لجوء يلد آخر
– رحلة الرحيل واللجوء
– آلام المخيمات واللاجئين
– مخيمات اللاجئين والظروف الاجتماعية الصعبة
– حلم العودة
– الحرب العراقية والقضية الفلسطينية
– إبداعات الألم
[تعليق صوتي]
هذا شاطئ لا يشبه غيره في شيء كان ذات تاريخ بعيد صخبا لا ينتهي من المراكب والبحارة والجيوش، من هنا من مدينة صور اللبنانية المثقلة بأمجادها العريقة انطلقت عبر مياه المتوسط حضارات أثّرت وأثرت ثم اندثرت وعندما ينكفئ شاطئ صور على نفسه اليوم ينتهي في بعض ما ينتهي إليه عند حدود مخيم الرشيدية للاجئين الفلسطينيين، لا تبحر اليوم عبر أمواجه الهادئة سوى أحلام يونس سليم العاروقي اللاجئ الفلسطيني الذي لا تفصله عن أرضه من هذا المكان أكثر من سباحة بحر لكنها رحلة تخترق سنوات عمره الست والخمسين ولا تتحقق. يروي أبو غازي محطات طريق اللجوء الطويل الذي انتهى في هذا الزقاق الضيق مع فلسطينيين كثيرين يقاسمونه المصير في مخيمات الشتات، نكبة 1948 هجرت أهله من بئر السبع في فلسطين التاريخية إلى مخيم المغازي في قطاع غزة ونكسة 1967 طاردته لاجئا إلى الأردن وأحداث أيلول رحّلته مصابا من عمان إلى بيروت قبل أن تتكفل الحرب اللبنانية بملاحقته من مخيم إلى آخر حتى استقر في الرشيدية أبا لسبعة أطفال مسكونا بالشوق إلى عودة تتأجل منذ أكثر من نصف قرن، في حديثه إلينا وهو يستقبلنا في بيته تتبدى معاناة اللاجئ الفلسطيني حين يصبح حتى اللجوء في حاجة إلى وثيقة تثبته، لا البلد الذي يستضيفه اعترف بإقامته فيه ولا الوثيقة المصرية مكنته من عبور المعابر ولا وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين الأونروا أغاثته بالتسجيل لا بل إن المفارقة تصل حد العبثية حين يحصل على ترخيص لأسرته بالعودة إلى غزة موقع من سلطات الاحتلال الإسرائيلي فتوصد دونها أبواب الحدود العربية المحكمة الإغلاق.
يونس العاروقي: 1970 دخلت إلى لبنان من الأردن عبر اتفاقية القاهرة فبقيت في لبنان وتزوجت في لبنان وأنجبت أولادي السبعة في لبنان إلى أن صُدِمت في الـ1995 عندما أرسل لي الأهل تصريح زيارة لزوجتي وأولادي جميعا إلى قطاع غزة وهذا التصريح موجود ولكني فوجئت بأنه إسرائيل توافق بعودة أولادي وزيارتهم إلى الأرض المحتلة ولكن العرب ما ساعدوني للدخول وللوصول إلى أرضنا، أولادي إلى أرضهم يعودوا كان متوقف على تأشيرة دخول وبالتالي بين رفض السلطات اللبنانية بإعطاء إقامة للأولاد ورفض السفارة المصرية إعطائي تأشيرة لدخول زوجتي وأولادي للذهاب والعودة إلى الأرض الفلسطينية أصبح منتهي هذا التصريح وغير إمكانية العودة.
[تعليق صوتي]
حالت بعض الأختام بين أسرة أبي غازي والعودة وتحول الأختام ذاتها اليوم بين ابنه غازي وزيارة الأسرة في لبنان، تمكن غازي بعد لأي من الحصول قبل سنتين على ترخيص باستكمال دراسته العليا في روسيا البيضاء لكنه اليوم لا يجد سبيلا لقضاء عطلة بين أهله ولن يجد بعد سنتين سبيلا للبقاء في تلك البلاد بعد انتهاء دراسته.
يونس العاروقي: عندي أنا ابن بيدرس هندسة الآن في بيلاروسيا ولكن قبل ما يذهب إلى بيلاروسيا كان إليه قصة مع الأمن العام هون حيث ألقي القبض عليه لعدم وجود هوية إليه ونتيجة هذه إلقاء القبض عليه لعدم وجود هوية وسجنه في سجن رومي والأمن العام اللبناني طلع من لبنان ذهب ليدرس إلى بيلاروسيا مع عدم العودة الآن أصبح إليه سنتين غير قادر إنه يزور أمه وأخواته وأهله لعدم قبول الدولة اللبنانية منحه تأشيرة زيارة دخول إلى أهله من شان يزروهم ويرجع أصبح محكوم الآن حتى بعد انتهائه الدراسة الآن ماذا مصيره؟ عندما ينتهي من الدراسة من بيلاروسيا أين يذهب علما إن بيلاروسيا نفسها بعد انتهاء دراسته لن تبقيه على أراضيها ستطلب منه المغادرة إلى أين؟
[تعليق صوتي]
إلى أين؟ سؤال جوابه مؤجل منذ حين من الدهر عند محدثنا وعند كل المنتظرين من حوله في المخيم، نرافق يونس العاروقي إلى الشاطئ الذي أصبح ملاذا دائما للتأمل والذكريات يستكمل حكايته المريرة عن فقدان الأوراق الثبوتية وهو وضع شاذ يعيشه خمسة آلاف فلسطيني في مخيمات لبنان فحسب، يعرف أبو غازي جغرافيا حياته جيدا ويسخر منها بمرارة إنها تبدأ من باب المخيم الذي لا يستطيع أن يعبره بحكم افتقاده أوراق الهوية إلى هذا الشاطئ الذي يمر بعد أميال قليلة بساحل غزة حيث يلح عليه كلما وقف هنا حلم متجدد.
