سياق

خوفا من امتداد الصراع إليها.. توجّه أوروبي نحو التجنيد الإلزامي

ساد السلام والاستقرار أوروبا سنوات طويلة حتى ظنّ البعض أنّ احتمال نشوب صراع واسع النطاق فيها صار ضربًا من الخيال، لكن موازين هذه التقديرات قلبتها الحرب الروسية على أوكرانيا في فبراير/شباط 2022.

هذه الحرب دفعت عددًا من دول القارة العجوز إلى إعادة النظر في الخدمة العسكرية الإلزامية، بعد أن أوقفتها في أعقاب انتهاء الحرب الباردة بين الولايات المتحدة الأميركية وروسيا نهاية الثمانينيات، وقلّصت جيوشها حتى انخفض إنفاقها العسكري من متوسط 2.4% إلى 1.6% من الناتج المحلي الإجمالي.

وكانت ألمانيا قد أوقفت الخدمة الإلزامية عام 2011 كجزء من تدابير خفض التكاليف، لكن بعد مرور أكثر من 13 عامًا على ذلك، يرى المسؤولون الألمان اليوم أنّ بلادهم بحاجة إلى دفاع قوي وشامل، وهو ما دفع وزير الدفاع بوريس بيتوريوس إلى الحديث عن إعادة هيكلة الجيش ليكون بوضع أفضل، واصفا قرار إلغاء الخدمة الإلزامية بالخطأ الكبير.

أمّا في فرنسا، فقد بدأت الدعوات إلى تفعيل الخدمة الإلزامية عام 2019، حين اقترح الرئيس إيمانويل ماكرون الخدمة الوطنية الشاملة التي تمكّن الشباب من التطوّع لمدة شهر لخدمة وطنهم، وتدرس الحكومة الفرنسية الآن جعل الأمر إلزاميا لجميع المواطنين الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و17 عاما.

ويتفق المراقبون على أن عودة التجنيد الإجباري في أوروبا مرهونة بالتحديات الأمنية والإستراتيجية التي رافقت الحرب الروسية الأوكرانية، إذ كشفت الحرب مدى الترهل الذي تشهده الجيوش الأوروبية بعد عقود من اعتماد بلدانها على حلف شمال الأطلسي (الناتو).

الاعتماد على الناتو بات اليوم خيارا محفوفا بتهديدات جديّة، ولا سيّما مع احتمال عودة الجمهوري دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، وهو الذي سبق أن توعّد بتشجيع روسيا على مهاجمة الدول الأعضاء في الحلف إذا لم تفِ تلك الدول بالتزاماتها تجاهه.

وتعاني الجيوش الأوروبية مشكلات عدة كبيرة، في مقدّمتها ضعف التركيبة البشرية، وقلة أعداد المجندين. ففي ألمانيا، 18% من مجمل وظائف الجيش شاغرة، بالرغم من أن البلاد ترفع سقف طموحها لزيادة عدد جنودها من 181 ألفًا إلى 203 آلاف بحلول 2025.

وفي فرنسا، صاحبة أكبر جيش في أوروبا بتعداد يبلغ 205 آلاف جندي، لا يزال نحو ألفي وظيفة عسكرية شاغرة.

ومع كل الخطوات التي تتخذها أوروبا لتعزيز قدراتها العسكرية، تبقى جيوشها أقل عددا بكثير من الجيش الأميركي الذي يتخطى تعداده 1.3 مليون عسكري، لذلك يرى أرمين بابيرغر رئيس أكبر شركة دفاعية في ألمانيا، أنّ أوروبا تحتاج إلى 10 سنوات حتى تصبح قادرة على الدفاع عن نفسها.