الشريعة والحياة - الثورة ومظاهر التأزم المذهبي - صورة عامة
الشريعة والحياة

الثورة ومظاهر التأزم المذهبي

تستضيف الحلقة المرجع الشيعي السيد محمد حسن الأمين ليتحدث حول موضوع الثورة ومظاهر التأزم المذهبي، ما يجري في سوريا صراع مذهبي أم طائفي؟ أم هي ثورة شعب بمختلف أطيافه يطالب بالحرية والكرامة؟
‪عثمان عثمان‬ عثمان عثمان
‪عثمان عثمان‬ عثمان عثمان
‪محمد حسن الأمين‬ محمد حسن الأمين
‪محمد حسن الأمين‬ محمد حسن الأمين

عثمان عثمان: مشاهدينا الكرام السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أهلاً ومرحباً بكم على الهواء مباشرة في هذه الحلقة الجديدة من برنامج الشريعة والحياة يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: {وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ} [الشورى:15] أدى انفجار الثورة السورية إلى فرض تحديات جديدة لم تطرح في الثورات السابقة عليها، فقد عاد الحديث عن الطائفية والمذهبية إلى الصدارة، وحرص النظام السوري منذ البدء على صبغ الثورة على الظلم بصبغة طائفية كأحد أسلحته في مواجهة الاحتجاجات، ولكونه ينتمي إلى طائفة علوية انحدرت من أصل شيعي، غير أن ممارسات النظام السوري من القتل والقصف والذبح، وسياساته الطائفية وتحالفاته الإقليمية أوقعت التيار الشيعي المستنير في مأزق، فكيف يساند كل الثورات باستثناء الثورة السورية؟ وهو ما دفع مرجعين بارزين في لبنان إلى الخروج عن السائد ودعم الثورة بدافع الانسجام مع النفس أولاً ومع الموروث الشيعي ثانياً، فما حقيقة موقف الشيعة من الثورة السورية؟ ولماذا يبدو الموقف من الثورة مصطبغا بالطائفية؟ وهل تنفصل الطائفية عن التدين والأخلاق؟ الثورة ومظاهر التأزم المذهبي، موضوع حلقة اليوم من برنامج الشريعة والحياة مع المرجع الشيعي السيد محمد حسن الأمين والذي ينضم إلينا من بيروت، مرحباً بك سماحة السيد. 

محمد حسن الأمين: أهلاً وسهلاً. 

الشيعة وموقفهم من الثورة السورية 

عثمان عثمان: هناك إجماع من الأطراف الإقليمية الشيعية على الاصطفاف مع نظام الأسد في قمعه لشعبه، وفي القتل والإجرام الذي يمارس تحت ذرائع متعددة، بداية ما رأيكم بذلك؟ 

محمد حسن الأمين: بسم الله الرحمن الرحيم، أعتقد أن الشيعة كما غيرهم من الطوائف، ليسوا حزباً وإنما هم طائفة، وفي أحسن الحالات هم مذهب من المذاهب الإسلامية والفقهية المتعددة، وعلى هذا ما يمكن القول بأن للشيعة موقفاً محدداً وواحداً تجاه الثورة السورية أو تجاه الربيع العربي بصورة عامة، يوجد من يؤيد ويتحمس للثورة السورية داخل الشيعة، ويوجد من يتحمسون للنظام القائم بطبيعة الحال.. 

عثمان عثمان: لكن الصورة العامة، سماحة السيد الصورة العامة للموقف الشيعي المتمثلة في إيران وفي حزب الله في لبنان وخاصة هي مع النظام السوري في مواجهة الثورة السورية. 

محمد حسن الأمين: هنالك مراكز قوى في كل طائفة من الطوائف، مراكز قوى سياسية ودينية ومالية، وغير ذلك من مواقع القوى التي تكون لها أو يكون لها شيء من السيطرة والهيمنة السياسية والإعلامية، وأنا لا أنكر أن الموقف الإيراني من الثورة السورية أرخى على المشهد الشيعي هذا الانطباع، الانطباع بأن الشيعة هم ضد الثورة السورية. 

