الشريعة والحياة

الدين والسياسة

تستضيف الحلقة الداعية الإسلامي عوض القرني، ليجيب على التساؤلات التالية: كيف يفهم الإسلاميون وظيفة الدولة؟

– الدولة المدنية في ضوء التصور الإسلامي
– القيم الدينية الحاكمة للسياسة
– الإسلاميون ووظيفة الدولة
– قضية فصل الدين عن السياسة
– الدولة وجدلية الحكم

 

‪عثمان عثمان‬  عثمان عثمان
‪عثمان عثمان‬  عثمان عثمان
‪عوض القرني‬ عوض القرني
‪عوض القرني‬ عوض القرني

عثمان عثمان: السلام عليكم مشاهدينا الكرام وأهلاً ومرحباً بكم على الهواء مباشرة في هذه الحلقة الجديدة من برنامج الشريعة والحياة، ارتبط الطرح السياسي للإسلام بمرحلة ما بعد سقوط الخلافة متمثلاً في التركيز على السياسة كمدخل للإصلاح أو نظرية التغيير الاجتماعي بدءاً من الدولة ومن خلال امتلاك السلطة والسيطرة على النظام السياسي الذي تراه مفتاح التغيير في المجتمع، ويمثّل صعود الإسلاميين أحد ثمار تلك الفكرة الجامعة بين الدين والسياسة، فكيف يفهم الإسلاميون وظيفة الدولة؟ وهل كان هناك دولة إسلامية في عهد النبوة يمكن القياس عليها؟ وما دور الدين في الشأن العام وهل للفقهاء سلطة فيه؟ الدين والسياسة موضوع حلقة اليوم من برنامج الشريعة والحياة مع فضيلة الداعية الدكتور عوض القرني مرحباً بكم فضيلة الدكتور.

عوض القرني: مرحباً بك وأهلاً وسهلاً بمشاهديك بكل مكان وبرنامجكم الرائع والمتميز الذي امتطى صهوته الكثير من الأعلام.

الدولة المدنية في ضوء التصور الإسلامي

عثمان عثمان: بارك الله فيك، البعض يرى أن شأن الدولة والخلافة من أمور الدنيا وأن الإسلام لم يقدّم تصورات واضحة لهما إنما أوكل أمرهما إلى الناس، كيف تنظرون إلى مثل هذه الرؤية بداية؟

عوض القرني: بادئ ذي بدء نحن حتى نفهم الإسلام لا بد أن نعود إلى مصادره الأصيلة ونستقري من خلال هذه المصادر موقف الإسلام من أي قضية من القضايا، ومصادره الأصيلة هي الكتاب والسنة وسيرة المصطفى صلوات الله وسلامه عليه، السيرة العملية للنبي صلوات الله وسلامه عليه، ويعني ما ذكرته أنت الآن في طرحك للسؤال يمكننا أن نجمع بين الأمرين فنقول أن الإسلام كدين معنيّ بالشأن السياسي بصورة واسعة جداً وأنه في الوقت نفسه وكّل هذا الشأن إلى الناس إلى المسلمين لكن من خلال ضوابط وضعها وأحكام وقيم وحدود وضوابط وهم المعنيون بذلك، بمعنى أنه ليس أي شأن ديني لدينا ليس شأناً كهنوتي وديننا دين شامل لقضايا الحياة كلها {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام:162] بل الأمر لدينا في الإسلام أعمق من ذلك، فالإسلام يعلّمنا والإسلام هو خاتم الرسالات السماوية والنبي صلوات الله وسلامه عليه هو المتمم لرسالات الأنبياء والمكمل لها ورسالته هي الرسالة الخاتمة والخالدة، الإسلام يعلّمنا في كتابه الخالد أن دعوات الأنبياء السابقين كانت معنية بقضية السياسة ولذلك بقوله سبحانه وتعالى وهو يخاطب النبي صلى الله عليه وسلم {وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِندَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ} [المائدة:43] إذن كان موسى معنيّ بالشأن السياسي ويقول أيضاً عن عيسى صلوات الله وسلامه على نبيينا وعليه وعلى سائر الأنبياء والمرسلين {وَآتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ} [المائدة:46] فعيسى وإن جاء بالإنجيل كتعليمات أخلاقية وتوجيهات سلوكية ومواعظ قلبية لكنه أكّد في الإنجيل والقرآن صدّق هذا الذي يقال أن التوراة أنه متمم لما في التوراة ومصدّق لما فيها.

عثمان عثمان: لكن هناك مفهوم سائد فضيلة الدكتور عند شريحة كبيرة في المجتمع الإسلامي أن الإسلام دين ودولة وأن الأديان السابقة هي كانت فقط عبادات وأخلاقيات وسلوكيات لا علاقة لها بالسياسة أو بشؤون الحياة الحكم شو الحكم؟

عوض القرني: هذا الفهم هو نتيجة للواقع القائم لأن الديانات السابقة طالها التحريف والتغيير والتبديل فأصبحت تشكّل بسبب هذا التحريف والتغيير والتبديل لا بسبب أنها أديان منزلة من الله أصبحت تشكّل عبئاً على الناس وكهنوت وأصبحت تشكّل إصراً وأغلالاً فلما أراد الناس أن يتحرروا من هذا الإصر والأغلال والكهنوت نبذوها في داخل المعابد وخرجوا إلى الحياة برؤاهم يعني الذاتية والشخصية وافترضوا بعد ذلك أن كل دين يجب أن يكون بعيد عن شأن الحياة وليس عن الشأن السياسي فقط ففصلوا بين الدين، هذا الواقع هذا الواقع يعني تحريف الأديان ثم ما شكّله هذا التحريف من إصر وأغلال وتسلط ثم الثورة على هذا الإصر والأغلال والتسلط ثم ما نتج عن ذلك من قيام دول لا دينية على الإطلاق هو الذي أوجد هذا الفهم عند الناس، لكننا نقل نحن أن الدين كله واحد في الأصل وأن الإسلام جاء مصححاً لما وقع من تحريف في الأديان السابقة ومحتوياً ومشتملاً على أسباب الخلود باعتبارها رسالة خالدة، ونحن عندما نتحدث عن الدين فدعنا كمسلمين نتحدث عن الإسلام وعلاقته بالسياسة ولسنا بأوصياء على الآخرين نتحدث عن تاريخ أديانهم وعما كان لديهم لكن على الأقل في هذا الإطار الذي يهم أمتنا بالدرجة الأولى.

