الشريعة والحياة

مسلمو أوروبا.. بين المواطنة وهاجس الهوية

يستضيف البرنامج مدير المعهد الأوروبي للعلوم الإنسانية في باريس أحمد جاب الله، ليتحدث عن المواطنة وهاجس الهوية الإسلامية. ويجيب على التالي: ما مآلات تلك الأفكار لدى مسلمي أوروبا؟ وإلى أين انتهى بهم الحال أمام تحديات التوطين والتدين واختلاف الهوية والثقافة؟
‪عثمان عثمان‬ عثمان عثمان
‪عثمان عثمان‬ عثمان عثمان
‪أحمد جاب الله‬ أحمد جاب الله
‪أحمد جاب الله‬ أحمد جاب الله

عثمان عثمان: السلام عليكم مشاهدينا الكرام، وأهلاً ومرحباً بكم على الهواء مباشرةً من العاصمة الفرنسية باريس في حلقة جديدة من برنامج الشريعة والحياة، فلقد شكل الوجود الإسلامي المتنامي باستمرار في البلاد الأوروبية معضلة لعدد من الأطراف، فمن جهةٍ طرح العديد من الإشكالات لتلك البلدان نفسها مجتمعات وحكومات، ومن جهة أخرى طرح على المسلمين العديد من التحديات والإشكالات، والجهة الثالثة التي كان لها حضور في المسألة أيضاً هي الدول الأم لهؤلاء القادمين إلى أوروبا، وفي مواجهة تلك الإشكالية الكبيرة طرحت العديد من الأفكار خلال العقدين الأخيرين منها مسائل فقه الأقليات وسياسة الاندماج والمواطنة، والبعض طورها إلى القول مسلمون أوروبيون وخصوصاً مع الجيل الذي نشأ وتربى وتعلّم في أوروبا، فما مآلات تلك الأفكار؟ وإلى أين انتهى الحال بمسلمي أوروبا من جهاته الثلاث السابقة؟ هذا ما نعالجه في حلقة اليوم من برنامج الشريعة والحياة مع الدكتور أحمد جاب الله رئيس اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا ومدير المعهد الأوروبي للعلوم الإنسانية في باريس، مرحباً بكم دكتور.

أحمد جاب الله: أهلاً وسهلاً.

مشكلة الدول الغربية مع الإسلام

عثمان عثمان: بدايةً لماذا تحول الإسلام في السنوات الأخيرة إلى مشكلة كبيرة لبعض الحكومات الأوروبية؟

أحمد جاب الله: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، الإسلام في أوروبا طبعاً أصبح اليوم حديث الساعة، وليس قضية تهم المسلمين فقط بل إنما تهم كما ذكرتم فعلاً الحكومات الأوروبية المختلفة، وربما هذا الاهتمام المتزايد بالوجود الإسلامي أو الحضور الإسلامي، لعل كلمة الحضور تعبر أفضل على هذا الوجود الإسلامي المتنامي الواسع، أصبح يشكل هذه الأهمية لأن المسلمين الذين جاءوا في أغلبهم وهنا نتحدث عن المسلمين في أوروبا الغربية لأنه لا بد أن نفرق بين مسلم أوروبا الشرقية الذين هم من أهل البلاد الأصليين وبين مسلم أوروبا الغربية الذين هم في الأصل أكثرهم جاءوا كوافدين مهاجرين، ولكن هذا منذ سنوات بعيدة، اليوم أصبحنا في البلاد الأوروبية نرى الأجيال الجديدة من أبناء المسلمين كنا نتحدث عن الجيل الثاني والآن عندنا الجيل الثالث والرابع، فإذن هذا الاستقرار لهذا الوجود الإسلامي في الحقيقة لم يكن لا في حسبان المسلمين أنفسهم الذين هاجروا من بلادهم الأصلية أن يستقر بهم المقام ولا الدول المستضيفة التي استقبلتهم كانت أيضاً تنظر إلى هذا المآل.

عثمان عثمان: هناك مشكلة فعلية الآن، تلاحظ من خلال الإعلام من خلال وسائل الاتصال كلها، هناك مشكلة فعلية بين بعض الحكومات الأوروبية وليس كلها بطبيعة الحال وبين الإسلام نفسه كدين؟

أحمد جاب الله: طبعاً الدول الأوروبية بشكل عام تحكمها أنظمة علمانية مع اختلاف طبعاً النظام العلماني من دولة إلى أخرى، لكن بشكل عام هي تتفق أو تلتقي في أن الشأن الديني عموماً ينبغي أن يكون بعيداً عن شؤون المجتمع، يعني ما يسمى فصل الدين عن الدولة في الحقيقة هو ليس فقط فصل في المجال السياسي فحسب، بل العقلية الأوروبية عموماً يعني لا تقبل أن الدين يكون له حضور في المجتمع، والمسلمون باعتبار عدد من ممارساتهم الدينية ظاهرة لا يمكن أن يخفوها وبالأساس موضوع الحجاب يعني حجاب المرأة المسلمة لعله هو شكّل يعني هذا الظهور لممارسة دينية ظاهرة تتعلق بالمرأة في المجتمع، أحدث نوع من ردة الفعل لدى بعض الجهات..

عثمان عثمان: هذه الجهات يعني هل تقصد اليمين المتطرف الذي وصل إلى الحكومات في بعض البلدان الأوروبية؟

أحمد جاب الله: هو بالأساس مع الأسف اليمين المتطرف ولكن يعني شهدنا تحولاً يعني سلبياً مع الأسف قي السنوات الأخيرة أن هذا اليمين المتطرف حتى الأحزاب اليمينية المعتدلة أو العادية أو الوسطية بدأت أيضاً كأنها تزايد على هذا اليمين المتطرف من أجل كسب بعض الأصوات وأن تظهر نفسها وكأنها تريد حماية المجتمع مما يظن البعض يعني إرادة لأسلمة المجتمع أو والتأثير لتغيير طبيعة المجتمع.