عثمان عثمان: ما تفسيركم لهذا الموقف؟ 

محمد حسن الأمين: تفسيري أن هناك مصارف هي التي تسير المواقف تجاه الأحداث القائمة في العالم العربي وتجاه الربيع العربي وتجاه الثورة السورية بصورة خاصة، هناك مصالح معينة تدفع باتجاه الموقف السلبي تجاه هذه الثورة التي هي مظهر من مظاهر الربيع العربي يعني الثورة العربية أي ثورة الحريات في العالم العربي، ثورة الحريات.. 

عثمان عثمان: بالعودة إلى الموقف موقف إيران من الثورة السورية يعني أنتم ترونه أنه موقف سياسي وليس موقفاً مذهبياً؟ 

محمد حسن الأمين: أنا أعتقد ذلك يعني لا يمكن، اسمح لي الموقف المذهبي يجب أن يكون موقف مستند إلى حقائق ومستندات فقهية وعقائدية، وليس في عقائد الشيعة أو في ثقافتهم ومرتكزاتهم ما يساعد على موقف سلبي تجاه ثورة شعب مظلوم ضد نظام أقل ما يقال فيه أنه غير ديمقراطي، وأنه لا يمثل شعبه بالكامل. 

عثمان عثمان: هل يمكن الفصل هنا بين المذهبي والسياسي سماحة السيد؟ 

محمد حسن الأمين: طبعاً طبعاً، المذهبي شيء وإذا سمحت لي أن أتوسع قليلاً بهذه المسألة أن الموقف المذهبي هو بجوهره موقف ديني لجهة القول بأن المسلمين يجب أن يكون لهم دول دينية، دولة دينية، والدولة الدينية هي مصدر المشكلة عند الشيعة وعند غيرهم، وعند السنة أيضاً أي عند من يقولون بالدولة الدينية، فالقائلون بالدولة الدينية هم الذين يحاولون التعبير عن الموقف السياسي واعتبار هذا الموقف موقفاً دينياً. 

عثمان عثمان: نعم، بالعودة إلى الموقف الإيراني من الثورة السورية والذي وصفتموه بأنه سياسي، بالمقابل هناك نرى أن أصوات شيعية بمرجعيات شيعية ربما تذهب أبعد من ذلك، لو أخذت تصريح المرجع الإيراني آية الله أحمد جنتي خلال صلاة الجمعة بجامعة طهران قال بأن على الشيعة العرب الدخول إلى سوريا والجهاد، هذا مصطلح شرعي والجهاد إلى جوار النظام السوري حتى لا تقع سوريا بأيدي أعداء آل البيت، أين يمكن وضع مثل هذه التصريحات، هناك تصريحات أخرى أيضاً. 

محمد حسن الأمين: سمعت عن هذا التصريح ولكنني لم أتأكد من صدوره فعلاً، ولكن في حال صدور مثل هذا التصريح فإنه يتنافى بصورة مبدئية مع العقيدة الشيعية ومع التراث الشيعي ومع الثقافة الشيعية نفسها، وبالتالي فإن أحداً لا يمكنه أن يدعي بأن رؤيته وبأن رأيه السياسي هو قاعدة عقائدية ومذهبية شيعية سواء كان في موقع سياسي أو ديني أو غير ذلك، لأن لا أحد يمكنه أن ينفي الحقيقة الواضحة للمذهب الشيعي بوصفه المذهب الذي يقوم أساساً على نصرة المظلوم ضد الظالم، وعلى اعتبار أن المسلمين كلهم وحدة، وأن الدم، سفك الدم بين المسلمين محرم على الإطلاق، وبالتالي فكلام من هذا النوع بالتأكيد إذا كنت تسألني عن الموقف الشيعي أو عن العقيدة الشيعية فإنني أقول أنه يتنافى كلياً مع هذه العقيدة. 

النظام السوري والتحريض على الطائفية 

عثمان عثمان: سماحة السيد يعني بالدخول إلى الوضع السوري، النظام السوري حاول منذ بداية الثورة صبغ هذه الثورة بالصبغة الطائفية وأنها ذات أبعاد طائفية، هل ترون فيما يجري في سوريا صراعاً مذهبياً أو طائفياً؟ أم أنها ثورة شعب بمختلف أطيافه مطالباً بالحرية والكرامة؟ 

