
علاقة ليبيا بدول الجوار
– الجزائر وموقفها من الثورة الليبية
– ثورة ليبيا بعيون تونسية
– الموقف المصري من ثورة ليبيا
– أزمة الجوار الأفريقي بعد نجاح الثورة الليبية
– ليبيا الجديدة والعمق الأفريقي الجنوبي
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
محمد كريشان: السلام عليكم وأهلاً بكم في حلقة جديدة من برنامج حديث الثورة، رغم أن مصير القذافي وأبنائه لم يحسم بعد، ورغم بعض الضربات التي تقوم بها كتائب القذافي هنا وهناك، فإن مشهد دخول الثوار إلى باب العزيزية ومن قبلها الساحة الخضراء التي باتت تعرف الآن باسم ساحة الشهداء، يمثل بدايةً لعصر جديد في ليبيا، يقول الثوار أنهم يريدون وطناً ديمقراطياً حديثاً لكن الواقع الليبي الجديد لن يحمل تأثيرات داخلية فقط، بل سيمتد إلى المحيط الخارجي العربي والإفريقي وربما حتى الأوروبي، نبحث في حلقة اليوم مواقف دول الجوار من الملف الليبي منذ اندلاع الثورة في فبراير شباط الماضي وحتى الآن، في البداية نقف مع أهم النقاط التي ميزت علاقة ليبيا بكلٍ من الجزائر وتونس خلال الشهور الست الأخيرة.
[تقرير مسجل]
أمير صديق: الجزائر لم تعترف بالمجلس الوطني الانتقالي الليبي بعد، وقال وزير خارجيتها مراد المدلسي إن ذلك سيتحدد بعد التشاور في إطارين الإفريقي والعربي، بينما نقل عن مسؤولٍ آخر وجود هواجس أغلبها امني ألمح إلى ضرورة الاتفاق حولها أولاً، كثيراً ما اتهم الثوار الجزائر بدعم القذافي ومده بالوقود والمقاتلين المرتزقة، لكن المسؤولين الجزائريين ردوا باتهامات مضادة بلغت قمتها بتصريحات وزير الخارجية في أبريل الماضي بأن انتصار الثوار أمرٌ غير وارد، هذا وقد شنت صحف جزائرية هجوماً لاذعاً على موقف حكومتهم، ووصفته بغياب الحنكة الدبلوماسية التي ستفقد الجزائر مستقبل علاقتها مع ليبيا على حد قول تلك الصحف، أما تونس فقد اعتمدت مواقف عملية من الثورة الليبية، فرغم مواقفها التي اتسمت بالتعاطف مع الثورة ظلت ممراً مهماً لرموز النظام في حركتهم خارج ليبيا، كما استقبلت مئات الآلاف من اللاجئين الأجانب والليبيين في عملية تداخلٍ دفعت ثمنها في بعض الأحيان اشتباكاتٍ وتأهباً أمنياً عاشه جيشها على الحدود مع ليبيا، لكن تونس لم تعترف بالمجلس الانتقالي بصورة رسمية إلا يوم الأحد الماضي بعد دخول الثوار الليبيين إلى طرابلس.
[نهاية التقرير]
الجزائر وموقفها من الثورة الليبية
محمد كريشان: إذن مثل ما جاء في هذا التقرير لأمير صديق، الموقف الجزائري ربما هو الأكثر إثارة للجدل فيما يتعلق بمواقف دول الجوار الليبي، نسأل هنا معنا من لندن المحامي الجزائري سعد جبار عن تفسيره لهذا التردد وهذا حتى الارتباك في الموقف الجزائري تجاه ما جري في ليبيا، خلال الثورة والآن بعد الذي حصل مؤخراً.
سعد جبار: هو موقف استراتيجي بالنسبة للنظام نفسه، لأن النظام لا يريد أن يحدث تغيير ديمقراطي في الجوار، من تونس إلى ليبيا إلى المغرب، وكذلك هذا الموقف الاستراتيجي للنظام يتماشى مع مصالح مكونات النظام من شركات خاصة تلك التي يرأسها ويقودها جنرالات سابقون وحاليون الذي عملوا على تهريب السلع وبعض المكونات الأخرى إلى نظام القذافي، هنا يجب أن نقول أن الموقف الجزائري هو موقف مغاير لسياسة الدولة الجزائرية الثورية التي كانت تدار أثناء بومدين، والتي تعاطفت وتعاملت مع معمر القذافي لأنه في بداية سنوات حكمه، كان رجلاً وطنياً وثورياً بمعنى، أمم النفط لصالح الشعب الليبي ولصالح دول الجوار منها الجزائر والدول العربية الأخرى والدول المصدرة، ثانياً طرد القواعد الأجنبية الأميركية والبريطانية التي كانت تقف إلى جانب إسرائيل، ثالثاً انفتح على المجتمع الليبي وأراد أن يوزع الثروة ولكنه بعدئذٍ أصبح رجلاً أخر، فنحن كشخص على المستوى الشخصي ومستوى الدولة وافقنا ودعمنا القذافي في دعمه لحركة التحرر الفلسطينية والعربية والإفريقية، وقفنا معه عندما كان مظلوماً لكن النظام الجزائري هذه المرة تصرف بمنطق عصابة لم يتصرف بمنطق الدولة، بمعنى كان من المفروض إذا تدخل النظام الجزائري أن يتصرف بمنطق الدولة، أن يضغط على القذافي منذ بداية ثورة الشعب عليه، حماية لنفسه وعائلته وقبيلته وبلده، وكذلك حمايةً للثوريين من اللجوء إلى الطرف الأجنبي، وعليه أقول أن النظام الجزائري تصرف ليس بمنطق الدولة ليس بمنطق الثورية الجزائرية، ليس بمنطق التراث والاحتياط الثوري الجزائري الوطني الجزائري، بل تصرف بطريقةٍ شاذة لا علاقة لها بتراث الجزائر الثوري والوطني، ولا ننسى أن الشعب الليبي الشعب العربي الوحيد الذي دعم الثورة الجزائرية بدون مقابل، وقف معنا في ثورة تحرر كان من الواجب أن نقف معه، من الواجب أن نقف معه لكي يحصل على حريته بما إن إحنا استقلينا هو استقل، فهذا يجعلنا نتشكك في موقف النظام الجزائري فقد كان يخشى من التغيير، خشي من التغيير في تونس، وأراد أن يشوش على التونسيين، خشي من النظام تغيير النظام في ليبيا، القذافي كان رجل فترته عندما أتى، الآن بعد الربيع التونسي والربيع المصري أجبر الليبيين على اللجوء إلى ثورة الصيف العربي، بما أن اللجوء للقوة لمواجهة القوة، وهذا يؤسفني أن أرى أن النظام الجزائري يتلكأ ويتصرف بمنطق.
