صورة عامة - حديث الثورة 18/11/2011
حديث الثورة

الفساد والرشوة في تونس

تتناول الحلقة تقرير اللجنة الوطنية لتقصي الحقائق حول الرشوة والفساد في تونس واللذين كانا المحرك الرئيسي في الغضب الشعبي الذي فجر ثورات الربيع العربي.

– تداعيات تقرير لجنة الرشوة والفساد
– ثقافة المجتمع ودورها في مجابهة الفساد

– القضاء ودوره في معالجة قضايا الفساد

– منظومة إعلام جديدة لمحاربة الفساد

– آلية محاسبة الصحفيين المرتشين

محمد كريشان
محمد كريشان
رشيد تمر
رشيد تمر
الصادق بن مهني
الصادق بن مهني
مختار اليحياوي
مختار اليحياوي
فتحي جراي
فتحي جراي

محمد كريشان: السلام عليكم وأهلاً بكم في حديث الثورة، كان الفساد مكوناً أساسياً في الغضب الشعبي الذي فجر ثورات الربيع العربي من تونس حتى سوريا لكنه في تونس يكاد يكون حالةً خاصة، فهو وفقاً لتقرير اللجنة الوطنية لتقصي الحقائق حول الرشوة والفساد، شبكة متشعبة نمت بصورة واعية برعاية نظام بن علي حتى غدت في سنوات حكمه الأخيرة منظومة مركبة تحكم قبضتها على الدولة والمجتمع، بل إن أحد الباحثين التونسيين قال إن حالة من التعايش والألفة نشأت بين المجتمع والفساد لشدة انتشاره وشيوعه، تقرير اللجنة يظهر أن الفساد نخر مؤسسات الدولة كلها فكان رأسه في القصر وجسده يتمدد في كل مفاصل حياة التونسيين، في التشغيل والتعليم والقضاء والأحزاب والرياضة والإعلام.

[تقرير مسجل]

حافظ مريبح: هذا أرشيف وكالة الاتصال الخارجي في تونس أو ما بقي منه بعد محاولة إتلافه في الأيام الأولى إثر فرار الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي، ولكن ذلك لم يشفع للذين اعتاشوا من الدفاع عنه إذ أن ما أرادوا إخفاءه بدأ يتجلى اليوم وأخذت رائحة الفساد في قطاع الإعلام تفوح، فالنظام السابق لم تكفه السلطات الثلاثة لتطال يده السلطة الرابعة مستغلاً طمع بعض الصحفيون من تونس وخارجها أجروا أقلامهم وباعوا ذممهم مقابل مبالغ ضخمة وسفراتٍ ممتعة، مهامهم وإن اختلفت فإن هدفها واحد وهو تلميع صورة النظام وشتم كل من تشتم من ورائه رائحة المعارضة، ولكن الأمور لم تقف عند ذلك الحد.

قيس بن مفتاح/ نقابي في التلفزيون التونسي: المحتوى تاع البرامج والأنشطة والتغطية التي تقوم بها التلفزة كانت تقرر معانيها في قصر قرطاج، الملفات السياسية، المحاور التوجهات اللي كانت كلها تحضر في قصر قرطاج وعند المستشار الإعلامي وبقية الإعلاميين اللي كانوا يدوروا في الفلك ذلك، هذا يمكن كان بالنسبة لي أنا شخصياً كان أخطر وجه للفساد.

حافظ مريبح: اللجنة الوطنية لتقصي الحقائق حول الرشوة والفساد أصدرت تقريرها الذي طالما انتظره التونسيون فكان حجم التجاوز كبيراً خصوصاً فيما يتعلق بملف وكالة الاتصال الخارجي أو بوليس الإعلام في البلاد، أما الآن فيبدو أن وقت الحساب قد حان.

عبد الفتاح عمر/ رئيس اللجنة الوطنية للتحقيق في الفساد: لا يمكن أن تمر مسألة الفساد والرشوة دون قضاء مستقل وعادل، وأحلنا كل المعطيات في هذا المجال بما فيها المعطيات الشخصية والمالية والمتعلقة بالطرق والمناهج إلى غير ذلك.

حافظ مريبح: ما جاء به التقرير وإن بدا للبعض هاماً فإن البعض الآخر من القطاع الإعلامي يرى أنه لم يكشف إلا النذر اليسير من حجم الفساد فكثيرون ممن تحوم حولهم الشكوك لم تذكر أسماءهم، وما تزال طريقة إهدار ملايين الدولارات من قوت الشعب غامضة.

رضا الكافي/ عضو لجنة إصلاح الإعلام: وراء الأكمة ورائها اللي ظهر هو جزء طفيف من اللي حدث فعلاً خلال تقريباً 10 سنوات، من تمويلات مهمة من أموال الشعب التونسي اللي تعطى لأصحاب المؤسسات الإعلامية وخاصة أيضاً رجالات السياسة معروفين يعني في أوروبا وحتى في الوطن العربي، لكتب كتبت في الدعاية للنظام السابق.

حافظ مريبح: صفحةٌ من صفحات الفساد الذي عاشته تونس منذ عقدين أو ما يزيد فتحت مؤخراً وكثيرةٌ تلك التي ما زالت تنتظر تحتاج إلى الغوص في ثناياها للكشف عن المزيد من الحقائق ليس في قطاع الإعلام فحسب بل كذلك في كل القطاعات الأخرى، حافظ مريبح، الجزيرة، تونس.

