الشريعة والحياة

السياسة والاستبداد.. وسؤال الأخلاق

يستضيف البرنامج العلامة الدكتور يوسف القرضاوي ليتحدث عن العلاقة بين الدين والسياسة التي يرى البعض أن السياسة والدين منهجان مختلفان لا يجتمعان باعتبار أن السياسة لا تحتكم إلى مبدأ ديني أو أخلاقي.

– العلاقة بين الدين والسياسة
– الفعل السياسي والالتزام الأخلاقي للحاكم
– ضوابط الصراع على السلطة
– أهمية الصدق في الدعاية الانتخابية
– شرعية المقاومة المسلحة ضد الحاكم الظالم 

‪عثمان عثمان‬  عثمان عثمان 
‪عثمان عثمان‬  عثمان عثمان 
‪يوسف القرضاوي‬  يوسف القرضاوي 
‪يوسف القرضاوي‬  يوسف القرضاوي 

عثمان عثمان: مشاهدينا الكرام السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أهلاً ومرحباً بكم على الهواء مباشرةً في هذه الحلقة الجديدة من برنامج الشريعة والحياة، المسألة الأخلاقية تشكل عصب الحياة، إذ من دون الأخلاق تفقد الحياة الإنسانية بُعدها الإنساني، فقد قيل إن الإنسان كائن أخلاقيٌ قبل أن يكون كائناً عقلانياً، ومظاهر فساد وإفساد الاستبداد تحيل إلى إفساده للأخلاق نفسها وليس بالسياسة فقط، ولأن الأخلاق ملازمة للفعل الإنساني أو هكذا يجب أن تكون فإن وقائع الأحداث تستوجب طرح الموضوع الأخلاقي باستمرار لاستحضاره واستمرار عملية التصويب الأخلاقي لأفعالنا، فهل تنحصر المسؤولية الأخلاقية داخل حدود الدولة، وما الفرق بين الفعل السياسي والفعل الأخلاقي؟ وكيف يجعل الاستبداد السياسي النفاق خلقاً عاماً؟ السياسة والاستبداد وسؤال الأخلاق، موضوع حلقة اليوم من برنامج الشريعة والحياة، مع فضيلة شيخنا العلامة الدكتور يوسف القرضاوي، مرحباً بكم سيدي. 

يوسف القرضاوي: أهلاً بك يا أخ عثمان.

العلاقة بين الدين والسياسة

عثمان عثمان: البعض يرى أن السياسة والدين منهجان مختلفان لا يجتمعان باعتبار أن السياسة لا تحتكم إلى مبدأ ديني أو أخلاقي، بدايةً فضيلة الدكتور كيف ترون العلاقة بين الدين والسياسة؟