عثمان عثمان: دكتور عندما نتحدّث عن الدولة الإسلامية أو الحكم الإسلامي أو الخلافة الإسلامية، هل هناك نموذج في عهد النبوة لمثل هذه الدولة يمكن القياس عليه والسير على منواله؟

عوض القرني: دعنا نتأمل قليلاً فيما هو المكوّن لرسالات النبوة يعني ما هي المهام التي جاءت النبوة لإنجازها في الحياة ثم نرى بعد ذلك هل كان يقتضي ذلك ضرورةً وجود دولة وسياسية وحكم أو لأ يعني نبينا صلوات الله وسلامه عليه وسائر الأنبياء جاؤوا أولاً لإقرار التوحيد الذي هو أصل الديانات السماوية كافة والذي يقوم عليه بنيان الدين دين الإسلام، التوحيد بما يعني معه من أركان الإيمان المختلفة والآيات في ذلك كثيرة يعني مثلاً إخلاص العبادة لله سبحانه وتعالى وكيف يعبدوا الله سبحانه وتعالى وإفراده بالعبادة هذه من قطعيات الدين لدينا ولا شك في ذلك، مثلاً بقوله سبحانه طبعاً نحن عندما نتحدث في هذا لنرى وظيفة الدولة بعد ذلك في مثل قوله سبحانه وتعالى.

عثمان عثمان: كيف تحفظ هذه العقيدة الصالحة..

عوض القرني: نعم، نعم {إِذْ جَاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ اللَّهَ} [فصلت:14] إذن هي مهمة الرسل جميعاً، {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء:25] الأمر الآخر الذي جاء وطبعاً الآيات في هذا كثيرة جداً، الأمر الآخر الذي جاءت الأديان السماوية وخاتمها رسالة النبي صلوات الله عليه وسلامه لإقراره هو بيان تفاصيل كيف نعبد الله سبحانه تعالى وذلك من خلال ثلاثة جوانب: الجانب الأول الشعائر العبادية الصلاة والصيام والحج وأمثالها، الأمر الآخر هو كيف نقيم العدل في الأرض؟ كيف نطبّق شرع الله؟ كيف نجعل مجتمعاَ قائماً على أسس شريعة الله سبحانه وتعالى من أجل حفظ حقوق الإنسان ومن أجل إقامة العدل ومن أجل منع التظالم والاستبداد والاعتداء على الحقوق هذا أمر آخر، لذلك كمثال للنبي صلى الله عليه وسلم يؤكد أن إحدى أسباب اجتثاث الأمم وسقوط الدول انعدام العدل طبعاً الآيات الكثيرة عندنا في هذا مثلاً في قوله سبحانه وتعالى {وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة:5] يعني انظر إلى الآية العظيمة تأمر بالعدل مع أعدائنا فما بالك فيما بيننا نحن وفي مكونات أمتنا عند احتدام العداء واشتعال الحروب، نحن مأمورون بالعدل، ويقول الله سبحانه وتعالى آمر النبي صلوات الله وسلامه عليه ليخبر الناس {وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ} [الشورى:15] ويقول الله سبحانه وتعالى {وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ}[ النساء:58] {وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى} [المائدة:153] حتى بمجرد القول والألفاظ.

عثمان عثمان: ما المبدأ الثالث أو…؟

عوض القرني: الأمر الثاني هو إقامة نظام أخلاقي في المجتمع يكوّن قيم ويشكّل أهداف تربوية للمجتمع تتضافر عليها جميع وسائل المجتمع التعليمية والأسرية والإعلامية والروابط الاجتماعية فيكون أمامنا التوحيد والإيمان وأمامنا شريعة الرحمن القائمة على العدل والخلق القويم.

عثمان عثمان: منظومة قيم الأخلاق والسلوكيات.

عوض القرني: نعم الأخلاق والسلوكيات.

عثمان عثمان: هذه مبادئ عامة دكتور ولكن تطبيقياً نتحدث عن مبادئ عامة ربما تضبط مسار الدولة مسار الحكم، لكن ماذا عن التفصيل؟ هل هو يقتدي بالنبي صلى الله عليه وسلم فيه أم أن لكل مجتمع أو أن لكل زمان رؤيته في تطبيق هذه المبادئ؟

عوض القرني: نحن لا نستطيع أن نجيب على هذا إلا إذا حاولنا أن نتأمل قليلاً في منظومة التشريع الإسلامي، هذه الشريعة الغرّاء جاءت لها مكونات متعددة يشكّلها إطار واحد أن مصدرها ربانّي أنه من الله سبحانه وتعالى وأنها شاملة شريعة شاملة {مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ} [الأنعام:38]، {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ} [المائدة:3]، الأمر الثالث أنها متكاملة بمعنى أن ليس بينها تناقض على الإطلاق متوازنة، الأمر الرابع أنها واقعية فكونها ربانية قد يتصور البعض أنها مثاليات لكن في الواقع أنها واقعية أنها تتعامل مع الإنسان سواء كان فرداً أو مجتمعاً من موقعه الذي هو منه أينما كان وأنك تتعامل معه أياً كان ثقافته حضارته قدرته إمكاناته على مستوى الدولة على مستوى الفرد على مستوى الرجل على مستوى المرأة على مستوى القاصر على مستوى الراشد على مستوى، فهي ديانة واقعية هذا الإطار العام الذي يشكل خصائص للشريعة الإسلامية في داخله خصائص وهذا مقتضى العدل وأيضاً مقتضى العلم {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك:14] أن لكل من المكونات التي تكون هذه الشريعة خصائص تميّز بينها وبين المكوّن الآخر فمثلاً الغيبيات أو ما يسميها البعض الإلهيات أو هي عندنا قضايا الإيمان أو قضايا العقيدة، هذه قضايا نهائية لا مجال للعقل فيها إلا بالفهم لأنها بالفعل غيب عنا وبالتالي أتت تفصيلية نهائية محدودة.

