القمة العربية في مواجهة التحديات تجاه العراق
مقدم الحلقة: | محمد كريشان |
ضيوف الحلقة: | عدة شخصيات |
تاريخ الحلقة: | 01/03/2003 |
– مدى فاعلية نتائج القمة العربية وإمكانية صمودها
– الحشود العسكرية في المنطقة ومؤشرات قرب اندلاع الحرب
– سباق الحرب والسلام وتطورات مساعي اللحظة الأخيرة
– المشروع العربي في مواجهة التحديات الراهنة الخاصة بالعراق
– العراق وتدمير صواريخ الصمود/2
محمد كريشان: السباق المحموم بين تياري الحرب والتسوية السياسية في العراق إلى أين يمضي؟
الحشود العسكرية تتدفق على المنطقة على إيقاع مساعٍ دولية لإجهاض الحرب، والقادة العرب يتفقون بشق الأنفس في قمة شرم الشيخ على الحد الأدنى.
تساؤلات حول ما سيؤول إليه مسار الأحداث في قضية العراق التي هي (قضية الساعة).
السلام عليكم ورحمة الله، أهلاً بكم في هذا البرنامج الجديد، الذي يخصَّص فقط لرصد تطورات الملف العراقي بجميع تشعباته العسكرية والسياسية والدبلوماسية.
البرنامج يبث ثلاث مرات كل أسبوع، السبت والاثنين والخميس.
وسنتناول في هذه الحلقة مختلف الجهود العربية والدولية لمنع الحرب رغم استمرار الحشود العسكرية في المنطقة.
وفي البداية نتابع هذه المجموعة من التصريحات التي ترسم بعض ملامح اللحظة السياسية الراهنة الخاصة بالعراق.
* أدعو لأن تعلن القمة العربية مبادرة تتركز على نقاط رئيسية أولها أن تقرر القيادة العراقية التنحي عن السلطة، وتغادر العراق على أن تتمتع بكل المزايا المناسبة..
الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان (رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة).
* لا أحد سينجو من تغيير الأنظمة بالشكل الذي تريده الإدارة الأميركية، ستكون البداية في بغداد، ولن تكون النهاية إلا في موريتانيا…
(الرئيس اليمني) علي عبد الله صالح.
* يمكن للزعماء العرب أن يستخدموا نفوذهم لثني الولايات المتحدة عن ضرب العراق إن أرادوا..
عزت إبراهيم (نائب رئيس مجلس قيادة الثورة العراقي).
* تعهُّد العراق بتدمير صواريخ الصمود خطوة هامة في عملية نزع السلاح، تظهر أن عمليات التفتيش التي تقوم بها الأمم المتحدة تأتي بنتائج..
دومينيك دوفيلبان (وزير خارجية فرنسا).
* حين سمعت في وقت سابق من الأسبوع أن الرئيس العراقي قال: إنه لن يدمر صواريخ الصمود، عرفت على الفور أنه في وقت لاحق من الأسبوع وقبل تقرير بليكس سيعلن أنه سيدمرها…
توني بلير (رئيس الوزراء البريطاني).
* إذا لجأنا إلى الحرب، فذلك لأن العراق لا يزال لديه 26 ألف لتر من الجمرة الخبيثة و38 ألف لتر من البوتولين، وطن ونصف من غاز الأعصاب، و6500 قنبلة كيماوية تطلق من الجو..
آري فليشر (الناطق باسم البيت الأبيض).
* روسيا تملك حق النقض (الفيتو)، وإذا تطلبت خدمة الاستقرار الدولي استخدامه، فإن روسيا ستمارس حقها..
إيغور إيفانوف (وزير خارجية روسيا).
محمد كريشان: رغم الخلاف السعودي الليبي الحاد أنهت القمة العربية عملها بعد مداولات يوم واحد، وقد أعلنت القمة العربية في بيانها الختامي بالإجماع رفضها الكامل للقيام بأي عمل عسكري ضد العراق أو أي دولة عربية أخرى.
ورحبت القمة بتعاون بغداد، ودعت إلى ضرورة إعطاء المفتشين الدوليين مزيداً من الوقت لإنجاز مهمتهم مع تأكيد مسؤولية مجلس الأمن عن حماية العراق وشعبه.
البيان جدَّد أيضاً التأكيد على امتناع الدول العربية عن المشاركة في أي عمل عسكري يستهدف أي دولة عربية ومن بينها العراق، وأعلنت القمة إنشاء لجنة للقيام بالاتصالات اللازمة مع الأطراف المعنية بالأزمة العراقية.
معنا هنا في الأستوديو الدكتور محمد المسفر (أستاذ العلوم السياسية بجامعة قطر).
دكتور، الموقف الصادر عن القمة يعتبر جيد، ولكن هل يمكن أن يصمد؟
مدى فاعلية نتائج القمة العربية وإمكانية صمودها
د. محمد المسفر: أعتقد أن المؤتمر والنتائج التي جاءت في المؤتمر هي مخيبة لآمال المواطن العربي على امتداد الساحة العربية، وفي نهاية المطاف فإنه غير صامداً وغير قوياً، وغير مؤسساً على مواقف حقيقية، وإنما هي مواجهة بين قادة.. بين ولاة الأمور والمواطنين العرب…
محمد كريشان[مقاطعاً]: رغم هذا التأكيد القاطع لرفض العدوان ورفض المشاركة فيه، يعني ما.. ما الذي كان مطلوباً منها أصلاً عدا ذلك؟
د. محمد المسفر: يا سيدي، هو عدم المشاركة فيه بالسماح لتواجد الأجنبي على الأراضي العربية على امتداد الحدود العراقية فإن ذلك يعتبر مساهمة في العدوان على العراق بغض النظر عن أي شيء آخر..
محمد كريشان: هذا.. هذا متضمن يعني إشارة عمرو موسى إلى أن هذا يعتبر ضمناً بالحديث عن المشاركة بهذه القواعد وهذه..
د. محمد المسفر: في المواقف الدولية ليست هناك إشارات ضمنية، هناك إشارات صريحة بأنه ممنوع استخدام هذه القوات للهجوم على أي دولة عربية وبالذات على العراق في هذه الظروف.
محمد كريشان: نعم، على كل لنا عودة دكتور معك. إذن اجتمع القادة العرب في شرم الشيخ، والحرب تدق أبواب عالمهم بعنف، حرب حددت العراق هدفاً لها يطيح بنظام الحكم القائم في العراق، ولكن هذا الوضع الذي بدا في القمة ذكَّر البعض بما حصل ربما في قمة سابقة جرت قبل اثني عشر عاماً في القاهرة، وكانت في سياق مختلف، فوزي بشرى يتابع لنا الموضوع.
تقرير/ فوزي بشرى: قمة طارئة، قمة استثنائية، قمة عادية عاجلة، أسماء كلها تشير إلى الطريق الوعر الذي سلكته القمة العربية قبل أن يلتئم شملها في شرم الشيخ.
المقر مصري والرئاسة بحرينية، وتلك قصة أيضاً ليست بعيدة عن التباس الطريق، وغياب منهج التصدي لقضايا الأمة المصيرية كما يرى كثيرٌ من المراقبين.
الذين يؤمنون بأن التاريخ يعيد نفسه سيجدون أن المشهد العربي اليوم يكاد يطابق حاله في عام 90، يوم انعقدت قمة عربية طارئة لبحث الغزو العراقي للكويت، إذ يعتقد كثير من المحللين أن تعقيدات المشهد العربي اليوم هي بعض الثمار المرة لقرارات الأمس التي يصفونها بالخاطئة، فقد كان أخطر قرارات تلك القمة هو إجازتها مبدأ الاستعانة بقوات أجنبية لتحرير الكويت، وقد شاركت جيوش عربية تحت إمرة الجنرال الأميركي (شوارسكوف) قائد التحالف الثلاثيني ضد العراق.
وهكذا انفتح باب واسع أمام وجود كثيف للقوات الأميركية في منطقة الخليج، وكان تسويغ الاستعانة بالأجنبي في بلد كالمملكة العربية السعودية يؤسس شرعيته على الدين قد استدعى جدلاً فقهياً نظر إلى الأمر من باب فقه الضرورة، أما الآخرون في الخليج وغيره فقد تذرعوا بأنهم ينفذون قرارات الشرعية الدولية، ويندبون أنفسهم لأمر عظيم هو تحرير الكويت.
انتهت الحرب، لكن الأميركيين لم يخرجوا رغم بذلهم الوعود بذلك، ويبدو أن التاريخ قد أثبت صحة مخاوف الدول التي اصطلح على تسميتها يوم ذاك بدول الضد لأنها استرابت من مآلات الاستعانة بالقوات الأجنبية، فالدول العربية بعد ثلاثة عشر عاماً ها هي تواجه في قمتها اليوم أسئلة الأمس البعيدة حول الوجود الأجنبي والشرعية الدولية، فبهذه الشرعية تستعد القوات الأميركية والبريطانية للانقضاض على العراق وسط شك عظيم من كثيرين في أجندتها الخفية، فماذا تستطيع قمة شرم الشيخ أن تفعل إزاء هذا الوضع؟
لقد شهدت القمة قبيل انعقادها استقطاباً حاداً بين الدول العربية من حيث رفضها وقبولها لطلب العراق تأجيل القمة إلى الخامس عشر من هذا الشهر بدلاً من الأول منه، كما أرادت القيادة المصرية، ولم يخلُ الخلاف من لغة خشنة، فقد قال (وزير الإعلام اللبناني) غازي العريضي: إن بلاده لا تؤيد قمة تنفذ إملاءات أميركية، وتشرِّع ضربة أميركية ضد العراق، وكان من رأي دول مثل مصر والأردن أن الوضع يستدعي تحركاً عاجلاً لا يقبل التأجيل.
