الشريعة والحياة

فقه الخلاف والائتلاف

قال تعالى: “إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ” [الحجرات:10] ويقول عز من قائل: “وَأَطِيعُواْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ” [الأنفال:46]. في ظل تعمق الاختلاف والفرقة ما أهمية الدوران حول المقاصد؟

– وجه المقارنة بين فقه الخلاف وفقه الائتلاف
– أهمية وضرورة الائتلاف من الناحية الشرعية

– معوقات الائتلاف وسبل معالجتها

– إشكالية الاختلاف في مناحي الحياة

– مفهوم الجماعة في زحمة الصراعات السياسية

 

‪عثمان عثمان‬ عثمان عثمان
‪عثمان عثمان‬ عثمان عثمان
‪يوسف القرضاوي‬ يوسف القرضاوي
‪يوسف القرضاوي‬ يوسف القرضاوي

عثمان عثمان: السلام عليكم مشاهدينا الكرام وأهلاً ومرحباً بكم على الهواء مباشرة في هذه الحلقة الجديدة من برنامج الشريعة والحياة، يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}[الحجرات:10] ويقول عز من قائل {وَأَطِيعُواْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}[الأنفال:46] في ظل تعمق الاختلاف والفرقة ما أهمية الدوران حول المقاصد؟ وكيف يمكن توسيع مفهوم الإخوة ليشمل الإخوة الوطنية والإيمانية والإنسانية؟ ولماذا يغيب مفهوم الجماعة في زحمة الصراعات السياسية والإيديولوجية، فقه الاختلاف موضوع حلقة اليوم من برنامج الشريعة والحياة مع فضيلة شيخنا العلامة الدكتور يوسف القرضاوي مرحباً بكم سيدي.

يوسف القرضاوي: مرحباً بك أخي عثمان.

وجه المقارنة بين فقه الخلاف وفقه الائتلاف

عثمان عثمان: مولانا هناك من يتساءل لماذا يكون الحديث دائماً عن فقه الخلاف على حساب الحديث عن فقه الائتلاف ما الفرق بين هذين الفقهين؟

يوسف القرضاوي: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا وإمامنا وأسوتنا وحبيبنا ومعلمنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه {رَبَّنَا ءاتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا} [الكهف: 10] {رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} [آل عمران: 8] وبعد؛ فلا بد لي قبل أن أجيب عن سؤالك أن نتحدث عن أهمية اختيارنا لهذا الموضوع وقد تحدثنا عنه من قبل وسنظل نتحدث عن هذا الأمر ما دامت أمتنا في هذه الحالة من الاختلاف والتنازع والتفرق الذي ذكر الله بعض يعني أوصافه وأضراره قال {وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}[الأنفال:46] وذكر الله عز وجل فائدة الإخوة والتأليف بين المسلمين بعضهم وبعض{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ}[الحجرات:10] {هُوَ الَّذِيَ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَّا أَلَّفْتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الأنفال:62-63] {وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا) [آل عمران:103] ولا {وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}{الأنفال:46] كل هذه الآيات التي ذكرت وكثير من الآيات التي تحذر أن يصبح الناس بعضهم أعداء بعض، فهذه يعني ما جاء به القرآن الكريم، القرآن جاء يعني يهيأ مبدأين أساسيين بالحياة المبدأ الأول هو أن نوحد الله تبارك وتعالى هو الواحد المعبود الذي لا يعبد غيره ولا رب سواه ولا حاكم سواه يعني رب الناس {مَلِكِ النَّاسِ* إِلَهِ النَّاسِ}[الناس:2-3] هذا ما جاءت به آخر سورة بالقرآن وأول سورة بالقرآن {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}[الفاتحة:2] فهو ربٌ واحد والإله الواحد ومع هذا نرى المسلمين يختلفون بعضهم مع بعض وأبرز ما نراه القتال الذي يحدث في سوريا بين الشعب وبين النظام الحاكم، النظام يقتل الناس كل يوم بالمئات بطائرات الميغ، طائرات روسية، التي يعني تعمل بها في الميادين، ميادين القتال، ميادين قتال الشعب، الحارات والأزقة التي يعشها الشعب نضرب هذه ونقتل الناس ونضرب الجدران والحيطان والبيوت والمنازل نهدم سوريا أصبحت الآن بلداً مهدّماً يعني الآن هذا ما يجري في سوريا ما يجري في مصر الآن بين الناس بعضهم مع بعض، شيء يعني يندى له الجبين وتذرف له العيون، الناس الذين وقفوا في ميدان التحرير في خمسة وعشرين يناير 2011 وقفوا الشعب المصري كله عن بكرة أبيه بمسلميه ومسيحيه برجاله ونسائه بذكوره وإناثه بشبابه وشيوخه بمعلميه وأميه بكل الناس وقفوا في هذا الميدان يؤثر بعضهم بعضاً يعني لا ترى وحدة مثل هذه الوحدة ولا أخوة مثل هذه، حتى أن المسيحي يراعي المسلم وهو يتوضأ يأتي ويصب عليه الماء ليتوضأ يعني ما رأيت مثل هذه، بعدين تجد الواحد الطعام يكون قليلاً أحياناً بعضهم يتعفف أن يأكل ليشبع أخوه ويتعرى هو ليتغطى أخوه ويسهر طوال الليل لينام أخوه ويتعرض لضربات الرصاص والأشياء التي يطلقها الآخرون يتعرض بما فيه تلف نفسه إنهاك روحه ولا يبالي في ذلك، هذا الشعب يصبح الآن بعضه يقاتل بعضاً ويقتل بعضاً لماذا؟ من وراء هذا؟ لماذا لا يأتلف الناس بعضهم مع بعض، ولذلك كانت هذه الحلقة لفقه هذا الأمر فقه الائتلاف، وأحب أن أقول لك إن فقه الائتلاف ليس شيئاً غير فقه الاختلاف هو كان زمان بسموه فقه الاختلاف أو أدب الاختلاف أحياناً يسمونه أدب الاختلاف كما ظهر في كتاب الأمة، ظهر في كتاب أخونا أدب الاختلاف للشيخ طه..