يونس العاروقي: أنا عندما بنزل على البحر أتأثر أكثر من أي إنسان ممكن ينزل على البحر من شان يتفسح ويشم هوا أنا بأشعر أنه هذا البحر هو صلة اتصال بيني وبين الأرض وبيني وبين الأهل اللي يبعدني مسافة قليلة عنهم وقد يكون فيها أمي أو أخوي أو أحد من أقاربي قاعد على نفس المنطقة في الشط ولكن بيفصلني عنه شيء يفصلني عنه عدو مدجج بيفصلني عنه الأوراق اللي مش قادرة توصلني إنه أنا حتى أولادي يشوفوا أهلهم وهي شغلة بسيطة جدا تُمنح في أي مكان ولكن إحنا محكوم علينا نعيش حتى بلا أوراق ثبوتية.
[تعليق صوتي]
ومن قال إن البحر لا يحمل الرسالة تتبعنا الحلم على ساحل المتوسط من شاطئ مخيم الرشيدية جنوب لبنان حتى شاطئ غزة فإذا الموج القادم من بعيد ينتهي عند أقدام هذا الرجل الذي لم يمل انتظار شقيق له فرقت بينهم رحلة اللجوء والمخيمات منذ أربعة عقود، أبو إبراهيم شقيق أبي غازي مازالت في الذاكرة بقية من صور باهتة لطفولة جمعتهم قبل تفرق الشمل حيث أخذ أبو غازي طريق الشتات وظل أبو إبراهيم ووالدته وبقية أخوته يتنقلون بين مخيمات القطاع حتى استقروا في مخيم المغازي وهو واحد من مخيمات غزة التي يمتد فيها مشهد أسقف الصفيح بحرا بلا نهاية، كان أبو إبراهيم دليلنا للوصول إلى منزل العائلة ويُعرف اليوم بمنزل الحاجة أم يونس، مازال الفناء الصغير يتسع لأجيال اللجوء المتعاقبة ومازالت أم يونس محور الجلسة وذاكرتها اليقظة تحتفظ بكل تفاصيل الرحيل الطويل وتنتظر أكثر من عودة في آن أن تعود إلى بئر السبع التي لا ترى عنها عوضا وأن يعود أبو غازي ابنها إلى أحضانها.
أم يونس العاروقي: والله ولدي مشتاقين له قد إيش والله إخوانه الصغار بيقولوا يا أما إحنا بدنا نشوفه الصغار إخوانه إليه فيهم والله ما شافه أجه وهو جاي زلمة معه أربع سنوات ما شافه وإخوانه الصغار اللي هم ما واعين يقولوا بدنا نشوف يونس وأقول لهم إن شاء الله بيصير حل أو تصريح أو حل ولا هالغائبين لحالهم يعودوا وهاي إلى الحين بيجي عشرين سنة ما لاقيته ولا شفته وإن شاء الله يا أما أنا نطلب الله إنا نشوفه الله يا أما يرضى عليك ويخليك وإلينا قد إيش مشتاقة لك يا يونس والله يا يونس مشتاقة لك قد ما في الدنيا تراب ومشتاقة لك لكن بأقول الأمهات زايي كلهم كل الأمهات زايي وجيب كل الناس يا رب والله يرضى عليه والله يسلمه ويهدي البال يا رب ويجي ويشوف أمه يا رب قبل ما تموت يا رب وإيش بدنا نسوي.
[تعليق صوتي]
لا تعرف أم يونس أين تقع أوسلو لكن وهم السلام جعلها يوما تحس بأن ابنها وأحفادها سيقرعون الباب فجأة عائدين، بذلت الأسرة جهودا مضنية حتى اقتلعت ترخيصا لأبي غازي وأبنائه بدخول القطاع عام 1995 قبل أن تتبخر أحلام سلام لم يأت إلى غزة وحدود لا تفتح في وجه أبي غازي في لبنان ومصر ولم يبق بعد ذلك على الجانبين سوى الشوق والانتظار.
إبراهيم العاروقي: يا يونس والله قد إيش عشنا مع بعضنا وقد إيش أنا مشتاق لك ما يعلم إلا الله والله لو أدفع كل الأثمان ولحظة واحدة أشوفك بتكفيني لأنه أنت الوحيد اللي شفتك من الأخوة الكبار وأنت الإنسان اللي شعرت فيه إنه إلي أخ أكبر مني مسيطر على وبيحن على فالشيء اللي زي هذا ربنا يتممه لأنه لحظة اللقاء تبعتنا لا يمكن تقدر بثمن والله إنها لحظة كويسة والله يا يونس أنا مشتاق لك اشتياق هو رب العالمين اللي يعلم فيه.
[تعليق صوتي]
" |
عندما تودع أم يونس وعائلة العاروقي تشعر أنك ابتعدت ولكن لم تغادر، إنها امتداد لقصص مخيمات غزة المزدحمة بمليون ومائتي ألف لاجئي يشكلون أعلى نسبة كثافة سكانية في العالم وهي كذلك في مخيمات سوريا والأردن ولبنان ومن أبرز شاهد على تلك المخيمات غير مخيم عين الحلوة المتواري شرقي مدينة صيدا في الجنوب اللبناني، لا تحتاج قصص اللاجئين في عين الحلوة إلى مقدمات غير أن ما تقودنا إليه فاطمة داود محمد يصل حد الفجيعة إنها قصة شقيقها صابر، عندما يتحالف التهجير مع غربة المكان مع المرض النفسي يتشكل مفهوم متفرد للحياة ويتحول العالم الرحب إلى قفص بلاستيكي لم يعد في الأصل للعيش الآدمي هنا ما من يد تمتد إلى صابر غير يد شقيقته فاطمة.