تصحيح صورة الإسلام في الغرب

عثمان عثمان: هل لكم سياسة محددة للتعامل مع مثل هذه التصورات؟

أحمد جاب الله: والله السياسة التي نحن فيها كمسلمي أوروبا من خلال المؤسسات الإسلامية عموماً هي محاولة التواصل مع المجتمع وخاصةً الفئات المؤثرة في المجتمع من المفكرين من وسائل الإعلام، هناك محاولات، ولكن لا أدعي أن هذه المحاولات قد استطاعت أن تحدث تغييراً كبيراً لأنه مع الأسف يعني ربما وسائل الإعلام يعني تتحمل مسؤولية أكبر في هذا الجانب عندما يكون الحديث عن الإسلام يأتي دائماً في سياق المشكلات التي تقع سواء في العالم الإسلامي أو بعض القضايا المتعلقة ببعض الأحداث، لأن الإعلام دوره دائماً الإثارة وهذا لا يمكن في الحقيقة من عرض الإسلام أو عرض فكرة عن هذا الوجود الإسلامي بشكل طبيعي بعيدا عن هذه المواضيع التي تؤدي إلى نوع من ردود الفعل أو نوع من المواقف السلبية التي تعبر عن خوف وعن ريبة من الإسلام والمسلمين.

عثمان عثمان: على ذكر الإعلام ألا تشعرون بأنكم بحاجة إلى قناة تلفزيونية مثلاً أو وسائل إعلامية ناطقة بلغات أجنبية تدعو إلى الإسلام أو تشرح حقيقة الإسلام من خلالها؟

أحمد جاب الله: طبعاً لا شك أن الإعلام اليوم وليس في الغرب فقط يعني ربما البلاد الغربية بلاد الإعلام مؤثر فيها بشكل قوي بل أصبح الإعلام مؤثر في كل المجتمعات، لا يزال المسلمون يفتقدون إلى مثل هذه الوسائل الإعلامية التي تصل إلى شرائح واسعة من المجتمع وتتعامل انطلاقا من المنظومة الثقافية في المجتمع، لأنه أيضا لا بد من مراعاة السياق الثقافي والفكري والاجتماعي حتى يكون هذا الخطاب خطاباً يمكن أن يصل إلى عقول الناس وإلى تغيير قناعاتهم لإعطائهم صورة حقيقية عن الإسلام، إحنا في الحقيقة يعني لا نريد أن نزّور أو أن نعرض الإسلام عرضاً يعني مزيفاً لا وإنما نريد أن نعرف بحقائق الإسلام وأن نعرف بما يحمله المسلمين من فكر ومن قيم وما يعبرون عنه أيضاً من سلوكيات يعني نعتقد أنها يعني فعلاً هي تشرف الإسلام وتعلي من شأنه.

عثمان عثمان: دكتور تحدثتم في بداية الحلقة عن أنواع من المسلمين الأوروبيين، هناك مسلمون أبناء البلدان الأوروبية الشرقية بشكل خاص وهناك مسلمون وافدون من بلدانهم إلى هذه البلاد، بعض الدول سعت إلى سياسة الاندماج لدمج هؤلاء المهاجرين إلى البلاد الأوروبية في الثقافة الغربية في المجتمعات الغربية حتى أن بعض الدول الأوروبية ربما أنشأت وزارة خاصة مستقلة لوزارة الاندماج، إلى أين وصلت مثل هذه السياسة هل حققت بعض النتائج المرجوة؟

أحمد جاب الله: يعني سياسة الاندماج يعني هذا شعار، وهذه سياسة يعني اعتمدت في كثير من الدول الأوروبية منذ عدة سنوات سياسة باسم الاندماج في الحقيقة كان حولها تصورات متعددة، كان هناك من يريد من الاندماج يعني هو عملية إذابة وانسلاخ يعني المسلمين لا يمكنهم أن يندمجوا في سياق المجتمع إلا إذا تخلوا عن الكثير من مقومات شخصيتهم وهويتهم الإسلامية، ولذلك نحن هنا في فرنسا وأذكر أن اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا عقد منذ أكثر من 10 سنوات مؤتمراً حول هذا الموضوع، طرحنا مصطلح ما سميناه بالاندماج الايجابي، يعني لم نرفض الاندماج لأننا أيضاً نعتقد أن المسلمين يعني من واجبهم ومن مصلحتهم أن يندمجوا في مجتمعاتهم لأن عدم الاندماج معناه أن نعيش خارج المجتمع، أن نعيش على هامش المجتمع فهذا ليس فيه لا مصلحة للمسلمين ولا مصلحة للمجتمع، نحن نريد أن المسلمين فعلاً يكونون جزءاً من هذا المجتمع يتفاعلون معه ويعملون لصالحه كما هم يستفيدون من وجودهم في المجتمع كمواطنين، ولذلك طرحنا مصطلح الاندماج الايجابي وقلنا هذا الاندماج معناه أن يتفاعل المسلمون مع المجتمع أن يكون لهم دور أن تكون لهم خدمة لهذا المجتمع ولكن في نفس الوقت يحافظون على هويتهم وشخصيتهم وهم في هذا مثل غيرهم من أصحاب الديانات الأخرى يعني المسلمون لا يطالبون بشيء يتميزون به في هذا الشأن علماً بأن الأنظمة العلمانية في قوانينها وفي منظومتها العامة في الحقيقة لا تمانع من أن الإنسان يحافظ على دينه ويكون له شعائره وتطبيقاته والتزاماته وهذا ليس فيه إشكال.

تحديات الاندماج الغربي والمحافظة على الهوية

عثمان عثمان: عندنا تم السعي لانجاز أو قيام سياسة الاندماج التي تتحدثون عنها الآن هل حصلت يعني استشارات على اتصالات بينكم وبين هذه الدول لوضع أطر معينة، كيف يكون هذا الاندماج في الإطار السلبي أو في الإطار الايجابي حتى يعني يكون المسلم مواطنا أوروبياً وبنفس الوقت أن يحافظ على هويته الإسلامية؟

أحمد جاب الله: هناك طبعاً تواصل ولكن سياسات الدول في هذا الجانب تختلف، أنا أعلم مثلاً بلد مثل بريطانيا هناك نوع من الشراكة، الدولة لها برامج ويعني ولها شراكة مع المؤسسات الإسلامية بشكل مباشر، لكن النظام المتبع في فرنسا يختلف عن هذا، يعني النظام الفرنسي العلماني يقول بأن الشأن الديني هذا طبعاً الخطاب الرسمي القانوني أن الشأن الديني هو شأن يخص الطوائف الدينية أو المجموعات الدينية والدولة لا شأن لها ولا دخل لها ولكن في حقيقة الأمر يعني هذا شعار لا يحترم في واقع التطبيق.