عثمان عثمان: طه العلواني.

يوسف القرضاوي: طه العلواني، أدب الاختلاف الإسلامي وأنا أصدرت كتابا سميته الصحوة الإسلامية بين الاختلاف المشروع والتفرق الممنوع، يعني وجاء أخونا العالم السوري- رحمه الله- وتوفي بعد ذلك بعدما قدم هذا الكتاب سماه "فقه الائتلاف" فقلت هذا الرجل وُفق إلى العنوان لأن نحن نريده فقه الاختلاف هو الائتلاف ما نسميه فقه الاختلاف نذكر فقه الاختلاف الذي يؤدي إلى الائتلاف، إذا فقهنا الاختلاف حق الفقه وعرفنا أن نرد الفروع إلى أصولها والجزئيات إلى كلياتها ونقيس الأمور بالأحكام الشرعية ونرجع إلى الكتاب والسنة وإلى ما كان عليه سلف الأمة ما كان عليه الصحابة والتابعين له بإحسان حينما نرجع إلى هذا سيؤدي لهذا كله إلى أن نأتلف، تأتلف قلوبنا، وما جاء به شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وغيره جاءوا بهذا الائتلاف، فالمراد بفقه الاختلاف أن نفقه حتى يؤدي بنا أن تأتلف قلوبنا ونصبح يداً واحدة لا يصبح بعضنا يحارب بعضاً النبي عليه الصلاة والسلام في حجة الوداع قال: ((إن أباكم واحد إن ربكم واحد وإن أباكم واحد كلكم لآدم وادم من تراب)) أنتم جميعاً يعني شجرة واحدة فلماذا تختلفون؟ لا يجوز، وقال ولا يعني يرجع بعضكم البعض ((لا ترجعوا بعدي كفاراً يضربوا بعضكم رقاب بعض أو وجوه بعض))هذا عمل الجاهلية عمل الكفار ليس عمل المسلمين أبداً، المسلمون دائماً يصالح بعضهم بعضاً {فَاتَّقُواْ اللَّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُواْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ)[الأنفال:1].

عثمان عثمان: ولكن الاختلاف مولانا موجود هل كل اختلاف يعتبر فرقة؟

يوسف القرضاوي: لا ليس كل خلاف يعتبر فرقة هناك اختلاف مطلوب يعني في تعددية دينية وهناك تعددية لغوية وهناك تعددية عرقية وهناك تعددية سياسية، كل هذا جاء به القرآن في تعددية دينية قال: {وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ){هود:118,119} ولذلك خلقهم.

أهمية وضرورة الائتلاف من الناحية الشرعية

عثمان عثمان: إذن هنا مولانا نسأل عن أهمية وضرورة الائتلاف من وجهة نظر شرعية.

