الحاج أمين الحسيني ج1
– بدايات الحاج أمين الحسيني
– تعيينه مفتيا للقدس وعلاقته بسلطات الانتداب البريطانية
– الهروب من الإنجليز ومغادرة فلسطين
– استمرار المقاومة واستبعاده من حضور مؤتمر لندن
– حملة التشهير البريطانية ضده
– الحرب العالمية الثانية وأثرها على الحاج أمين
– ألمانيا والاتصال مع الحاج أمين
تتبنى غالبية الدول الغربية قوانين خاصة بحرية تداول المعلومات تنص على رفع الحظر عن وثائقها الرسمية السرية وإتاحتها للاطلاع بعد مرور فترة زمنية تختلف من دولة لأخرى على صدور تلك الوثائق. أرشيفهم وتاريخنا.
[تعليق صوتي]
من هنا بدأت رحلة الأرشيف الوطني البريطاني حيث تستقر الوثائق التي أنهت مهمتها حاملة في طياتها أسرارا دبلوماسية ودهاء أجهزة المخابرات وخفايا التاريخ ومواقف الرجال، جاء الإفراج عن الملفات التي تحتوي على الوثائق الخاصة بالحاج أمين الحسيني حاملا مفاجآت عدة كان أكثرها غموضا وإثارة هو قصة ذلك التعاون بينه وبين الألمان في عهد النازية وعلى رأسهم هيملر وزير داخلية هتلر الشهير وهو التعاون الذي أثمر كما تقول الوسائل عن تلك الخطة التي هدفت إلى إحياء الثورة الفلسطينية أواخر عام 1944 أي في نهايات الحرب العالمية الثانية وهكذا تشابكت خيوط الملف بين أكثر من بلد تحتوي على تلك الوثائق الخاصة بالحدث وبالحاج أمين نفسه وكان ضروريا أن نتتبع قصة الرجل من بدايتها، الحاج أمين الحسيني. من أجل ذلك البحث تجولنا في دول عدة حيث عثرنا على وثائق أخرى تحكي عن الرجل في كلٍ من أرشيف وزارة الخارجية الفرنسية في باريس والأرشيف الوطني الألماني في برلين، حيث كشفت وثائق تلك الدول أفكارا جديدة وتساؤلات أكثر إثارة هذا إلى جانب أرشيف الاتحاد السوفيتي السابق في موسكو والأرشيف القومي الأميركي في واشنطن حيث وردت بعض الإشارات حول الرجل، بحثنا عن الشهود المعاصرين للأحداث وخبراء ومحللي التاريخ العربي عموما والفلسطيني على وجه الخصوص وفي الأرشيف الصحفي حول العالم قرأنا متابعات الجرائد المختلفة لتلك الأحداث التي كان بطلها الحاج أمين الحسيني وموقفها منه حين ذاك، على شبكة المعلومات الإلكترونية طالعتنا أيضا بعض الخفايا والأسرار التي لم تخلو أحيانا من الإثارة والدسائس نحاول قراءة أرشيفهم لإلقاء الضوء على تاريخنا.
في داخل هذا المبنى حيث مقر الأرشيف الوطني البريطاني تقبع العديد من الرسائل والمكاتبات التي تحكي قصة الحاج أمين مع سلطات الانتداب البريطاني إبان الحرب العالمية الثانية، تم الإفراج عن هذه الوثائق عام 2003 أي بعد مضي ما يزيد عن ستين عاما على الأحداث بالرغم من أن المدة القانونية المتعارف عليها للكشف عن الوثائق هي ثلاثون عاما فحسب ويوضح السبب من وجهة نظره السيد محي الدين الحسيني السفير الأردني السابق وزوج ابنة الحاج أمين وهو أحد الشهود الرئيسيين على هذا الملف.
محي الدين الحسيني- سفير أردني سابق وزوج ابنة الحاج أمين: عبارة عن ملفات كانت ستسيء إلى سمعة البريطانيين وهذا ما كانوش بدهم إياه في ذلك الوقت فأجلوها إلى أن جاء بعض السياسيين اللي مش هاممهم هذا الكلام فأفرجوا عنه
[تعليق صوتي]
تبين فيما بعد أن الحظر لا يزال مفروضا على باقي ملف الحاج أمين الحسيني. تعددت المصادر التي تذكر تاريخ ميلاد أمين الحسيني إذ تذكر بعضها أنه كان في العام 1893 أو في العام 1895 بينما تذكر بعض المصادر أنه ولد في عام 1897 وهو ذات العام الذي شهد إقامة أول مؤتمر يهودي عالمي برئاسة الزعيم اليهودي الشهير تيودور هيرتزل، فهل كانت مصادفة أن يرسله القدر في هذا التوقيت؟ أكمل أمين الحسيني دراسته في المدارس الحكومية وتعلم الفرنسية في مدرسة الفرير في القدس، سافر أمين الحسيني في عام 1911 ليستكمل تعليمه في الأزهر الشريف، في عام 1913 أدى فريضة الحج مع والدته ومنذ ذلك الحين وهو يلقب بالحاج أمين، قبل أن يعود إلى القاهرة بدأت الحرب العالمية الأولى فلم يتمكن من استكمال دراسته في الأزهر وإنما أرسل إلى الكلية الحربية في الآستانة ليتخرج منها ضابطا في الجيش العثماني حيث خدم في منطقة أزمير وتزامل هناك مع مجموعة من الضباط العراقيين.
محي الدين الحسيني: وقد تخرج معه من نفس الكلية وهذا مهم جدا أربع من الضباط العراقيين وأسمائهم الرائد فهمي سعيد والرائد كامل شبيب والرائد محمود سليمان والرائد صلاح الدين دباغ.
[تعليق صوتي]
بالطبع وقتها لم يكن أحد منهم يتخيل أين ومتى سوف يلتقون فيما بعد أو أية أحداث يمكن أن يشكلوها معا ولكن بشاعة الحرب التي لم يكن له فيها ناقة ولا جمل كانت على ما يبدو أكثر مما يحتمل الضابط الشاب وهكذا تدخلت عائلته بنفوذها لتمكينه من ترك الخدمة والعودة إلى القدس، كانت تلك السنوات هي الأكثر حسما في تمهيد الأرض لإقامة الوطن القومي اليهودي على أرض فلسطين، ففي التاسع من مايو/أيار عام 1916 ومع قرب انتصار الحلفاء وقع السير ماركس سايكس عن بريطانيا وجورج بيكو عن فرنسا على الاتفاقية الشهيرة والتي عرفت باسميهما.