[نهاية التقرير]

تداعيات تقرير لجنة الرشوة والفساد

محمد كريشان: إذن لمناقشة هذه القضية قضية الفساد في تونس وفق التقرير الصادر أخيراً عن اللجنة الوطنية لتقصي الحقائق حول الفساد والرشوة في البلاد، معنا من تونس كل من رشيد تمر عضو اللجنة الوطنية لتقصي الحقائق حول الرشوة والفساد، وفتحي جراي أستاذ علم الاجتماع في الجامعة التونسية، ومعنا أيضاً الصادق بن مهني الناشط الحقوقي والمحلل السياسي ، وأخيراً القاضي مختار اليحياوي، إذن أهلاً بضيوفنا جميعاً لو بدأنا بالسيد رشيد تمر وهو عضو اللجنة الوطنية لتقصي الحقائق حول الرشوة والفساد هل ما كشفه التقرير جاء منسجماً مع ما يعرفه التونسيون أو يتوقعونه على كل حال؟

رشيد تمر: التونسيون باعتبار أن هنالك عدة طرق لتبليغ المعلومة كيف ما الفيس بوك إلى غير ذلك، عندهم عدة أخبار ربما عندهم أخبار مش موجودة في التقرير تاع اللجنة إنما الفرق هو أن اللجنة عندما تنشر شيئا تنشر ذلك على أساس وثائق ثابتة ومتأكدة منها ولكن زيادة نؤكد على أن التقرير هذا هو مش تقرير نهائي لأن إحنا في نصف الطريق على 10 آلاف ملف عملنا شي 5 آلاف ملف وثم هو ما هو إلا عينات نعتبرها هامة ذكرت في التقرير وما تذكرش كل ما قمنا به من أعمال وتدقيق وتقصي.

محمد كريشان: ولكن كما ورد في التقرير مثلما ذكرتم تقريباً تلقيتم 10 آلاف حالة درستم فقط 5 آلاف حولتم 300 فقط إلى القضاء لم تتطلعوا على ملفات الفساد في المناطق الجهوية في الجهات يعني هل هذا يجعل من التقرير غير جدير إن صح التعبير بأن يعطي فكرة متكاملة على حجم هذه المعضلة في البلاد؟

رشيد تمر: التقرير هذا لا يدعي أنه يعطي فكرة كاملة إنما هي بداية تعطى للمواطن التونسي تبين له اللي هي حقيقةً وما هياش إشاعةً أن الفساد قد ضرب كل القطاعات وهو إخطبوط ويعتبر جريمة منظمة على أساس أن رئيسها هو الرئيس السابق واللي قام بالاستحواذ على السلطة التقديرية من أولها إلى آخرها إلى درجة أنه وصل إلى حد أن يعطي التعليمات في الصغيرة والكبيرة وهذا من شأنه أن يجعل ليس عليه أي رقيب واخترق كل القوانين اللي سنها ممثلي الشعب وتعداها وصار يتصرف وكأنه الملك الذي يملك الشعب والأرض.

محمد كريشان: فيما يتعلق بالفساد كما كشف في اللجنة المقدمة التي كتبها الدكتور عبد الفتاح عمر وهنا أسأل السيد الصادق بن مهني وهو ناشط حقوقي ومحلل سياسي ما كتبه السيد عبد الفتاح عمر يقول قد يكون ما تبقى أكثر، كيف يستطيع المجتمع التونسي أن يعرف هذه الحالات التي بقيت حتى عندما يتم التطرق إلى معالجة الفساد ومحاولة القضاء عليه تكون فعلاً معالجة جذرية؟

الصادق بن مهني: أعتقد أنه التقرير يكتسي واكتسى ضعف كبير من حيث أنه قدم لنا حالات مش عينات يعني في التقرير يتكلمون عن العينات لكن العينة تُختار حسب مقاييس علمية حسب مثلاً توزيع القطاعات، حسب حجم الملف، حسب نوعية المخالفات إلى آخره، هو قدم لنا عدد من الحالات بشكل استعراضي وبشكل لم يفسر منظومة الفساد بل منظومات الفساد لأنه في البلاد كانت مش منظومة واحدة منظومات الفساد في واقع الأمر ما استخرجناه من هذا الملف، من هذا التقرير هو حالات العديد منها كان يعرفها الشارع التونسي سواءً عبر الصحافة وأجهزة الاتصال الدولية أو حتى الصحافة التونسية بعد 14 يناير أو من كتب كانت نشرت ومنعت في تونس لكن تم تداولها بشكل كبير سابقاً..

محمد كريشان: ما تفسيرك سيد بن مهني، اسمح لي بن مهني، ما تفسيرك لهذا النقص كما تشير إليه؟

الصادق بن مهني: تفسيري هو أنه اللجنة الوطنية لتقصي الحقائق لم تضع لنفسها توجهات واضحة في عملها لم تخطط إستراتيجياً لم تطرح لنفسها أولويات وطريقة عمل علمية لمقاومة الفساد علماً أنه مكافحة الفساد في الوضع التونسي كما في الوضع المصري في الوضع الانتقالي الديمقراطي عادة يُعمل لها لجان محاسبة استثنائية ما يسمى بمنظومات العدالة الانتقالية التي تدرس الملفات وتنظر فيها وتعطي الحقوق لأصحابها وتعاقب ثم إن لزم الأمر تساءل وتحاسب وإن لزم الأمر نصل في الآخر إلى المصالحة لكن العمل العشوائي..

محمد كريشان: ولكن عندما يتم إصدار تقرير مثل هذا وهنا أسأل القاضي مختار اليحياوي عندما يتم إصدار تقرير مثل هذا ألا يمكن يشكل رغم كل النقائص التي أشار إليها السيد بن مهني يمكن أن يشكل بداية لمعالجة حقيقية وتصبح جزء من نسق الحياة السياسية في تونس عبر مؤسسات وعبر هيئة لأن حتى التقرير اقترح تشكيل هيئة قارة ومستقلة تتعهد إلى جانب التقصي بمهمة الوقاية من الفساد إذن اللجنة لم تزعم أنها أوعت فأشملت.