عثمان عثمان: ماذا عن التصرفات السياسية بالدولة؟

عوض القرني: سنأتي إليها ونشير لها بشكل سريع، قريب من الإيمانيات والغيبيات العبادات، ننتقل إلى المعاملات نجد أنه أتى فيها قواعد عامة لكن إعمال العقل فيها لأن معطياتها وأهدافها وغاياتها وعللها وحكمها مقدور ومتغيرة وفيها الأحوال الشخصية أكثر ثباتاً البيع والشراء والاقتصاد أقل، إذا أتينا إلى الجانب السياسي نجد أنه متغير لحظي ويومي فكان له أصول عامة وضوابط محددة وتركت التفصيلات للناس، ليس فيه نهائيات وقطعيات قضايا الغيبيات وليس فيه تفصيلات الشعائر والعبادات وكذلك ليس له ثبات الأحوال الشخصية من المواريث والطلاق بل حتى الجوانب الاقتصادية هي أكثر ثباتاً ولا تستقيم حياة الناس بغيرها ولذلك جاءت أحكامها أكثر تفصيلاً بينما في الجانب السياسي نجد يعني أن مثلاً شرعت الشورى وترك للناس كيفية يعني استثمار هذه الشورى وآلياتها شرع بل أوجب إقامة الإمامة والحكومة وتُرك للناس كيفية تحديدها حُدّد للناس أو أوجب على الناس تحقيق وحدة الأمة وترك لهم آليات تحديد هذه الوحدة.

عثمان عثمان: لماذا لم تكن هذه المسائل توقيفية كسائر المبادئ الأخرى كالعقيدة كالعبادات وغيرها؟

عوض القرني: نعم هو أخي الكريم الله سبحانه وتعالى أعلم بخلقه الذي خلق الخلق هو الذي نزّل الشرع الذي خلق الحياة هو الذي نزّل الشرع ويستحيل عقلاً يستحيل عقل ما دام الشرع من الله وهو الخالق للخلق يعني أن يشرّع بجانب من جوانب الحياة المختلفة ما لا يصلح له ولا يناسبه، فالغيبيات أصلاً لا نستطيع نتصور إلى حقائقها بعقولنا فكان لا بد أن تأتي نهائية وكذلك العبادات إلى حد كبير لا نستطيع أن نصل إليها بعقولنا وأيضاً هي ثابتة يعني مثلاً أن نؤمن باليوم الآخر أمر ثابت عبر العصور أن تكون الصلاة 4 ركعات أمر ثابت أن يكون الصيام برمضان أمر ثابت، لكن قضايا السياسة القائمة على أولاً السنن سنن لله سبحانه وتعالى التي يشترك الناس في فهمها وإدراكها، والقائمة على فقه ومعطيات المصالح والمفاسد التي هي متغيرات وأوزانها تتغير وإمكاناتها تتغير وحقائقها تتغير وكذلك أيضاً قائمة على الاستطاعة وعلى القدرة والاستطاعة قد تمتلك اليوم وتفقد غداً وقد تفقد اليوم وتتحقق غداً ولذلك جاء الإسلام واضعاً ضوابط عامة وأهداف عامة وغايات عامة وترك للناس حرية واسعة للتصرف في إطارها، وأنا يمكنني أن أضرب بعض الأمثلة السريعة جداً وأنت سألت عن السيرة النبوية هل أقام النبي صلى الله عليه وسلم نموذجا إسلاميا في هذا، فنعم المصطفى صلوات الله عليه مثلا فصل في الخصومات فهو ليس فقط نبيا مبلغا لرسالته هو حاكم عقد المعاهدات نظم المالية جبا الأموال وأعاد توزيعها أعلن الحروب عين الولاة والقادة، ومما يؤكد لك أن القضايا السياسية كانت حتى في زمنه عليه الصلاة والسلام قائمة على فقه المصالح والمفاسد والاستطاعة والقدرة باختلاف قضايا المعتقد التي هي نهائية، إعلان المعتقد وإعلان التوحيد وإعلان الغيبيات قضية عقائدية كيفية إقامتها في الأرض ونصرتها وتحقيقها قضية سياسية، ولذلك كان مثلا النبي عليه الصلاة والسلام في مكة يعلن التوحيد من أول يوم لكن كرهه بالكعبة 360 صنم عمليا لم يسقط منها صنما واحدا، بل أكثر من ذلك لما جاء عليه الصلاة والسلام في عمرة القضاء بعد الحديبية وأخلت له قريش مكة ثلاثة أيام وكان بينه وبينهم معاهدة يعني ألا يحدث حدثا في مكة ولا يهيج أحدا فدخلوا واعتمروا وسعوا وطافوا وقصروا وخرجوا والأصنام في أماكنها.

القيم الدينية الحاكمة للسياسة

عثمان عثمان: لكن دعنا دكتور الآن نتحدث عن القيم الدينية الحاكمة للسياسة، ما أبرز هذه القيم؟

عوض القرني: أبرز هذه القيم أولا هي العدل، والعدل لدينا قيمة مطلقة في الإسلام يعني ليست نسبية ولا ظرفية وليست عنصرية وليست متغيرة بتغير المصلحة الذاتية، العدل مطلق لدينا مع العدو والصديق ومع القريب والبعيد ومع المخالف، فالنظام السياسي ولذلك كان أحد أهداف الجهاد هو الدفاع عن المستضعفين من الرجال والنساء والولدان حتى لو لم يكونوا من المسلمين، يقول الإمام ابن حزم في كتاب المحلى يقول لو أسر الحربيون من أهل ذمتنا أحدا يعني من غير المسلمين من مواطن الدولة الإسلامية ولا يمكننا أن نستخلصهم إلا بحرب لوجب أن نعلن الحرب حتى لو أتت على المسلمين كافة من أجلهم.

عثمان عثمان: إذن القيمة الأولى هي العدل.

عوض القرني: العدل، القيمة الثانية هي الشورى بمعنى أن الحكومة هي نائبة عن الأمة وقائمة على شان عام مشترك للمجتمع كله وبالتالي لا يجوز لها أن تستبد بأمر للناس من دونهم، فلا بد من الشورى يعني الشورى في كيفية إيصال الحقوق إلى أهلها وفي كيفية الولايات وفي كيفية عقد المعاهدات وفي كيفية، طبعا ما كان من الله سبحانه وتعالى أمرا حتما لازما فالشورى هي لكيفية تنفيذها فقط نتشاور في أفضل الطرق لتنفيذها باعتبارنا مسلمين مثلا يقول سبحانه وتعالى {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}[النساء:65] النبي عليه الصلاة والسلام الله سبحانه وتعالى يأمره والوحي يتنزل عليه فيقول {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} [آل عمران:159] إذن إذا كان الذي يتنزل عليه الوحي أمر بالمشاورة وتنازل عن رأيه حين لا يكون وحيا للناس كما في يوم أحد، وكما في يوم بدر مع الحباب بن منذر على الآبار، وكما في مقامات كثيرة فمن الذي يمكن أن يأتي بعد النبي صلى الله عليه وسلم ويزعم أن له الحق في الاستبداد بأمر الأمة من دونها ولذلك أبو بكر الخليفة الأول يقول على المنبر في أول أيام من خلافته يقول (وليت عليكم ولست بخيركم فإن أصبتُ فأعينوني وإن أخطئت فقوموني).