فلاديمير شاجال– مؤرخ وباحث في الشؤون العربية: سايكس كان مستشارا للحكومة البريطانية لشؤون الشرق الأوسط، كان يعرف تفاصيل هذه المنطقة في الوقت الذي كان لبيكو علاقة وثيقة بالوقائع الجارية فيه.
[تعليق صوتي]
اتفق الاثنان على اقتسام أراضي الإمبراطورية العثمانية المنهارة بين دولتيهما مع منح بعض المكاسب في آسيا الوسطى إلى روسيا القيصرية لضمان مباركة الاتفاقية.
" |
مارك هالتير– باحث في الشؤون الإسلامية: نحن نعلم أنه منذ اتفاقيات سايكس بيكو فان بريطانيا وفرنسا تقاسمتا العالم العربي ولم يكن يوجد مبرر لبقائهما في المنطقة وكان ينبغي مواجهتهما.
[تعليق صوتي]
ولكن بعد قيام الثورة البلشفية في روسيا قامت روتسكي أحد زعماء البارزين للثورة بفضح هذا الاتفاق قائلا أن كل تلك الاتفاقيات السرية مصيرها إلى سلة المهملات وفيما بعد نشرت جريدة المانشستر غارديان البريطانية بعض بنود الاتفاقية.
إيفي شلايم– أستاذ في جامعة أكسفورد: الصهاينة أدركوا أنه إذا كانت حركة التحرير الوطني ضعيفة فإن عليها الاعتماد على قوة عظمى تكون قوية في المنطقة وقد فعلوا ذلك سواء مع الإمبراطورية العثمانية أو الإمبراطورية البريطانية أو الأميركيين.
[تعليق صوتي]
وفي الثاني من نوفمبر/تشرين الثاني من العام نفسه تم إلقاء الحجر الذي خلقت دوامات التي لم يستطع أحد إيقافها إلى الآن وربما لفترة طويلة قادمة، إنه وعد بلفور حجر الزاوية في الصراع العربي الإسرائيلي.
إدجار فلاكر– مؤرخ بالأرشيف الوطني البريطاني: التأثير الوحيد الذي كان لاتفاق سايكس بيكو على مفاوضات وعد بلفور هو ابطائها، فقد كان مجرد عائق بسيط لم يكن العائق ذا الثقل.
[تعليق صوتي]
تعيينه مفتيا للقدس وعلاقته بسلطات الانتداب البريطانية
" |
في الحادي والعشرين من مارس/آذار عام 1921 توفي الشيخ كامل الحسيني الأخ الأكبر للحاج أمين والذي تسلم منصب المفتي من والده وهكذا نادت العائلة الحسينية والقيادات الدينية في فلسطين بتولي الحاج أمين هذا المنصب خلفا لأخيه الراحل وأذعنت الإدارة البريطانية في نهاية الأمر ولكن بعد ممانعة طويلة نظرا للماضي السياسي للحاج أمين.
مارك هالتير: وبصورة غريبة فإن الحسيني تم تعيينه مفتيا للقدس من قبل البريطانيين وهو المندوب السامي البريطاني في فلسطين الذي كان بنفسه يهوديا ويدعى هربرت صاموئيل.
[تعليق صوتي]
في الرابع والعشرين من سبتمبر/ أيلول عام 1928 حاول اليهود إقامة ساتر بين الرجال والنساء أثناء الصلاة أمام حائط البراق أو ما يعرف لديهم باسم حائط المبكى، طالب المسلمون بالالتزام بصك الانتداب الذي ينصّ على عدم تغيير الوضع القائم بفعل الهجرة تدخل البوليس البريطاني لإزالة الساتر فأقام اليهود الدنيا ولم يقعدوها بالاحتجاجات ضد العرب وسلطات الانتداب على حد سواء.
فلاديمير شاجال: حين نقرأ شخصية الحسيني فلا يجب تجاهل أنه كان منتخبا بوصفه رجل إفتاء عظيم، فقد كانت القضية الدينية والدفاع عن الدين الذي يمثله في فلسطين قضيته بالدرجة الأولى.
[تعليق صوتي]
ونشر الحاج أمين دوريات من الشباب المسلم لمراقبة الوضع القائم ومنع اليهود من تغييره، استمرت المناوشات والتوتر بين الجانبين في الأرض الفلسطينية لمدة عام كامل.
رينيه فيلد أنجل– متخصص في العلاقات العربية الألمانية حقبة النازية: كان المفتي الأكبر الحاج أمين الحسيني وقتها قائدا لحركة التحرر العربية وعندما تسلم في العشرينات مهامه القيادية تعاون مع سلطة الانتداب البريطانية لكن آراؤه تشددت وأصبحت راديكالية بعد أن أدرك أن التعاون مع سلطة الانتداب لن يثمر عن شيء وفي المقابل تشددت سلطة الانتداب واتبعت سياسة راديكالية تجاه الحاج أمين.
[تعليق صوتي]
بدأت روح جديدة تسري في الأراضي الفلسطينية وتتسارع الأحداث حتى تقوم المظاهرات مطالبة بتوحيد جهود كافة الفصائل الفلسطينية التي نادت بدورها بالحاج أمين رئيسا لتجمعها تحت اسم اللجنة العربية العليا التي قررت بداية العصيان والتوقف عن دفع الضرائب والإعداد لثورة شاملة مسلحة عهدت قيادتها إلى المناضل عبد القادر الحسيني.
مارك هالتير: لقد تصرف المفتي بشكل سيئ ربما يكون هدفه في البداية صحيحا ومع أنه شكّل حكومة فلسطينية في غزة فان المفتي لم يكن أبدا مؤيدا لاستقلال فلسطين لقد كان يؤيد فكرة سوريا الكبرى التي تجمع فلسطين وسوريا والأردن.
