الاعتبار الرئيسي للسياسة السوفييتية كان ممارسة سياسة القوى العظمى أي إثارة المشاكل والصعوبات للبريطانيين وإحداث فرقة بين البريطانيين والأميركيين هذا كان الهدف الأساسي للسياسة السوفييتية وأرى أن النتائج الأخرى كانت في الحقيقة ثانوية.
[تعليق صوتي]
تتواصل الرحلة داخل الأرشيف السوفييتي الحديدي الذي يمدنا بالدلائل على أن موسكو كانت تتلمس خيطا رفيعا بين المواقف المتحركة للقوى الدولية المنافسة والطرفين المتصارعين اليهودي والعربي، ففي السادس من مارس من عام 1947 بعث مستشار الخارجية السوفييتي أشتين إلى نائب وزير الخارجية السوفييتية فنشنسكي رسالة سرية تحمل عنوان الموقف الممكن للاتحاد السوفييتي من المسألة الفلسطينية حيث جاء في فقرات هذا القسم من الوثيقة حتى الوقت الحاضر لم يحدّد الاتحاد السوفييتي موقفه من المسألة الفلسطينية وفي سياق النقاش المقبل لهذه المشكلة من قبل الأمم المتحدة فمن الضروري أن يحدد الاتحاد السوفييتي موقفه وقبل أي شيء يجب أن يقف الاتحاد السوفييتي بشكل حاسم مع إلغاء الانتداب البريطاني على فلسطين، فخلال كل فترة الانتداب أي خلال أكثر من ربع قرن لم تتمكن بريطانيا من إقرار النظام في فلسطين ومنع إراقة الدماء ويجب على الاتحاد السوفييتي أيضا رفض أي حديث عن تحويل الانتداب إلى نظام وصاية إنجليزي وفي نفس الوقت لا يُستبعد أن يدور الحديث عن نظام وصاية جماعي سواء من قبل الأمم المتحدة أو من قبل بعض الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن. ولكن إمكانية إقامة نظام الوصاية على فلسطين تجعلنا نصطدم بحالة أن سكان هذا البلد سواء اليهود أو العرب قد نضجوا بدرجة كافية من أجل الاستقلال فلا العرب ولا اليهود سيوافقون على أي نوع من أنواع الوصاية، إذ أنهم يطالبون بالاستقلال ولا يستطيع الاتحاد السوفييتي الامتناع عن تأييد مطلب الاستقلال التام لفلسطين كدولة ويجب أن يكون الشرط الأول الإلزامي لهذا الاستقلال انسحاب القوات البريطانية من هذا البلد ولكن منح فلسطين الاستقلال لا يحل التناقضات اليهودية العربية ومن ثم يجب على الاتحاد السوفييتي أن يدعم الأسلوب الديمقراطي لحل هذه التناقضات وهذا يعني أنه مع الحصول على الاستقلال يجب أن تحصل فلسطين على وضعية ديمقراطية تؤمّن التساوي الكامل والفعلي في الحقوق سواء السياسية أو المدنية لجميع سكان فلسطين، إن إعداد هذا الوضع القانوني ينبغي أن تقوم به الأمم المتحدة والتي يجب أن تكون ضامنة أيضا لتنفيذ هذا الوضع. إن نقل بريطانيا للمسألة الفلسطينية إلى النقاش في الأمم المتحدة يُعتبر بالنسبة للاتحاد السوفييتي ولأول مرة فرصة ليس فقط لطرح وجهة نظره في هذه المسألة بل وللمشاركة الفعّالة في تحديد مصير فلسطين.
نايجل آشتون: في إطار رفع القضية إلى الأمم المتحدة عام 1947 كانت الفرضية التي عمل على أساسها البريطانيون هي التأكيد على أن الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي لا يوافق على هذه القضية وإذا لم يوافق سيكون الشرق والغرب منقسمان ولم تصوت الأمم المتحدة على خطة التقسيم هكذا قرر البريطانيون في الأربعينات.
[تعليق صوتي]
كان أركان وزارة الخارجية السوفييتية قد بلوروا موقفا سوفييتيا واضحا يدعو لقيام دولة موحدة وهنا نتوقف عند محتوى وثيقة أساسية توضح هذا الأمر بشكل حاسم في ثلاثة بنود وهي عبارة عن رسالة بريدية وجهها رئيس قسم الشرق الأدنى بالخارجية السوفييتية ساميلوفسكي إلى نائب وزير الخارجية السوفييتية ياكوف بتاريخ الرابع عشر من مارس من1947 حيث يقول أرسل الرفيق بيروميكو في السادس من مارس من العام الجاري برقية بتوقيع الرفيق مولوتوف موافقته على تشكيل هذه اللجنة، موقفنا من المسألة الفلسطينية في التقرير المعد باسم الرفيق فيشينسكي جرت صياغته على النحو الآتي، يجب إلغاء الانتداب البريطاني لأنه عقبة في طريق حل المسألة الفلسطينية، يجب انسحاب القوات البريطانية من فلسطين لتطبيع الوضع هناك، ينبغي على الأمم المتحدة أن تعد وضعية فلسطين الديمقراطية المستقلة الموحدة والتي تضمن حقوقا متساوية ديمقراطية وقومية للشعبين القاطنين فيها.
ليونييد جوخوفيتكسي- كاتب ومؤرخ: إذا أردنا أن نفهم ما حدث آنذاك ينبغي علينا التفكير ليس باليهود أو الفلسطينيين أو العرب بل بخريطة العالم بعد الحرب العالمية الثانية، فما أن انتهت ورغم من أن تقسيم العالم كان قد بدأ أبانها إلا أنه بعد الحرب أخذت الدول العظمى بتقسيمها وتوزيع مناطق النفوذ فيه.
