المشهد السوداني - السلام السوداني وبوادر التقسيم
المشهد السوداني

السلام السوداني وبوادر التقسيم

السودان وعلاقاته التاريخية والحضارية مع مصر وإثيوبيا، موقف العالم العربي من انعكاسات الحرب الأهلية في السودان، الدور العربي إزاء بوادر التقسيم.

مقدم الحلقة:

حسن جمول

ضيوف الحلقة:

أحمد حجاج: المدير السابق للدائرة الأفريقية في وزارة الخارجية المصرية
هشام يوسف: الناطق باسم الأمين العام للجامعة العربية

تاريخ الحلقة:

14/01/2004

– السودان وعلاقاته التاريخية والحضارية مع مصر وإثيوبيا
– موقف العالم العربي من انعكاسات الحرب الأهلية في السودان
– الدور العربي من بوادر التقسيم


undefinedحسن جمول: سيداتي وسادتي، السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته ومرحباً بكم إلى هذه الحلقة الجديدة من برنامج المشهد السوداني، أعلن تَجمعٌ لأبناء منطقة آبيي وهي واحِدةٌ من المناطق الثلاث المُختَلَفِ عليها بين الحكومة والحركة الشعبية لتحرير السودان، أعلنوا رَفضَهم القاطِع لأي اتجاه يجعل من مِنطقتهم جزءاً من جنوب السودان كما تُنادي الحركة، وجاء هذا الرفض بالتَزَامُن مع تصريحٍِ للرئيس السوداني عمر حسن البشير قال فيه: "إن الحكومة السودانية غير مُستعدةٌ لِمناقشة أي قضية تتعلق بالمناطق المُختَلف عليها والتي تُطالِب بها الحركة الشعبية"، مشيراً بذلك إلى المناطق الثلاث في جنوب النيل الأزرق وجبال النوبة بالإضافة إلى آبيي.

ويرى كثيرون أن هذا التطور يُعَقِّد كثيراً من مَسَار التفاوض الحالي، من ناحية ثانية استدعت التطورات الجارية بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية لتحرير السودان استدعت إعادة النظر في العلاقات التاريخية بين ثلاثٍ من دول حوض النيل هي السودان ومصر وأثيوبيا، وذلك من أجل بَدءِ مرحلةٍ جديدةٍ من التعاون بين هذه الدول، ولكن المراقبين يَرون أنه يتحتم لكي تكون هذه العلاقة مُثمرةً أن تَجِد هذه الدولة صيغةً جديدةً للتعاون مع إريتريا.

السودان وعلاقاته التاريخية والحضارية مع مصر وإثيوبيا

تقرير يوسف نور عوض (قراءة إبراهيم هلال): مصر والسودان وأثيوبيا، ثلاثُ دِولٍ وَحَدَّت بينها الجغرافيا قبل أن تُوَحِّد بينها العلاقات والمصالح المشتركة، هيرودوت المُؤَرِّخ اليوناني الذي عاش جُزءاً من حياته في مصر وصفها بعبارة لم يَعرِف المؤرخون أبلغ منها قال: "مصر هِبَةُ النيل".. النيل لم يَكن فقط مَصدرَ الحياة في مصر ولكنه كان بِحَسَبِ مفهومات الثقافة المصرية القديمة مُستَودَع أسرار الآلهةِ التي تُقَدَّم لها القرابين، علاقة مصر بالنيل لم تَكُن مجرد احتفاءٍ بمصدر الحياة فيها بل هي علاقة ثقافة وحضارة لَوَّنت كل المظاهر على شواطئ مصر، قدماء المصريين لم يعرفوا على وجه التحديد مصدر النيل ولكنهم كانوا يعرفون أنه يأتي من مكان ما جنوب بلادهم، وقادهم ذلك إلى تَوثيق علاقاتهم ببلاد النوبة التي تتكلم لغةً سودانيةً موازية هي اللغة المروية ولكنها تُمارِسُ طقوساً دينية شبيهةً بما يمارسه قدماء المصريين.