يذهب مراقبون سياسيون إلى أن قمة اليوم إما أن تكون فتحاً للنظام العربي الإقليمي أو مقبرة له، تتكفل سايكس بيكو جديدة بتوزيع الإرث على الطامعين، ووفقاً لهذه الرؤية فإن التحديات أمام القمة العربية تنقسم إلى نوعين:
قرارات تحول دون وقوع الحرب مع الالتزام أمام المجتمع الدولي بنزع أسلحة الدمار الشامل العراقية إن وجدت.
وقرارات تتعلق بما يمكن أن تفعله الدول العربية إذا وقعت الحرب فعلاً.
وهنا يخشى الشارع العربي أن يُضطر إلى سماع مناشدة تدعو العراق إلى الالتزام بقرارات الشرعية الدولية والتعاون التام مع المفتشين، وقد تتدثر الجامعة بالموقف الفرنسي الألماني فتطالب واشنطن بإعطاء المفتشين مزيداً من الوقت، لو ذهبت القمة هذا المذهب دون أن تخرج بخطة عربية لحل الأزمة، فإنها لن تكون إلا إغراءاً صريحاً بشن الحرب، والحرب خيار لا تملك معه الدول العربية حيلة فيما يبدو، فدول الخليج جميعها وبدرجات متفاوتة هي من يستضيف الآن القوات الأميركية والبريطانية المتحفزة لشن الحرب، وهو وضع يصادر إرادة هذه الدول في الالتزام بأي موقف يعارض شن الحرب على العراق، أما بقية الدول العربية، فهي إما تنتظر عوناً أميركياً تواجه به مصيبة الحرب، وإما خائفة تترقب أن تصنفها أميركا ضمن معسكر أعدائها إن هي عارضت، وإذا كان ثمة فرق بين قمة شرم الشيخ وغيرها من القمم العربية الطارئة والعادية، فهو أن الحاكمين سيغادرون هذه المرة، وهم ليسوا أقل تشاؤماً من الشعوب فيما ينتظرهم وينتظر المنطقة من تغييرات عاصفة.
محمد كريشان: دكتور المسفر، حدثان بارزان شهدتهم القمة، هذا التلاسن بين الأمير عبد الله والعقيد القذافي، وهذه الفكرة الإماراتية بضرورة ترحيل الرئيس صدام حسين، كيف تراهما؟
د. محمد المسفر: من ناحية الفكرة فأنا أعتقد إنها غير موفقة في هذا الظرف العصيب الذي تمر به الأمة العربية، وكان الأولى بذلك أن تكون ليست من الإمارات العربية المتحدة، لأننا كنا نتوقع من الإمارات موقف آخر، وكنا نتوقع أن يكون هذا الرأي من الكويت كان أكثر صلابة وأكثر قبولاً عند البعض، لكنه كما صدر عن دولة الإمارات العربية المتحدة، فقد أُصيب المواطن العربي بخيبة أمل في هذه المبادرة، لأنها ترسي سابقة خطيرة على ولاة أمرنا مرة أخرى.
أما فيما يتعلق بالتلاسن بين سمو الأمير عبد الله (ولي عهد المملكة العربية السعودية)، والرئيس معمر القذافي، فأنا كمراقب وأرى هذه المواقف، فإني أعتقد أن هناك سوء فهم فيما حدث بالضبط كان معمر القذافي يستعرض الماضي، والآخر كان يستعرض.. يريد أن يبدأ في المستقبل وليس في الماضي، ومن هنا صار سوء الفهم في هذه النقطة يعني.
محمد كريشان: دكتور محمد المسفر، شكراً جزيلاً لك.
بعد الفاصل: نستعرض الحشود العسكرية في المنطقة، وإلى أي مدى تعني قرب اندلاع شرارة الحرب.
[فاصل إعلاني]
الحشود العسكرية في المنطقة ومؤشرات قرب اندلاع الحرب
محمد كريشان: في وقتٍ انشغل فيه العرب بمجريات قمتهم تتزايد الحشود العسكرية في المنطقة وتتقلص معها فرص السلام المتاحة، فقد باتت القوات الأميركية شبه جاهزة من حيث العدة والعتاد لخوض الحرب ضد العراق مما يثير الشكوك حول احتمال انسحابها قبل أن تجتاح العراق وتحقق الأهداف التي من أجلها أتت وفي مقدمتها تغيير نظام الحكم في العراق، ونزع أسلحته كما تكرر الإدارة الأميركية.
المزيد من المعلومات حول الحشود العسكرية مع جواد العمري في هذا التقرير.
تقرير/ جواد العمري: اكتمل الطوق حول العراق، وباتت الحشود العسكرية الزاحفة إلى المنطقة على وشك بلوغ النصاب اللازم لشن حرب هدفها إسقاط النظام العراقي وتنصيب نظام بديل في بغداد، فوزارة الدفاع الأميركية البنتاجون يلزمها 265 ألف جندي لتخوض هذه الحرب، ويعتقد أن 105 آلاف منهم أخذوا مواقعهم في الكويت وأيديهم على الزناد، وذلك دون احتساب قوات درع الجزيرة التي وصلت طليعتها من الإمارات والبحرين في مهمة دفاعية كما هو معلن، وعلى الجبهة الشمالية بدأت الولايات المتحدة بإرسال طلائع قواتها التي ستصل إلى 62 ألف جندي، وما يقارب هذا الرقم من القوات التركية سيدخل في عمق الأراضي العراقية لضمان عدم قيام دولة كردية.
غير أن التفوق النوعي وليس العددي هو العامل الحاسم كما أثبتت ذلك الحروب الحديثة، فرغم إن العراق يتفوق عددياً على خصمه إلا أن إمكانياته التكنولوجية تبدو متواضعة أمام الإمكانيات العسكرية الأميركية المتطورة.
واستعداداً للمواجهة المرتقبة مدت واشنطن أذرع سيطرتها عبر حاملات الطائرات والقواعد العسكرية الجوية المنتشرة في أرجاء العالم، ودفعت بخمس من حاملات طائراتها إلى المنطقة في الخليج وبحر العرب والبحر المتوسط، وبات مجموع قطعها البحرية نحو 50 ما بين غواصة وفرقاطة ومدمِّرة وسفن دعم وإسناد وكاسحات ألغام بحرية وسفن إبرار.
أما بريطانيا، التي نشرت حاملة الطائرات (آرك رويال)، فإن لديها في المنطقة 23 قطعة بحرية بعضها في مهام روتينية، وأخرى تشارك في الحرب التي لم تنتهِ بعد في أفغانستان، والبعض الآخر نُشر في إطار الحشد على العراق، ويمكن أن تتحد جميعها تحت هذا العنوان.
ولدى كل من إسبانيا وأستراليا وكندا ثلاث قطع بحرية في المنطقة بين مدمرة وفرقاطة وسفينة إسناد، وفرقاطة واحدة لكل من هولندا ونيوزيلندا، وإضافة إلى أكثر من 400 طائرة متنوعة المهام على متن حاملات الطائرات الخمس سيرتفع عدد الطائرات المقاتلة الأميركية في تركيا من 50 إلى 255 طائرة مقاتلة، إضافة إلى 65 مروحية، ومدى قواتها الجوية بضع مئات من الطائرات المتعددة المهام تنتشر في معظم دول الخليج، بينها ثمانون في الكويت ومائة في السعودية.
أما الجيش العراقي وبرغم الوفرة العددية، فإنه ينقصه التدريب الذي تراجع خلال سنوات الحصار، بل إن التمرينات بالذخيرة الحية أصبحت نادرة، كما شل الحصار كثيراً من معداته بسبب فقدانه قطع الغيار، إلى جانب ذلك يشكك الحلفاء بولاء الجيش للرئيس صدام حسين، فهناك من يعتقد أنه باستثناء قوات الحرس الجمهوري والحرس الخاص، وهي أفضل القوات تسليحاً وتدريباً، فإن باقي وحدات الجيش سوف تفقد إرادة القتال وتنهار عزيمتها مع انطلاق أول موجة من الغارات والصواريخ.