مختار اليحياوي: والله بالنسبة للتقرير هو أشبه بكتاب حاكم قرطاج معناه المعطيات الموجودة فيه ما تختلفش كثيراً عن المعطيات اللي هو كأنه كتاب لشد انتباه الناس للظاهرة لا أكثر ولا أقل، ورغم أنها لجنة علمية ما لقتش حتى أنها تقيدت بالموضوعية اللازمة بالقواعد العلمية في صياغة تقريرها عندما تقول أنها بتت في حالة 300 قضية من جملة 10 آلاف إحنا نشوف النسبة هذه ما تتجاوزش 3%، عندما تقول هي أنها درست 5 آلاف معناها حالة وبتت في 300 ما نعرفوش بقية 4700 حالة شنو اللي صار فيهم الآن هل أنها حذفتهم، هل أنها أحالتهم للقضاء للبت فيهم، أم أنها ما استكملتش البحث فيهم، معناها عندما تعطينا عينات معناها منتقاة بشكل كأنه يشد الانتباه معناها الإثارة هالعينات على إيش بالضبط، إيش هم المقاييس الموضوعية من وراء التعيين، معناها كشف العينات هذه، عندما تكشف هذا الشيء وهذه المعطيات لثمانية أشخاص وثمانية مؤسسات، والهيئة ملزمة بالسر المهني حسب المادة 12 من قانون تكوينها، هذا السر المهني ما يشملش هذه المعطيات اللي طلعت عليها بمناسبة عملها عندما تقول أنه هذه الأشياء اللي كشفتها واللي أحالتها للقضاء، لأن هذه الأشياء مش موضوع تحقيق إنها موضوع بحث وكشفها بالشكل هذا يعتبر تجاوز على سرية البحث ومس حتى من سرية البحث معناها وبكل صراحة ثمة هناك إهانات كثيرة ثمة حاجات كثيرة..

محمد كريشان: يعني هل لديك سيد مختار اليحياوي وأنت أحد الذين دفعوا في الزمن السابق ضريبة معينة نتيجة محاولة أن تتطلع بدور كقاضي هل تعتقد بأن هناك شيئاً ما مريب في عدم تناول التقرير لكل حالات الفساد بشكل مفصل وأكثر جرأة؟

مختار اليحياوي: أنا من اليوم الأول عندما أريد، والهدف من اللجنة هذه، من إحداث اللجنة هذه نفسها هو محاولة إزاحة اختصاص الفساد عن القضاء العادي، الفساد جريمة إذا هم يحبوا يزيحوه بن علي هو الذي راح وفكر في هذه اللجان وأمر بإنشائهم أي أن يحبوا يتحكموا في ظاهرة الفساد وينشروها بالشكل اللي يتماشى مع وضع بتاع السلطة القائمة في زمن نشرها، وهذا هو اللي صار وما هوش عندي شك هذا واقع، سوف يتم دراسة الفساد لأنه قضية الفساد في واقعنا اليوم هي القضية المركزية لأنها تهم قضية الحوكمة معناها الحكم الرشيد، وإذا كان إحنا نؤسس التو للديمقراطية ودولة قائمة على الحكم الرشيد فإن من أولى أولوياتها الدولة هذه، هي معناها القطع النهائي مع الفساد ولا يمكن القطع النهائي مع الفساد إذا ما أخذناش صورة واضحة صورة موضوعية صورة دقيقة عن الوضع اللي كان قبل حتى يمكن نتجاوزه، والوضع هذا لا يمكن أن يقبل أي استثناء أو أي معناها تمييز بين مجال ومجال أو أي التركيز على مجال دون المجال آخر، هنا واقع فساد هو اللي معناها استبداد الغاية بتاعه والهدف الأساسي بتاعه كان هو نهب الثورة، النهب هذا تجلى في الفساد هذا، الفساد هذا وصل حتى في وقت بن علي وصفته الولايات المتحدة بأنه الحكم بتاع تونس كأنه مافيا شبه مافيا، الأشياء اللي يحكي عنها التقرير والكل اللي تحدثنا عليها من وقت بن علي وموجودة في مقالات وفي مدوناتنا وفي الدورية التونسية التي تصدر وتكلموا عليها برشة ناس موجودة الكل، إحنا كنا نعرف أن بن علي عندما يوزع الأراضي الدولية بالطريقة اللي كان يوزع فيها على الأقارب بتاعه وعلى المحظيين بتاعه إحنا نعرفه أنه كان يمارس الفساد، أنه عندما كانت الخلاصة تتم في الحال ملك الدولة إلى المقربين من الرئيس السابق وعائلته نعرفه أنه ذلك كان يعني ممارسة للفساد، إحنا نعرفه أن الشكل اللي كان تتم به معناه إعطاء القروض ونهب المال العام عن طريق البنوك بدون ضمانات وبدون شي كنا نعرفه أنه كان يتعلق بفساد وان ثمة هؤلاء الناس اللي تستفيد كانت تمارس الفساد وتستفيد من الفساد في أي مجال، إحنا وقتها كنا نقول أن القضاء غير مستقل، وأن النظام يحاول توظيف القرار، نعرف أن هذه المحاولة بتاع توظيف القرار هي لحماية نفسه ولترسيخ فكر الفساد، معناه كل مجال اللي إحنا نتحدث فيه نتحدث عن الدوانة وعلى أساس العمولات وكيف تدخل السلع المهربة حتى هذه كلها ممارسات فساد.

ثقافة المجتمع ودورها في مجابهة الفساد

محمد كريشان: على ذكر الدوانة وهو التعبير التونسي للجمارك، البعض استغرب أن يحظى فقط بثلاث صفحات فقط، ولكن أريد أن أسأل السيد فتحي جراي أستاذ علم الاجتماع في الجامعة التونسية، البعض يعتبر بأن للأسف الشديد، الفساد في تونس ليس مقصورا فقط أو مقتصرا على الطبقة الحاكمة أو ابرز مفاصل الدولة الفساد دخل حتى في كل خلايا المجتمع التونسي تقريبا يعني في بعض المسائل لا تستطيع أن تنهي معاملة معينة إلا بدفع رشوة وهذه قضية لا تخص الحاكم بقدر ما تخص أخلاقيات الناس والمجتمع هل تعتقد بأن هذه المسالة يمكن أن تعالج بالتوازي مع كشف حالات الفساد الرسمي أن صح التعبير؟