يوسف القرضاوي: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا وإمامنا وأسوتنا وحبيبنا ومعلمنا رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه {رَبَّنَا ءاتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا} [الكهف: 10] {رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} [آل عمران: 8] وبعد؛ إن شر ما يبتلى به الناس هو الحكم الاستبدادي، دخول الاستبداد إلى الحكم، فهو يفسد السياسة ويفسد الأخلاق، ويفسد الدين، ويفسد الاقتصاد والاجتماع ويفسد كل شيء، وهذه المقولات من أثر ظهور الاستبداد وتحكمه في السلطات، بدأت تظهر هذه الأشياء، والإسلام لا ينفصل عن الأخلاق، الإسلام في جوهره رسالة أخلاقية، تريد من الإنسان أن يكون أخلاقياً، ما معنى أخلاقياً؟ أن يكون ملتزماً بالأخلاق، فضائله، فالفضائل يتحلى بها والرذائل يتخلى عنها، الفضائل: الصدق والأمانة والعدل والطهارة والعزة والتواضع وكل ما يحبه الناس من هذه المعاني، معناها الفضائل هي داخل الأخلاق، وضدها الرذائل، الأشياء التي حرمها الدين، ونهى عنها، فالإسلام يهتم جداً بالأخلاقيات، حتى أنه جعل العقيدة نفسها، يعني التوحيد نفسه جعله معنى أخلاقي، لأن الله سبحانه وتعالى قال: {إنَّ الشِرْكَ لَظلمٌ عَظيم}[لقمان:13]، {وإذْ قال لُقمَان لابنهِ يا بُنَي لا تُشرِكْ بالله إنَّ الشِرْكَ لَظلمٌ عَظيم}[لقمان:13]، يقول انه رذيلة كبيرة ومعناها إن العدل فضيلة عظيمة، فحتى جعل هذه المعاني الكبرى جوهر الدين، هو العدل، الإسلام جعل العبادات لها أهمية في أنها تدعو الناس إلى الفضائل، الصلاة تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر:{وأَقِمْ الصَّلاة إنَّ الصَّلاة تَنْهَى عَن الفَحْشَاءِ والمُنْكَرِ}[العنكبوت:45] الزكاة{ خُذْ مِن أَمْوالِهم صَدَقَة تطهّرُهُم وتُزَكّيهِم}[التوبة:103]، هذا معنى أخلاقي تطهرهم وتزكيهم بها، الصوم، ومن لم يدع قول الزور والعمل، فليس لله حالة في أن يدع طعامه وشرابه، ما عدش له قيمة، الحج نفس الشيء} لَنْ يَنالُ اللهَ لُحُومها وَلا دِماؤها ولكن يَنَاله التَّقوَى مِنكُم{ ] الحج: 37[، فأهم ما ينبغي أن تؤثر فيه العبادات هي الأخلاق، العقيدة مهمتها الأخلاق، والرسول- عليه الصلاة والسلام- يقول: ((إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق أو لأتمم مكارم الأخلاق)) يعني جعل هذه، كأن هذه هي مهمته، إنني بعثت لهذا، فمهمته في الدين كله يهيأ الناس لمكارم الأخلاق، حتى يعيشوا بالأخلاق، ولذلك السياسة لا معنى للسياسة إذا تخلت عن الأخلاق، الشيخ عبد الرحمن الكواكبي المصلح العظيم اللي كان معاصر للشيخ محمد عبده، عمل كتاب اسمه طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد، وجعل الاستبداد ده سبب كل فساد مش بس بالسياسة، يفسد السياسة ويفسد الأخلاق، ويفسد الثقافة، ويفسد الاقتصاد، ويفسد الأسرة، ويفسد المجتمع، كل شيء يفسده الاستبداد، فنحن يجب أن نحارب يعني الاستبداد ونستخدم الأخلاق، نحرص على أن يكون عملنا كله الأخلاق، الإمام ابن تيمية ألف كتاباً سماه السياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعية، هذا الكتاب بناه على آيتين من القرآن الكريم، الآية الأولى قوله تعالى: } إنَّ اللهَ يأمُرُكُم أنْ تؤدوا الأمَانَاتِ إلى أهلِها وإذا حَكَمْتُم بينَ النّاسِ أنْ تَحْكُمُوا بالعَدْلِ{ ]النساء:58[ والآية الثانية: } يا أيّهَا الذّينَ آمَنوا أطيعُوا اللهَ وأطيعُوا الرّسُولَ وأولِي الأمرَ مِنكُم فإن تَنازَعْتُم في شَيءٍ فَردُوه إلى اللهِ والرّسولِ { ] النساء: 59[، يعني آية تتعلق بالحكام وبالرعاة، وآية تتعلق بالمحكومين بالرعية بالشعب، فجعل هاتان الآيتان أساس الكتاب كله، أساس مبني على من ناحية الحكم على رعاية الأمانات وإقامة العدل ليشتمل العدل كله: العدل القضائي، العدل الاجتماعي والعدل الدولي والأمانات بكل معاني الأمانات..

عثمان عثمان: ذكرتم مولانا، تتحدثون أن السياسة من صلب الدين وأن الأخلاق هي التي يجب أن تتحكم في العمل السياسي، لكن الإمام محمد عبده كما تعلمون له موقف من السياسة، شن عليها، تعوذ منها،  من كل مشتقاتها، ومن كل ما يرتبط بهذه الكلمة، هل لهذا الموقف من مغزى معين، في أي إطار يأتي؟

يوسف القرضاوي: يعني الموقف هو عملية السياسة، الرئاسة في السياسة، الواجب أنها ترتبط بالأخلاق وبالمبادئ وبالدين، كلما لا بد منه للحياة، يعني السياسة هي التحكم في أمور الناس، الأمور العامة، كلها، أمور المال وأمور الحكم، وأمور الاقتصاد وأمور الثقافة وأمور الإعلام، كل أمور الحياة، السياسة، للأسف السياسة لم ترتبط ولذلك استعاذوا بالله من السياسة، السياسة عملية..

عثمان عثمان: قائمة على الاستبداد.

يوسف القرضاوي: الإمام محمد عبده تحدث عن السياسة، وقف ضد الاستبداد ووقف ضد الحكم الظالم، ووقف ضد الحكم الفاسد، وطلب السياسة العادلة، السياسة التي قام بها القرآن وجاءت بها السنة وقام بها الرسول عليه الصلاة والسلام وقام بها أصحابه، الحكم الذي يقوم على الكتاب وعلى الميزان والله تعالى يقول يعني }لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ}[الحديد:25] هذه السياسة، السياسة أنت تحكم الكتاب والميزان، والكتاب النصوص يعني عندنا إحنا بالإسلام نصوص القرآن والسنة هذه يحسن أن نفهمها يعني مش نخليها تويدنا بداهية بسبب سوء فهمنا وبعدين نقول هذه الإسلام لا الإسلام، فالنصوص من ناحية والميزان، الميزان ده من الناحية العقلية الله الذي يعني أنزل الميزان ليقوم الناس بالقسط الميزان {اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ{ [الشوّرى:17] { وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ* أَلاَّ تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ* وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ}[الرحمن:7-9] فربنا أراد أن يحكم الكتاب والميزان ما فيش كتاب من غير ميزان ولا ميزان من غير كتاب، الميزان ده الأمر المهم، ذكر }وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ}[الرحمن:9] مش أحياناً بعض الناس لما يخسر الميزان ينزل الميزان لا بالقسط بالعدل التام هذا ما يريده الإسلام يعني للمسلمين في حياتهم. 