لكن محللين ومصادر في المعارضة يقولون: إن العراق الذي يضم خبراء متمرسين في الحرب قد استفاد من تجربته الأولى، فقد غير استراتيجية الحرب في الصحراء، التي أفقدته نصف جيشه في غضون أيام، واستعاض عنها بالتخطيط لحرب داخل المدن من خلال نشر القوات في العاصمة وكبريات المدن والتجمعات السكانية مما يجعل القوات الغازية تخوض حرباً مع الأشباح وقد نُقل عن (وزير التجارة العراقي) محمد مهدي صالح قوله في شهر سبتمبر الماضي: يريدون صحراء ليأخذوا الصحراء، إذا أرادوا تغيير النظام السياسي في العراق، فعليهم أن يأتوا إلى بغداد، وعندها سوف نكون بانتظارهم هنا، وفي هذا السياق تم أيضاً تفسير قول الرئيس العراقي، بأن مغول العصر سينتحرون على أسوار بغداد.
محمد كريشان: ومعنا في الأستوديو (الكاتب والخبير الاستراتيجي) عادل سليمان.
سيد سليمان، التساؤل الذي يُطرح دائماً أنه لا يمكن أن تحشد كل هذه القوات وتعود أدراجها، إذن الحرب حتمية من هذا المنظور، إلى أي مدى هذا الكلام يعتبر سليم في التحليل؟
عادل سليمان: هو.. الواقع هذا الكلام ليس سليماً بالضبط، لأن معظم هذه الحشود التي تم حشدها أو أكثر من 70% منها عبارات عن مجموعات قتال بحرية، قطع أسطول تعتمد على حاملات طائرات ومعها قطع من 8 إلى 10 قطعة، هذه المجموعات من القطع البحرية هي دائماً تكون بتنتقل ما بين البحار والمحيطات، وفي حالة عمل مستمرة، إذن هذه المجموعات..
محمد كريشان: يعني أصلاً حتى دون.. دون.. دون توتر معين.
عادل سليمان: دون توتر، بس بتبقى توزيعها مختلف من منطقة إلى أخرى، وصل منها إلى المنطقة حتى الآن حوالي 3 مجموعات قتال، اللي هم بالتحديد فيه (لنكولن) و(كونستليشن) و(ترومان) وأيضاً مجموعة قتال برمائية فيها مجموعة غواصات ومجموعة هوفركرافت، وهناك مجموعتين أخريتين لم تصل بعد، فعملية العودة من هذا الحشد وعدم وقوع الحرب هو من الأمور الممكنة حالياً.
محمد كريشان: لأنه دائماً تُحسب على أن هذه القوات هي للضغط السياسي، ولكن الضغط السياسي لفترة معينة لا يمكن أن يستمر هذا الضغط بشكل مفتوح.
عادل سليمان: بالقطع.. بالقطع، وحتى عمليات الحشد وبناء القوات للحرب في حالة وقوعها لم تكتمل حتى الآن.
محمد كريشان: نعم، لنا عودة سيد عادل سليمان. وبعد الفاصل، الذي سيتضمن موجز الأنباء، سباق الحرب والسلام وتطورات مساعي اللحظة الأخيرة.
[موجز الأخبار]
محمد كريشان: مازال معنا هنا في الأستوديو (الكاتب والخبير الاستراتيجي) السيد عادل سليمان. سيد سليمان، هناك سيناريوهات متعددة للحرب إذا ما اندلعت، بالطبع هناك التخمين وهناك التحليل العسكري المهني، إذا أردنا أن نرجح كفة سيناريو معين دون غيره ما الذي يمكن أن يقال خاصةً في ضوء هذه الخريطة التي يمكن أن.. أن نوضح عليها الأمور بشكل أوضح؟
عادل سليمان: هوا لحقيقة يجب أن ننبِّه أولاً أن شكل الحرب الأميركية في حالة وقوعها سيكون مختلف تماماً عن الأشكال التقليدية للحروب السابقة إنما أنا هأتحدث عن السيناريو الأكثر ترجيحاً والأكثر احتمالاً، أنه سوف تستمر في تصعيد عمليات الحرب النفسية، ثم مزجها بعمليات موسعة من القوات الخاصة، وخاصة في مناطق الجنوب، مناطق الحظر وفي مناطق الشمال، بهدف عزل هذه المناطق وخروجها عن سيطرة القيادة المركزية العراقية، ثم بعد ذلك من خلال الاستعانة بالقوات الأكراد وهي حوالي 2 لواء، ومدعَّمة بدعم أميركي قوي، بالإضافة إلى دعم تركي محتمل، ودا بيوضح الإصرار الأميركي على الوصول إلى اتفاق مع تركيا، ومن الجنوب هتستعين بقوات بدر التابعة للمجلس الإسلامي الأعلى، اللي بيرأسه السيد باقر الحكيم.
محمد كريشان: يعني.. يعني موضوع.. موضوع جبهة صغيرة من إيران أمر غير مستبعد.
عادل سليمان: من إيران، أمر غير مستبعد بالطبع.
محمد كريشان: غير مستبعد، مع أنه لا أحد يتحدث عنها الآن بشكل واضح.
عادل سليمان: لا دا أمر وارد تماماً، ودا تركيز للمجلس الإسلامي الأعلى على أساس.. لأن هذه القوات قوامها أكثر من 30 ألف مقاتل، ومتمركزين في الأهواز، من هنا بيحصل خلخلة في المنطقة جنوب العراق، وخلخلة في منطقة شمال العراق، بتُنشأ نقط ارتكاز في بعض مواضع معينة من الشمال والجنوب، هذه نقط الارتكاز بيتم..
محمد كريشان: يعني عفواً نقاط الارتكاز هي القوات الخاصة التي يُقال أنها ستدخل لبعض المناطق..
عادل سليمان: أيوه، بالضبط.
محمد كريشان: وخاصة تكريت وهي تعتبر معقل الرئيس.. نعم.
عادل سليمان: هو في البداية هتبدأ في البصرة وفي المنطقة الجنوبية وفي أربيل والموصل ودهوك، ثم تتقدم زحفاً بالاقتراب البطيء إلى داخل المنطقة القوية المسيطر عليها نظام الحكم العراقي، هذه القوات الخاصة بالمناسبة هي معظمها من العراقيين تم تدريبهم بواسطة الأميركان في المجر، تدريب على مستوى عالي جداً من..
محمد كريشان: ولكن سيد عادل سليمان، أين دور سلاح الطيران؟ يعني سيناريو 91 لن يتكرر، يعني القصف المستمر، ثم التمهيد لمرحلة أخرى.
عادل سليمان: لا أنا.. أنا.. أنا لم.. لم أذكر هذا، لأنه شيء.. هذا شيء مفروغ منه، أن.. ستقوم ضربة..
محمد كريشان: يعني هناك بعض التحاليل تقول قد لا يُستعمل سلاح الطيران بالمعنى المكثَّف الذي شهدته في..
عادل سليمان: لا إطلاقاً.. إطلاقاً، البداية ستكون بضربة جوية صاروخية من القوات الجوية ومن القطع البحرية لتدمير البنية الأساسية العسكرية أساساً وفقد النظام السيطرة العسكرية على المناطق المختلفة.
سباق الحرب والسلام وتطورات مساعي اللحظة الأخيرة
محمد كريشان: على كل ستبقى معنا سيد عادل سليمان لمزيد مناقشة الأوضاع العسكرية المتداخلة مع الأوضاع السياسية، الحشود العسكرية التي تحدثنا عنها في المحور السابق تدخل في سياقٍ ماراثوني أو في سباقٍ ماراثوني مع تحركات سياسية ودبلوماسية حثيثة، أطرافها الولايات المتحدة وبريطانيا وحلفاؤهما من جهة، والذين يسعون لتمرير قرارٍ جديد يُطلق العنان لعربدة الآلة العسكرية، وبين ما يسمى بمعسكر السلام الأوروبي المدعوم روسياً وصينياً، حتى الآن هناك ثلاثة من الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن يعارضون أي قرار دوليٍ جديد يخوِّل للأميركيين اللجوء تلقائياً إلى القوة، وقد تغامر واشنطن ربما وتلجأ إلى العمل العسكري منفردةً إذا ما فشلت في تمرير مشروع قرارها الجديد، وهل تستطيع في هذه الحالة باريس وموسكو وبكين تطويق الضغوط الحالية، وربما المقبلة؟
معركة الدبلوماسية في أروقة الأمم المتحدة وعواصم القرار العالمي يستعرضها زياد بركات في هذا التقرير.
تقرير/ زياد بركات: في موازاة الحشود العسكرية التي تتدفق إلى المنطقة استعداداً للحرب المحتملة تستعر حربٌ من نوعٍ آخر بين الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية، ساحتها عواصم العالم وأروقة الأمم المتحدة على وجه الخصوص، ففرنسا وألمانيا وضعتا نفسيهما وجهاً لوجه مع مساعي واشنطن الحربية تجاه العراق، الأمر الذي دفع وزير الدفاع الأميركي إلى وصفهما بأوروبا القديمة.
دونالد رامسفيلد (وزير الدفاع الأميركي): أنت ترى أوروبا على أنها ألمانيا وفرنسا، لكنني لا أرى ذلك، وأعتقد أن تلك هي أوروبا القديمة، وإذا كنت تنظر إلى حلف الأطلسي وأوروبا اليوم فإن مركز الجاذبية انتقل إلى الشرق.
