العلاقة بين الأمازيغية والإسلام
– العلاقة بين الأمازيغية والإسلام
– محاولات المجتمع المغربي للتصالح مع هويته
– صراعات الثقافة واللغة بين الأمازيغ والعرب
– محاولات نشر التراث الأمازيغي
العلاقة بين الأمازيغية والإسلام
الحبيب الغريبي: المدخل والمبتدأ هو اللغة والمنتهى يختزله البعض في قيام كيان أمازيغي بكل مفرداته وتعابيره الثقافية والاجتماعية وربما حتى السياسية، إلى حد الآن الطرح يبدو هادئ ولكنه يستبطن صراعا ناعما أحيانا وحادا أحيانا أخرى بين هويتين تتجاذبان المغرب، الأمازيغية كأصل وجذور والعروبة كرافد، أهلا بكم إلى الشاهد، على قمم هذه الجبال كُتب السطر الأول من تاريخ المغرب القديم ومن هنا أطلت حضارة عمّرت قرونا وعمّت كامل منطقة الشمال الأفريقي، يؤرخ لبدايتها البعض بعصر الإمبراطورية الرومانية ويقولون هذا على أقل تقدير، فيما يذهب آخرون إلى حد اعتبارها المكوِن الأول والأخيرة لهذه المنطقة والدائرة المغلقة التي انصهرت فيها كل الروافد الأخرى سواء أتت بها رياح الشرق أو الغرب، الأمازيغ هذه التسمية التي لها وقع السحر في أسماع متذوقي العتيق هم أسياد هذه القمم منذ آلاف السنين والسكان الأصليون للشمال الأفريقي، تعاقب عليهم الغزاة وحيكت ضدهم الدسائس والمؤامرات ولم يخضعوا أو يهادنوا، بل ظلوا حاملين حريتهم على أكفهم خشية أن يندثروا إذا ضاعت، لسنا هنا بصدد الحديث عن أقلية عرقية معزولة في الزمان والمكان، بل عن نسيج مجتمعي شكّله التاريخ ووزعته الجغرافية ورغم عدم توفر إحصائيات رسمية فإن التقديرات تشير إلى إنهم بين ثلاثين إلى خمسين مليون في أفريقيا الشمالية، فيما يشكلون في المغرب نصف عدد السكان تقريبا إن لم يكونوا الأغلبية وعلى خلاف البربر في الجزائر فإن أمازيغ المغرب منصهرون بالكامل مع العنصر العربي والأندلسي والأفريقي بما يجعل الطرح العرقي ذائب في صلب هذه التركيبة التعددية ومع ذلك بدأت الأمازيغية تدخل منذ فترة ضمن أسئلة المغرب الثقافي السياسي الحديث التي كانت في ظل ظروف سابقة أسئلة مُحرّمة، المُعطى الوحيد الذي يقفز على نسبية هذه المقاربات هو الهوية الدينية باعتبارها القاسم المشترك بين الجميع، بل هناك مَن يقول إن الأمازيغ خدموا الإسلام أكثر من العرب أنفسهم رغم أنهم لم يكونوا يتكلمون العربية في عصر الفتوحات الإسلامية وحتى إلى اليوم، هذه آكلو في ضواحي مدينة تزنيت على الساحل الأطلسي، قرية أمازيغية معظم سكانها لا يعرفون اللغة العربية وأطفالهم لم تتعود ألسنتهم سوى على الشِلحة لغتهم الأصلية ومع ذلك فهم احرصوا على ارتياد الكتاتيب والمدارس القرآنية العتيقة على غرار هذه المدرسة التي تعتبر أم المدارس العتيقة بمنطقة سوس، أسسها الشيخ أبو محمد وكاك لتدريس القرآن والفقه ونشر اللغة العربية وآدابها في وسط أمازيغي قحط، محمد دأب منذ كان عمره أربع سنين على التردد على هذه المدرسة مثل أقرانه، يرسله والده كل يوم لحفظ القرآن رغم إدراكه أنه لا يفهم كلماته ولا يقدر على تفكيكها أحيانا وكذا الشأن بالنسبة لمعظم أطفال القرية، تبدأ الحصة دائما بطقوس تقبيل يد المُعلم الذي قد يكون هو الآخر غير