يوسف القرضاوي: أنا أقول إن ما جاء به الإسلام جاء يدعو إلى هذه التعدديات تعددية دينية، ربنا لو أراد الناس كلهم أن يكونوا على دين واحد وليس فيهم كافرا أبداً كلهم مؤمن بالله كان يخلقهم كلهم ملائكة، الملائكة كلهم لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يأمرون، كلهم عابد لله عز وجل، إنما الله أراد أن يخلق إنسان مخلوق يعني له عقل وله إرادة فيستطيع أن يختار الدين الذي يراه والسلوك الذي يسلكه وبناءً على طبيعته، لو أراد الله أن يجعل الناس ما كان خلق هذا الإنسان فهذا إرادة من الله سبحانه وتعالى أن يكون هذا النوع من المخلوقات ولذلك {وَلَوْ شَاء اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً)[المائدة:48]{وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي}[السجدة:13] إلى آخره فدي تعددية دينية، في تعددية لغوية {وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ)[الروم:22] اختلاف اللسان، ألسنة مختلفة وألوان مختلفة في ألوان أبيض وفي أسود وفي ملون وكل الألوان والأشكال، اختلاف الألسن والألوان، هذا كله من الاختلاف أراده الله سبحانه وتعالى.

عثمان عثمان: ما الحكمة من هذا الاختلاف؟

يوسف القرضاوي: وفي اختلاف سياسي وفي اختلاف عرقي وجنسي في هذه الأجناس الجنس الأصفر والجنس الأبيض والجنس الأسود، أجناس هؤلاء خلقهم الله، التعدد هذا مطلوب وبه سيصبح هناك غنى، بأن يكون كله شيء واحد ما يبقى في تلون ولا تنوع، التنوع مهم جداً والتنوع لا يضر، لأن اللي يضر ما يحدث مع ذلك، فلذلك وبعدين في تعدد سياسي وحزبي وهذا في ديننا الإسلام أيضاً بأن يتنوع الناس سياسياً وحزبياً {كلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ}[المؤمنون: 53] بناء على رؤى معين وعلى ظواهر على أحكام لماذا لم يكون الناس كلها على حكم رجل واحد، اختلفوا في الفروع لا شك وفي بعض الأصول يعني اختلفوا فيها واختلفت المذاهب، عندنا مذهب الشافعي وأبو حنيفة ومالك وابن حنبل وداود وإسحاق ابن راويه والطبري ويعني ما غير ذلك مذاهب كثير، كل هذا يدل على أنه في متسع لئن يكون الناس متنوعين وأن يعيشوا أنواعاً مش شيء واحد ولكن المهم كيف يضبطون العلاقة بينهم بحيث تكون علاقة سوية ليست علاقة محاربة وليست علاقة مقاتلة ليس إن اجتمعنا إن أنت لك رأي وأنا لي رأي يعني نحنا أن يضرب بعضنا وجوه بعض لأ، لماذا؟

عثمان عثمان: إذن نحن هنا نتحدث عن الاختلاف المشروع الذي فيه إثراء وفيه تنوع في مقابله التفرق المذموم لكن لو أردنا أن نسلط الضوء على ضرورات الوحدة والائتلاف من وجهة نظر شرعية؟

يوسف القرضاوي: على؟

عثمان عثمان: ضرورات الوحدة والائتلاف.

يوسف القرضاوي: هذا، هذا ضرورة لا بد منها أن الناس مهما كان هناك ظواهر للتنوع والتعدد والاختلاف لا يمنع هذا من أن الناس تكون عندهم أشياء توحدهم، في أشياء تفرق وفي أشياء تجمع لماذا نذهب إلى المفرقات ولا نأتي إلى الجوامع.

عثمان عثمان: وما أكثرها.

يوسف القرضاوي: فالجوامع مهمة موجودة، لماذا فرض الله على الناس الصلوات وفرضها وطلبها في جماعة، وجعل الجمعة فريضة أسبوعية، وجعل العيد مرتين في السنة وفرض الحج، كل هذه أشياء لتجمع الناس حتى لا يظلوا متفرقين، الدين هو يعني أصله التوحيد كما قلنا أول شيء الله واحد بعدين ثاني شيء الجماعة واحدة، الأمة واحدة كما قال تعالى {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء: 92] {وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ}[المؤمنون:52] يكفي أن يسميها أمة، يعني هذه الأمة الإسلامية الآن يقدروها بمليارين إلى ثلث وهم دائما ً يقللون عدد المسلمين باستمرار هم أكثر، إنما سلمنا أنهم بمليارين إلى ثلث، هؤلاء يريدون أن يفرقوهم والله سبحانه وتعالى يريد أن يجمعهم حتى يعلم الإنسان يربيه حينما يقرأ الفاتحة وهو يصلي، افرض يصلي وهو لوحده في بيته ولكن يقرأ قوله تعالى {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}[الفاتحة:5] يتكلم باسم الجماعة وبلسان الجماعة وبصيغة الجماعة " {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ*اهدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ}[الفاتحة:5-6] حينما يسأل ربه لا يقول أهدني الصراط المستقيم، أهدنا، يتكلم باسم الأمة فهذا يربي المؤمن من أول يوم على أنه عضو في جماعة كبيرة فرد في أمة لا بد، فليس التعددية لا تعني الاختلاف والتفرق، الاختلاف الذي يريده الإسلام، اختلاف الآراء، اختلاف الأفكار، ما دام كل واحد منا له عقله الذي يرتب به الأمور والأفكار ويجعل النتائج على المقدمات والمسببات على الأسباب وهكذا يفكر كل إنسان، ولكن مع هذا يريد أن يكون للجميع أشياء تجمعهم وتربطهم برابطة واحدة فهذا ما يجب أن يحرص عليه كل داع ٍ للأمة إلى أن تراعي هذه الأمور التي تُلزم بالتعدد وتوجب التعددية في تعددية ولكن في أيضا وحدة، في اجتماع، في تآلف..