الفعل السياسي والالتزام الأخلاقي للحاكم

عثمان عثمان: هل هناك فرق بين الفعل السياسي من جهة والفعل الأخلاقي من جهة أخرى؟

يوسف القرضاوي: الفعل السياسي كثيراً ما لا يلتزم بالفعل الأخلاقي لا يلتزم بالأخلاق ولا يلتزم بالدين، كثيراً ما يلتزم بالمصلحة المصلحة الشخصية أو الحزبية أو مصلحة مش المصلحة العامة، المصلحة العامة مطلوب من الناس والله تعالى يقول }فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ{ [الرعد:17] ينفع عموم الناس، الإسلام يسعى وكل الأديان تسعى إلى منفعة عموم الناس، إنما المنفعة الشخصية والمنفعة الأسرية أو المنفعة الحزبية اللي تكون ضد المصلحة العامة فهذا يرفضها الإسلام.

عثمان عثمان: مولانا الآن في ظل الثورات العربية وفي ظل ما يجري في سوريا خاصة من قتل ودمار وتشريد واستخدام لكل الوسائل المشروعة وغير المشروعة البعض يرى من وجهة نظر سياسية أن السياسية من أهدافها هي حماية الدولة وإبقائها ولو استخدمت كل الوسائل كيف نوازن هنا بين هذا المفهوم وبين ما يجري من انتهاك لحقوق الإنسان؟

يوسف القرضاوي: هذا يعني ضد ما يريده الإسلام تماماً، الإسلام يريد الدولة أن تقوم بخدمة المجتمع وحماية حق الناس وحماية حدود الله وحماية الفضائل والعقائد والشرائع والأخلاق هذه مهمة الدولة، الله تعالى يقول: }{ وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ* الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ..}{أَقَامُوا الصَّلاةَ} (حق الله) {وَآتَوُا الزَّكَاةَ}(حق الناس وحق الضعفاء) وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ}{ [الحج: 40-41] فهذه مهمة الدولة مش مهمة الدولة أنها تشغل الشعب كما تريد هي ليقدم لها مصالح معينة لفئة معينة لطبقات معينة ضد الغالبية العظمى من الناس، هذا ليست هذه الدولة، الدولة تريد أن تشغل العالم لمصلحتها، هذه دولة يعني ظلم وعدوان الإسلام ضد هذه الدولة بكل ما.. الإسلام يقول إن الله سبحانه وتعالى يقيم الدولة العادلة ولو كانت كافرة ويزيل الدولة الظالمة ولو كانت تدعي الإسلام وأنها.. المسألة مش بس مسألة الدعوة في حقيقة، حقيقة إنها هذه الدولة ترعى الناس ولا لا؟ ترعى الضعفاء، الإسلام يرعى أول ما يرعى الضعيف، الفقير، المرأة، اليتيم، الشاب الذي ليس له أحد، هذه الطوائف الإسلام يرعاها ويرعى من الناحية المالية إنها تأخذ حقها قبل غيرها، هذا ما يريده الإسلام أما أن تعطي الكبراء لكي ينتفخوا ويعظموا على غيرهم على حساب غيرهم يسمن على هزال غيره يتضخم على ضعف غيره يقوى على ضعف غيره، لا، الإسلام يريد أن يقوا الناس جميعاً وأن يغتني الناس جميعاً، المال للناس كلهم، إنما المال اللي يعود على صاحبه وحده لا يصح أن يكون مالا لإنسان يعني كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم، في سورة الحشر ربنا نبه على إنه في غزوة بني النضير المال اللي جيه منها أعطي وأول ما أعطي للفقراء الفقراء وابن السبيل اليتامى والمساكين وابن السبيل كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم، كي لا يكون هناك هو هذه الرأسمالية الظالمة يعني أن يتداول المال بين الأغنياء دون الفقراء، الذين يتداولونه ويعرفونه ويحسبونه هم الأغنياء والفقراء ما لهمش، يعملون ولا يكسبون والثانيين يكسبون ولا يعملون، ويكسبون كل شيء هذا هو الظلم.

عثمان عثمان: مولانا هل ترون أن الالتزام الأخلاقي من الصفات اللازمة للحاكم الصالح وبحال فقد هذه الامتيازات الأخلاقية يفقد شرعيته؟