مُلِم بمفاتيح اللغة العربية لا نطقا ولا كتابة ولكنه يكتفي بتحفيظهم بعض الصور القصيرة على أن يكونوا قادرين في مراحل متقدمة أخرى على استيعاب الشروح وعلى أيدي شيوخ الفقه وبلغتهم هم وهذه المدرسة التي تنشط تحت إشراف وزارة التربية القومية مشهود لها بالعراقة والقِدم، فقد تأسست منذ ما يزيد عن الألف سنة وتخرجت منها أجيال من الفقهاء وعلماء الدين الكبار الذين هاجر عدد منهم إلى الدول المجاورة وإلى الأندلس حاملين معهم إرثهم الثقافي ليَحدث ذلك التلاقح الذي ذابت معه الفروق وسقطت كل الحواجز وللدلالة على المكانة الكبرى التي تحظى بها مثل هذه المدارس العتيقة ومدرسة آكلو هذه بالذات أنها كانت فيما مضى محضنة للزعامات والقادة في ذلك العهد على غرار عبد الله بن ياسين الأمازيغي مؤسس دولة المرابطين، فضلا عن أسماء أو رموز أخرى لعبت أدوارا بارزة في التاريخ الوسيط للمغرب ولأن كان الإسلام إلى فترة قريبة عَمِل وحدة بامتياز بين الأمازيغ والعرب وخارجا عن دائرة الجدل القائم حول الهوية واللغة فإن هناك مَن يحاول زعزعة هذه الثوابت أصلا باتجاه إعادة النظر في العلاقة بين الأمازيغية والإسلام، حسن المُقيم في هذه المدرسة نموذج لهذه الازدواجية الثقافية، نشأ في بيئة أمازيغية صرفة ولم يكن متاحا له أن يعرف لغة أخرى غير الشِلحة، جاء إلى هنا لتدارك ما فاته ولكنه لم يتعلم إلى حد الآن إلا بعض الكلمات العربية البسيطة وحتى عندما يكون في غرفته مع صديقه لمراجعة دروسه لا يتحاوران إلا بلغتهم الأصلية، فالتكون الصورة مغلوطة إذا قلنا إن كل الأمازيغ لا يتكلمون العربية وعددهم الافتراضي قد يصل إلى خمسة عشر مليون نسمة، فسياسات التعريب التي أقدم عليها المغرب منذ استقلاله نجحت بشكل كبير فإمتصاص هذه الظاهرة وإعلاء شأن اللغة العربية وهي سياسات يصفها الناشطون الأمازيغ بأنها احتوائية سلبت أجيال الاستقلال هويتها وخصوصيتها الثقافية وأذابتها في وسط عربي يقولون إنه دخيل ولا يمثل مرجعية أصيلة في المغرب.
حسن- طالب في مدرسة آكلو: أنا لا أجد فرقا بين أن تكون لغتي أمازيغية بربرية وبين أن أحفظ القرآن بالعربية، صحيح أنني أجد صعوبة في فهم أسرار اللغة ومعاني القرآن بلغته الأصلية ولكنني أحاول جهدي أن أفعل ذلك حتى أصبح فقيها في يوم ما.
الحبيب الغريبي: تماما مثل نظام المدارس الرسمية، يرتقي الطلاب هنا إلى مراحل متقدمة بحسب اجتهادهم ومثابرتهم وهذه هي إحدى الحلقات المهمة في المسيرة التعليمية للمدرسة، حيث تبدأ دروس الشرح والتفسير ولكن باللغة الأمازيغية، تتخللها كلمات عربية بإيقاع مغربي خاص ويقوم على هذه الدروس أحد المشايخ الكبار يسمى عادة الفقيه، سيدي محمد البوجرفاوي هو فقيه هذه المدرسة وعميدها، تلقى معظم علومه بالأمازيغية وكَتب بها لاحقا عدة مؤلفات في شتى المعارف بما فيها علم الفلك وفي مكتبته الثرية وجدنا العديد من الكتب الأخرى التي تتحدث بالأمازيغية أيضا عن تاريخ الإسلام في شمال أفريقيا والدور الكبير الذي طلع به سكان الأصليون لهذه المنطقة في نشر تعاليمه وخدمة رسالته وعثرنا حتى على نسخة مترجمة للقرآن الكريم إلى اللغة الأمازيغية.
