عبد الله واد/الرئيس السنغالي
لقاء خاص

عبد الله واد.. المستقبل السياسي للسنغال

تستضيف الحلقة الرئيس السنغالي عبد الله واد ليتحدث عن الوضع الداخلي في البلاد، وقراره بتأجيل الانتخابات التشريعية وتعميمها في آن مع الانتخابات الرئاسية.

– تأجيل الانتخابات التشريعية واتهامات المعارضة
– الإسلام السياسي في السنغال
– علاقة دكار بأميركا وفرنسا


محمد بابا واد أشفغ: أيها الأخوة المشاهدون أهلا وسهلا بكم في بداية هذا اللقاء الخاص الذي نستضيف فيه الرئيس السنغالي عبد الله واد السيد الرئيس أهلا وسهلا بكم دعنا نبدأ بالشأن الداخلي السنغالي، قررتم تأجيل الانتخابات التشريعية السنغالية وتعميمها في آن مع الانتخابات الرئاسية وبررتم ذلك بأسباب تنظيمية ومالية لكن المعارضة ترى أن شعبيتكم متدنية وأنكم أشدتم للانتخابات حتى تستعيدوا عافيتكم الشعبية إن صح التعبير ما تعليقكم؟

تأجيل الانتخابات التشريعية واتهامات المعارضة

عبد الله واد- الرئيس السنغالي: جميع الدول الإفريقية تنظم للانتخابات التشريعية والرئاسية في آن واحد وذلك ما كنا نفعل سابقا في السنغال وكنت أنا وليس غيري أول مَن فصل بينهما في عهد عبده ضيوف كانتا تنظمان معا وكذلك الأمر في عهد الرئيس سينغور ولذلك عندما تكون لدي أسباب معقولة للعودة إلى النظام القديم يجب أن أمنح الثقة فالانتخابات التشريعية والرئاسية لم يكن يفصل بينها سوى ثمانية أشهر وتنظيمها في آن واحد يجعلنا نكسب مبلغ سبعة مليارات فرانك رأيت أن أخصصها لإغاثة منكوبي الفيضانات المدمرة التي اجتاحت السنغال الخريف الماضي وهذه مسؤولية أتحملها أمام التاريخ.

محمد بابا واد أشفغ: مدير حملتكم في الانتخابات الماضية ورئيس وزرائكم السابق إدريس السك موجود الآن في السجن بتهمة اختلاس المال العام الكثير من المعارضون يقولون إنكم دبرتم هذه الدسيسة للتخلص من رجل كان يمكن أن يكون أقوى منافس يواجهكم في الانتخابات الرئاسية المقبلة ما تعليقكم؟

عبد الله واد: لست بحاجة لسجن إدريس سك ولن أكسب سياسيا من وراء ذلك أنا الذي صنعت هذا الرجل منذ أن كان طالب في الجامعة ولا أرى أن فكرة منافستي في الانتخابات الرئاسية قد تخطر على باله هو الآن في السجن ويمكن أن يسمعني، ما ينقل عنه هو كلام يلفقه المعارضون وأنا نفسي كنت معارض لأكثر من سبعة وعشرين عاما والله يعلم أن سك لم يكن فقط متهم بالرشوة وإنما أيضا بالتآمر على الأمن العام وسوء استخدام السلطة، العدالة السنغالية مستقلة تماما وهي الآن بصدد النظر في كل هذه الملفات وقد خَلُص قاضي التحقيق حتى الآن إلى أن الاتهام بالتآمر على أمن الدولة لا توجد له أدلة ولندع العدالة تأخذ مجراها الطبيعي، أنا نفسي سجنت خمس مرات وكنت أبرأ في كل مرة في مرة واحدة حُكم علي بالسجن سنة نافذة ثم لم يلبث القضاء أن أخلى سبيلي وإذا رأى القضاء أن فلان أو علان يجب أن يعاقَب فإن علينا أن نذعن لحكم القضاء وعلى كل فمحاربة الرشوة يجب أن تشمل الجميع بحيث لا نعاقب الضعفاء ونترك الأقوياء اللذين اختلسوا المليارات وأنا أستحق التقدير في هذا المجال لأنه ليس هناك نظام في أفريقيا زج بالمفسدين في السجن بالدرجة التي قمنا بها في السنغال حيث هناك الآن ثمانية موظفين كبار من قطاع المالية وراء القضبان وإذا كان إدريس سك غير متورط فستبرئه المحكمة.