عثمان عثمان: سنتحدث أن شاء الله عن إطار الوحدة، عن دوائر الوحدة لكن انقل لكم الآن سؤال داود من الجزائر يقول معلوم أن مفهوم الإخوة متجذر في وجدان كل مسلم لأنه من صميم العقيدة، ولكن توجد عقبات ومعوقات تحول دون الائتلاف الفعلي ما ابرز هذه المعوقات اسمع الإجابة بعد أن نذهب إلى فاصل قصير، فابقوا معنا مشاهدينا الكرام نعود إليكم بإذن الله بعد الفاصل.

[فاصل إعلاني]

معوقات الائتلاف وسبل معالجتها

عثمان عثمان: أهلا وسهلا بكم مشاهدينا الكرام من جديد إلى حلقة هذا الأسبوع من برنامج الشريعة والحياة والتي هي بعنوان فقه الائتلاف مع فضيلة شيخنا العلامة الدكتور يوسف القرضاوي، هنا الأخ داود يسأل عن معوقات هذا الائتلاف، تحدثتم في بداية الحلقة عن منظر وصورة ميدان التحرير عند انطلاق الثورة، كيف توحد الناس ثم الآن انقلبت الصورة هناك معوقات لهذه الوحدة ولهذا الائتلاف ما أبرزها؟ وكيف يمكن معالجتها؟

يوسف القرضاوي: هو طبعا الناس يعني معادن وأصناف هناك مثلا في القاهرة بعض الشباب من الشباب الذين يعني كانوا في أوائل من قام بالثورة ولهم قدمهم ولهم سبقهم وذهبوا إلى جهات مختلفة ومنها الأزهر الشريف وإلى شيخ الأزهر وطلبوا أن يقوموا بهذه المبادرة أن يرفض العنف، أن يرفض المصريون العنف أن..

عثمان عثمان: وثيقة الأزهر.

يوسف القرضاوي: وثيقة الأزهر الأخيرة، الأزهر عمل وثائق عدة منها الوثيقة الأخيرة برفض العنف أيا كان هذا العنف، وافق شيخ الأزهر ووقع عليه ووقع عليه المشايخ ونُشر هذا وقبل الكثيرون هذا الأمر ولكن للأسف وجدنا ما هو أسوأ، انقلب الأمر مرة أخرى وأصبح الناس يقاتلوا بعضهم بعض لماذا يقاتل الناس؟ لماذا الناس تحمل المولوتوف هذا ويضرب بعضهم بعضا؟ وبعض الناس تأتي بالونشات لتضرب قصر الاتحادية، القصر اللي فيه الرئيس ما هذا؟ هذا يعني أمر يعني غريب، فأنا أقول الموجهات موجودة والتعاليم القرآنية والتعاليم النبوية التي تدعونا إلى أن نتحد ولا نختلف ونجتمع ولا نتفرق وأن يضع بعضنا يده في يد أخيه، هذه تعاليم واضحة غاية الوضوح وكل مسلم يعرفها ويعني لا يجوز أن يصبح الناس يعني بعضهم يضرب بعضا وهذا أمر لا يقبله الإسلام ولا يُقبل في إي منطق، فإنما هناك أشياء معوقات نفسية وفكرية واجتماعية وسياسية تحول بين هذه الأمور، هناك يعني أشياء أنه كل واحد يريد أن يكون شيئا مذكورا، لا يريد أن يذوب في الأمة، بأن يظل هو الحاكم ويظل هو الرئيس ويظل هو كذا فلا يقبل أن يدخل في غيره مع أن أحيانا الحكمة والمصلحة تقتضي أن اندمج مع غيري، ساعات الواحد لوحده ضعيف، اثنين اقوي، أربعة أكثر، ثمانية، ستة عشر، اثنين وثلاثين وهكذا كلما التقينا كلما ازددنا قوة، لماذا لا يلتحم بعضنا مع بعض! هذه الأنانية أحيانا تجعل بعض الناس يعني لا يريد أن يفرط في حكمه ولا في ملكه ولا في إمارته ولا في رئاسته ليظل هو كما هو، الإبقاء على الشخصية، شخصية الإنسان دون الاندماج في الشخصية الكلية العامة يعني هذا يدل على إتباع الهوى من ناحية، {وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ}[ص:26] كما قال الله لداود: {يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ} [ص:26] فالهوى إتباع الأهواء هو الذي يفرق بين الناس مع بعضهم وبعض يعني كل واحد، كل واحد عايز لغته فيعني ما نقبل اللغة العربية مثلا لتجمع بين العرب كلهم أو بين المسلمين المفروض تكون لغة المسلمين كما هو الشأن للمسلمين كلهم أمة واحدة، أيضا إتباع الأهواء هي التي تجعل الناس لا يجتمعون على قلب رجل واحد وتحول بين تواصلهم بعضهم وبعض، فمسائل تحتاج إلى تربية أخلاقية ونفسية وإيمانية قبل كل شيء وتوعية أيضاً من هذه أضرار، هؤلاء محتاجين إلى توعية سياسية هناك ناس ما عندهاش دين ولكن عندها وعي، وعرفت أن هذه الأشياء مصلحة لها في حياتها وإن كانوا غير متدينين، هذا لا عندنا وعي ولا عندنا إيمان ونحن نستعيذ بالله من هذا.

