المقابلة

المفكر محمد العوا: لم أتمن عدم اندلاع ثورة يوليو 1952

قال المفكر الإسلامي محمد سليم العوا إنه بعد تجربته التي عاصر خلالها سنوات من الحقبة الملكية ثم نظام يوليو 1952، لم يتمن عدم اندلاع “حركة الضباط الأحرار”، لكنه كان يرجو أن يتصرف أصحابها بطريقة مختلفة.

وحل العوا ضيفا على برنامج "المقابلة" بتاريخ (2024/9/15) في أولى حلقاته التي تم بثها عبر منصة الجزيرة 360، حيث تناولت نشأته منذ ولادته بمدينة الإسكندرية عام 1942 ومسيرته الشخصية والفكرية وموقفه من العهود التي عاصرها، وكذلك علاقته بالتيارات المعاصرة وفي مقدمتها جماعة الإخوان المسلمين.

وعاصر العوا الفترة الملكية 10 سنوات قبل قيام "الضباط الأحرار" بإنهاء تلك المرحلة وبدء حقبة جديدة، استهلها جمال عبد الناصر بتغييرات جذرية وإصلاحات اتفق مع بعضها ورأى أن بعضها الآخر لم يكن صحيحا ولا مناسبا وأثمر حصادا مرا و"كان مؤلما".

ومع أنه لا يتمنى لو أن ثورة يوليو لم تحدث، إلا أنه كان يأمل أن تُدار الأمور بطريقة مختلفة، حيث يرى أن التجربة التي قادتها الثورة لم تكن ناجحة في مجملها. وأوضح أن أكثر ما آلمه في هذه التجربة هو تحطم منظومة القيم الأخلاقية، التي كانت سائدة قبل الثورة، والتي تشمل قيم الاحترام، العمل، والأمانة.

ملكية أم جمهورية؟

وفي سياق المقارنة بين التجارب الملكية والجمهورية في البلاد العربية، استحضر العوا نقاشا دار بينه وبين الكاتب الراحل محمد جلال كشك، الذي كان يفضل الملكية ويرجع ذلك إلى أن "الملوك نعرف أصلهم وفصلهم، لكن من جاءوا إلى الحكم بعد الانقلابات العسكرية لا نعرفهم".

رغم أن العوا كان يأمل أن تكون أنظمة الحكم الجمهورية في العالم العربي مهتمة بحرية الشعوب وكرامتها، فإنه انتقد تركيزها -وخاصة في مصر- على مشاريع التنمية الاقتصادية والتصنيع رغم عدم توفر المقومات لذلك على حساب الزراعة.

ويقول في هذا السياق: "دخلنا على مشاريع تنمية اقتصادية وتصنيع، لكننا أهملنا الزراعة والعلاقات الثقافية بالعالم الإسلامي"، ويرى العوا أن مصر تحولت من منارة للعلم والثقافة إلى دولة تعاني من صناعة متعثرة وزراعة غير كافية، إلى جانب تدهور العلاقات الاجتماعية.

الفرق بين حقبتي عبد الناصر والسادات

وفي تقييمه للعهد الناصري ومقارنته بحقبة أنور السادات، يرى العوا أن المصريين شعروا بتغير هائل بين الحقبتين، ويقول: "الذين آمنوا بالاشتراكية والناصرية شعروا بأن البساط قد سحب من تحت أقدامهم، بينما الذين رأوا في الحكم العسكري قسوة وفشلا، شعروا بأن الأمور قد ردت إليهم".

ويرى العوا أن الرئيس السادات حقق إنجازات عظيمة، ومن أبرزها إلغاء قانون الفصل بغير الطريق التأديبي، في حين يرى أن من حسنات عبد الناصر إحياءه فكرة العروبة، لكنه أخطأ في التجربة الاقتصادية والاجتماعية.

كما يرى أن مصر خسرت الكثير بعد الثورة، خاصة فيما يتعلق بالنظام الحزبي الديمقراطي الذي كان يمكن أن يكون بداية للإصلاح، لكنه لم يُستكمل بعد قيام الثورة.

وحول دور الإخوان المسلمين في تلك الفترة، يشير العوا إلى أنه لم يكن ملموسا وظاهرا بل كانت إسهاماتهم خفية عبر كوادرهم، لافتا في هذا السياق إلى أن جمعيتي أنصار السنة المحمدية والشرعية لتعاون العاملين بالكتاب والسنة احتضنتا الظاهرة الإسلامية بشكل شبه تام في عهد عبد الناصر، وساعدهما تجنبهما للخوض في السياسة.

وكان من مساوئ مرحلة ما بعد حركة الضباط الأحرار في يوليو، إذكاء وتنمية الشعور بالبغضاء في نفوس الفئات المتوسطة والفقيرة تجاه الفئات الغنية، وهو ما أدى -حسب العوا- إلى تأثيرات سلبية على الاقتصاد، ومن ذلك تفتيت الملكية الزراعية تحت عنوان الإصلاح الزراعي.

ويرى العوا أن مصر عاشت خلال القرن الماضي خليطا عجيبا من التجارب السياسية والاجتماعية، حيث كانت تسعى للديمقراطية في نصفه الأول، بينما شهد نصفه الثاني حكما لا يقبل الرأي المخالف ويضيق الخناق على الحريات.