عثمان عثمان: إذن الضابط الأول هو العدل والضابط الآخر هي الشورى.

عوض القرني: الضابط الثالث هو المرجعية الإسلامية بمعنى..

عثمان عثمان: مرجعية الكتاب والسنة..

عوض القرني: مرجعية الكتاب والسنة تكون هي الإطار العام الذي يشكل مرجعية وينص على ذلك، لا يمكن أن توصف الدولة بأنها دولة إسلامية ما لم تنص على مرجعيتها وهي الإسلام.

عثمان عثمان: لكن البعض هنا يطرح إشكالا أو تساؤلا إذا كنا نتحدث عن مرجعية الكتاب والسنة قد يكون في هذه الدولة التي تتبنى منهجا إسلاميا أو يسعى أبناؤها لقيام دولة إسلامية يكون في هذا المجتمع غير المسلمين علمانيون يساريون ملحدون وغير ذلك، كيف يستقيم هذا التنوع بين أطياف المجتمع وبين أن تكون المرجعية هي للكتاب والسنة؟

عوض القرني: الناس فيما يعتقدون أنفسهم في ذوات أنفسهم وفي دوائرهم الذاتية الخاصة لا نستطيع أن نكرههم على شيء خلاف ما يعتقدون، والإسلام احترم أهل الذمة وجعلهم مواطنين وأعطاهم كل حقوق المواطنة بل في بعض الحقوق المدنية أعطى المواطنين من غير المسلمين ما لم يعط المسلمين، وإذا اتسع الوقت سأذكرها بعض الحقوق المدنية أعطى الإسلام لغير المسلمين من مواطني الدولة الإسلامية ما لم يعطيه للمسلمين، لكن عندما يكون أكثرية الأمة أو أكثرية الدولة من المسلمين أيضا ليس من العدل على الإطلاق الذي اتفقت عليه جميع الأديان والثقافات أن الأقلية تبتز الأكثرية حقها فتمنعها من اختيار خياراتها، نعم لا يجوز الأكثرية أن تظلم الأقلية والظلم محرم لدينا أي كان لكن عندما بالعالم  في بعض البلدان يفوز حزب اشتراكي يسقط حزب يميني بنصف واحد من المئة نصف واحد من المئة عندما يصوتون، وربما كان المصوتين فقط عشرة بالمئة من الشعب وربما كان من له حق التصويت أصلا أربعين في المئة أو ثلاثين في المئة فسيظهر الذين صوتوا في النهاية اثنين في المئة ثلاثة في المئة، ثم فاز هذا الحزب وانتقل من أقصى الليبرالية إلى أقصى الاشتراكية أو غيرها أو المذاهب الاجتماعية الأخرى بنصف واحد بالمئة من هذه النسبة قليلة جدا في الأصل ومع هذا لا يستنكر العالم عليها مثلا في بريطانيا حزب العمال كان إذا فاز أممّ المؤسسات العامة وفعلها وإذا فاز المحافظون عمل عكس ذلك.

عثمان عثمان: إذن الفيصل في هذا الموضوع هو الانتقادات لاختيار الناس..

عوض القرني: اختيار الأمة نحن يعني لا نقول أن الإسلام يُفرض على الناس بالإكراه لكن إذا اختارت أكثرية الأمة هذا الدين لأن حتى المشروع الإسلامي يحتاج إلى من يقف وراءه، الإسلام لا يمكن أن يقوم على أكتاف غير المؤمنين به ولذلك ما لم يوجد مجتمع مؤمن به وأمة مؤمنة به لا يمكن أن يقم لأنه أصلا هي قضية ديانة قبل أن يكون قانون وقبل أن يكون تشريع وقبل أن يكون برنامج سياسي وقبل أن يكون نظام هو قضية دين وهذه إحدى ميزات الدين لدينا.

عثمان عثمان: دكتور الآن مع الربيع العربي ووصول إسلاميين إلى الحكم في أكثر من بلد عربي كيف ينظر هؤلاء الإسلاميون إلى وظيفة الدولة، هل هي وظيفة دينية أم وظيفة تدبيرية؟ أسمع الإجابة منك ولكن بعد أن نذهب إلى فاصل قصير، فابقوا معنا مشاهدينا الكرام نعود إليكم بعد الفاصل.

[فاصل إعلاني]

الإسلاميون ووظيفة الدولة

عثمان عثمان: أهلا وسهلا بكم مشاهدينا الكرام من جديد إلى حلقة هذا الأسبوع من برنامج الشريعة والحياة والتي هي بعنوان: "الدين والسياسة" مع فضيلة الدكتور عوض القرني الداعية الإسلامي دكتور ما هي؟