[تعليق صوتي]
في الثاني عشر من نيسان إبريل من عام 1947 قرر قسم الشرق الأدنى بالخارجية السوفييتية التأكيد على الموقف الرسمي من المسألة الفلسطينية في إطار السعي لاستثمار المد الشيوعي هناك قائلا من الضروري تأييد ودعم مطالب الدوائر التقدمية في فلسطين المتعلقة بتأسيس فلسطين المستقلة الديمقراطية الموحدة التي تؤمّن الحقوق القومية والديمقراطية المتساوية لجميع الشعوب التي تقطنها.
مفاوضات من أجل دولة ثنائية القومية
نعيم الأشهب- الحزب الشيوعي الفلسطيني- رام الله: في شهادة الحزب الشيوعي الإسرائيلي أمام لجنة التحقيق الدولية اللي أوصت بها الجمعية العمومية بعد الجلسة الخاصة اللي عقدتها في نيسان 1947 جاءت اللجنة هون في تموز وقابلها وفد من الحزب الشيوعي الإسرائيلي مشكل من ميكونتس ومن مايرفلنر ومن ولف إيرلخ وطرحوا تصورهم هذا إنه دولة ثنائية القومية.
[تعليق صوتي]
خلال أربعة أشهر من المداولات الطويلة والمريرة التي استغرقتها أعمال لجنة الأمم المتحدة كان المندوب السوفييتي بيروميكو يكتفي بإصدار بيانات سياسية عامة حول جوهر القضية الفلسطينية وأعلن موقفا يقوم على إقامة دولة موحدة بنسبة الثلثين للعرب والثلث لليهود، لكن هذا الاقتراح رُفض من قبل الجانب العربي وهو ما نقلته الصحافة المصرية خلال شهري إبريل ومايو من خلال تغطيتها لأجواء المناقشات التي كانت تجري في الأمم المتحدة ومواقف الأطراف من قضية فلسطين.
ليونييد جوخوفيتكسي: الأدبيات الشيوعية كانت تركز على الانتماءات الطبقية وليس القومية أو الدينية أو الاسمية التي ينتمي إليها الإنسان وهذا موقف يقترب من الإنسان إلى حد ما ولهذا وبغض النظر عما فكر فيه ستالين كان لزاما عليه الدعوة إلى دولة واحدة ولذلك أسس الحزب الشيوعي الإسرائيلي الذي ضم اليهود والعرب معا جنبا إلى جنب.
[تعليق صوتي]
في الأرشيف السوفييتي وضع فريق البحث يده على تقرير قسم الأمم المتحدة بالخارجية السوفييتية والذي يسرد قصة تطور المناقشات حول القضية الفلسطينية داخل أروقة الأمم المتحدة، إذ يقول في الثاني من نيسان/ إبريل عام 1947 طلبت الحكومة البريطانية من السكرتير العام لهيئة الأمم المتحدة أن يدرج قضية فلسطين على جدول أعمال الدورة المقبلة للجمعية العامة بالإضافة إلى عقد دورة خاصة من أجل تشكيل لجنة خاصة حول قضية فلسطين وقد طلبت حكومات مصر والعراق وسوريا ولبنان والمملكة العربية السعودية من السكرتير العام لهيئة الأمم المتحدة أن يدرج في جدول أعمال الدورة الخاصة موضوع إنهاء انتداب بريطانيا في فلسطين وإعلان استقلالها.
يوري أفنييري- مفكر وناشط سلام- تل أبيب: حين تواجدت هنا لجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة كان الشيوعيون في بلادي وفي العالم وممثلو الكتل الشرقية في هذه اللجنة معارضين لفكرة التقسيم، تكلموا عن فدرالية وأمور مشابهة لما يسمى عمليا دولة موحدة وليس دولتين.
[تعليق صوتي]
يواصل التقرير السوفييتي سرد قصة محاولات حل القضية الفلسطينية ذاكرا في الثامن والعشرين من إبريل عام 1947 افتتحت بنيويورك الدورة الخاصة للجمعية العامة المكرسة لمناقشة قضية فلسطين وأنتخب أرانيا ممثل البرازيل رئيسا للدورة ولقد رفضت الجمعية العامة اقتراح الأقطار العربية بشأن إنهاء الانتداب ومنح الاستقلال إلى فلسطين. وفي الخامس عشر من مايو/ أيار صادقت الجمعية العامة على أعضاء ووظائف وصلاحيات لجنة دراسة القضية الفلسطينية وفي أثناء المناقشات في الجمعية العامة أصدر مندوب الاتحاد السوفييتي فقط بيانا سياسيا حول جوهر القضية الفلسطينية وأنتخب لعضوية اللجنة مندوب استراليا وكندا وتشيكوسلوفاكيا وغواتيمالا والهند وإيران وهولندا وبيرو والسويد وأورغواي ويوغسلافيا.
نعيم الأشهب: القيادة الفلسطينية السابقة رفضت أن تقابل لجنة التحقيق الدولية مع أنه في لجنة التحقيق الدولية كان فيه دول صديقة لنا كان يوغوسلافيا وكانت الهند وكانت تشيكوسلوفاكيا، رفضت أصدرت أوامرها بمنع أي مقابلة حتى عصبة التحرر اللي كانت أعلنت إنها راح تقابل عاودت تراجعت على أساس أنه ما بدهاش تعمل انشقاقات في الصف الوطني الفلسطيني في هذه الظروف الحساسة.