الأهرامات الموجودة على أرض النوبة يزيد عددها عن الأهرامات الموجودة على أرض مصر، ما يَعكس قوة تأثير الحضارة المصرية على الحضارة المروية، علاقة النوبة بمصر لم تكن عِِلاقة جوارٍ فحسب بل علاقة حبٍ وإخاء والملك شباك النوبي هو مُؤَسِّس الأسرة الفرعونية الخامسة والعشرين وشَبكتا هو الذي تَجَرَّد لطرد الآشوريين من مصر.

علاقة مصر التاريخية لم تتوقف عند بلاد النوبة بل تجاوزتها في عهد الملكة حتشبسوت إلى بلاد بُنط التي هي بلاد الصومال حالياً، وقال المؤرخون إنها كانت تبحث عن العطور، والحقيقة هي أنها كانت تبحث عن مصادر النيل التي كانت تَعرِف أنه كان يأتي من مكانٍ ما في تلك المناطق، ومع ذلك ظَلَّت مصادر النيل سِراً مُغلقاً حتى عصرنا الحديث.

محمد علي باشا صانع نهضة مصر الحديثة، أَدرك أن أمن مصر يعتمد على أمن مصادرها المائية وبالتالي جَرَّد جيوشه في الربع الأول من القرن التاسع عشر جنوباً ليُقيم حُكماً في السودان حتى قيام الثورة المَهدية في الربع الأخير من القرن التاسع عشر.

الإنجليز الذين كانت لهم مَطامِعهم في المنطقة وكانوا يَخشون النفوذ المصري فيها، تَذَرَّعوا بدعوى الانتقام لغوردن باشا فَجَرَّدوا حملة كتشنر التي استعادت السودان في عام 1898 وهو الغزو الذي استمر حتى نَالَ السودان استقلاله في عام 1956، وكانت مُشاركةُ مصر في هذا الحكم اسمياً، مشاركة مصر في حكم السودان مع الإنجليز لم تُضعِف المشاعر السودانية تجاه مصر فقد كان أقوى أحزاب الحركة الوطنية في السودان الحزب الوطني الاتحادي بقيادة إسماعيل الأزهري وهو الحزب الذي رَفع شعار وِحدة وادي النيل، الشعار الذي استقطب مشاعر السودانيين وجعل الحزب يفوز بالأغلبية في أول انتخابات برلمانية تُجرى في السودان في العهد الوطني.

عوامل كثيرة تَدَاخَلت حالت دون الوِحدة المَنشودة بعد أن أُعلِن الاستقلال في السودان من داخل البرلمان عام 1956، جمال عبد الناصر لم يَعتَرِض على ذلك وكان موقفه في محادثات الجلاء عن مصر، الجلاء عن السودان أولاً، موقف عبد الناصر تَكرَّر في عام 1958 عندما نشبت أزمة حلايب بين رئيس وزراء السودان والحكومة المصرية، فعاد عبد الناصر من دمشق ليقول: "إن جيش مصر الحُرةِ المستقلة سَنَدٌ للجيش السوداني الحُر المُستقل وإن جيش السودان سَنَدٌ لجيش مصر"، وأَفرَغَ بذلك الأزمة وأوقف تفاعلها.

الانقلاب الذي قاده الفريق إبراهيم عبود في عام 1958 رَفَع شِعار إزالة الجَفوة المُفتَعَلة بين مصر والسودان وقام إبراهيم عبود خلال فترة حكمه بتوقيع اتفاقية قيام السد العالي مع مصر وكان من أكبر تَضحياتِها تَهجير أهل النوبة -همزة الوصل بين مصر والسودان- من مواقِعهم، العلاقات السودانية المصرية تَحسَّنت كثيراً خلال فترة الرئيس جعفر النميري الذي رفض مُقاطعة مصر عندما وقَّعت اتفاقية كامب ديفد، ودعا إلى إقامة التكامل بين البلدين، وفي هذه المرحلة أُسِّسَت وزارتان لنفس الغرض، بل ذهب النميري إلى إنشاء مشروع قناة جونغلي الذي يُضاعِف حصةَ البلدين من المياه وهو المشروع الذي تَوقَف بسبب اندلاع الحرب الأهلية في جنوب السودان.