" |
محمد البوجرفاوي- فقيه في مدرسة آكلو: لمّا جاء الإسلام من الجزيرة العربية عن طريق الفتوحات لم يُفرض على الناس هنا فرضا بل قبله المغاربة رغم أنهم ليسوا عربا، فأحبوه واحتضنوه رغم فارق اللغة والثقافة وبمرور الزمن خَبِروه أكثر وتبحروا في علومه بلغتهم هم وهنا نحن نحرص أولا على تحفيظ القرآن بالعربية رغم غموض معانيه بالنسبة للطلاب، ثم نتدرج في شرح مغزاه ومقاصده بالأمازيغية ولا خوف من أي نقص في التفسير، لأننا نعتمد في ذلك على المراجع العربية الأصيلة سواء في العلوم اللسانية أو العقلية أو الشريعة ونحن البرابرة لنا أيضا خصوصياتنا وملكاتنا اللغوية، نحاول دائما أن نغني بها اللغة العربية لنفيد ونستفيد على السواء.
الحبيب الغريبي: يقضي النظام المتبع في هذه المدرسة بأن يتفرغ الطالب لتحصيل العلوم الدينية إلى أن يتخرج منها مؤهلا للإمامة أو ما سواها من الوظائف المشابهة وهو حلم يراود الجميع ويرون فيه منتهى طموحهم ولأن تحظى مثل هذه المدارس برعاية خاصة من السلطات المحلية على مستوى تعهدها بالصيانة والترميم فإن جُل مواردها المالية تتأتى من تبرع الأهالي ومن أصحاب البر والإحسان وهو ما يساعدها على إيواء الطلبة وتوفير الطعام لهم فضلا عن تنظيم تظاهرات موسمية تُخصَص بعضها للم شمل سكان القرية وتوزيع ما يُجمع من مساعدات عينية على الفقراء منهم، حان الآن وقت الانصراف لصغار الطلبة الذين يقتصروا الدرس بالنسبة لهم على تحفيظهم ما تيسر من القرآن الكريم حتى يتعودوا على التآلف مع اللغة العربية ونُطق كلمتها بشكل صحيح ومع كل مغادرة يتولى المدرس توزيع الحلوى على الجميع مما يضمن له عودتهم في الغد، محمد أيضا لا يَتخلف عن أخذ نصيبه فقد أبلى حسنا اليوم، على بعد ستمائة كيلو متر تقريبا على مدرسة آكلو في تزنيت تجد الأمازيغية صدى لها هنا في العاصمة الرباط حيث انبعث إلى الوجود منذ حوالي ثلاث سنوات معهد للثقافة الأمازيغية بقرار ملكي وبإرادة بدت راسخة في الاعتراف الرسمي بالأمازيغية لغة وثقافة بعد عقود طويلة من التهميش والإقصاء وقد رأى الكثيرون في هذا الحدث محاولة جادة لتصالح المجتمع المغربي مع ذاته وهويته.
محاولات المجتمع المغربي للتصالح مع هويته
أحمد عصيد- عضو المعهد الملكي: منذ إحدِاث المعهد الملكي عام 2001 يمكن القول إن ما حققه حتى الآن مهم جدا خاصة في مجال التعليم حيث تم وضع منهاج اللغة الأمازيغية في التعليم وتحديد منهجيات التدريس وطرق تكوين المكونين وإصدار الكتب المدرسية وهي أمور في الواقع لم تكن من قبل، فهي أحدِثت لأول مرة مع هذه المؤسسة وبالإضافة إلى هذا تم وضع تصور استراتيجي لإدماج الأمازيغية في وسائل الإعلام العمومية وإعادة هيكلة الإذاعة الأمازيغية، بالإضافة إلى هذا تم إصدار عديد من الكتب تخص مختلف مجالات المعرفة من لغة وبيدغوجيا وتاريخ وأنثروبولوجي أو آداب وفنون.