[تعليق صوتي]
يواصل التقرير السوفييتي في أول سبتمبر عام 1947 قدمت اللجنة الخاصة تقريرها إلى هيئة الأمم المتحدة وتضمّن التقرير عددا من التوصيات التي صادقت عليها اللجنة الخاصة بالإجماع ومنها إلغاء انتداب فلسطين ومنح الاستقلال إلى فلسطين في أقرب وقت ممكن وتحديد فترة انتقالية وضمان حرية الأديان الثلاثة والأماكن المقدسة إلى أخره. وخلصت غالبية أعضاء اللجنة إلى استنتاج مفاده أن من الضروري تقسيم فلسطين إلى دولتين علما بأن التوصية الأساسية للأغلبية تتطابق مع السيناريو الثاني أي تقسيم فلسطين إلى دولتين مستقلتين وقدمت اللجنة خطتين لبناء فلسطين في المستقبل خطة الأغلبية صادق عليها مندوب كندا وتشيكوسلوفاكيا وغواتيمالا وهولندا وبيرو والسويد وأورغواي وتنص على تقسيم فلسطين إلى دولتين مستقلتين عربية ويهودية موحدتين في اتحاد اقتصادي، وتوضع القدس تحت وصاية هيئة الأمم المتحدة ويعلن استقلال الدولتين بعد انتهاء فترة انتقالية مدتها عامان وتتولى بريطانيا الإدارة في الفترة الانتقالية تحت رقابة هيئة الأمم المتحدة ويُسمح في الفترة الانتقالية بهجرة مائة وخمسين ألف يهودي إلى الدولة اليهودية وفيما يخص الأرض فيجب أن تضم الدولة اليهودية شرق الجليل والسهل الإسرائيلي وقسما كبيرا من السهل الساحلي وجميع منطقة بئر سبع وبضمنها النقب. ويجب أن تضم الدولة العربية غرب الجليل ومقاطعة السامرا واليهودية كذلك الساحل اليهودي الممتد من أشبود إلى الحدود المصرية. خطة الأقلية صادقت عليها يوغوسلافيا والهند وإيران وتقضي بتأسيس دولة فلسطين الاتحادية الموحدة المستقلة المؤلفة من ولايتين عربية ويهودية وعاصمتها القدس وتعطى مسؤولية إدارة فلسطين الانتقالية التي يجب أن تستمر لفترة ثلاثة أعوام هيئة خاصة تعيّنها الجمعية العامة، أما موضوع الهجرة اليهودية في الفترة الانتقالية فتكلف به لجنة خاصة في هيئة الأمم المتحدة يجب أن تضم ثلاثة مندوبين عن العرب واليهود. وفي الثالث والعشرين من سبتمبر عام 1947 أدرجت الدورة الثانية للجمعية العامة القضية الفلسطينية في جدول أعمالها التي أحيلت إلى اللجنة الخاصة حول فلسطين لبحثها.
ليونييد جوخوفيتسكي: من وجهة نظري الشخصية كان موقف تأسيس دولة واحدة لليهود والعرب الفلسطينيين والدروز وممثلي القوميات الأخرى هو الخيار الأسلم، وهذا طبيعي لأن كل الدول المتطورة تمتلك في طياتها قوميات وديانات أخرى لأن التعددية الإثنية تلعب دورا هاما في تحسين وضع هؤلاء معا.
[تعليق صوتي]
لا ندري أكان نجاح غزل الوكالة اليهودية في مقابل فشل الدبلوماسية العربية سببا في أن يُرسل وزير الخارجة السوفييتي الرفيق مولوتوف في الثلاثين من سبتمبر/ أيلول بتلك البرقية إلى نائبه المتواجد في نيويورك آمرا إياه ينبغي عليكم الأخذ بعين الاعتبار أنه عندما اقترحنا على غروميكو في تعليماتي المعروفة لكم السيناريو الأول لحل القضية الفلسطينية بتأسيس دولة واحدة للعرب واليهود فإننا فعلنا ذلك لاعتبارات وأسباب تكتيكية، نحن لا نستطيع تحمل مسؤولية المبادرة بتأسيس دولة يهودية ولكن موقفنا يُعبر عنه بشكل أفضل السيناريو الثاني المتعلق بتأسيس دولة يهودية مستقلة وطالما أنه بعد البحث والدراسة أيدت أغلبية اللجنة تأسيس دولة يهودية منفصلة فعليكم تأييد رأي الأغلبية والذي يتفق مع هدفنا وتوجهنا الأساسي في هذه المسألة.
" |
أوليج فيتي- خبير سياسي ومختص في مسألة الصراع العربي اليهودي: يمكنني هنا أن أتكهن بأن القيادة السوفييتية فهمت آنذاك عدم واقعية وجود دولة مشتركة تضم العرب واليهود، في الوقت نفسه كانوا يظنون أنه مع دعم تأسيس إسرائيل يمكن لهم أن يركزوا على تعزيز مواقعهم وهيمنتهم بشكل أسهل مما كان عليه الحال في منطقة مشتركة ومتحركة.
كريس دويل- جامعة ورويك: أعتقد أنهم كانوا ينظرون إلى الأمر بهدف مختلف وهو كيفية استخدام الوضع لأجل مصالحهم الخاصة لذا سواء أكانت دولة واحدة أم دولتين لم يكن الأمر يهمهم بل ما سيكون دور الدولة أو الدولتين في الحرب الباردة ومن سيتحالف معها وهل سيكون لها روابط مع الاتحاد السوفييتي وهل ستكون قاعدة أمامية لها هذا ما كان يهم وليس الدولة الواحدة أو المقسمة.