العلاقة بجماعة الإخوان

ونشأ محمد العوا في أسرة ذات جذور شامية تحرص على تعليم أبنائها مبادئ الإسلام وأسسه وتعاليمه، ورغم علاقته الوطيدة بالكثير من منتسبي جماعة الإخوان المسلمين في بداية تكوينه وصلة والده الوثيقة بمؤسس الجماعة حسن البنا، فإنه آثر السير مستقلا، وعزز ذلك نصيحة والده وأحد مسؤولي الجماعة نفسها.

وفي معرض حديثه عن أسرته، أوضح العوا أنها كانت تحرص على تعليم أبنائها مبادئ الإسلام بطريقة خالية من الخرافات والشعوذة، ولفت إلى أن والده كان يميل إلى السلفية، وكانت مكتبته مليئة بكتب ابن تيمية وابن القيم، وأن هذا التوجه أثّر بشكل كبير على نشأته الدينية.

وكان والد العوا يعمل في مصلحة الهواتف، وتدرج في مناصبها حتى أصبح مديرا عاما للمصلحة في الإسكندرية والدلتا، وكانت له علاقة وثيقة بحسن البنا، مؤسس جماعة الإخوان المسلمين، ورغم هذه العلاقة، فإن العوا لم ينخرط في صفوف الإخوان، بل اختار أن يبقى مستقلا بناء على نصيحة أولى من والده.

لكن العوا أكد أن هذه الاستقلالية وحرصه على عدم الانتماء لجماعة الإخوان لم يقترنا بكره للجماعة أو عداوة لها، وأبدى في هذا السياق إعجابه في تلك المرحلة بالنشاط الرياضي المستمر للإخوان، في مقابل رفضه القاطع لمبدأ السمع والطاعة في المنشط والمكره داخل الجماعة حيث كان يشكل نقطة خلاف أساسية بالنسبة له.

ويقول العوا في هذا السياق: "مبدأ السمع والطاعة فكرة عظيمة في القوات المسلحة والشرطة باعتبارهما قوات نظامية، لكنها غير مقبولة في الفكر والرأي السياسي أو الديني". ويعبر العوا عن قناعته بأنه من غير المقبول أن يُطلب من الأعضاء الطاعة العمياء في الأمور التي تتعلق بالعقيدة أو الفكر.

ويشير العوا إلى أنه عندما كان في الإسكندرية، كان المد اليساري حاضرا كما كان المد العلماني الديني موجودا لكنه كان ضعيفا.

وبحسب وجهة نظر العوا فإن التحولات التي شهدتها مصر منذ ثورة يوليو 1952، التي قادها جمال عبد الناصر، أثرت بشكل كبير على منظومة القيم في المجتمع المصري. ويقول في هذا السياق "حجم التغييرات من يوليو ليس له ترمومتر يقاس به، لكنه يتبين في نفوس الناس وتعاملهم مع بعضهم البعض".

ويضيف أن العلاقات الأسرية والاجتماعية تأثرت بشكل سلبي، حيث لم تعد القيم التي كانت سائدة في جيله موجودة في أجيال الأبناء والأحفاد.

التجربة الأكاديمية والعملية

وتحدث العوا عن تجربته الأكاديمية في جامعة الإسكندرية، حيث درس القانون وتخرج عام 1963، وذكر أن الجامعة في تلك الفترة كانت معقلا للتيارات السياسية المختلفة، لكن التيار الإسلامي كان هو الأبرز والأكثر هيمنة، في حين كان التيار العلماني ضعيفا سواء بين الطلاب أو الأساتذة.

وعمل العوا بعد تخرجه، في النيابة العامة لمدة 3 سنوات قبل أن يُفصل منها بتهمة انتمائه للإخوان المسلمين، وهي تهمة وصفها بالباطلة. وبعد فصله، أعاده عبد الحليم الجندي، رئيس هيئة قضايا الدولة في مصر حينها للعمل في الهيئة ثم أُعير إلى الكويت لمدة 3 سنوات.

وأثناء عمله في الكويت، التقى العوا بالمستشار حسن عشماوي، مسؤول الإخوان في الكويت، الذي كان الناصح الثاني له بعد والده بعدم الانضمام للجماعة، وهو ما كان مفاجئا وصادما له، حيث لم يتوقع أن ينصحه مسؤول في الجماعة بعدم الانضمام لها.

ونقل العوا عن عشماوي قوله له: "إذا أردت أن تخدم الإسلام ودعوة الإخوان، لا تنتمي إليهم وخليك مستقل"، وأرجع العوا هذه النصيحة لتجربة عشماوي الشخصية، حيث كانت شخصيته قوية ويفضل العمل بحرية.

وعقب فترة الإعارة للكويت، حصل العوا على درجة الدكتوراه في القانون من جامعة لندن في بريطانيا عام 1972، وكانت رسالته حول نظرية العقوبة في الشريعة الإسلامية والقانون البريطاني.

ولمشاهدة الحلقة كاملة، يمكن متابعتها عبر هذا الرابط بمنصة "الجزيرة 360".