مصر كانت أول من رَحَّبَ بقيام نظام الإنقاذ وقَدَّمته للدول العربية ولكن العلاقات ساءت كثيراً بسبب اتهام مصر للحكومة السودانية بدعم الإرهابيين في مصر وبسبب محاولة الاغتيال التي تعرض لها الرئيس حسني مبارك في أديس أبابا، التطورات الحالية والاتجاه نحو إقامة السلام الشامل أكدت من جديد أهمية العلاقة بين مصر والسودان ولكن الطرفين يُدرِكان الآن أن الضِلع الثالث من أجل إقامة تعاونٍ إقليمي هو إثيوبيا، وهو ما أكده الاجتماع الذي تم أخيراً بين وزراء خارجية الدول الثلاث في مصر، تحقيق هذا الأمل ربما لا يتم إلا بإيجاد صيغة جديدة في علاقات هذه الدول الثلاث بإريتريا حتى لا يُفَسَّر التقارب الثلاثي بين اليمن والسودان وأثيوبيا على أنه مِحوَرٌ يتعارض مع أهداف الدول التي تُطِلُّ على نهر النيل.

حسن جمول: ومعي من القاهرة السفير أحمد حجاج المدير السابق للدائرة الأفريقية في وزارة الخارجية المصرية، سيد أحمد بدايةً، هل تَعتَقِد أنه خطأٌ استراتيجي ابتعاد مصر عن المفاوضات الجارية بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية لتحرير السودان خصوصاً وأن مصادر المياه لمصر قد تكون مُهدَّدة في مرحلةٍ معينة من المراحل؟

أحمد حجاج: لا أعتقد أن مصر قد ابتعدت عن الشأن السوداني، منذ وِقت طويل كانت الاتصالات جارية مع كل أطراف النزاع في السودان سواء الحكومة في الخرطوم أو الجيش الشعبي لتحرير السودان.. الزيارات كانت في القاهرة وفي السودان.. هناك عدد كبير من المؤسسات والأحزاب السودانية موجودة.. لها تواجد في مصر، كما تَعرِف مصر وليبيا قَدَّمتا مُبادرة مُشتركة صحيح لم تُطرح على مائدة المفاوضات الفِعلية ولكن كان لها أثَر في سير هذه المفاوضات، فمصر مُهتمة بالشأن السوداني ولكن لا تريد أن تُقحِم رأيها في شأن يَخُص السودانيين أنفسهم ويجب أن يتوصلوا إلى صياغةٍ لحل المشكلة السودانية بأنفسهم.

حسن جمول: إذا حَصَلَ وطالبت، مثلاً الحركة الشعبية لتحرير السودان إذا طالبت بِتعديل اتفاقية النيل المُوقَّعة بين السودان ومصر.. هل لدى مصر استعداد لإعادة النظر بها من جديد؟

أحمد حجاج: لم أسمع أن الحركة قد تُنادي بذلك.. العقيد غرنغ في كل تَصريحاته يُؤَكِّد أنه ليس من سياسته التأثير على تدفق مياه النيل..

حسن جمول [مقاطعاً]: نعم..

أحمد حجاج [متابعاً]: إلى مصر..

حسن جمول [مقاطعاً]:ولكن.. نعم، ولكن ثَمَّة..

أحمد حجاج [متابعاً]:وهذا افتراض لا أعتقد.. تفضل.

حسن جمول [مقاطعاً]: نعم، ولكن ثَمَّة أطراف في الحركة الشعبية وأيضاً ممن يُسَمَّون بالمتمردين، يطالبون بأن تشمل اتفاقية اقتسام الثروة أن تَشمل أيضاً اقتسام المياه، وبالتالي هذا يعني عملياً مُطالبة بإعادة النظر بالحصة التي يأخذها السودان بموجب هذه الاتفاقية.

أحمد حجاج: الاتفاقية التي عُقِدَت بمصر أو الاتفاقية بين مصر وحكومة السودان وليست مع أطراف أُخرى ونحن نلتزم بهذه الاتفاقية حَرفياً وأعتقد أنه لا تُوجَد أي أطراف سودانية سواء في الجنوب أو الشمال تُريد إعادة النظر في هذه الاتفاقية، ولكن هناك إطار جديد يُنشأ بين دول حوض النيل للتعاون في.. بالنسبة للمشروعات المُشتركة على نهر النيل.

حسن جمول: نعم ولكن..

