المنصف المرزوقي.. العلاقات التونسية المصرية
عبد الفتاح فايد: مشاهدينا الكرام السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلا ومرحبا بكم في هذه الحلقة من لقاء خاص، والتي نستضيف فيها فخامة الرئيس التونسي المنصف المرزوقي، في أول زيارة له إلى القاهرة بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير ليكون أول رئيس دولة يلتقي الرئيس المصري محمد مرسي بعد تنصيبه رئيسا للبلاد، مرحبا بكم فخامة الرئيس.
المنصف المرزوقي: أهلا وسهلا.
عبد الفتاح فايد: لنبدأ بهذه النقطة، أنتم أول رئيس دولة يزور مصر بعد تنصيب الرئيس المصري الدكتور محمد مرسي، ما دلالات ذلك، خاصة وأن تونس هي الدولة الأولى في ربيع الثورات العربية ومصر هي الدولة الثانية؟
المنصف المرزوقي: هناك بعد عاطفي لهذه الزيارة لأن مصر مثلما تعرف حاضرة في ثقافتنا التونسية، حاضرة في وجداننا، ولهذا ثمة محبة خاصة لمصر، وهناك أيضا سبب سياسي أنه إحنا شاعرين إنه أيضا جزء كبير من مصير الثورة التونسية هو يلعب هنا في مصر، لأنه هناك ترابط وثيق بين الثورتين، يعني أن نجاحنا في تونس سوف يؤدي إلى نجاح، أو سيكون عامل من عوامل نجاح الثورة في مصر والعكس في العكس، فمثلا لا قدر الله، لو صار في عودة الفلول سواء في تونس أو في مصر، ستكون مأساة للثورتين، إذن هناك، واضح بالنسبة لي إنه هناك علاقة وثيقة في النجاح وفي، لا قدر الله، في أي مصيبة تصيب هذه الثورة، إذا أنا جئت، أولا لأدعم، لأطمئن على مسار الثورة في تونس، أي لأقول لهم أن ظهوركم محمية، أيضا لأطمئن أننا نتابع الوضع في مصر، وعارفين إنه الوضع صعب ومعقد، نظرا لأن مصر دولة إقليمية كبرى، وضغوطات كبيرة عليها وكذا، وأردنا أيضا أن نفتح من هنا وصاعدا القنوات التي كانت مغلقة أو شبه معطلة لأنه ضروري فعلا أن تونس بقدر ما هي مهتمة بالانفتاح على فضائها المغاربي والأوروبي، بقدر ما تريد أيضا الانفتاح على فضائها المشرقي وبطبيعة الحال البوابة الكبرى للمشرق تبقى دائما وأبدا..
آفاق التعاون بين تونس ومصر
عبد الفتاح فايد: نعم، بهذه المناسبة سيادة الرئيس هل تم الاتفاق على أية اتفاقيات؟ هل تم توقيع أية بروتوكولات في هذه الزيارة الرئاسية الأولى من نوعها سواء للرئيس المصري أو لكم أيضا؟
المنصف المرزوقي: لا، هذه يعني زيارة عمل ومودة وصلة، وليست زيارة دولة بمعنى إنه يصير فيها تحضير مسبق وأن هذه لربط الجسور، للاتصال الأول، يعني لعودة الحرارة لهذا الخط الذي كان مقطوعا، وللعمل الأول سيكون في الأشهر هذه، نحن سنعكف الآن على إعادة قراءة كل هذه الاتفاقيات لأنه عنّا كثير من الاتفاقيات مع مصر، لكن كلها عليها غبار ولم تفعل يوما وإن شاء الله سنبدأ في التفكير في اتفاقيات جديدة ثنائية، في قضية التأشيرات، في قضية التواصل البري، في قضية التواصل البحري، في قضية رفع حجم المبادلات التجارية، المبادلات الثقافية، وضع آليات للتشاور المستمر على الصعيد السياسي، هذا كله إن شاء الله سندرسه بعد رمضان، لأنه أنا قدمت باسم تونس دعوة إلى شقيقي الدكتور محمد مرسي، ليأتينا في زيارة، ستكون زيارة دولة زيارة رسمية، وآنذاك يعني إن شاء الله سنعلن كل هذه القرارات.