الحبيب الغريبي: إذا كانت اللغة هي حجر الأساس في منظور الحركة الثقافية الأمازيغية فإن الدكتور حنداين أحد الأعضاء المؤسسين لما يسمى بالكونغرس العالمي الأمازيغي ومن النشطاء الأوائل للحركة الثقافية الأمازيغية فضلا عن مؤلفاته العديدة حول هذه المسألة يذهب في طرحه إلى أبعد من ذلك معتبرا أن عضوية العلاقة بين اللغة والتفكير تجعل من المكتوب والمقروء الأداة المثلي لإنتاج إبداع أصيل وثقافة فكرية أصيلة، لذا فإن المطلوب هو أن تُدرّس اللغة الأمازيغية ليس لذاتها فقط بل لما تحمله من شحنة فكرية وحضارية.
" |
محمد حنداين- باحث في الثقافة الأمازيغية: هنالك مطلب قديم طالبَت به الحركة الثقافية الأمازيغية منذ الثمانينات وهو لأن أي لغة لا يمكن حمايتها إلا عن طريق إدخالها إلى المنظومة التربوية، نحن لا ننظر إلى.. لا نهدف إلى إدخال اللغة الأمازيغية كلغة مقطوعة من المجتمع، لابد من أن تكون شاملة، أن تكون هناك نصوص أمازيغية في اللغة العربية، أن تكون هناك نصوص فلسفية حتى يدخل أو يسبح الطفل في منظومة منسجمة فيها اللغة العربية واللغة الأمازيغية.
الحبيب الغريبي: في هذه المدرسة الموجودة بقلب مدينة مراكش يقتصر تدريس الأمازيغية حاليا على الفصلين الأول والثاني وقد بدأ التلاميذ بشهادة معلمتهم يتفاعلون إيجابيا مع هذه اللغة الجديدة ويُبدون اهتماما متزايدا بها.
نزهة غالي- مدرسة اللغة الأمازيغية: اللغة كانت على مستوى.. كانت معروفة على مستوى النطق ولكن كانت غير معروفة على مستوى الكتابة وإن كانت.. وإن اعتُمِد على هذه الحروف التي تسمى بتيفنا.. إسكيلن تيفنا، اعتُمِد عليها من مراجع مادية وغير مادية قديمة ومن تراث شعبي قديم ولكن حُدِدَت الآن.. حَدَدَها المعهد في ثلاثة وثلاثين حرف وهو المعمول به حاليا في المدارس الابتدائية، هذا بالنسبة إلى المنهجية، فنحن نعتمد المنهجية التي حَدَدَتها وزارة التربية الوطنية كباقي.. وهي غالبا تعتمد على المنهجية المرسومة في جميع المواد.
الحبيب الغريبي: انطلقت هذه التجربة في الموسم الدراسي الماضي في ثلاثمائة وسبعة عشرة مدرسة، على أن تتم التغطية النهائية سنة 2008 وقد تولى المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية وضع المِنهَاج الدراسي لتعليم هذه اللغة بعد أن قام بتوحيد اللغات الثلاث المنتشرة في المغرب وهي تاريفيت في الشمال وتمازيغت في الأطلسي المتوسط وتشلحِيت في الجنوب.