عوض القرني: هل هي قضية دينية أم تدبيرية؟

عثمان عثمان: ما هي رؤية الإسلاميين لوظيفة الدولة دينية أم تدبيرية أم غير ذلك؟

عوض القرني: ولما نفترض أن القضية التدبيرية لا تدخل تحت اللافتة الدينية يعني يمكن أن يفهم هذا السؤال وأنا أعلم أنه نتيجة لما في الساحة تريد أن تسمع ويسمع الناس أن الدين كما قلت قبل قليل المفهوم المستورد إلى أمتنا الطارئ عليها أن الدين قضية شعائرية بحتة وبالتالي فنجعل الدين في مقابل الدنيا ونجعله في مقابل السياسة ونجعله في مقابل التدبير، ولذلك حتى مصطلح الإسلام السياسي هو مصطلح مرفوض لدينا يعني كان عندنا إسلامات متعددة نحن لدينا إسلام واحد الدين كله لله بكل مكوناته، فنحن القضية التدبيرية لدينا هي من أعظم أبواب العبادات، القضية التدبيرية لدينا والعبادات لدينا قضايا إما عبادات متعدية يعني آثارها إلى الآخرين وإما آثارها قاصرة والعبادات المتعدية في الجملة أجورها أعظم من العبادات القاصرة، خذ مثلا عندما نتحدث عن تسيير الدولة إن كانت الدولة الإسلامية إقامة الدين بعباداته وتشريعاته وفق رغبات الناس الذين لا يصح تدينهم وعباداتهم إلى الله إلا إذا قام دينهم، إذا كانت إقامة العدل بين الخلق ومنع التظالم ودفع الاستبداد والعدالة في توزيع الثروات إذا كانت في إقامة الشعائر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لمنع الفساد، الفساد المالي الفساد الإداري الفساد الأخلاقي، الفساد أي كانت صور هذا الفساد إذ أكانت تستدعي أو تتوخى تنظيم العلاقات بين مكونات الأمة، إذا كانت تقوم بتنظيم العلاقات بين الأمة وغيرها من الأمم أيا كانت هذه إذا كانت تحافظ على وحدة الأمة هويتها مقدراتها تدافع عن أوطانها عن حقوقها تحرر أرضها إذا كانت تسعى لإقامة الحضارة وتحقيق النهضة وإسعاد الناس وحماية حقوقهم، هذه كلها عندنا عبادات وبالتالي فنحن نقول هي قضية تدبيرية بلا شك تحتاج إلى المتخصصين الذين يستبطنون قيم الدين ويلتزمون بحدوده وإذا تحقق هذا فهي في عرف ديننا وفهمه وشريعتنا هي عبادة من أعظم العبادات.

عثمان عثمان: أين أصحاب الكفاءات مما ذكرت؟

عوض القرني: طبعا الواجب لدينا في الإسلام عموما وليس فقط في الجانب السياسي ألا يسند الأمر إلى غير أهله لذلك النبي عليه الصلاة والسلام قال: (من ولى على طائفة من المسلمين أحدا أو امرئ وفيهم من هو أرضى لله منه لم يجد رائحة الجنة).

عثمان عثمان: أرض بأي معنى؟

عوض القرني: بمعنى الكفاءة والأمانة ولذلك القوي الأمين، لا يجوز أن يقدم لأنه ذا قربى أو لأنه أكثر ديانة مع أنه أقل كفاءة بل لابد من اجتماع الأمرين، كما أنه لا يجوز يعني استعمال أو تكليف الخائن حتى لو كان قويا، الخائن القوي يصبح ظالما مستبدا جبارا، والضعيف الأمين يعني يصبح ألعوبة في أيدي الناس وتضيع حقوق الناس فنحن نحتاج ولذلك هناك شبهة عند كثير من الناس هل مرادنا عندما نقول أن السياسة من صلب الدين أن العلماء والمفتين ينبغي أن يتولى الشأن السياسي، نحن نقول ليس لدينا كهنوت يعني لا يجوز لكن فقط يجب أن السياسي أن الحاكم أن الدولة أن النظام أن الدستور أن تكون مرجعيته الإسلام وأن يؤمن من ينفذه في الجملة بهذه المرجعية، وأن ما يحتاج إلى استفتاء أهل العلم والذكر يرجع فيهم إليه باعتبارهم متخصصين فإن كانوا من أهل الكفاءة سياسيا أو اقتصاديا أو اجتماعيا فهم مثل غيرهم في ذلك وأن لم يكونوا من أهل الكفاءة فليس لهم أولوية أن يتولوا هذا الشأن أي كان هذا الشأن.

عثمان عثمان: ما دور الدين في الشأن العام؟ وما وظيفة الفقهاء هل لهم دور فاعل في إدارة هذا الشأن؟

عوض القرني: أما الدين في الشأن العام في الإسلام فهو يدخل في أدق تفاصيل الحياة يعني ابتداء من كيف ينام الإنسان على فراشه وماذا يقول إذا نام؟ وكيف يتعامل مع زوجته؟ بل ماذا يفعل إذا دخل الخلاء وخرج وانتهاء بالعلاقات الدولية بين الدولة الإسلامية ودول العالم المختلفة من الصديقة ومن المحاربة ومن المعاهدة، إذن الإسلام لدينا نحن هو ينتظم الحياة كلها يعني لا يغيب عنا لا يغيب عنا في لحظة من اللحظات حاضر معنا يشكل ضوابط يشكل نظام يشكل برنامج يشكل هذا الأهم بالنسبة المسلم الرقابة الذاتية من داخله، ولذلك المسلم قبل أن يحتاج إلى أجهزة الرقابة  وأن يحتاج إلى المحاسبة الحساب له من داخل نفسه ومن ضميره، دور الفقهاء أو العلماء عموما لا نقول الفقهاء الآن قد يكون مصطلحا خاصا في عصر علماء الشرعيين علماء الشريعة عموما دورهم هو بيان الله سبحانه وتعالى لكن ليس لهم أي تسلط على الحياة مثلا عندما يريد الطبيب أن يمارس مهنته كطبيب قد تكون هناك مستجدات طبية ظهرت مثلا عندما ظهرت قضية الاستنساخ أو قبلها طفل أنابيب من آخر القضايا مثلا فيعود لأهل الدين لعلماء الدين للتشاور معهم في حكمها بالشريعة، طبعا علماء الدين لن يفتوا حتى يتحدث المتخصصون بالتفصيل ويقدمون الأبحاث ويسألوا سؤال واسع، لكن ليس من صلاحيات رجل الدين أن يأتي هو ليمارس هذه القضية ويتسلط عليها.

عثمان عثمان: لو سمحتم دكتور إننا نقرأ في الكتب السياسة الشرعية أن الإمامة موضوع يقوم مقام النبوة في حراسة الدين وسياسة الدنيا وتسمية خليفة جاءت من كونه يخلف النبي عليه الصلاة والسلام في أمته، ألا يوحي هذا بأن يكون الحاكم ربما عالما أو فقيها وهل يوحي بشكل أو بآخر بأنه يجب أن يكون معصوم كما كان النبي عليه الصلاة والسلام أم لا؟

عوض القرني: طبعا قضية العصمة جمهور طائف الأمة على عدم اشتراطها وعدم تحققها أصلا، والقول بالعصمة يعني من قالوا بها أدى إلى تعطيلهم لأكثر من 1000عام ثم بحثوا عن مخارج فقالوا في ولاية الفقيه أنه ستأتي القيامة والمعصوم لم يخرج، فقالوا في ولاية الفقيه وعادوا يقتربون من الآخرين في هذه القضية.