يوسف القرضاوي: قطعاً الحاكم المسلم ملتزم بأخلاقيات أساسية الله سبحانه وتعالى وكما قال القرآن } إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ{[النساء:58]هذه كلها قيم أخلاقية، الأمانات أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها، كل أمانة تعطى لأهلها ومع هذا العدل أيضاً، فهذه هذا ما يأمر الله به الحاكم المسلم من هذا لا يكون حاكما، ماذا يعمل الحاكم المسلم يجمع لنفسه الأموال وليأخذها من الناس والناس تجوع وهو يشبع والناس تتظلم وهو لا يرفع الظلم لا يأخذ، سيدنا أبو بكر حينما ولي ماذا قال؟ قال كلمات قليلة في خطبة العرش اللي يقولوا عليها أول خطبة يخطبها الحاكم، أول خطبة خطبها بكلمات (أيها الناس إني وليت عليكم ولست بخيركم إن رأيتموني على حق فأعينوني وإن رأيتموني على باطل فسدودني، أطيعوني ما أطعت الله فيكم فإن عصيته فلا طاعة لي عليكم) هذا هو عمر بن عبد العزيز أول كلمة حينما تولى الخلافة قال: (أيها الناس إنما أنا واحد منكم غير أن الله تعالى جعلني أثقلكم حملاً) أنا واحد منكم بس مش زايد عليكم في حاجة بس مشكلتي إني أثقلكم حملاً لأني بحمل حمل همّ الأمة كلها، سيدنا عمر يقول: (إن الله سيسألني عن بغلة عثرت بالعراق) يسألني: لماذا لم أسوي لها الطريق؟ ليه عثرت البغلة؟ سيبتها ليه؟ معناها أن الطرق مش معبدة، ماذا يقول الناس في عصرنا وفي وسائل الرصف والأجهزة وفي ملايين الطرق لا تصلح، فلا بد أن يكون الحاكم مهيئا نفسياً وأخلاقياً لهذه الأشياء حتى البغلة حتى لو هلكت جديٌ بشط الفرات لرأيتموني مسؤولا عنه أمام الله، وشط الفرات يتكلم عن البلاد البعيدة فما بالك من البلاد القريبة؟ هي مسؤولية، الله يسألك عن كل شيء عن الكبير وعن الصغير وعن القليل وعن الكثير مسؤولية يجب على الإنسان أن يحدد لكل سؤال جواباً، الله سبحانه تعالى يعني مش هيسألنا بس كلام لا سؤال تحديدي للمسؤولية تماما.

عثمان عثمان: إذن شرعية الحاكم تسقط بفساده أخلاقياً، مولانا بعد الفاصل إن شاء الله سندخل إلى محور آخر الثورة بوصفها عملاً أخلاقياً، الفعل الثوري والضابط الأخلاقي، وسنتحدث أيضاً عن وصول الإسلاميين  إلى السلطة والتنافس للوصول لهذه السلطة والمحافظة عليها، نذهب إلى فاصل قصير ثم نعود بإذن الله فابقوا معنا مشاهدينا الكرام نعود إليكم بعد الفاصل.

[فاصل إعلاني]

ضوابط الصراع على السلطة

عثمان عثمان: أهلا وسهلاً بكم مشاهدينا الكرام من جديد إلى حلقة هذا الأسبوع من برنامج الشريعة والحياة والتي هي بعنوان: "السياسة والاستبداد وسؤال الأخلاق" مع فضيلة شيخنا العلامة الدكتور يوسف القرضاوي، مولانا بعد الثورات العربية وصل الإسلاميين إلى الحكم في أكثر من بلد عربي، البعض يأخذ على الإسلاميين أنهم يسعون بجهدهم للوصول إلى السلطة وكأن السلطة والسيادة رجس من عمل الشيطان خاصة وأن فيها نوعاً من التنافس بين الإسلاميين من جهة والليبراليين من جهة أخرى وبين الإسلاميين والإسلاميين أنفسهم، هل هناك من ضابط لهذا التنافس؟