فاطمة داود محمد – لاجئة بمخيم عين الحلوة: أجي أبوي بده يخدوا على الحكيم قال له يا أخي هاي بده حكيم نفساني أبوي ما بيعرف حكيم نفساني كان زلمة كبير وأنا كنت صغيرة يعني أنا عم بأحكي لك من وأنا صغيرة معرفوش يعالجوه عند حكيم نفساني لوصل هالمواصيل هاي بس وصل لها المواصيل هاي ما حدا عالجه مفيش أجانب يعني بالأخر عند ما تعب منيح أجت الأجانب سامع بس أجت الأجانب بده يخدوه لبرة وشافوا حالته قالوا بيطيب أجه أبوي الله يرحمه كان زلمة كبير وخرفان ما كان يبعته لبره خاف عليه ومن هين كمان ما حدا عم بيعالجوا هيك ما حدا بيحكيه هاي مثل ما شايفه ما حدا عم بيطل عليه، الأجانب بيجيوا بيشوفوه بيطلوا بس ما فيه مساعدات منهم مفيش اللي هلا أنتم يمكن اللي اهتميتم شوي به قد إيش تيجي له مساعدات اللي بيفتحوا له فرن واللي يفتحوا له دكانه اللي عم بيسعدوه بإيشي إلا صابر قلت له ليه صابر يهودي هاي طيب لو فتحتوا له دكانه عاش من وراها وبأبيع أنا بيعيش طول عمره بهالمشروع هاي.
[تعليق صوتي]
ينحدر أصل الأسرة من الخالصة قضاء صفد في فلسطين التاريخية، هُجِرت عام 1948 واستقرت في مخيم النبطية الذي دمر مع بداية الحرب اللبنانية أواسط سبعينيات القرن الماضي قبل أن ينتهي الرحيل فيما يعرف اليوم بتجمع العودة الذي يلاصق مخيم عين الحلوة، تعيش فاطمة مع ابنتيها وشقيقها صابر في هذا المكان منذ أكثر من ربع قرن تقول إنها كثيرا ما سعت إلى إثناء صابر عن سجن القفص الذي اختاره لنفسه إلا إنها تستدرك متسائلة عما يميز بين سجنه ومسكنها فعندما تنهال عليها المياه في المواسم الممطرة ويهتز سقف الصفيح الصدئ تتحول الغرفة الوحيدة إلى بركة ماء عائمة تتجمع فيها مياه المجاري الأسنة ولا مغيث، تكابد فاطمة واقعها وحيدة تحمل قصة صابر وجعا يتكرر مشهده أمامها عند كل صباح وتحمل فلسطين في ذاكرتها حلما بعيدا يكاد يتوارى تحت ركام شظف معركة العيش المستمرة دون هوادة، كثيرة هي قصص المعاناة في مخيم يحمل الحلم الكبير في اسمه يقدر أعضاء لجنة تجمع العودة عدد القاطنين فيه بما يزيد عن ثلاثة آلاف شخص، لا يتمتع التجمع بأي شكل من أشكال الاعتراف لا من قِبَّل السلطات اللبنانية ولا من قِبَّل الأونروا، قبل أكثر من عقدين من الزمن نبت تجمع العودة فجأة من رحم الحرب اللبنانية محتميا بمخيم عين الحلوة فرت إليه أكثر من ثلاثمائة وستين عائلة قادمة من مخيمي النمطية ثم تل الزعتر الذين عصفت بهما الحرب، أطلقوا عليه اسم العودة آملين أن يكون المحطة الأخيرة قبل فلسطين لكن الانتظار عندما يطول والأمل عندما تطاله شوائب الحسابات السياسية في عواصم الصقيع يحولان أسقف الصفيح في المخيمات إلى لهب من الغضب والاحتقان، لا تملك لجنة المخيم مفاتيح الحل لطابور المشاكل والشكاوى لكنها تسعى إلى استيعاب ثورة المخيم بهدوء وصبر.
أم شريف- لاجئة بمخيم عين الحلوة: إنه إحنا إلينا لجنة إحنا لا مخيم لا إيشي لسه إحنا قاعدين بكره يمكن يطردونا بنصار في الشوارع مضبوط ولا لا أنا وجوزي وولادي تسعة مش هيك تسع أنفس.
عبد الدايم الصماري: صحيح بأعرفهم بالواحد.
أم شريف: مضبوط ولا لا؟
عبد الدايم الصماري: صحيح.
أم شريف: بس عندي الكبير أنا شو بيصاب براسه استنيت لهاي الشمس أقل شي بتأذي لي ابني لأن ما فيه عظم برأسه.
عبد الدايم الصماري: بده زرع نخاع.
أم شريف: عارف كيف بده زرع عظم برأسه السنة اللي بدي أدخله بالجامعة بدي خمسة آلاف دولار عرفت كيف ابني الثاني 44 قطب في بطنه شو كمان بده يشتغل بعد (كلمة غير مفهومة) والله العظيم قالوا بالأخر تقول لي وقفت لك الإعاشة.
لاجئى بمخيم عين الحلوة: النفسية تعبانة كثير من جميعه قلة أشغال عند العالم قلة شغلات كثيرة بس بدنا شيء على الأرض بدنا شيء على الأرض نفس الشيء جاي تشوف مأساة العالم هاي من بين واضحة زي الشمس.