[تعليق صوتي]
في الخامس من نوفمبر/ تشرين الثاني من عام 1936 تصل إلى فلسطين لجنة بيل الملكية لبحث سبل حل التوتر القائم وتقدم لأول مرة اقتراحا بالتقسيم.
هنري لورانس– متخصص في تاريخ الشرق الأوسط: في الخطة البريطانية التي أعلن عنها رسميا كان ينبغي تقسيم فلسطين على دولتين دولة عربية ودولة يهودية، الدولة العربية كان من المقرر أن تسمى سوريا الجنوبية وكان من المقرر أن تصبح لاحقا جزءا من سوريا.
[تعليق صوتي]
وتعلق جريدة المقطم على هذا التقرير قائلة ولا يظن القارئ أن مشروع التقسيم هو مما ارتجلته اللجنة بعد رجوعها إلى لندن من رحلتها إلى فلسطين وشرق الأردن وبعد دراسة ما أرادت درسه، فالمشروع لم يرتجل وإنما حملته اللجنة معها من لندن حينما جاءت.
محي الدين الحسين: طبعا رفض هذا من الجميع بما فيهم حزب الدفاع، أنا أظل أصر على حزب الدفاع في أشياء كان هنا فيها إلى الآن هو رافض لهذا الموضوع لموضوع التقسيم وعادت الثورة من جديد وكان هذا الحكي في أوائل عام 1937 وعدت الثورة على أشدها وقد كان رجوعها تقريبا واضح بأن الحاج أمين الذي أمر به.
[تعليق صوتي]
وتعود الاضطرابات من جديد أثر مقتل المستر اندروز حاكم لواء الجليل على يد مجهولين فيسرع الحاج أمين الذي كان يدعو لقضية بلاده في أثناء رحلة الحج في السعودية بالعودة إلى فلسطين ولكن هل كان الحاج أمين هو الحل المنتظر من الجميع تم التعامل مع تلك الثورة تماما كما تم التعامل مع الانتفاضة فيما بعد وكذلك بدأ الحديث عن تصفية نفوذ القائد وإيجاد بديل أقل تطرفا، ففي السادس عشر من يوليو/تموز من عام 1937 نشرت جريدة التايمز اللندنية مقالا مطولا عن الوضع في فلسطين قالت فيه فشلت الحكومة في فلسطين في بث تأثير توصيات اللجنة الملكية الواضحة حول تصفية نفوذ مفتي القدس والذي تصفه بالحكومة الثالثة لفلسطين إن له تأثيرا معطلا على الرأي العربي في فلسطين أنه من المفهوم أن السلطات تراقبه وسوف تقوم بالتصرف بالشكل المناسب في حال ما قام بأقل حركة معارضة لها، إلا أن الحاج أمين أفندي وهو المتطرف بعنفه سيكون حذرا جدا من أن يتعدى خطوطه.
فلاديمير شاجال: لدى تأملنا ذلك التاريخ نلحظ وجود عمليات قتل واعتداء آنذاك على الرغم من أن مثل هكذا استحقاق كان مشروعا طالما كان صورة لرد الفعل على دعوة أمين الحسيني كرجل دين ضد ممثلي ديانة أخرى.
محي الدين الحسيني: هو لم يكن يكره اليهود كيهود، هو كان يكره الصهيونية واستيلاء اليهود أو الصهاينة على فلسطين، هذا كان يكرهه ويكره كل من يعمل لهذا الاتجاه.
[تعليق صوتي]
وتحت عنوان الرأي العربي المحكوم تواصل التايمز إن دعم المشروع الكتاب الأبيض وحتى يكون له أي تأثير على العرب يجب أن يأتي من العرب أنفسهم وهذا من غير الممكن أن يحدث طالما ظل المفتي على موقفه، في الوضع الحالي حين يحاول أي عربي الدفاع عن القرار فسوف يتهم بالخيانة وبيع نفسه للإنجليز وتعريض حياته للخطر، كانت هتافات الجماهير في تلك الفترة تزأر بحياة الحاج أمين ولكن الإدارة البريطانية كانت قد اتخذت قرارها بالقبض على الحاج أمين، ففي اليوم التالي لنشر المقال وأثناء رئاسته لأحد الاجتماعات في مقر اللجنة العربية تصله الأنباء عن تحرك القوات البريطانية للقبض عليه.
إدجار فلاكر: وقد سمح له البريطانيون بالهرب لأنهم لم يكونوا متأكدين بما يجب فعله حياله في حال اعتقاله لأن الأمر غير واضح بالنسبة لهم في كيفية التعامل مع المفتي إذا ما اعتقلوه.
[تعليق صوتي]
ويشير الأرشيف البريطاني إلى أن الحكومة البريطانية بالفعل لم تكن في حينها وحتى فترة طويلة لاحقة تجمع على رأي الحاسم في كيفية التعامل مع الحاج الأمين كما تخبرنا تلك الوثيقة، في الأول من يناير/كانون الثاني عام 1941 بعثت وزارة المستعمرات برسالة إلى وزارة الخارجية تحتج فيها على تصريح لقائد القوات البريطانية في الهند الجنرال أركيبلد ويفل قال فيه إن الحاج أمين لا يشكل خطر كبير على المجهود الحربي البريطاني خلال الحرب العالمية الثانية، لكنها قالت إنه ينبغي التعامل بحرص مع الحاج الذي قد تؤدي الإساءة إليه إلى نتائج عكسية ليست في مصلحة بريطانيا واقترحت الرسالة نقل التعامل مع الحاج الأمين إلى مكتب الهند لكنها قالت إنه من الأفضل قبل التصدي للحاج أمين أن يتم التعامل مع رئيس الوزراء العراقي رشيد عالي الكيلاني الذي قدم دعما كبيرا إلى الحاج أمين.