محمد كريشان: نعم هذا الموقف سعد جبار أيضاً تم انتقاده أيضاً حتى في الداخل الجزائري من قبل عدد من الصحف الجزائرية، سنستمع إلى رأي الكاتب الصحفي هيثم رباني معنا على الهاتف من هناك، وأيضاً نرحب بضيوفنا أيضاً في هذه الحلقة معنا من تونس أحمد إدريس وهو مدير مركز الدراسات المتوسطية والدولية، عندما نتحدث عن الموقف التونسي بالطبع، ومعنا من بنغازي حسن الصغير عضو المجلس الانتقالي الليبي فأهلاً بضيوفنا جميعاً، إذن سيد هيثم رباني من الجزائر الانتقاد الشديد للموقف الجزائري تم في الخارج وتم أيضاً في الداخل ما تفسير ما جرى.
هيثم رباني: أولاً السلام عليكم ، قبل كل شيء نترحم على شهداء الثورة الليبية، وثانياً نناشد ما تبقى من قوات القذافي إلقاء السلاح لأننا الآن في مرحلة جديدة ، والنقطة الثالثة هي أني أدعو الله عز وجل أن يتم إلقاء القبض على القذافي يوم الفاتح من سبتمبر لأن إلقاء القبض عليه في هذا التاريخ، له دلالة كبيرة للشعب الليبي، حديثاً عن ما جرى يعني من تصرفات أو تحركات دبلوماسية جزائرية في الفترة الأخيرة، صحيح أن الصحف الجزائرية بالفعل انتقدت مثل هذا التصرف لأنه ينجر عليه نتائج مستقبلية ليست بالجيدة بالنسبة للعلاقات الجزائرية الليبية، لكن دعني أقول أنه في اليومين الأخيرين، النائب في المجلس الانتقالي الليبي موسى جبريل، وأيضاً الصحف الجزائرية نقلت رسائل مشفرة للدبلوماسية جزائرية مفادها أنها لم تساعد القذافي وأنها كانت تتريث في اعترافها، في اعتراف الجزائر بالمجلس الانتقالي حتى تضبط مسألة السلاح الذي يدخل إلى الجزائر وتحصل عليه تنظيماتٌ مثل تنظيم القاعدة، على كل حال كان هذا هو موقف الحكومة الجزائرية، يبقى أن هل الحكومة الجزائرية تأخرت بسبب قراءةٍ خاطئة لما جرى في ليبيا وفي تونس وفي مصر، أعتقد أن هذا هو صحيحٌ إلى حدٍ كبير.
محمد كريشان: يعني الغريب سيد رباني، القراءة الخاطئة يمكن أن تحصل خلال الثورة ولكن بعد أن حسمت الأمور تقريباً لنقل على الأقل بنسبة 90%، عندما تأخذ الدبلوماسية الجزائرية في شخص سيد مراد مدلسي، مواقف وكأنها تلعن المستقبل نحن لا نريد أن نعترف الآن عندما ننسق مع العرب، عندما ننسق مع الأفارقة سننظر في الموضوع إلى أخره، هذا يعتبر في السياسة لا عن المستقبل، هل هذا حكيم دبلوماسياً.
هيثم رباني: أخي العزيز أنا لا أدافع عن الحكومة ولا شيء أخر، لكن إذا قرأنا التسلسل الزمني لتصريحات مراد مدلسي كانت قديمة بعض الشيء، الذي حدث من تطوراتٍ على الساحة الليبية كان سريعاً جداً وسقوط طرابلس كان مفاجأةً للجميع، دعنا نقول بأن الجزائر أو الحكومة الجزائرية بتركيبتها الأيديولوجية وبطريقة تفكيرها في السنوات العشرين الأخيرة، يعني تختلف معك ومعي ومع ما حدث في مصر وتونس وفي ليبيا في الوقت الحالي، لا تنسى أخي العزيز أن الحكومة الجزائرية حساسة لكل كل ما هو تنظيمٌ أسلامي أو دولة إسلامية إلى جوارها، الحكومة الجزائرية أيضاً بعد نقول عام 91 و 92 وضعت على نفسها شروطاً لا تتعداها، وهي أن لا تسمح بوجود تنظيمات مسلحة تحمل الشعار الإسلامي على أراضيها أو بالقرب منها، هذين الأمرين أو هذين البعدين إن شئنا وصفهما، هما اللذان وجها سياسة الحكومة الجزائرية تجاه المجلس الوطني الانتقالي، لذلك كما برز في بعض الصحف الجزائرية الآن عن طريق الناطق الرسمي لوزارة الخارجية الجزائرية، رسائل مشفرة قلت مفادها أنه لو تم الاتفاق مع المجلس الوطني الانتقالي بعد زوال نظام القذافي على المسائل الأمنية والمسائل التي يعني تقلق الحكومة الجزائرية بعقليتها وبأيديولوجيتها الحالية، يعني لا مشكلة في أي اعتراف بالمجلس الوطن الانتقالي ولو جاء متأخرا.