أحمد حجاج [مقاطعاً]: وقد تقدم هذا..

حسن جمول [متابعاً]: في المقابل..

أحمد حجاج [مقاطعاً]: الإطار الجديد..

حسن جمول [متابعاً]: الاتفاق المُوقّع بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية يَنُصُّ على تقرير المصير خلال ست سنوات.. ماذا لو كان هذا المصير هو الانفصال واختار الجنوبيون الانفصال عن السودان؟ ماذا بالنسبة لمصادر المياه الموجودة في الجنوب لا سيما بالنسبة لمشروع جونغلي الذي تَوَقَّف؟

أحمد حجاج: على العكس.. اعتقد أن هناك تصريحات كثيرة من العقيد قرنق وغَيره من المسؤولين في الجنوب بأهمية مشروع قناة جونغلي الذي سَتعود فائِدته ليس فقط على مصر ولكن أيضاً على السودانيين، وهذا المشروع يَتكَلف نفقات طائلة وستُشارك فيها جميع الأطراف التي تستفيد من هذه المشروع ويجب ألا نفترض افتراضات وأنه نَبني عليها نتائج مُعينة دون أن تقوم على أُسُس سليمة.

حسن جمول: على أُسُسٍ سَليمة، ولكن ألا تعتقد بأن.. بأن هناك نِسبة ولو ضئيلة بأن الجنوبيين قد يختارون الانفصال، ربما في إطار حق تقرير المصير الذي مَنَحتهم إياه الحكومة السودانية بموجِب الاتفاق الأخير؟

أحمد حجاج: هذا يتوقَّف على أطراف النزاع نفسهم بين حكومة الخرطوم والاتفاقية الجديدة التي.. من المتوقع تَوقيعها خلال فترة قصيرة، لا يُمكِن لمصر أن تُفرَض على السودانيين ما لا يريده السودانيين أنفسهم.

حسن جمول [مقاطعاً]: نعم.. ولكن باختصار أنتم..

أحمد حجاج [متابعاً]: ونحن..

حسن جمول [مقاطعاً]: أنتم، أنتم مطمئنون..

أحمد حجاج [متابعاً]: طبعاً هناك تقرير أن..

حسن جمول [مقاطعاً]: أنت.. أنتم في هذه الحالة مُطمئنون إلى كل ما يمكن أن تُفضي إليه هذه المفاوضات والاتفاقات بأنَّ وَضع مصر أكان مع المعارضة أو مع الحكومة السودانية هو وضع ثابت ولا خوف للمصالح المصرية في السودان.. لا خوف عليها.

أحمد حجاج: أعتقد أن الاتجاه العالمي.. ولكن الاتجاه في إفريقيا، أنا خدمت أكثر من 20 سنة في أفريقيا.. الاتجاه نحو التكتلات الكبيرة لا يُوجَد أي اتجاه لِفصل الدول حيث أن هناك مشاكل كثيرة في عدد من الدول الإفريقية وإذا حدث مثل هذا الانفصال سيكون سابقة.. يبُنى عليها في دول إفريقية أخرى..

حسن جمول: نعم..

أحمد حجاج [متابعاً]: منظمة الوحدة الإفريقية التي أصبحت الاتحاد الإفريقي الآن تتجه إلى وِحدة بين كل الدول الأفريقية، فيجب أن نتجه لهذا..

حسن جمول [مقاطعاً]: سيد..

أحمد حجاج [متابعاً]: الاتجاه..

حسن جمول [مقاطعاً]: نعم..

أحمد حجاج [متابعاً]: ولا نَبني إذا كنا نُريد التعاون بين كل الأطراف في هذا الصدد.

حسن جمول: سيد أحمد حجاج من القاهرة.. شكراً جزيلاً لك، فاصلٌ قصير مُشاهدينا نعود بعده لمواصلة هذه الحلقة من المشهد السوداني.