عبد الفتاح فايد: هل هناك أولوية معينة فخامة الرئيس لملف معين في العلاقات بين البلدين؟
المنصف المرزوقي: الأولوية المطلقة هي الأولوية السياسية باعتبار أنه كل شيء ينبع عن الإرادة السياسية، لأنه ما الذي كان يمنع المصريين والتوانسة من التواصل على كل المستويات؟ كانت الخلافات السياسية وانه كانت الدكتاتورية اللي عنّا لم يكن لها أدنى اهتمام بربط العلاقات مع مصر، إذن الأولوية هي الأولوية السياسية، أيضا نريد أن نعمل معا في قضايا في تشابه وجهات نظر سواء في القضية الفلسطينية، دعم المصالحة الفلسطينية، في قضية ربما التأثير مع بعض، في الملف السوري ونتشارك تقريبا في كل الآراء، أيضا في العمل المشترك مع إفريقيا، أنا في طريقي إلى أديس أبابا، والأخ محمد مرسي سيكون أيضا في أديس أبابا وستكون فرصة لكي نفكر الآن في سياسة عربية نحو القارة الإفريقية التي نسينا إحنا أننا جزء منها، وتركناها أيضا للإسرائيليين، وتركناها، بينما جزء من مصيرنا السياسي والاقتصادي والثقافي، موجود في إفريقيا، هناك أيضا العديد من مجالات التكامل والعمل المشترك، هذه بداية، وإن شاء الله هي بداية ستكون مثمرة.
عبد الفتاح فايد: تحدثتم عن مسألة التأشيرات، التأشيرات إلغاءها، هل تقصد إلغاء التأشيرات بين البلدين؟
المنصف المرزوقي: نحن الآن بالنسبة لنا سياستنا في تونس هي تسهيل حركة الرساميل والبشر، وإحنا عنّا مثالنا هو نموذج أوروبا التي استطاعت أن تفتح هذا الفضاء الأوروبي المسمى فضاء شينغل، هذا يتطلب بطبيعة الحال شيء من الدراسات، وشيء من الصبر، لكن هذا هو الهدف يعني، الهدف إنه يجب أن يكون لنا في يوم ما أتمنى أن يكون أقرب ما يكون فضاء شينغل عربي، نحن نسعى مثلا في إطار الاتحاد المغاربي، سنسعى لفتح هذا الفضاء لأوسع الأشياء الممكنة، وبنفس الكيفية نريد أيضا نفس الشيء مع إخوتنا في المشرق.