محمد حسن الأمين: أنا أعتقد أن ما يجري في سوريا هو ثورة، والثورة لا تكون مذهبية ولا تكون فئوية ولا تكون عشائرية أيضاً، والمحاولات التي يقوم بها النظام هي لتزوير هذه الثورة، وفي الوقت نفسه للتحريض الطائفي لأن النظام السياسي في سوريا، لا يستطيع أن يقف في مواجهة ثورة، ولكنه يستطيع أن يقف في مواجهة مذهبية وفي مواجهة مذاهب معينة، الحقيقة أن الثورة السورية هي أبرز مظهر من مظاهر الربيع العربي، هذا الربيع العربي الذي يتسم بسمة النضال من أجل استعادة الحرية، شوف هذه القيمة العليا إنسانياً وإسلامياً، ومهما حاول الباحثون أن يدرسوا أسباب قيام هذا الربيع العربي فلن يجدوها إلا في مطلب الحرية الذي هو رأس كل المطالب الأخرى التي تسعى إليها شعوبنا وبالأخص هذه الشعوب التي قيض لأنظمة استبدادية أن تحكمها، وأن تحكمها بالحديد والنار. 

عثمان عثمان: سماحة السيد مع إصرار النظام السوري منذ بداية الثروة وحتى الآن إصراره على العزف على الوتر الطائفي، ما أهمية نقض المنطق الطائفي هنا؟ 

محمد حسن الأمين: نحن نعتقد أنه لا بد من سحب هذه الورقة من النظام، وتعريتها لكي تظهر الثورة السورية على حقيقتها، وأنا أعتقد أن الثورة السورية كما الثورة في مصر وكما الثورة في ليبيا ظهرت على حقيقتها بوصفها ثورة شعب، ثورة شعب يطالب بالحرية والكرامة، وبقيام الدولة الحديثة والدولة الديمقراطية والعدالة الاجتماعية، يعني كل هذه الثغرات التي تنخر في جسد الوطن العربي كله وفي جسد الدول العربية كل على حدا. 

عثمان عثمان: كيف يمكن الخروج من هذا المنطق الإعلامي الطائفي لإظهار الثورة السورية على حقيقتها بأنها ثورة شعب مطالب بالحرية والكرامة؟ 

محمد حسن الأمين: هذا يتم أولاً باستمرار الثورة السورية ويتم بضخ الوعي الإسلامي والوعي الإنساني الحقيقي والوعي الفكري الذي يحل مكان هذا الوعي المتخلف الذي هو وعي طائفي ومذهبي وقبلي وإلى ما هنالك، نحن الآن في الربيع العربي في مفصل حيوي ينتقل فيه العالم العربي من مرحلة سابقة كانت تحكمها الاعتبارات القبلية والطائفية والأنظمة الاستبدادية إلى واقع جديد ينتقل فيه العالم العربي والدول العربية إلى نظام الحرية، نظام كرامة الإنسان، نظام تداول السلطة بوصفه مظهراً من مظاهر الديمقراطية والحرية والتي نعتبر أن الإسلام، الإسلام وليس الشيعة فقط، الإسلام يؤسس منذ نزول الإسلام يؤسس لقيام هذا الاجتماع، الاجتماع الحر، الاجتماع الذي يصل إلى قيام دول حديثة وإلى قيام عالم إسلامي متغير، وإلى اختراق السائد في هذا العالم الإسلامي الذي هو في حقيقته يشكل موقفاً يتناقض مع قيم الإسلام. 

عثمان عثمان: سماحة السيد هناك من يرى أن الربيع العربي شكل فرصة تاريخية للاندماج في قلب الأمة من جديد والخروج من أسر المظلومية، هل ضيع الشيعة هذه الفرصة برأيكم؟ 

محمد حسن الأمين: أعود فأكرر أن الشيعة ليسوا حزباً، ليسوا حزباً وأنا مصر على ذلك، وأنا أعرف الشيعة وأعرف رأي الكثيرين من أبناء الطائفة الشيعية من المثقفين ومن الفهماء ومن المعتدلين إنهم مع الربيع العربي، وهم مثلنا يراهنون على أن يشكل هذا الربيع العربي مفصلاً اجتماعياً ومفصلاً سياسياً وثقافياً يضع الأمة العربية والأمة الإسلامية على خط الصعود وعلى خط قيام الاجتماع الإسلامي الجديد وليس من دائرة الدولة الدينية، نحن وهذا موجود بين الشيعة والسنة نواجه فكرة قيام الدولة الدينية، المسلمون ليسوا مطالبين بقيام دولة دينية، مطالبون بقيام دولة العدالة لأن الدولة الدينية سيكون الحاكم فيها كالحاكم في الدولة الاستبدادية هو مصدر السلطة. 