عثمان عثمان: مولانا كنتم تتحدثون دائما ًعن دوائر للإخوة والتآلف والوحدة، تحدثتم عن الدائرة الوطنية والقومية وعن الدائرة الإسلامية وعن الدائرة الإنسانية التي هي اشمل وأوسع، هل يمكن لهذه الأُخُوات وهذه الذوات أن تتكامل وتتآلف لتؤدي الدور المنشود منها؟

يوسف القرضاوي: نعم، هناك هذه الدوائر كلها في الدائرة الإنسانية العامة، كلنا أبناء آدم وحواء {يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا}[الحجرات:13] يعني ممكن الناس تتعارف يعرف بعضهم بعضا ًولا يجهل بعضهم بعضا ًولا يصدم بعضهم بعضا، ً التعارف الإنساني هذا أمر، كما يقول الشاعر العربي:

إذا كان أصلي من تراب فكلها           بلادي وكل العالمين أقاربي

ما دام أنني أصلي من تراب وأنت أصلك من تراب يبقى كلنا تربة واحدة، كلنا من هذه الأرض وكلنا من أبناء آدم، لماذا لا نتعارف؟ الإخوة الإنسانية هذه، ولذلك إن ربكم واحد، الأصل في النظرة الإسلامية إن العالم كله أسرة واحدة من أب واحد وأم واحدة، فلماذا لا يتعارفون؟ فهذا من الناحية الإنسانية وبعدين هناك أيضاً إخوة وطنية أو قومية وكان بعض الناس يجادلني بهذا قلت له هذا ذكره القرآن قال: أين ذكره؟ قلت له: اقرأ معي قول الله تعالى: {كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلا تَتَّقُونَ}[الشعراء: 105-106] ويقول {يَا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ}[نوح:2] يا قومي هو هؤلاء قومه، وهو منهم وهم منه، فلذلك يعني أخوهم ما هو بقول كذب يعني هؤلاء يكذبونه، والله تعالى يقول هو أخوهم، كيف أخوهم مع تكذيبهم لهم؟

عثمان عثمان: بالقومية والوطنية.

يوسف القرضاوي: نعم؟

عثمان عثمان: بالقومية والوطنية ربما..

يوسف القرضاوي: آه فهي إخوة قومية كذبت قوم نوح، {كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ} [الشعراء:123] قال لهم أخوهم هود، {كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَالِحٌ} [الشعراء:141-142] كذبت قوم لوط المرسلين قال لهم أخوهم لوط ٌ، كذبت عاد، {كَذَّبَ أَصْحَابُ الأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ}[الشعراء:176] إذ قال لهم إيه عاد؟ ألا تتقون، ما قالش أخوهم إيه..

عثمان عثمان: عاد.

يوسف القرضاوي: أخوهم هود.

عثمان عثمان: هود، نعم.

يوسف القرضاوي: قال لهم هودٌ ألا تتقون، ما قالش أخوهم، لأنه هو كان أخو ثمود، ولذلك قال لثمود أخاهم صالحاً إنما أصحاب الأيكة ما كنش أخوهم ما كنش منهم، فما سُمي أخوهم، معناها انه في أخوة قومية إذا كان الواحد من هؤلاء الناس، أنت من هذا الشعب ومن هذا البلد فلك أخوة فيه، فهذه أخوة وطنية يجب تكون أيضاً من المعتمدات التي يعتمد الناس عليها بجوار عمدة الدين، وهناك الأخوة الإيمانية..

عثمان عثمان: إنما المؤمنون أخوة.