زياد بركات: وفي مواجهة ما يمكن اعتباره جدار الصد الفرنسي الألماني عمدت واشنطن -مؤخراً- إلى تقديم مشروع قرارٍ تبنته لندن ومدريد، ويحظى بدعم بلغاريا، يمهد الطريق لاستخدام القوة، وسيطرح مشروع القرار قريباً للتصويت في مجلس الأمن، وهو ينص على أن العراق مازال في حال انتهاكٍ مادي لالتزاماته المنصوص عليها في القرار 1441، وأنه أهدر الفرصة الأخيرة التي أتاحها له القرار، واستناداً إلى ذلك يدعو مشروع القرار لتفعيل العواقب الوخيمة التي تضمنها القرار 1441.
وفي مقابل ذلك تقدمت فرنسا وألمانيا وروسيا بمذكرةٍ مدعومةٍ من الصين وسوريا تدعو لمواصلة عمليات التفتيش وتعزيزها وترى أن اللجوء إلى القوة يجب أن يكون الخيار الأخير.
ويجب أن يحصل مشروع القرار الأميركي لتبنيه على تسعة أصواتٍ على الأقل، شرط ألا تستخدم أيٌ من الدول الدائمة العضوية حق النقض (الفيتو) ضده، وتنشط واشنطن عبر دبلوماسية الضغوط السياسية والاقتصادية لضمان أصوات أنجولا والكاميرون وتشيلي وغينيا والمكسيك وباكستان، وفي حال تصويت هذه الدول لصالح مشروع القرار الأميركي فإن باريس ستغدو في وضعٍ قد لا تستطيع فيه استخدام الفيتو ضد قرارٍ يحظى بدعم غالبية الدول الأعضاء في مجلس الأمن.
وكان وزير الخارجية الأميركي طار مؤخراً إلى موسكو وبكين لحث هاتين الدولتين على عدم استخدام الفيتو ضد مشروع القرار في مجلس الأمن، في حين واصل المستشار الألماني (جيرهارد شرودر) والرئيسان الفرنسي (جاك شيراك)، والروسي (فلاديمير بوتين) مساعيهم لتعطيل أي قرارٍ يخوِّل للولايات المتحدة اللجوء تلقائياً للقوة، وقال بوتين عقب استقباله شرودر في الكرملين قبل أيام: إنه لا يمكن قبول قرارٍ محتمل للأمم المتحدة يمهد الطريق لحربٍ ضد العراق، فيما لوَّح وزير خارجيته (إيجور إيفانوف) بإمكانية استخدام الفيتو ضد مشروع القرار الأميركي.
إيجور إيفانوف (وزير الخارجية الروسي): لروسيا حق الفيتو، وإذا كان ذلك ضرورياً للحفاظ على الاستقرار في العالم، فإن روسيا ستستخدم هذا الحق، ونحن لن ندعم أي قرار يفتح المجال بشكلٍ مباشرٍ أو غير مباشر أمام حلٍ للمشكلة بالقوة.
زياد بركات: جهته عمل شيراك خلال القمة الفرنسية الأفريقية على إقناع القادة الأفارقة، وخصوصاً رؤساء أنجولا وغينيا والكاميرون برفض أي قرارٍ جديد بخصوص العراق، وفي حال استطاعت هذه الدول مقاومة الضغوط الأميركية -وهو أمرٌ قد يكون مستبعداً- وصوَّتت ضد مشروع القرار الأميركي فإن الولايات المتحدة وحليفتها بريطانيا ستعينان استنادهما إلى القرار 1441 في أي خطوةٍ قد تتخذانها باتجاه الحرب.
محمد كريشان: مازلتم معنا مشاهدينا الكرام في هذا البرنامج الجديد (قضية الساعة) الذي نخصصه بالكامل لتطورات الملف العراقي وتشعباته العسكرية والسياسية، البرنامج يُبث ثلاث مرات في الأسبوع السبت والاثنين والخميس.
معنا الآن من واشنطن السيد ريتشارد ميرفي (مساعد وزير الخارجية الأميركي السابق).
سيد ميرفي، آخر القمم الرافضة لخيار الحرب هي القمة العربية، هل يمكن أن يجعل هذا واشنطن تعدِّل شيئاً ما من اندفاعها نحو الحرب؟
ريتشارد ميرفي: أولاً دعوني أقول.. تهنئتي لقناة (الجزيرة) لهذا البرنامج الذي يأتي في وقتٍ حساسٍ بشكل لم يسبق له مثيل في التوتر بين العالم العربي والعالم الغربي، وأوروبا والولايات المتحدة وفرنسا أيضاً.
هل هذا سيغيِّر موقف أميركا حول الحرب؟ سألتموني، أقول أولاً: إن أميركا لا تتطلع نحو الحرب إلى العراق، ولكن عليَّ أن أقول إن فرصة تجنب الحرب بدأت تفلت من أيدينا بشكلٍ سريع حقاً، وأنا أخشى من أن احتمال الحرب قد تزايد في الأسابيع القليلة الماضية كثيراً.
محمد كريشان: يعني تفلت من الأيادي بأي معنى سيد ميرفي؟
ريتشارد ميرفي: ما أعنيه هو إنني أرى فرصتين فقط لتجنب الحرب، أولاهما ستكون الامتثال العراقي الكامل والفوري مع القرار 1441 الذي صدر في نوفمبر الماضي، وأقصد امتثالاً من جانب العراق، وليس الامتثال الجزئي يوماً هنا ويوماً هناك، أو الاتفاق على.. القيادة العراقية أن تخرج إلى المنفى، وأنا لا أرى أي إشارةٍ على أي من هذين الاحتمالين أن يحدثا بشكلٍ جوهري.
محمد كريشان: على ذكر احتمال المنفى، كانت هناك فكرة من دولة الإمارات في القمة، ولم تقع مناقشتها أصلاً، ثم إن البيان الختامي رفض بشكل كامل وبالإجماع الضربة العسكرية، هل هذا يمثل نكسة لسياسة واشنطن؟
ريتشارد ميرفي: حسناً، أنا أعلم أن فكرة المنفى كانت قد اقتُرحت و.. من.. من.. من قبل أكثر من دولةٍ في العالم العربي في.. على مدى الأشهر الماضية، وأعتقد أن دولة الإمارات المتحدة أرادت استعادة ما طُرح سابقاً، ولا (….) لديَّ سببٌ كثير للاعتقاد بأن الرئيس صدام حسين سيقبل المنفى، وأعتقد أن رؤيته لنفسه تقول إنه.. إن التاريخ سيذكره بعد 400 و500 سنة من الآن أن التاريخ العربي سينظر إليه باعتباره القائد العربي العظيم الذي قابل الغرب، وسقط مدافعاً عن حقه.
محمد كريشان: في النهاية سيد ميرفي، هل يمكن أن تمضي واشنطن في خيار الحرب حتى دون تفويض من مجلس الأمن؟
ريتشارد ميرفي: كل ما أستطيع أن أقوله في هذه اللحظة من الزمن بأن أميركا أو واشنطن تفضل قراراً ثانياً، لأن ذلك يعني الكثير من حيث الدعم للإدارة الأميركية من قبل الشعب الأميركي، وسيعني الكثير أيضاً (لرئيس الوزراء البريطاني) توني بلير بأن يكون له هذا الدعم من قبل الشعب البريطاني أيضاً، وأن ينال تبريك الأمم المتحدة.
أنا آمل في أن يكون هذا أمراً سيحدث، وأن تنجح الدبلوماسية على مدى.. الأسابيع القادمة لتجعل ذلك ممكناً عن طريق التفاوض حول صيغة القرار الذي قدَّمته الولايات المتحدة وبريطانيا العظمى الأسبوع.. يوم الاثنين الماضي.
محمد كريشان: سيد ريتشارد ميرفي، شكراً جزيلاً لك، حدَّثنا من واشنطن العاصمة المتحمسة لقرار الحرب ضد العراق.
هناك عاصمة أخرى ليست متحمسة، وتريد أن تعطي السلام فرصة إضافية هي باريس، ومعنا من هناك السيد جاك شوميناد (المرشح السابق للرئاسة، ورئيس حزب التضامن)، سيد شوميناد، ما خرج عن القمة العربية من رفض لقرار الحرب ضد العراق هل يدعم الصف الأوروبي وعلى رأسه فرنسا في هذه الحالة؟
جاك شوميناد: نعم، أظن أنه قرار مفيد ذاك الذي اتُخذ في شرم الشيخ، ولكنه ليس بقرارٍ كافٍ، أظن أن هذه الحرب لن تُوقف إلا من داخل الولايات المتحدة الأميركية، أي أعني بذلك الحلف بين قدامى العسكريين (زيني) وآخرين، أي أناس أقل حباً في المغامرة مثل السيد (لاروش)، ثم من أجل.. أيضاً بفضل جهود صديقي لاروش بدفاعه عن خيار السلام.