[تعليق صوتي]
توضح الوثيقة السابقة أن التوجيهات التي عملت وفقها الدبلوماسية السوفييتية كانت تصدر من وزير الخارجية مولوتوف الذي تشير عدة مصادر إلى ميوله نحو الطرف اليهودي وهو يُعد من أقوى الشخصيات السياسية في عهد ستالين، وقد وُلد مولوتوف عام 1890 في قرية كوكاركا الروسية التي تقع على بعد ثمانمائة كيلومترا شرق موسكو وكان من أوائل نشطاء الحزب الشيوعي وصعد نجمه منذ سنة 1911 عندما أصبح أحد مساعدي ستالين وكان من مؤسسي صحيفة البرافدا، وسُجن سنة 1915 مدة عامين في سيبيريا وعاد سنة 1917 إلى موسكو وكان من أبرز قادة الثورة البلشفية، وإثر وفاة لينين كان من المساعدين المقربين لستالين وانتخب سنة 1926 عضوا في المكتب السياسي للحزب الشيوعي الذي يُعد أهم دوائر القرار في الاتحاد السوفييتي، وفي عام 1930 عيّنه ستالين وزيرا أول إلى عام 1941 عندما أمسك ستالين بنفسه هذه المهمة، وكُلف خلال الفترتين من عام 1939 إلى عام 1949 بمهمة القائم بالعلاقات الخارجية في الاتحاد السوفييتي وكان مولوتوف هو من وقّع عن الجانب السوفييتي ميثاق الهدنة مع هتلر عام 1939.
أوليج فيتي: بالطبع ذلك القرار السوفييتي بخلق قاعدة له في قلب المستعمرات البريطانية ممثلة بدولة يهودية لم يصدر ليس فقط لأن وزير الخارجية مولوتوف كان يرغب بذلك وإنما صدر توافقا مع القدر الذي فهمت به القيادة السوفييتية بأن هذه القضية حيوية لمصالحها وأهدافها.
[تعليق صوتي]
تحوّل الموقف السوفياتي.. تقسيم فلسطين
كان السؤال الذي يلح علينا دائما هو متى كان التغير الحاسم في الموقف السوفييتي من القضية الفلسطينية وجاءت الإجابة التي طال بحثنا عنها بعد ساعات طويلة من العمل داخل الأرشيف السوفييتي حيث يقول تقرير الخارجية السوفييتي السابق في الثالث والعشرين من تشرين الأول أكتوبر من عام 1947 في الثامن والعشرين من أبريل عام 1947 أرسلت إلى غروميكو تعليمات بموضوعات خطابه في الجمعية العامة وأساس هذه الموضوعات هو إن فرض نظام الإدارة الانتدابية في فلسطين عام 1922 لم يصمد أمام اختبار الزمن وطبقا لإعلان الحكومة البريطانية نفسها فقد كان الانتداب حيال فلسطين غير قابل للتطبيق عمليا، إذا ما نوقشت في الجمعية العامة فعلا مسألة إلغاء الانتداب البريطاني في فلسطين فيجب من حيث المبدأ تأييد إلغاء هذا الانتداب، تجب الإشارة إلى أن الشعب اليهودي عانى في الفترة الأخيرة من مصائب وآلام لا حصر لها وينبغي إبداء العناية بحاجات شعب عانى من هذه المصائب مراعاة وجود مشاريع مختلفة لتوطين اليهود أخذ بعين الاعتبار وجود سيناريوهين محتملين، السيناريو الأول تأسيس دولة واحدة عربية يهودية يتمتع فيها اليهود والعرب بحقوق متكافئة وإذا ما بدا هذا السيناريو غير قابل للتحقيق بسبب تدهور العلاقات بين اليهود والعرب فمن الضروري عندئذ طرح السيناريو الثاني أي تقسيم فلسطين إلى دولتين مستقلتين يهودية وعربية وفي حالة طرح موضوع توطين مائة ألف يهودي في فلسطين في أثناء المناقشات فيجب تأييد هذا الاقتراح.
مايكل فيشباخ- مؤرخ متخصص في تاريخ الشرق الأوسط- واشنطن: جاء إعلان بريطانيا في أوائل عام 1947 بالتخلي عن الانتداب على فلسطين وترك مستقبلها بيد الأمم المتحدة ليزيد من فرص الاهتمام الاتحاد السوفييتي بالمسألة الصهيونية والمسألة الفلسطينية، قبل ذلك في العشرينيات تم إرسال وكلاء من الكومنتار في الاتحاد السوفييتي لكي يساهموا في تأسيس الأحزاب الشيوعية في المنطقة ولكن اهتمام ستالين بالمسألة الصهيونية ومستقبل فلسطين نبع من رغبة بريطانيا بالمغادرة واحتمال نشوء دولة مستقلة هنا وطبعا مثَّل وجود دولة يهودية مستقلة وحانقة على بريطانيا احتمال أن تكون حليفة لهم.
ليونييد جوخوفيتسكي: بالنسبة لستالين الذي لم يكن يملك علاقات مع الدول العربية كان تأسيس إسرائيل بمثابة لي ذراع إنجلترا ناهيك عن فرصة انتدابها على ممارستها تجاه اليهود ردا على انتقاد سياسته في أوروبا الشرقية.