عثمان عثمان: هناك حظر للنقاب، هناك منع للحجاب في الجامعات والمؤسسات الرسمية؟

أحمد جاب الله: طبعاً هناك بدون شك القانون الذي سن يعني لمنع الحجاب ثم بعد ذلك جاء قانون منع النقاب، وبالفترة الأخيرة قبل أيام قليلة محكمة حكمت لصالح امرأة مسلمة تقوم يعني بتربية الأبناء في بيتها فرفع قضية ضدها لأنها تلتزم بالحجاب، وكانت المحكمة حكمت لصالحها والآن بدأنا نسمع أصوات بعض السياسيين الذين يطالبون بسن قانون آخر يمنع حتى الذين يعملون في إطار خاص وليس في الإطار المؤسسات الحكومية أو العامة أيضاً بالتخلي عن الرموز الدينية، لا شك أن هناك تيار مع الأسف يسعى إلى تضييق دائرة الممارسة الدينية وهذا يستهدف المسلمين يعني بالدرجة الأولى مع الأسف.

عثمان عثمان: أليست المحاكم المستقلة في دولةٍ علمانية لتعطي لكل ذي حق حقه انطلاقاً من احترام حرية الديانة والتعبير وغير ذلك؟

أحمد جاب الله: هو المحاكم لا شك مستقلة، وأنا ذكرت أن هذا الحكم الذي صدر من المحكمة الفرنسية.

عثمان عثمان: هل لجأتم إلى مثل هذه المحاكم؟

أحمد جاب الله: آه في لجوء للمحاكم وفي كثير من الحالات المحاكم تنصف يعني من يتقدم إليها بناءً على القانون الموجود، ولذلك عندما تصدر الأحكام لصالح يعني هؤلاء يكون التفكير بتغيير القانون، وهذا هو الإشكال لأن حتى قانون الحجاب لم يتم منع الحجاب عملياً إلا بعد سّن قانون وهذا هو الحقيقة الخطير إن مراجعة القوانين وتضييق مساحة الحريات من أجل يعني تحديد الممارسة الدينية هذا هو الشأن يعني المؤسف وهذا مع الأسف شأن السياسيين.

عثمان عثمان: اسمح لي في هذا الإطار انقل لك سؤال السيد خليل عاصي من السويد يقول لماذا نرى تمايزاً في معاملة المسلمين في الغرب بين دولة وأخرى، الدول التي لها تاريخ استعماري لبلاد المسلمين وهي في منطقة الجنوب تتشدد في التعامل مع المسلمين بينما الدول التي ليس لها ذلك التاريخ الاستعماري هي أكثر تسامحاً وأرقى في العلاقة والتعامل مع المسلمين؟

أحمد جاب الله: طبعا الأخ خليل من السويد وهو فعلاً يعبر ربما عن الواقع الموجود في شمال أوروبا الدول الاسكندينافية لا شك أن سياساتها العامة أكثر انفتاحاً وأكثر مرونةً مع المسلمين أو مع غيرهم بينما الصحيح أن الدول التي في جنوب أوروبا العامل التاريخي بدون شك له تأثير يعني التاريخ الاستعماري بدون شك له تأثير وأيضاً يعني هذه الدول لها تاريخ ولها عراقة يعني نحن نتحدث عن فرنسا الحقيقة نحن نحاول أن نتفهم أيضاً صعوبة التعامل مع الأديان، فرنسا لها تاريخ يعني فيه خصوصية فيما يتعلق بالعلاقة بين الدولة وبين الدين وبين الكنيسة والثورة الفرنسية كما هو معلوم، يعني ثارت على كنيسة وأبعدت الدين نهائياً والعقدة مع الدين لا شك أنها موجودة، ولكن في اعتقادي نحن اليوم نعيش في مجتمعات مفتوحة المجتمعات الأوروبية بالأمس التي كان يعني يغلب عليها طابع ديني واحد أو متجانس اليوم بحكم الهجرة والتعدد الذي أصبح قائماً فيها أصبح هناك بدون شك تعددية وأمام هذه التعددية ليس هناك إلا من سياسة الانفتاح طبعاً بوضع ضوابط قانونية تحترم يعني حريات الآخرين والمسلمون على فكرة في أوروبا عموماً لا يطالبون بأن يكون للدين شأن في إدارة شؤون البلد أو أن يكون للدين دخل في شأن السياسة يعني المسلمون في الحقيقة يحترمون يعني طبيعة النظام العام القائم في أوروبا، ولكن مع الأسف أحيانا لا نجد يعني من الطرف الآخر يعني نفس الوضع ولعله مما يعقد الحالة أنه كأن الناس الآن كلهم ينتبهون أن هذا الوجود الإسلامي أصبح وجود قائم مستقر ثابت ولم تُعد تلك الهجرة التي كان يظن أن هؤلاء المهاجرون قد جاءوا لفترة ما ثم سيغادرون ويعودون إلى بلادهم الأصلية أصبح هذا يعني حلم بعيد المنال.

فقه الجاليات الإسلامية

عثمان عثمان: ما المطلوب منهم، وأنا انقل سؤال السيد عبد الوهاب شيخ يقول هل المسلمين متحدون حول قضاياهم في الغرب؟

أحمد جاب الله: المسلمون لا شك هناك تعدد موجود يعود إلى عوامل كثيرة بعضها عوامل عرقية يعودون لبلاد مختلفة أحياناً في بعض الخلافات الفكرية والحركية والمذهبية..

عثمان عثمان: تدخل دول المنشأ.

أحمد جاب الله: لا شك أيضاً التدخل السياسي مع الأسف هذا أساء كثيراً يعني من بعض الدول التي تريد أن يكون لها نوع من اليد على جالياتها الأصلية أو كذا، ولكن أنا اعتقد يعني لا ينبغي أيضا أن نضخم كثيراً الحديث عن التعدد والاختلاف يعني نحن في إطار علاقاتنا وعلاقات الحوار الديني مع الأديان الأخرى يحدثوننا عما هو بينهم من خلافات وتعددية واسعة جداً ربما هي أكثر من ما عند المسلمين ومع ذلك هناك مؤسسات عامة تحاول أن تجمع يعني الكلمة حول القضايا الأساسية نحن مثلاً في فرنسا عندنا المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية وهو مجلس يضم كل الهيئات الإسلامية الكبيرة، يعني في القضايا الكبرى طبعاً وبعد ذلك كل هيئة لها نشاطها الإسلامي والدعوي اليومي لأن الساحة واسعة وتحتاج إلى وجود مؤسسات كثيرة كلٌ يقوم بدوره في خدمة العمل الإسلامي والدعوة الإسلامية.

