YANUH-JAT, ISRAEL - NOVEMBER 19: Druze men and relatives attend the funeral of Druze Israeli police officer Zidan Sif on November 19, 2014 Druze village of Yanuh-Jat, Israel. Sif, 30, died of his wounds on November 18, after two Palestinian cousins armed with meat cleavers and a gun stormed a Jerusalem synagogue during morning prayers, killing four rabbis.
برقيات التجسس

مقاييس الموساد للمسلم المعتدل

تقوم المخابرات الإسرائيلية بشكل دؤوب بتعقب ومراقبة الجهود المبذولة في العالم العربي للترويج لنمط من الإسلام يتماشى ورؤية الدولة.

 

                                                                                كلايتون سويشر


لأول وهلة يظن القارئ أنه يقرأ تقريرا كتبه دعاة مسلمون، إلا أن الوثيقة التي نحن بصددها لم يؤلفها علماء ولا فقهاء مسلمون.

"النضال في سبيل أنظمة إسلامية" هي وثيقة سرية للغاية كتبها محللون من جهاز المخابرات الإسرائيلي الموساد، وكانت جزءا من الوثائق التي سربت إلى وحدة الصحافة الاستقصائية في شبكة الجزيرة بصيغة رقمية.

 

يحمل التقرير تاريخ 29 مايو/أيار ٢٠١٤، وهو موسوم بختم "سري للغايةيقيم التقرير المحاولات المبذولة في مختلف أرجاء العالم العربي للترويج لما يسميه التفسير "المعتدل" للإسلام، لا يعرف التقرير مفهوم النمط "المعتدل" من الإسلام الذي ترغب إسرائيل في الترويج له.

 

يصف التقرير اعتماد الحكومات العربية على من يمكن  تسميتهم "الخطباء المأجورين" الذين باتت خطب الجمعة التي يلقونها آلية مدفوعة الأجر لفرض التحكم السياسي بدلا من أن تكون استعراضا للعلوم والمفاهيم الدينية، وذلك كله بهدف تعزيز نفوذ وسيطرة هذه الحكومات.

 

يتحدث تقرير الموساد عن مصر فيقول إن جامعة الأزهر فيها -التي يزيد عمرها على ألف عام- ترسل وعاظها في "مهام تلقينية" إلى شبه جزيرة سيناء للعمل نيابة عن النظام.

 

أما الجزائر فترسل الأئمة إلى فرنسا بحثا عن أدوات للتبشير "بمبادئ الإسلام المعتدل".

 

وفي اليمن -وبتمويل من هولندا- تنفذ حملة تعليمية لتشجيع ما يسمى "الإسلام المستنير".

 

يشيد جواسيس الموساد في تقاريرهم بهذه الإجراءات ويعطون أعلى علامة للمملكة العربية السعودية، حيث ورد في التقرير المشار إليه أعلاه: الأبرز والأهم بين كل هذه الجهود هو عزم المملكة العربية السعودية على القيام بحملة شاملة ضد الأيديولوجية الجهادية العالمية.

ويشير التقرير إلى ستراتيجية جديدة" جرى تطويرها عام ٢٠١٠ تحت اسم "الأمن الأيديولوجيوالهدف منها هو "الحد من انتشار الأيديولوجية السلفية وصياغة مفهوم معتدل نسبيا حول الإسلام يجري تلقينه للناس".

 

يعترف الموساد بقوة الدين كأداة ناجعة لتشكيل السياسة، مشيرا إلى أن المملكة العربية السعودية "لديها برنامج لغسل أدمغة آلاف المعتقلين لديها من منتسبي القاعدة لإقناعهم بالعدول عن تفكيرهم المتطرف".

كما يلاحظ التقرير أن السعوديين "يزيدون من الرقابة على الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي" لوقف انتشار "الأيديولوجية الإسلامية المتطرفة".