عثمان عثمان: عندما نتحدث عن خلافة النبي علية الصلاة والسلام ألا ينبغي ذلك أن يكون هذا الخليفة عالما من علماء الدين وفقهيا؟

عوض القرني: نعم، نعم لابد من حد أدنى للعلم بالدين ولكن لا يشترط أن يكون أعلم الأمة ولا يشترط أن يكون مفتيا هذا ليس بشرط لكن المصطفى صلوات الله وسلامه عليه ولى من الصحابة من هو أقل علما لأنه كان أجدر بالولاية مثلا أبو ذر رضي الله عن كان عالما من أصحاب السوابق من السابقين كان تقيا ورعا مع هذا النبي صلى الله عليه وسلم نهاه عن الولاية وقال: (إنك امرؤ فيك ضعف) بينما رأينا خالد بن الوليد وغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم الذين أسلموا متأخرا يوليهم الولايات مطلقا لأنهم يمتلكون الكفاءة يمكن أن يكن لهم الأهلية يمكن أن يكن لهم القدرة مع إيمانهم في الإسلام وتفقههم بالإسلام ومع الضوابط التي أشرنا إليها العدل والمشاورة لأهل العلم وأهل الحل والعقد وأهل الذكر وأهل يعني في الجملة يعني يكون هذا، وبالتالي فالأنبياء عليهم الصلاة والسلام كان لهم مقامات كان لهم مقام النبوة وهو مقام العصمة مثلا في مقام القضاء والحكم يقول عليه الصلاة والسلام (إِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَلْحَنُ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ فأحكُمُ علىْ نْحِو ما أسْمعْ) وعندما يكون في مقام القضاء لا يحكم  بروحه صلوات الله عليه إلا إذا كان في ذلك إقامة حجة من حجج النبوة ومعجزاتها وبراهينها، لكن يحكم عليه الصلاة والسلام في مقام القضاء وفق المعطيات الظاهرة البينات والدعم ولذلك قال: (فيكون بعضكم ألحنُ بحجته من بعض فأحكم على نحو ما أسمع فمن حكمت له بشيء من حق أخيه فإنما حكمت له بقطعة من النار) بمعنى أنه قضاء قد يحكم بما هو نفس الأمر خلاف الحقيقة بناء على المعطيات الظاهرة وهذا لا يجعل ذلك الحكم حلال لمن حكم به، الخلافة هي تقوم بمثل هذا المقام هو سمي خليفة لأنه يقوم بمثل هذا المقام بمعنى حكم المسلمين بدين الله سبحانه وتعالى، إذا قال الله عن النبي عليه الصلاة والسلام لا يعلم الغيب إلا بما أظهره الله عليه، فما بالك بغيره انقطع الوحي انتهى اكتملت الرسالة، وبالتالي لا عصمة لغير النبي صلوات الله وسلام الله عليه وإنما هي مقاربات واجتهادات وكلما كانت الشورى قاعدتها أوسع كلما كان الصواب أكثر وكلما كان البعد عن الخطأ أجدر وأقرب بإذن الله سبحانه وتعالى.

قضية فصل الدين عن السياسة

عثمان عثمان: دكتور ما زال في أذهان الكثيرين من الناس وربما من المسلمين من يتحدث عن فصل الدين عن الدولة وفصل السياسة عن الدين البعض يقول أن دخول الإسلام في السياسة فيه نيل من قدسية الدين وطهره وما يتطلبه ذلك من تكتل ومنافسة وندية للآخرين فيصبح الإسلام أحد الأصوات المطروحة سواء في الأحزاب أو المجالس النيابية وغيرها بينما الإسلام فوق ذلك، كيف يمكن الرد على مثل هذا الكلام؟

عوض القرني: هو في الحقيقة ليس تنزيها للإسلام ومنع له من التدنيس بل هو سجن للإسلام وحبس له في المساجد كما حبست الأديان السابقة في الكنائس هذه الحقيقة، وهذا المفهوم مفهوم مستورد مع الأسف الشديد عندما أمتنا سقطت حضاريا وتمزقت سياسيا وهيمن عليها الآخرون ابتداءً بجيوشهم وبوارجهم ودباباتهم ومدافعهم وحروبهم ثم بعد ذلك بمناهجهم وهيمنتهم وخلفائهم فاستوردت كثيرا من المفاهيم، من هذه المفاهيم أن الدين عند الآخرين هو قضية كهنوتية شعائرية بحتة ولذلك الشعار معروف دع ما لله لله وما لقيصر لقيصر، فافترض أن كل دين ينبغي أن يكون بهذا الحال بينما نحن إلى قبل 100 عام قضيتان لم تكن محل تساؤل عند المسلمين على الإطلاق قضية تطبيق شريعة الله ووحدة الأمة الإسلامية، كانت لها وحدة جامعة لها دولة حتى أسميا واحدة لها كلمة واحدة وتطبيق الشريعة، فلما تمزقت الأمة أصبحت أمما وحلت مع الأسف الشديد ما أسميها أحيانا بدول الطوائف وأصبحت حروبها كلها فيما بينها وكذلك نحيت مفاهيم الإسلام عن الحكم والسياسة فأصبح مفهوم الدين للحفاظ عليه هو مع أن طبيعة الإسلام غير هذا تماما لا يمكن أن تنطبق هذا على الإسلام ولذلك الذين ينادون بهذا إما يجهلون الإسلام أو هم أعداء للإسلام  الذين يجهلون الإسلام نحن نعذرهم لأنهم تربوا على أحضان الثقافات الأخرى والفكر آخر وعولموها وافترضوا أن  كل دين هو وفق مفاهيم الدين في تلك الثقافة وذلك الفكر، الذين يعادون الإسلام القضية واضحة هم يعني لا يريدون أن يكون له أي دور في الحياة على الإطلاق نحن نقول أن دعاة الإسلام عليهم واجب أن يوعوا الأمة وأن يبينوا لها وأن يبينوا محاسن الإسلام للعالمين.