محمد كريشان: نعم، شكراً لك الكاتب الصحفي الجزائري هيثم رباني كنت معنا على الهاتف من الجزائر، الحقيقة قبل أن نأخذ موقف حسن الصغير من موضوع الجزائر ثم ننتقل إلى موضوع تونس، سيد سعد جبار الحديث عن أن للجزائر حساباتها المتعلقة بتنظيمات إسلامية مسلحة ومتطرفة، هل يمكن أن يفسر هذا الارتباك الجزائري أو هذا الحذر المبالغ فيه، تجاه ما حصل في ليبيا.
سعد جبار: عندما نعتقد أو نزعم أن الجزائر، نظام الجزائر له أيديولوجية وله سياسة، لا ننسى أن جمهورية نزار، لواء نزار التي قامت بالانقلاب كانت تقودها الحكومة الفرنسية، الحكومة الفرنسية ضد التنظيمات الإسلامية ضد القاعدة، لكنها مع ذلك وقفت مع المجلس الانتقالي ودعمته، إذن هذه النقطة يجب أن تستبعد من المعادلة، ورقم ثنين المجلس الانتقالي هو مجلس انتقالي هذا يقول إنه مجلس انتقالي، لكن هناك نداء وهناك صرخة كبيرة من الجماهير الليبية من الشعب الليبي للتغيير، ليس لأنه كان لنا رحب بالقذافي ودعم القذافي سنوات طويلة، لكن القذافي اختزل الشعب والدولة والمصالح الليبية في شخصه وفي عائلته وفي بعض أصهاره وقبيلته وعشيرته، لذلك الشعب الليبي شعب بسيط شعب عادي يريد أن يعيش، فكان من المفروض للنظام الجزائري لا يريد أن تكون هناك ديمقراطية في دول الجوار، هذه الحقيقة لا يريد أن يكون هناك حكم رشيد، ولذلك تعذر بأن هناك تنظيمات إسلامية وهناك قاعدة، فرنسا بريطانيا أميركا هذه أكبر أعداء القاعدة والتنظيمات الإسلامية، النظام الجزائري ألغى الانتخابات عام 1991 لماذا، لأن فرنسا قالت لا نسمح بتنظيمات أو بحكومة إسلامية رغم أنه نظام برلماني لم يحكم البلد آنذاك، فهذا تناقض، إذن كان من الواجب وكان هناك مفهوم دولة وتعقل للدولة في النظام الجزائري أنه هو يكون الأول للدعوة لتسوية القضية دون اللجوء للأطراف الأجنبية ولا حتى المحيط الإفريقي، من هو المحيط الإفريقي من قام بمبادرة الاتحاد الأفريقي، قادها رمضان العمامرة الذي كان سفيراً للجزائر بعد الانقلاب في واشنطن ونيويورك، ومن الذي دعمه لانتخابات المجلس الأمن والسلم في الاتحاد الإفريقي دعمته ليبيا وأنا وجدته في طرابلس مع نائب وزير الخارجية الحالي خالد كعيب، وعليه فإن الجزائر تتستر أو النظام الجزائري لا أقول الجزائر ولا أقول الشعب الجزائري، إن الجزائر الثورية وجزائر التاريخ و جزائر البطولة كانت دائماً مع القضايا العادلة، أقول النظام الجزائري نظام العصابة لأنه سيأتي هو دوره قال أن الجزائر غير معنية.
محمد كريشان: الموضوع، الموضوع الصورة نعم.
سعد جبار: اسمح لي أخ محمد نقطة واحدة.
محمد كريشان: باختصار شديد.
سعد جبار: نقطة واحدة وأكمل أرجوك، قال النظام الجزائري يقول نحن مررنا على التضحيات وعلى قتل 200 ألف جزائري ماتوا وبالتالي نحن لسنا معنيين بثورات، نعم لا نريد أن نكون معنيين بالثورات، لكن مات 200 ألف جزائري، هل تغير النظام اليحيى رئيس الوزراء في عهد الأزمة الحمراء، لا زال رئيس الوزراء، لم يتغير النظام الجزائري وعليه النظام الجزائري عليه أن يختار بين ثورة الربيع العربي أو الصيف العربي عهد يكن الشتاء العربي.
محمد كريشان: نعم الصورة في تونس كانت مختلفة سيد أحمد إدريس، المزاج العام والرأي العام التونسي كان كله متعاطفاً مع الثورة، الحكومة الانتقالية برئاسة الباجي قائد السبسي، كان يبدو منها التعاطف ولكن مع ذلك تونس كانت تحافظ، أو تحاول أن تحافظ على مسافة أمان مع الطرفين، هل تراها وفقت في التعاطي مع ما جرى في ليبيا.
أحمد إدريس: نعم، ومساء الخير أولاً، إن الشعب الليبي بما حققه إلى الآن، صحيح أن الموقف التونسي كان موقفاً معتدلاً وهذا على عادة تونس منذ استقلالها وفي تاريخها دائماً معتدلة، ولكن لا ننسى بأن كان هنالك عنصر هام محدد للموقف التونسي على الأقل محدد لموقف لشعب التونسي ثم نتحدث فيما بعد عن موقف الحكومة، وهو تصريحات القذافي نفسه بعد هروب بن علي من تونس وميل القذافي إلى استبقاء بن علي في تونس كرئيس ونصحنا بإبقائه على أساس أنه أفضل رئيس ممكن أن يكون لدينا..
محمد كريشان: وأن يبقى مدى الحياة أيضاً كما قال.