عثمان عثمان: ربما لو أردنا أن نستطرد في هذا الموضوع لأخذ الوقت، أخذ الوقت كله، دكتور بعض الدول الأوروبية سعت إلى.. يعني أخذت أسلوبا جديداً في التعاطي مع المسلمين حاولت إنتاج وصناعة دعاة أوروبيين من حيث المنشأ والثقافة أو من حيث الثقافة فقط هناك بعض الدول لجأت إلى أن تقيم معاهد إسلامية أوروبية، يعني مثل هذه الأفكار هل نجحت إلى أين وصلت، كيف تقوّمونها؟

أحمد جاب الله: لا شك هذه السياسة مع الأسف اتبعت في أكثر الدول وهي فعلاً صناعة بعض الوجوه التي يراد لها أن تكون لها ناطقة باسم الإسلام والمسلمين وهي وجوه بعيدة ومنفصلة ومنقطعة عن واقع المسلمين أو إيجاد بعض المؤسسات سواء التعليمية للأئمة أو لغيرهم لكن لحد الآن كل هذه المحاولات والممارسات باءت بالفشل وأعتقد ستبوء دائماً بالفشل لأن المسلمين من حقهم أن يعيشون في مجتمع ديمقراطي مفتوح أن يكون من يمثلهم هو فعلاً منبثق عنهم وهذا على فكرة لا يحصل مع أصحاب الأديان الأخرى، لا تتجرأ هذه الدول أن تتدخل في الشأن الديني للطوائف الأخرى، ولكن مع الأسف يعني تسمح لنفسها وتجد من بين المسلمين من يتجاوب معها لمصالح معينة ولكن أعتقد كما قلت هذه الخطة وهذه السياسة ستبوء بالفشل ومع الأسف أيضاً تفقد الثقة يعني اتجاه هذه الدول بأنها لا تريد فعلاً بأن تكون محايدة وإنما تريد أن تتدخل وتوجه الأمور بما تريده يعني نحو مصالح معينة تريد تحقيقها.

عثمان عثمان: لكن في المقابل دكتور يعني نسمع أصوات ربما يسميها البعض متشددة البعض يسميها متطرفة تجعل هذا الغرب بعبعاً كبيراً، غرباً كافراً تحرم الهجرة إليه، حمل جوازه وبل حتى تطالب بعض الأصوليين من هجرةٍ من هذه الديار إلى ديار الإسلام؟

أحمد جاب الله: هذا واحد من التحديات الكبيرة الحقيقة التي تعترضنا نحن فعلاً بين تحديات من جهة المجتمع من هذه التيارات العنصرية التي تريد أن تعمل أو تشتغل على عامل التخويف من الإسلام والمسلمين نحو هذه السياسات باسم العلمانية التي تريد أن تتدخل في الشأن الديني ومن الجهة الأخرى فعلاً هناك مواقف يعني فيها غلو وتطرف موجودة بين المسلمين ونحن من الإنصاف أن نعترف بهذا وأن نقول هذا تحدي كبير لأنّ هذا يربك أولاً يعني المسيرة الإسلامية عموماً ويرسل برسالة خاطئة نحو المجتمع، لأنّ المجتمع الذي هو أًصلاً يعيش هاجس الخوف عندما يسمع لهذه المواقف ويرى هذه الآراء التي فيها غلو وتطرف لاشك أنّ ردة الفعل ستكون يعني سلبية وهذا الذي يجعل البعض يقول احذروا لأننا إذا تركنا هؤلاء يستفيدوا من أجواء الحرية فغداً سيستعصى الأمر للحد من تأثيرهم وربما سيصل تأثيرهم إلى حتى يعني أفراد من المجتمع نفسه حتى من غير المسلمين وبالتالي هذا واحد من التحديات، كيف نستطيع اليوم وهي معادلة أنّ المسلم يحافظ على إسلامه وعلى التزامه الإسلامي والتزامه بشعائره وشخصيته الإسلامية ولكن في نفس الوقت ينخرط في المجتمع يشارك في المجتمع، هذه المعادلة أعتقد يعني نحن سرنا فيها شوطاً لا بأس به لكن لا تزال تشكل نوع من التساؤل لدى بعض الأفراد أو لدى بعض الفئات..

دور المنظمات في تنمية الثقافة الإسلامية

عثمان عثمان: هنا أسأل ما دور المنظمات الإسلامية، المعاهد الإسلامية، وكما تعلم حضرتك مدير المعهد الأوروبي للعلوم الإنسانية في باريس ما دوركم في بناء ثقافة إسلامية بنت زمانها ومكانها لنقل؟

أحمد جاب الله: نعم..

عثمان عثمان: فقه المقاصد فقه الواقع.

أحمد جاب الله: فعلاً موضوع التعليم من المواضيع المهمة التي نحن ركزنا عليها منذ سنوات فالمعهد الآن منذ عشرين سنة وعندما بدأنا بهذا المشروع لإعداد الأئمة والدعاة وتكوين الطلاب المسلمين الذين يحملون الثقافة الإسلامية الشرعية من مصادرها الأصلية ثمّ لهم استيعاب للواقع الغربي سيكونون أقدر على مخاطبة هذا المجتمع وعلى التأثير فيه ممن يأتي ربما يحملوا فكراً دينياً وشرعياً وثقافة إسلامية ولكن لا يملك يعني معرفة المجتمع الذي يتحرك فيه، ونحن فعلاً في هذا المعهد وفي المؤسسات الإسلامية الشرعية نركز فعلاً على المواد المنهجية كما تفضلتم يعني المقاصد ندرس فقه ونربطه يعني بالواقع خصوصاً أنه لدينا والحمد لله في المجال الفقهي لأن القواعد الفقهية دائماً تشكل يعني التساؤل..

عثمان عثمان: لكم الدين..

أحمد جاب الله: نعم البعض يرى هذا لكن نحن بحمد الله نستفيد من إنتاج المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث، هذا المجلس الذي يقوم على الشأن الإسلامي في أوروبا وأنتج لحد الآن يعني من الفتاوى والقرارات الفقهية والبحوث والكتب والنشرات ما شكلّ مادة فقهية لا بأس بها وهو فعلاً فقه مستنير أصول الدين وبين أحكامه وبين تمكين المسلمين من أن يعيشوا بنوع من الاندماج واليسر في المجتمعات الأوروبية..