أم شريف: إذا بنروح إحنا نشتغل بنمسح بمدرسة قد إيش أسوي لك إياها عرفت كيف إحنا من علينا يعني ما بيتعرفوا علينا عرفت كيف يعني مش مضمونين يعني اللبنانية اللي بتمسح معنا مضمونة بس إحنا كأنه فلسطينيين مش مضمونين إن إشتغلنا اليوم نقبض ما إشتغلنا اليوم ما فيه إلينا وهي شهرين نقبض عرفت كيف، اللبناني مثلا مضمون بيطلع له بس إحنا كأنه فلسطينية إذا ما إشتغلنا هذا النهار مش جابرك علينا إنه ما فيه هذا وضعنا إحنا هون هيك.
[تعليق صوتي]
لا ينفرد تجمع العودة بوضعه المأساوي عن مشهد المخيمات في لبنان لكنه يزيد عليه بأنه واحد من بين عدد من التجمعات التي تعيش على هامش واقع مهمش أصلا لاثني عشر مخيما معترف بها لدى وكالة الغوث الإونروا، منذ نكبة 1948 استقبل لبنان موجات متتابعة من اللاجئين الفلسطينيين من مئة ألف لاجئ غداة قيام إسرائيل إلى أربعمائة ألف اليوم اضطروا للبقاء على مضض في بلد يضيق بهم، لكن حساسية الوجود الفلسطيني وإرث الحرب المريرة وحالة الفزع التي تثيره قضية التوطين لا تمنع رجلا مثل النائب اللبناني مروان فارس من أن يفتح الأبواب المغلقة التي تحجب معاناة اللاجئين في لبنان، يدرك هذا السياسي الذي يلقب أيضا بالنائب الفلسطيني في البرلمان اللبناني بأن حربه ليست يسيرة إنه يحاول أن يقلب معادلة خصومة القائلة بأن تحسين أوضاع اللاجئ المعيشية تقتل فيه رغبة العودة إلى فلسطين فهو لا يجد تفسيرا لطابور من القوانين تمنع الفلسطيني من العمل بأكثر من سبعين وظيفة في لبنان ولا يمتلك بيتا بل ولا حتى أن يثبت جدار آيلا للسقوط في المخيم.
مروان فارس- رئيس لجنة حقوق الإنسان بالبرلمان اللبناني: نحن عملنا اقتراح قانون بمجلس النواب بأنه حق الشعب الفلسطيني العائلة الفلسطينية أن تتملك شقة بلبنان قامت القيامة ولم تقعد في لبنان هنالك بعض أصوات يرفضون إنه تملك الفلسطيني شقة بلبنان طيب يا أخي طيب الفلسطيني إذا تملك شقة هذا يمنع على الفلسطيني أن يحلم بالعودة إلى غزة ويافا وإلى القدس إلى مكان ولادته، الشعب الفلسطيني في المخيمات في لبنان يعيشون في ظروف الفلسطينيون يعيشون في ظروف صعبة جدا ممنوع يدخلوا كيس باطون يعني تراب حتى يعمروا بيت ممنوع يعني يعملوا ليس هنالك حق للفلسطيني بالعمل في لبنان بالطبع يعني هذا مأساة يعني حتى في الدول العربية لا يمكن أن تكون المأساة الفلسطينية مأساة مستمرة في المخيمات ولذلك يعني لابد من تحسين أوضاع الفلسطينيين والتمسك بحق العودة هالمسألتين يعني متلازمتين تلازما كليا بنتمسك بحق العودة للشعب الفلسطيني ولكن بالوقت ذاته هذا الشعب الفلسطيني له حق بالحياة الكريمة.
[فاصل إعلاني]
مخيمات اللاجئين والظروف الاجتماعية الصعبة
[تعليق صوتي]
بعد أكثر من نصف قرن من الانتظار تبدو المخيمات عالما مغلقا متروكا لمصيره وهذا المصير قد يكون فقرا مدقعا أو بطالة شاملة أو مرافق غائبة وقد يكون أيضا كما جاءنا الجواب هنا في مخيم برج الشمال قرب مدينة صور جنوبي لبنان انتشار مرض الثلاسيميا، إسراء تنتمي إلى الجيل الرابع للجوء في المخيم يعكر طفولتها مرض الثلاسيميا الذي يعاني منه أيضا ثلاثة من أشقائها، في العاشرة من العمر لا تعرف إسراء طريقا في المخيم غير ذلك الذي يؤدي إلى عيادة وكالة الغوث يأخذ المرض منها طفولتها ويأخذ من والدها ما يجمعه من راتب هزيل.
طبيبة بوكالة الغوث: الحمد لله هلا الوضع منيح يعني بس بدنا ننتبه لأنه الالتهابات وشرب السوائل والجفاف لأي سبب من الأسباب نقص السوائل بتخلي الحالة إنه تصير عندها فلازم ننتبه لهدول الشغلتين عشان نحافظ على وضعه إنه يكون مستقر وثابت لو كانت الأعراض أكثر حدة وأكثر قسوة بترجع بتجيبها وبنشوفها لكن هلا الحمد لله أحسن حال.
[تعليق صوتي]
لا يرتبط مرض إسراء الوراثي مباشرة بوضعية اللجوء من وجهة النظر الطبية لكنه نتيجة مباشرة لانغلاق عالم المخيم حيث تتقوقع الأسر على نفسها ويكثر زواج الأقارب، يشعر أبو أشرف والد إسراء بذنب يلاحقه أنه أنجب أبناءه مرضى يحمل سؤال مستقبلهم هاجسا ملازما لفكره كثيرا ما يأخذه الخيال أن ابنه الأكبر هيثم وابنته الصغرى زهراء وقبلها فادية ثم إسراء هناك يمرحون في موطنه بين حقول بلدة الناعمة في صفد لكن عنف الواقع يطرد الحلم لا يريد أبو أشرف أن ينسى الناعمة لكن مرض أبنائه لا يترك في الذاكرة شعورا.