فتحي جراي: هو ما تفضلت بذكره يدخل ضمن ما يمكن أن نسميه بثقافة الفساد، وقديما كان يقال الناس على دين ملوكهم طالما أن هذا الرئيس الذي عمر في الحكم ربع قرن يتصرف بمنطق ربما الملكية أو منطق الحاكم بأمره ويكاد يمتلك كل شيء بما في ذلك ذمم الناس وخاصة من يعارضونه في الحكم أو يستفيدون بطبيعة الحال من نظام الحكم الذي قاده على مدى ربع قرن، في الحقيقة في وقت ما صار هنالك نوع من التعايش بين أخلاقيات الناس وهذه الممارسات وأزعم أن جزءا من هذه الأخلاقيات قد تأثر بهذه الممارسات وأصبحت ربما المفاسد الصغيرة ينظر إليها على أنها أمور تافهة وهامشية هكذا يفكر الناس والحقيقة أن ما خفي على الناس كان أعظم هم لا يدركون أو لم يدركوا على الأقل حجم الفساد والرشوة الذي كان حاصلا والذي كان مهيكلا والذي تقريبا كان مقننا بطريقة ما في عهد الرئيس المخلوع، الآن الناس مشدوهون ولكنهم يعرفون بشكل واضح أن هذه الممارسات تقريبا مستشرية وتعم كل القطاعات ودخلت في مخيال الناس ودخلت في لا وعيهم وبالتالي اجتثاثها اليوم كما تفضلت لن يكون فقط عبر ربما إجراءات رادعة لأنها أصبحت ثقافة متأصلة في بعض النفوس في كثير من النفوس، ولذلك نحن نحتاج إلى نوع من تفكيك بنية الوعي التي أنتجت هذه الثقافة وإلى العمل لفترة طويلة من اجل إعادة تشكيل الوعي الاجتماعي والأخلاقي ولكن بالتوازي مع ذلك هناك بطبيعة الحال عمل كبير بمستوى التنشئة الاجتماعية والمدرسية وهناك عمل أيضا موازن لذلك بمستوى الردع الذي يجب أن تمارسه الحكومة الجديدة يعني أعتقد أن عليها أن تتعامل بكثير من الصرامة مع كل هذه الممارسات التي ظلت مستمرة حتى بعد الثورة للأمانة يعني كثير من الممارسات القديمة ما تزال موجودة..

محمد كريشان: سيد جراي، على ذكر استمرار بعض هذه الممارسات، الغريب كما لاحظ البعض أن بمجرد سقوط النظام كان هناك حالة من الغضب الشديد وحالة من الخوف جعلت البعض ربما ينأى بنفسه عن تقاضي الرشوة أو محاولة دفعها، هناك ملاحظة الآن بعد تسعة أشهر أو عشرة أشهر وكأن عودة بعض الوجوه الإعلامية للظهور، عودة بعض الشخصيات السياسية للظهور، أنعش نوعا ما بعض الممارسات السابقة هل تعتقد بأن القبضة الأولى التي كانت مع انتصار الثورة الآن تراخت قليلا وبعض الممارسات التي أشرت إليها عادت لأن ربما شعر البعض عن حق أو عن باطل بأن الأمور لم تتغير كثيرا هل يمكن الجزم بمثل هذا الاستنتاج؟

فتحي جراي: يعني هو استنتاج منطقي ولكن ربما لا يمكن الجزم به، في الحقيقة أن ما حصل أن كثير من المسؤولين غداة الثورة كانوا مصدومين مشدوهين وكانوا خائفين فعلا على مصيرهم أمام موجة ارحل المعروفة التي واكبت الثورة ولكن بعد أن يعني تقريبا استمر الأمر صحيح لاحظنا أن في نهاية المطاف كثير من الوجوه القديمة ظلت موجودة في مكانها وفي مراكز مسؤولية وفي مراكز أخذ قرار وظلت تتصرف في الحد الأدنى تحمي نفسها كثير من الوثائق أعدمت وكثير من الوثائق هربت وكثير من المسؤولين أيضا هربوا بطريقة ما وبالتالي في ظل حالة ترقب الآن نعتقد أن الدولة تشتغل ربما في المستوى الأدنى من نسقها وهذا قد يشجع الكثيرين على طمس كثير من الحقائق، الحنين إلى الممارسات القديمة, وربما في ظل وجود شبكات لم تطالها يد العدالة إلى الآن نحن نلاحظ ممارسات من هذا القبيل, وأعتقد أنه في مستقبل الأيام سنشهد موجة مضادة لهذه الممارسات, باعتبار أن المساءلة والعدالة الانتقالية ستشمل كثيرا من هذه الوجوه المريبة التي يتحدث عنها الكثيرون ويقولون أننا نعرفها بشكل فردي, ومع ذلك قد لا تطالها في الوقت الراهن ربما يد الأمن ويد العدالة.

محمد كريشان: الحقيقة الكثير مما أشار إليه السيد صادق بن مهني أو القاضي مختار اليحياوي يحتاج إلى توضيح من السيد رشيد تمر وهو عضو مجلس اللجنة الوطنية, ما شاب التقرير من نقائص أشار إليها الضيفان, هل من توضيح من قبلكم لو تكرمت؟