[فاصل إعلاني]
صراعات الثقافة واللغة بين الأمازيغ والعرب
الحبيب الغريبي: انطلاقا من مدينة أغادير المتكئة على المحيط الأطلسي توغلنا عبر الجبال في جولة استطلاع داخل الفضاء الجغرافي الأمازيغي وكانت تمر علينا قرى وتجمعات يتطلب الوصول إليها جهودا شاقة أحيانا ولإن لم يكن صعبا قراءة أسماء هذه القرى على اللوحات الجانبية للطريق فإن نطلقها بالأمازيغية ليس موفقا دائما، خاصة وأنها مشبعة بالسكون على خلاف العربية وبين قرية وأخرى كانت تظهر على قمم التلال ما خلناه قلاع صغير وجاءنا الجواب بأنها عبارة عن مخازن كبيرة أو أجدال بالأمازيغية تُخزن فيها المؤن لفترات طويلة وهي طريقة تقليدية قديمة دأب عليها الأمازيغ لتأمين مأكلهم على مر السنة وعلى غرار شجرة الزيتون في البلدان المتوسطية يملك الأمازيغ في هذه المناطق شجرتهم الخاصة التي تُعتَبر أحد مصادر رزقهم وهي لا تنبت إلا هناك، اسمها الأرجان وتُستَخرج منها زيوت للأكل وزيوت أخرى للعناية بالشعر والبشرة، هذه إحدى القرى الأمازيغية النموذجية، حدثونا أنها بُنِيت منذ قرون ولكنها لم تصمد في النهاية فتهدمت أجزاء كبيرة منها ولم يتعهدها أصاحبها بالترميم والصيانة بعد أن هجروها للعيش في المدن الكبرى وفيما تبقى من بنيانها تبدو بصمات التاريخ واضحة، فمن هنا مر البرتغاليون والأسبان واختلط شعوب وحضارات ورغم ذلك ظل سكانها متشبثين بهويتهم يُورِثون ثقافتهم ولغتهم لأبنائهم جيلا بعد جيل، الحاج محمد وحده رفض النزوح مع ثُلة من جيرانه وبقي حارس على هذا التراث يَشتَمّ في حجارته عبق التاريخ ويمشي في أزقته على خطى الأباء والأجداد وعلى إيقاع ترشّف الأتاي كما يُنطق بالأمازيغية انطلق الحاج محمد يستعرض لنا بحماسة كبيرة أمجاد هذه المنطقة منذ استوطنها الأمازيغ، الذين يقول عنهم هو إنهم قدموا من اليمن في تاريخ بعيد واختلطوا بالأجناس الأخرى مما خلق لُحمة قوية تتجلى اليوم في العلاقة بين الشلوح والعرب.
" |
الحاج محمد: الشلوح والعرب شعب واحد لا فرق بينهم صهرهم التاريخ في كيان مغربي واحد رغم ما يُقال عن اختلاف اللغة والثقافة ومع أن الأمازيغ هم السابقون على هذه الأرض فإن مجيء العرب والإسلام أزال هذه الفوارق ووحد الجميع على كلمة الله ولا تُصدق مَن يحاولون دق إسفين بين الطرفين على إدعاء أن الأمازيغ هم الذين يستفردون بأحقية التاريخ والجغرافية في هذا البلد، أنا عشت طول حياتي كما هو الشأن بالنسبة لأجدادي في هذا الوسط المتناغم الذي أعطاني هويتي الحالية وهي مغربي أولا ثم أمازيغي بعد ذلك وأؤكد لك أن ما يحاول البعض جرنا إليه من صراعات لغوية وثقافية لا أساس له من الصحة.
الحبيب الغريبي: صحيح أن المسألة الأمازيغية لا تُطرح في الغالب على أنها خلاف عرقي أو بمنطق المُمايزة بينها وبين العروبة كما ذكر الحاج محمد، إلا أن الواقع المَعيش منذ عهد الاستقلال يثبِت أن الأمازيغ غُيبوا طويلا عن المشاركة الفعلية في الحراك الثقافي والتنموي وهو ما يؤكده الأستاذ علي الخداوي أحد أقطاب الحركة الأمازيغية ومن الشخصيات الأكاديمية الفاعلة متسائلا عن ما إذا كان ذلك صدفة أو ممارسة مقصودة.
علي الخداوي- ناشط أمازيغي: من المُلاحَظ.. يعني بلا ما يدع المجال للشك أن حينما نتأمل الخريطة الاجتماعية والاقتصادية للمغرب نجد أن المناطق المهمشة أكثر تهميشا همّ المنطقة الأمازيغية وهي الريف والوسط.. الأطلس المتوسط والأطلس الكبير والأطلس الصغير والجنوب، حتى القضية الأمازيغية لحد الآن كما قلت لم تطرح بشكل عنصري ولا بشكل عرقي وإنما تطرحت بشكل حقوقي وثقافي ولكن إذا كانت هناك تلويحات الآن وربما احتمالات لأن تتحول المسألة إلى مسألة سياسية فالسبب هو تحجّر هؤلاء الناس والهيئات الذين يريدون أن تبقى الأمازيغية بدون حقوقها وأن تموت أمام أعيننا ببطء وكتراث مغربي وكتراث عالمي هذا لا يُعقل.