أحمد إدريس: نعم، وأن يبقى مدى الحياة وأعجبتنا فيما بعد إجابة الباجي قايد السبسي عندما قال له خذه عندك يعني من الطبيعي أن يكون موقف الشعب التونسي هكذا بهذه الصورة وبهذه الطريقة، ولكن اعتدال الحكومة كذلك كان في محله ورأينا حتى توقيت الاعتراف بالمجلس الوطني الانتقالي الليبي جاء في وقت متأخر جداً وهذا بعد أن استمعنا إلى تصريحات رئيس المجلس الوطني الانتقالي حيث يقول أنه كان هناك اتفاق مسبق بين المجلس الانتقالي وبين الحكومة التونسية إلى تأجيل اعتراف تونس بالمجلس الانتقالي إلى هذه اللحظة بالذات يعني كان هنالك نوع من المناورة التي قامت بها، مناورة سياسية ذكية جداً قامت بها الحكومة التونسية ووفقت فيها وكانت في نفس السياق الشعب التونسي برمته الذي يعبر اليوم عن فرحته بمدى التقدم الذي أنجزته الثورة الليبية.
محمد كريشان: سيد إدريس اسمح لي فقط الأحزاب.. أحزاب تونسية تقريباً وعددها الآن ما شاء الله أغلبها كان متعاطفاً، ولكن كانت هناك بعض الأحزاب التي تقول بأنها قومية وحاولت أن تدافع عن نظام القذافي وأغلبها أحزاب كانت موجودة حتى من عهد بن علي، وتبنت تقريباً الرواية الليبية لما جرى وحاولت أن تسوق ذلك في الساحة التونسية ولم تنجح في ذلك، هل تعتقد بأن هذا التيار لم يستطع أن يؤثر بأي حال من الأحوال لا على الرأي العام ولا على الحكومة.
أحمد إدريس: لأ يعني هو تيار أقلي للغاية لا يتميز بأي أغلبية في الرأي ونحن لاحظنا كيف ينقسم هذا التيار على الأقل إلى قسمين، هنالك التيار القومي المقتنع بفكرة أنه لا بد من أن لا يكون هناك أي تدخل أجنبي في المسائل العربية، وأن كل المسائل تحل داخلياً وحاول أن يدافع عن هذا منذ البداية ولكن في تيار آخر وهذا الذي كان مفضوحاً لشيء ما هو الذي حاول أن يركب على الحدث ويخلق لنفسه نوعاً من الشرعية يستعملها للدفاع عن فكرة ما تجعله موجوداً على الساحة السياسية وهذا نوع من الانتهازية السياسية، ورأينا البعض من التيارات القومية تصريحات البارحة مثلاً في الجرائد التونسية لزعماء هذه الحركات على أساس أنهم يتبرؤوا من الزعيم القذافي هم يبررون تصرفهم بانتمائهم العروبي القومي لا دفاعاً عن القذافي في حد ذاته وتبرؤوا منه كما قرأنا في بعض الجرائد، ولكنا كما قلتم فهذا الموقف لم يؤثر أبداً على موقف الشارع التونسي وعلى موقف الرأي العام التونسي، ومن كتابات كلها كانت مع الثورة الليبية واعتبرتها امتداداً لما حصل في تونس وربما خطوة هامة نحو مستقبل أفضل للشعبين معاً، لا ندري ما يخبأه المستقبل للشعبين التونسي والليبي ولكن هنالك بوادر جدية لكون الشعبين متفاهمين جداً أو يتفاهمان لغاية بعيدة وربما مستقبل مزدوج أو مستقبل للشعبين معاً هذا وارد..
محمد كريشان: على كل نحن في هذا الجزء الأول من البرنامج نتحدث فقط عن الجزائر وتونس في الجزء الثاني سنتحدث عن مصر والسودان والجار الأفريقي، فإذا بقينا في تونس والجزائر ومعنا حسن الصغيّر عضو المجلس الانتقالي الليبي نريد أن نعرف كيف يُنظر الآن لما قالته الجزائر أو تصرفت به ولما فعلته أيضاً تونس بعد كل الذي جرى في ليبيا مؤخراً؟
حسن الصغيّر: مساء الخير أخي الكريم، مساء الخير ضيوفك الكرام، بصفة عامة نحرص في هذه الثورة في المجلس الوطني الانتقالي على إقامة علاقات جيدة ومتوازنة مع كافة جيراننا بخصوص الحالة الجزائرية والحالة التونسية، هنا طبعاً الموقفين يمكننا أن نقول على طرفي نقيض، في حالة النظام الجزائري وهنا أشدد على كلمة النظام كان موقفاً متأخراً إن لم يكن متخاذلاً، وربما في مقبل الأيام والأسابيع ستكشف التقارير ما لدينا من معلومات عن مدى تواطؤ النظام الجزائري مع نظام القذافي لمحاولة إطالة عمر هذا النظام لأيام، هذا لا يمنع من حرصنا على إقامة علاقات جيدة مع جيراننا ربما ليس مع الأنظمة وإنما مع الدول التي نطمح إلى أن تكون جارة لنا، بخصوص الحالة التونسية نثني ونشكر ونجدد الشكر للشعب وللحكومة التونسية على هذا الموقف المتميز والمتقدم منذ اندلاع هذه الثورة سواء لاحتضان لنازحين أو مهجرين من مناطق القتال، وهذه الاستضافة التي ربما طالت على شعبنا التونسي قليلاً، وفي حالة الحكومة كانت لها مواقف جيدة وبناءة يمكن أن تعبر عن مدى قوة ومتانة العلاقة بين الدولتين والشعبين الجارين، وهنا أؤكد على ما قاله ضيفك الدكتور سعد جبّار بأن هناك اتفاقا بيننا وبين الحكومة التونسية على بقاء العلاقة ربما من تحت الطاولة إن صح التعبير، لأن هنا لا نستطيع أن نحّمل تونس أكثر مما تحمّل، تونس عاشت ثورة وتمر بمرحلة ومرت بمرحلة عدم استقرار ونحن لا نريد أن نحّمل الحكومة والشعب التونسي أكثر مما نستطيع أن نتحمله.