محمد بابا واد أشفغ: العدالة البلجيكية طالبت تسليم الرئيس التشادي السابق حسين حابري اللاجئ الآن في السنغال أثارت هذه القضية ضجة كبيرة فما هو تصوركم للنهاية التي ستؤول إليها؟

"
ليس من الوارد إطلاقا أن أقوم بتسليم الرئيس التشادي السابق حسين حابري إلى بلد أجنبي بتهم ارتكاب جرائم ضد الإنسانية ولذلك أحَلْت ملفه إلى الاتحاد الأفريقي للبت فيه كقضية أفريقية
"

عبد الله واد: ليس من الوارد إطلاقا أن أقوم وأنا أفريقي بتسليم أفريقي آخر إلى بلد أجنبي لأنه متهم بارتكاب جرائم ضد الإنسانية موقفي من هذه القضية معروف قد شرحت للرئيس السابق ضيوف أنني أخجل عندما أرى أفارقة يلجؤون إلى أوروبا كان ينبغي أن يحصل هؤلاء على حق اللجوء في أفريقيا وإلا ستظل أوروبا حَكَم على سياساتنا وهذا غير مقبول سياسيا ولهذا نصحت ضيوف حين استشارني عندما كنت وزير دولة في حكومته أن يمنح حق اللجوء السياسي لحابري ومن المعروف أنني وحابري لم نكن متفقين وكنا نتبادل الانتقادات لكن عندما اقتضى الأمر أن يلجأ إلى السنغال لم أمانع في ذلك وقد ذهب ضيوف وبقى حابري وحسب علمي لم يطلب الرئيس التشادي الحالي أن يسلم إليه سلفه حابري وقد تقدم ضحايا حابري بشكاوى إلى العدالة السنغالية لكن القضاء السنغالي رأى أن النظر في القضية ليس من صلاحياته لأنه لا يمكن أن نتصور قاضيا يحكم في ملفا لا تتوفر بحوزته مستنداته وقد جرت وقائعه في بلد آخر وعندما طلبت بلجيكا أن يسلم إليها الرئيس التشادي السابق رأي القضاء السنغالي أيضا أنه غير مخول للقيام بذلك ولذلك أحَلْت الملف إلى الاتحاد الإفريقي وقلت لنظرائي الأفارقة إن قضية حابري ليست قضية سنغالية وإنما هي قضية أفريقية وبعد أن بحثنا الملف شكّلت القمة الإفريقية لجنة من الخبراء القانونين وعهدت إليهم بالنظر في الأمر.

الإسلام السياسي في السنغال

محمد بابا واد أشفغ: ستحضن دكار عام 2007 القمة المقبلة لمنظمة المؤتمر الإسلامي في نظركم ما هي أكبر التحديات التي يواجهها العالم الإسلامي الآن وكيف يمكن للسنغال أن تسهم في رفع هذه التحديات؟

عبد الله واد: أعتقد أن أكبر تحدي يواجه العالم الإسلامي هو سوء فهم الآخر للإسلام مع أنني لاحظت شخصيا أن الآخرين بدؤوا في الآونة الأخيرة يتفهمون الإسلام على سبيل المثال لم يكن بناء المساجد مسموحا به من قبل في أوروبا وقد شهدت بأم عيني خلال زيارتي الأخيرة إلى فرنسا أن مساجد كثيرة شيدت هناك بينها مسجد ليون الذي أثار بناؤه قبل أعوام مشاكل كثيرة وبينها أيضا مسجد رينس وهى المدينة التي توجد بها الكاتدرائية التي كان يؤمها ملوك فرنسا وقد ألقيتُ محاضرة في هذه الكاتدرائية حضرها نحو ثلاثة آلاف شخص وهو ما رأيت فيه دليلا على التسامح الديني، هناك أيضا اعتداءات عن طريق الصحافة والكتب على الإسلام والقرآن لكنني أعتقد أن لدينا كمسلمين قدرة على الرد على كل هذه الكتابات المغرضة هناك أيضا الخلافات الداخلية بين المسلمين أنفسهم حيث يُؤوِّل البعض الإسلام تأويلا خطأ لتبرير الإرهاب ونحن قرأنا القرآن وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم ونعرف أن نبينا عُرف بالتسامح إلى درجة أنه كان يستضيف المسيحيين في مسجده إضافة إلى هذه المعركة الفكرية هناك المعركة الاقتصادية ومن المفارقات الغريبة أن أكبر خيرات الأرض الآن توجد في البلدان الإسلامية التي تزخر بثروات نفطية تقدر بآلاف بلايين الدولارات ومع ذلك فعالمنا الإسلامي يعج بالفقراء دعوني أذكر لكم أنني الآن نُحضّر لقمة تجمع رؤساء الدول الإسلامية والمسيحية وستكون أول قمة من نوعها في التاريخ اقترحنا الفكرة على منظمة المؤتمر الإسلامي لترسيخ التحاور الإسلامي المسيحي وقد بارك العاهل السعودي الملك عبد الله وعدد آخر من كبار الدول الإسلامية فكرة عقد المؤتمر وأنا أعتقد أن عقد هذا المؤتمر في دكار يبرره كون السنغال أرضا للتسامح حيث يعيش 5% من المسيحيين إلى جانب 95% من المسلمين دون أن تحدث قط أي مشاكل في التعايش بين المجموعتين كما أن الدولة عندنا لا تميز بين مسلم ومسيحي ولهذا السبب يوافق الجميع على عقد هذا المؤتمر في بلادنا.