محي الدين الحسيني: هو كان بالهند وكان يرى تأثير الحاج أمين بالهند، هو لم يكن يخاف من إنه الحاج أمين يقيم ثورة على الإنجليز بالهند، لا يستطيع الحاج أمين في ذلك الوقت أن يقيم ثورة بالهند ولكن إذا أخذ الإنجليز الحاج أمين واعدموه وأذلوه وقتلوه فإن الهند ستزول وهذا اللي كان يخيف الجنرال ويفل وهذا واضح جدا سياسيا ولذلك طلب بأن لا يُتعامل مع الحاج أمين لا عن طريق الهند لأنه الهند كانت تتأثر جدا لأنه هو الجنرال ويفل كان على رأس الحكم البريطاني في الهند وكان أي شيء صغير عن الحاج أمين تنهال عليه البرقيات والاحتجاجات من الهنود من كبار الرجال في الهند المسلمين وبعض غير المسلمين.
[تعليق صوتي]
كان الحاج أمين في عام 1931 قد دعا إلى عقد المؤتمر الإسلامي الأول في القدس لتوحيد موقف الأمة الإسلامية تجاه الأخطار التي تتهدد الأقصى والمقدسات الإسلامية بسبب الهجرة اليهودية وكان لهذا المؤتمر الدور الأكبر في شهرته وشعبيته الكبيرة في العديد من الأقطار ومن الهند التي حضر علماؤها المسلمون هذا المؤتمر فضلا عن مؤتمر علماء المسلمين الذي عقد بعد نحو عامين وأصدر الفتوى الشهيرة بتكفير من يبيع أرضه لليهود ومنع الصلاة عليه أو دفنه في مقابر المسلمين والتشهير به ويكمل التعليق على الوثيقة السابقة شاهد آخر عاصر الكثير من تلك الأحداث وهو السيد نجم الدين السهروردي المؤرخ العراقي وزوج ابنة رشيد علي الكيلاني.
نجم الدين السهروردي: بريطانيا كانت تنظر إلى الموضوع موضوع فلسطين بنظرة بعيدة وجدية، نظرتهم إلى الحاج أمين الحسيني كانت صحيحة في محلها لأنه الرجل أولا كان هو مفتي القدس ورأيهم في أن الخطورة هي رشيد عالي الكيلاني هذا السبب يعود إلى عام 1936 عندما تقرر حكومة ياسين باشا الهاشمي وكان المرحوم رشيد عالي الكيلاني وزير داخلية تقرر دعم فلسطين ونصرة فلسطين رسما وفي مجلس الأمة.. مجلس النواب العراقي تقرر أن يخصص عشرة آلاف دينار شهريا لنصرة فلسطين، ثانيا فسح المجال أمام المتطوعين والمجاهدين لنصرة القضية الفلسطينية هذا كان بالمقام الأول في نظر الإنجليز إذاً العراق ومنهم رشيد عالي الكيلاني هو اللي يشكل خطورة.
[تعليق صوتي]
الهروب من الإنجليز ومغادرة فلسطين
وبالعودة مرة أخرى إلى قصة هروب الحاج أمين من القدس يحكي في مذكراته بعد دراسة السبل التي ينبغي سلوكها لاجتياز نطاق الجند البريطاني لم تكن هناك سبيل للخروج من أي باب لشدة الحراسة والتفتيش ولم يكن مناص من تسلق أحد الأسوار والهبوط منه إلى الخارج وهكذا كان فقد ربط حبل متين في أعلى سور المسجد الجنوبي، هبطت مع رفيق بواسطته من ارتفاع عشرين مترا حتى وصلنا الأرض وقد رصد صاحب المزرعة سير الجنود حتى سنحت لنا فرصة فخرجنا من المزرعة وهبطنا إلى وادي الربابة ثم صعدنا إلى الحي العربي القائم على جبل الشيخ الثوري حيث كان في انتظارنا أحد الأصدقاء في سيارة أُعدت إعدادا خاصا.
إيفي شلايم: المشكلة هي تزايد دور الحركة الصهيونية في فلسطين وهو ما عارضه المفتي وهو ما أدى إلى صدام مع البريطانيين الذين أبعدوه عن فلسطين.
[تعليق صوتي]
أصدرت حكومة الانتداب قرارا بحل اللجنة العربية العليا وإقصاء الحاج أمين من مناصبه كافة ونفت العديد من رفاقه إلى جزيرة روديسيا في الجنوب الأفريقي. وصل الحاج أمين إلى ميناء يافا وفي جنح الليل استقل قاربا صغيرا ليكمل رحلته إلى لبنان ولكنه لم يجاوز مدينة صور إذ قبض عليه بواسطة قوة خفر السواحل اللبنانية وتم نقله إلى بيروت حيث تعرف عليه مدير الأمن العام مسيو كولمباني.
إيفي شلاتم: ما أن اقتنع الحسيني بصعوبة حل المسألة الفلسطينية والوصول إلى أهداف أعتقد أن بإمكانه استكمال مشروعه مستندا على فرنسا طالما فهم تناقضاتها التي وصلت حد الصدام مع إنجلترا ولأنه كان يعي بعمق افتراق وتصادم سياسات ومصالح هاتين الدولتين فل ابد أنه فكر باستثمار فرنسا لتحقيق أغراضه فبدأ بالتفاوض معها.
[فاصل إعلاني]
[تعليق صوتي]
وتحكي مذاكرات الحاج أمين وبعد مخابرات طويلة بين الفرنسيين والإنجليز حاول المندوب السامي الفرنسي الكوندو مارتل نقله إلى باريس فرفضت وقامت مظاهرات عربية حماسية في بيروت التي بذل زعمائها الوطنيون جهودا مشكورة أدت إلى بقائي في لبنان وإقامتي في قرية الذوق على مسيرة 18 كيلو مترا إلى الشمال من بيروت.
هنري لورانس: يوجد نوع من الأخذ بالثأر من قبل الفرنسيين الذين اتهموا البريطانيين بأنهم ساعدوا الثورة السورية في الفترة بين عامي 1926 و1927 وبالتالي عاملوا البريطانيين بالمثل.
[تعليق صوتي]
وفي مذكراته المنشورة في مجلة أخر ساعة يذكر الحاج أمين فترة بقائه في لبنان وقد كنت لقيت في لبنان كل ترحيب وحفاوة خلال إقامتي به عامين كاملين بعد خروجي من فلسطين وهو ما أتذكره ولا أنساه وأقدّره حق قدْره.