الحبيب الغريبي: إذا كان البعض لا ينكر أهمية الخطوة التي أقدم عليها الملك ببعث معهد الثقافة الأمازيغية ويعتبرونه مكسبا هاما يفتح باب الحوار الوطني حول قضية الهوية فإن هناك مَن يبدي تحفظا على صدق النوايا ويذهب إلى حد الشك في أن تكون المبادرة محاولة لاحتواء المسألة الأمازيغية وإفراغها من محتواها وقد تَجسّد هذا الموقف في انسحاب سبعة أعضاء دفعة واحدة من مجلس إدارة المعهد، من ضمنهم الأستاذ الخداوي نفسه.
على الخداوي: انسحابنا كان بمثابة.. يعني صرخة تجاه الملك، نقول للملك المسؤول اللي عطيتنا إحنا ما قدرناش نوصل (كلمة غير مفهومة)، ثانيا كانت.. يعني تنديد صارخ بموقف بعض الوزارات المعنية بهذا الملف.
أحمد عصيد: موقف المنسحبين هو في اعتقادي يرجع إلى نوع من الإحباط الذي أصابهم فيما يخص علاقة المعهد بالمؤسسات الحكومية وفيما يخص تنفيذ استراتيجية المعهد في الميدان ولكن في اعتقادي أن الأمر فيه نوع من التسرع، لأنه كان ينبغي إعطاء الوقت الكافي من أجل تحقيق هذه الاستراتيجية، لا يمكن أن نقول في عامين إنه لم يتحقق شيء وأنه لن يتحقق أي شيء، ففي رأيي لابد من العمل.. مزيد من العمل ومزيد من النضال المؤسساتي أيضا من أجل أن تتحقق كل أهدافنا ولكن في عامين ونصف أن نقوم بالحسم وتقييم العمل كله والقول بأنه لم يتحقق ولن يتحقق شيء، أعتقد أن هذا سابق لأوانه.
الحبيب الغريبي: التجربة ليست جديدة فقد مضت سنوات على إدراج الأمازيغية في الفضاء السمعي البصري، خاصة في الإذاعات المحلية التي يتركز إرسالها على المناطق ذات الكثافة الأمازيغية وهنا تجد بعض الأصوات فرصتها للتواصل مع المستمعين أدبا وشعرا وثقافة وهو المضمون الذي اختاره الأستاذ محمد المستاوي لبرنامجه الأسبوعي، قرأت ورأيت وسمعت.. حيث ينتقي مختاراته من القصائد والأشعار الأمازيغية مما حفل به التراث ومما نُشر حديثا ويُعتَبر المستاوي من أبرز الباحثين في مجال الثقافة الأمازيغية والمدافعين الشرسين عنها وهو ما أدى بها إلى خوض معارك مع المعادين لها والمشككين في أن الاتجاه إليها اتجاه مشبوه.
محمد المستاوي- شاعر أمازيغي: الأمازيغيون بالأخص خدموا ويخدمون العربية أكثر من الذين يدعون بأنهم عرب، هناك تطرف في الأحزاب، في الجمعيات، في كل شيء، هناك احتكاكات، هناك معتدلون وهناك الوسط وهناك.. ولكن هناك تعايش بين العربية وبين الأمازيغية في المغرب، تعايش سكان، لأن هناك تزاوج، بل أكثر من هذا لا يمكن الجزم بأنني أمازيغي رغم أنني أتكلم الأمازيغية ولا يمكن أن يدعي أي واحد أيضا بأنه عربي.
الحبيب الغريبي: قد يبدو الطرح إلى حد الآن هادئا ومهادنا ولكن هذا ليس شيئا بالنسبة للأستاذ أحمد الدغيرني الذي يقف على الربوة المقابلة تماما ويُعطي للمسألة محمولا سياسيا ثقيلا يختلف عن باقي الطروحات وهو لا يجد حرجا في المطالبة جهرا بإعادة النظر في الهوية المغربية وبالتشكيك صراحة في عروبة المغرب وقد أهالته هذه الجرأة في المواقف إلى اختياره من قِبل إحدى المجلات الفرنسية الشهيرة واحدا من مائة شخصية الأكثر تأثيرا في المغرب.