عثمان عثمان: لكن هل يمكن أن يكون الإسلام وسيلة للدعاية الانتخابية في الممارسة السياسية خاصة أن البعض وصل ربما إلى مرحلة تمثيل الإسلام أنّ المسلم وغير خارج هذه الدائرة وخارج هذا الإطار؟

عوض القرني: أنا لا أريد أن أدخل بهذه التفاصيل الصغيرة جدا التي قد تخص كل بلد أو كل مجموعة ولكني أقول الآتي: يجب أن نفرق بين من، أمامنا عدة مجموعات، بين من يحارب الإسلام ليقصِيه وبين من يستغل الإسلام ليأكل به، وبين من يحمل الإسلام ليمكّن له، إذن أمامنا 3 شرائح من يحارب الإسلام ليقصيه إمَّا وكالة عن الآخرين ونيابة لهم وإما وفقا قناعات له هو وهي طارئة على أمتنا وعلى ديننا وعلى حياتنا وهنا يجب أن نقول بوضوح أنك تعادي ديننا وإسلامنا لا يضيرنا هذا، أبو جهل ابن عم محمد صلى الله عليه وسلم وأبو لهب عمه ومع هذا القضية كانت واضحة تماما وإما من يستغل الإسلام وهؤلاء ينكشفون يعني وعندما يفترق الإسلام عن مصالحهم ينبذونه ويتخلون عنه وعندما يستطيعون أن يحققوا به مصالحهم سواء كانوا أنظمة أو حكام أو أحزاب أو أشخاص يركبون موجته، وبينما منهم من يحمل الإسلام ويضحي في سبيله من أجل التمكين لا من أجل يأكل به بل كواجب شرعي وواجب ديني ولقناعتهم أن مصلحة البشرية وأن مصلحة أمتهم وأن تحرير أوطانهم وأن وحدتهم وأن العدل الحقيقي ليقم إلاَّ من خلال نشر الإسلام وإقامته كما يريد الله سبحانه وتعالى.

عثمان عثمان: لندخل  قليلا في التفصيلات عندما نتحدث عن علاقة الدين بالإسلام أو عن العلاقة بين الدين والسياسة فيعني أن ممارسة السلطة ستضعنا أمام ثلاث مسائل: أولا مصدر تلك السلطة نتحدث عن المرجعية هنا، طبيعة تلك السلطة هل هي مدنية أم دينية؟ وظيفة السلطة هل هي ذات وظيفة عقدية كيف ترون الأمر هنا؟

عوض القرني: طيب ابتداء المرجعية، المرجعية في إقامة السلطة ومحاسبتها ومسؤوليتها هي الأمة والشعب وعمر رضي الله عنه خليفة الراشد بالإجماع وكان يحاسب على المنبر من المرأة ومن الصغير ومن الكبير، إذن مرجعيتها في إقامتها واختيارها ومحاسبتها هي الأمة والمعيارية التي على أساسها عندها سيكون الاختلاف وليس هناك مرجعية له، عندما يختلف الناس وليس لهم مرجع يفيئون إليه المرجعية التي يفيئون إليها الحاكم والمحكوم ومكونات الآمة وطبقاتها هي دين الله هذا في الأمة الإسلامية، في دين الله سبحانه وتعالى قطعيات غير قابلة للتنازع ولا للتنازل وفي دين الله ظنياتُ وخلافيات إذا ترجح عند فئة من الناس أو شعب من الشعوب اختيار أحد هذه الخلافيات أو أحد هذه الظنيات فيعمل به فلا ضير عليه في ذلك إذن هذا من حيث المرجعية فتبقى مرجعية الأمة في الجملة هي الإسلام وتبقى مرجعية الحكومة في إقامتها ونصبها ومحاسبتها هي الأمة هي هي الأمة..

عثمان عثمان: هي الشعب.

عوض القرني: الشعب هي الأمة وأنا أتحدث عن مصطلح الأمة لأنه مصطلح الشرعي، نحن الآن أصبحنا أمم شتى مع الأسف الشديد، الأمر الآخر..

عثمان عثمان: هو موضوع طبيعة السلطة مدنية أو دينية.

عوض القرني: هذا يا أخي الكريم أيضا النزاع بين الدينية والمدنية من النزاعات المستوردة إذا أردنا الدينية بمفهومها في الغرب وفي الثقافة الغربية فهي ليست موجودة لا في ديننا ولا في تاريخنا ولا في تراثنا بمعنى أنها مقدسة معصومة تعطي صكوك على الجنة تعلن الحرمان للناس من دخول الجنة تفرض عليهم دخول النار هذا غير موجودة لدينا، إذا أريد بالمدنية أنها الدولة العلمانية اللادينية التي لا تحتكم إلى دين هذا أيضا مرفوض في ديننا، لكني أقول لما لا يكون لنا مفهوم آخر إن قلنا الدينية فهي بالمعنى الذي أشرنا إليه في البداية بمعنى يعني أنّ الدين أصلاً من الله سبحانه وتعالى وهو معصوم في أصله بلغه الرسول صلى الله عليه وسلم، لكن تطبيق هذا الدين وإقامة هذا الدين هو جهد بشري يصيب ويخطي وتخالطه الأهواء وتخالطه الشهوات ويقوم بعضه بعض أو إذا قلنا مدنية بمعنى أنها ليست لها السلطة الكهنوتية التي تحدثنا عنها وبالتالي في إمكاننا أن نقول أنها دينية ويمكن أن نقول أنها مدنية لكن لا يجب أن نحرر المصطلح المصطلح، مصطلح الدينية والمدنية يختلف عما هو رائج الآن في الثقافة لدينا، الدولة الإسلامية هي ليست دينية بالمفهوم الكهنوتي المستورد وليست مدنية بالمفهوم العلماني المستورد هي شيء آخر.

عثمان عثمان: لماذا يهرب البعض بعض الإسلاميين من الحديث عن الدولة الإسلامية إلى منطق الدولة المدنية؟

عوض القرني: هو حقيقة بسبب الضخ الثقافي التغريبي الهائل الذي شوه كثيراً من المفاهيم ووطن كثيراً من المفاهيم الوافدة فيخشون من الالتباس فيتجهون إلى هذا ولا ضير في ذلك يعني إذا بُين المراد من المصطلح بأنّ المصطلح بالدولة المدنية هي ليست بالدولة العلمانية البحتة اللادينية التي ترفض المرجعية الشرعية الدينية تماماً هذا وضع هذا فلا ضير في ذلك.