إدجار فلاكر: ما إن وصل المفتي إلى لبنان حتى عقد اتفاقا مع فرنسا لا يمارس بمقتضاه أي نشاط سياسي، بالطبع لم يتم الالتزام بهذا الاتفاق لأن المفتي كان شخصية سياسية وبالطبع لأن له تنظيمه في فلسطين وسوريا ولبنان والذي كان يقوده ويوجهه من مقره في بيروت.
[تعليق صوتي]
استمرار المقاومة واستبعاده من حضور مؤتمر لندن
" |
كان الحاج أمين قد كلف عبد القادر الحسيني باستمرار المقاومة وقيادة جيش الجهاد المقدس، وقتها أصبحت المقاومة تقلق البريطانيين أكثر مما يقلقهم الحاج أمين نفسه كما تذكر جريدة التايمز اللندنية إن القضاء على هذه العصابات المحترفة والتي ليست جميعها تحت سيطرة المفتي ومؤيديه سيتطلب وقتا، إنه من الخطأ الجسيم بل والأعظم أن تُعزل اضطرابات في فلسطين على أنها قضية بين العرب واليهود فقط، الثورات تكلف أموالا ومهما اختلفت التقديرات حول قوة الثورة ومقدار التبرعات والإتاوات المفروضة على السكان المحليين فإنه من الواضح أن الثوار تمكنوا من المحافظة على الساحة ليس فقط باعتمادهم على المصادر العربية وتشرح مجلة التضامن في المقال المنشور عام 1985 ظروف تلك الفترة قائلة أواخر عام 1938 تشددت القوات البريطانية في قمع الثورة الفلسطينية التي كان يقودها المفتي الأكبر الحاج أمين الحسيني من مقره في لبنان بعد أن لجأ إليه وأقام في قرية (كلمة غير مفهومة) المارونية وفي الوقت نفسه كان الجو الدولي ينذر بالأخطار والمتاعب فهتلر كان مصمم على بلوغ غايته في بناء النظام الأوروبي الجديد الذي تقف ألمانيا على قمته وموسوليني كان يكرر وعوده للإيطاليين بتحويل المتوسط إلى بحيرة رومانية. في أواخر نوفمبر/تشرين الثاني من عام 1938 دعت بريطانيا لعقد مؤتمر المائدة المستديرة في لندن لبحث الحل النهائي لفلسطين ولم تقم بدعوة اللجنة العربية العليا أو الحاج أمين كما ورد في عدد التايمز بتاريخ الرابع والعشرين من نوفمبر عام 1938 قال السيد ماكدونالد وزير الخارجية في رتبه على مجلس العموم إن الدعوات أرسلت إلى المندوبين لحضور المؤتمر الخاص بفلسطين لمصر وللسعودية والعراق والأردن والوكالة اليهودية وهناك اتصالات مع اليمن، أما بالنسبة إلى الفلسطينيين فالوفد الفلسطيني سيمثل الاتجاهات الفلسطينية كافة أو شخصيات مستقلة، أما بالنسبة إلى المفتي فإن حكومة بريطانيا ستقوم بإعطاء تصاريح للمبعدين والملاحقين من قبل السلطات البريطانية إذا ما أشار المندوب السامي إلى ضرورة ذلك. توالت برقيات الاستنكار حتى من أعضاء حزب الدفاع وآل النشاشيبي بل وتعالت بعض الأصوات البريطانية معترضة كما ذكرت التايمز في اليوم التالي مباشرة، قال السيد بيمونت إن هناك فرصا ضئيلة للحل إلا إذا تم تعديل الانتداب وإن عدم حضور المفتي إلى المؤتمر القادم لن تكون بداية ناجحة، تفهّم البريطانيون الحملة ولكنهم أصروا على استبعاد الحاج أمين ففوض ساعده الأيمن جمال الحسيني ليكون بديلا له ونشرت صحيفة المانشستر غارديان بتاريخ الثامن والعشرين من نوفمبر عام 1938 أسماء الوفد العربي المقترح للمؤتمر.
فلاديمير شاجال: من الجدير هنا الانتباه إلى قضية هامة فصعوبة حل هذه المشكلة كامن في التوتر الإثني الديني، فلسطين شكلت مركزا للديانات الثلاث ولهذا فربما يكون الإنجليز قد ظنوا أن بإمكانهم استثمار هذا لتجسيد مصالحهم الخاصة كإمبراطورية عظمى بعد الانتداب عليها.
[تعليق صوتي]
تواصل مذكرات الحاج أمين، قدمت بريطانيا خطة جديدة لسياستها في فلسطين تتخلص في منحها استقلالا مشروطا تسبقه فترة انتقالية تواصل خلالها بريطانيا سلطة الانتداب وتتواصل الهجرة اليهودية حتى يصل عدد اليهود إلى ثلث السكان وبعد العديد من المداولات أصدرت الحكومة البريطانية الكتاب الأبيض الجديد بعد أن أضافت الكثير من التعديلات على ما تم الاتفاق عليه.
إيفي شلايم: ما ميّز المفتي أنه كان رفضاويا فهو لم يقبل بالحقوق السياسية لليهود في فلسطين وبريطانيا كانت مضطرة للتفاعل مع المجتمعين والمندوب السامي البريطاني تقدم بالاقتراح تلو الآخر من أجل الحل لكنه رفضها جميعا.
مارك هالتير: إن مفتي القدس كان رفض تقسيم فلسطين وكان يوجد يهود يرفضون التقسيم أيضا بل كانوا يريدون كل فلسطين والمفتي أيضا يريد نفس الشيء.