[تعليق صوتي]
تعرض الفقرات المتعلقة بالموقف السوفييتي كما ورد في التقرير كيف برّر السوفييت تحول موقفهم من دولة موحدة إلى تقسيم فلسطين. في الثلاثين من سبتمبر أرسلت إلى رفيق فرشينسكي توجهات الرفيق مولوتوف وزير الخارجية السوفييتي بأن لا يعارض رأي غالبية اللجنة حول تقسيم فلسطين كما وافق الرفيق مولوتوف على عدم معارضة التوصيات الصادرة عن اللجنة بالإجماع حول الانتداب ومنح فلسطين الاستقلال إلى أخره. وفي اليوم نفسه أرسل الرفيق مولوتوف توجيهات إضافية إلى وفدنا بشأن القضية الفلسطينية ويتلخص جوهر هذه التوجيهات في أنه بما أن غالبية هيئة الأمم المتحدة دعت بعد الدراسة إلى إقامة دولة يهودية منفصلة لذا يجب على وفدنا أن يؤيد رأي هذه الأغلبية الذي يتفق مع موقفنا الرئيسي في هذه القضية.
نايجل آشتون: ثمة موظف بريطانيا في وزارة الخارجية كتب في مفكرته في عام 1955 متسائل ببساطة كم يكرهنا العرب بعمق؟ فهم لم يغفروا لنا إسرائيل هذا النوع من التفكير في ذلك الوقت في أواخر الأربعينيات والضرر الذي قد يلحق بموقع بريطانيا بالنسبة للدول العربية كان يمثل اعتبارا قويا جدا، أما الاتحاد السوفييتي فبدت توقعاته حول احتمال إنشاء تحالف مع الدول العربية أقل وضوحا بكثير.
ماريا أرباتوفا- كاتبة وناشطة في مجال حقوق الإنسان- موسكو: القيادة السوفييتية تنحاز إلى إسرائيل كونها كانت تراها قاعدة أيدلوجية لها طالما أن نسبة كبيرة من المهاجرين اليهود السوفييت كانوا مسممين بالأفكار الشيوعية وكان هناك أي في إسرائيل يرون العالم عبر البوابة الاشتراكية، لا أقصد أنهم يرتبطون بالعقلية الديكتاتورية السوفييتية بل بالأفكار الاشتراكية ولهذا فإن مساري الضغط على اليهود السوفييت هنا والعلاقة مع إسرائيل كانا يمضيان في اتجاهين متوازيين.
[تعليق صوتي]
الوثيقة السوفييتية تسرد خططها للانقلاب نحو التقسيم عوضا عن الدولة الموحدة حيث تواصل بصدد مناقشة القضية الفلسطينية في اللجنة الخاصة طلب الرفيق فيشنسكي رأينا حول موضوع الفترة الانتقالية وأمدها وحول الهجرة اليهودية إلى فلسطين في أثناء الفترة الانتقالية وعدد العرب في الدولة اليهودية ووضع القدس. وقد أوردنا موقفنا من هذه القضايا في التوجيهات بهذا صدد التي أرسلت إلى الرفيق فيشنسكي بتاريخ الخامس عشر من أكتوبر وهذه التوجيهات هي ينبغي الاستفسار عن رأي اليهود حول جميع قضايا فلسطين المهمة ويجب ضمنا القيام بهذا حول موضوع القدس التي يجب أن يكون لها وضع خاص يضمن مصالح الأديان الثلاثة، يجب عدم الخوف من وجود أقلية عربية كبيرة في الدولة اليهودية بشرط أن تكون نسبة العرب أقل من 50% ومثل هذا الوضع لا يمكن أن يهدد وجود الدولة اليهودية المستقلة لأن القسم اليهودي في سكان هذه الدولة سوف يزداد حتما.
فلاديمير شاجال- مستشرق يهودي- موسكو: كان الاتحاد السوفييتي أيامها معنيا أو مهتما بشدة بأن تقام على أرض إسرائيل أو عفوا يجب أن نقول فلسطين كان مهتما أن تقام دولة يمكن الاستناد عليها لتمرير سياسة اشتراكية والمدهش أن شخصيات كثيرة مثل جولدا مائير أو فيلنر وسواهما من القادة الإسرائيليين كانوا من حملة الأفكار الاشتراكية وهنا ظنوا وهكذا فكر ستالين نفسه أنه وبتأسيس هذه الدولة سوف يستطيع الاتحاد السوفييتي وضع قدم له في الشرق الأوسط.
[تعليق صوتي]
يواصل التقرير تقديم التحول العاصف في الموقف السوفييتي قائلا كما وافقنا على اقتراح وفد كولومبيا بإصدار نداء باسم الجمعية العامة إلى شعوب فلسطين بوضع حد لأفعال العنف وكذلك بتقديم العون إلى هيئة الأمم المتحدة من أجل معالجة قضية فلسطين. وفي ذلك الوقت اختتمت المناقشات حول القضية الفلسطينية وشرعت اللجنة الخاصة بمناقشة مشاريع القرارات التي طرحتها الوفود المختلفة. وسيصوّت وفدنا إلى جانب القرار السويدي الأميركي الذي ينص على أن تؤخذ كأساس للتوصية المبادئ الجديدة الواردة في توجيهات لجنة فلسطين المصادق عليها بالإجماع وكذلك خطة غالبية هذه اللجنة كما أيد وفدنا اقتراح يوغوسلافيا بشأن السماح الفوري لجميع اللاجئين اليهود الموجودين الآن في المخيمات في جزيرة قبرص بالمجيء إلى فلسطين خارج أي نظام للحصص.