يوسف القرضاوي: الإسلاميون هم جزء من الشعب شأنهم شأن كثير من الناس لا يستطيع أحد أن يعزل الإسلاميين ويقول لهم ما لكمش دعوة بالسياسة لا، الإسلاميون لهم دعوة بالسياسة، والسياسة من الإسلام، السياسة جزء من هذا الدين، بعض الناس قالوا لا دين بالسياسة ولا سياسة بالدين، هذا غلط، عزل الدين عن السياسة وعزل السياسة عن الدين هذا ليس صحيحاً، السياسة جزء من الدين وأنا ألفت يعني عدة كتب منها كتاب اسمه "الدين والسياسة" وفي كتاب اسمه "فقه الدولة في الإسلام والسياسة الشرعية" وكتب كثيرة يعني لا بد أن يكون للإسلاميين معرفة حقيقة للسياسة، ولكن السياسة يجب أن يدخلها الإنسان بالحق وليس بالباطل، لا بد أن يعرف ماذا تتطلب منه السياسة؟ السياسة مش دروشة عايز تحكم البلد لازم يكون عندك أهلية للحكم، كل شيء يحتاج إلى مطالب، وأول المطالب فقه السياسة، تفقها شرعياً وتفقها واقعياً، مش بس أقرأ اللي في الكتب اللي في الحياة أهم، فقه الحياة أهم من الفقه الموجود في الكتب، فقه الأوراق ليس مهما لازم تفقه الواقع، واقع الناس ما هو؟ لا بد للإسلاميين إذا كانوا يريدون أن يشاركوا في السلطة ومن حقهم أن يشاركوا في السلطة لأنهم شاركوا في الثورة، وكل من شارك بالثورة لابد أن يشارك يعني في حكمها، وأنا أقول الإسلاميين وغير الإسلاميين كل من شارك بالثورة المشكلة أن هناك أناس ممن لم يشاركوا في الثورة من أعداء الثورة ممن يسمونهم الفلول الذين يضمرون كل شر لهذه الثورة ويريدون لهذه الثورة أن تنتهي وأن تعمل أي شيء هؤلاء يريدون أن يفرضوا أنفسهم وبعدين يريدون أن يبعدوا الإسلاميين ويبعدوا الوطنيين الحقيقيين لا، نحن نريد الإسلاميين ونريد الوطنيين الذين يعملون لخير هذا الوطن ولمستقبل هذا الوطن، أن يتعاون كل من عنده رأي وكل من عنده غيرة وكل من عنده قدرة لإثارة هذا الوطن يتجمع الجميع لا نريد أن يختلف الناس بعضهم مع بعض، الخلاف الفكري هذا معقول والخلاف الفقهي، لأن الناس كل واحد له رأيه وله خبرته وله فكرته لا مانع أن يختلف رأيين، ولكن لا بد أن ننتهي عند العمل إلى رأي للأغلبية، لماذا نقول نحن الديمقراطية من الإسلام؟ لماذا لأن الديمقراطية بتقلك نحن مع الأغلبية وهذا ما يريده الإسلام، النبي عليه الصلاة والسلام لما شاور أبا بكر وعمر كان كل واحد له رأي قال: ((لو اتفقتما على رأي ما خالفتكما)) لماذا؟ لو اتفق على رأي يبقى واحد ضد اثنين يبقى لا ما ينفعش إنما إذا اختلفوا بقى كل واحد له رأي، فالإسلام اتبع السواد الأعظم اتبع السواد الأعظم، الجمهور، فهذه الديمقراطية.

عثمان عثمان: ولكن مولانا البعض يأخذ على الإسلاميين الآن أنهم منغمسون إلى أذنيهم في العمل السياسي على حساب الدعوة على حساب التربية أم أن هناك لكل مرحلة متطلبات وجهد وتركيز؟

يوسف القرضاوي: هذا ما نأخذه على الإسلاميين وعلى غيرهم من الناس، المبالغات التي تجعل الناس يعني يهتمون بالسياسة على حساب الدين وعلى حساب الأخلاق وعلى حساب القيم لا، نحن نعطي لكل شيء حقه، السياسة تأخذ حقها ويبقى للدين حقه، لابد حتى لا نفرغ كل الناس للسياسة، نفرغ بعض الناس أيضاً يعملون بالجانب الدعوي والجانب التربوي والجانب الأخلاقي، هذه تحتاج إلى عبقريات من الناس، و إلى الآلاف من الناس،  لا ينبغي أن تترك الأمور نهائياً ممكن الشعب يسيب كل شيء لا، لابد أن يعطى كل شيء يأخذ حقه من المسلم، فلذلك نحن نعيب على بعض الإسلاميين لانشغال الكل بالسياسة ونسيان الأمور الأخرى هذا يعني من المبالغات التي أصيب بها الناس، كل شيء زاد عن حده انعكس إلى ضده لا نريد المبالغات نريد الوسطية الإسلامية {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة:143] نريد الميزان {أَلاَّ تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ* وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ}[الرحمن:7-9] لا طغيان في الميزان  ولا إكثار في الميزان الوسطية هذه هي التي يسعى إليها المسلمون الإيجابيون الذين يدعون النار إلى الإسلام الحق الإسلام الحق إن كل شيء يأخذ ما يتطلبه.

عثمان عثمان: في خضم العمل السياسي مولانا والسعي إلى السلطة هناك تنافس قائم بين إسلامي ليبرالي، إسلامي إسلامي وفي غالب الأحيان يقوم هذا على  تقديس الذات على تمجيد الذات وعلى شيطنة الأخر، هل يمكن الحديث في ظل مظلة الإسلام عن ضوابط لهذا التنافس الانتخابي والسياسي؟