عبد الفتاح فايد: هل تعتقد أن دول الربيع العربي يمكن أن تكون أساس أو نستطيع أن نقول نواة لنظام إقليمي عربي يحقق هذا الهدف؟
المنصف المرزوقي: بطبيعتها ستكون كذلك لأنه أنت لما تشوف تاريخ الاتحاد الأوروبي ستكتشف إنه أوروبا كانت مقسمة ومجزأة وتحارب بعضها البعض، وأحيانا حروب، يا لها من حروب أدت إلى ملايين القتلى، إلى آخره، لأنها كانت دكتاتورية تحارب دكتاتوريات، لما انهارت النازيّة، وانهار النظام الفاشي، وانهار النظام في إسبانيا، إلى آخره، جاءت أولى شروط الاتحاد، وهي أنه الأنظمة الديمقراطية، الأنظمة الديمقراطية لا تتحارب بينها، الأنظمة الديمقراطية لأنها تستمع إلى طلبات شعوبها، تبحث عن نقاط التواصل، وهذا ما سيأتي، يعني إنه كل دولة عربية ستتحرر، ستحقق ما أسميه الاستقلال الثاني، يعني أنها ستصبح دولة ديمقراطية، بطبيعتها ستبحث عن التواصل، وبطبيعتها لن تكون هناك حدود، لأن الذي كان يمنع التواصل العربي لا جغرافية، ولا اللغة، ولا، ولا، الذي كان يمنع هو القرارات السياسية، والقرارات السياسية ناجمة عن طبيعة الدكتاتورية، الدكتاتور يعتبر هذه البلد مزرعة، لا يجب أن يضع فيها أحد رجله، ويجب أن يراقبها في الكاميرا بكل نقطة، وكذا، لما تسقط الدكتاتورية تسقط هذه فكرة المراقبة، وإنه هذه مزرعتي وكذا، الشرط الأول والأساسي للاتحاد يكون موجود، ولهذا أنا عندي أمل، كبير إنه لا أدري في أي زمن إنه سنذهب نحن أيضا إلى اتحاد الشعوب العربية، أنا أملي الكبير إنه في يوم من الأيام يكون عنا ما أسميه اتحاد الشعوب العربية الحرة، يعني يكون في هذا الاتحاد لا علاقة له بالوحدة الاندماجية كما كان يتصورها البعثيون.
عبد الفتاح فايد: على أي أسس فخامة الرئيس يمكن أن يقوم تصوركم لهذا الاتحاد أو لهذا النظام الإقليمي العربي؟
المنصف المرزوقي: المصلحة، المصلحة تقتضي، مصلحة تونس تقتضي فتح الحدود مع الشقيقة الجزائر ومع الشقيقة ليبيا، مصلحتنا، إحنا المناطق المتخلفة في تونس والفقيرة كلها على الحدود الجزائرية، لو فتحنا، ونحن بصدد فتح هذه يعني التبادل وكذا، هذه المناطق ستنتعش، في حدودنا مع ليبيا نفس الشيء، يعني الذي يمنع تطور تونس هي هذه الحدود التي تخنقنا، نحن بحاجة إلى فضاء أوسع، اليوم الاقتصاد لا يكون بسوق فيه عشرة ملايين، ولا يكون حتى في سوق فيها ثمانين مليون، اليوم الاقتصاد العالمي يتطلب مساحات واسعة، حيث التكنولوجيا، والاقتصاد والمصالح هي التي ستفرض على رجال السياسة أن يضعوا الأطر لهذا الفضاء المشترك.
عبد الفتاح فايد: الآن ثورات الربيع العربي أفرزت نستطيع أن نقول، نوعية من الرؤساء غابوا كثيرا عن الساحة السياسية العربية، هي الرئيس المثقف، الرئيس نستطيع أن نقول الفيلسوف، في بعض الأحيان، هذه ميزة يراها البعض، ويراها البعض الآخر ربما نقيصة أن ربما هو ليس ملما بالأمور السياسية، ليس رجل دولة كما يقولون هنا على أن، هل تعتبر أن هناك تناقضا بين المثقف والسياسي؟
المنصف المرزوقي: أبدا، أعتبر أنه، أنك تفترض أنه رجل جاهل، شبه أمي، هو الذي يقدر أن يقود دولة، هذا أعتقد أنه كلام فارغ، اليوم قيادة الدول تتطلب كما هائلا من المعارف، تتطلب كما هائلا من الخبرة، تتطلب كما هائلا من قدرة التفاوض، وهذه تجدها يعني عند الناس المثقفين، أنا لا أقول أنه المثقف، كل مثقف بطبيعته يمكن أن يكون رئيس دولة، لكن أيضا أقول أنه رئيس دولة أيضا لا يتوقف أو لا يتوفر على حد أدنى من المعارف لا يستطيع يقوم بدوره، والدليل على ذلك أن الرجل الذي حكمنا طيلة عشرين سنة كان، يعني تونس تخلفت في عهده كثيرا لأنه لم تكن له لا الرؤية السياسية الواضحة، كان فقط خبير في الشؤون الأمنية، يعني كان يمكن يشتغل كومسيون في حي لكن لم يكن قادرا على إدارة دولة.