عثمان عثمان: هل تعتقدون دكتور أنكم يعني تملكون في هذه الدول الأوروبية لديكم ما يكفي من الدعاة المتنورين لنقول أو الدعاة الذين تريدون أن تنتجوا أمثالهم، هل لديكم هذا العدد الكافي لينشروا الإسلام سواء بين أبناء المسلمين الأوروبيين أو بين سائر أبناء المجتمع؟

أحمد جاب الله: والله لا ندعي ذلك يعني لا يزال في ظني أن عدد الذين يقومون بالدعوة والتعليم والتربية والتوجيه عددهم هو أقل بكثير من الحاجة لأنه بحمد الله تعالى المسلمون في أوروبا يشهدون نوع من الصحوة والالتزام بالإسلام ولعله هذه الحملات التي تجري من حين لآخر يعني في الإعلام أو مواقف بعض الأحزاب العنصرية أحياناً يكون له أثر عكسي يعني المسلمون عندما يتعرضون لمثل هذا، هذا يجعلهم ينتبهون أكثر إلى العودة إلى أصولهم وإلى شخصيتهم وبالتالي الطلب واسع بشكل كبير وهذا نلاحظه في التظاهرات الإسلامية، المؤتمر الإسلامي السنوي الذي ينعقد مرة كل عام العام الماضي حضره أكثر من 160 ألف وهو الذي سينعقد إن شاء الله في نهاية الأسبوع القادم.

عثمان عثمان: ربما كان أكبر عدد في تاريخ المؤتمرات.

أحمد جاب الله: نعم هذا طبعاً يعتبر الآن أكبر مؤتمر إسلامي في الغرب ومؤتمر العام الماضي شهد هذا الإقبال الشديد لأنّه سبقته قرارات من الحكومة السابقة بمنع بعض الدعاة من الحضور إليه..

عثمان عثمان: ردة فعل كانت.

أحمد جاب الله: فكانت ردة فعل المسلمين بالفعل فبالتالي السياسيات العنصرية على كل حال ربّ ضارة نافعة يعني يكون أحياناً لها أثر كما قلت الناس ينتبهون وليس المسلمين فقط بل وجدنا من الذين يعتنقون الإسلام من تكون الحملات المغرضة العنصرية سبباً يدعوهم إلى التفكير والنظر فيعودون ويبحثوا عن الإسلام ويكونوا ربما هذا سبب لهدايتهم فأقول يعني الدعاة نحن انطلقنا من الحديث عن الدعاة لا يزال أعدادهم أقل خصوصاً وأنّ المهمّة ليست فقط يعني العمل الدعوي بين المسلمين وإنما أيضاً توجيه خطاب إسلامي أيضاً للمجتمع، نحن أيضاً نحتاج إلى دعاة يحملون الإسلام بهذا الفكر المؤصل والمستنير والمنفتح حتى يعرض الإسلام في صورته الحقيقية على المجتمع.

عثمان عثمان: وليد أبو النجا يسألكم دكتور بعد الاندماج والمواطنة، ما مصير الجيل الثاني من حيث تمسكه بدينه؟ وهل الجيل الثالث سيبقى مسلماً؟ أسمع الإجابة لكن بعد أن نذهب إلى فاصل قصير فابقوا معنا مشاهدينا الكرام نعود إليكم بإذن الله بعد الفاصل.

[فاصل إعلاني]

عثمان عثمان: أهلاً وسهلاً بكم مشاهدينا الكرام من جديد إلى حلقة هذا الأسبوع من برنامج الشريعة والحياة مع الدكتور أحمد جاب الله رئيس اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا ومدير المعهد الأوروبي للعلوم الإنسانية في باريس، دكتور بالعودة إلى سؤال السيد وليد أبو النجا اندماج ومواطنة ما مصير الجيل الثاني من المسلمين من حيث تمسكه بدينه هل الجيل الثالث سيبقى مسلماً؟ هذه الأسئلة برأيك يعني هل يعني من المنطق أن تطرح الآن؟

أحمد جاب الله: يعني هذه الأسئلة هي تطرح وأحياناً تؤرق بعض المسلمين عندما يشاهدون أنّ من المسلمين ومن أبناء المسلمين ومن شبابهم من تراه وكأنه قد ابتعد يعني أصبح لا يحمل من انتسابه للدين إلاّ اسمه أو يعني بعض الأشياء القليلة ولكن أقول هذه الحالات في الحقيقة هي قليلة وليست كثيرة هناك بعض الإحصاءات التي صدرت في أوروبا حول التزام المسلمين بدينهم ونسبة هذا الالتزام، وهذه الإحصاءات يعني تشير إلى أنّ نسبة الالتزام بين المسلمين هي أعلى ربما منها عند أصحاب الأديان الأخرى ومن فضل الله هذا الدين الله سبحانه وتعالى جعل فرائضه فيها يعني من القوة لربط المسلم يعني بدينه وعقيدته مثلاً خذ عبادة الصيام الإحصاءات تقول أنه أكثر من سبعين في المئة يعني يلتزمون في بالصوم في رمضان وأنا أعتقد حتى النسبة أعلى من هذه بكثير يعني قد تجد الإنسان أو الشاب مثلاً ربما ليس محافظاً على صلاة وليس ملتزماً بعدد من أحكام الإسلام لكن إذا جاء رمضان تجد يعني هذه العاطفة وهذا الرابط الذي تربطه بالإسلام..

عثمان عثمان: مع العلم أنّ الصلاة هي عماد الدين.

أحمد جاب الله: مع أنّ الصلاة طبعاً هي بدون شك عماد الدين لكن مع ذلك نحن هؤلاء الذين يلتزمون بالصوم يعني نشجعهم طبعاً بدون شك على هذا ونحاول أن نحيي فيه هذا الارتباط وهذا الانتماء فأنا أقول عموماً أنه لسنا يعني يائسين وبالعكس أنا أقول لما نلاحظ اليوم لو ذهبت الآن إلى المساجد والمصليات لتنظر من يحضر يعني في خطب الجمعة النسبة الأعلى هي من الشباب يعني عندنا الآن الخطباء عندنا في مساجدنا تقريباً كلهم أصبحوا يجمعون مع اللغة العربية اللغة الفرنسية لماذا؟ لأنّ هناك من الشباب الذي نشأ في هذه البلاد وهو لا يحسن بالضرورة اللغة العربية هذه قضية أخرى طبعاً، لا شك اللغة العربية مهمّة فهذا يدلك على أنه مسألة الإقبال بحمد الله تعالى موجودة ونحن نسعى بما نستطيع ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يحفظ أبنائنا وأبناء المسلمين.