يوسف القرضاوي: طبعاً التنافس المطلق ده شغل الرأسمالية الظالمة التي تبيح للناس أن كل رأسمالي يحاول يأكل السوق لوحده يأخذ المكاسب لوحدها يكسب الملايين والبلايين ولو ضاع الناس لا، الإسلام لا يريد هذا يريد الناس أن تشترك جميعاً استبقوا الخيرات تسابقوا في الخيرات، سارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة، سابقوا إلى مغفرة نتسارع ونتسابق ولكن كل شيء بضوابطه لا بد الحلال يبقى حلالاً والحرام يبقى حراماً لا يجوز إنك من أجل أن تكسب السوق تدخل بالحرام تغش الناس، تخفي الأسعار، تخفي عيوب السلعة، تعمل هذا كله لا ينبغي في الإسلام، الإسلام يريد أنه الأمور لها ضوابطها ولها فراملها ما تسبش العجلة تمشي على ما تريد فتهبط فيك فتذهب سدىً ويضيع عمرك إذا ترك العربة تعمل يعني بدون ضبط السرعة كل شيء له ضوابط، والإسلام يضع ضوابط لكل كل شيء كل حركة وكل سكنه، كل شيء في شيء، ربنا حلله وشيء ربنا حرمه ما فيش حاجة سايبة كده أبداً المال { وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا} [الإسراء:27] {وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا} [الفرقان:67] الشح ممنوع والإسراف ممنوع {وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأعراف:31] {وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا *إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا} [الإسراء:26-27] لا يجوز تترك الشيء ولا يشتغل هذا الشيء عندك أرض لازم تزرع تركتها لأن مش لاقي حد يشتريها بالمبلغ اللي أنا عايزه تترك بوراً لا إن تزرع الشيء وما تجد ثمنه ترميه بالبحر زي ما يفعل الرأسماليون في أميركا يرموا البذور والقمح وهذه الأشياء في البحار حتى لا يأخذها الناس بسعر رخيص هذا لا يجوز.

أهمية الصدق في الدعاية الانتخابية

عثمان عثمان: مولانا نبقى في الفعل السياسي والعمل الانتخابي في ظل الحملات الانتخابية للوصول إلى السلطة، عادةً ما يقوم المرشحون بفعل أشياء يراها البعض منافية للأخلاق كالدعاية الانتخابية القائمة على الاهتمام بالمظهر دون الجوهر وربما يكون فيها بعض الكذب والتضليل الوعود الكثيرة التي تطلق وتعطى للناخبين ولم ينفذ منها شيء ما أهمية الصدق هنا في الدعاية الانتخابية؟

يوسف القرضاوي: الصدق مطلب أساسي لكل سياسي، السياسي لابد أن يلتزم بالصدق والأمانة في كل أموره، النبي عليه الصلاة والسلام قال: ((ثلاثةً لا ينظر الله إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذابٌ أليم شيخٌ زاني وملكٌ كذاب وعائلٌ مستكبر)).

عثمان عثمان: فقير يعني.

يوسف القرضاوي: آه فقير مستكبر الفقير يتكبر على إيه؟ يعني اللي بتكبر يعني بماله أنت فقير تتكبر، وبعدين شيخً زاني شيخ كبير وتزني ليه؟ لماذا؟ الشباب شعلة من الجنون إنما الشيخ لا، وملك كذاب طب الفقير يكذب يبقى أنت ملك وتكذب، فالإسلام يريد من الحاكم أن يكون صادقاً فالصدق شيء مطلوب ((والصدق يهدي إلى البر والبر يهدي إلى الجنة ولازال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقاً والكذب يهدي إلى الفجور والفجور يهدي إلى النار ولا زال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً)).

عثمان عثمان: لكن البعض يلجأ إلى هذه الوسائل بحجة أن السياسة فن الممكن أن الغاية تبرر الوسيلة أن الحرب خدعة.

يوسف القرضاوي: الفن مسألة أنه الغاية تبرر الوسيلة هذه قضية عند الغربيين، لكن في الإسلام لا يقبل الإسلام هذا أبداً، لا تكون الغاية تبرر الوسيلة، لابد أن تكون الغاية شريفة والوسيلة نظيفة، إنما لا تصل إلى الغاية الشريفة بوسيلة قذرة أبداً، لا تصل إلى الحق بطريق الباطل، هذا ما يريده الإسلام، النبي عليه الصلاة والسلام تكلم عن الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يعني وفي يده الحرام وأكل الحرام وشرب الحرام ويدعو يا رب يا رب ولا يستجاب له، كيف يستجاب له وهو يأكل الحرام ويشرب الحرام ويلبس الحرام؟! لا.. لا بد أن يلتزم الإنسان بالطهارة والصدق والأمانة في حياته خصوصاً السياسيين، السياسيون الذين يلعبون بالناس ويكذبون على الناس في أيام الانتخابات من أجل الأصوات وبعد كده يسبوهم لا، لا بد أن تكون صادقاً معهم في حياتك كلها قبل الانتخاب وبعد الانتخاب وأثناء الحكم وبعد الحكم هذا ما {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة:119] لا تكن مع الكاذبين {إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ} [النحل:105].

عثمان عثمان: مولانا البعض يرى خطورةً على الإسلام، رفع العديد من الأطراف لافتات إسلامية عنوانا للعمل السياسي، لأن ذلك سيستدعي ربما مشكلات وأخطاء يلصقها البعض بالإسلام من خلال إلصاقها بالإسلاميين يعني هنا يمكن الحديث عمن يمثل الإسلام جهة معينة أو شخص معين أو فئة معينة؟