الدولة وجدلية الحكم

عثمان عثمان: هل من وظيفة السلطة في الإسلام أن تكون ذات وظيفة عقدية؟ 

عوض القرني: إن كان المراد بها بهذا أنها تجبر الناس على اعتناق عقائد محددة معينة فهذا ليس موجودا في ديننا على الإطلاق يعني كان أهل الذمة ترك لهم من الحقوق اجتماعياً وعملياً أحياناً ما ليس  للمسلمين، إن كان المراد بها هي حماية عقائد الأمة ومنعها من التجديف ومنعها من الإساءة إلى مقدساتها فنعم هذه وظيفة أي دولة في العالم وظيفتها حماية يعني قيم مجتمعها ومصالحه، ومعظم مصالح المسلمين وقيمهم لديهم هي معتقداتهم وهي التي يقدمون في سبيلها أنفسهم وأموالهم فنعم الدولة التي لا تحميها بهذا الاعتبار هي لا تمثلهم على الإطلاق وبالتالي أيضاً هذا المصطلح أيضاً أو هذا الشعار يحتاج إلى شيء من التحريم إن كان يراد بها أيضاً أنّ القائمين على أمر الدولة يجب أن يكونوا عقائدياً ينسجمون مع الأمة ومع المجتمع ومع الشعب فهذا أمر عملي أصلاً لا يتصور أن يحمي عقائد أمة وشريعتها وأخلاقها وقيمها من لا يؤمن بما تؤمن به هذه الأمة فلا يتصور على الإطلاق يعني أنّ إنسان لا يؤمن بشيء ويعني سنكلفه بما لا يستطيع ونحمله ما لا يطيق إذا قلنا له دافع عما لا تؤمن به.

عثمان عثمان: نأخذ بعض الأسئلة سؤال من ناصر بلال يقول هل نستطيع تطبيق الشريعة في هذا العصر الحالي وكيف يتم ذلك؟

عوض القرني: نعم، نستطيع تطبيق الشريعة التي يعني في أذهان البعض من جانبين: الجانب الآخر أنه بعد كثير من المسلمين عن تطبيق الشريعة فأصبح تصور ذلك لديهم كأنه يعني من الأساطير، الأمر الآخر أنّ علماء المسلمين لم يطوروا من الآليات والوسائل والاجتهاد ما يكافئ مستجدات العصر وقضاياه ويطور كيفيات وآلية آلية تطبيق الشريعة من هذين الجانبين يعني حصل مثل هذا الإشكال لكن نقول نعم نستطيع أن نطبق الشريعة والشريعة الإسلامية جاءت في مجتمع ابتداءً أكثر مجتمعات الدنيا تخلفاً وفقراً وتشتتاً وعدم حضارة واستطاعت في بضعة عقود أن تجعله غرة جبين أمم الأرض تنظيماً وحضارة وأخلاقاً واستقامة.

عثمان عثمان: جمال طواب يقول من هم أهل الحل والعقد وممن يتكونون؟ وما هو دورهم في التعيين والتشريع والرقابة؟ وهل هذا الدور دور وصاية أم نصيحة؟

عوض القرني: أهل الحل والعقد هم يعني رؤوس الناس وذو شأن فيهم يعني من مختلف الطبقات ومن مختلف التخصصات ومن مختلف الأقاليم وحقيقة لم تأتِ في الإسلام صفة كما قلت الشأن السياسي عموماً في الإسلام فيه مرونة واسعة جداً لن يأتِ هناك تحديد دقيق جداً لمواصفات هؤلاء القوم وكذلك أيضاً لم تأت هناك كيفية محددة لا يمكن تجاوزها في آلية اختيار أهل الحل والعقد، ولذلك يمكن حقيقة أن تكون الانتخابات قضية مناسبة في العصر الحديث لاختيار أهل الحل والعقد إذا الأمة قبل ذلك وضعت شروط ومواصفات مرنة أيضاً وفي الجملة لمن ينبغي أن يدخل في منافسة الاختيار ليكن من أهل الحل والعقد.

عثمان عثمان:  فيما يخص الممارسة السياسية دكتور الإسلاميين، من الممكن أن تنشأ أحزاب إسلامية عديدة وهنا يطرح البعض تساؤلات عدة، كيف نبني مشروعاً إسلامياً شمولياً يجمع شؤون الدنيا والدين بأداة حزبية ولسان فرقي وإطار تعددي هل يمكن ذلك؟

عوض القرني: نعم.

عثمان عثمان: في أقل من دقيقة.

عوض القرني: ليس بالضرورة أن يكون يعني لسان فرقي نعم يعني أوجدت المذاهب الإسلامية عبر التاريخ وجد الاختلاف بين الصحابة عبر التاريخ إذا الخلاف لا يمكن رفعه لدينا قطعيات وكليات يجب أن نتفق عليها ولدينا ظنيات وفروع يجوز أن نختلف فيها ولا ضير في ذلك لكن بفقه الخلاف، كيف ندير الخلاف؟ لا نستطيع رفع الخلاف لكن يجب أن ندير الخلاف إدارة شرعية راشدة فيكون وسيلة إثراء ويطرح ذلك كله أمام الأمة وتختار الأمة ما تراه بعد ذلك.

عثمان عثمان: ما هي المشكلة في إدارة الخلافات البينية بين المسلمين؟

عوض القرني: هي هذه المشكلة يمكن أن تقع بين المسلمين وبين غير المسلمين نحن يجب يعني أن نبلغ من الرشد ما يجعلنا نختلف مع حفاظنا على الأخوة وعلى وحدة الأمة وعلى مصالحها الكبرى وعلى قطعيات دينها هذا واجب شرعي يعني ليست المشكلة في أن الخلاف واقع طبعاً البعض يقول ما دام في خلاف نحنو الإسلام كله لا ليس هذا الحل يعني مثلاً إذا جاءنا مجموعة مرضى يعني نقول اقتلوهم كلهم ليس صحيحا بل الواجب يعني أن نعالج هذه الأمراض وأن لا نيأس وأن لا نكل وأن لا نمل حتى نصل إلى الرشد الذي عشناه يوماً..

عثمان عثمان: أشكركم دكتور..

عوض القرني: كلمة أخيرة أنا أقول أن حقيقة يعني أبدي يعني تعاطفي الشديد وأسفي الشديد لتقصيري أنا وأمثالي مع إخواننا في سوريا الذين يسطرون الآن أروع البطولات للدفاع عن الأمة وعن قضاياها وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يكشف عنهم البأس.

عثمان عثمان: أشكركم فضيلة الدكتور عوض القرني الداعية الإسلامي المعروف كنتم معنا في هذه الحلقة، كما أشكركم مشاهدينا الكرام على حسن المتابعة لكم تحيات معد البرنامج معتز الخطيب والمخرج صائب غازي وفي المتابعة عبير العنيزي وفريق العمل، وهذا عثمان عثمان يترككم في أمان الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

المصدر : الجزيرة