رشيد تمر: نعم، أخ محمد مع كل احترامنا لكل الآراء المختلفة ولضيوفك ولو أني بالنسبة للأخ مختار اليحياوي, لم أستطع أن أستمع إلى ما قاله ولو أنه قريب مني جداً والقريب منك بعيد ربما, فأنا أقول التقرير هذا كفاه فخراً بأنه إجماع مجموعة من المعلومات المدققة والمثبتة بوثائق ثابتة أنه هذه المجموعة الموثقة من الوثائق تدل بما لا يدع مجال للشك, أن الممارسات هذه مست كل القطاعات وأن كل ما نغوص في الملفات كل ما نكتشف ناس آخرين وأوجه آخرين مش معروفين من العموم, وأن 322 ملف اللي وقع إحالتهم إلى النيابة يهموا ما يناهز ألف شخص وأن في الألف شخص ثمة من معروف وغير معروف, وثمة الوجوه المعروفة والناس كلهم لهم بال بها , وفي البعض اللي وقع توقيفهم من طرف العدالة واللي المتمثل إلا شي بسيط من اللي مازال , هؤلاء كلهم يدلون على أن أولاً: الفساد مازال موجودا إلى الآن في تونس وتحبه له سنوات من شان يتنحى, وعلى إيش إحنا اقترحنا أنه ثمة لجنة دائمة, لا لتقاوم, لا لتتقصى كيف ما عملنا إحنا الفساد بل لتقاوم الفساد ولإيجاد آليات لكي لا يواصل هذا الفساد, وهذا يتطلب أجيال وأجيال, لذلك على إيش اقترحنا لازم تكون هناك ثقافة شفافية كما قال الأخ قبلي ولازم تكون ثمة على مستوى النشأة، تدرس من بداية نعومة أظافر هذه الأشخاص، ويعتبر المواطن التونسي أنه ما عادش يستعمل طريقة من وين دبرتها وعندك شي كتيف, لازم يستعمل احترام القانون, وأن كل شيء يأخذ وقته, وأنه الناس كلهم تشد الصف, وهذا يكاد يكون شيء نظري إنما من الممكن أن ييسر وجوده, أما فيما يتعلق بالأخ بن مهني اللي اعتبر بأنه إحنا قمنا بأعمالنا بدون أي منهجية, فهذا لا نوافقه الرأي لأنه إحنا اجتمعنا مع بعضنا اللجان العامة واللجان الفنية من الخبراء واتفقنا على طريقة عمل, اللي هي الآتية: عنا أشخاص, وعنا ملفات ضخمة ثقيلة جداً هي أسرار كانت موجودة في القصر الرئاسي وبالذات عند المستشارين, لميناها وهي أطنان واستطعنا ايش نحصل على الوثائق السرية التي كان على أساسها الرئيس يضع بخط يده التعليمات اللازمة للقيام أو لعدم القيام بالأشياء, وكان يتصرف على هواه, وكانت الصفقات واللازمات تعطى للأقارب, أو تعطى لمن يتحصل من قبلهم على الأموال الطائلة, وكانت تهرب الأموال إلى الخارج وكل ذلك, ولو أنه كانت مشكوكة فيها من طرف الشعب, حتى لم يكن يعرف ذلك بالتفصيل, فكان العمل منهجي, وكان العمل يقام على أساس التشاور المتبادل بين أفراد اللجنة وكانت اللجان الفنية, اللجنة الفنية تخدم وفيها ستة من القضاة من الدرجة الثالثة, وفيها من الخبراء الماليين والمحاسبين, والعقاريين, وكنا نتشاور بالليل والنهار بعملنا ونعتبر أنه من الأفضل ومن الأقسط أن لا نبخس الناس أشيائهم, وان نعتبر بداية عمل سيتبعها عمل يكون أفضل منها إن شاء الله.

محمد كريشان: وسيتبعها أيضا نقاش, نحن سنأخذ فاصل الآن ثم نواصل هذه الحلقة حول التقرير الأخير الصادر في تونس من لجنة تقصي الحقائق حول الفساد والرشوة في تونس لنا عودة بعد هذا الفاصل.

[فاصل إعلاني]

القضاء ودوره في معالجة قضايا الفساد

محمد كريشان: أهلا بكم من جديد ما زلتم معنا في هذه الحلقة من حديث الثورة الذي نناقش فيها ظاهرة الفساد في تونس في ضوء ما توصلت إليه التحقيقات في اللجنة الوطنية لتقصي الحقائق حول الرشوة والفساد في البلاد، القاضي مختار اليحياوي أشرت قبل قليل إلى أهمية أن يلعب القضاء دوره، ربما البعض لا يعلم بأن هناك معاهدة دوليه لمقاومة الفساد، معاهدة دولية سنة 2003 تونس وافقت عليها سنة 2008 لكن بالطبع لم تفعل ولم تطبق منها شيئا, كيف يستطيع القضاء سيد اليحياوي أن يلعب دورا فعالا وذي مصداقية في المرحلة المقبلة لمعالجة قضايا الفساد السابقة وإعادة الاعتبار للقانون والعدالة في البلاد؟

مختار اليحياوي: هذا الدور الطبيعي إذا كان القضاء معناه ما هوش مهيأ للدور هذا فمعناه أي دور هو مهيأ، القضاء مهيأ للتصدي كل أشكال الجرائم، صحيح ثمة تطورات معينة تتطلب مواكبة وتتطلب معناها رصد لبعض القضاة في الميادين المحاسبية في ميادين تبييض الأموال في ميادين دقيقة الاختصاص، ولكن القضاء عندنا مهيأ ولدينا من الكفاءات ومن المستويات اللي يتصدى لهذا الدور ويقوم به بكل نزاهة المهم هو كيف أن نرتقي بالقضاء حتى يصبح هو يتصدى لهذا الدور..

محمد كريشان: لكن السيد اليحياوي أنا أردت، أردت أن افهم في تونس في الأشهر الماضية أغلب القضايا رفعتها مجموعة عرفت بمجموعة 25 وهم مجموعة من المحامين كانت ترفع قضايا ضد هذا وضد هذا وفي هذه القضية أو تلك، أقصد ما هي الآلية التي يمكن بها في تونس أن نحقق في قضايا معينة، النيابة العامة تتحرك بمفردها على المواطن أن يرفع قضية هل منظمات المجتمع المدني ممكن أن تلعب دور لتفعيل القضايا لمحاربة هذه الظاهرة ويقوم بدوره مثلما ذكرت؟