أحمد صالح رميض – لاجئي بمخيم برج الشمالي بصور: والله بتعذب كثير لما أروح على المستشفى بدي أخد تحويل من الأونروا بعد ما أخد التحويل بدي أنزل على المستشفى بدي أنتظر شي ساعة ساعتين لحتى يدخلوا لي الولد وبس أدخله وأرجع أجي بدي أجي أفتل بالمخيم هون بعديها في الجامع أو في شي حتى ألاقي واحد أو واحدتين دم يعني بأتعذب كثير بأقعد أفكر كيف أنا الأولاد هم بكرة بس يكبروا شو بصير فيهم يعني بكره قدامي أنا بأكبر معدش أقدر أعيلهم كيف بيتعالجوا أفكر بهم كثير والله.
[تعليق صوتي]
يبتلع الزقاق واحدة من قصص التي لا تنتهي يعج بها مخيم برج الشمالي هذا الذي يعتبر عمره من عمر اللجوء تقريبا فقد تأسس مع وصول أولى موجات المهجرين نهاية أربعينيات القرن الماضي هنا تتعاقب الأجيال لكن التاريخ يظل يراوح مكانه، تاريخ اللجوء الفلسطيني هو أيضا تاريخ وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين الأونروا زرنا مقرها العام في لبنان حيث يواجه القائمون عليها ملف أكثر مخيمات الشتات دقة وصعوبة، السيد زفين بيرتلسان نائب مدير أونروا لبنان ينظر بالكثير من الاحترام إلى ماضي الوكالة وبكثير من التفاؤل لمستقبلها أيضا يزين باب مكتبه ملصق يقدم الحل البديهي لوقف معاناة اللاجئين لكنه لا يريد للتخمينات السياسية أن تتخطى حدود باب المكتب.
" |
زفين بيرتلسان: نحن لا نعد اللاجئين الفلسطينيين للعودة هذه ليست مهمتنا نحن نؤمن خدمات فقط، إننا نعمل على أن نوفر لهم تعليما جيدا باعتباره وسيلة تؤهلهم للعيش في محيط أفضل وكما تعلمون فإن التعليم كان دائما أولوية لدى المجتمع الفلسطيني وهذا الطموح نواكبه هنا في لبنان مثلا 50% من ميزانية الأونروا تذهب إلى التعليم لوحده وقد يطرح السؤال وماذا بعد؟ إنه إعداد للمستقبل فالمؤكد أن مجتمعا مؤهلا ومتعلما يمكنه أن يطور ظروف حياته أيا كان شكل ذلك المستقبل ليست لنا مهمة سياسية وهذا ليس دورنا.
[تعليق صوتي]
لم تثر أي من وكالات الأمم المتحدة المختصة جدلا حولها مثلما فعلت الأونروا لكن الخلافات حول ظروف تأسيسها نهاية عام 1949 لا تحجب دورها المحوري في إغاثة ملايين اللاجئين الفلسطينيين، كانت جزءا من المشهد دائما وصانعة له في كثير من الأحيان وهي تحصي اليوم ما يزيد عن أربعة ملايين ومائة ألف لاجئ فلسطيني تقدم لهم خدماتها في نحو خمسين مخيما بمنطقة عملياتها في الضفة الغربية وقطاع غزة والأردن وسوريا ولبنان، في قطاع غزة حيث يوجد المركز الرئيس للأونروا تنتشر ثمانية مخيمات يقطنها ما يزيد عن تسعمائة وعشرين ألف لاجئ أما في الضفة الغربية حيث عدد اللاجئين يفوق الستمائة والستين ألف نسمة فإن الأونروا توزع جهدها على 19 مخيما، في الأردن ورغم أن عدد القاطنين بالمخيمات يستقر في حدود ثلاثمائة ألف إلا أن عدد المسجلين لدى الأونروا يقارب المليون وثلاثة أرباع المليون لاجئ، في سوريا يفوق عدد اللاجئين الفلسطينيين الأربعمائة وعشرة آلاف نسمة يقيم ثلثهم تقريبا في عشرة مخيمات أما في لبنان فإن النسبة الأكبر من اللاجئين تتجمع في المخيمات الإثنى عشر المتبقية بعد تدمير أربعة مخيمات خلال الحرب.
زفين بيرتلسان: هناك فكرة خاطئة أن ميزانية الأونروا تتناقص والصحيح أنها في ازدياد، حقيقة الوضع القائم هو أن الاحتياجات تتزايد أسرع من التمويل هذه هي الفجوة خذ لك مثالا نسبة التزايد السنوي لعدد الطلاب في مدارس الأونروا هو بحدود عشرة آلاف كل عام وهذا بسبب التزايد السكاني والتغير الديمغرافي فعشرة آلاف طالب سنويا تعني أن نبني المزيد من المدارس وأن نوفر عددا أكبر من المربين وما إلى ذلك من الخدمات التربوية فلابد من تلبية هذه الاحتياجات كما يجب أن نكون في مستوى التوقعات أيضا من النواحي الطبية والاجتماعية هذا تطور طبيعي لمجتمع قائم ومتغير وكل هذه الخدمات تتطلب مالا.
[تعليق صوتي]
المال هذا ما لم يبخل به المانحون منذ ما يزيد عن نصف قرن لكن الاتجاه الصحيح للحل سيظل حتى إشعار آخر الرقم المفقود في المعادلة، هجروا ونزحوا أما الجذور فباقية هناك في فلسطين وهنا في المخيم في ديوانية آل رباح أشهر مضافات مخيم عين الحلوة جنوب لبنان يعاد رسم مجالس حطين قرية المروج الخضر غرب طبرية يحرص القائمون على الديوانية على جعل مساء الجمعة موعدا أسبوعيا لأهالي حطين في المخيم تتواصل من خلاله الأجيال وتترسخ تقاليد المضافة التي كانت تلعب دورا اجتماعيا لا غنى عنه في إدارة شؤون البلدات والمدن الفلسطينية، تحول هذه اللقاءات بين ذاكرة المخيمات والنسيان وتذكرهم باستمرار بأن الطريق التي لا تؤدي إلى العودة هي طريق خاطئة.