عثمان عثمان: كيف ترون دولة إيران، هل إيران دولة دينية؟ 

محمد حسن الأمين: الأمر أصعب دعني أكمل عن الدولة الدينية، الدولة الدينية الحاكم فيها يعبر عن إرادة الله على الأرض وبالتالي فإن الإسلام، جوهر الإسلام الذي جاء ليحرر الكائن الإنساني من كل أشكال العبوديات، هو هذا الإسلام بشريعته وبعقيدته يتناقض مع فكرة الدولة الدينية، وفي إيران يوجد أيضاً شكل من أشكال الصراع والسجال حول هذه المسألة، وليس جميع الإيرانيين مؤمنين بالدولة الدينية، وحتى النظام في إيران يحاول أن يظهر بأنه نظام بشري وليس نظاماً دينياً أي نظام فيه انتخابات وفيه حريات وفيه إلى ما هنالك. 

عثمان عثمان: سماحة السيد تحدثتم عن نخب ومثقفين لهم رأي مناقض للرأي الشيعي العام الذي أقله إعلامياً يأخذ صورة الشيعة تجاه الثورة السورية، هل يمكن لهذه النخب أن تشكل تياراً واضحاً أن يتبلور هناك تيار ما يعبر عن رأي هذه النخب وأن يكون له دور أيضاً في الساحة الإسلامية خاصة الشيعية؟ 

محمد حسن الأمين: بصورة عامة أنتم تعلمون بوصفكم إعلاميين ومثقفين أيضاً أن قدرات النخب الثقافية هي أقل بكثير من قدرات النخب الدينية والمذهبية إذا صح التعبير، وبالتالي فإن قيام تيارات ذات زخم وذات تأثير كما نطمح إليه قد يكون صعباً، ولكننا في الآن نفسه نرى أن الثورة في سوريا والثورات في العالم العربي، الربيع العربي يجب أن ننحاز إليها كل الانحياز وبقدر ما نستطيع وأن نقدم لها بقدر ما نستطيع لأنها سوف تعطينا عندما تنتصر، سوف تعطينا الفرص والمجالات من أجل لئن يكون لهذه النخب دورها الذي تستحقه والذي لا تستطيع أن تنتزعه الآن من أيدي القوى السياسية الدينية أو المذهبية أو الاستبدادية التي ما زالت تحت حكم الكثير من أجزاء عالمنا العربي. 

عثمان عثمان: اسمح لي سماحة السيد أن أنقل سؤال طرحه حارث سليمان في جريدة النهار يقول فيه هل قدر شيعة لبنان أن يبقوا أخصاماً لنصف اللبنانيين منبوذين من معظم العرب ويبذلون التضحيات لمواجهة غالبية دول العالم؟ 

محمد حسن الأمين: بل إن الشيعة اللبنانيين وهم يشكلون يعني أقلية كبيرة من بين مجموعة الأقليات الموجودة في لبنان، الشيعة اللبنانيون هم ذوو المصلحة الحقيقية في قيام الاجتماع الوطني المتوج بدولة تشكل مصدر القوة بهذا المجتمع، صدقني أن المتضررين من غياب الوفاق الوطني، ومن غياب الدولة الحقيقية هم أكثرية الشيعة ولا أنفي أنه يوجد في الشيعة من يلعب على وتر آخر، وهذا اللعب يؤدي أحياناً إلى الظن بأن هذا المسار هو مسار الشيعة كلهم في لبنان، وأنا أدعو من هذا المنبر أيضاً مجدداً أن لا مصلحة للشيعة، دعنا عن العقيدة والمبدأ، عن المصلحة أن يعادوا محيطهم العربي ومحيطهم الإسلامي مع العلم أن معاداة هذا المحيط هي معاداة للعقيدة الشيعية نفسها، وهنا اسمح لي أن أتوجه للمسألة التي تدور حول موضوع السنة والشيعة، يجب أن يعي الشيعة والسنة نفسهم أن مصطلح التشيع ليس في مقابل مصطلح التسنن إطلاقاً، التشيع مقابل مصطلح آخر هو الانحياز إلى التيار الأموي يعني نشأ الشيعة كشيعة لعلي بن أبي طالب في مواجهة شيعة معاوية في الصراع التاريخي الذي نعرفه، وبالتالي فإن السنة اليوم أكثريتهم إن لم أقل كلهم هم شيعة لأنهم ينحازون إلى علي بن أبي طالب في مقابل معاوية، والشيعة أكثريتهم سنة لأنهم أيضاً يعتبرون أن سنة الرسول هي المصدر الثاني مباشرة بعد القرآن الكريم.. 