أحمد الدغيرني- محامي وناشط أمازيغي: المطلوب الآن هو إعادة النظر في كل خطوط السياسة الرسمية وإلى أي مدى يمكن أن نذهب، فالمدى غير محدود لأن المطالب متسعة جدا، لأن العودة إلى ما قبل الإسلام مطروحة وجزء منها بدأ ينشأ من جديد بسبب نزاعات التعصب العروبي، حيث كلما ازداد خطر تعريب الشعب كلما حاول الشعب أن يقاوم سياسة التعريب وسياسة امتداد الشرق.
أحمد عصيد: أسلوب عمل المعهد هو أسلوب لا ينفصل عن تصورات ومبادئ الحركة الأمازيغية ولهذا أعتقد أن الحديث عن الاحتواء هو مصدره هو انعدام ثقة بسبب ماضي.. الماضي السياسي المغربي، انعدام ثقة بين الفاعلين المدنيين والسياسيين وبين أيضا المسؤولين ولكن هذا لا يعني بأن ما يتم الآن هو مجرد لعبة، لأن العمل الذي يؤسس أو يتأسس داخل المعهد هو عمل تاريخي غير مسبوق في الواقع.
الحبيب الغريبي: هذا الكلام لا يري فيه الدغيرني سوى ذر رماد في العيون، فالمسألة لابد أن تُطرح بمفعول رجعي منذ اللحظة التي اختُطِف فيها تاريخ المغرب على أيدي النخبة المتعربة حسب قوله.
أحمد الدغيرني: الدستور الحالي هو دستور 1996 وآخر نص صدر في عهد الحسن الثاني.. هو دستور شاد عن اللغات المستخدمة في الوطن..
الحبيب الغريبي: وبهدوئه المعتاد يمضي الدغيرني في هز الثوابت التي انبنى عليه المجتمع المغربي، واصلا في طرحه إلى حد القول بأن العروبة والإسلام معطيان مؤقتان في المغرب كما كانت المسيحية واليهودية من قبل.
أحمد الدغيرني: العرب دخلوا بالإسلام ولكن عليهم أن يتذكروا أن الرومان دخلوا بالمسيحية وخرجوا بها ودخل اليهود باليهودية قبلهم، اجتازوا مصر في زمن النبي موسى وجاءوا إلى شمال إفريقيا لكنهم انسحبوا انسحاب جماعي، انسحبت اليهودية القديمة، قلت لهم بأن يمكن للإسلام أن ينسحب، لا تنسوا.
الحبيب الغريبي: بين التنظير والواقع مسافات واسعة في المغرب، فما تقوله النخبة لا يعكس بالضرورة المشاغل الحقيقية للناس على الأرض، فهم وإن كانوا مدركين لخصوصياتهم اللغوية المتوارثة عبر الأجيال ليسوا مسكونين بهاجس الانتماء ولا بسؤال الهوية، فقد انصهر الجميع في بوتقة واحدة وأصبح من الصعب غالبا التفريق بين مَن هو أمازيغي ومَن هو عربي ومن واقع هذه المعاينة فإن الجدل الدائر حول أزمة العلاقة بين هذين المكونين يبدوا إلى حد كبير جدلا نخبويا بامتياز، فضلا عما يقال عن وجود أطرف خارجية تتخفى ورائها ولكن مع ذلك فإن الأصوات التي ارتفعت أخيرا لا ترى أن هذا اللغط وُلِد من عدم وأن الحراك الحاصل تبرره الوقائع والمفارقات.
علي الخداوي: في الميدان القضائي أغلب القضاة وأقول أغلب القضاة لا يعرفون الأمازيغية لأنهم لم يتعلموها لا في مدرسة ولا.. فيأتون إلى المناطق الأمازيغية أو احتفوا دين يمكن أن يأتي أمازيغي لا يعرفه العربي، فتصورا معي قاضي لا يعرف لغة المتقاضي والمتقاضي لا يعرف لغة القاضي.
الحبيب الغريبي: إلى حدود السنوات القليلة الماضية لم تكن المسألة الأمازيغية بهذا القدر من التضخم، بل واجهة فلكورية تنعكس عليها الخصوصيات الثقافية الشعبية لهذا المجتمع من خلال المهرجانات والتجمعات الفنية سواء بداخل المغرب أو خارجها ولكنها مع الانفتاح السياسي الذي شاهدته البلاد بدأت تنزلق إلى مجال التسيّس الخالص وتُطرح على أنها قضية وطنية يجب الحسم فيها وبمفعول رجعي لتحقيق ما يسميه البعض النقاء الأمازيغي.