[تعليق صوتي]
بدأت بريطانيا حملة جديد ضد الحاج أمين كما يبين مقال التايمز بتاريخ الثالث من يناير/كانون الثاني من عام 1939 إذ يقول العنوان حملة ضد المفتي والمزيد من العرب يؤيدون فخري بك ويتحدث المقال عن قيام فخري بك النشاشيبي بتوجيه رسائل إلى ملوك كلا من مصر والعراق والسعودية واليمن وأمير الأردن يشير فيها إلى أن النضال الوطني في فلسطين والذي يحظى برعايتهم قد أصبح يتهدده خطر الانقسام نتيجة للاقتتال بين العرب ويشير المقال إلى معاوني المفتي معترضا على أفعالهم الإرهابية هل كانت هذه بداية لتلك الفكرة التي لم تختمر في أذهان الساسة البريطانيين سوى بعد ذلك بعامين وفي أثناء إقامة الحاج أمين في العراق لاستكمال تلك الحملة ضده كما ورد في الوثائق البريطانية المفرج عنها حديثا؟ في السابع من يناير عام 1941 بعثت وزارة الخارجية برد إلى وزارة الدفاع تبلغها بالموافقة على الاقتراح بتبني مخطط حملة التشهير ضد الحاج أمين وتحدثت عن عملية مراجعة كانت تجري للمخطط في تلك الأثناء وأرسلت نسخة من الرسالة ذاتها إلى وزارة المستعمرات وفي الرابع عشر من يناير أرسل جورج لويد وزير المستعمرات موافقته على البدء بالحملة وتكشف رسالة مكتب المستعمرات إلى وزارة الخارجية في الحادي والعشرين من يناير عام 1941 طبيعة عدد من الإشاعات التي تضمنتها حملة التشهير بالحاج أمين بناء على نصيحة من خبير استشراق بريطاني يدعى البروفيسور راش بروك وليامز فلإشاعة الأولى تتحدث عن الخلاف بين الحاج أمين ومؤيديه حول قبوله الدعم المادي من إيطاليا التي تعتبر عدوة للإسلام لاحتلالها ليبيا.
" |
نجم الدين السهروردي: المفتي كان عنده علاقة مع السفير الإيطالي في بغداد ومو بس أنه كان يموله إنما هو كان يحدد المبلغ اللي يحتاجه من إيطاليا ومن ألمانيا لأعماله النضالية في فلسطين، حتى في إحدى الوثائق عندما طلب زيادة ينص أنه هذا مبلغ كبير ذاك اليوم لكنه أعطوه ما أراد، فالإنجليز أرادوا أن يشوهون سمعته باعتبار أنه عميل لأنه الحاج أمين الحسيني مفتى القدس من أين يأتي بالمال الذي يمكنه لمقاومة الاحتلال البريطاني.
[تعليق صوتي]
أما الإشاعة الثانية فتتناول عدم رضى الأوساط المحيطة بالحاج أمين عن أسلوب تعامله التسلطي وتصرفه بالأموال التي تصل إليه دعما لقضية فلسطين بلا حسيب أو رقيب واستخدامها لتقوية مركزه الشخصي ورفضه تقديم المساعدة سوى لأتباعه الذين يطيعونه طاعة عمياء.
محي الدين الحسيني: وموضوع الحاج أمين بأنه كان يتصرف بالأموال هو كان المسؤول عن التصرف في هذه الأموال ليس لحسابه الشخصي، الحاج أمين كان من أغنى سكان فلسطين العرب وكان يصرف ثلاث أرباع ماله الشخصي على هذه القضية.
نجم الدين السهروردي: ما سمعنا ذات يوم أنه لا هو ولا أبنائه ملك أرض ولا ملك أي شيء في حياته، بالعكس كان الرجل زاهد وكان عايش على يعني ما يدخل من أموال من العائلة نفسها حسب علمي الشخصي.
محي الدين الحسيني: ولم يكن يتعامل أتباعه مع جماعته اللي يشتغلوا معه بصلف وعنفوان، لم يكن من طبعه، هو كان رجل دين وكان لديه تواضع رجل الدين دائما.
نجم الدين السهروردي: كان يتصرف يعني رئيس عائلة، رئيس عشيرة، رئيس حزب، كان كل شيء بأيده هو اللي يقرر، هو اللي يعني الخطط هو اللي يسويها، اتصاله الشخصي فكان عمله يختلف عن بقية الأعمال اللي كان إيلها مثلا أحزاب أو إيديولوجيات أو حكومات.
محي الدين الحسيني: طبعا أنا لم أكن معه في كل اجتماع ربما كان يحدث أشياء تجعله يزعل أو ينرفز لأسباب ويثور على واحد معين لغلط قام به ربما كان هذا يحصل ولكن هذا ليس هو طبع وعادة وحياة الحاج أمين الحسيني.
[تعليق صوتي]
في الثاني والعشرين من مايو/ أيار عام 1939 وقعت إيطاليا مع ألمانيا اتفاقية المحور لتنضم للحلف الألماني الياباني القائم منذ عام لمواجهة وحصار الأممية الشيوعية حسب وصف روبين تروب وزير الخارجية الألماني.
روبن تروب: لقد أصبح المثلث المكون من برلين وروما وطوكيو رقما صعبا في العالم كله، إن النضال ضد الأممية الشيوعية ليس موجها ضد أي شعب بعينه ولا يهدف إلى استبعاد شعب من المشاركة لكن نضال القوى الثلاث والذي لا يتزعزع ضد الشيوعية سيؤدي إلى تعميق الصداقة بينها باستمرار.
[تعليق صوتي]
الحرب العالمية الثانية وأثرها على الحاج أمين
وفي الثالث من سبتمبر/ أيلول من العام نفسه بدأت الحرب العالمية الثانية بعد أن أعلنت بريطانيا وفرنسا الحرب على ألمانيا ردا على غزوها لبولندا، أدت هذه الظروف الدولية الجديدة والتحالف بين بريطانيا وفرنسا إلى تضييق الخناق على المفتى وتحركاته واتصالاته في لبنان.
هنري لورانس: يمكن القول أن المقاومة الفلسطينية قد تم سحقها تقريبا آنذاك من قبل البريطانيين، حيث سقط آلاف الضحايا وحدث قمع رهيب جدا ثم اندلع نوع من الحرب الأهلية داخل فلسطين وعندما غادر المفتي لبنان عام 1939 كان عنصرا فاعلا على الساحة السياسية العربية أكثر منه عنصرا فاعلا على الساحة الفلسطينية.