محمد كريشان: نعم، هو من قال هذا الكلام هو أحمد إدريس من تونس على كل فقط للتوضيح، سيد الصغيّر يعني تونس مثلما ذكر الباجي قايد السبسي رئيس الحكومة الانتقالية استقبلت في الأشهر القليلة الماضية تقريباً 900 ألف لاجئ بين ليبيين وأجانب كانوا يعملون في ليبيا وبقي مع ذلك آلاف التونسيين يعملون في ليبيا، برأيك هذا المعطى لماذا لم يجعل الحكومة التونسية ربما تأخذ حذر مبالغ فيه، يعني كيف استطاعت أن تنجح الدبلوماسية التونسية في أن لا تقطع خيوطها لا مع الثوار ولا حتى مع الحكومة بشكل أو بآخر.
حسن الصغيّر: هذا مردوده إلى حكمة الحكومة التونسية في إدارة هذا الأمر، لا أخفيك أن الأمر كان صعب جداً وصعب جداً ، لم تقطع تونس علاقاتها الدبلوماسية مع النظام وإن كانت تبدي امتعاضها واحتجاجها على تصرفات النظام سواء في الحدود أو في اختراق السيادة التونسية، أما بخصوص بقاء بعض العمالة التونسية فهي مقتضيات العيش لبعض العمال التونسيين الذين ستحضنهم ليبيا مجدداً إن شاء الله حالما تستقر الأمور.
محمد كريشان: نعم، على كل قبل أن نغلق ملف الجزائر وتونس نريد أن نستغل وجود سعد جبّار معنا وهو الخبير في القانون الدولي حتى ننهي هذا الجزء الأول من البرنامج للحديث عن.. الآن هذه المرحلة التي سيتبوأ فيها المجلس الوطني الانتقالي المكانة التي كانت لدى الحكم الليبي السابق، سواء في الأمم المتحدة أو المنظمة الأفريقية، أو الجامعة العربية، هذا الانتقال كيف تراه قانونياً وسياسياً.
سعد جبّار: أنا أتمنى أن يقوم المجلس الانتقالي الذي أنشئ في ظروف صعبة جداً بعد تحرير بنغازي أن يوسع العضوية بحيث يشمل شخصيات لها تأثير ولها نفوذ أخلاقي، واجتماعي، وسياسي، ومهني، لكي تشمل كل أنحاء الوطن الليبي وكذلك كل الأطياف السياسية بحيث يكون هذا المجلس هو المجلس الذي يمثل ضمير الأمة وأمين على حماية الثورة في نفس الوقت تعيين حكومة تصريف أعمال في أقرب ممكن بالتعاون مع المجتمع الدولي.. الخ، بالنسبة للقانون الدولي هنا اعترفت الدول الكبرى معظمها بالمجلس الانتقالي فهو المجلس الانتقالي هو انتقالي ولا يجب أن لا يفهم على أنه يتمتع بالشرعية الكاملة للسيادة الشعبية بل أن هو من ناحية نظرية هناك سلطة تحل محل السلطة التي كانت موجودة وعليه يجب ألا نسيء الأمور، أنا أعود رجوعا فقط للموقف الجزائري، الموقف الجزائري هنا خاطئ من أساسه هو موقف النظام وليس موقف الشعب، الشعب الجزائري مع الليبيين من الشعب الذي يريد أن يقرر مصيره ويريد أن يسترجع حريته، نحن حصلنا على الاستقلال ولم نحصل على الحرية، كذلك في هذه النقطة بالذات كان من المفروض على النظام الجزائري ألا يسوي بين الضحية وبين المعتدي، بين الشعب إذا ثار الشعب يجب أن نقف دائماً إلى جانب الشعب، نحن وقفنا مع القذافي عندما هاجمه السادات عام 1977، الجزائر هي التي أوقفت العدوان أو الهجوم المصري على القذافي لأنه آنذاك كان رجلا وطنيا، أما الآن فإنه أصبح رجلا شاذ لا يمثل حتى نفسه وهو يتصور أنه لا زال يحكم في حين أنه تحول هو نفسه إلى مجموعة الجرذان بينما هناك أسود هي الآن تسيد، لذلك أتمنى على النظام الجزائري أن يفهم إذا كان الجرذان قد انتصروا هناك أسود في الجزائر يمكن أن يلتهموا هذا النظام إن لم يتحرك في الوقت المناسب.
محمد كريشان: شكراً جزيلاً لك سعد جبّار، المحامي الجزائري وخبير القانون الدولي المقيم في بريطانيا شكراً أيضاً لأحمد إدريس مدير مركز الدراسات المتوسطية والدولية كان معنا من تونس، ضيفنا من بنغازي سيبقى معنا في الجزء الثاني من البرنامج، في هذا الجزء كان هناك واضح أكثر من نقطة استفهام واستغراب وحتى إدانة للموقف الجزائري وهناك استحسان بشكل أو بآخر كبير للموقفين الرسمي والشعبي التونسي، بعد الفاصل نتطرق إلى الجوار الليبي من زاوية أخرى، مصر والسودان والجوار الجنوبي الأفريقي نعود إليكم بعد قليل.
[فاصل إعلاني]
محمد كريشان: أهلاً بكم من جديد، إذن نواصل البحث في الإطار الذي يمكن أن تسير فيه علاقة ليبيا بدول الجوار، مرة أخرى مع أمير صديق يعرض لنا هذه المرة أهم ملامح علاقة ليبيا مع كل من مصر، والسودان، والجوار الأفريقي.