أهم التحديات أمام دول الربيع العربي
عبد الفتاح فايد: جزء من المحاضرة التي ألقيتموها هنا في مصر كانت تحت عنوان "ثورات الربيع العربي بين تحديات الهدم وتحديات البناء" ما هي أبرز التحديات التي تواجهها الآن دول الربيع العربي لإعادة بناء الدولة من جديد والنهوض على أسس ديمقراطية وتنموية حقيقية؟
المنصف المرزوقي: أنا أستطيع أن أتحدث عن تونس لأنني أستطيع أن أصف الوضع بكل دقة، تونس الآن تعيش، مثلما كتبت أكثر من مرة، في أزمات، يعني أزمة سياسية، أزمة اقتصادية، أزمة اجتماعية، عندما تنظر إلى الإعلام فهو في أزمة، يعني صراع، وخصومات، وكلام، وكذا، عندما تنظر إلى المؤسسة الأمنية في أزمة، عندما تنظر إلى المؤسسة الاقتصادية، كل هذه المنظمات في أزمة، لكنها أزمات خلق وإبداع، يعني هناك فرق بين أزمة التدمير التي كنا نعيشها في العهد البائد، يعني كان الانطواء والانكماش، والصورة السلبية عن النفس، نحن الآن بصدد البحر هائج، والبحر يعني هناك عواصف، لكن البحر الحي هو اللي فيه السمك هو اللي في العواصف، كل هذه الأزمات بالنسبة لي أزمات إيجابية، نحن نتخاصم ونتبارى لكي نصنع أحسن نظام إعلامي ممكن، لكي نصنع أحسن نظام سياسي ممكن، لكي نصنع أحسن، يعني الأزمة الآن هي أزمة خلق وإبداع، يعني كلنا نتنافس على نحت معالم المستقبل، وهذا الشيء شيء رائع، شيء رائع إنك، لا تقلقني هذه الأزمة، نحن بصدد خلق نظام في تونس، نظام سيكون قوي وإن شاء الله يدوم لا أقول لقرون، وإنما لعقود على الأقل، هذه مرحلة بناء، فيها الكثير من الصعوبات لأنك لما بيت أتخرب، وتعيد بناء هذا البيت لا بد من عرق، ولا بد من جهد، ولا بد أحيانا من خصومات مع مختلف من يبنون، هذا هو الوضع الذي نعيش فيه، ولهذا أنا متفائل جدا، لأنه عندما تبني حتى وإن أخطأت في البناء، فأنت في مرحلة بناء، قبل كنا في مرحلة هدم.
عبد الفتاح فايد: تحدثتم عن أحد أهم التحديات، وهم الفلول الذين أسميتهم أيضا في تونس وفي مصر، هل تعتقد أن الفلول هم فقط أفراد أم دول أيضا الآن تواجه دول ثورات الربيع العربي وتحاول أن توقف هذا المد؟ أسمع منكم الإجابة بعد فاصل قصير، مشاهدينا الكرام، فاصل قصير نعود بعده لاستكمال هذا الحوار مع فخامة الرئيس التونسي المنصف المرزوقي، فابقوا معنا.
