سيناريوهات

عقلية استعمارية في مالي.. هل تراجع نفوذ فرنسا في أفريقيا أم ما زالت متشبثة بمصالحها؟

تابع برنامج “سيناريوهات” (2022/8/26) إسدال الستار على عملية برخان والانسحاب النهائي من مالي ليؤكد حقيقة تراجع النفوذ الفرنسي في أفريقيا، بينما تتمدد دول أخرى منافسة.

وتوجه المسؤولون الفرنسيون لإعادة التفكير في إستراتيجية بلادهم على خلفية الطريق المسدود والتوتر المتفاقم مع دول كانت حليفة في السابق.

وتريد فرنسا تقليص وجودها العسكري، لكنها لا تنوي التخلي بسهولة عن نفوذها ومصالحها في مستعمراتها القديمة، فهي لاتزال منخرطة في منطقة الساحل، وستكون النيجر هذه المرة نقطةَ ارتكازها الجديدة للحفاظ على مصالحها السياسية والاقتصادية والأمنية.

وبهذا الصدد، قال عثمان جارا مدير معهد السلام في باماكو إن مالي لم ترغب أن يبقى العسكر قائما على أراضيها، معتبرا أن فرنسا خلقت الظروف لتعود إليها مرة أخرى لتتواجد بها من خلال اتفاقات عسكرية.

واعتبر أنه بسبب فشل هذه العمليات المخالفة لمطالب الشعب، بدأت باريس تتوسع في الوسط والجنوب، ما جعل الشعب يشعر بخيانتها لأنها لم تلبِّ مطالبه، مشددا على أنه من الصعب أن تنجح فرنسا في إستراتيجيتها الجديدة إن لم تغير سياستها الجوهرية.

عقلية استعمارية

كما أشار إلى أن باريس فشلت في مالي لأنها تتعامل بعقلية استعمارية وتركز على تحرير شمال مالي بدلا من دعم الجيش المالي بالمعدات لأنه لا يتوفر على أي إمكانيات مادية تساعده على المواجهة.

من جهته، اعتبر الباحث في الشؤون الأمنية لمنطقة الساحل والصحراء محمد عبد الله الطالب عبيدي أن تدخل الجيش الفرنسي عام 2012 مكّن مالي من تحرير كافة المدن من الجماعات المتطرفة، ولكن بعد عامين تمت إعادة العملية العسكرية بتعداد عسكري أكبر اعتبره عبيدي فاشلا لأن فرنسا لم تستطع حل مشاكل جوهرية في البلاد.

وأوضح أن أهم المشاكل التي لم تتمكن فرنسا من معالجتها هي مشاكل مناطق الشمال والحكامة بشكل عام في البلاد، فضلا عن محاولتها إزاحة بعض الفاعلين الأساسيين في المنطقة كالجزائر، ومحاولتها التركيز على مجموعة "جي 5" دون الفاعلين الآخرين.

ورأى نيكولا نورمان السفير الفرنسي السابق لدى مالي ومؤلف كتاب (الكتاب الكبير لأفريقيا) أن باريس لم تفشل عسكريا، لأن مالي كانت محتلة من طرف مجموعات إرهابية عام 2013، وتم استدعاء الجيش الفرنسي إليها، وهو أمر إيجابي لأنه سمح للجيش المالي أن يشكل نفسه من الداخل ويكون الجيش الفرنسي مظلة له.

يذكر أن مناطق النفوذ التاريخية لفرنسا كثيرة في القارة الأفريقية، وما يظهر ذلك هو تدخلاتها العسكرية التي زادت على 40 مرة على مدى الـ50 عاما الماضية. وقد نُفِّذت باسم "حماية السكان المدنيين" أو "تطبيقا لاتفاقات دفاعية ثنائية". وقد أثارت هذه التدخلات جدلا كبيرا وأكسبت فرنسا لقب "شرطي أفريقيا".

وفي مقابل انحسار النفوذ الفرنسي في بعض الدول الأفريقية، استمرت روسيا خلال العقدين الماضيين في تعزيز نفوذها بالقارة في مختلف المجالات والأصعدة، ففي مالي وصلت قوات روسية إلى مدينة تمبكتو شمالي البلاد لتدريب القوات المالية في قاعدة انسحبت منها القوات الفرنسية الشهر الماضي. وقد تسلمت باماكو مقاتلات عسكرية من موسكو ونظام رادار جويا متقدما، وسط تنامي العلاقات بين الجانبين.