صورة عامة الشريعة والحياة 8/7/2012
الشريعة والحياة

التفاسير القرآنية المعاصرة

تستضيف الحلقة الأستاذ بجامعة الزيتونة الدكتور احميدة النيفر، ليتناول موضوع “التفاسير القرآنية المعاصرة” ويجيب على التساؤلات التالية: كيف نفهم النص القرآني؟ وما علاقة فهمنا للقرآن بواقعنا؟

– التفسير الميسر للقرآن الكريم
– توظيف القرآن في خدمة أبعاد معينة
– الاتجاهات العامة لتفاسير القرآن
– الإعجاز العلمي في القرآن
– محاذير التفسير وسوء التأويل
– الحاجة إلى تحديث التفاسير

 

‪عثمان عثمان‬ عثمان عثمان
‪عثمان عثمان‬ عثمان عثمان
‪احميدة النيفر‬ احميدة النيفر
‪احميدة النيفر‬ احميدة النيفر

عثمان عثمان: مشاهدينا الكرام السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أهلا ومرحبا بكم في هذه الحلقة الجديدة من برنامج الشريعة والحياة والتي تأتيكم من العاصمة التونسية يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ}[النحل: 44] يبقى النص القرآني على الدوام يحتفظ بمكانة المرجعية في الفكر الإسلامي، فخلال قرن ونصف القرن ظهر في البلاد العربية ما يزيد على مئة مؤلف في تفسير القرآن الكريم وفي الوقت الذي كتب فيه عالم أزهري كتابا يقول فيه لم يترك الأوائل للأواخر كبير جهد في تفسير كتاب الله تعالى كانت هناك محاولات عصرية لفهم القرآن الكريم وإعادة تفسير بعض آياته وصولا إلى تفاسير حملت عناوين مثل قراءة معاصرة واعتمدت على مناهج غربية متخذة التفاسير القرآنية السابقة ورائها ظُهرية بل شهد مجال التفسير اقتحام أطباء ومهندسين وغيرهم كتبوا تفاسير أو أجزاء منها مما أثار الكثير من الانتقادات حينها، فما وجه الحاجة للتفسير؟ وما هو منهج فهم النص القرآني؟ وما علاقة فهمنا للقرآن الكريم بواقعنا الذي نعيشه؟ ولماذا تحدث بعض التفاسير الخارجة عن المألوف ضجة سرعان ما تتلاشى وكأن شيئا لم يكن؟ التفاسير القرآنية موضوع حلقة اليوم من برنامج الشريعة والحياة مع الدكتور احميدة النيفر الأستاذ بجامعة الزيتونة مرحبا بكم دكتور..

احميدة النيفر: أهلا وسهلا بك..

التفسير الميسر للقرآن الكريم

عثمان عثمان: القرآن الكريم وصف بأنه ميسر {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ}[القمر:17] البعض يتساءل طالما أن القرآن ميسر لما كل هذه التفاسير؟

احميدة النيفر: بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا مولانا محمد وعلى آله وصحبه، القرآن ميسر ولأنه ميسر يحتاج إلى التفسير.

عثمان عثمان: كيف؟

احميدة النيفر: لأن تيسيره من الله تعالى كتسخير الله تعالى للكون يحتاج إلى هذا التسخير كما يحتاج التيسير يحتاج إلى جهد بشري، يحتاج إلى مكابدة بشرية فلا يمكن أن نفهم التفسير على أنه لا يحتاج إلى أي جهد، الله سبحانه وتعالى ذكر في القرآن العزيز أن الكون مسخر لنا ولكنه طالبنا بالكدح وطالبنا بالجهد، نفس الشيء تيسير القرآن تيسير الذكر القرآني يعني هو إتاحة لمد يد المساعدة للإنسان حتى يتولى مهمته الأساسية، لكن هذه الإتاحة تحتاج من البشر، من المؤمنين تحتاج، تحتاج إلى عمل حقيقي، عمل في مستوى الفهم، عمل في مستوى مراجعة هذا الفهم، على اعتبار أنه ليس هناك فهم أمثل لأننا نعتقد المسلم يعتقد أن النص لا يمكن أن يحجر عليه فهم ما مهما كان هذا الفهم، فلذلك أنا أعتبر أن تيسير الذكر هو نوع من مساعدة البشر على أن يرتقوا باستمرار لفهم مبتغى الله ومقصوده مع مراعاة ظروفهم واحتياجاتهم الآنية.

عثمان عثمان: ولكنه يشهد طفرة كبيرة نتحدث عن مئة ألف عن مئة مؤلف من التفاسير للقرآن الكريم في العالم العربي كل عام يمر نشهد تفاسير جديدة لماذا هذا التكرار هذا يعني هذا الزخم في التفسير؟