أوليج فيتي: لا أعتقد أنه كانت هناك مشاكل في إقناع السوفييت آنذاك بهجرة اليهود إلى فلسطين وكما أعلم فإن ستالين كان يحب قتل أرنبين بحجر واحد ولهذا سعا إلى دعم اليهود بتأسيس دولة إسرائيل وحل المسألة اليهودية داخل الاتحاد السوفييتي وبناء دولة ظن أنها ستخدم موقعا متقدما له يمكنه من الهيمنة.
[تعليق صوتي]
أثمر معسكر البحث في الأرشيف السوفييتي عن عثورنا على رسالة السادس والعشرين من أكتوبر التي بعث بها مولوتوف إلى ستالين حيث تتحدث الرسالة عن الاقتراحات السوفييتية داخل لجنة الأمم المتحدة حول إلغاء الانتداب اعتبارا من أول يناير كانون الثاني عام 1948 وانسحاب القوات البريطانية في فترة لا تزيد عن ثلاثة إلى أربعة أشهر من لحظة إلغاء الانتداب وتمديد الفترة الانتقالية بما لا يزيد عن عام واحد من لحظة إلغاء الانتداب وتسليم إدارة فلسطين في الفترة الانتقالية إلى هيئة الأمم المتحدة ممثلة بمجلس الأمن الدولي بوساطة لجنة خاصة تضم ممثلي الدول الأعضاء في مجلس الأمن ويكون مقر اللجنة في فلسطين حيث يوصي بقيام اللجنة الخاصة بإجراءات ترسيم حدود الدولتين اليهودية والعربية وفقا لقرار الجمعية العامة حول تقسيم فلسطين واختيار مجلس حكومي مؤقت في كل واحدة من الدولتين يمارس نشاطه تحت الإشراف العام للجنة الخاصة على أن يقوم المجلس الحكومي المؤقت في كل واحدة من الدولتين بإجراء انتخابات لمجلس تأسيسي يُعد بدوره قواعد للانتخابات ويضع الدستور وينتخب الحكومة ويشكل الهيئات الإدارية المركزية والمحلية والشرطة التي تشرف عليها لجنة الأمم المتحدة. وتشير الوثيقة إلى أن تلك المقترحات تتطابق بوجه عام مع رأي الوكالة اليهودية.
" |
ليونييد جوخوفيتسكي: بعد كارثة قتل اليهود في ألمانيا غدا واضحا أنه يجب تأسيس دولة إسرائيل حتى يتمكن اليهود من اللجوء إليها في حال تكرار مأساة كتلك التي قام بها هتلر، هذا هو السبب الأول السبب الثاني والذي لا يقل أهمية ولم يتطرق له أحد هو أن كثيرا من العلماء اليهود شاركوا في صنع القنبلة النووية كما أن علماء الذرة من غير اليهود كانوا يكرهون معادي السامية، هؤلاء العلماء شكلوا قوة مؤثرة عالميا على الرغم من أن عددهم ربما يكون مائة أو مائتين أو ثلاثة لكن هذا لم يكن مهما لأنهم هم الذين حسموا الحرب ضد اليابان خلال يومين كما نعلم.
[تعليق صوتي]
في النهاية تظهر رسالة السادس والعشرين من أكتوبر أن الموقف السوفييتي كان يتطور بتوجيه مباشر من جوزيف ستالين السكرتير العام للجنة المركزية للحزب الشيوعي ورئيس مجلس الوزراء حيث كُتبت ملاحظة على الوثيقة، لقد أبلغنا الرفيق بوسكر بيبيشييف بواسطة خط الاتصال الحكومي الخاص بأن الرفيق ستالين موافق، بوتسيروف الثامن والعشرين من أكتوبر، التوقيع مولوتوف.
أوليج فيتي: علينا هنا ألا ننسى أن النزعة القومية في العالم العربي وشمال أفريقيا والشرق الأوسط كانت واضحة ومنظورة انطلاقا من أن هذه الدول كانت تحت الاحتلال الاستعماري من الدول المعادية للنازية والفاشية، انطلق العرب هنا من مسألة أن عدو عدوي صديقي ولهذا فليس غريبا أن يقوم ستالين على خلفية ما كان يحدث في العالم العربي كما أسلفت بأن يعزز مواقعه في فلسطيني داخل أوساط اليهود وبالتالي دعم قيام دولة لهم.
[تعليق صوتي]
كان هذا الموقف الذي يجد دعما قويا من ستالين ومولوتوف لا يلقى القبول من بعض العناصر المتخوفة من مسايرة توجهات اليهود، في الخامس من نوفمبر عام 1947 بعث عبد الرحمن سلطانوف القائم بأعمال البعثة السوفييتية في العراق برسالة إلى رئيسه في قسم الشرق الأوسط بوزارة الخارجية في موسكو جرى تصنيفها في أرشيف الخارجية السوفييتية كوثيقة سرية حيث يقول، تعتبر القضية الفلسطينية في الوقت الحاضر القضية المحورية للحياة السياسية في الأقطار العربية وتعتبر الأوساط العربية الإمبريالية البريطانية عدوا أكثر ضعفا بالقياس إلى الصهيونية لأن الأخيرة تمارس التسلل الاقتصادي للرأسمال اليهودي والرأسمال الأنجلوأميركي الواقف وراءه إلى الأسواق العربية في البلدان المجاورة والسيطرة في وقت قريب على الأردن ومن ثم على لبنان، علاوة على ذلك لا يوجد أي خطر بأنجلزة فلسطين من الناحية القومية إذ ستزول إن عاجلا أو آجلا سيطرة الإمبريالية البريطانية على الشرق أما اليهود فقد استطاعوا بناء مدن كاملة وبلدات كبيرة في فلسطين بإبعاد أبناء البلاد الأصليين من عدد من مناطق فلسطين، إن من شأن إقامة الدولة اليهودية في قلب البلدان العربية أن يشكل تهديدا للأحلام التاريخية للعرب باستعادة الوحدة الاقتصادية والثقافية للبلدان العربية إذ سيتوجب عليهم التعامل بالترانزيت عبر دولة فلسطين اليهودية المعادية. ولا يعارض العرب في ضمان حقوق ديمقراطية متكافئة للسكان اليهود في فلسطين بشرط الإيقاف النهائي للهجرة والمطالبة بإقامة دولة يهودية مستقلة، ويعتقد العرب أنهم إذا لم يقفوا الآن ضد إقامة الدولة اليهودية فسيكون الأوان قد فات بعد هذا.