يوسف القرضاوي: هو هذه الأمور كلها لا بد أن تضبط بالضوابط الصحيحة لا مانع أن تعمل الدعايات وتعمل كذا والناس يتفننوا في هذا إلا أن هذه الذي يفسد هذه الأمور الغلو والتنطع، (هلك المتنطعون) النبي عليه الصلاة والسلام وكررها ثلاثة هلك المتنطع، المتنطع هو المغالي المتعمق في الأشياء التي لا يقدر عليها لا تقل إلا ما تقدر على فعله، ما تقولش أشياء وأنت لا تقدر عليها اعمل لكم كذا واعمل لكم كذا ولا تعمل شيئا إنما قل في مشروع نتعاون أنا وأنتم فيه ونبدأ بهذا المشروع نبدأ، يبدأ صغيراً ثم يكبر ضعيفاً ثم يقوى محدوداً ثم ينتشر على سنة الله في الأشياء، الأشياء لا تولد، الإنسان لا يولد كبير يولد طفل صغير، الشجرة ما تنبتش شجرة يعني عبارة عن يعني بذرة وبعدين البذرة تصبح ورقة والورقة تصبح زهرة والزهرة تصبح ثمرة هذا سنة الله في أن الأشياء تتطور وتتغير وتكبر، فلا بد أن نراعي الصدق في كل هذه الأمور حتى يعني لا نفقد ثقة الناس بنا، الناس لما يجربونا ويقولوا لنا أننا نقول كلام كثير وقاعدين لا يكون هناك عمل، الله تعالى يقول: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ* كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ* إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ} [الصف:2- 3- 4] ربنا بحبش الكلام من غير فعل  إنما بحب اللي بشتغلوا، مثل الذين يقاتلون في سبيله صفا يقصد العمل، العمل اللي يضحي بنفسه ويضحي بعمل منتظم يقول: {صَفًّا كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ} هذا هو الذي يحبه الله.

عثمان عثمان: مولانا جدلية العلاقة بين السياسية والأخلاق، جدلية قائمة منذ زمن بعيد لكن عندما يتحول الأمر إلى تعميم الظلم إلى سفك الدماء إلى القتل هل تبقى المسألة وجهات نظر سياسية أم أنها تتحول إلى مسألة أخلاقية بحتة؟

يوسف القرضاوي: إذا تحولت السياسة إلى سفك للدماء وإلى إضمار للجريمة وإلى تدبير للشر هذه لا تصبح سياسة، هذه سياسة جهنمية والعياذ بالله، السياسية التي تعمل على أن تشبع الجائع، أن تشغل العاطل، أن تدرب العامل، أن ترتق الفتق، أن تحاول تشوف أمور الناس، أين الخلل؟ فتسد هذا الخلل، أين الفساد؟ تصلح هذا الفساد، أما أمور أنك تنشر الجريمة تنشر الفضائح تنشر الرذائل بين الناس، هذه ليست سياسة، السياسي الحكيم هو الذي يعمل على أن يرتق الفتوق وأن يرقع الخروق، هذا ما ينبغي للسياسي الحقيقي كما كان يفعل سيدنا عمر وكما يفعل سيدنا عمر بن عبد العزيز وكما يفعل الحكام الصالحون الذين يظهرون في كل زمن، هذا الحاكم الصالح المفروض يعمل إيه؟ يحاول يشوف وين الخلل، يشد هذا الخلل في خرق هنا، يرقع هذا الخرق، في رتق هنا، فيه فتق هنا يحاول أن يرتق هذا الفتق، هذا هو العمل السياسي الحكيم  والسياسي الصالح الذي يرضى الله تعالى، النبي صلى الله يقول ((ليوم من والٍ عادل خير من عبادة ستين سنة)) يوم من والي عادل، إمام عادل، النبي صلى الله عليه وسلم يقول ((سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله إمام- أول واحد من هؤلاء السبعة-  إمام عادل، ثلاثة لا يرد الله دعوتهم- أول واحد- إمام العادل والصائم حتى يفطر ودعوة المظلوم)) يعني الإمام العادل، الإمام العادل لأن يوم من هذا الإمام العادل أفضل من عبادة ستين سنة، لماذا؟ لأن هذا اليوم ربما يصدر فيه من القرارات التي ينتفع بها الملايين من الناس، ترد الحقوق إليهم، ترفع المظالم عنهم، تثبت حاجاتهم  فكم يدعو لك الناس في هذا الوقت بيوم واحد، يوم من إمام عادل أفضل من عبادة ستين سنة،  إيه فائدة عبادة ستين سنة إذا تركت الناس يعني يفسد عليهم الحياة؛ السكيرون  والمفسدون والسارقون واللصوص والظالمون، الحياة تنبت الأرض وهؤلاء يفسدون هذا النبات، ويفسدون ما تخرجه الأرض، فالإمام العادل ينبغي أن يكون سياسيا  حريصا ً على أن يكون عادلا ً في كل شؤونه.

عثمان عثمان: منطق الدولة الحديثة مولانا..

يوسف القرضاوي: {وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى}[ الأنعام: 125].