[فاصل إعلاني]

موقف العالم العربي من انعكاسات الحرب الأهلية في السودان

حسن جمول: أهلاً بكم من جديد، اكتنفت حالةٌ من الضبابية وعدم الوضوح.. تَعامل العالم العربي مع انعكاسات الحرب الأهلية في السودان منذ اندلاع مرحلتها الحديثة عام 1983 فباستثناء التعاون الثُنائي الذي كان يتم بين السودان وعددٍ محدودٍ من الدول العربية كانت المؤسسات العربية السياسية والاجتماعية غَائبةً تماماً عن مسرح الحرب الأهلية في السودان حتى وقتٍ قريب، ويطرح هذا الواقع أسئلةً كثيرةً لابد للعالم العربي من مَعرِفة إجاباتها، خاصةً وأن السودان يتجه الآن نحو السلام بِمُختَلف النواحي التي يحملها هذا السلام في جَوفِه ومنها، شبح انفصال الجنوب حتى ولو كان هذا الاحتمال بعيداً، وتزدادُ هذه الأسئلة تعقيداً نظراً لموقع السودان كله الاستراتيجي وموقع جنوب السودان الأكثر استراتيجيةً بالنسبةِ للعالم العربي.

محمد الكبير الكتبي: كانت الحركةُ الشعبية لتحرير السودان تعلم منذ بِروزِها للوجود عام 1983، أن أكبر مُهَدِّدٍ لأطروحاتها هو العالم العربي ومصر بالتحديد، لذلك لم تتردد في الإعلان عن أنه لا صُلح لها مع الحكومة أبداً ما لم يتم تخلي الحكومة السودانية عن اتفاقات الدفاع المُشترك التي تربطها بجامعة الدول العربية وعن اتفاقية الدفاع المشترك التي تَربط حكومة جعفر نميري آن إذٍ بمصر بموجب اتفاق التكامل الذي كان مُبرماً بين السودان ومصر في ذلك الوقت، ولكن بِمرور الزمن ومع استعار نيران الحرب الأهلية في السودان وسقوط نظام جعفر نميري وانهيار التكامل مع مصر وانشغال العالم العربي بهمومه عن السودان وإفرازات الحرب الأهلية فيه تخلت الحركة الشعبية عما كانت تُنادي به، بل رحَّبت في أكثر من مناسبة بأي دور عربي لحل النزاع مع حكومة الفريق عمر البشير.

يعلم العالمُ العربيُ جيداً أن انفصال جنوب السودان عن شماله يُمَثِّل تهديداً خطيراً للوِحدة العربية، ويَعلم العرب جيداً كذلك أن قيام دولة في جنوب السودان مُعاديةٌ للعرب يُشكِّل تهديداً استراتيجياً للعالم العربي من أهم مواقعه وهي جنوب السودان الحالي واستطاع وزير الخارجية السوداني مصطفى عثمان إسماعيل من خلال زياراته المكوكية للعالم العربي أن يُكَرِّسَ مفهوم هذه الحقيقة عسى أن يتحرك العالم العربي ولو مُتأخِّراً لِنجدة السودان ومُساعدته لِمنع التقسيم الذي بدأ شَبحه يلوح بكل قوةٍ وقسوة من خلال مفاوضات السلام التي بَدت في كثير من الأحيان تَميل لصالح التقسيم أو في أحسن الفُرص تُشَجِّع ما اصطُلِح على تسميته بالاستفتاء على تقرير مصير جنوب السودان.

وقَّعت الحكومة السودانية والحركة الشعبية لتحرير السودان في ضاحية ماشاكوس الكينية وبرعاية منظمة إيجاد الإقليمية وقعتا في العشرين من يوليو عام 2002 اتفاقاً عُدَّ نقلةً مهمةً باتجاه التسوية النهائية للحرب الأهلية في السودان، وقد مَنَحَ ذلك الاتفاق حق تقرير المصير لمواطني جنوب السودان.

كان الاتفاق بمثابة التِرياق الذي جعل جامعة الدول العربية تَفوق من غفوتها وتجاهلها لما يدور في جنوب السودان، ولأول مرة في تاريخ النزاع قاد الأمين العام للجامعة تَحركاً مُكثَّفاً لمصلحة ما أسماه الإعمار والتنمية في جنوب السودان.. بل تَعدّى الأمر ذلك وتم تَعيين مَبعوثٍ خاص للجامعة العربية لأول مرة لِمتابعة الأمور في جنوب السودان عَلَّ الجامعة تُدرِك الأمور قبل فوات الأوان، وقد ظل السودان على اتصال بالجامعة يحيطها بالتطورات أولاً بأول وظلت الحركة الشعبية أيضاً على اتصال بالجامعة وإن كانت جامعة الدول العربية بَقيت صامتاً تجاه مختلف التطورات الأخيرة واقتصر موقفها على الترحيب الحَذِر بِمُجمَل التطورات دون أن تُدلي بأية تفاصيل.