عثمان عثمان: ربما مسألة الخلاف أو الصراع بين علي ومعاوية مسألة تحتاج إلى وقت كثير لشرحها لكن سماحة السيد عبرتم عن موقفكم الداعم للثورة السورية في بيان أصدرتموه مع السيد هاني فحص، مع أهمية هذا البيان إلا أن البعض يراه قد تأخر، الثورة السورية قد مضى عليها ما يقرب العام والنصف،هل تأخر هذا البيان فعلاً ولماذا؟ أسمع الإجابة إن شاء الله بعد أن نذهب إلى فاصل قصير فابقوا معنا مشاهدينا الكرام نعود إليكم بإذن الله بعد الفاصل. 

[فاصل إعلاني] 

المرجع الشيعي وبيان تأييده للثورة السورية 

عثمان عثمان: نتابع معكم مشاهدينا الكرام من جديد هذه الحلقة من برنامج الشريعة والحياة، والتي نتحدث فيها عن الثورة ومظاهر التأزم المذهبي مع المرجع الشيعي السيد محمد حسن الأمين والذي ينضم إلينا مجدداً من بيروت، سماحة السيد كنتم أحد اثنين أصدرا بياناً داعماً للثورة السورية، البعض يرى أن هذا البيان مع أهميته أنه تأخر سنة ونصف عن بداية الثورة، هل تأخرتم فعلاً في إخراج وإصدار هذا البيان إلى العلن؟ ولماذا؟ 

محمد حسن الأمين: يعني سؤالك يفترض أن الربيع العربي وأن الثورة السورية أنهت أو هي على وشك أن تنهي المراحل الطويلة التي يتطلبها هذا العمل التاريخي وأن البيان جاء متأخراً، أنا أعتقد أننا لم نتأخر علماً أنني والأخ السيد هاني فحص لم ينحصر نشاطنا في إصدار هذا البيان، وإنما في خطبنا وفي مقالاتنا وفي كتاباتنا نحن منكبون على هذا الهدف، على هذه القضية الحساسة نعيشها بكل خوالجنا وبأفكارنا وبكل علاقاتنا، أما البيان فإنه جاء في وقته وفي موقعه وبالتالي فإن كثيراً من الحركات نحن مطالبون بأن نقوم بها وبأن كثيراً من البيانات ومن المواقف نحن مطالبون بها لكي نكمل هذه المسيرة مع ثورة الشعب السوري ومع الربيع العربي ومسار الربيع العربي، الذي رغم ثقتي الكاملة بأنه سوف يزهر أخيرا وأنه سوف يطلق أمواج الخضرة على مستوى العالم العربي كله إلا أننا يجب أن نكون صبورين، ولا نظن أن القوى المعادية لهذا الربيع العربي سوف تنكفئ بسرعة، إنها مرحلة طويلة ولا يشكل العمل الحالي إلا حلقة واحدة من حلقات قادمة إن شاء الله. 

عثمان عثمان: سماحة السيد ألا تخشون أن يشكل هذا البيان الذي أصدرتموه قطيعة مع الجو الشيعي العام الداعم للنظام السوري وخاصة مع الطرف اللبناني مع حزب الله وحركة أمل الداعمين بشكل رئيسي للنظام السوري؟ 