نعيم الأشهب: طرح الحزب الشيوعي الفلسطيني اللي بقي بس حصرا باليهود، كان بعد الثلاثة وأربعين عمليا بقي حصرا باليهود وكان على رأسه ميكونيتس هذا كان له طرح يقول دولة ثنائية القومية وكان ضد التقسيم لكن هذه الدولة كان يتصورها ثنائية القومية كان يعتقد إنه هذا التجمع السكاني اليهودي في فلسطين أصبح يشكل قومية أو قومية في طريق التكوين صار له اقتصاد مشترك ومزدهر نسبيا ولغة وإلى آخره.
[تعليق صوتي]
الدبلوماسي عبد الرحمن سلطانوف هو من أوائل الدبلوماسيين السوفييت الذين أسسوا العلاقات الدبلوماسية مع مصر وعمل في كل من العراق والمملكة العربية السعودية واليمن وكان من الشخصيات السوفييتية الملمة بالمواقف العربية. وتبدو في رسالته تفاصيل الموقف العربي من القوة المؤثرة في الصراع على فلسطين كما جاء في فقرات من الوثيقة المعنونة رد فعل الأوساط المحلية على موقف الوفد السوفييتي في هيئة الأمم المتحدة بشأن القضية الفلسطينية والتي تقول كانت الأوساط العربية على ثقة من أن الاتحاد السوفييتي لن يوافق على مشروع إقامة الدولة الصهيونية للاعتبارات التالية، كان الاتحاد السوفييتي دوما يلتزم بمبدأ حق تقرير المصير ومساعدة شعوب الشرق المظلومة في نضالها من أجل الاستقلال، أما وعد بلفور فقد نجم عن رغبة الإنجليز في وجود احتياطي صهيوني تحسبا لطوح العرب الجامح إلى الاستقلال، أيّد الاتحاد السوفييتي في هيئات الأمم المتحدة الجمهورية الإندونيسية ومطالبة مصر بجلاء القوات البريطانية وإلغاء المعاهدة الجائرة مع بريطانيا، كانت حكومات الأقطار العربية تعتقد أن الاتحاد السوفييتي سيصوّت دائما ضد الأنجلوأميركيين في أية قضية، كانت الأحزاب الديمقراطية والشيوعية تقف دوما إلى جانب عدم الاعتراف بوعد بلفور باعتباره لعبة إمبريالية ونضال ضد الصهيونية عميلة الإمبراطورية البريطانية والأميركية وأوضحت أن الاتحاد السوفييتي يؤيد العرب ولهذا فإن الأصدقاء أصابتهم الحيرة نوعا ما وهم يتوقعون طغيان الرجعية الداخلية بدعم الأنجلوسكسونيين، إن الخلافات بين الهاشميين في العراق والأردن الذين يريدون ضم فلسطين كلها أو قسم منها إلى الأردن بمثابة خطوة أولى نحو تنفيذ مشروع سوريا الكبرى ومع غيرهما من الأقطار العربية بشأن مستقبل فلسطين تُضعف مواقف العرب وتساعد على خنق الوفاق داخل الجامعة العربية كذلك القرارات حول القضية الفلسطينية غير المقبولة لدى القوميين العرب أو تجزر الحل على مدى سنوات عديدة.
أوليج فيتي: لا أعرف بالضبط حجم المؤيدين للقضايا العربية في فترة تأسيس إسرائيل لكن لا شك كان تأثيرهم لا يُذكر طالما أن الموقف السوفييتي برمته اتخذ المنحى الآخر الذي نعرفه إضافة إلى أن ثمة مسألة أخرى لعبت دورا هاما في تسيير المزاج في القيادة السوفييتية بهذا الاتجاه وهو عدم ارتياح غالبية القيادة السوفييتية للنزعة القومية لدى الزعماء العرب بما في ذلك محاولة دعم بعضهم للألمان وهذا أمر هام لا ينبغي تجاهله.