يوسف القرضاوي: أيوة، وهي أخوة الدين، وبعض الناس ما فيش إلا إخوة، لا هي أخوة حقيقية وأعظم أنواع الإخوة لكن لا تغني عن غيرها، في أخوات أخرى، {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ}[الحجرات: 10] {فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا}[آل عمران:103] ((المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته)) إلى آخره.

إشكالية الاختلاف في مناحي الحياة

عثمان عثمان: لكن هنا مولانا تبرز إشكالية، إشكالية الاختلاف في العقائد، إشكالية الاختلاف في الفكر، في التوجه، في السياسة، في إدارة البلاد، قد لا يمكن جمع مثل هذه الاختلافات لبناء وطن أو لبناء أمة، كيف يمكن تجاوز هذه الإشكالية؟

يوسف القرضاوي: هو الناس تختلف فعلاً، ولكن هناك أشياء يتفق عليها الناس، في أشياء يرى أهل الفكر وأهل الحل والعقد وأهل النظر في الأمور، وفي مزاياها، وفي موجباتها وفي مؤخراتها، حينما ينظرون إلى الأمور في كلياتها وجزئياتها، يبدو لهم أن هذا الأمر يجب أن يقدم على غيره، ويتفق الجميع على هذا، فإذا لم يتفقوا يبقى ما يتفق عليه الأغلبية من هنا قامت مسألة الديمقراطية، ما معنى الديمقراطية؟ ما يتفق عليه أغلب الناس هو المعمول به، في أشياء تتطلب أغلبية يعني مطلقة، يعني مش زائد واحد، وفي أشياء أغلبية الثلثين، يقولك لا لازم يوافق الثلثين عشان تغير الدستور أو تعمل كذا، فالناس لا بد أن يكون لهم لهذه الأمور مخرج منها، لماذا الله أعطى الناس هذه العقول، هل العقول ليظلوا مختلفين! العقول إذا ظل الناس مختلفين ولم يتفقوا بقت بلوى البشر، لا العقول هي شرف هداية الناس إلى كل مصلحة وإلى كل خير، فإذا نظرنا في الأمر كثيراً ما نتفق، وهذا ما شهدناه حتى في البرلمانات، المدارس النيابية ومدارس الشورى والشيوخ وهذه الأشياء، أحياناً يجتمع الجميع على كلمة واحدة، فإذا اجتمعوا بها نعمة، إذا اختلفوا للأغلبية وهكذا، حتى أنا قلت للناس في مصر يعني هناك خلاف في قضية الدستور على بعض الأشياء، لماذا لا نفتح الباب في هذه القضايا، ووافق الرئيس محمد مرسي، ووافق المسؤولون في الدولة إن هذا أمر يجب أن يكون فيه آراء من جديد وتبحث الأشياء المختلف فيها وأول جلسة في مجلس النواب الجديد تنظر هذه الأمور وما يتفق عليه الناس يعمل به، كثير ما يختلف الناس، أنا لي آراء في الدستور، وأرسلتها إلى المجلس بعدما كان اتفقوا على الأشياء وقالوا يعني يكفي إن إحنا قبلنا كذا وعملنا كذا، ولكن أنا أرى أن هذه الأشياء مهمة، نص على الإيمان بالله أساس من الأسس، إحنا قلنا يقوم على الحرية، الحرية مهمة صحيح إلا أن الإيمان أهم من الحرية، إحنا مجتمع مؤمن بالله وبرسالاته وبالدار الآخرة وبالقيم الأخلاقية وهذه الأشياء المهمة لماذا لا نقوم بها؟ ولي آراء في أشياء كثيرة، فأنا أرى أن هذه الخلافات بين الناس لا تمنع أن يجتمعوا على جوهر الأمور وعلى كليات ولذلك أنا أدعو الناس إلى أن يعودوا إلى المقاصد الكلية للشريعة الإسلامية، في يعني نصوص جزئية وفي نصوص كلية، النصوص الكلية التي تهتم بمقاصد الشريعة، المقاصد التي تتعلق بحفظ الدين، بحفظ النفس، بحفظ النسل، بحفظ العقل، بحفظ المال، بحفظ العرض، هذه أشياء أساسية، كل مسلم على مسلم حرام دمه وماله وعرضه يعني هذه أشياء أساسية، في نصوص بذاتها تهتم بهذه الأشياء ونصوص فيها أمور جزئية، كثير من الفقهاء والعلماء يهتمون بالأمور الجزئية التي جاءت لتعنى بأمرٍ جزئي يتعلق ببعض الأشخاص بمصالح بعض الأشخاص، بمفاسد بعض الأشخاص، وينسى الأمور الكلية الأمور الكبرى، لو إحنا اتبعنا المقاصد نجمع الناس بدل ما نذهب إلى الأشياء التي تفرق الناس وتجعل الخلاف بينهم يعني شديداً، فمهمتنا أيضاً التفقيه، نفقه الناس، كيف يحسنون فقه هذا الدين لأن ليس مهما انك تحفظ نصوص الدين، تحفظ القرآن كله، تحفظ ألف حديث، 10 آلاف حديث، تحفظ البخاري، أبو داود أو الترمذي، ليس المهم هذا، أهم من الحفظ انك يعني تعرف الأمور الكلية، الأمور الكلية تريحك وتريح الناس معك، نرجع إلى هذه الكليات، ونعرض ما عندنا عليها، فهذا يدعونا إلى الاتفاق أكثر ما يدعونا إلى الاختلاف.