محمد حسن الأمين: يعني أنت تعلم أننا نؤمن بالحرية وندعو إليها، فكيف بنا إذا تعلق الأمر في سلوكنا الشخصي؟ يجب أن نكون نموذجاً أو على الأقل أن نكون صادقين فيما ندعو إليه، وبالتالي أن لا نحسب حسابات غير طبيعية بسبب هذا الموقف وبسبب الإعلان عن رؤيتنا، مع أنني أخبرك وبكل صدق أن ردات الفعل الإيجابية لهذا البيان أو لهذا الموقف كانت أوسع بكثير من ردات الفعل السلبية، وحتى لو كان هناك ردود فعل سلبية فنحن نتقبل ردود الفعل هذه بوصفها آراء تختلف معنا، إلا عندما يصل الأمر إلى لحد الشتائم بطبيعة الحال عندئذ لا يعود هناك مجال للحوار، نحن ندعو الاخوة في لبنان الذين يخالفوننا الرأي في هذا المجال، ندعوهم إلى حوار حقيقي وبالأخص الرؤية الشيعية، نحن ندعو إلى حوار حول الموقف المبدئي للشيعة ماذا ينبغي أن يكون عندما تكون هناك قضية شعب وقضية نظام، وعندما تكون القضية قضية مطالبة بالحريات ومطالبة بالعدالة الاجتماعية ومطالبة بكل القيم التي نعتقد أن التشيع قام على أساسها، ولا ينبغي للتشيع أن يواجه بصورة سلبية هذا الحراك المتجه نحو العدالة والحرية والكرامة. 

عثمان عثمان: اسمح لنا سماحة السيد أن نأخذ السيد رضوان السيد أستاذ الدراسات الإسلامية في الجامعة اللبنانية ينضم إلينا من بيروت السلام عليكم دكتور؟

رضوان السيد: وعليكم السلام.  

عثمان عثمان: دكتور باختصار يعني كيف تنظرون للموقف الشيعي العام من دعم النظام السوري في مواجهة الثورة السورية؟ 

رضوان السيد: نحن مررنا بتطورات هائلة في العقد الماضي، وكلها ذات طبيعة سياسية وإستراتيجية بمعنى أن العراق غزي وأفغانستان غزيت وانه كان هناك تجاوب من جانب السياسية الإيرانية مع عمليات الغزو هذه الأميركية ونوع من الشراكة، وانتشرت مناطق نفوذ لإيران عندنا، وكلها ذات طبيعة سياسية بحتة وإستراتيجية، فصارت المسألة عربية إيرانية وإيرانية أميركية، هذه السجالات السياسية وطبعاً إيران استخدمت فيها أيضاً المسألة الإسلامية والمسألة الشيعية فتسبب ذلك إلى جانب الغزو الأميركي في ظهور توتر ذو عنوان شيعي سني، أما بالنسبة للأساس فهي خلافات وصراعات إستراتجية وسياسية على مناطق النفوذ وكان لا ينبغي أن تؤثر على وحدة المسلمين، لم يستجد ما يدعو من الناحية الدينية أو التفكير الديني ما يمكن أن يؤدي إلى اختلال أو توتر في العلاقة بين مذاهب المسلمين، الإسلام دين واحد ومذاهبه مذاهب متقاربة وهي قائمة منذ آماد وآماد في التاريخ الماضي والحاضر، ولا تستدعي خلافات على أساسات دينية حولت من قبل يعني صدام حسين حاولها وآخرون حاولوها، ولم يستجد شيئا حتى ولم يحدث شيء يستدعي القلق حتى كانت هذه السنوات العشر الأخيرة فاستخدمت إيران بقوة مع أن طبيعة مطامحها ومطامعها سياسة وإستراتيجية، استخدمت إيران بقوة المذهب الشيعي واستتبعت بعض جماعات شيعية في العالم العربي وفي العالم الإسلامي، وجماعات إسلامية أخرى سنية وكلها بحدود حجة مواجهة الأميركيين ومواجهة الإسرائيليين، لكن الحقيقة في الأساس لأنها تتأسس على مطامع ومطامح سياسية وإستراتيجية فصار هذا الاختلال الذي تداركه من قبل، وتداركه أخيراً الملك عبد الله بن عبد العزيز عندما دعا إلى حوار بين المذاهب، ماذا يقول هذا الأمر؟ يقول: إننا نحن المسلمين إخوة ومذاهبنا على تعددها هي مذاهب من ضمن هذا الدين الواحد، تعالوا نتحاور لنرى أن هل لهذه الخلافات أساس؟ يعني أنه يمكن أن نختلف في السياسة، ولكن ليس هناك داع لأن يصبح هذا الاختلاف أو الخلاف خلافاً دينياً، والسيد محمد حسن الأمين العلامة منذ عشرين عاماً يقول هذا الكلام، وآخرون مثل المرحوم الراحل الشيخ محمد مهدي شمس الدين، السيد حسين فضل الله كل كبار أعلام الفكر الشيعي العربي يفصلون بين الخلافات السياسية وبين وحدة المسلمين، وأن السنة والشيعة من الناحية الدينية والاجتماعية والثقافية دين واحد ومذهب واحد ونفسية واحدة.. 