من ناحية أُخرى ظلت جمهورية مصر مُهتمةً بالشأن السوداني واستقبل الرئيس حسني مبارك مراتٍ عديدة جون قرنق زعيم الحركة الشعبية لتحرير السودان ولكن اهتمام مصر بَقيَ مُنصَبَّاً بالمعارضة الشمالية لنظام البشير واستضافت مؤتمراتها أكثر من مرة وانقطعت في المقابل زيارات المسؤولين المصريين للسودان لِتوتر علاقات القاهرة والخرطوم.

أعادت اتفاقية ماشاكوس التي وقعتها الحكومة السودانية والحركة الشعبية في العشرين من يوليو عام 2002 الدفء ولو بطريقة غير مباشرة للعلاقات المصرية السودانية فقد باتت مصر ترى التهديد القادم إليها من جنوب السودان مَاثِلاً ولابد لها من احتوائه أو على الأقل الاستعداد للتعامل معه، وزار الرئيس مبارك الخرطوم في نهاية أبريل عام 2003 لأول مرة منذ خمسة عشر عاماً واعتُبِرت الزيارة عَودةً لقمة العلاقة بين البلدين من خلال رؤيةٍ إستراتيجية مصرية لأمن مصر الذي لا ينفصل عن أمن السودان ومن خلال دور مَفروض -بِرأي كثيرين- لمصر في النزاع في جنوب السودان، منذ فشل المبادرة المصرية الليبية المشتركة للمُصالحة السودانية.

الرئيس محمد حسني مبارك: السودان المُجَزَّأ ضَررٌ للطرفين، لذلك إحنا دائماً نتكلم على هذا الموضوع وحتى مع الولايات المتحدة الأميركية ومُتَفقين معنا أنه لا تقسيم للسودان لأنه من الخطورة بِشَكلٍ قد يُوقِعنا في أخطاءٍ كبيرة وسيستمر النزاع.

محمد الكبير الكتبي: وقد بدا زعيم الحركة الشعبية لتحرير السودان جون قرنق مُستفيداً من جُملة المواقف التي تَكتَنِف الساحة السياسية السودانية وانتهز فرصة لِقائه في القاهرة مع رئيسي حزب الأمة والحزب الاتحادي الديمقراطي ليُداعِب مصر بالقول: "إن على جميع الأطراف المَعنية تَهيئة الظروف حتى يُصَوِّت الجنوبيون في الاستفتاء لصالح الوِحدة خلال أي خِيارٍ قادمٍ في السودان"، وذلك في إشارةٍ واضِحةٍ لما تم الاتفاق عليه في ماشاكوس لِتَتضح الانعكاسات الواضحة للسلام القادم في السودان مباشرةً على مصر ومباشرةً أو بطريقة غير مباشرة على العالم العربي.

الدور العربي من بوادر التقسيم

حسن جمول: ومعي من القاهرة المستشار هشام يوسف الناطق باسم الأمين العام للجامعة العربية، سيد هشام، لماذا تَأخَرت الجامعة العربية في التحرك نحو السودان إذا كان أقطابُ العرب يَرون بأن سودان غير مُوحَّد هو ضَررٌ على باقي العرب؟

هشام يوسف: ربما تَكون الجامعة قد تَأخَرت بعض الشيء في التعامل مع الملف السوداني إلا أنه في السنوات القليلة الماضية كان هناك نَشاطاً كبيراً في التعامل مع هذا الملف وتم التعامل معه بِفعالية كبيرة -في تقديري- سواء على المَسار السياسي أو المَسار الاقتصادي أو على مَسار زيادة الوعي العربي بهذا الموضوع بشكلٍ عام.