محمد كريشان: ولكن كانت باريس دائماً تريد أن يقع دعمها من قبل الصف العربي، في هذه الحالة ألا يمثل هذا ورقة يمكن أن تستعملها باريس لدعم موقفها الدولي؟
جاك شوميناد: نعم، أنها.. أنها.. أنه كارت مهم أو ورقة مهمة، ولكنه ليس بكافٍ كما قلت لك من قبل، موقف فرنسا بسيطٌ، فرنسا تقول.. الولايات المتحدة الأميركية تقول أنها بقصف العراق ستأتي إليه بالديمقراطية في الشرق الأوسط، وهذا مستحيل، ليس هكذا تُفعل الأشياء، ليس باستخدام الأسلحة والقنابل.. والقنابل الصغيرة النووية والأسلحة الكيمائية نستطيع أن ندعي أننا نأتي بالديمقراطية والسلام والتنمية في منطقة بأكملها، لقد اقترح السيد (باول) 26 مليون دولار للديمقراطية. هذا لا يعني أي شيء لكل.. لكل مواطن في العراق، هذا هراء انظروا ماذا حدث في أفغانستان، الدولارات الأميركية لم تفعل شيئاً إلا لزيادة تجارة الأفيون ومساعدة أمراء الحرب.
محمد كريشان: بالنسبة للفيتو البعض يتمناه من قِبل باريس، هل هذا وارد؟
جاك شوميناد: السيد دوفيلبان لم يطرح جانباً كلمة الفيتو، لقد قال ذلك في العشرين من يناير، (كولن باول) المسكين الذي أتى بملف يعد.. يعد هراءً ضحك منه الجميع، وكان لي صديق قال لي: إن ذلك موجود منذ 12 سنة في ملف ما في جامعة من جامعات كاليفورنيا قام بتوصيف.. بتضبيط هذا الملف إذن أمام هذا نستطيع أن نقول لا، وفرنسا بالطبع ستُبقي على موقفها، وإذا كان ذلك ضرورياً، فإني آمل أنها ستذهب إلى الفيتو أو ستصل إلى الفيتو، ولكن السؤال: لماذا هذا الالتزام؟ كما هو حال روسيا؟ هذا الالتزام بالقول لا، لأن الأمر لا يتعلق بعملية حفظ السلام أو سلام، الأمر يتعلق هنا بمغامرة جاهز لها السيد (بوش) كما يقول (آري فليشر) أيضاً وهو مُوفد إلى البيت الأبيض من الصحافة وقال وإني هنا ألجأ إلى الحكي بالضبط: نود أن نرى العراق منزوعة السلاح تماماً، وإذا لم تقم الأمم المتحدة بدورها فإن الولايات المتحدة الأميركية ستقود تحالفاً لنزع سلاح العراق، إذن هذا نوع من أنواع المهل والإنذارات المقدمة إلى الأمم المتحدة، وهذا غير مقبول، إذن ينبغي أن نستمر في التفتيش كما تقول فرنسا والسيد صدام حسين بقبوله تدمير الصمود اثنان أي الصواريخ، قد قام على الأقل بخطوة ما إيجابية، ويجب أن نستمر إذن في هذا الأمر، وأن يقوموا بأفعال أخرى إيجابية، ثم آري فليتشر -ومرة أخرى أقول- يرد يقول: أنه نوع من أنواع الخداع وإلى آخره. وهذه لعبة، هذا غير معقول.
محمد كريشان: سيد جاك شوميناد (المرشح السابق للرئاسة ورئيس حزب التضامن في فرنسا) شكراً جزيلاً لك.
بعد الفاصل: نظرة على المشروع العربي في مواجهة التحديات الراهنة الخاصة بالعراق.
[فاصل إعلاني]
محمد كريشان: السيد ميرفي وكذلك السيد شوميناد من باريس كلاهما يلمح إلى أن خيار.. الخيار العسكري يبقى قائم نظراً لما يعتبر ربما إصرار من قبل واشنطن على هذه الضربة، الآن توقيت الضربة.. السؤال الذي يتحدث عنه الجميع متى؟ البعض يتحدث عن عوامل مناخية، البعض يتحول.. يحيل الأمر إلى بعض التحاليل الخاصة بانتهاء مناقشات مجلس الأمن، كيف ترى التوقيت المناسب للضربة من.. على الصعيد العسكري، ليس على الصعيد السياسي؟
عادل سليمان: هو أساساً بالنسبة لتوقيت الضربة وتحديدها بدقة، هذا قرار عسكري يتخذه العسكريين عندما يستكملوا بناء القوات التي سوف يستخدمونها في الضربة.
محمد كريشان: الآن استُكْملت؟
عادل سليمان: لأ.
محمد كريشان: ليس بعد..
عادل سليمان: آه حتى الآن..
محمد كريشان: ما الذي ينقص؟
عادل سليمان: اليوم بدأ تحرك الفرقة 101 المحمولة جواً من (كنتاكي) دي تحتاج من 2 إلى 3 أسبوع، حتى تصل إلى المنطقة..
محمد كريشان [مقاطعاً]: يعني ولا غنى عنها في بداية الحرب؟
عادل سليمان: لا غنى عنها، هناك..
محمد كريشان [مقاطعاً]: لماذا يعني؟
عادل سليمان: الفرقة المدرعة البريطانية لم تصل بعد، وهي في ألمانيا وجاري تحميلها، هناك 2 حاملة طائرات بمجموعات قتال بحرية أيضاً لم تصل إلى المنطقة بعد، هناك..
محمد كريشان [مقاطعاً]: القوات الأميركية إذن لم تستكمل في شمال..
عادل سليمان: ولم تستكمل في تركيا..
محمد كريشان: ولم.. لم تنتشر أصلاً.. يعني..
عاد سليمان: عملية استكمال بناء القوات التي سوف تستخدمها القيادة المركزية العسكرية في تنفيذ الحرب إذا تحتَّمت، الحرب التي لا نتمناها جميعاً تحتاج إلى 2 إلى 3 أسبوع على أقل تقدير..
محمد كريشان [مقاطعاً]: ولكن سيد.. سيد سليمان يعني، ما المانع في أن.. لنفترض يعني، بالطبع لست محللاً عسكرياً، ولكن يعني ما المانع من أن مثلاً إذا.. إذا بدأت.. إذا بدأت عمليات عسكرية جوية قصف مكثف مع تحريك.. مع تحريك للقوات البرية الموجودة في الكويت، مع استعمال -بالطبع- لسلاح الطيران من قاعدة الأمير سلطان في السعودية، بالطبع لا ننسى أن القيادة المشتركة الأميركية موجودة في قطر، إذن ما المانع أن تتحرك هذه في انتظار استكمال النقاط التي أشرت إليها؟
عادل سليمان: يا أستاذ محمد، هو هناك شيء مهم جداً، أن الموضوعات العسكرية والاستراتيجية لا تؤخذ بهذه الطريقة هناك قيادة عسكرية لابد أن تستكمل تجهيزاتها تماماً، حتى تعطي قرارها واستعدادها إلى القيادة السياسية حتى تكون مسؤولة عن هذا القرار، لأن الحرب.. حتى لو كانت أميركا متفوقة إلا أن الحرب في حد ذاتها تبقى مخاطرة هناك (Risk) أيضاً في الحرب، القائد العسكري لا يدع شيئاً للصدفة، فلن يعطي تمام استعداده لبدء الضربة قبل أن يستكمل بناء قوته، دا جانب عسكري بحت.
محمد كريشان: يعني لا مفر منه.
عادل سليمان: لا مفر من استكمال بناء القوات، لأن هناك عناصر كثيرة متداخلة، فيه هناك عناصر لوجستية وعناصر فنية وعناصر قتالية وعناصر بتعامل [بتعاون] بعضها البعض، لا تصلح أن تعمل بدون استعداد العنصر الآخر، ولا ننسى أن المنظومة العسكرية الأميركية الآن بتعتمد على تكنولوجيات دقيقة جداً يجب أن يكون التنسيق بينها في منتهى الدقة، هناك أشياء سوف تُدار من الأقمار الصناعية، هناك أشياء سوف تُدار من السفن الجوية الطائرة..
المشروع العربي في مواجهة التحديات الراهنة الخاصة بالعراق
محمد كريشان [مقاطعاً]: هذا.. هذا عن المنظومة العسكرية، لو نتحدث عن المنظومة السياسية العربية بعد القمة الحالية، معنا من بيروت السيد غازي العريضي (وزير الإعلام اللبناني)، ومعنا كذلك أيضاً المفكر العربي الدكتور مصطفى الفقي (الذي يشغل حالياً موقع رئيس لجنة العلاقات الخارجية بالبرلمان المصري).
