للقصة بقية 

صحفيون يروون قصصهم بالدم في غزة ويؤكدون: أرواحنا فداء الحقيقة والاستهداف لن يثنينا

في مشهد مؤلم يختصر مأساة الصحفيين في غزة، يروي مراسل الجزيرة محمد قريقع كيف وجد والدته شهيدة خارج مستشفى الشفاء بعد 14 يوما من فقدان الاتصال بها.
بانر: 360 - للقصة بقية - غزة البحث عن حياة
(الجزيرة)

"وجدتها نائمة كأنها تنتظر من يوقظها،" يقول قريقع، مضيفا أن والدته أُعدمت برصاص جندي إسرائيلي وهي نائمة، في دليل صارخ على استهداف عائلات الصحفيين.

ووفقا لحلقة 28-10-2024 من برنامج "للقصة بقية" الذي يمكن متابعته على منصة "الجزيرة 360" فإن حادثة استشهاد والدة قريقع لم تكن معزولة، بل تندرج ضمن نمط واضح من الاستهداف الممنهج للصحفيين وعائلاتهم.

فمنذ بداية الحرب على قطاع غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، استشهد 180 صحفيا، في أعلى حصيلة للصحفيين في أي نزاع بالتاريخ الحديث، متجاوزة عدد الصحفيين الذين قضوا في الحرب العالمية الثانية وحرب فيتنام مجتمعتين.

وأفرد البرنامج فقرة للحديث عن أساليب استهداف الاحتلال للصحفيين وفقا لتقارير نقابة الصحفيين الفلسطينيين، والتي تباينت بين 3 أساليب رئيسية: هي الاستهداف المباشر بالقصف والرصاص التهديد والابتزاز، بما في ذلك تهديد عائلاتهم، إضافة إلى الاعتداء البدني والملاحقة.

استهداف مباشر

وروى مراسل الجزيرة إسماعيل أبو عمر -الذي فقد ساقه في قصف إسرائيلي- للكاميرا تفاصيل استهدافه المباشر، وقال "كنت أرتدي السترة الصحفية، وكان الاستهداف متعمدا من طائرة مسيرة في منطقة خالية تماما".

وأكدت تحقيقات دولية رواية أبو عمر حول الاستهداف المتعمد، حيث كشف تحقيق لاتحاد "قصص محظورة" نُشر في يونيو/حزيران 2024 عن استهداف ما لا يقل عن 18 من الأطقم الإعلامية في غزة بضربات موجهة من طائرات مسيرة، وأوضح التحقيق أن المسيرات الإسرائيلية تمكن مشغليها من رؤية السترات الصحفية بوضوح تام.

ورغم المخاطر، يواصل الصحفيون في غزة عملهم، وهو ما ذهبت إليه صانعة المحتوى بيسان عودة، التي أكدت أن "القصة الفلسطينية محقة، ولن تنجح أي محاولة لتغطيتها، ونحن نوثق لنضمن حق الناس في أن يكونوا مسموعين ومرئيين".

جرائم حرب

وعلى الصعيد الدولي، لفت البرنامج إلى أن هناك مطالبات بالتحرك الدولي، متمثلة في الدعاوى التي تقدمت بها منظمة "مراسلون بلا حدود" أمام محكمة الجنايات الدولية، متهمة جيش الاحتلال بتعمد استهداف الصحفيين، مؤكدة أن الاستهداف المنهجي للصحفيين يرقى إلى جرائم حرب تستدعي المحاسبة الدولية.

وأكد قريقع أن استهداف الصحفيين يأتي ضمن محاولة إسرائيلية منهجية لمنع خروج الصورة الحقيقية من القطاع، وقال "نحن في معركة حقيقية على الرواية، فالاحتلال يحاول طمس الحقيقة، لكننا مستمرون في التوثيق رغم كل شيء".

ويصف الصحفيون ظروف عملهم بأنها الأصعب في تاريخ تغطية النزاعات، "فنحن نعمل تحت القصف المتواصل، وسط انعدام مقومات الحياة الأساسية من طعام وماء وكهرباء،" يقول قريقع، مضيفا أن الصحفيين يواجهون تحديات نفسية كبيرة جراء توثيق المجازر اليومية.

ورغم المآسي، يؤكد قريقع أنهم يستمدون قوتهم من الناس أنفسهم، ويقول "الناس يطلبون منا التوثيق، يدفعوننا للاستمرار، حتى الضحايا وعائلاتهم يصرون على توثيق معاناتهم".

معركة الحقيقة

ويؤكد البرنامج أن استهداف الصحفيين لم يقتصر على غزة وحدها، بل تشير التقارير إلى أن إسرائيل قتلت 46 صحفيا بين عامي 2000 و2020، مع 652 حالة استهداف مختلفة، كان أبرزها اغتيال مراسلة الجزيرة شيرين أبو عاقلة في مايو/أيار 2022.

ومن جانبه، خاطب أبو عمر المجتمع الدولي للتحرك العاجل لحمايتهم، قائلا "نحن نؤدي واجبنا المهني في توثيق الحقيقة، ويجب أن تكون هناك حماية دولية للصحفيين".

رغم المخاطر، يؤكد الصحفيون الذين استضافهم البرنامج أنهم مستمرون في عملهم، وتقول بيسان عودة "غزة هي آخر اختبار للإنسانية، إذا سقطت غزة سقط العالم، وما تفعله غزة الآن هو إعطاء العالم كل يوم فرصة جديدة ليعيد النظر في قيمه وأخلاقياته".

وأكد الصحفيون أن معركتهم ليست مجرد نقل أخبار، بل هي معركة من أجل الحقيقة والعدالة، "نحن نوثق لأجيال المستقبل، لكي يعرف العالم ما حدث في غزة،" يقول محمد قريقع، مؤكدا أن الهدف النهائي هو المحاسبة والعدالة للضحايا.