[تقرير مسجل]
أمير صديق: مصر التي لم تعترف بالمجلس الوطني الانتقالي الليبي إلا يوم الاثنين الماضي، احتفظت طوال الأشهر الـ 6 الماضية بموقف وسط بين الثوار والقذافي، وقد استقبلت القاهرة عددا من المبعوثين من نظام القذافي لم تكشف القضايا التي بحثوها مع الجانب المصري وإن أفادت معلومات بأنها كانت في مجملها طلبات مساعدة لم تستجب لها مصر، بينما سيرت قوى شعبية مصرية عددا من قوافل الدعم للمناطق الواقعة تحت سيطرة الثوار، أما السودان الذي طالما كال الثناء للعقيد معمر القذافي وامتدح مواقفه من القضايا السودانية فقد كشف في أول مأزق القذافي مع معارضيه أن العقيد كان وراء أغلب التمردات التي عانى منها السودان طوال عقود، وقد اتهمت الخرطوم متمردي حركة العدل والمساواة السودانية بالقتال إلى جانب كتائب القذافي وهو ما نفته الحركة بشدة، رغم هذا الموقف فإن الخرطوم لم تعترف بالمجلس الوطني الانتقالي إلا بعد دخول الثوار إلى طرابلس. تشاد من جانبها ظلت تحتفظ بعلاقات كاملة مع نظام القذافي حتى آخر لحظات سيطرته على العاصمة، بينما ظل موقفها من الثورة الليبية ثابتاً من حيث وصفها من أنها مجرد تمرد مسلح، لكن تشاد حرصت أيضاً على نفي اتهامات الثوار المتكررة ضدها بدعم القذافي ومده بالمقاتلين، وفي ذات الإطار تقريباً جاءت مواقف النيجر ومالي اللتين اتهمتا أيضاً بدعم نظام القذافي عبر توفير المقاتلين خاصة المحاربين الطوارق وهو ما ظلت الدولتان تنفيانه بشدة.
[نهاية التقرير]
محمد كريشان: معنا من القاهرة الدكتور أحمد إبراهيم علي مدير مركز الدراسات السودانية، ما زال معنا من بنغازي بالطبع حسن الصغير عضو المجلس الانتقالي الليبي، ومعنا أيضاً من القاهرة الصحفية المتخصصة في الشأن الأفريقي أسماء الحسيني، أهلاً بضيوفنا مرة أخرى إذن أحمد .. المعذرة الدكتور حيدر إبراهيم لو بدأنا بالسيدة أسماء الحسيني موقف القاهرة، القاهرة كانت تتعاطى مع الشأن الليبي بعد نجاح الثورة المصرية نفس الشيء بالنسبة لتونس، هل كانت هناك خصوصية لتعامل مصر الثورة مع ثورة ليبيا؟
أسماء الحسيني: نعم، تقريركم وصف الموقف المصري بأنه كان على الحياد ولم يعترف بالثوار والمجلس الانتقالي الليبي سوى يوم الاثنين الماضي، لكن أنا استطيع أن أصف الموقف المصري بأنه كان حياد إيجابي لصالح الثوار، لم يكن موقفاً إيجابياً بأي حال من الأحوال لصالح نظام العقيد معمر القذافي ولم يكن سلبياً على الإطلاق تجاه الثورة الليبية منذ أول أيام اندلاعها، تحكم في الموقف المصري العديد من العوامل، أولاً عامل الثورة التي نشأت في مصر فثورة 25 يناير في مصر تعتبر نفسها امتدادا لثورة 14 يناير في تونس, وتعتبر ثورة 17 فبراير في ليبيا هي امتداد لها ولا يمكن من قاموا بالثورة في مصر للثورة على الظلم والمطالبة بالعدالة والحرية لأنفسهم, أن يقفوا موقفا سلبيا ممن يطالبون بذات مطالبهم في ليبيا, لكن الموقف المصري كانت تشوبه العديد من التعقيدات, والعقدة الأساسية في الموقف المصري, هي المليون ونصف مليون على الأقل من المصريين الذين كانوا يعملون ويقيمون في ليبيا, وكان الموقف المصري هو موقف الحكومة وهو موقف مسؤول بشأن هؤلاء الذين كانوا يخضعون مثل الشعب الليبي لنظام إجرامي يعرضهم لأشد أنواع الخطر, وستكشف الأيام كيف أن كثيرا من المصريين أزهقت أرواحهم في السجون الليبية, وكان القذافي ونظامه يعلنون على الملأ دوما أن المصريين ومعهم التونسيين المتواجدين في ليبيا هم أسباب هذه الثورة التي اندلعت في بلاده, لا يعفيهم من المسؤولية, ولم يعفيهم أيضا من العقاب الذي طال الشعب الليبي وطال المصريين المقيمين معهم. هذا الموقف المصري المسؤول تجاه المصريين الموجودين في ليبيا, هو الذي جعل الموقف المصري يتحفظ في إعلان مواقفه, لكن مصر حدودها كانت طويلة مع ليبيا, هي كانت مفتوحة تمد الثوار الليبيين ليس في شرق ليبيا وحدها المجاورة لنا, وإنما حتى وصلوا إلى الحدود الغربية بالإمدادات الصحية والطبية والغذائية, وفتحوا الأبواب للثوار والمصابين في الثورة الليبية ليدخلوا إلى مصر والليبيين العاديين وطوقوا وحاصروا المسؤولين الليبيين الذين أرادوا أن يستخدموا مصر أداة لتطويق الثوار الليبيين, وكان بإمكانهم ذلك لولا أن مصر أحبطت هذه المساعي, وبالتالي أنا أرى أن الموقف المصري كان ايجابيا جدا تجاه الثورة, ورغم ذلك على المستوى الرسمي, ويمكن أن نرى هناك موقف شعبي أكبر تمثل ذلك في الوفود الشعبية وأيضا في الكتابات التي كانت تكتب وتطالب مصر بموقف أقوى وأشد في الإعلان والتأييد للثورة الليبية.
محمد كريشان: نعم, هو الموقف الشعبي المصري لم يكن هناك عليه أي غبار, الموقف الرسمي قلت بأنه كان حيادا ايجابيا وكان مسؤولا رغم الحذر الذي طبعه, نريد أن نعرف من السيد حسن الصغير عما إذا كان هناك فهم لظروف مصر التي شرحتها السيدة الحسيني.