نبدأ بالسيد غازي العريضي ما توصلت إليه القمة هل يمكن أن يُبْعد شبح التورط العربي في أي ضربة عسكرية ضد العراق؟
غازي العريضي: هذا ما نتمناه، ولكن أعتقد أننا اعتدنا تجاوزاً، في كل المراحل لقرارات القمم العربية، القمة خرجت بنوع من التسوية، بسبب إصرار سوريا بموقفها الشجاع على لسان رئيسها الدكتور بشار الأسد، ولبنان إلى جانبها وعدد من الدول العربية التي رفضت سياسة الإملاءات الأميركية، وسياسة الخضوع للإرادة الأميركية والقدر الأميركي، كان ثمة تسوية للخروج بنوع من التوافق بالحد الأدنى من التضامن بين العرب، لكن أميركا لن تأخذ برأي أحد ولن تقف عند المقررات التي صدرت عن القمة العربية وهذا ليس جديداً، خصوصاً وأن هذا الموقف العربي جاء نتيجة مخاض كبير وليس حاسماً في النهاية ويشكل مرجعية -إذا استطعنا القول- ولكن في النهاية ربما لن يلتزم كثيرون من العرب بما تم الاتفاق عليه، وهذا ما لمسناه في قمة بيروت الأخيرة بعد مقرراتها، وهذا ما نلمسه أيضاً من خلال التحركات السياسية الدبلوماسية على المستوى الدولي والمستوى العربي، في كل الحالات الاتفاق أفضل من الخلاف الذي كان مُتوقعاً، ولكن نأمل أن يلتزم الجميع بهذه المقررات، لكن أميركا ستشن الحرب، وما سمعناه الآن من السيد ميرفي وما نسمعه من عدد كبير من المسؤولين الأميركيين يؤكد ذلك، إنهم يقولون شيئاً يرفعون شعارات ويمارسون عكس ذلك، السيد ميرفي يقول: بأنه يريد أن يمتثل العراق فوراً وبشكل آني، ثم يتحدث عن حركة دبلوماسية وعن مجال للدبلوماسية، هل أعطت أميركا المجال للدبلوماسية وللاتصالات السياسية؟ هي تقول بوضوح -على لسان كل المسؤولين- بأنه سواء اتخذت الأمم المتحدة قراراً أم لا، فإن الولايات المتحدة الأميركية ستشن الحرب للتخلص من صدام، القمة العربية لم نسمع فيها كلمة واحدة تدافع عن الرئيس العراقي أو عن النظام العراقي، كان كلام واضح بأن البداية ستكون في العراق، لكنها لن تكون النهاية، كل المنطقة العربية مُستهدفة، هذا ما يقوله الرئيس الأميركي، هذا ما يقوله المسؤولون الأميركيون: أن ما سيجري في العراق سيكون النموذج الذي سيُعتمد في المنطقة لتغيير أنظمتها في اتجاه -بين هلالين- المزيد من الديمقراطية وحقوق الإنسان وإلى ما هنالك، ونحن لا نرى ذلك قائماً في أميركا التي أسمح لنفسي بأن أقول بكل ما للكلمة من معنى: الدولة التي تريد أن تحاسب دولاً تحت عنوان أنها دول مارقة هي بحد ذاتها اليوم دولة مارقة ودولة فالتة تمارس ما تريد وتستبيح كل الشرائع الدولية وكل القرارات الدولية، لتنفيذ إرادتها.
ثم ماذا عن إسرائيل؟ ماذا عن أسلحة الدمار الشامل؟ ماذا عن الإرهاب الإسرائيلي؟ كذلك إن التاريخ سيذكر الرئيس بوش وسيذكر القادة الأميركيين بأنهم كرسوا الإرهاب الإسرائيلي في هذه المنطقة واستباحوا العالم وفتتوا كل شيء، وقتلوا وارتكبوا المجازر، ودمروا هذه المنطقة وأسقطوا الشرعية الدولية وقراراتها، لذلك نحن عندما نتمسك بالشرعية الدولية يا أخ محمد..
محمد كريشان [مقاطعاً]: يعني عفواً سيد غازي أنت أشرت إلى.. إلى نقطة مهمة جداً، وهي تتعلق بمصداقية ما تم التوصل إليه في شرم الشيخ، وهنا نريد أن نسأل السيد مصطفى الفقي حول قضية هذه المصداقية لأن في الوقت الذي -تقريباً كادت القمة أن تنفجر بعد الملاسنة بين الأمير عبد الله والعقيد القذافي، وبعد الفكرة -بين قوسين- الإماراتية، فجأة عاد الجميع وقد اتفقوا على كل النقاط، ألا يعطي هذا فكرة عن نوع من الارتجال قد يربك الاقتناع بصدقية وجدية ما تم التوصل إليه؟
د.مصطفى الفقي: دعني أصارحك، وقد لا يعجب حديثي الكثيرون -القمة العربية في شرم الشيخ نجحت من حيث الشكل.. من حيث أنها أصدرت بياناً ختامياً، وتجاوزت المشكلات الطارئة مثل تلك التي جرت بين الأخ معمر القذافي وولي عهد المملكة العربية السعودية، ولكن تبقى بعض الملاحظات القرارات عامة قُصد بها إراحة جميع الأطراف، وهي تحاول أن تُحدث نوع من التوازن ما بين خطاب متشدد مثل خطاب الرئيس الأسد أو حتى حديث الأخ معمر القذافي، وما بين مبادرة أخرى مثل المبادرة الإماراتية -على سبيل المثال- هذه المسافة جمعتها القرارات في عمومية لا تُحسد عليها.
الأمر الثاني: القرارات لا تعكس الوضع الدولي، ولكنها تخاطب الشارع العربي، وهذه أيضاً ملاحظة جديرة بالانتباه..
محمد كريشان [مقاطعاً]: يعني.. يعني اعتقاد..
د.مصطفى الفقي [مستأنفاً]: لأننا في ظل أوضاع دولية..
محمد كريشان [مقاطعاً]: يعني عفواً اعتقاد..
د.مصطفى الفقي: هي التي تحكم ما يجري..
محمد كريشان: اعتقاد البعض بأن المسألة لا تتجاوز إبراء الذمة يعني ليست من باب التجني ربما؟
د.مصطفى الفقي: لا أريد أن أقول ذلك، ولكن أقول -على الأقل- أن القرارات لم تدخل إلى جوهر ما يجري في العالم، كنت أتصور أن يكون هناك خطاباً سياسياً جديداً للولايات المتحدة الأميركية وللغرب وللعالم كله، يتحدث عن حل للأزمة العراقية في إطار تصور شامل للمنطقة، يضع القضية الفلسطينية في جوهره، ويضع فكرة الإصلاح الذاتي النابع من الدول العربية، يضع تصور لشرق أوسط جديد تبدو فيه الأزمة العراقية جزءًا من كل، ولكن لا تكون مُنتزعة من السياق لتبدو بالصورة التي بدأت بها، أنا أعتقد إنه غلبت على المؤتمر الروح العربية المعتادة في القمم السابقة، وهي التي تؤكد أن العرب كثيراً ما يقولون غير ما يفعلون. وهذه في رأيي مأساة العمل العربي المشترك…
محمد كريشان [مقاطعاً]: ولكن هذه.. هذه.. هذه النقيصة التي أشرت إليها سيد الفقي ربما تسأل عليها.. عنها السيد غازي العريضي، هذه النقيصة ألا يمكن تداركها من خلال هذه اللجنة التي ستسافر إلى واشنطن وربما بغداد وبعض عواصم القرار الدولي؟
غازي العريضي: دعني أقول بكل صراحة: لا أعلق آمالاً كبيرة على دور هذه اللجنة، ما لمسناه في الفترة الأخيرة عوض أن يقف القادة العرب والزعماء العرب والمسؤولون العرب وقفة واحدة تكون في مستوى الموقف الأوروبي الفرنسي-الألماني، اكتشفنا أن الولايات المتحدة الأميركية طلبت من بعض المسؤولين العرب الذهاب إلى ألمانيا وفرنسا وبعض الدول لثنيها عن هذه الاندفاعة في وجه الولايات المتحدة الأميركية، وقد قام بعض المسؤولين بذلك، هذه مسألة -في الحقيقة- مؤلمة جداً، نحن ننظر إلى أوروبا، الآن سمعنا تصريحاً لرامسفيلد يقول: إن فرنسا وألمانيا لم تعد هي أوروبا، إن نقطة التجاذب الأساسية أو الجاذب الأساسي أصبح في أوروبا الشرقية، إنهم يخوضون حرباً ضد فرنسا، ضد ألمانيا وتقف فرنسا وألمانيا موقفاً صامداً إلى جانب عدد من الدول الأوروبية.
الأحرى بنا نحن كعرب أن نكون بمستوى هذا الموقف، اليوم قرأنا وسمعنا معلومات وتصريحات واضحة حول مقاطعة أميركية لكل البضائع الفرنسية، وقد رُدَّ على ذلك بمقاطعة فرنسية، وأُعلن عن ذلك رسمياً وشعبياً في كل المدن الفرنسية. هذا موقف متقدم.