[فاصل إعلاني]
عبد الفتاح فايد: مشاهدينا الكرام أهلا بكم مجددا في هذا اللقاء الخاص مع فخامة الرئيس التونسي، المنصف المرزوقي، مرحبا بكم فخامة الرئيس، كنت أسأل عن الفلول، هل تعتقد أن هناك دول فلول أيضا كما أن هناك أفراد فلول؟
المنصف المرزوقي: لا، أبدا، فيما يخص تونس، أنا دائما أتحدث عن تونس، إحنا والحمد لله كل الدول يعني تنظر إلى الثورة التونسية، ثورة ديمقراطية سلمية، بكثير من الإعجاب، ولم نجد أي مشكلة لا مع أشقائنا في الحدود، يعني أشقائنا الجزائريين، أو الليبيين، أو المغاربة، بالعكس وجدنا كل التضامن، في أوروبا أيضا، يعني الأنظمة الديمقراطية تريد دعم هذه التجربة الديمقراطية، الولايات المتحدة الأميركية أيضا بحيث لا نشعر أبدا بأي خطر جاي من الدول، ولهذا نقول أن الفلول ليس لها مستقبل لأن ليس لها امتدادات في الخارج، وحتى عندما تعيد هيكلة نفسها، وتنتصر في بعض المواقع مثل الإعلام، وكذا، فإن حظوظها للعودة قليلة جدا.
الإسلاميون وتسلمهم مقاليد السلطة
عبد الفتاح فايد: نعم، الناس ربما في مصر دائما تقارن بين تونس ومصر، بينما تحققه تونس وما تحققه مصر، وينظرون أحيانا بكثير من الإعجاب لهذا النموذج في التعاون بين الكتل السياسية التونسية المختلفة، الإسلامية، والعلمانية، والليبرالية وغيرها، بينما هنا يتخوفون دائما من الإسلاميين، ينظرون إلى الإسلاميين في تونس على أنهم ربما أكثر انفتاحا منهم في مصر، بعد لقائكم مع الرئيس محمد مرسي، وهو يأتي من تنظيم سياسي إسلامي مختلف تماما عن المشرب أو الاتجاه السياسي الذي أتيتم منه، كيف تقيّمون هذه الجدلية، وكيف تقيّمون علاقة التيار الإسلامي معكم في تجربة الحكم؟
المنصف المرزوقي: مرة أخرى، أنا لا أستطيع أن أتحدث إلا عن تونس، نحن فعلا نجحنا هذا الائتلاف لأنه في الواقع، يعني لم يأت بين عشية وضحاها، هو أولا نتيجة أنه بفضل الدكتاتور- إن صح التعبير- هذا الدكتاتور ضرب الإسلاميين وضرب العلمانيين بنفس الكيفية، وبنفس الوحشية، بحيث جمع ما بين القمع للكل لطيلة أكثر من عشرين سنة، طيلة هذه الفترة تحاورنا مع بعض، تناقشنا، وكوننا إحنا العلمانيين كنا في منظمة حقوق الإنسان، ودافعنا عن الإسلاميين قرب ما بيننا، وفي 2003 وقع اجتماع في أكس آن بروفانس وتفاهمنا على ملامح تونس الغد، ووقع الاتفاق على انه على الإسلاميين أن يحترموا الخطوط الحمر للعلمانيين، وهي: حقوق المرأة، حقوق الإنسان، التداول السلمي على السلطة، الحريات، وإحنا اتفقنا إنه يجب أن نتفاهم على أن تونس لها هوية عربية إسلامية يجب أن، يعني صار في اتفاق الآن نحن نمارس هذا الاتفاق في شأن ائتلاف حكومي، مثلما قلت لك مهّدت له أكثر يعني سنوات الجمر، وسنوات النقاش، والحق الأستاذ راشد الغنوشي وأنا لعبنا دورا أيضا في التنظير لهذه المنظومة في كتاباتنا المتعددة، حيث هذا وضع تونس خلا هذه العملية تنجح، إحنا نريد أن ننجح هذه العملية، ونريد أن نظهر أنّا لسنا بالضرورة نبقى في حرب دائمة بين العقائديين الإسلاميين، وبين العقائديين العلمانيين، ونتداول على الوصاية والإقصاء، أنه يمكن أن نقوم بهذه التجربة، إن شاء الله إذا نجحت هذه التجربة، أي إذا بقت إلى ما بعد الانتخابات المقبلة وأصبحت توجّه استراتيجي، وصلب عودها، نتمنى إنه إخوتنا يروا فيها تجربة يمكن أن تعينهم على أخذ القرارات الصائبة، لكن أنا أفهم أنه لكل بلد خاصيته.