عثمان عثمان: يعني في مقابل هذا السؤال البعض يتحدث كما ذكرنا أنه مع الجيل الثاني والثالث ربما يحصل تخلي من بعض المسلمين عن دينهم وفي المقابل هناك من يتحدث عن وجود مجموعات ربمّا متشددة من المسلمين في أوروبا وخاصة من المسلمين الأوروبيين الذين دخلوا في الإسلام يعني ما حجم مثل هذه المجموعات أو هذه الحالات هل هي كبيرة في الفعل كما يصورها البعض أم أنها حالات طبيعية؟

أحمد جاب الله: والله حالات التشدد موجودة لنعترف بأنّ هناك بعض الفئات وخصوصاً من الشباب ومن محدودي الثقافة يعني حتى الثقافة العامة يعني لا أقول الثقافة الدينية فقط يتأثرون بهذا خصوصاً أنه مع تطور وسائل الإعلام الحديثة الآن الإنترنت والفضائيات وغيرها بعضهم يعني فعلاً يبحث عن الثقافة الدينية وعن الفتوى من مصادر أخرى وقد يتلقاها من جهات ليس لها دراية ولا معرفة بالواقع الأوروبي، وبالتالي هذا التأثير موجود لكن لا يمثل أغلبية يعني سمة الغالب الذي تراه عند المسلمين هو سمة الاعتدال والتوسط هو ليس سمة التشدد وإن كان طبعاً هذا التأثير موجود ولذلك نحن نأمل في الحقيقة أن القائمين في شأن الدعوة عموماً في البلاد الإسلامية يعني أن ينتبهوا لهذا الأمر أنّ الوجود الإسلامي في الغرب يحتاج إلى دعاة يفقهون الإسلام ويدركون حقيقة الواقع حتّى يقدم الإسلام بالأسلوب المناسب الذي يمكن أن يحقق للمسلمين تواصل مع مجتمعاتهم لا نريد أن ينفصل المسلمون عن المجتمع لأنّ هذا الانفصال فيه خطورة عليهم وأيضاً لن يقبل به المجتمع، المجتمع لا يمكن أن يتمزق إلى فئات تصبح متقاتلة أو متصارعة ولذلك فإنّ هذه المسألة هي فعلاً في غاية الأهمية الحمد لله اليوم البلاد الأوروبية أصبح فيها من المؤسسات الدعوية التعليمية يعني ما يمكن أن يقوم بهذا الدور ويعني نود أن هذه المؤسسات أن تدعم من أجل أن تؤدي دورها وأن يكون أهل البلاد وأهل مكة كما يقال يعني هم الذين يديرون شأنها فهم أدرى في شعابها.

مسلمو أوروبا وأبرز التحديات المعاصرة

عثمان عثمان: دكتور يعني في السياق الأوروبي لو أردنا أن نجمل الآن أبرز التحديات أبرز المشكلات التي تواجه المسلمين هنا سواء على مستوى الدعاة سواء على مستوى عامة الناس أو حتى على مستوى المؤسسات الإسلامية كيف نجملها؟

أحمد جاب الله: والله التحديات كثيرة منها أولاً تحدّي الهوية الذي كنّا نتحدث عنه كيف نستطيع أن نحقق هذه الموازنة هذه المعادلة بين أن تكون محافظاً على هويتك مندمجاً في مجتمعك منها أيضاً..

عثمان عثمان: ما زالت قائمة هذه المشكلة؟

أحمد جاب الله: لا تزال قائمة طبعاً لأنّ أمام الجواب على مسألة الهوية الناس يقعون في طرفين مذمومين..

عثمان عثمان: هل تتعارض المواطنة في الغرب مع الولاء للدين والإسلام؟

أحمد جاب الله: أبدأ يعني نحن فيما قمنا به من بحوث ودراسات وأنا أذكر أيضاً أنَّ المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث خصصّ دورة كاملة للاندماج والمواطنة وقدمت فيها بحوث كثيرة والخلاصات التي وصلنا إليها في الأخير أنه لا تعارض وأنّ المسلم يمكنه أن يعيش بدينه وبإسلامه في مجتمع غير إسلامي بل نحن نقول تاريخيا المجتمع الإسلامي الأول الذي بناه النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة كان مجتمعاً تعددياً وكلنا نعلم يعني دستور المدينة الذي أقرّ فيه النبي صلى الله عليه وسلم حقوق المواطنة لكل أهل المدينة بمعنى أن المسلمين لا من حيث تجربتهم التاريخية ولا من حيث مبادئهم وأحكام دينهم ليس عندهم إشكال في أن يعيشوا في مجتمع غير إسلامي لأنه إذاً لنعترف رغم المواقف التي ذكرناها مواقف عنصرية أو كذا لكن بشكل عام حرية التدين نحن لو استثنينا موضوع الحجاب وقانون النقاب الذي صدر لكن أيضاً من الاعتراف أن نقول ومن العدل أن نقول أن حرية التدين مكفولة للمسلمين نحن الآن في أوروبا إقامة المساجد والمدارس ويعني الطعام الحلال وهذه المسائل تشهد من حين لآخر بعض المواقف ولكن بشكل عام الحرية الدينية مكفولة للمسلمين.

عثمان عثمان: لكن على مستوى العلاقات الاجتماعية على مستوى الحياة الاجتماعية اليومية الثقافة الغربية ربما أوجدت عند بعض المسلمين كما يرى البعض أوجدت إشكالات معينة العلاقات المفتوحة، العادات والتقاليد اليومية، كيف يعني يتجاوز المسلمون مثل هذه القضايا يعني فيكونوا مواطنين ملتزمين بالقانون قانون البلد الذي يعيشون فيه وفي نفس الوقت يكونون ملتزمين بدينهم وبإسلامهم؟

أحمد جاب الله: هي هذه طبعاً تشكل تحدي يومي في الحقيقة وكلما الإنسان اقترب أكثر من المجتمع واحتك به تعرض أمامه هذه الإشكالات، ولكن أنا أقول مع الزمن أصبح المجتمع نفسه يتعود على التعامل مع المسلمين ومعرفة يعني ما لديهم من عادات وأعراف وأعمال وممارسات وفي الحقيقة يعني الكثير من الناس يحترمون هذه الخصوصيات يعني يشعرون بأنّ المسلم وهذا طبعاً يعود للمسلم نفسه إذا كان المسلم يعني بكل حكمة وبكل انفتاح يظهر التزامه وحرصه على دينه ففي الغالب الآخر سيعامله من نفس المنطلق، أمّا إذا كان هو يريد أن يخفي يعني التزامه أو يريد أن يظهر أمام الآخرين وكأنَّه ليس عنده إشكال وليس عنده أي حواجز ولا أي موانع بدون شك يعني يدخل في هذه المسارات، ولكن أنا أقول أنه مع الزمن لاشك أنا نلاحظ أنّ مسألة التأقلم- إذا صح التعبير- مع الالتزام الإسلامي من طرف المسلمين يعني تسير في طريق فيه نوع من النمو، يعني مثلاُ أوخذ مثال بسيط وهو عملي بمناسبة شهر رمضان المحلات التجارية طبعاً كانت قبل عدة سنوات الآن تحاول أن تخصص بعض الأجنحة بعض المواد التي يستهلكها المسلمون وكان يعني دائماً يقولون نفتح جناح للمواد الشرقية..