مختار اليحياوي: إحنا بالنسبة لنا في تونس والمشكلة اللي كنا نبهنا إليها في وقت بن علي ونبهنا عليها بمجرد حصول الثورة هي قضية النيابة العمومية في تونس اللي هي ما هيش مستقلة على الحكومة باعتبار أن الوزير الأول هو النائب العام الأكبر وهو اللي يأذن ولا يمتنع عن الإذن بالمتتبعات وإذا كان معناها الحكومة ما تحبش تأذن بالمتتبعات فإن النيابة العمومية لا يمكنها أن تتبع، ولذلك على ايش نادينا بضرورة إعادة خطة الوكيل العام للجمهورية واستقلال النيابة العمومية عن السلطة التنفيذية وهذه نعتقد أنها من القضايا المطروحة الأولى معناها مش بتكون مطروحة على الحكومة الشرعية القادمة معناها القضية على ايش المحامين هم اللي يشكوا لأن النيابة ما تحبش تتبع والسلطة ما تحبش معناها استغنت عن قضايا الفساد باعتبارها ألقت ما إليها فيه وقعدت تدرس في الموضوع، لأنه ما ثمش ما كنتش ثمة جدية حقيقية في مواجهة هذه المشكلة، والآن حبيت نرجع لحالة حيدة أنهم يقولون أن الشعب التونسي ما هوش عارف ومفاجئ هذا مش صحيح، الشعب التونسي واعي تماما بدرجة الفساد باعتبار انه كان في كل يوم وفي كل مفصل من مفاصل تصريف حياته العادية يلاحظ ويعاين في ممارسات الفساد ولذلك اللي قال أن الشعب التونسي ما هوش واعي، الشعب التونسي واعي تماما بالفساد وما يستحق حتى شخص مش واعي، القضية هي أن الدولة بأيدها واعية بالفساد وراغبة في..

محمد كريشان: تأكيدا لكلامك سيد اليحياوي كثير من الحالات كانت واضحة للعيان وكانت مفضوحة خاصة في آخر سنوات بن علي سواء تملك الأراضي أو تمثيل بعض الشركات أو بعض الأصهار الذين أصبحوا في سنوات قليلة من المليونيرات بينما لم يكونوا لا بناءا على عمرهم ولا على خبرتهم السابقة من هؤلاء لكن هناك مسألة مهمة وهنا أسأل السيد صادق بن مهني هناك مسألة مهمة وردت في تقرير لجنة تقصي الحقائق يقول فيها أن الأمل هنا أقتبس "أن الأمل أن لا تكون مكافحة الفساد مسألة عرضية وأن تشكل إحدى ثوابت الدولة مستقبلا وتدرج في الدستور الجديد هل تعتقد ونحن الآن مقبلون على مجلس تأسيسي سيصيغ الحياة السياسية ويسن دستور جديد هل أن إدراج هذه المسألة في الدستور سيعطيها قيمة خاصة في السنوات المقبلة؟

الصادق بن مهني: نعم، أخ محمد أعتقد وأرجع هنا إلى منظومة الفساد ومنظومة الفساد أنه الفساد لم يكن حكرا على رأس السلطة ولا على عيلتين ولا على ثلاثة، وإنما الفساد كما قيل مس جميع أوجه الحياة والأنشطة الاقتصادية والاجتماعية، ليش كان الفساد عم بالشكل هذا ليس لأنه وليش أنه الفساد متواصل رغم فرار المخلوع وبطانته لأنه المنظومة نفس المنظومة السياسية التشريعية القضائية التنفيذية اللي هزت قبل الفساد مازالت تهز للفساد وبالتالي فالإصلاح يمر عبر مرحلتين في رأيي عدالة قضائية تاع مساءلة محاسبة تاع فهم بتاع بناء الذاكرة في مرحلة أولى، ثانيا أنه يقع إسقاط الحكم الاستبدادي الديكتاتوري بشكل نهائي أنه يصبح عندنا برلمان يلعب دوره، البرلمان اللي كان عندنا أو مجلس مستشارين اللي كان عندنا هو آلة من آليات الفساد بدليل أنه سن قوانين كما قانون مجلة اللزمات كما قانون الحصانة الممنوحة للرئيس كما قانون تمتيع عائلة الرئيس بكثير من المنافع مدى الحياة كما قوانين أخرى حسب معناها اللي كان نعتقده أن القوانين هذه معمولة لإحكام التصرف في تونس لكن هي معمولة لتسهيل الفساد يعني منظومة الفساد كانت استغلت حتى القوانين حتى التشريع حتى القضاء سواء لتلتف على قوانين صحيحة وعلى أجهزة رقابية كانت تعمل لكن لم تكن تقاريرها تفعل أو حتى سخرت حتى السلطة التشريعية نفسها لخدمة الفساد، بالتالي فلا يمكن أن نكافح الفساد بتقرير مهما كان جميلا ومهما كان مدعاة لمفاخرة أصحابه ولا يمكن أن نكافح الفساد بمجرد اقتراح هيئة قارة أو غير قارة، الهيئات كان عنا منها الكثير القوانين كان عنا منها الكثير، الإصلاح يجب أن يكون إصلاحا سياسيا في تونس إذا تركنا نفس الأسباب التي أدت إلى تفرد شخص أو أشخاص بالسلطة فإننا سنعود إلى نفس الوضعية، الإصلاح السياسي، إصلاح منظومة التشريع، إصلاح القضاء، مثلا أخي محمد في الإدارة لم يكن بوسع كثير من المديرين أن يقاوموا الفساد ليش، لأنه لم تكن هناك معارضة تحميهم، لم تكن هناك منظمات مجتمع مدني تحميهم، لم يكن هناك برلمان يحميهم، لم يكن هناك آليات يتكلمون منها ويعبرون عنها، لم تكن هناك صحافة حرة، بالتالي الكثيرون ساهموا في الفساد ليس طمعا ولا خوفا وإنما بمفعول انه لم تكن هناك آليات ومنظومات تمكن الإنسان التونسي من أن يمارس مواطنته بشكل واضح سواء عبر التعبير عبر الرفض أو التمديد أو عبر التشهير عبر قول كلمة لا، وهذا اللي ما يفهمني منيح صديقي رشيد تمر أنا لا أهاجم التقرير ولا أهاجم اللجنة بالمرة اللجنة بارك الله فيها خدمت يعطيها الصحة وبارك الله فيها لكن خدمتها ما كنتش خدمة منهجية ما كنتش خدمة مبنية على فهم ما هو الفساد ما هو أبعاده وما كنتش مبينة على أنه تحب تتقصى حقائق الفساد ومنظومات الفساد باعتبار أن دورها ما هوش أنه يتوجه الناس إلى الإدارة ودورها ما هوش تحاسب هي تعدي بعض الملفات اللي تدرسها إلى القضاء موش التشهير موش حق التعريض بالناس وبعض المؤسسات هكذا بدون داع وبدون تعديلات.