عثمان عثمان: دكتور.. 

رضوان السيد: المشكلة في هذا إذن استخدام إيران للمطامح والمطامع السياسية والإستراتيجية، ودعم ذلك بالتشيع أو بالإسلام السياسي، وهذا ينبغي الخروج منه وبيان السيد محمد حسن أمين.. 

إمكانية ولادة تيار شيعي جديد 

عثمان عثمان: حول هذا البيان دكتور،  هذا البيان الذي صدر عن السيد محمد حسن الأمين والسيد هاني فحص مع أهميته، إلا أن البعض يرى أنه يوضح نقيضه أيضاً فكأن المناهضين للثورة السورية كثرة حتى جاء هذا البيان استثناءاً، برأيكم هل يمكن البناء على مثل هذا البيان وهذه المواقف التي ذكرت في البيان في تكوين تيار شيعي في مواجهة التيار الآخر؟ 

رضوان السيد: ماذا قال السيد محمد حسن الأمين الذي معكم، وماذا قالوا في البيان؟ هو واحد أنهم يرون أن الثورة السورية ثورة من أجل الحرية والكرامة والعدالة والمشاركة السياسية، ولذلك على جميع العرب وعلى جميع المسلمين بغض النظر عن مذاهبهم وعن اختلافاتهم السياسية أن يكونوا معها، وهم بذلك يرفعون الصوت بوجه طبعاً القوى الأخرى وبالذات حزب الله، الذي لا شك أنه حظي بسبب مقاومته لإسرائيل بشعبية كبرى، لكن مواقفه الاخيرة هي مواقف تابعة للمواقف الإيرانية التي تقدم مصالحها الإستراتيجية والسياسية وفهمها لتلك المصالح على مصالح العرب والمسلمين العرب والإخوة في سوريا ولبنان وفلسطين. 

عثمان عثمان: شكراً 

رضوان السيد: ولذلك طبعاً هذا كان صوت ينبغي أن يرتفع، وهو كسب وسيكسب أنصاراً كثيرين ليس من الشيعة فقط، بل بين السنة المضللين أيضاً بسبب تيارات الإسلام السياسي هذه التي تحيزت وتتحيز لمسائل الصراع في الداخل العربي والداخل الإسلامي. 

عثمان عثمان: شكراً دكتور رضوان السيد أستاذ الدراسات الإسلامية في الجامعة اللبنانية كنت معنا من بيروت، سماحة السيد أعود إليك من بيروت، كيف يتحول الدين في السياق الطائفي المتوتر إلى هوية مغلقة ومجردة من أي التزام أخلاقي؟ 

محمد حسن الأمين: بالتأكيد فإن الطائفية هي شكل من أشكال العنصرية من أشكال القبلية يعني أكاد أقول إن الطائفية وليس المذهبية، بمعناها الفقهي، الطائفية هي صورة من صور استعادة البنية القبلية العربية التي كانت موجودة قبل الإسلام، وكان لهذا تأثير بالغ على روحية الدين الإسلامي وعلى جوهر الدين الإسلامي، ولذلك فإن كل تعزيز للعصب الطائفي هو استبعاد لروحية الدين روحية الإسلام، الروحية الجامعة، في الطائفية تغدو الطائفة هي جماعة تربط بينها شبكة من العلاقات العاطفية والعلاقات المصلحية والعلاقات الاجتماعية، وتأخذ هذه الطائفة بالدفاع عن مصالحها بغض النظر عن السقف العقائدي الديني الذي يجب أن يحكم مسارها ويحكم سلوكها، إنني من دعاة اختراق هذه البنى الطائفية لأننا لا يمكن أن نحلم بمخاض حقيقي لولادة اجتماع ووحدة إسلامية، ونحن نقدس هذه الأطر الطائفية التي هي أبعد ما تكون عن روحية الجماعة الإسلامية الجامعة. 