عثمان عثمان: الأكل الحلال والمواد الشرقية.

أحمد جاب الله: نعم، بعنوان المواد الشرقية هم يقصدون طبعاً لأنه يأتي بشهر رمضان، لكن لاحظنا في السنوات الأخيرة بدؤوا يقولون بوضوح بمناسبة شهر رمضان يعني أصبح في الإعلانات الرسمية..

عثمان عثمان: هذا تطور مهم.

أحمد جاب الله: لاشك أنّ هذا التطور مهم يعني أنه أصبحت المسألة تدخل تدريجياً تدخل في الذهنية العامة أنّ المسلمين هم مواطنون وأنهم يعني كغيرهم لهم حقان يعيشوا إسلامهم وأن يكونوا جزء من المجتمع ومن حق المجتمع أن يعترف بهذا الوجود فأنا اعتقد أنّ هذا الأمر يعني يسير بخطوات رغم الصعوبات الموجودة التي لا تخفى وهناك نوع من التدافع موجود..

عثمان عثمان: نعم أنقل لك الآن سؤال السيد العيد بوعكاز أيضاً من السويد من المسؤول عن تغيير نمطية التفكير السلبي على المسلمين في الغرب؟

أحمد جاب الله: والله المسؤولية مشتركة يعني ولكن أنا دائماً انطلاقا من مبادئنا الإسلامية أقول نبدأ بأنفسنا قبل أن نطالب بغيرنا يعني أنا أعتقد أنّ المسلمين لا يزالون مقصرون يعني في عرض الإسلام بالأسلوب المناسب الذي يخاطب العقلية الأوروبية وكما ورد "خاطبوا الناس على قدر عقولهم أتحبون أن يُكّذب الله ورسوله" الحقيقة نحن الخطاب الإسلامي يحتاج منا إلى إتقان هناك محاولات يعني لدى العديد من الدعاة من المفكرين في هذا، ولكن مازلنا نحتاج إلى جهد أكبر، تكلمنا أيضاً عن وسائل الاتصال بالمجتمع، قضية الإعلام إسهامنا انفتاحنا على المجتمع، الانفتاح ليس انفتاحاً كافياً، مشاركتنا في الحياة العملية في الجانب السياسي نحن عندما نجد فتاوى من بعض المسلمين تحرم على المسلمين المشاركة في الانتخابات الحقيقة هذه فتاوى خطيرة لأنها ستعزل المسلمين عن المجتمع وعن التأثير في المجتمع فبالتالي لاشك أنّ مسؤولية كبيرة تعود إلينا ولكن هناك مسؤولية أيضاً على عاتق المجتمع، السياسيون بالدرجة الأولى ولذلك نحن خطابنا تجاه السياسيين نقول لهم نرجو أن لا تستغلوا قضية الإسلام للترويج لبرامجكم ومناهجكم أو كذا المسلمون مواطنون مثلهم مثل غيرهم أيضاً الإعلام بدون شك له تأثير أهل الفكر، ولذلك نحن نحاول أيضاً أن نقوم بدورنا تجاه هذه الجهات أن ننشط أيضاً في مجال الحوار، الحوار الديني وغيره، فالمسؤوليات مشتركة ولكن أقول إذا لم تستطع أن تؤثر على غيرك فابدأ بما تملكه أنت تملك أمر نفسك فابدأ بما تستطيع أن تفعله ولعلك بذلك تستطيع أن تؤثر في الغير أو المقابل.

عثمان عثمان: دكتور الخطاب الإسلامي عادةً يقوم على مركزية، مركزية الثنائية، تتحدث عن المؤمن وعن الكافر كيف يمكن تنزيل مثل هذه التصورات على الواقع الغربي الذي تعيشونه؟

أحمد جاب الله: والله هذه قضية فعلاً حساسة وأساسية لأنّنا وجدنا يعني أحياناً إشكال وعقدة عند المسلم خاصة في التعامل مع المجتمع وجدناه مثلاً في القضية السياسية للمشاركة في الانتخابات وغيره فتجد منطلق المسلم في النظر إلى الآخر هو فعلاً من زاوية الإيمان والكفر فقط، يعني الأبعاد الأخرى تغيب يعني مع أنه كما ذكرت قبل قليل الرسول عليه الصلاة والسلام تعامل مع الطوائف الموجودة في المدينة من منطلق المواطنة، أنا يمكنني أن أتعامل مع غيري باعتباره مواطن تقاسم معه البلد الذي نحن فيه ونتبادل المصالح والمنافع ولا أنظر فقط إلى زاوية الإيمان والكفر لأنه التركيز على هذا الجانب يعني سيوجد نوع من القطيعة بيننا وبين الآخر، يعتقد أن القيم الإسلامية تدعو إلى مثل هذه القطيعةِ، تعامل المسلمين ولا يزالون المسلمون يعيشون الآن في بلاد كثيرة وهم أقليات يتعايشون مع المجتمع الغالب وهو ليس مسلماً وحتى توصيات الإسلام وأحكامه فيما يتعلق بالجوار والإحسان إلى الجار، والجار قد يكون مسلماً وقد لا يكون مسلماً وهذا ربما بالعكس يعطينا فرصة نحن المسلمين أن نقدم الإسلام وليس من واجبنا أن نعرض إسلامنا نعرّف به ونرفع ما حوله من الشبهات والأباطيل فأعتقد التركيز على هذه الثنائية فعلاً يعني له سلبيات وآثار سلبية.

عثمان عثمان: دكتور خلال الفترة الماضية غالباً ما كان يتم التعاطي مع المسلمين من زاوية النظرة الأمنية البحتة باعتبار أنّ المسلمين ربما غرباء ليسوا من أبناء البلد أجانب هل تم تجاوز هذه المسألة أم لا؟

أحمد جاب الله: والله لم نتجاوزها بعد ربما طبعا البلاد الأوروبية تختلف في هذه المقاربات الأمنية ولكن عموماً الهاجس الأمني لا يزال موجود، خصوصاً أنه بوجود بعض الأفراد الذين يقعون في تصرفات خاطئة وعمليات فيها يعني عنف وفيها إرهاب هذا حصل مع الأسف حصل يعني في لندن وحصل في مدريد وحصل عندنا في العام الماضي في فرنسا ويحصل، طبعاً هذه أعمال معزولة لأفراد يعني مع الأسف لهم توجهات أو أفكار فيها غلو وتطرف لكن هذا يجعل الجهات الأمنية تحمل هذا التخوف وأن هناك فئات من المسلمين التي تتأثر بمثل هذا الفكر المغالي الفكر الذي فيه انفصال فيه صدام مع الآخرين قد يمس فئات ونحن لاشك هذه من التحديات التي تعترضنا وإن كان هذه تبقى حالات حقيقة معزولة ولكنها موجودة مع الأسف.