منظومة إعلام جديدة لمحاربة الفساد

محمد كريشان: اسمح لي أشرت إلى نقطة مهمة جدا وهو أن الذين حاولوا محاربة الفساد لم يجدوا من يدافع عنهم أو يحميهم وهنا أسأل السيد فتحي جراي لأنه أشار قبل قليل أن القضية ليست سهلة وتحتاج إلى منظومة قيم جديدة وتنشئة جديدة ليس من السهل أن ترسى هل تعتقد سيد جراي بأن الإعلام ربما يكون إلى جانب القضاء لكن الإعلام تحديدا له دور كبير جدا لأنه مثلما كان الإعلام سواء الإذاعي أو التلفزيوني أو الصحافة في تونس هي وسيلة زينت كل الممارسات السابقة السيئة الآن عليها دور بالطبع بعيدا عن الصحافة القديمة التي تتلون مع جميع العهود هل نحن بحاجة إلى إعلام جديد يفضح باستمرار أي انحراف أي فساد وبالتالي يمكن لتونس أن تتغير تدريجيا ولكن الأولوية هو لهذا الإعلام الجديد.

فتحي جراي: الحقيقة نحن بحاجة إلى كل الأصوات التي تناصر مبدأ الحق والعدل، الإعلام كسلطة رابعة مكانته لا أحد يشكك فيها وهي مفتاحية لأي مجتمع يعني يحترم نفسه في أي مجتمع حي أيضا بالتالي ما تعود عليه ربما الإعلام في الزمن القديم في زمن الرئيس المخلوع تحت وطأة بطبيعة الحال السلطة القاهرة من مجاراة ومن اهتمام بمسائل جانبية أحيانا وربما حتى من تزكية بعض الممارسات الآن هنالك رغبة واضحة في تغير هذا النسق وهذا الاتجاه، وهنالك أقلام جديدة تحررت وهنالك عناوين جديدة تملأ السوق الآن في الصحافة المكتوبة وفي الصحافة أيضا الإلكترونية، هنالك إذاعات جديدة ستظهر وربما قنوات تلفزية أيضا، هنالك طبعا حركة كبيرة والجميع مدعو إلى أن يهتم بأمهات القضايا وأن يجعل الولاء للوطن فوق كل اعتبار، باعتبار أن جزء من الصحافة طبعا هو صحافة حزبية مرتبطة ربما بأجندات بعض الأحزاب، جزء من الصحافة أيضا لها مرجعية أيديولوجية وعليها أيضا أن تحرر أيضا من هذه السلطة، ومن ثم تخدم المصلحة العليا وهذا طبعا مهم جدا في تعرية كل وجوه الفساد وفي إعادة تشكيل الوعي الاجتماعي كما قلت، لكن في المدى المنظور كل هذا جيد إنما يحتاج أيضا إلى سلطة صارمة ورادعة ترسي العدالة الانتقالية وربما تمهد الطريق بطبيعة الحال إلى نموذج عادل في التعاطي مع كل الناس ومع كل القضايا في المستقبل في كنف الشفافية لأنه محل ثقافة الفساد لابد من إرساء ثقافة العدالة والشفافية وهذه مسألة كما قلت تتطلب أن تكون على المدى البعيد ولكن يجب أن يبدأ كل من له بطبيعة الحال رأي أو سلطة أو موقع أو فكرة وهكذا يبنى المجتمع بتضافر كل هذه الجهود.

محمد كريشان: هناك معلومة الحقيقة أريد أن أسأل عنها السيد رشيد تمر حتى نتأكد من مدى صحتها هناك راج بأن اللجنة أرادت أن تعطي نوع من الحصانة لمن يدلي بشهادته أمامها ويعترف بجميع القضايا التي تعلقت به كقضايا فساد هل هذا صحيح أولا.

رشيد تمر: اللجنة تقدمت بمشروع مرسوم في إطار بداية معناتها العدالة الانتقالية اللي بتكلم عنها كل الناس، وأغلبية الناس موافقين عليها إلا البعض بالطبع، مفاده أن إذا كان الشخص أعطى رشوة وأقر بذلك قبل أن يفتح تحقيقا بالأمر مع العلم أن الموضوع هذا موجود في القانون التونسي لا يعاقب، ويقع بعد الإفادة هذه بفتح تحقيق ويعاقب من ارتشى، إنما اللي زدناه في المرسوم هذا هو أنه علينا حماية هذا الشخص الذي أفشى المعلومة، حمايته من ردة الفعل ثم أضفنا في المرسوم فيما يتعلق بالتقادم الذي شكل عقبة بالنسبة إلينا وكثير من العرائض جاءت تتعلق بمواضيع قديمة جدا ترجع إلى 15 أو 20 سنة وباعتبار أن التقادم لا يمكننا من النظر فيه، فمصالح العباد، لماذا لم يتكلموا في ذلك الوقت، الناس تعرف أن كل من يتكلم بعدها يقمع، فالتقادم هذا إذا كان نرفعه لغرض، نرفع ذات التقادم لمصلحة الدولة على أساس أنه ما ندفعش الجباية إذا نتكلم عن التقادم 4 سنوات أو 10 سنوات حسب الحالة نقول نتكلم على التقادم حتى 15 سنة لكي ترجع أموال الشعب إليها.

آلية محاسبة الصحفيين المرتشين

محمد كريشان: ولكن سيد رشيد سيد تمر يعني القضية أعمق بكثير من مجرد عدم دفع الجباية يعني مثلا في التقرير الذي صدر وهو بالمناسبة تقرير ضخم وهو تقريبا 500 صفحة عندما نصل مثلا للفساد الإعلامي وتقرير اللجنة يشير إلى صحفيين بالأسماء الأولى بالأحرف الأولى من أسمائهم وهي ثقيلة وهم تقريبا معروفين وهذا تسلم 100 ألف دينار وهذا 200 ألف دينار وهذا 300 ألف دينار واعترفوا بذلك وبعضهم في صيغة إعلانات ودعم لصحف وهؤلاء الصحفيين وهذه الصحف ما زالت تصدر إلى اليوم، كيف يمكن للمواطن أن ينظر إلى تقرير هذه اللجنة بمصداقية وهو يرى أن هؤلاء ما زال لديهم قول في الحياة السياسية ويتحدثون ويكتبون مقالات وكأن شيئا لم يكن أين هي آلية المحاسبة بعد صدور هذا التقرير.