[تعليق صوتي]
في الخامس عشر من أكتوبر عام 1939 وصل الحاج أمين إلى بغداد وقام باستقباله رئيس الديوان الملكي رشيد عالي الكيلاني ثم زار الوصي على العرش الأمير عبد الإله ورئيس الوزراء نوري السعيد وهكذا اعتبرته الحكومة ضيفها، التقى الحاج أمين في العراق مع زملائه القدامى بالجيش التركي والذين أصبحوا يشكلون ما يعرف بالمربع الذهبي وهم العقداء الأربعة صلاح الدين الصباغ، كامل شبيب، فهمي سعيد ومحمود سلمان.
إدجار فلاكر: رشيد عالي لم يكن أبدا الرجل الذي يتكتم معارضته لاتفاقية العراق لعام 1930 فقد كان يرى أن العلاقة بين العراق وبريطانيا يجب أن تقوم على الندية، لقد أراد للعراق أن يكون مستقلا ولهذا السبب كان الضباط أو المربع الذهبي أو رجال صلاح الدين الصباغ يثقون برشيد عالي لذلك كان المفتي أيضا يثق به في ذلك الوقت.
[تعليق صوتي]
تطورت الأحداث بسرعة فائقة في العالم وفي العراق، فقد أدى الضغط البريطاني إلى قيام حكومة نوري السعيد بقطع العلاقات مع ألمانيا كنوع من التضامن مع بريطانيا، ثم ما لبثت تلك الوزارة أن قدمت استقالتها في مارس/ آذار من عام 1940 وعهد إلى رشيد عالي الكيلاني تشكيل الوزارة الجديدة التي فوتت الفرصة على البريطانيين وأذاعت خطابها في السادس من أبريل لتؤكد فيه التزامها بالحياد التام في الحرب. كان الموقف الدولي يزداد تعقيدا والحرب تزداد شراسة في أوروبا، ففي غضون أشهر قليلة اجتاحت ألمانيا كل من الدانمارك والنرويج وهولندا وبلجيكا ولوكسمبورغ ووصل القائد الداهية وينستون تشرشل إلى رئاسة الحكومة البريطانية وسرعان ما سقطت باريس في أيدي الألمان حيث التقطت لهتلر الصور أمام برج ايفل الشهير وبدأت حرب المدن بين ألمانيا وبريطانيا ثم دخلت إيطاليا الحرب إلى جانب حليفتها ألمانيا وقامت بغزو اليونان وبدأت الضغوط البريطانية مجددا على العراق لقطع العلاقات مع إيطاليا بدورها، في تلك الأثناء لم تكن بريطانيا قد نسيت عدوها القديم الحاج أمين الحسيني وهو ما يكشف عنه الأرشيف البريطاني من خلال قراءتنا لهذه الوثيقة، في الثالث عشر من ديسمبر عام 1940 كتب المندوب السامي البريطاني لوزارة الخارجية رسالة بالشفرة أبرز فيها خطورة الحاج أمين على المجهود الحربي البريطاني في الحرب العالمية الثانية ودعا إلى إلقاء القبض عليه وقال أن إلقاء القبض على الحاج أمين وإبعاده من العراق قد يكونان مجازفة كبيرة بالنسبة إلى الحكومة العراقية واقترح أن تقدم الحكومة البريطانية بمساعدة الحكومة العراقية على مثل هذه الخطوة وتشجيعها على اتخاذها بتوفير ذريعة معقولة من أجل القيام بهذه الخطوة والذريعة برأيه هي الإشاعة المزعومة التي روجتها الأجهزة البريطانية عن أن الحاج أمين يتلقى دعما ماليا من إيطاليا الفاشية وأن المسلمين لا يتحملون قبول الحاج أمين للدعم من أعداء الإسلام، لكنه حذّر من خطورة الأمر بالنسبة إلى الحكومة العراقية التي قد تواجه هبة شعبية دفاعا عن الحاج أمين وفي حال موافقة الحكومة العراقية على طرد الحاج أمين إلى سوريا ونظرا إلى أنه لم يكف عن النشاط ضد بريطانيا من دمشق أيضا اقترح المندوب تكليف غلوب باشا قائد القوات البريطانية في الأردن بالتصدي للقافلة التي ستنقل المفتى من بغداد إلى دمشق واختطافه ثم نقله بواسطة طائرة عسكرية إلى قبرص واحتجازه هناك حتى إشعار آخر لكن استدرك ذاكرا أنه في حال موافقة الحكومة العراقية على الخطوة سيكون من الأفضل إبعاد الحاج أمين إلى البحرين حيث سيجرى التعامل معه هناك بشكل أسهل وأنهي رسالته بتوضيح أنه عندما يتحدث عن الحاج أمين يقصد أيضا ذراعه اليمنى جمال الحسيني وجميع المرافقين لهما ولكن هل وقف الحاج أمين ينتظر مصيره صامتا إزاء تلك الحرب الشعواء ضده؟ بعض الوثائق البريطانية قد تمدنا بالإجابة. في التاسع من يناير عام 1941 وردت إلى الخارجية البريطانية رسالة من السير (كلمة غير مفهومة) السفير البريطاني في أنقرة يقول فيها أنه علم من مصادر بالغة السرية أن أمين توفيق شاكر السكرتير الشخصي للحاج أمين ينوى السفر عبر تركيا إلى كل من روما وبرلين بهدف الحصول على إمدادات إضافية من السلاح والمال للمفتى ويقترح السفير في رسالته أن تخاطب حكومة جلالة الملكة الحكومة التركية لتعلم إياها أن رحلة السكرتير تهدف إلى حشد الدعم للعناصر المعادية لبريطانيا في العراق وتطلب منها أن تمتنع عن منح شاكر وثيقة الدخول إليها.
ألمانيا والاتصال مع الحاج أمين
فيبرمان- أستاذ التاريخ المعاصر بجامعة برلين: رأت بعض المؤسسات في الرايخ الثالث إمكانية للاستفادة من المفتي وتوظيفه لصالحها هذا ينطبق على وزارة الدعاية والتحريض التابعة لغوبلز وكذلك على جهاز الأمن التابع للوحدات الخاصة (S S) وعلى وزارة الخارجية الألمانية لكن قضية العرب بقيت حتى عام 1937 بل وحتى عام 1939 واندلاع الحرب العالمية تحظى بأهمية تذكر في مخططات النازيين.