عبد الفتاح فايد: لكنك تؤمن بأن الإسلاميين ليس كما يقال هنا في مصر قفزوا على الثورة وأنهم لم يكونوا جزءا من الثورة، هل تؤمن بأن الإسلاميين هم جزء من الثورة وبالتالي هم لم يقفزوا إليها عنوة؟
المنصف المرزوقي: هم كانوا ضحايا القمع، وهم بتضحياتهم العديدة مهّدوا لها، هم جزء من شعب كامل، وعندما أعطاهم الشعب، أو جزء من الشعب، أكبر عدد ممكن من المقاعد فيجب احترام إرادة الشعب، يعني لا يجب أن نستبعد الشعب وان نقول أن الشعب لا يعرف.
عبد الفتاح فايد: هل أنت مع مخاوف البعض في أن تكون هناك ردة ديمقراطية في دول الربيع العربي في حال وصلت القوى الإسلامية إلى السلطة؟
المنصف المرزوقي: لا، في تونس على الأقل لا، لأن هذه القوى الإسلامية وصلت بالديمقراطية، يعني انخرطت في الديمقراطية، أنا دائما وأبدا أقول إنه في الواقع لم تقع أسلمة الديمقراطيين، وإنما وقعت دمقرطة الإسلاميين، يعني إحنا اللي جبنا الإخوة الإسلاميين إلى منظومة الديمقراطية، وهم الآن يلعبون في ملعب الديمقراطية، وأنا أنبه دائما الإخوة الإسلاميين إنه ابتداء من اللحظة التي دخلتم فيها لعبة الديمقراطية فمعناها أنه اعتمدوا على حل مشاكل الناس، لأن الناس تنتخبكم لتحكم عليكم بإمكانيتكم في حل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية، وبالتالي فهم الآن دخلوا في لعبة ديمقراطية، وممكن انه لو لم يعطوا للشعب ما يريد أن في الانتخابات المقبلة يفقدوا هذه، وكلنا يمكن أن الشعب يزيحنا ليقول والله أنتم لم تحلوا مشاكلنا، إذن نحن دخلنا في اللعبة الديمقراطية وهي الحكم، وهي الفيصل، وطالما بقي الإسلاميون في داخل المنظومة الديمقراطية، ولم يخرجوا عليها فلا خوف لا منهم ولا من الانتخابات.
مخاوف من انقلاب إسرائيل على الديمقراطية العربية
عبد الفتاح فايد: ألا تخشى أن ينقلب الغرب وإسرائيل على الديمقراطية العربية إذا أتت بمن لا يحققون مصالحهم، كما حدث ربما قبل ذلك في تجربة الجزائر عام 1990، وغيرها، وفي فلسطين، وفي غيرها من التجارب؟
المنصف المرزوقي: يعني أفصل بين إسرائيل وبين الدول الغربية، الدول الغربية، بعض الدول الغربية الكبرى راهنت على الدكتاتوريات، والله إنه الدكتاتوريات هي التي ستحفظ مصالحنا، إلى آخره، ثم رأت أولا أنها لا تحفظ مصالحها، وان هذه الدكتاتوريات إلى الزوال، الآن هناك تفكير جديد في الغرب، إنه في آخر المطاف من سيحميننا من الإرهاب، من التطرف، من زحف المهاجرين والفقراء على أوروبا، هو التنمية العادلة والمستديمة لهذه المناطق، هو أنظمة نظيفة ليس فيها فساد، إلى آخره، الآن أصبحت فكرة مصلحة الغربيين هو في دعم الديمقراطية العربية، وفي دعم تطورها، وهذا ما كنا نقوله إحنا في الثمانينات، وفي التسعينات، عندما كنا مهاجرين عند الغربيين، قلنا السياسة التي تعتمدونها ضد مصالحكم، لأنكم عندما، هذه الدكتاتوريات هي سبب الإرهاب.