رشيد تمر: علينا أن نفرق شيئين يا أخ محمد، لجنة تقصي الحقائق لا تتهم ولا توقف الأشخاص، لجنة تقصي الحقائق تجمع معلومات تدرسها تقارنها ببعضها تقوم بسماع الأشخاص المعنيين تسجل ذلك بالصوت والصورة ثم عندما تتوصل إلى اليقين أن ممكن الشيء هذا يمثل جناية فتحيل ذلك إلى القضاء، وإحنا ما بنقوموش بأعمال القضاء إحنا نعين القضاء وأكد لنا أنه ممنون للعمل هذا ويعتبره عملا جيدا، القضاء هو المخول الوحيد على مستوى حاكم التحقيق أن يقرر الإيقاف أن يقرر منع من السفر فإذا كان ما زال ناس ما زالوا إلى الآن يجوبون الشوارع بدون أي محاسبة فذلك لا يحسب على اللجنة بل يحسب على من بيده القول الفصل في الموضوع.

محمد كريشان: نعم على ذكر القول الفصل وهنا ننهي مع السيد مختار اليحياوي يعني عندما تثار قضايا يجب على القضاء أن يبت فيها، تدخل العامل السياسي إلى أي مدى هو خطير لأن مثلا على سبيل المثال حالة السيد عبد السلام جراد رئيس اتحاد العمال التونسيين الضجة التي أثيرت حول عدم منعه ثم تم التراجع بسرعة بعد تقريبا 24 ساعة بغض النظر أن السيد جراد مدان أو غير مدان صحيحة المعلومات أو غير صحيحة مثل هذا الارتباك في اتخاذ القرار ألا يربك أيضا مصداقية التحقق من مدى صحة الاتهامات الموجهة سواء للسيد جراد أو لغيره.

مختار اليحياوي: هنا إحنا نحب نقول أن السلطة المنتخبة والتي تمثل الشعب التونسي وتمثل الثورة ما زالت لم تلتق على مستوى السلطة حتى نحاسبها والسلطة السابقة مهما أردنا أن نقول ما هي إلا تواصل للنظام السابق، بالنسبة للقضية الخاصة بالسيد جراد هي ما هيش حالة من حالات اللي رأينا أن القضاء تحول فيها إلى موقع ضعف، وتأثر عليها برشا ناس اللي ما كانوش يقبل ينجموا أو يعملوا نفس الشيء، اللي صار بالنسبة لجراد هو السيد جراد إجراء تحفظي بمنعه من السفر إحنا نعرفه هذه الإجراءات التحفظية قابلة للاستئناف أمام دائرة الاتهام ودائرة الاتهام نقضت هذا الإجراء ولكن نعرفه أيضا حاكم التحقيق ينجم في أي لحظة يستدعى المتهم وإذا ما لقاش طريقة أخرى للتحفظ عليه يضعه في السجن معناها القضاء ما هوش ضعيف القضاء أقوى من كل من يعتقد نفسه فيه القوة، ولكن اللي نحب نلاحظه تهويل قضية الفساد، أرى الفساد يصبح مهولا ويصبح مخيفا ومريعا عندما تصبح السلطة الحاكمة نفسها فاسدة وهذا هو ما كان في عهد النظام السابق أي إذا أنت عندك رئيس بالشكل اللي نعرفه التو ولا المحيطين به ولا الأعوان بتاعه بهذا المستوى من الفساد معناها القانون الذي يحكم البلاد هو قانون الفساد أي أن الذي لا ينسجم مع هذا الفساد هو الذي سيقع تهميشه، الشيء الذي يحصل في تونس واللي سيحصل إن شاء الله بفضل هذه النخبة الجديدة اللي بس تطلع للسلطة هو أن ستعكس أنه رمز النظافة ورمز الشفافية هو برشا اللي يصعد للسلطة لأنه اللي ما يستجبش مع النظافة هذه ومع الشفافية هذه هو اللي يصبح في الموضوع ملاحق ما تتصورش واحد معناها يعتقد في نفسه النزاهة وضحى ما أخذش الامتيازات، هو تقاسم مغانم وامتيازات، بينما إحنا عندنا قيم أخرى، القيم هذه ما نخدش امتيازات أما معناها ممارسة السلطة ما هيش مناسبة لمنافع ذاتية، الناس هذول، الشيء هذا سيشع على كل ما حوله وسيكشف كل مصدر للفساد أن تناول الفساد كقضية ما هيش قابلة للتداول ما هوش صحيح عندما يصبح القضاء في الوضع اللي يتيح له ما هوش تحت سيطرة الفاسدين.

محمد كريشان: شكرا.

مختار اليحياوي: لأن الحقيقة سوف لن يكون أول شيء فساد في القضاء وسوف لم يخشى القضاء.

محمد كريشان: شكرا لك.

مختار اليحياوي: من أي شيء في مواجهة الفساد وهذا في مختلف دواليب الدولة وسيصبح كل شخص حارس للقانون وحارس للمصلحة العامة والمال العام في الموقع بتاعه ولا يمكن بعد كل الشهداء.

محمد كريشان: شكرا لك.

مختار اليحياوي: وبعد كل التضحيات والعناء اللي تكبدناه برشا اليوم نعاود ندخل الفاسدين معناها نرضى بالفساد.

محمد كريشان: شكرا لك القاضي مختار اليحياوي شكرا أيضا للسيد فتحي جراي أستاذ علم الاجتماع في الجامعة التونسية، السيد صادق بن مهني الناشط الحقوقي والمحلل السياسي شكرا جزيلا لك وشكرا أيضا للسيد رشيد تمر عضو اللجنة الوطنية لتقصي الحقائق حول الرشوة والفساد، بهذا مشاهدينا الكرام نصل إلى نهاية هذه الحلقة من حديث الثورة الأسبوع المقبل بإذن الله حديث آخر من حديث الثورات العربية في أمان الله.