حسن جمول: ولكن ألا تعتقد بأن هذا التحرك المُتأخر جاء في وقتٍ الجامعة العربية تَراجَع دورها ووضعها على الصعيد العالمي كمنظمة إقليمية؟

هشام يوسف: لأ، أنا اعتقد إن الموضوع مُختَلِف المسألة ليست أن الجامعة العربية دورها تراجع.. الجامعة العربية تقوم بِدورٍ هام في العديد من القضايا.. نعم، نواجه بعض الصعوبات وهناك قضايا كثيرة تُواجه الجامعة وهناك عملية لإعادة التطوير والإصلاح وخلافه ولكن ليس معنى ذلك أن الجامعة العربية لا تستطيع أن تتعامل بكفاءة مع..

حسن جمول [مقاطعاً]: نعم.

هشام يوسف [متابعاً]: مُختَلَفِ القضايا وهو ما تم بالفعل في التعامل مع عِدة مسائل تُواجِه العالم العربي.

حسن جمول: ما هو دور الجامعة الآن فيما يجري في السودان من مُفاوضات بين الحكومة وبين الحركة الشعبية لتحرير السودان؟

هشام يوسف: دور الجامعة.. المسألة ليست المشاركة في المفاوضات ولكن الجامعة العربية سَاهمَت في تشكيل الموقف العربي من اتفاق ماشاكوس وبما صَاحبه من تأييد عربي ودولي، وبدأ على أساسه التحرك للدفع بِجهود التنمية في جنوب السودان وقامت الجامعة العربية بِعقد عدة اجتماعات لكافة المنظمات العربية المُتخَصِّصة لبحث كيفية تقديم الدعم للسودان، وهناك بالفعل العديد من المشروعات التي تم توفير التَمويل اللازم لها وبلغ هذا التمويل حتى الآن حوالي 180 مليون..

حسن جمول [مقاطعاً]: نعم.

هشام يوسف [متابعاً]: دولار لمشروعات في مجال الطرق..

حسن جمول [مقاطعاً]: في ظل..

هشام يوسف [متابعاً]: والكهرباء..

حسن جمول [مقاطعاً]: نعم.

هشام يوسف [متابعاً]: والصحة والتعليم وغيرها.

حسن جمول: في ظل مشروعات التنمية هذه التي تَقوم بها الجامعة العربية أو تَنوي الجامعة العربية القيام بها.. كيف تنظرون إلى إمكانية حصول دولة في الجنوب السوداني وهو احتمال ربما مُستَبعد ولكنه قائم ووارِد؟

هشام يوسف: هذه هي مُهمتنا وهذا هو التحدي الذي يُواجِه الدول العربية، هو أن تعمل خلال الفترة الانتقالية بعد التوصل إلى اتفاق للحفاظ على وِحدة السودان وسلامة أراضيه، وهذا هو الموقف العربي الثابت منذ فترة طويلة ومُهِمة الدول العربية ومهمة الجامعة العربية بكافة مؤسساتها ومنظماتها وصناديقها ومجتمعها المدني وخلافه أن تَعمل على دَعم وِحدة السودان إلى أن يتم عقد الاستفتاء طِبقاً لبروتوكول ماشاكوس، وبالتالي المُهمة ليست سهلة ولابد أن نكون على وَعي بأن المُهمة ليست سهلة ولكن ما نجحنا فيه هو أن الملف السوداني أصبح على رأس قائمة أولويات العمل العربي المُشتَرك والاهتمام بالسودان على درجة كبيرة من الأهمية..

حسن جمول: نعم.

هشام يوسف: وفي غداً بإذن الله هناك اجتماع سيُعقَد في الجامعة العربية لبحث كيفية تقديم الدعم إلى الشعب السوداني..

حسن جمول [مقاطعاً]: سيد..

هشام يوسف [متابعاً]: بِمُشاركة العديد من منظمات العمل العربي المشترك وبمشاركة..

حسن جمول [مقاطعاً]: سيد هشام.. نعم.

هشام يوسف [متابعاً]: الحكومة السودانية ومسؤولين من جنوب السودان.

حسن جمول: سيد هشام يوسف من القاهرة، شكراً جزيلاً لك.. وبهذا مُشاهدينا نَصِلُ إلى نهاية هذه الحلقة من المشهد السوداني إلى أن نلتقي في الحلقة المقبلة هذه تحية وإلى اللقاء.