حسن الصغير: نعم, الفهم موجود نحن كانت لنا اتصالات مع المجلس العسكري, قدموا عدة أسباب لعدم تعاونهم الكامل والايجابي, أحدها كان الرهائن العمالة المصرية في ليبيا خوفا من ردات فعل انتقامية من النظام على هذه الجالية الموجودة في غرب ليبيا تحت سلطة النظام, على ما أعتقد هناك أسباب أخرى ربما لا يتسع المجال لذكرها, ربما أن مصر كانت مع اندلاع بواكير هذه الثورة, الثورة الليبية، لم تكن قد تخلصت بالكامل من أزلام نظام مبارك, وكان هناك تطور ايجابي بمرور الوقت إلا أنه لم يصل إلى الايجابية والتقدمية التي كان عليها الموقف التونسي أو الموقف الأردني أو القطري والإماراتي.
محمد كريشان: وعلى كل, يعني ربما ليبيا كانت محظوظة إلى حد لا بأس به أن كان الجار الغربي بعد ثورة, الجار الشرقي أيضا بعد ثورة وإلا لكان الوضع مختلف بالكامل, لكن بالنسبة للسودان وأنا أسأل السيد حيدر إبراهيم علي, بالنسبة للسودان هل كانت هناك خصوصية معينة في العلاقة مع ليبيا طبعت موقف الخرطوم من الثورة الليبية ونجاحها لاحقا؟
حيدر إبراهيم علي: كانت هناك علاقة لها خصوصية واضحة جدا من قبل العقيد القذافي مع السودان, منذ بداية قيام حركة الفاتح من سبتمبر 1969, وكان معجبا بحيوية الشعب السوداني السياسية, وحاول طبعا في البداية مع الرئيس جمال عبد الناصر الدخول في وحدة ثلاثية مع الخرطوم خلال نظام النميري, ولكن علاقة القذافي مع السودان كانت علاقة ملتبسة دائما, والحقيقة إحنا عندما نتحدث عن القذافي, ما نتحدث عنه كأنه شخصية واحدة, ولكنها عدة شخصيات داخل شخص, وبالتالي كان كثير التقلب في التعامل مع السودان, يعني علاقاته جيدة مع النميري وصلت لدرجة انه سنة 1976, ساند الغزو التي قامت به المعارضة ممثلة بالجبهة الوطنية ضد النميري, وكانت علاقة متذبذبة باستمرار, رغم أنه هو أيضا سنة 1971, هو الذي قام بقرصنة الطائرة التي تحمل قادة الانقلاب ضد النميري في يوليو 1971, وسلمهم للنميري وأعدمهم النميري, ظلت هذه العلاقة متأرجحة دائما أما مع النظام الحالي, فالعلاقة اتسمت بشكل من أشكال الابتزاز والإغراء, يعني كان يقوم بابتزاز واضح جدا للنظام الحالي, والنظام الحالي كان يسكت عن تجاوزات القذافي باستمرار, يعني النظام يعلم أن القذافي ساند كثيرا جدا من حركات المعارضة والمسلحة, ومع ذلك لم يكن يتحدث أبدا عن الدور الليبي داخل السودان, يعني حتى الهجمة التي كانت على أم درمان قبل ثلاث سنوات, يعلم النظام في السودان أنها أتت من ليبيا وأن العربات والأسلحة وكلها أتت من ليبيا.
محمد كريشان: إذن, بهذا المعنى دكتور حيدر, يعني يفترض من الخرطوم أن تكون ربما أكثر ابتهاجا بما حصل في ليبيا من مصر وتونس بسبب هذا الإيذاء المباشر الذي تشير إليه الآن.
حيدر إبراهيم علي: هذا من ناحية نظرية, ولكن النظام لأنه كان مع هذا، جانب الابتزاز, كان يتخوف يعني لم يكن متأكدا أن الثورة ستنجح في ليبيا, ولذلك لم يعترف بالمجلس الانتقالي حتى سقطت طرابلس, فلذلك النظام كان يخشى القذافي باستمرار لأنه يدري أن القذافي يتحدث بالطريقة اللي هو عايزها ويهاجم ويسب ويشتم إلى آخره, يضاف إلى ذلك أيضا كان يطمع بأن تكون هنالك بعض المساعدات المالية والاقتصادية من ليبيا فلذلك لم يكن يرد أن يفقد القذافي, لذلك ظل مترددا حتى اللحظة الأخيرة, ثم أعلن فرحته هذا الأسبوع.