محمد بابا واد أشفغ: يلعب الإسلام دورا مشهودا في السنغال خاصة من خلال الطرق الصوفية ذات الوزن الانتخابي الكبير فهل هناك فعلا إسلام سياسي مرخص به في السنغال؟

"
الإسلام لم يفرق بين الدين والدولة والرسول صلى الله عليه وسلم هو أول من مارس السياسة ولم يكن همه مقتصرا على إمامة الصلاة وتعاليم القرآن بل كان ينظم حياة المجتمع ويعالج كل ما يطرح من مشاكل
"

عبد الله واد: الرسول صلى الله عليه وسلم هو أول من مارس السياسة ولم يكن همه مقتصر على إمامة الصلاة وتعاليم القرآن بل كان ينظم حياة المجتمع ويعالج كل ما يطرح من مشاكل فالإسلام لم يفرق بين الدين والدولة وإنما نحن البشر من فعلنا ذلك على كل حال العالم يتعقد أكثر فأكثر وفي المسيحية كما تعلمون لم يكن هناك تناقض بين السياسة والدين قبل ثورة عام 1791 في فرنسا وما تبعها من فصل الاثنين عن بعضهما البعض وجسد ذلك قانون العلمانية الفرنسي الذي تم سَنّه عام 1901، إذاً الفصل بين الدين والسياسة أمر طارئ على الإسلام والمسيحية وقد فرضته مقتضيات التطور الحديث ولذلك فنحن في السنغال قد اعتمدنا النظام العلماني والمرجعية الوحيدة لدينا هي تفويض الشعب ومع ذلك لدينا قانون للأحوال الشخصية ينظم قضايا الزواج مثلا حسب الانتماء الديني وأنا أقول دائما إن رجل الدين هو مواطن كباقي المواطنين يجب أن يتمتع بكامل حقوقه السياسية.

محمد بابا واد أشفغ: أيها الأخوة المشاهدون بعد فاصل قصير نتابع هذا اللقاء الخاص مع الرئيس السنغالي عبد الله واد ابقوا معنا.

[فاصل إعلاني]

علاقة داكار بأميركا وفرنسا

محمد بابا واد أشفغ: في عهدكم تحسنت وتوطدت العلاقات بين دكار وواشنطن هل كان ذلك على حساب علاقاتكم مع باريس؟

عبد الله واد: إطلاقا أنا أعتقد أن العلاقات الدولية لكل بلد ترتبط بنظرة رئيس ذلك البلد الاستراتيجية وتوجهاته السياسية، فيمَ يخصني أنا رجل لبرالي ومهتم كثيرا بالاقتصاد وقد انبهرت بالنموذج الأميركي وحتى قبل أن أدخل عالم السياسة كتبت في دوريات اقتصادية أدعو الأفارقة إلى الاقتباس من النموذج الأميركي في مجال التنمية فقبل نحو قرنين لم تكن الولايات المتحدة شيئا يذكر لكن الأميركيين استطاعوا بالعلم والمثابرة أن يبنوا ما يُعرف حتى الآن بأعظم قوة اقتصادية وعسكرية شهدها التاريخ وفي المقابل مازلنا نحن الأفارقة أكثر الشعوب تخلفا مع أن ثرواتنا الطبيعية تفوق ثروات الأميركيين، ما الذي يمنعنا من تحقيق ما حققوه؟ الولايات المتحدة هي عبارة عن دول توحدت فيما بينها فلماذا لا نتوحد نحن؟ ومنذ سنوات وأنا أدعو إلى وحدة الأفارقة والآن يبدو أن فكرتي أصبحت تروق للكثيرين ولذلك كان الجميع في قمة الخرطوم الأخيرة يتحدثوا عن الولايات المتحدة الأفريقية لكن إعجابي بالولايات المتحدة هو إعجاب بالناحية الاقتصادية ناحية الانفتاح واللبرالية وهذا الإعجاب لن يؤثر على علاقتي بفرنسا حيث أتمتع بروابط شخصية قوية مع الرئيس شيراك.