شرعية المقاومة المسلحة ضد الحاكم الظالم

عثمان عثمان: نعم، منطق الدولة الحديثة فرض احتكار العنف خاص، أن يكون هذا العنف خاص بالسلطة مما أضفى شرعية ربما على جرائم بعض الحكام في مقابل أن ما يقوم به الآخرون الثائرون على الظلم أنهم إرهابيون ربما ومجرمون، يعني ما الموقف الشرعي  من المقاومة المسلحة للظالم وللظلم وما هي ضوابطها؟

يوسف القرضاوي: الدولة تحتكم على القوة لماذا؟ تحتكم على القوة لتقاوم المجرمين لتقاوم المفسدين، لتقاوم الذين يستعملون القوة في الشر وفي إيذاء الناس، الدولة لماذا تحتكر القوة؟ تحتكر هي القوة لأن  مفروض القوة دية لمنع الشرور ومنع انتشار الفساد في الأرض، أما إذا كانت القوة تمكّن الدولة من السيطرة على الناس حتى لا يستطيع أحد أن يتكلم كلمة، الناس تخاف تتكلم الكلمة، لأن الكلمة يمكن في ساعات يسلطوا على الناس أشياء تسجل حتى الكلام اللي يقولوه في بيوتهم هذا ظلم، استخدام القوة في الظلم وفي الفساد هذا هو شر، أشر من الطغيان والفساد والله تعالى يقول {الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ فأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ}[الفجر:11]، حين يقترن الطغيان بالفساد فلا يجوز هذا أبدا، الإسلام جاء يربي الناس على التربية الإسلامية الصحيحة حتى ينشأ أناس حكام صالحون، الحاكم الصالح معه قوة ولكن القوة ليردع بها الظلمة، يقاوم بها المفسدين ليرد بها الطغاة عن طغيانهم، لكي لا ليتحكم الغني في الفقير، لا ليتسلط القوي على الضعيف، لا عنده  من القوه ما يمنعه، القوه لهذا ليست القوة لسيطرة الحاكم على الشعب، كما نرى في المستبدين الذين حكموا بلاد العرب، وبلاد المسلمين وكثير من بلاد العالم يحكمها الطغاة، حكم الطغاة هو إيه؟ أن يكون عند الناس أي قوة والقوة كلها في يد الحاكم، هذه أصبحت شرا أتصبح  هذه القوة شرا مستطيرا، لأن الحاكم هو الذي يملك القوة وحده والشعب لا يملك شيئا هذا خطر فلا بد أن يتفق الناس على هذه المعايير بحيث تكون القوة محدودة، الحاكم له قوة ولكن قوة ليست في يد وحده يعني ليست في قائد للجيش القوة لا قائد الجيش وكل الجيش يملك القوة وكل هؤلاء مشيرون له وأعوان له وليسوا مجرد جنود يعملون له، الذي أفسد فرعون إيه؟ يقولك يا فرعون ايش فرعنك قال لك ما لقيتش حد يردني.

عثمان عثمان: المشكلة مشكله الشعوب إذن؟

يوسف القرضاوي: القرآن جعل جنود{ إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ}[القصص: 8] لماذا الجنود كانوا خاطئين لأنهم  كانوا هم الذين يسندون فرعون، فرعون يعمل بيد مين؟ هم اللي يضربوا الناس وهم، {فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ وجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لا يُنصَرُونَ وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُم مِّنَ الْمَقْبُوحِينَ } [القصص: 40].

عثمان عثمان: بيننا في دقيقة ونصف تحدثنا عن فساد سياسي عن استبداد سياسي عن فساد أخلاقي، من أين يبدأ الإصلاح السياسي في دقيقة ونصف؟

يوسف القرضاوي: الإصلاح السياسي يبدأ من تحت، الفساد يبدأ من فوق ولكن الإصلاح يبدأ من تحت، يبدأ من الشعب إذا أردنا أن نصلح السياسة يجب نبدأها من الشعب نعلم الشعب، الشعب نطهره من الرذائل التي عوده عليها الاستبداد، الاستبداد يفسد أخلاق الأمة، علينا أن نعيد أخلاق الأمة نصلح الناس، نعلم الناس كيف يصدقون، كيف يتعلمون الصدق، كيف يتعلمون الأمانة، كيف يتعلمون الطهارة يطّهروا أنفسهم من الداخل ومن الخارج، .يتعلمون هذا ويصبح هذا خُلقا لهمً، معنى خلقاً لهم معناه إيه؟ يعني شيء بتصدر عنه الأعمال بسهولة ويسر لا يتكلفهاش أصبح كأنها طبيعة كالعادة، لما يصبح الأمر معتاد كأن طبيعة ثانية، فنعّود الناس هذه الأخلاق حتى إذا هيئ الله لهم ظروفا ً أصبحوا فيها سادة وحكموا، حكموا بالعدل {تلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلا فَسَادًا} [القصص: 83] شر ما يُحكم به الناس طلب العلو وطلب الفساد {لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [القصص:83].

عثمان عثمان: في الختام أشكركم مولانا سماحة العلامة الدكتور يوسف القرضاوي على هذه الإفاضة الطيبة، كما أشكركم مشاهدينا الكرام على حسن المتابعة لكم تحيات منتج البرنامج معتز الخطيب والمخرج منصور الطلافيح وسائر فريق العمل، وهذا عثمان عثمان يترككم  في أمان الله  السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.