ما قاله الدكتور الفقي يستحق التوقف عنده، نحن أمام عالم جديد، نحن أمام محاولات للوقوف في وجه نظام القطب الواحد في الولايات المتحدة الأميركية، نحن أمام رأي عام عالمي تحرك بسرعة وبسرعة مفاجئة، وبأعداد كبيرة عشرات الملايين في العالم، حتى في الولايات المتحدة الأميركية، نحن أمام تكوين مواقع جديدة ومؤسسات جديدة، ثمة متغيرات على مستوى الناتو، قد تطرأ متغيرات على مستوى الأمم المتحدة، ثمة تحالفات جديدة، مصطلحات جديدة تقوم على أساس هذه التحالفات من علاقات بين روسيا والهند وإسرائيل وغيرها تحت عنوان مواجهة الإرهاب، يعني نحن أمام تكوُّن جديد للعالم ومصير دول وتحالفات ومنظمات ومؤسسات على مستوى دول العالم، وكأن العرب ليسوا موجودين وليسوا شركاء في تقرير مصيرهم، بل البعض منهم يشارك الأميركيين في تقرير مصيرهم الأسود، ولا يعتقدون ولا يؤمنون بأن هذه المسألة ستعود بعواقب وخيمة عليهم حتى الدول الحليفة للولايات المتحدة الأميركية هي في خانة الاتهام، أركان المعارضة العراقية يتحدثون اليوم عن غدر وطعن من قبل أميركا بهم، الإخوة الأكراد في العراق يتحدثون عن غدر وخيانة وطعن من قِبل أميركا بهم، يجب أن ندرك جميعاً أن أميركا لا تبحث إلا عن مصالحها، أميركا لا تريد إلا حماية مصالحها، وأميركا لا تريد في هذه المنطقة إلا حماية الموقع الإسرائيلي، ويخطئ من يعتقد أن كلام الرئيس الأميركي مؤخراً عن هذا الربط بين حل المشكلة العراقية وحل المشكلة الفلسطينية هو في الخانة الإيجابية، بالعكس تماماً العراق يدمر الصواريخ، العراق يدمر قواه ذاتياً وسيدمر في النهاية أيضاً من قبل الولايات المتحدة الأميركية، والعالم مسؤول..
محمد كريشان [مقاطعاً]: على كل هذا موضوع.. موضوع تدمير الصواريخ، سيد غازي العريضي، ستكون لنا معه وقفة فيما يتعلق بصواريخ الصمود 2، سيد مصطفى الفقي في القاهرة هناك تساؤل قد يبدو مشروع عندما تنعقد القمم العربية نطالبها بضرورة التوصل إلى الحد الأدنى على الأقل المبدئي، وعندما تتوصل إليه نقول بأن هذا نوع من إبراء الذمة ونوع من الكلام الإنشائي المعبر عن عقلية عربية توافقيه، إذن الخلل في القمة أم في من يتابعها ويريد أن تخرج بمقررات يرضاها.
د.مصطفى الفقي: دعني في البداية واسمح لي أن أختلف مع الأخ العزيز معالي وزير الإعلام اللبناني الذي أشار إشارة أقلقتني وهي أن بعض الرؤساء العرب قد ذهب إلى فرنسا وألمانيا في محاولة لإثنائها عن موقفها المعادي للحرب، أستطيع أن أتحدث باسم مصر تحديداً وأؤكد لك أن شفافية الموقف المصري ومصداقيته ليست في حاجة إلى تساؤل، لقد ذهب الرئيس مبارك وهو ضد الحرب، وكل الأطراف تعلم ذلك، وكل الضغوط التي قام بها تمضي مع الخانة الأوروبية في محاولة تجنيب هذه المنطقة ويلات الحرب ونتائجها، أرجو أن يكون هذا الموضوع واضحاً إذا كنت قد فهمته بالصورة التي قيل بها.
دعني أجيب على سؤالك، الأخ محمد كريشان، نعم.. نحن نتحدث أحياناً عن ضرورة توصل القمم العربية إلى قرارات، ولكننا نفاجأ أحياناً أنها يغلب عليها الصفة الاحتفالية أكثر من الدخول إلى جوهر الموضوعات، أنا شعرت اليوم من متابعتي الإعلامية لما يجري في القمة العربية بأن هناك نعم الكل طرح وجهة نظره، ولكن القرارات لا تعكس ما قيل في الجلسة، يعني أنا سمعت رئيس اليمن قال قولاً معيناً، ورئيس سوريا، ورئيس ليبيا، ورئيس مصر وعدد من الرؤساء، لم ينعكس هذا في شكل المقررات، تجنبت المقررات في النهاية من أجل أن يُقال أن القمة قد نجحت وحققت شيئاً بغض النظر عن قيمة هذا الشيء لمحاولة سد خانة عربية وإثبات أن العرب قد فعلوا شيئاً، بينما كانت دعوة القاهرة والرغبة في هذا المؤتمر هو أن يتخذ خطوات عملية وفعالة لحماية المنطقة وحماية الشعب العراقي، ووقف الحرب، ووقف التهديدات الأميركية بشكل أوضح وأقوى وبشكل موضوعي دولي وليس بشكل عربي قومي، كنت أطالب بالتوازن ما بين الانتماء القومي وما بين الالتزام الدولي، على ما يبدو لي أن الدول أرادت أن تتخلص من هذا اليوم وليمضي بأي صورة وتعود إلى عواصمها وتمارس سياساتها بالطريقة التي تراها، هذا هو الأمر الذي يفزعني ويفزع الكثيرين.
العراق وتدمير صواريخ الصمود/2
محمد كريشان: نعم، على كل نشكر من بيروت الوزير غازي العريضي (وزير الإعلام اللبناني) على هذه المشاركة، وقد كان السيد العريضي أشار إلى الصواريخ العراقية وفعلاً فرغم مداها المحدود قياساً بالصواريخ التي تتسلح بها القوات المحتشدة حول العراق بدأ العراق في تدمير صواريخ الصمود 2 طوعاً بعدما فشل في إقناع لجنة المراقبة والتفتيش "الأنموفيك" بأن مدى الصاروخ لا يتعدى 150 كيلو متراً المسموح بها في قرارات مجلس الأمن الدولي، حكاية هذه الصواريخ التي أوشكت أن تكون القشة التي قصمت ظهر البعير يستعرضها حازم غراب في هذا التقرير الذي يقرأه جواد العمري.
تقرير/حازم غراب، قراءة/ جواد العمري: لم يكن التركيز على صواريخ الصمود 2 بصفتها سلاحاً فعالاً في الحرب التي تلوح نذرها، بل كأزمة أخرى للتصعيد بين العراق وأنموفيك، فبعد عمليات تفتيش وتجارب أجريت على تلك الصواريخ أعلن رئيس اللجنة (هانز بليكس) أن مدى الصمود 2 قد يتجاوز المنصوص عليه في قرار الأمم المتحدة رقم 687، وقد أثبتت لجنة من الخبراء شكَّلها لهذه الغاية صحة شكوكه، مما دفعه إلى مخاطبة الفريق عامر السعدي (مستشار الرئيس العراقي صدام حسين) طالباً منه رسمياً تدمير هذه الصواريخ تحت إشراف لجنته، وجادل العراقيون بأن الصواريخ التي تطلق محملة برأسها الحربي ونظام التوجيه لا تتجاوز مدى 150 كيلو متراً المسموح بها، لكن تجربة الصاروخ بدون رأسه ونظام توجيهه يندفع إلى مدى أبعد قد يصل إلى 180 كيلو متراً.
وتقدر بعض مصادر الأمم المتحدة ومصادر مخابراتية غربية ما يملكه العراق من تلك الصواريخ بنحو مائة أو 120 صاروخاً موزعة على عدد من وحدات الجيش العراقي أو يجري تصنيعها، وقام مفتشو الأسلحة منذ الثلاثاء الماضي بجولات فتشوا خلالها مواقع تصنيع تلك الصواريخ وسط حالة من الاقتناع الدولي أن صمود 2 من بين أهم أسلحة العراق القليلة الباقية في مواجهة ما تحشده واشنطن من آلة عسكرية.
ومع أن العراق أبدى المرونة المتوقعة في مسألة تدمير هذه الصواريخ إلا أن الولايات المتحدة تُبدي استياءها من سياسة اللحظة الأخيرة التي يتبعها النظام العراقي في التعاطي مع مطالب المفتشين، فقد استجاب في آخر لحظة لمطالب لجان التفتيش لمقابلة العلماء على انفراد، وقبل ساعات من تقديم هانز بليكس تقريره الأخير إلى مجلس الأمن أعلن العراق السماح بتحليق طائرات التجسس الأميركية من طراز U2 لخدمة عمليات التفتيش، وفي هذا السياق تعمد واشنطن بعد كل استجابة عراقية إلى التقليل من أهميتها والتشكيك بنوايا بغداد، ولذلك اعتبرت واشنطن موافقته المبدئية على تدمير هذه الصواريخ استمراراً لمحاولات المراوغة.
محمد كريشان: سيد عادل سليمان (الخبير العسكري والاستراتيجي)، هذا الحديث عن صواريخ الصمود 2 هي فقط تتجاوز المدى المسموح به ربما بـ30 أو 40 كيلو متر، هل يمكن من الناحية الفنية اعتبار هذه الصواريخ خطيرة وفعلاً تحتاج إلى تدمير؟
عادل سليمان: هو الحقيقة تجاوزها للمدى بـ30 أو 40 أو 50 كيلو متر لا يشكل خطورة كبيرة بالنسبة لهذه الصواريخ، إنما هو إصرار أميركا على التقيد الحرفي بنصوص قرارات مجلس الأمن، القرارات بتنص على أن العراق لا يمتلك سلاح يزيد مداه عن 150 كيلو، فهي بتؤكد هنا أن.. أن العراق لديه النية لمخالفة قرارات مجلس الأمن.