عبد الفتاح فايد: وماذا عن إسرائيل؟
المنصف المرزوقي: إسرائيل أنا أعتقد أنها في وضع لا يحسد عليه لأن يعني كانت تفخر دائما وأبدا أنها واحة الديمقراطية في محيط متلاطم من الاستبداد، قد يكون إذا تواصل الربيع العربي فقد يكون العكس هو الذي سيظهر وأنها ستكون يعني، جزيرة من الاستبداد في واحة من الديمقراطية، وأنا بقناعتي أنه الشعوب العربية الآن عندما تعود، يعني الأنظمة العربية عندما تعود للإصغاء إلى شعوبها فإن هذا سيعيد التوازن، التوازن إلى حد الآن إسرائيل اغتنمت فرصة الضعف العربي وان العرب ليس لهم أوراق للضغط على الحلفاء الغربيين، لما تصير دول ديمقراطية ومتقدمة، وتريد الخيار السلمي، لا تقبل بالاستسلام، ولكنها تريد السلام، فإن فرص التأثير على السياسات الإسرائيلية ستكون أكبر بكثير.
عبد الفتاح فايد: البعض ربما يتحدث أو يراهن على أن المدة قد تطول، وبالتالي يمل الناس من الثورات ومن حصادها، ما المدى الذي تتوقع فيه أن تبدأ هذه الثورات في تحقيق بعض المكاسب.
المنصف المرزوقي: بخصوص تونس سنة أخرى، يعني بخصوص تونس إنه إحنا الآن، بصدد إكمال الهيكل السياسي، لكن أيضا نضع الأسس لانتعاش الاقتصاد، نحن بصدد تغيير كل القوانين التي تمنع الاستثمار الداخلي، التي تمنع الاستثمار الخارجي، نحن بصدد محاربة الفساد، إلى آخره، نحن بصدد وضع الأسس لمن سيأتون بعدنا، سواء إحنا وصلنا الحكم، أو يأتي من بعدنا في الانتخابات المقبلة فسيجدون الإطار السياسي اكتمل، أصبح عندنا دستور، أصبحت عندنا حكومة شرعية، وسيجدون أيضا أننا نظفنا بقدر الإمكان يعني بعض بقايا الاستبداد من الفساد ولو أننا لن نستطيع أن ننظف كل شيء، سيجدون أيضا أننا وضعنا أسس الانتعاش الاقتصادي المقبلة، إنه وضعنا بعض البرامج بدأت تشتغل، وسيجدون كل الضروريات لكي يدخلوا في المعركة الأساسية ضد العدو وهو الفقر.
عبد الفتاح فايد: نعم، تحدثتم عن رؤية مشتركة مع مصر، بين تونس ومصر في ما يتعلق بمختلف القضايا الإقليمية ومنها سوريا.
المنصف المرزوقي: نعم.
الرؤية المصرية والتونسية لحل الأزمة السورية
عبد الفتاح فايد: ما أهم ملامح هذه الرؤية المشتركة بين تونس ومصر للحل أو للخروج من الأزمة والمأزق في سوريا؟
المنصف المرزوقي: مواصلة رفض التدخل الأجنبي، مواصلة الدعوة إلى أنه الشعب السوري يفرض حرياته بما يعني في آخر المطاف تغيير الحكم.