[تعليق صوتي]
يواصل سلطانوف عرض وجهة نظره في القرار الذي يجب على الاتحاد السوفييتي اتخاذه وسنترك للمشاهد عقد المقارنة بين ما يراه سلطانوف إيجابيا وما يراه سلبيا بشأن أي دور محتمل للاتحاد السوفييتي في إقامة الدولة اليهودية، الجوانب الإيجابية أثار موقفنا تعاطف اليهود في العالم أجمع مع الاتحاد السوفييتي لا سيما في أميركا وفي حالة ابتعاد الدولة اليهودية عن البنوك الأنجلوأميركية ودبلوماسية الدولار فقد يغدو ذلك عاملا يؤدي إلى تثوير الشرق العربي، الجوانب السلبية إن تأييد اليهود قد يبعد العالم العربي عموما عنا يساعد الأنجلوسكسونيين على التواطؤ مع الفئات الرجعية العليا في الأقطار العربية وعلى حساب مصالح السياسة الخارجية للاتحاد السوفييتي يساعد على تشكيل كتلة إسلامية معادية للسوفييت من بلدان الجامعة العربية وتركيا وإيران وباكستان يسهّل على الإمبريالية مهمة قمع الحركة الديمقراطية والثورية، علاوة على ذلك إن الدولة الصهيونية يمكن أن تصبح قاعدة للأميركيين من أجل التوسع في بلدان الشرق، الحكومات العربية فقدت الأمل في دعم الاتحاد السوفييتي ويشجعها الأنجلوسكسونيين في استغلال هذا الأمر من أجل الارتباط مع الأخيرين باتفاقيات معادية للسوفييت بوضوح وتقديم القواعد والموارد الإستراتيجية علنا في حال نشوب الحرب ضدنا هيهات أن يسود في الدولة الصهيونية الشوفينية التسامح العربي المعروف حيال الأمم الأخرى لاسيما إذا ما كان يقودها الزعماء الحاليون للوكالة اليهودية، لم تجد مثل هذه التحذيرات آذان صاغية فقد أعلنت موسكو رسميا قرارها بـتأييد تقسيم فلسطين ومن ثم إقامة الدولة الإسرائيلية انطلاقا من توجهات جيوسياسية كان الهدف إبعاد الإمبراطورية البريطانية من المنطقة وإضعاف القوة الأميركية الصاعدة.
ليونييد جوخوفيتسكي: هذه الشخصيات لم تكن لتؤثر في اتخاذ قرار بخصوص قضايا أساسية بل كانوا ينفذون أوامر القيادة السوفييتية ستالين ثم خورشوف وغيرهما لقد قاموا بعمل ما يخدم المصلحة السوفييتية العليا وتغيرت مواقفهم السياسية في وقت ما تبعا لهذه المصلحة.
[تعليق صوتي]
من الملاحظ أنه لا الوثائق السوفييتية ولا الغربية تشير إلى أن الدول العربية كانت تقوم بأي دور يذكر لدى الاتحاد السوفييتي من أجل التأثير على مواقفه بل لقد سجّلت هذه الفترة أن الدول العربية الأساسية التي كانت تتحرك على الصعيد الدولي في قضية فلسطين كانت علاقتها تتسم بنوع من الصدام مع الجماعات الشيوعية الموالية للاتحاد السوفييتي وهو ما أشرنا إليه سالفا في التقارير البريطانية والأميركية عن المواجهات بين الحكومات في العراق وسوريا ولبنان ومصر وبين الشيوعيين، أوردت مجلة روز اليوسف بتاريخ الثامن والعشرين من نوفمبر عام 1955 مقالة للكاتب المصري أحمد بهاء الدين حيث يسرد سيناريو الاعتراف بدولة إسرائيل وظروف إعلان الاتحاد السوفييتي موقفه من التقسيم ويقول إن أجواء متوترة كانت تسود علاقات المسؤولين السوفييت بالدبلوماسيين العرب في مقر الأمم المتحدة وأضاف أن المندوبين العرب في الأمم المتحدة رفضوا دعوة فيشلسكي وكيل وزارة الخارجية السوفييتية لتناول الشاي في ليلة التصويت على قرار الأمم المتحدة بتاريخ التاسع والعشرين من نوفمبر 1947.
نعيم الأشهب: مندوبين الأنظمة العربية في الأمم المتحدة كانوا يرفضوا أن يتحدثوا مع المندوب السوفييتي وهو يلحقهم نرجوكم اقعدوا فهمونا شو القضية كيف نتعامل معها بدهم إيش.
[تعليق صوتي]
وهكذا يمكن القول إن موسكو كانت تدرس قرارها حول القضية الفلسطينية التي في ظل أرضية متوترة مع الدول العربية ومن ثم فإن الدوائر السوفييتية مثل الدبلوماسي عبد الرحمن سلطانوف كانت مفتقدة لسند يقوي مواقفها داخل الإدارة السوفييتية وفي النهاية كان الموقف الأقوى هو الذي صدر رسميا على لسان أندريه غيرومكو في مقر الأمم المتحدة بتاريخ السادس والعشرين من نوفمبر من عام 1947.
ماريا أرباتوفا: بلا أدنى شك كان هؤلاء مؤثرين في السياسة السوفييتية لكن لا يوجد ما يشير إلى أنهم كانوا متعاطفين مع الإسرائيليين إلى ذلك الحد ليس غيرومكو وليس مولوتوف كذلك.
يوري أفنييري: خطاب غيرومكو أذكر بأنه كالرعد في يوم صاف لم يتوقع أحد ذلك حتى بيوم واحد قبل حدوثه كان ذلك مفاجأة كبيرة.
[تعليق صوتي]
لم تكن تلك هي النهاية وإنما على العكس فقد مثلت بداية لكل ما عاشته وتعيشها المنطقة من توترات وحروب حتى الآن بحسب رأي العديد من المحللين السياسيين وصناع القرار، كيف كانت تلك البداية؟ ما هي أصداء قرار التقسيم في العالميين العربي والإسلامي؟ هل مثل القرار كل ما كانت تبتغيه إسرائيل لإقامة دولة؟ معا نواصل قراءة الأرشيف لاستخلاص أسرار ذلك التاريخ.