أزمة الجوار الأفريقي بعد نجاح الثورة الليبية
محمد كريشان: نعم, بالنسبة للجوار الإفريقي سيدة أسماء الحسيني تشاد, نيجر, مالي, هذه الدول كانت محسوبة على أنها متعاطفة مع القذافي, كلنا يعلم العلاقة الخاصة التي كانت بين الطرفين فيها حتى حديث عن تمويلات للقادة ودعم مالي مباشر لهؤلاء, وهؤلاء اتهموا بأنهم مثلوا خزانا لما سمي بالمرتزقة بغض النظر عن مدى دقة ما قيل أحيانا عن هذا الموضوع, هل الجوار الإفريقي الآن في أزمة بعد نجاح الثورة الليبية؟
أسماء الحسيني: نعم, بالطبع ستلقي هذه الشكوك التي صاحبت الدول الإفريقية والدعم الذي قدموه لنظام العقيد القذافي من مرتزقة في أيامه الأخيرة, بالعلاقات ربما بينهم وبين الثورة الليبية وبعد نجاحها, لكن أعتقد أنه ربما شاب الأمر تهويلا كبيرا, يعني هذه وصمة لا يصح أن توصم بها الدول الإفريقية جميعا, وخصوصا بالطبع موقف هذه الدول الثلاث هو موقف الأفريقي الذي توجه إليه العقيد القذافي في الأعوام الأخيرة من حياته بعد أن كفر بالعروبة وأراد أن يكون زعيما للقارة الإفريقية وقائدا لها, وكان بالطبع يصب الأموال الليبية تجاه العديد من القادة الأفارقة, لكي يكسب ولاءاتهم, لم تكن هذه الدول الثلاث فقط وإنما كان هناك انقسام في دول الاتحاد الأفريقي, كانت هناك مبادرة افريقية أرادت أن يكون هناك حل سلمي متفاوض عليه بين الثوار والعقيد القذافي, كان الثوار ينظرون إلى هذا الحل بنوع من الشكوك بأن القذافي هو الذي يحرك هذه المبادرة ولم يتجاوبوا معها بالتالي, كان هناك في النهاية انشقاق بين دول أفريقية لم تعد تستطيع أن تتحمل مهمة الدفاع عن نظام إجرامي يقاتل شعبه, ويستخدم ضدهم أقصى أنواع الإجرام, ولكن هناك بعض الدول ظلت حتى اللحظات الأخيرة تؤيده, ليس فقط لأنه اشترى ولاءاتها بالأموال ولكن لأن بعض هذه الدول يرى أن النموذج الليبي يمكن أن يتكرر لديه, هناك بعض الدول أيضا لديها حساسية تجاه التدخل الغربي وهناك من يرى أن قوات الناتو أيضا ارتكبت جرائم ضد المدنيين كما كانت قوات القذافي ترتكب, هناك منطلقات مختلفة, أو ربما مجتمع بعض هذه العوامل عامل أو أكثر من هذه العوامل كان يدفع الدول الأفريقية إلى اتخاذ مواقف متباينة تجاه ما يحدث في ليبيا, لكن أعتقد أن الثورة الليبية محتاجة أن تفتح صفحة جديدة مع الشعوب, كل دول جوارها ومن بينها الدول الأفريقية قارتها الأفريقية, لأن الشعوب بالنهاية ستكتشف أنها واحدة وأن مظالمها واحدة وأن الطغاة الذين أيضا تسلطوا عليها هم وإن تباينت درجة طغيانهم لكنهم في النهاية لهم ذات السمات المشتركة بشكل أو بآخر.
ليبيا الجديدة والعمق الأفريقي الجنوبي
محمد كريشان: نعم, ولكن قبل أن نسأل, سيد حسن الصغير عن مدى استعداد الحكم الجديد, أو على الأقل المجلس الانتقالي لفتح هذه الصفحة الجديدة التي تتحدث عنها أسماء الحسيني, نسأل سيد دكتور حيدر إبراهيم علي عن إمكانية أن أو الخشية أو مدى وجاهة الخوف من خشية معينة بين ليبيا الجديدة وبين العمق الأفريقي الجنوبي لديها في ضوء ما حصل؟
حيدر إبراهيم علي: هناك توضيح ضروري أنا أعتقد, الأفراد الذين حاربوا كمرتزقة مع كتائب القذافي لم ترسلهم دولهم, هؤلاء كانوا يعملون كعمال مهجرين داخل ليبيا وأغريوا بالمال وبالتالي شاركوا في هذا القتال يعني ليس لدولهم علاقة مباشرة في أنها أرسلت قوات للقذافي. أما الشق الخاص بليبيا الجديدة, فأنا أعتقد أن بالتأكيد الحكم القادم في ليبيا ستكون لديه رؤية مختلفة, وبالتالي يستطيع أن يقيم علاقات جيدة مع هذه الدول لأن أغلب هذه الدول رؤسائها أيضا أتوا من خلال انقلابات عسكرية ولم يأتوا بثورة الديمقراطية, وكان القذافي يعتقد إمكانية شراء كل الأفارقة وكان عنده نظرة سلبية جدا بالمناسبة ونظرة عنصرية تجاه الأفارقة، وما قال أنا ملك ملوك أفريقيا لأنه بايعوه, ولكن كان عنده إحساس قوي جدا بأنه ممكن أن يشتري الجميع, وكان يلعب لعبة مزدوجة يقف مع الحكام ويساند المعارضات في نفس الوقت, وبالتالي أعتقد أنه بالإمكان بالفعل في ليبيا الجديدة أن تكون في علاقات صحية وعلاقات ايجابية بين ليبيا الجديدة وبين بقية القارة الأفريقية تقوم على أسس الاحترام والنّدية.
محمد كريشان: نعم, مدى استعداد ليبيا الجديدة سيد حسن الصغير لهذه الرؤية المختلفة كما سماها الدكتور حيدر أو لهذه الصفحة الجديدة كما سمتها أسماء الحسيني؟
حسن الصغير: سيدي، عندما كان ثوارنا على الأرض وكنا ننادي بالدعم الدولي لعدالة قضيتنا كنا نقول دائما أننا سنحرص على علاقات جيدة مع جوارنا العربي والأفريقي, نحن لا نستطيع في المجلس الانتقالي ولا الشعب الليبي أن يتنصل من الجغرافيا أو من التاريخ أو من العمق الاستراتيجي لجيراننا العرب والأفارقة, الكرة اليوم في ملعب هذه الدول عليها أن تدرك أن مصالحها الحقيقية هي مع ليبيا الدولة وليبيا الشعب وليس مع نظام فرد, وأريد في عجالة أن اثني على الموقف السوداني الذي كان هناك بيننا وبينه الكثير من التعاون في مختلف المجالات، تعاون كان مرده في جانب منه إلى عدالة قضيتنا, وفي جانب آخر إلى تضرر السودان حكومة وشعبا من سياسات النظام طيلة فترة حكمه الماضية.
محمد كريشان: شكرا جزيلا لك حسن الصغير عضو المجلس الوطني الانتقالي الليبي كنت معنا طوال هذه الحلقة لتناول المواقف المختلفة, الجزائر تونس السودان مصر والأفارقة, شكرا على هذه المشاركة, شكرا لمشاركة السيدة أسماء الحسيني الصحفية المتخصصة في الشأن الأفريقي وشكرا أيضا للدكتور حيدر إبراهيم علي مدير مركز الدراسات السودانية بهذا مشاهدينا الكرام نكون قد وصلنا إلى نهاية هذه الحلقة من حلقات حديث الثورة، غدا بإذن الله حديث آخر من حديث الثورات العربية بأمان الله.