عبد الفتاح فايد: وهل تتوقع أن يتغير الحكم في ظل عمليات القمع والقتل اليومي؟
المنصف المرزوقي: أنا أعتقد إنه في آخر المطاف سيتضح للجميع أنه هذه الحرب العبثية ستتواصل طالما يوجد شخص اسمه بشار الأسد، هنا أتحدث باسمي خاصة، أتحدث باسم تونس، أنه بالنسبة لنا يجب لهذا الرجل أن يرحل، الحل هو إقناع أصدقائنا الروس والإيرانيين بالأساس إنه سمعتهم الآن ومصالحهم في المحك ليس في سوريا وإنما في العالم العربي كله، لأن كل الأمة العربية لا تقبل الدعم الروسي أو الدعم الإيراني للنظام الحاكم، إنما نريد منهم أن يلعبوا دورهم في إجبار هذا الرجل على الرحيل، في التمهيد لمرحلة انتقالية، هذه المرحلة الانتقالية نتمنى ونعتقد أنه يجب أن يكون هناك قوى عربية لحفظ السلام، لأنه في ربما خصام أو كذا، يجب أن تكون هناك قوى محايدة، قوى عربية، رددت أكثر من مرة أن تونس مستعدة للمشاركة فيها، أتصور أيضا أن مصر يمكن أن تشارك فيها، يمكن، هذا موضوع للنقاش.
عبد الفتاح فايد: هل هذا يعني أنكم ترى أن الجامعة العربية كنظام عربي انتهى عهدها وأنه يجب إقامة نظام عربي جديد على أسس جديدة؟
المنصف المرزوقي: مؤكد يعني أن الجامعة العربية بحاجة إلى إصلاحات جذرية، وكل الذين يعملون في الجامعة العربية والأخ الأمين العام نفسه يفهم هذا ويعرف هذا ، إنه فعلا الآن يجب مراجعة جذرية لهذه المؤسسة التي قامت بدور على الأقل أنها جمعت الشمل تحت مظلة واحدة، وهذا على الأقل أضعف الإيمان، لكن الآن في هذه المرحلة التي يجب فيها التنسيق الثنائي والمحلي، لا بد من تغييرات جذرية في هذه الجامعة.
عبد الفتاح فايد: هل هناك مدى معين لإنشاء قوى حفظ السلام العربية؟ هذه هل يمكن أن تكون جاهزة مثلا لحل ما في سوريا؟
المنصف المرزوقي: أتصور أنه إذا بدأت ملامح هذا الحل تظهر فإن العملية ستكون مفروضة بحكم الواقع، وأعتقد أن كل الدول، على الأقل تونس مثلما قلت لك، ستكون سعيدة في هذه، لكن خلينا نمشي خطوة خطوة، الآن الخطوة الأساسية هي وقف حمام الدم، لأنه ما يعيشه الشعب السوري يوميا مأساة شخصية لكل عربي، ومرة أخرى يترك هذا الشعب الأبي لحاله، لوحده، أمر غير مقبول.
عبد الفتاح فايد: البعض يرى أن ربما أن الغرب يكيل بمكيالين، تدخل في ليبيا بينما يتباطأ أو لا يريد أن يتدخل في سوريا على الرغم من رفض الجميع للتدخل العسكري الأجنبي في سوريا، ربما لأن مصالحه هنا لا تتحقق بالتدخل الأجنبي، هل أنتم مع هذا الخيار؟
المنصف المرزوقي: ليس فقط قضية مصالح، قضية أن الوضع السوري معقد أكثر بكثير من الوضع الليبي، لأنه إذا تدخلت القوى الغربية فيمكن أن تتدخل قوى أخرى، وتصير حرب إقليمية وينفجر الوضع، بينما هذا لم يكن موجودا في ليبيا، أنا أعتقد بأن الغربيين من مصلحتهم هو دعم الخيار السلمي، من مصلحتهم أن تنتهي هذه المأساة بدون أن يتدخلوا لأنهم شبعوا تدخلا في كثير من البلدان وأعتقد أنه تجربة العراق وتجربة أفغانستان أيضا تجعلهم يترددون.
عبد الفتاح فايد: فخامة الرئيس التونسي، المنصف المرزوقي، شكرا جزيلا لكم، وشكرا على سعة صدركم وعلى وقتكم، كما أشكركم مشاهدينا الكرام على حسن المتابعة، وهذا عبد الفتاح فايد يحييكم من القاهرة، على وعد بلقاءات أخرى بإذن الله.