عثمان عثمان: أين موقع العدل مولانا من إقامة الائتلاف، هل هو ركيزة من ركائز الائتلاف، إذا غاب العدل، غاب الائتلاف وغابت الوحدة؟

يوسف القرضاوي: لا شك أن العدل، القرآن يسميه أحياناً القسط، هو ركيزة أساسية، الله سبحانه وتعالى جعله هدف الرسالات السماوية كلها {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ}[الحديد:25] إلى آخره، إنما أرسلنا رسلنا بالبينات بالدلائل الظاهرة وأنزلنا معهم الكتاب والميزان، الميزان هذا لماذا؟ ليقوم الناس بالقسط، بالعدل، ربنا أمر الناس بثلاثة أشياء كان العدل أحدها{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى}[النحل:90] لما أمر الناس بأمرين كان العدل أحدهما {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ}[النساء:58] لما أمر بشيئين كان العدل أحدهما، لما أمر بشيء واحد هو العدل، قل أمر ربي بالقسط، فالقسط والعدل أمر عظيم، الناس إذا ولوا وجههم نحو العدل في كل الأمور، إحنا نطلب العدل في الأمور بين الناس بعضهم لبعض، الحكم بين الناس، العدل القضائي، العدل الذي يحكم به القضاة بين الناس، هذا عدل، وهناك عدل بين الأمم بعضها ببعض، لا يجوز انك تظلم أمة من الأمم لأنك قوي وهي ضعيفة أو غني وهي فقيرة، أو قادر وهي عاجزة، فإذا تضمها إليك وتأكل حقوقها ولا تعطيها شيئاً، هذا لا يجيزه الإسلام، هناك عدل اجتماعي بين الطبقات بعضها وبعض، لا يجوز انك تفضل طبقة على طبقة، الأغنياء يأكلون الفقراء، الأقوياء يأكلون الضعفاء، أصحاب الأموال يأكلون العمال، هذا لا يجوز، العدل لا بد أن تقيم العدل بين الناس، إذا أقمت العدل بين الناس تتألف القلوب، الإنسان لماذا يكره الآخرين؟ إذا اعتدوا عليه، إذا أكلوا حقه، إذا لم يجد في بيته رغيفاً يأكله، أو يأكله أولاده الصغار، وناس آخرين يعني يعبثون بالملايين وهو يعبث بالملاليم، والآخرين يعبثون بالملايين، يكره هؤلاء، يحقد عليهم، وذلك الإسلام أمر بالزكاة، وجعلها فريضة، الزكاة حق معلوم وحق معلوم تسيطر عليه الدولة، خذوا من أموالهم صدقة، خذ، تؤخذ من أغنياءهم لترد على  فقرائهم، وجعل العاملين عليها هم الذين يأخذونها، يعني في عاملين عليها وموظفين ويأخذوا حقهم من مال الزكاة نفسه {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ} [التوبة: 60] فالعاملون عليها هم موظفون رسميون يأكلون من مال الزكاة، يأخذون حقهم من مال الزكاة، لأن الشافعي قال ما يصحش يأخذوا أكثر من الثُمن، وهذا ما أقول عشان ما نضيعش أموال الزكاة على الإداريات والأشياء دي، لازم نقتصد في هذا، فالعدل كما ذكرت يعني له أهمية، يعني لا بد للناس أن يراعوا قيمة العدل.

