الجانب الآخر

عبد الفتاح مورو لـ"الجانب الآخر": لن أعود للعمل السياسي والتونسيون تفرقوا في صفوف أيديولوجية

واجه الاستبداد في بلاده تونس وتعرض خلال مسيرته الطويلة إلى الظلم والاعتقال والسجن والمنفى. وخلال “ثورة الياسمين” حلم كغيره بالتغيير الجذري وبنظام ديمقراطي، ليعتزل لاحقا العمل السياسي إلى الأبد.

وفي حلقة (2022/6/10) من برنامج " الجانب الآخر"، عرض الرئيس السابق للبرلمان التونسي بالنيابة عبد الفتاح مورو عصارة مسيرة امتدت عقودا، كانت بدايتها في باب السويقة التي تربى فيها وانطلق منها في رحلة حياة شاقة، لكنها حياة منحته تجربة وحنكة وجعلت منه أحد أبرز الشخصيات الإسلامية في تونس.

نشأ في كنف أسرة كادحة تؤمّن رزقها بالحلال، حيث كان والده "قهوجي" ووالدته خياطة. ويعلق مورو على ذلك بالقول "إن الخبز كان يأتينا من عرق جبيننا، ولم نأخذ مال أحد".

بدأ الخطابة في سن 16 سنة في جامع الزيتونة، إذ اعتلى المنبر بعد نزول الإمام منه بعد صلاة الجمعة، ويكشف عن أنها كانت المرة الوحيدة التي كتب فيها خطبة. وكان عنوان الخطبة "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر". ومن جامع الزيتونة أيضا بدأ عقد حلقات دينية، وخلالها تعرف على راشد الغنوشي عام 1969.

وتطرق الرئيس السابق للبرلمان التونسي بالنيابة عن محطات مهمة من حياته، وكشف عن أنه درس القانون لإقرار العدل والمساواة في تونس، لكنه جوبه بالسلطة تحاصره وتعرضه على المحاكمة بتهمة أن سلوكه يتنافى مع سلوك القاضي المثالي، وذلك لكثرة تردده على المساجد.

الاعتقال والسجن ثم المنفى 

ولم يرضخ مورو لمضايقات الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة، وشارك عام 1978 في انتفاضة الخبز في باب السويقة، وأصيب بطلق ناري على مستوى الصدر، وكان هناك إذن بإطلاق النار على المتجمهرين في ما سميت "انتفاضة الخميس الأسود"، كما يؤكد مورو.

وعاد ضيف حلقة برنامج "الجانب الآخر" بذاكرته إلى سنوات تحرك الإسلاميين وتأسيسهم حركة "الاتجاه الإسلامي"، وقال إن هذا التحرك جاء بعد تفكير بضرورة تطوير العمل الدعوي والبحث عن حلول للإشكاليات التي يمر بها التونسيون.

وتعرض خلال تلك الفترة للاعتقال، وحكم عليه بالسجن 10 سنوات عام 1981، وكانت التهمة الانتماء لجمعية من دون ترخيص، ووُضع في سجن انفرادي، ثم مع الغنوشي وشخص ثالث. وحسب ما روى فقد كانت ظروف السجن سيئة جدا، ناهيك عن الضغوط التي مارسها النظام على والدته التي أُخرجت من بيتها وزوجته التي طلبوا منها أن تطلقه.

وبعد الإفراج عنه عام 1983، سافر إلى فرنسا ثم ألمانيا طلبا للجوء السياسي، لكنه لم يحصل عليه، لينتقل بعدها إلى السعودية بتأشيرة زيارة وعمرة، وهناك رحب به المسؤولون السعوديون وعُيّن مستشارا قانونيا في رابطة العالم الإسلامي "بأجرة محترمة".

غير أن متاعب الرجل ظلت تلاحقه، إذ دعاه الرئيس الراحل زين العابدين بن علي الذي انقلب على بورقيبة إلى العودة لتونس عام 1988، ليفاجأ بعد يومين بمثوله أمام القضاء وصدر ضده حكم بـ5 سنوات سجنا، قبل أن يصدر عفوا عنه. كما تعرضت أسرته وبيته للمراقبة بكاميرات وضعتها السلطة، وهو ما عدّه مورو إهانة وإزعاجا لحياته الشخصية.

ثورة الياسمين 

ورغم قناعته بأن إسقاط نظام بن علي كان يبدو مستحيلا، قال المفكر والداعية التونسي إن إصرار التونسيين خلال "ثورة الياسمين" عام 2011 غيّر نظرته، لكنه أوضح أن تفكيره حينها كان يتمحور حول شكل النظام الذي يسعى إليه التونسيون، مشيرا إلى أن هذا الأمر لم يكن مطروحا في أذهان كثيرين، وما حصل أن التونسيين تفرقوا في صفوف أيديولوجية مختلفة وتكلموا عن شعارات لا معنى لها في ذلك الوقت.

وعن حركة حزب النهضة وأسباب إبعاده منها، قال مورو إنه لم يفهم ولم يتقبل ذلك، وكان يأمل أن يكون ضمن المجلس التأسيسي. وكشف لبرنامج "الجانب الآخر" عن أنه اختلف مع النهضة في بداية الثورة "لأنهم كانوا يريدون أخذ الحكم وأنا كنت ضد هذه الفكرة، لأن الحكم ليس لعبة".

وقال "إن من حق النهضة أن تستحوذ على الأغلبية في البرلمان، لكن ذلك لا يخولها لقيادة بلد يعيش حالة مخاض ولا تملك أسباب تطوير حاله نحو الأحسن"، مشددا في سياق حديثه على أنه شخصيا لم يتغير ولم يسكت عن كثير من القضايا، ولم يتهم أحدا.

كما شدد على أنه لن يعود إلى العمل السياسي، وأن تجربته انتهت وسنه لا تسمح، وهو منشغل الآن بالشأن العام.