جمال رباح – لاجئي بمخيم عين الحلوة بجنوب لبنان: مازلنا نحلم إحنا كمان ونعمل على هذا الحلم وهذا الحلم كمان مورثينه لأبنائنا للجيل الصغير بعد كمان إحنا مورثين إياه يعني حتى لو الله أخذه ودعتنا كجيل ممكن في منتصف العمر أولادنا راح يحملوا هذا الحلم يعني القضية مش عملية انقطاع ولا خرجنا من ديارنا وانقطعت وهذه نهايتنا هون ومهما كان فيه هناك يعني مغريات في أي دولة أو أي بقعة من بقاع العالم لن تغنينا عن فلسطين ولا عن حطين.
[تعليق صوتي]
هذه هي حطين التي انتصر فيها صلاح الدين الأيوبي ذات تاريخ مجيد لم تعد الأرض الصامتة تخلد للمجد الآفل أثرا ولم يكن من السهل علينا أن نجد للوجود الفلسطيني فيها وشما إلا ما ندر هنا خاض الإسرائيليون حربا ضد التاريخ لطمس معالم قرية لا يريحهم ذكرها هجروا سكانها بالكامل وصادروا أراضيها وغيروا اسم المنطقة الذي بات يعرف بكفار حيتيم وهي مستعمرة بدأ أنشاؤها على مشارف قرية حطين تحت الانتداب البريطاني أكثر صمودا في معركة الوأد المنظم مسجد حطين الذي ما تزال مئذنته رغم صروف الدهر ترتفع بين البساتين، في الحقول المحيطة بالمسجد يكاد صوت المؤذن يتردد حتى اليوم وتكاد تسمع حفيف خطى مختار حطين ومن حوله أهالي القرية وهم يتجهون للصلاة فيه أو يعودون منه، هُجِر الحاج أحمد قاسم رباح أبو محمد مختار القرية إلى جنوب لبنان وصودرت أرضه الشاسعة لكنه لم يحتمل اللجوء فعاد ومات في أرضه تاركا لأهله الذين توزعوا في المهجر وبين مخيمات الشتات وصية واحدة لا تفرطوا.
أبو ماجد رباح – لاجئي بمخيم عين الحلوة بجنوب لبنان: نم قرير العين يا عماه فالأرض التي تمسكت بها تمسكت بها والحق الذي تمسكت به ها نحن متمسكون به هذه كواشين أرضنا لن نفرط بها لن نتنازل عنها لن تغرينا كل الإغراءات لن نستجيب لكل النداءات هذا حق شرعي ومكتسب لنا سنبقى متمسكين في حق عودتنا إلى فلسطين إن لم نستطع الآن أن نعود إلى فلسطين لكننا واثقون أنه ليست هناك من قوة على وجه الأرض تستطيع أن تجبرنا على التنازل عن حق العودة إلى فلسطين.
[تعليق صوتي]
لا يسقط الحق في الأوطان بالتقادم لذلك تبدو حطين في حديث أهلها المهجرين حية يقظة تزرع بينهم عطر بساتينها كل يوم، يدرك الفلسطينيون أن وثائق ملكية الأرض لن تعد شبرا إلى أهله تحت الاحتلال لكنهم يعرفون أيضا أن تلك الوثائق ستظل شاهدة على جريمة المؤامرة الأولى وشوكة تدمي خاصرة منتهكي الحق ولعنة في كل حين على ضمير دولي يرفض أن يستيقظ.
محمد يوسف دكور: عندنا وثيقة قديمة جدا بتخصنا بتخص عائلتي بالذات من جد لجد جدي وهي وثيقة أرض تملك أرض وأشجار في مكان في قريتنا.
[تعليق صوتي]
محمد يوسف دكور فلسطيني من قرية قديسة في صفد زرناه في المكتبة التي تعتبر مشروع عمره والتي أقامها في مسكنه المحاذي لتجمع المعشوق للاجئين الفلسطينيين في مدينة صور اللبنانية، كنز المكتبة بالنسبة إليه يتمثل في ألف وثيقة فلسطينية تعود إلى فترة ما قبل 1948.
محمد يوسف الدكور: هذا الـ(Passport) الفلسطيني صادر عن حكومة الانتداب (British Passports) صادر عن حكومة الانتداب بس باسم الحكومة البريطانية عن المندوب السامي في القدس بديسمبر كانون الأول 1945 وصلاحيته لمدة خمس سنوات بنلاقي وثيقة نادرة أيضا وهي لفلسطيني عربي باللغتين العربية والعبرية وهذا تلاعب من دولة الانتداب وبينما هذا الترويسات بينما الكتابة العادية اليدوية بالعربي هذه وثيقة قديمة جدا.
[تعليق صوتي]
يحتفظ أبو أدهم أيضا بالمجموعة الكاملة للقطع النقدية التي كانت تصدر عن بنك فلسطين قبل النكبة ويعتبر أن المجموعة بجزأيها المعدني والورقي تمثل هوية قائمة بذاتها، إلى جانب المكتبة التي تضم عشرة آلاف عنوان يواصل دكور إثراء متحف فلسطين الذي أقامه فيما توفر له من مساحة ضيقة تجميع القطع القادمة من الوطن كل ما وُضِع هنا لامسته ذات تاريخ بعيد يد في فلسطين وتلك العلاقة الحسية يمكن أن تتكون حتى مع حبات رمل قادمة من أرض غزة، يدرك الرجل الذي أمضى حياته مربيا في مدارس الأونروا أن الإطلاع على التفاصيل الدقيقة للحياة الفلسطينية هي الدرس الأول للأجيال التي نشأت في مخيمات اللجوء أما الدرس الذي تقدمه بعض رفوف المتحف فهو ذلك الجدل الصامت بين الأقفال المغلقة ومفاتيح الحل المؤجل.