عثمان عثمان: الأخ عبد الله مهران مولانا يقول، ما الأسباب التي تحول دون ائتلاف الأمة في مسائل العبادات كالصيام والأعياد خاصة في ظل ما يشهده شهر رمضان سنوياً من جدل حول ثبوت دخول الشهر فلكياً وحسابياً وبصرياً، وتعدد بدايات ونهايات رمضان في أقطار تشترك معظمها في جزء من الليل وربما كل الليل، هل هذا الاختلاف في مسألة تحديد بداية شهر رمضان، نهاية شهر رمضان  الأعياد يؤثر على وحدة الأمة وائتلافها؟

يوسف القرضاوي: لا، لا ينبغي، ولكن هو لا شك، أنه من الأسباب التي تقرب الأمة بعضها من بعض أن تتحد في هذه الأمور، يعني للأسف في شهر رمضان، وفي عيد الفطر وفي عيد الأضحى، نجد هذا الاختلاف الواسع بين البلاد الإسلامية بعضها وبعض، وبعض البلاد بينها وبين بعض فرق يوم وفرق يومين، لماذا هذا؟ وعندنا من الإمكانيات الآن التقنية العالية والعلمية، معرفة الناس بالفلك وبظهور القمر في البلاد المختلفة باللحظة وبالثانية، هيطلع متى هنا وهيطلع متى هنا، إنما المهم متى يرى بالعين المجردة، لأن الشهر لا يثبت شرعاً إلا إذا أمكن رؤيته بالعين المجردة، فمتى يمكن رؤيته بالعين المجردة؟ إذا عرف هذا ستقرب المسافة بين المسلمين بعضهم وبعض، ولكن هناك أناس تقولك لا يعمل بالفلك، معظم المذاهب تعمل بالفلك، الشافعية والحنفية والمالكية، كل منهم يأخذ بالفلك، الحنابلة هم الذين يأخذون بالفلك، وأعتقد أنهم لو حضروا عصرنا ورأوا هذا العلم الواسع في الفلك، والذي ظهرت به الأمور، أساس علم الفلك الناس استطاعوا أن يصلوا إلى القمر وإلى المريخ وإلى هذه البلاد بالحساب الفلكي، هؤلاء الذين صنعوا هذه الأمور كلها ووصلوا باللحظة يعني هل يعني دون أن يعرفوا متى يطلع الهلال بالبلد الفلاني ومتى يغيب في آخر الشهر، ومتى يظهر في أول الشهر ومتى يظهر هلال شوال وهلال رمضان وهلال ذي الحجة، أعتقد هذا ليس من الأمور الصعبة إذا صدق المسلمون ورجعوا إلى أهل العلم الحقيقي واستمعوا إليهم واخذوا عنهم.

مفهوم الجماعة في زحمة الصراعات السياسية

عثمان عثمان: عبد الله الشمالي يسأل ويقول لقد نجح الغرب في بناء مصالحه الاقتصادية والسياسية عن طريق العولمة وتعزيز الاتحادات وبناء المنظمات وضم الكيانات، أليس أولى بالمسلمين أن يستشعروا قيمة الوحدة وآثار الائتلاف عليهم حاضراً وحاجتهم إليه مستقبلاً، يعني كيف يمكن أن نستحضر مفهوم الجماعة، روح الجماعة، مصلحة الوطن، مصلحة الأمة في ظل زحمة الخلافات السياسية والإيديولوجية؟

يوسف القرضاوي: ليس صعباً أبداً أن نستخدم العلم، كل أنواع العلم، فهناك العلم الشرعي، وهناك العلم الوضعي البياني، يعني العلوم الإنسانية، علوم اللغة العربية واللغات الأجنبية، والعلوم الاجتماعية والعلوم الإنسانية، وهناك العلوم الطبيعية والرياضية، كل دي أنواع من العلوم ولا يمنع الإسلام، بل مش يمنع يوجب علينا أن نتبع العلم، الجاهل يجب أن يتبع العالم، سيدنا إبراهيم حين قيل لأبيه، {يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا}[مريم:43] أنا عندي علم أنت ما عندكش، لازم تتبعني، الجاهل يتبع العالم، نحن لسنا نعرف أمور الفلك ولا نعرف في الرياضيات، ولا نعرف في الفيزياء، ولا نعرف في الأمور الأخرى التي تحتاج إلى تخصصات عالية، وأنا لست متخصصاً في كل شيء، أنا متخصص في الشريعة الإسلامية، في التفسير، في الحديث في الفقه، في أصول الفقه، يعني عندي تخصص معين لا أعرف، لا بد أن أرجع إلى غيري، ولازم الأمة كلها يتعلم من بعضها البعض لأن الأمة تعتبر كشيء واحد، الغني يصرف على الفقير، والقوي يعطي الضعيف بحيث تكون الأمة كلها يعني وحدة، فما يفرضه الإسلام إن الناس تأخذ من بعضها البعض، وتصل إلى أرقى ما ينبغي أن يصل إليه الإنسان في هذه النواحي.

عثمان عثمان: في الختام أشكركم سماحة الشيخ العلامة الدكتور يوسف القرضاوي، على هذه الإفاضة الطيبة، كما أشكركم مشاهدينا الكرام على حسن المتابعة، لكم تحيات معد البرنامج معتز الخطيب والمخرج منصور الطلافيح، وفي المتابعة عبير العنيزي، دمتم في أمان الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.