عثمان عثمان: هل يمكن الحديث الآن بعد هذه الفترة الطويلة من وجود الإسلام في الغرب حتى كنت أقرأ في أحد الأبحاث أنه هناك كانت علاقات دبلوماسية ما بين الحكام في فرنسا وما بين الخليفة هارون الرشيد في التاريخ الإسلامي، الآن هل تمّ توطين الإسلام رسمياَ في الدول الأوروبية أم أنه ما زال غريباً وافداً؟ً

أحمد جاب الله: والله نحن في طريق التوطين أعتقد أن هناك أصبح وعي سواء من قبل المسلمين لأن قبل عدة سنوات المسلمين حتى الذين مر عليه عدة سنوات طويلة لو تسأل أحدهم وتقول كيف تنظر إلى مصيرك؟ ما هو مستقبلك؟ يعني يحلم ما يسمّى بحلم العودة الذي لم يحدد له تاريخاً، ولكن هذا الحلم الآن أعتقد يعني أنه قد انتهى وخصوصاً أن الأجيال الجديدة من أبنائهم هؤلاء ليس لهم بلد غير هذه البلاد التي نشئوا فيها الآن، عندما تتحدث مع أبناء الجيل الثاني والثالث والرابع يقولون لك هذه بلادنا وهذه أرضنا ونحن مواطنون في هذه البلاد أيضاً المجتمع بدء يعني يفهم من أن الوجود الإسلامي جزء لا يتجزأ وهذا نسمعه حتى على لسان كثير من المسؤولين عندما يقولون مثلاً أن الإسلام هو الدين الثاني في فرنسا الإسلام بعد الديانة الكاثوليكية وقبل البروتستانت وقبل اليهود وقبل البوذيين..

عثمان عثمان: نتحدث عشرة ملايين في فرنسا؟

أحمد جاب الله: طبعاً الأرقام يعني قد يصل إلى عشرة في المئة هو الرقم ما بين ستة إلى سبعة ملايين يعني من 63 مليون يعني ما يقارب العشرة في المئة من عموم المجتمع يعني فأعتقد أن هناك أصبح هناك وعي فعلاً من جهة المسلمين أنهم مواطنون بدأت هذه المواطنة تأخذ مسارها شيئاً فشيئاً ومن جهة المجتمع أيضاً بدأ يتقبل يعني هذا الوجود الآن أصبح يراه واقعاَ ملموسا ومستقرا.

عثمان عثمان: لم يعد هناك توجس وخوف من أن يتأثر المجتمع الأوروبي من العادات والتقاليد الاجتماعية الإسلامية أن تغزو هذه المجتمعات الأوروبية؟

أحمد جاب الله: لأ هذا الخوف موجود يعني لم يزل هذا الخوف لأنّ وجود المسلمين واستقرارهم وبروز الكثير من الالتزام ومظاهر الالتزام الإسلامي لدى البعض يطرح يعني مثل هذا التساؤل أو هذا الخوف أو التحدي نعم.

عثمان عثمان: حسام سمارة يسأل عن دور الحكّام المسلمين في دعم الوجود الإسلامي في الغرب كما أن الغربيين يواصلون قضايا إخوانهم الذين يقطنون في المشرق، هل يناصروا حكام المسلمين، المسلمين الذين يسكنون في الغرب من باب المعاملة بالمثل، الآن نحن أمام ثورات عربية ووصول إسلاميين في بعض بلدان الثوران العربي إلى الحكم، هل كان لذلك أثر إيجابي أو سلبي على المسلمين في بلاد الغرب أم أنهم متلهون في مشاكلهم ربنا يعينهم.

أحمد جاب الله: والله طبعاً التغيرات في العالم الإسلامي أو ما يسمّى بالربيع العربي نأمل أنها تعدّل من الصورة السلبية عن المسلمين، خصوصاً أنَّ هناك يعني جهات إسلامية وصلت على السلطة في عدد من البلاد، لكن ما زالت هذه البلاد تعاني من مشاكلها الداخلية ولم يستقر الوضع فيها نسأل الله سبحانه وتعالى أن تستقر الأوضاع على خير إن شاء الله لكن هي الدول الإسلامية أعتقد لها دور ولها مسؤولية يعني الغرب ساحة مهمة والوجود الإسلامي في الغرب كما ذكرنا أصبح قائما ومستقرا يعني الآن يقّدر عدد المسلمين في أوروبا بما يزيد عن إذا أدخلنا طبعاً روسيا لأن روسيا على كل حال هي جزء من أوروبا ما يزيد عن 50 مليون مسلم يعني نحن أمام أعداد ليست قليلة فهناك مسؤولية في الحقيقة للدول الإسلامية وأنا أقول المسؤولية هي في دعم الجهود الإسلامية التي تبذل وبالأخص في مجال التعليم والمجال الدعوي، لا نريد الحقيقة للدول الإسلامية أن تنقل مشكلاتها إلى المسلمين في الغرب، ولا نريدها أيضاً أن تتدخل في شأن تنظيم الإسلام ليترك هذا الأمر للمسلمين يعني في أوروبا ليجدوا الصيغة المناسبة لتنظيم شؤونهم، لكن أعتقد من المهم لدولنا الإسلامية وهذا مسؤولية وأن تدعم هذا الوجود لأنّ المسلمين في غالبهم ينتمون إلى الشرائح الاجتماعية محدودة الدخل ربمّا هذا الوضع بدأ يتغير أيضاً مع الأجيال الجديدة، الأجيال الأولى كان يغلب عليها العمال وغيرها لكن الآن هذا الوضع في تحسن إن شاء الله..

عثمان عثمان: أشكركم الدكتور أحمد جاد الله رئيس اتحاد منظمات الإسلامية في فرنسا ومدير المعهد الأوروبي للعلوم الإنسانية في باريس، أشكركم لوجودكم معنا في هذه الحلقة كما أشكركم مشاهدينا الكرام على حسن المتابعة، لكم تحيات معد البرنامج معتز الخطيب والمخرج منصور الطلافيح وسائر فريق العم،ل وهذا عثمان عثمان يترككم في أمان الله، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.