من الصعب أن تبعث الحرارة في شتاء مدينة جنيف السويسرية لكن مجموعة من الشخصيات الفلسطينية والإسرائيلية استطاعت أن تفعل ذلك في الأول من ديسمبر كانون الأول عام 2003 ففي مشروع قاده وزيران سابقان هما الفلسطيني ياسر عبد ربه والإسرائيلي يوصي بلين تم توقيع ما عرف بوثيقة جنيف قال أنصارها إنها حل واقعي مبدع يقف بين الحد الأدنى الفلسطيني المقبول وسقف التنازل الإسرائيلي الممكن أما منتقدوها فقد اعتبروها أول تخل فلسطيني علني عن حق العودة وعن قرار الأمم المتحدة 194 المؤكد عليه ودعوة صريحة لتوطين اللاجئين في بلدان الشتات وتبرئة لإسرائيل من مسؤوليتها في الملف برمته، لم تكن الوثيقة ملزمة لكنها ألهبت جدل حق العودة في المخيمات، قِبل اللاجئون يوما بأن يؤجل النظر في ملفهم إلى مفوضات الحل النهائي لكنهم لم يقبلوا بأن يتحولوا حيث هم إلى وضع نهائي، ليس بين مدينة جنيف ومخيم مار إلياس في بيروت ثأر تاريخي قديم لكن سكانه ومثقفيه يجدون صعوبة في فهم اهتمام تلك المدينة الأوروبية البعيدة فجأة بهم بعثت لهم بوثيقة فأرسلوا لها مع سكان مخيمات أخرى بعشرين ألف رد.
رأفت مرة – كاتب وصحفي فلسطيني: بعد التوقيع على وثيقة جنيف بأشهر قليلة نظمت المؤسسة الفلسطينية لحقوق الإنسان حملة لجمع التواقيع وهذه الحملة شملت كافة المخيمات والتجمعات الفلسطينية في لبنان هذه الحملة عنوانها التوقيع على وثيقة نص الوثيقة أنا الموقع أدناه أؤكد تمسكي بحق العودة إلى بلدتي التي هُجرت منها على أيد القوات الصهيونية وأعلن عدم تفويضي لأي كان بالتنازل عن هذا الحق، هذه الحملة وقع عليه عشرون ألف لاجئ فلسطيني في لبنان من كافة المخيمات والتجمعات الفلسطينية ينتمون إلى 245 قرية من داخل فلسطين موزعة على 16 قضاء لذلك أنا باعتقادي ووفقا للمعلومات أن كل الشعب الفلسطيني في لبنان متمسك بحق العودة ويرفض التنازل أو التفريط بهذا الحق على اعتبار أن قضية حق العودة هي قضية عامة وواضحة لا يمكن تجزئتها ولا يمكن تقسيمها هي مثل العدالة مثل الضمير مثل الحرية مثل السيادة لا يمكن تجزئة هذه القضايا ولا يمكن تقسيمها ولا يمكن اختصارها إما عودة شاملة وإما لا عودة.
الحرب العراقية والقضية الفلسطينية
[تعليق صوتي]
لكل حربا شظايا وإحدى شظايا الحرب على العراق طالت الوجود الفلسطيني الذي يمثله ما يزيد عن أربعين ألف لاجئ وصلوا إلى بلاد الرافدين بعد قيام إسرائيل مهجرين من قرى حيفا والجليل وبما أن كل لجوء يلد آخر فقد وجد مئات الفلسطينيين أنفسهم يتجهون نحو الخيام مرة أخرى، مركز الإيواء الذي أقامته المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة لمنظمة الأمم المتحدة في منطقة الرويشد على الحدود الأردنية العراقية مازال يقيم به حتى اليوم نحو مائة وثلاثين لاجئا فلسطينيا ممن اضطروا إلى ترك العراق، قادنا أحد اللاجئين في مركز الرويشد للإيواء إلى خيمته يبدو الزمن وكأنه توقف منذ نكبة 1948 يعيد مشهد اللجوء الأول نفسه بكل التفاصيل ويزيد على ذلك بلهيب حرا قاتل نهارا ورعب تهديد الزواحف ليلا في أرض غير ذي زرع وغير ذي عنوان أيضا.
أبو عبد الله – لاجئ بمركز إيواء الرويشد بالأردن: إحنا وين ما نروح ملاحقنا هذه الخيام يعني بدنا ننسى اللجوء نعيش كناس يعني إنسان وطن يعني لاجئ لاجئ كلمة لاجئ أصبحت مرض في قلوبنا، أطفالي مضت عليهم سنتين ما فيه دارسة وهسه السنة الثالثة اللي جاية قادمة والمستقبل كأطفال شو يعني قبل ستة أطفال بأتمنى إليهم يكون مستقبل أو يدرسوا كأي طفل بيدرس عربي أو كأي عربي قاعد يعلم ابنه على الكمبيوتر وعلى الحاسوب وعلى هاي حياي عقارب ابني أنحرق هذا برجليه ما عدت رجليه زوجتي أصابت بمرض يعني نسائي يعني لحد الآن لها سنة بأعالجها أنا انصبت بذبحة قلبية أنصبت بجلطة بالدماغ.