محمد كريشان: يعني على فكرة المدى 150 يعني ليس مدى اعتباطياً، يعني لو.. لو ننظر هنا لهذه المنطقة في.. الصحراوية في.. في غرب.. في غرب العراق، يُقال الآن أن هناك قوات في هذه المنطقة.. قوات خاصة، وهناك تركيز على بطاريات صواريخ هنا على أساس أن أي صواريخ يُقال إنها قد تُطلق في اتجاه إسرائيل سيتم اعتراضها، ولكن في هذه الحالة 150 قد لا تفي حتى بالاحتياجات الدفاعية البحتة للعراق، يعني قد لا تغطي حتى هذا المدى الخاص بالعراق.
عادل سليمان: هو تحديد الـ150 كيلو كان الهدف منه منع العراق من تهديد أي من الدول المجاورة له تحت أي ظرف من الظرف وأيضاً منعه من تهديد إسرائيل نظراً لـ.. في 91 لما استخدم بعض الصواريخ وصلت إلى تل أبيب أو غيره، إنما هنا النقطة المهمة اللي أنا بأحب أوضحها بالنسبة لهذه الصواريخ، هذه الصواريخ هي أصلاً صواريخ من طراز "سكود" الروسية، كل اللي عمله العراق إنه طور هذه الصواريخ، طور الوقود بتاعها بالتالي طور المدى بتاع الصاروخ زوده 30، 40 كيلو، إنما تبقى لديها مشكلة أساسية أنه لم يتمكن من تطوير أجهزة توجيه هذه الصواريخ، هذا الصاروخ بيضرب منطقة مساحية وليس دقيق التوجيه، إنما الفكرة الأساسية أن الولايات المتحدة تريد أن تكشف أن العراق يخالف قرارات مجلس الأمن، فإذا كان خالفها في الصواريخ إذن فهناك شك في أنه يخالفها في كل البنود الأخرى المتعلقة بأسلحة التدمير الشامل.
محمد كريشان: نعم، معنا من بغداد السيد عبد الوهاب القصاب، وهو (محلل عسكري استراتيجي). سيد قصاب، هذا التدمير الذي ارتضته بغداد هل يمكن أن يخفف برأيك من احتمالات الحرب والضغوط الدولية المختلفة على العراق؟
عبد الوهاب القصاب: يُدرس رأي الذي اتُخذ في العراق بالتعامل مع صواريخ الصمود 2 وتدميرها من زاوية.. ليس من زاوية أنه سيحاول يخفف أو لا يخفف من غلواء الحرب أو غلواء الاندفاع نحو الحرب من قِبل الجهات المعادية، ولكن من.. من زاوية مهمة جداً وهي إن العراق إنما قبل التعاون مع القرار 1441 والذي ينص على نزع ما سُمي بأسلحة الدمار الشامل قد ذهب بعيداً في تعاونه مع لجنة الأنموفيك ووافق على تدمير منظومة صاروخية لا تقع تحت تسمية أسلحة الدمار الشامل، وإنما هي وسائل هي (فيكل) Vehicle كما يُقال، مداها مُباح للعراق استخدامه وهو مدى الـ150 كيلو متر، التجاوز الذي حصل في بعض الصواريخ أثناء مرحلة التجريب قام العراق بنفسه بالإبلاغ عنه، وهنالك حقيقة أخرى أن عدد الصواريخ التي قصَّرت عن المدى أي التي كانت في مرحلة التجريب وصلت إلى أقل من 150 كيلو متر هو أكثر من عدد الصواريخ التي اجتازت، هذه الحقيقة غيَّبتها لجنة الأنموفيك عندما كتبت تقريرها، ومن هنا يأتي التعسف في طلب تدمير منظومة الصواريخ كلها، كان على الأقل على الأنموفيك أن تطلب تدمير تلك الصواريخ التي تجاوزت مدى الـ150 كيلو متر، كان يكون هذا الطلب يعني إلى حدٍ ما منطقياً وكان لها أيضاً أن تستمر في مراقبة عمليات أو التجارب التي تجري لاحقاً أثناء عمليات التطوير وتضع اللواصق مالتها على يعني التي تعود إليها على أي من الصواريخ التي تجتاز وتطلب تدميرها، وأما أن تطلب تدمير المشروع ككل يعني هذا طلب قد ذهبت به الأنموفيك إلى أقصى حدود اللامعقول عن وجهة نظري، ولكن مع ذلك تجاوب العراق لكي ينزع من أولئك الذين يدعون إلى الحرب ورقة مهمة..
محمد كريشان [مقاطعاً]: نعم، ولكن سيد.. سيد قصاب يعني باختصار شديد يعني تدمير هذه الصواريخ هل يُضر بإمكانيات العراق الدفاعية خاصة إذا ما اندلعت حرب؟
عبد الوهاب القصاب: يعني إحنا عندما نتكلم عن الحرب طبعاً الشكل الذي ينظر إليه المخطط العسكري العراقي لاستخدام هذه الصواريخ أنا يعني لا علم لي به والموضوع يخص عملية التخطيط، كما أشار الزميل والأستاذ سُليمان قبل.. عندما بدأت بالحديث معه، وأكيد أن لكل نوع من أنواع الأسلحة حصة معينة في التخطيط الدفاعي، ولكن أيضاً هنالك حقيقة كبرى أن المخطط العسكري عندما يضع خططه لا يعوِّل على نوع معين من.. من الأنواع ذلك لأن كافة يعني ما سيجري في المعركة لا يقرره المخطط العسكري وإنما يقرره المخرجات التي سيبيحها شكل الاشتباك، ولذلك فإن يعني لكل سلاح دوره في.. من هذه الزاوية.
محمد كريشان: نعم، شكراً لك سيد عبد الوهاب القصاب (المحلل العسكري والاستراتيجي) من بغداد، عودة إلى القاهرة والسيد مصطفى الفقي، أزمة الصواريخ هذه هي أزمة فنية وأزمة سياسية بالمقام الأول، هذه السياسة العراقية التي تعتمد على ترك الأمور تتفاقم ربما وفي آخر لحظة محاولة نزع فتيل الاشتعال، إلى أي مدى يمكن أن تستمر في لعبها بغداد بشكل ناجح؟
د.مصطفى الفقي: أنا لا أتحمس لسياسة نعم المتأخرة، يعني هذا أقرب إلى فكر البازار والمساومة، العراق يقول نعم دائماً ولكن في غير التوقيت المطلوب، وبعد أن يكون قد ضيع فرص للاستفادة من نعم هذه، ولهذا أنا كنت أتصور أن يفطن الإخوة العراقيين إلى هذه الحقيقة، لأنه لا أعتقد أن تحطيم الصواريخ سوف يؤدي إلى النتيجة التي ينتظرونها لسبب بسيط وهو أن هذه الأمور لو تمت طواعية من البداية لكانت نتائجها أكثر إيجابية، أما أن تتم بعد رفض وعدم تحمس ثم مفاوضة ثم قبول، هذا جعل نغمة هانز بليكس في تصريحاته الأخيرة -في رأيي- أقرب للتمهيد للعمل العسكري منها للاقتراب من تفاديه.
أنا أعتقد أن جزء كبير جداً من لغة الخطاب العربي-والعراق جزء من المنظومة العربية- هي أنه يتعامل مع الأوضاع الدولية مفترضاً أن نعم المتأخرة قد أكسبته شيئاً، بينما نعم ترتبط بتوقيت معين، هذا الأمر عانينا منه في القضية الفلسطينية ونعاني منه في الأزمة العراقية، يجب أن تتحول طريقة تفكيرنا لكي تكون أكثر تمسكاً بالمواقف، وبالتالي أكثر مصداقية وشفافية، لأن هذا يعني أن مزيد من الضغط سوف يؤدي إلى النتائج المطلوبة، والحرب بذاتها هي أعلى درجات الضغط، هذا الأسلوب -في رأيي- ليس هو الأسلوب الأمثل للتعامل مع الأزمة الدولية في وضعها الحالي.
محمد كريشان: سيد مصطفى الفقي، شكراً جزيلاً لك، كما نشكر ضيفنا هنا في الأستوديو سيد عادل سليمان (الكاتب والمحلل العسكري الاستراتيجي)، كما نشكر كل الضيوف الذين شاركونا في حلقة اليوم، والتي حاولنا أن نكون فيها بإطلالة.. أن نقوم فيها بإطلالة نوعاً ما بانورامية تناولت المواضيع العسكرية، الجهود العربية متمثلة في القمة العربية في شرم الشيخ، وكذلك الجهود المتعلقة بالجهود الدولية.
مثلما أشرنا موضوع برنامج (قضية الساعة) هو فقط برنامج.. هو فقط موضوع العراق، هذا البرنامج برنامج جديد يأتيكم أيام السبت والاثنين والخميس وسنحاول فيه أن نرصد كل كبيرة وصغيرة في الملف العراقي، بالطبع الأخبار ونشراتنا وتغطياتنا الإخبارية الدائمة من قناة (الجزيرة) تتولَّى هذا الأمر، ولكن نحاول أن نسلط مزيد من الأضواء والتحليل في هذا المجال.
دمتم في رعاية الله، وإلى اللقاء.