أحمد الدغيرني: المهم أن العروبة لها موقع خاص في موطنها الأصلي وهو الشرق الأوسط وهناك نحترمها ولنا معها علاقات ربما أكثر قرابة وأكثر حميمية ولكن عروبة المغرب نرفضها.
الحبيب الغريبي: تتفاوت الأرقام عن عدد المغاربة من أصول أمازيغية بين قائل إنهم النصف إلى من يجزم بأنهم الأغلبية المطلقة ولكن الشارع لا يبدو مشغولا بهذه التصنيفات، فلقمة العيش وهموم الحياة اليومية أدعى للانشغال من هذه المطارحات الفكرية التي تكاد تُوهِم بأن صراعا في الأفق وبأن هناك نارا تحت الرماد، بينما الواقع لا يعكس ذلك على الإطلاق ومع أن ما تحقق للأمازيغية من مكاسب في الفترة الماضية لا ينكرها الأمازيغ أنفسهم فمعظمهم لا يبدو مكتفيا بما تحقق ومعركتهم القادمة هي إدراج الاعتراف بالأمازيغية في الدستور المغربي نصا وروحا.
" |
أحمد عصيد: المطلب الرئيسي الذي يعمل فيه المعهد لتحقيقه والذي هو من مهامه الرئيسية هو إعداد اللغة الأمازيغية وتهيئتها لهذا الاعتراف الدستوري القادم وذلك عبر توحيدها، فالمعهد يساهم من الناحية العلمية ببناء اللغة الأمازيغية على أسس متينة ويبقى مطلب الدسترة مطلبا سياسيا لابد للحركة الأمازيغية أن ترص صفوفها لكي تدافع عنه ولكي تُلِح في المطالبة به.
الحبيب الغريبي: في حماستهم الكبيرة للدفاع عن ما يسمونه مشروعهم الوطني تنزلق بعض التيارات إلى حد التشبه بالأكراد ومنهم من كَتب دراسات ضمنها مرثيات مطوّلة عن الحال الذي آل إليه الأمازيغ، ليس في المغرب فحسب بل وفي عموم المنطقة الشمالية لأفريقيا وقد وجدت هذه الحركة صدى واسعا لها في العالم إلى الحد الذي تأسس فيه ما سمي بالكونغرس العالمي للأمازيغية وهو هيكل غير حكومي يجمع ممثلين عن مختلف المجموعات البربرية في العالم.
محمد حنداين: في الحقيقة هذه المنظمة كان لها أهداف حقوقية بالأساس وتنسيقية أساسا، حيث تهدف إلى إثارة الرأي العام الدولي إلى أهمية النظر في الحقوق الثقافية واللغوية للشعب الأمازيغي في شمال أفريقيا، إضافة إلى جانب تنسيق، حيث أن الأمازيغ لم يتوحدوا منذ نهاية العصر الوسيط، منذ الدولة الموّحدية التي جمعت الأمازيغ شمال أفريقيا، إذاً كان هنالك شبه إعادة للتاريخ إذا أردنا.. شبه إعادة، حيث لم يلتقي أمازيغ المغرب بأمازيغ الطوارق ومالي والنيغر، بل أن الأمازيغ.. بعض الأمازيغ لم يعرفوا أبدا أن هنالك إخوانهم في تلك البلدان.
الحبيب الغريبي: أكثر من أي وقت مضى عندما كان مجرد إثارة الموضوع دربا من المحرمات وأحد التابوهات السياسية في مغرب الحسن الثاني.. بدأت المسألة الأمازيغية تأخذ مكانة مميزة في الجدليات الفكرية دون أن تصل إلى حدود الصراع المفتوح مع العروبة بشهادة الجميع على اختلاف مشاربهم، بين جذر الماضي ومد الحاضر يتمدّى بسؤال عن هوية غائمة يتجاذبها الجميع، ليس بمنطق الإلغاء ولكن بمنطق القسمة العادلة للتاريخ.