المسافر

كوبا جزيرة الثورة والسيجار.. رحلة في عبق التاريخ وسحر الحاضر

حظيت كوبا، تلك الجزيرة الصغيرة في قلب البحر الكاريبي، بمكانة تفوق حجمها الجغرافي بأضعاف، فعلى أرضها زُرعت أولى رايات العالم الجديد، وشهدت أول ثورة فيه، إنها أمة ألهمت العالم وحركت الخيال.

بانر المسافر

وتسلط حلقة "المسافر"، الضوء على كوبا التي تقع على مرمى حجر من سواحل الولايات المتحدة الأميركية، وتمتد على مساحة تزيد قليلاً على 100 ألف كيلومتر مربع، ويسكنها حوالي 11 مليون نسمة، يتحدثون الإسبانية ويتمتعون بأكثر من 500 كيلومتر من الشواطئ الطبيعية الرائعة.

وبفضل موانئها العميقة، وشواطئها الرملية، ومناخها المعتدل صارت كوبا عبر القرون محطة مهمة لخدمة السفن التجارية العابرة للمحيط الأطلسي، بينما جعلتها أرضها الخصبة مطمعًا للعديد من القوى الاستعمارية.

ولعل أكثر ما يميز كوبا هو صمودها الأسطوري، أمام قوى عظمى لأكثر من 50 عامًا، فالجزيرة لا تزال مستقلة عن الفلك الأميركي رغم كل أساليب الإخضاع، من حرب عسكرية وعمليات استخباراتية وحصار اقتصادي وحملات إعلامية ودعائية.

ومنح هذا الصمود كوبا مكانة خاصة بين شعوب العالم، فالبعض يربطها بالثورة، والبعض الآخر بالموسيقى والرقص.

السيجار الفاخر

ولكنّ هناك جانبا آخر يميز كوبا ويرتبط باسمها بشكل وثيق وهو السيجار الكوبي الفاخر، ففي مصانع تبدو عادية من الخارج، تُنتج مجموعة من أغلى وأجود أنواع السجائر في العالم.

وتعد السجائر جزءًا لا يتجزأ من ثقافة هذه الجزيرة، حيث تصدر كوبا 70 مليون سيجارة فاخرة سنويا، تبلغ قيمتها ربع مليار دولار، وهو ما يمثل ربع قيمة إجمالي صادرات البلاد.

ويعود تاريخ السيجار الكوبي إلى قرون مضت، فقد بدأ الكاريبيون بتدخين التبغ مبكرًا، بدءًا من القرن التاسع الميلادي، أي قبل اكتشاف العالم الجديد بـ6 قرون، وحمله الإسبان إلى أوروبا ليصبح ما أُطلق عليه آنذاك "الرذيلة الأرستقراطية" باهظة الثمن، وأصبح من أهم صادرات كوبا إلى العالم خلال الـ500 سنة الماضية.

تصنيع وفن وعلم

وتعتبر عملية صناعة السيجار الكوبي فنا وعلما في آن واحد، حيث تبدأ العملية في غرف تصنيف أوراق التبغ، ويتم فرز الأوراق بناءً على لونها ورطوبتها وحجمها.

إعلان

ثم تأتي مرحلة صنع السجائر، إذ يتم تجريد الأوراق من عروقها المركزية وفرزها حسب الحجم واللون، في القاعة المركزية، ويتم تجميع لفائف التبغ بعدة طبقات بمهارة وسرعة وبأحجام متساوية.

وفي المرحلة التالية يتم التصنيف اللوني للسجائر، وهي مهمة توكل عادة للنساء لدقتهن في تمييز الألوان، وبعد ذلك يأتي دور التغليف والتعليب وطباعة الاسم التجاري، وأخيرًا، يأتي دور مراقب الجودة ليتأكد من أن سمعة السجائر الكوبية لم تُمس.

المطبخ والأسطورة

وفي أحياء هافانا المتواضعة، هناك دائمًا ما يلفت الانتباه ويخطف البصر، مثل الأشجار العملاقة القديمة المتشبثة بالأرض والمتمايزة معها في لوحة تبدو سريالية، وأمامها جداريات لا تقل سريالية عنها تحمل أحلام وهموم وأفكار الإنسان الكوبي.

أما المطبخ الكوبي فيتميز بالغنى بالنكهات والقصص، ومن أشهر الأطباق الكوبية "روبا فييها"، وتعني حرفيا باللغة الإسبانية "الملابس القديمة"، وتقول الأسطورة إن سيدة فقيرة طهت ملابس قديمة لإيهام أطفالها أن الطعام قادم، فتحول القدر إلى "يخنة لحم" شهية، وأصبح هذا الطبق من أكثر الوجبات شعبية في كوبا.

ترينيداد السكر

وتنتقل عدسة البرنامج إلى موقع آخر في قلب كوبا، حيث تقع مدينة ترينيداد الصغيرة والوادعة، وسط وادٍ بين البحر والجبل، وهنا، يبدو وكأن الزمن قد توقف في القرن الثامن عشر بثروته وعزه ومجده ورخائه.

وتعد ترينيداد من أفضل المدن المحفوظة في منطقة البحر الكاريبي، وكانت مركزًا لتجارة السكر التي أكسبتها أهميتها التاريخية في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر.

وتمثل ساحة بلازا مايور قلب المدينة النابض، ومتحفا في الهواء الطلق للعمارة الإسبانية، كما تحتوي الساحة على كنائس مهيبة، وشوارع مرصوفة بالحصى، ومنازل ملونة بألوان الباستيل الناعمة، وبني حولها 50 منزلاً جميلاً وراقيًا، ليست قصورًا فخمة ولكنها منازل أنيقة ملونة منظمة تدل على ثراء ساكنيها في عصر ازدهار تجارة السكر.