
سودانيون يروون كيف دمر الفيضان منازلهم وهجّرهم من قراهم
فمنذ آلاف السنين يعيش السودانيون على ضفاف نهر النيل، وفي خريف كل عام تأتيهم الأمطار الموسمية فيستعينون بما هو متاح لهم للسيطرة عليها، لكن عام 2020 حمل لهم أمطارا لم يروا لها مثيلا منذ 100 عام حسب قولهم، ونتج عن هذه الأمطار امتلاء روافد النهر وأوديته حتى ارتفع منسوبه إلى أكثر من 17 مترا.
وتسبب ارتفاع المياه الكبير إلى فيضان عارم ابتلع الأراضي وهدم البيوت وأغرق المزارع، مما اضطر الآلاف للنزوح والبحث عن مأوى يحميهم من الفيضانات، ووقع العبء الأكبر على المواطنين بعد إعلان الحكومة السودانية عن تعرض البلاد لكارثة بيئية أكبر من قدرة أي حكومة على مواجهتها.
وقد تسببت الفيضانات بمقتل نحو 100 شخص وإصابة المئات، وعمليات إجلاء كبيرة للسكان، وبحسب الإحصاءات فقد أثر الفيضان على أكثر من 557 ألف شخص، في 16 ولاية من أصل 18 في جميع أنحاء البلاد، كما تعرض أكثر من 111 ألف منزل لدمار كلي أو جزئي، وغرق 1700 هكتار من الأراضي الزراعية.
كما دمرت السيول 179 مرفقا عاما، و359 متجرا ومستودعا، ونفوق 5500 رأس ماشية، وكان مجلس الدفاع والأمن السوداني قد أعلن في 5 سبتمبر/أيلول 2020 حالة الطوارئ في البلاد لمدة 3 أشهر للسيطرة على آثار الفيضان، وقد قدم الشباب المتطوعون جهودا كبيرة في مواجهة الكارثة، وقد أرسلت العديد من الدول مساعدات عاجلة لتخفيف آثار الفيضان.
وتحدث التقني الزراعي صلاح الدين الخليفة عن الأساليب التي يتبعها الناس في حماية منازلهم أثناء موسم الأمطار، حيث يقوموا بوضع المتاريس حول القرية من أجل منع دخول المياه إليها، ولكن بعد فيضانات هذا العام تم إنقاذ الأهالي عبر المراكب الشخصية.
وأضاف أنه خسر منزله بالإضافة إلى محل لبيع أسطوانات الغاز الذي أكد أن المياه ما زالت تغمره حتى الآن، بالإضافة إلى خسارته للأراضي الزراعية المليئة بالموالح والحمضيات، وعبر عن دهشته من الفيضانات التي لم يكن يتوقع أن تصل إلى هذا المنسوب، خصوصا أنه لم يحدثهم أحد عن شيء مماثل له سابقا.
وأوضح المهندس الكيميائي طارق صلاح الدين في تصريحاته "للقصة بقية" ما يقوم به الشباب من رفع للمتاريس بداية فصل الخريف من كل عام، لمنع المياه المتدفقة أثناء المطر من التأثير على الأراضي الزراعية والبيوت، وأكد أن المتاريس هذا العام صمدت لمدة أسبوع بعد غرق كل البيوت المحيطة بهم، قبل أنه تنهار بسبب ارتفاع مياه الأمطار فوق المستوى المعتاد.
أما المحاسب مصطفى إدريس الذي كان يرابط مع رجال قريته في الناحية الغربية المطلة على نهر النيل لمراقبة ارتفاع منسوب مياه النهار ورفع المتاريس من أجل صد المياه، تحدث "للقصة بقية" عن العاصفة التي ضربت قريته يوم 3 سبتمبر/أيلول الماضي وتسببت برفع منسوب المياه مما أدى إلى انهيار المتاريس من الناحية الشمالية، وكانت نصف ساعة كفيلة بإغراق القرية بالكامل.
وأضاف أن المراكب التي زود بها الدفاع المدني المواطنين كانت متهالكة ولا تحمل أكثر من 15 شخصا، بالإضافة إلى تسرب المياه من خلالها، وتم إنقاذ الأهالي وما بقي لهم من منازلهم بجهود شعبية وفردية عبر المراكب الخاصة.