الممارسات الطائفية وخطورتها على وحدة الأمة الإسلامية 

عثمان عثمان: في هذا الإطار ركز الخطاب الإعلامي والسياسي على منطق الاصولية السنية متمثلة في القاعدة، لكن منذ احتلال العراق وحتى الثورة السورية الآن نرى تعاظماً لأصولية شيعية، هذه الأصولية تزكي الممارسات الطائفية والسياسية، ما خطورة مثل هذه الممارسات على وحدة الأمة الإسلامية؟ 

محمد حسن الأمين: في الواقع هذه هي الثورة المضادة يعني بتوضيح أكثر إذا كنت أعتبر أنا بوصفي واحداً من الناس من النخب العربية والإسلامية التي تعمل على قيام النهضة الجديدة، النهضة الثالثة في العالم العربي والإسلامي، فإن الثورة المضادة لهذه النهضة تتجلى في هذه الأصوليات، الأصوليات سواءً إن كانت الشيعية منها أم السنية لأن هذه الأصوليات هي التعبير عن الانكماش وعن الضحالة وعن الرؤية البائسة لمفاهيم الإسلام ولقيم الإسلام، وهي تستند في ذلك إلى شعار الرجوع للسلف ولكنها في الواقع تبني تصوراتها ورؤاها على أساس العنصرية الطائفية والدينية في آن واحد، والدين لا يمكن أن يكون مجالاً لقيام عنصريات وابتعاداً عن السماحة وعن الاعتدال، وعن الحرية التي أتاحها الدين وأتاحها الإسلام بصورة خاصة، كل أصولية هي بالضرورة نقيض للحرية ونقيض للكرامة، وبالتالي فإني لا أبالغ إذا قلت إن هذه الأصوليات هي الثورة المضادة للثورة الحقيقية التي هي ثورة الطليعة العربية والإسلامية باتجاه النهضة الحديثة، النهضة الثالثة لأنه نحن كان عندنا نهضة في العصر العباسي وكان عندنا نهضة في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، والآن نحن بحاجة إلى نهضة جديدة تجعل المسلمين جزءاً من هذا العالم ويستفيدوا من تجارب العالم. 

عثمان عثمان: نعم سماحة السيد، كتب أحدهم أن الثورة السورية نقلت شرائح شيعية واسعة من الشعور بالثقة والتفوق إلى الإحساس بالقلق من المستقبل، وأدى ذلك إلى تحول حوارات البيوت والأندية الشيعية من البحث في توحيد الأمة لقيادتها في المقاومة إلى التساؤل عن ضمانات الأقليات بعد الربيع العربي، كيف تفسرون ذلك التراجع في الوعي من الأمة إلى الطائفة؟ 

محمد حسن الأمين: يعني بعتقد إنه هذا الصراع الدائر بين النهضة وتقديس الواقع القائم هو الذي خلق هذا الشعور بالخوف، أو ما يسمى خوف الأقليات بالواقع وأن الشيعة بما أنهم أقلية فيجب أن يكونوا في دائرة هذا الخوف، وأنا أخاطب ليس الشيعة فحسب وإنما كل الأقليات، أن هذه الأقليات هي ذات المصلحة الحقيقية في قيام نظام الدولة الحديثة في كل مرفق أو إقليم من أقاليم العالم الإسلامي والعربي، الأقليات لن تجد احترامها في الأنظمة الشمولية والأنظمة الاستبدادية ومنهم الشيعة أيضاً، إذا كانوا أقلية.. 

عثمان عثمان: نعم. 

محمد حسن الأمين: فإنهم في نظام غير شمولي، في نظام حقيقي هم سيغدون نسيجا من هذا الاجتماع، الاجتماع السياسي الكبير حيث تكون فاعليتهم أكبر وحيث تكون العوائد عليهم، العوائد الإيجابية أكبر.. 

عثمان عثمان: كما ذكرتم سماحة السيد قبل الحلقة موضوع كبير يحتاج إلى وقت أكبر لكن انتهى الوقت الآن، أشكركم المرجع الشيعي البارز السيد محمد حسن الأمين كنتم معنا من بيروت، كما أشكركم مشاهدينا الكرام على حسن المتابعة، لكم تحيات منتج البرنامج معتز الخطيب والمخرج راشد الجديع، وسائر فريقي العمل وهذا عثمان عثمان يترككم في أمان الله، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.