وبحسب الموساد، فإن هذه الجهود المتبناة من قبل الأنظمة إنما نجمت عن "القلق المتنامي لدى الدول المسلمة بعد بداية الربيع العربي في يناير/كانون الثاني ٢٠١١ إزاء أيديولوجيا الجهاد العالمي التي صاغتها القاعدة، وغير ذلك من الأيديولوجيات الإسلامية المتطرفة مثل تلك التي تعتنقها الجماعات السلفية والمنظمات التابعة للإخوان المسلمين".

 

ويلاحظ تقرير الموساد كيف أن نظام الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز أصدر مرسوما ملكيا في مارس/آذار ٢٠١٤ يحظر فيه المنظمات الإرهابية التي اشتملت للمرة الأولى على الإخوان المسلمين.

ومثله مثل الحكام العرب يبدو الموساد فزعا بسبب شعبية أفكار وسياسات الإخوان المسلمين والمنظمات المنبثقة عنها التي فازت في الانتخابات الديمقراطية بمصر وتونس والأراضي الفلسطينية المحتلة والجزائر، ولذلك أخذوا يربطون بشكل علني ومباشر جماعة الإخوان المسلمين والمنظمات المرتبطة بها بالقاعدة ومن على شاكلتها.

 

قد تكون وثيقة الموساد مهمة أيضا ليس فقط لما تتناوله بالتحليل بل وأيضا لما تتجاوز عنه ولا تذكره.

 

لقد فشل المحللون الإسرائيليون في تقييم مدى فعالية الجهود الهائلة التي بذلتها المملكة العربية السعودية في إقناع المتطرفين بالعدول عن تطرفهم.

يعتقد المحللون أن آلاف المقاتلين الأجانب الذين التحقوا بتنظيم الدولة الإسلامية إنما جاؤوا من المملكة العربية السعودية، وذلك على الرغم مما تتخذه المملكة من خطوات لوقف تدفق الأموال إليه من سعوديين أثرياء.

 

كما فشل الموساد في الأخذ بعين الاعتبار التداعيات المهلكة للتلاعب بالدين واستغلاله من قبل الحكام العرب المستبدين، وهو التلاعب الذي يقره جهاز الموساد ويؤيده.

 

كل ما يفعله النمط الإسلامي المتوافق مع النظام الرسمي في الدول المستبدة التي لا تترك مجالا للمخالفين والمعارضين هو أنه يدفع تحت الأرض ذلك الحوار النشط حول تعاليم الإسلام الضرورية من أجل مقارعة الأفكار الراديكالية السطحية والتبسيطية بعيدا عن الرقابة الشعبية والتسديد العلمي.

وما من شك في أن ذلك يسهل على مجموعات -مثل تنظيم الدولة- تقديم نفسها لكل من ينتقد الأنظمة المستبدة في العالم العربي على أنها هي وحدها حارسة القيم الإسلامية الأصيلة والمدافعة عنها.

 

إن تبني الرواية الغربية بشأن "الحرب على الإرهاب" وتوجيهها بشكل عام وبلا تمييز ضد كل من يناهضون الاستبداد في العالم العربي ويناهضون السياسات الغربية في المنطقة إنما يمثل قمعا للشعوب في الشرق الأوسط ويحول بينها وبين تطوير أجوبة محلية ومناسبة للمعضلات التي تعاني منها المنطقة.

 

ومع أن تقرير الموساد لم يمض عليه أكثر من عام إلا أن الأحداث تجاوزته، وذلك أن وفاة ملك المملكة العربية السعودية عبد الله في الشهر الماضي -الذي كان معروفا بعدائه الشديد للإخوان المسلمين- أعقبها وصول ملك جديد وأكثر براغماتية هو الملك سلمان.

 

هناك مؤشرات على تحول في السياسة، ولا أدل على ذلك من أن وزير الخارجية سعود الفيصل أدهش الناس مؤخرا حينما أعلن أن "المملكة العربية السعودية ليست لديها مشكلة مع جماعة الإخوان المسلمين".

 

قد لا تكون هذه أخبارا سارة بالنسبة للموساد.

 

 

المصدر : الجزيرة