[تعليق صوتي]
فقد أبو عبد الله ذات حريقا طال عددا من الخيام كل ما استطاع أن يحمله من الوثائق الشخصية والصور أتت النار فيما أتت عليه على صورة وليديه الرضيعين الذين لم يصمدا في رحلة الفرار من الحرب، ذهب الأصل والصورة وهو لا يدري ما إذا كان الرماد الذي يحتفظ به يحمل معنى للذكرى.
أبو عبد الله: مش العراق بلدي، بلدي أنا فلسطين بلدي حيفا أنا بأطالب يعني من أي دولة عربية تستقبلني أنا وعائلتي وهالناس اللي بالمخيم لو كل دولة عربية استقبلت لها عشرة نفرات عشر أشخاص أو عائلة واحد إحنا 24 عائلة لو كل دولة عائلة استقبلت هيكفي يعني خلاص إحنا نترجاكم يا إخوان والله العظيم أنا فلسطيني أنا عربي أنا عربي منكم وبكم هذا دمي عربي أولادي عرب والله قاعد نعاني الموت ونشوف الموت يوم بعد يوم وبكل لحظة الموت.
[تعليق صوتي]
تشد الأوتاد اللاجئين إلى واقعا يحاولون ترويضه في الصحراء القاحلة يصنع مركز الإيواء آلية الحياة رغم المتاعب تتحول إحدى الخيام المهجورة إلى ملتقى لمختلف الأجيال حيث يصارع الصمت زمنا لا يكاد يتحرك بين هؤلاء نخبة من الخبرات العلمية في اختصاصات متعددة يدركون جيدا لماذا تركوا العراق لكنهم لا يعرفون نحو أي مجهولا يتجهون.
" |
عصام أحمد عيسى – لاجئ بمركز إيواء الرويشد بالأردن: المائة وثلاثين لاجئ هنا المسجلين لدى المفوضية السامية لشؤون اللاجئين واللي المفوضية السامية لشؤون اللاجئين بتقول لم ترض أي دولة عربية أن تستقبلكم وكذلك بنلاقي مصاعب وكلما نفتح بابا نجد حائطا وراء هذا الباب عندما نعرضكم على أي دولة من الدول العربية حتى ممثل السلطة وشؤون اللاجئين في سفارة دولة فلسطين في عمان يبلغ من يراجعه بأنه بيعيش مشاكل بيقول له ارجع للعراق وتجنس عراقي يا أخي إذاً أنت بتمثلني لماذا بدك تدفعني إلى جنسية أخرى وليش الجنسية هاي المحاصرة الآن الفلسطينيين الوحيدين المحاصرين بهذه الجنسية في الوقت الحاضر هل هو قرار لشطبك جسديا بالنهاية حتى ما تصيرش مشكل تشكل عار لاحق على اللي باعك وعلى مو اعترف بك أو ماذا يعني حق العودة الحقيقي والفعلي إني أعود أنا إلى أراضيا بالـ1948 لما الصراع السياسي وميزان القوى تطلب إنه أنت بتعترف بدولة إسرائيل يا سيدي إحنا تفهمنا هذا الوضع السياسي عليك الآن أن تمنحني ما تبقى من إنسانيتي على الأقل ما تجبرنيش يعني بطريقة الموت بدك فيه أنت خليني أموت يا أخي بطريقتي الخاصة.
[تعليق صوتي]
يمسح الأطفال دمعة المكان الحزين يحفزون همة آبائهم على الصبر والتحمل ويشيعون جوا من التفاؤل بأن الشمس لابد أن تشرق يوما بجديد ليمتد المشهد إلى الطرف الآخر من عمان في مخيم الوحدات، لا يلعب طفل المخيم مثل الآخرين كما يقول لنا الفنان التشكيلي الفلسطيني رزق عبد الهادي إن المخيم الذي يزداد ضيقا يخنق أطفاله لذلك فهم يصنعون عبر طائراتهم الورقية عالما متخيلا لفضاء منطلق بلا حدود.
رزق عبد الهادي – فنان تشكيلي فلسطيني: أنا بأعتقد إنه لوحة المخيم هي اللوحة يعني القادرة فعلا على أن تكون فعلا شاهدة على جريمة العصر اللي بيعشيها الإنسان الفلسطيني يعني المخيم بكل ما فيه وما عليه بشقائه وحتى أحيانا بجماله لأنه مربوط في أسرته وعائلته وذكريات طفولته فيه إلا إنه بيظل هو الشاهد الوحيد على مأساتنا فقضية المخيم هو الإثبات الوحيد للآن اللي بيثبت إنه ما زال هناك فيه قضية فلسطينية مازال فيه لاجئين مازال فيه ناس بتسعى وبتحلم وبتأمل إنه في يوم من الأيام راح تعود لوطنها.
[تعليق صوتي]
تلح على الرسام الفلسطيني رزق عبد الهادي فكرة عمل فني لم يتبين ملامحه بالكامل بعد تبدو له أحيانا في شكل عرس فلسطيني بكل ألوانه الزاهية إنها لوحة العودة تلك التي لم يكتمل رسمها لدى أبي غازي المنتظر أبدا على شاطئ صور وهي أمل لقاء تعيش عليه أم يونس وأبو إبراهيم هناك في غزة ويد تنتظر صابر أن تمتد لتخلصه من سجنه الاختياري الطويل ومازالت لوحة العودة رسما مؤجلا لدى إسراء الهاربة بطفولتها من ظلمتي المرض والمخيم وهي عنوان مفقود في لجوء يلد آخر على الحدود المغلقة دائما تختلف الجغرافية ولا تتغير القصة لكنها في كل مرة تحمل مع الألم أملا تحت كل خيمة جيل سلك طريق اللجوء وتحتها أيضا طفل سيعرف يوما كيف يعود.