محمد بابا واد أشفغ: منذ عام 1989 يوجد آلاف الزنوج الموريتانيين اللاجئين في السنغال وقد أعلنت السلطات الموريتانية الجديدة ترحيبها بأي لاجئ يثبت جنسيته الموريتانية لكن بعض اللاجئين وضعوا شروطا لعودتهم ما هو تصوركم لعودة اللاجئين الموريتانيين في السنغال؟

عبد الله واد: موقفي من هذه القضية لم يتغير أبدا فأنا أرى أن السنغال وموريتانيا بلدان اثنان وشعب واحد وأنا مستعد دائما لمنح الجنسية السنغالية لأي أفريقي يلجأ إلى السنغال إن رغب في ذلك ولذلك قلت لللاجئين الموريتانيين مَن أراد منكم البقاء في السنغال فسيتمتع بالحقوق نفسها التي يتمتع بها السنغاليون دون أي تمييز لكن بعضهم قال نحن موريتانيون ونريد العودة إلى موريتانيا والحقيقة أن هذا المُشْكِل ورثته أنا والرئيس الموريتاني الحالي عن سلفينا اللذان لم يحلاه لم أستطع أن أحل المشكلة مع النظام الموريتاني السابق رغم أنه رحب بعودة اللاجئين فالترحيب لا يكفي إذ لابد من فتح الحدود وتسهيل العودة، أما الحكومة الانتقالية الموريتانية الحالية فليس لديها الوقت وهذا مفهوم لمعالجة هذه المشاكل المعقدة ولكن عندما تأتي حكومة موريتانية منتخبة فسنعمل معها لحل هذه المشاكل نهائيا إذ لا أعتقد أن الأشهر التسعة التي تفصلنا عن الانتخابات القادمة كافية لمعالجة هذا المُشْكِل.

محمد بابا واد أشفغ: في مناسبة سابقة وصفتم الرئيس الموريتاني السابق معاوية ولد الطايع أنه رجل ديمقراطي كبير وأن شعبه يحبه كثيرا وفي مناسبة قبل يوم أو يومين قلتم إن الرئيس ولد الطايع سائر العلاقات بين العرب والزنوج الموريتانيين كيف توفقون بين هذين التصريحين؟

عبد الله واد: كل الناس يقولون إنني كنت صديقه في الحقيقة أنا لست عدوانيا أنا رجل سلام والمقتضيات الدبلوماسية تحتم علي ألا أنتقد مَن يدعوني لزيارة بلاده وعلى كل حال ليست لدي أي نية للدخول في أي صراعات من أجل حل المشاكل الموريتانية فهناك حقائق موريتانية تفرض نفسها في أرض الواقع ولا يمكن أن أقفز عليها، بعض الأمور يكتسي طابعا أفريقيا كقضية حسين حابري التي خضنا فيها فالنظام الموريتاني السابق كان نظاما عنصريا والمشاكل المترتبة على ذلك لم يكن باستطاعتي حلها كان دوري أن أُبقي على علاقات جيدة بين البلدين ورئيسيهما هذا ما تمليه علي العلاقات الدولية وكنت أتحاشى التدخل في الشأن الموريتاني الداخلي لقد دعاني الرئيس السابق معاوية ولد الطايع لزيارة موريتانيا وعندما استقبلتني جماهير غفيرة ملأت الطريق من مطار نواكشوط إلى القصر الرئاسي ثم استقبلتني حشود مماثلة أيضا عندما زرنا إحدى المدن الداخلية قلت إن هذا الرجل محبوب من شعبه، ماذا كنت سأقول غير ذلك؟ إنها السياسة.

محمد بابا واد أشفغ: سيدي الرئيس ساحل العاج بلد مجاور للسنغال وهو الآن يتخبط في أزمة حقيقية فجزئه الشمالي يسيطر عليه متمردون وفي جزئه الجنوبي يتناحر السياسيون في خلافات لا نهاية لها كيف يمكن للسنغال أن تسهم في حل الأزمة التي تلحق الآن بساحل العاج؟

عبد الله واد: الطريقة الوحيدة التي يمكن أن أساعد بها في حل مشكلة ساحل العاج هي أن أبعث قوات سنغالية ضمن القوات الأفريقية لحفظ السلام هناك أما الطرق الأخرى فلن أستخدمها ولم أُدْلِ بأي تعليق على ما يجري في ساحل العاج.

محمد بابا واد أشفغ: أخيرا السيد الرئيس راجت مؤخرا شائعات حول وضعكم الصحي ما هي حقيقة صحتكم سيدي الرئيس؟

عبد الله واد: انظروا جيدا هل يبدو عليَّ المرض دعوا مشاهديكم يستنتجوا الحقيقة.

محمد بابا واد أشفغ: في نهاية هذا اللقاء لم يبق لنا إلا أن نشكر الرئيس السنغالي عبد الله واد وإلى أن نلتقي في لقاء قادم هذا محمد بابا واد أشفغ يحييكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

إعلان
المصدر: الجزيرة