محي الدين الحسيني: الآن كان العراقيون ومنهم حتى نوري السعيد وهو رئيس الوزراء، طلب نوري السعيد شخصيا قال للحاج أمين أنا لا أستطيع أن أتصل بدول المحور لأننا رسميون ولأن مازلنا تحت التأثير والضغط والسيطرة البريطانية بكل الطرق الحقيقة ولا نستطيع الاتصال بالمحور، فلما لا تقوم أنت بهذا الاتصال وكان رأي رشيد عالي الكيلاني وطه باشا الهاشمي الذين كانوا مقربين من الحاج أمين أكثر أيضا بأن يرسل الحاج أمين ولا يظهر بأنه العراقيين عم بيعملوا علاقة مع ألمانيا، بيخافوا أنه إنجلترا تغضب على الحاج أمين مغضوب عليه على أي حال.
بيتر هاينة: كانت ألمانيا قبل بدء الحرب تظهر تعاطفاً دون أن تبدي استعدادا جديا لدعم الحسيني وكان يقال بصراحة إن ألمانيا حريصة على الحفاظ على علاقات طيبة بإنجلترا، لذلك فإنها لن تشارك في أي جهود عسكرية أو أي جهود أخرى للحسيني ضد بريطانيا في فلسطين ولن تدعمها وقد تغير الموقف بعد انطلاقة الحرب.
رينية فيلد أنجل: لم يكن العالم العربي من ضمن أولويات ألمانيا في تلك الفترة، إذ مثلت الحرب في الشرق شرق أوروبا أهم هدف للنازية آنذاك وما كان العراق إلا ساحة صراع هامشية وكما ذكرت لم يكن تحرير العالم العربي أو استقلاله من بين أهداف الألمان، لربما كانت الحال ستتغير لو انتصرت ألمانيا في الحرب، لربما كانت ستسعى عندها للسيطرة على منابع النفط في الشرق الأوسط لكن تلك كانت أهدافا مؤجلة، أي أنه لو انتصرت ألمانيا في الحرب لحظي العالم العربي باهتمام أكبر عما قبلها لكن ليس من منظور التحرير بل من منظور احتلاله من قبل الجيش الألماني والنازيين.
[تعليق صوتي]
وفي الأول من فبراير وصل الرد إلى الخارجية من سفارتها في تركيا وكان صادما إذ قرر أن الحكومة التركية لا توجد لديها معلومات وتعتقد أن سكرتير المفتى قد مر عبر تركيا بدون توقف، لم يكن أمين توفيق شاكر هو الاسم الحقيقي لسكرتير المفتى ولكنه كان عثمان كمال حداد.
نجم الدين السهروردي: الحقيقة حداد كان سكرتيره الشخصي للحاج أمين الحسيني وهو من أهل طرابلس بلبنان وكان رجل مثقف واعي ومتحمس وعنده قدرة حقيقة على الإقناع.
محي الدين الحسيني: كل مرة يسافر باسم وبجواز سفر مختلف كانت تسهل هذا لأنه كانت العراق الحكومة العراقية تعطيه الجوازات في كل الحالات بالأسماء اللي يريدها وهذا واستطاع أن يذهب إلى تركيا مع أنه تركيا كانت تحاول أن تمنعه ولكن كان يدخل سرا بأسماء مختلفة كما قلنا وعن طريق تركيا.. أولا كان يقابل السفير الألماني في تركيا ثم طلب منه السفير الألماني بالذهاب إلى ألمانيا فاستشار الحاج أمين الحسيني في بغداد ووافق وذهب إلى ألمانيا.
نجم الدين السهروردي: لذلك كُلّف بأن يتصل بدول المحور لجس نبض المحور من موقفهم من مستقبل البلاد العربية فيما إذا انتصرت ألمانيا بالحرب.
رينية فيلد أنجل: لم يكن بالنسبة إلى المفتى من خيار آخر بعد أن أختار النهج الراديكالي، لكن قوى أخرى كانت موجودة في فلسطين آنذاك اتخذت موقفا نقديا من النازية، كان هناك معارضون رفضوا نهج المفتي الراديكالي وقالوا أننا لن نتمكن من إقامة دولة فلسطينية مستقلة عبر هذا الطريق وأن التعاون مع ألمانيا النازية لا يساعد على ذلك أبدا خاصة وأن لألمانيا أهدافها الإمبريالية هي الأخرى.
فيبرمان: الحسيني كان رجلا قوميا يسعى لإقامة دولة لشعبه وكان يبحث عن مساعدة للقيام بذلك وقد لجأ إلى ألمانيا الهتلرية طلبا لمساعدتها وبالتالي أصبح متعاونا معها.
إدجار فلاكر: هو كان يتعامل مع الأمر من وجهة النظر الفلسطينية والعراقية وكان يثق بأن إقامة علاقات وطيدة مع ألمانيا وإيطاليا سوف يفيد المصالح العربية على المدى الطويل وخاصة إذا انتصرت إيطاليا وألمانيا في حربهما ضد بريطانيا.
بيتر هاينة: كانت هناك أوساط مؤيدة للعرب في العاصمة الألمانية آنذاك أما وزارة الخارجية والتي كانت مسؤولة بشكل مباشر عن هذه العلاقة فكانت على موقف يتسم بالتحفظ الشديد تجاه ما جاء سكرتير الحسيني به.
[تعليق صوتي]
حقبة مضطربة تفاعلت خلالها معارك القوى الاستعمارية التقليدية مع العملاق النازي الذي يحاول الخروج عن الطوق المفروض من حوله، كيف تقاطعت هذه الأحداث الدولية الهادرة مع السياسات العربية في خطاها الأولى؟ ما هو الدور الذي لعبه الحاج أمين مع رشيد عالي لمحاولة النجاة من تلك العاصفة التي تتلاعب بسفينة العراق في بحر صراعاتها المحمومة؟ نواصل البحث في أرشيفهم لإعادة قراءة تاريخنا.