احميدة النيفر: فعلا هي ظاهرة لافتة للنظر، من جهتين على الأقل، من جهة أولى هذه الظاهرة وتيرتها متواصلة لكنها تزداد بعد كل أزمات كبرى تمر بها البلاد العربية والإسلامية أزمات اجتماعية، أزمات سياسية، تحولات كبرى، هزائم عسكرية إلى آخره، فلو قارنا هذه الوتيرة مع ما يجري في المجتمعات لأدركنا أنها كأنها حاجة حضارية يعبر عنها المجتمع أنه يريد أن يعود إلى النص المؤسسي الذي بنيت عليه الحضارة الإسلامية لكي يحاول أن يستنجد به لمواجهة هذه القضايا الطارئة والتحولات الكبرى، هذا هو الجانب الأول لتفسير هذا التكافل، الجانب الثاني هو أنه هناك عدد من المعارف والاكتشافات والفتوحات ممكن نسميها فتوحات معرفية ظهرت في هذا القرن من الزمن وبعض المسلمين يريد أن يستفيد من هذه الفتوحات ومن هذه الكشوفات العلمية وكشوفات الإنسانية إلى آخره، ويعتبر أنها أداة إضافية لعلها تساعده في أن يكون هذا النص المرجعي الذي يؤول إليه باستمرار يكون قادرا على مواجهة التعثرات التي يعيشها المسلمون في عالمهم المعاصر.

عثمان عثمان: هل تجدون هذه الظاهرة صحية أم أنها ظاهرة سلبية؟

احميدة النيفر: هي ظاهرة في تقديري تدل على يقظة، يقظة المجتمع والوعي المجتمعي يعني يعبر عن استعداده المتواصل على أن يلتحم بجذوره التي تأسست عليها حضارته، من هذه الناحية هي ظاهرة صحية بدون شك لكن هل وفقت في طيلة القرن ونصف، هل وفقت للخروج من هذه الحالة حالة المأزق التي يسميها بعض الباحثين المعاصرين مأزق المعنى يعني لا نعرف العالم الإسلامي كأنه لا يعرف كيف يربط ماضيه بحاضره، يعني يعيش في حالة أشبه ما يكون بحالة الفصام وأعتقد أن هذه التفاسير ستجسر العلاقة أو تربط العلاقة بصورة إيجابية بين هذا الماضي وبين مقتضيات الحاضر فأظن أنها ظاهرة صحية وإن كان في تقديري لم توفق إلى نتائج حقيقية كبرى ربما نتحدث عن هذا فيما بعد.

توظيف القرآن في خدمة أبعاد معينة

عثمان عثمان: ربما البعض يتهم بعض هذه التفاسير أو المفسرين ببعد تجاري أو بعد أيديولوجي أو تكرار لما هو قد مضى وأصبح شيئا مبتذلا ربما.

احميدة النيفر: لا شك أن هناك في هذه المحاولات التي ظهرت في القرن والنصف الماضي محاولات سميتها أيديولوجية يعني هناك بعض التفاسير التي ظهرت في الفترة الأخيرة لا تعدو أن تكون استنجاد بالنصوص القرآنية لدعم إجابات جاهزة من قبل المفسر هذا ما أقصده..

عثمان عثمان: توظيف القرآن في خدمة بعض الأفكار..

احميدة النيفر: في خدمة أفكار اجتماعية واختيار سياسي أو شيء من هذا يعني ما يسمى استنطاق النص وأضع الكلمة بين ظفريين يعني استنطاق النص يعني تعسف مع النص لا نتعامل مع النص على أنه نص متعالي ولكنه يظل قادر على أن يقدم إجابات المؤمن يعتقد أنه ليس نصا عاديا هو نص ليس نصا لغويا أو تاريخيا عاديا هو نص متعالي ولكنه يظل يولد المعاني التي تحتاجها الأمة، فالمعالجات الأيديولوجية أو التجارية التي أشرت إليها هي معالجات تفسر لأنها تبين أنه لا يمكن الحديث عن حركة نهوض في العالم الإسلامي بدون المرور عن التفسير عن طريق التفسير لا بد من استعمال هذا النص واعتماد هذا النص بصورة أو بأخرى، ومن ثم تأتي هذه المحاولات أيا كانت دوافعها في هذه الحالة أو تلك لكنها تعبر عن مرجعية النص الدائمة في الأمة.

عثمان عثمان: نتحدث الآن عن كثرة وكثافة في التفسير تفسير القرآن الكريم لكن بالعودة إلى حياة النبي عليه الصلاة والسلام لم نجده يفسر كامل القرآن الكريم هل لذلك من دلالة برأيكم؟

احميدة النيفر: صحيح هو علم التفسير ظهر في البداية ملتصقا وملتحما التحاما شديدا بالحديث النبوي والرسول صلى الله عليه وسلم لم يعنِ شرح بعض الأشياء وأجاب عن بعض الأسئلة الواردة في القرآن الكريم بل إن بعض الصحابة كان يعني لا يرى حرجا في أن يقول هذه الكلمة لا أعرف معناها مثلا يروى عن أحد الصحابة كبار الصحابة أنه لا يعرف كلمة أبا في القرآن الواردة في سورة عبس وكلمة فاطر، فاطر بعض الصحابة ابن عباس رضي الله عنه يقول أنا لا أعرف حتى لقيت عربيين يقول أنا فطرت هذا البئر يعني أنشأته، فالإجابة عن هذا السؤال اللي هو أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان الحضور النبوي، الحضور النبوي كان هو أفضل طريقة للتفسير وفيه نص معروف كان خلقه القرآن يعني سلوكه وعلاقاته وتسديده لحياة الأمة الناشئة والجماعة الناشئة كان هو أفضل تفسير يعني لم تكن هناك حاجة للتفسير لأن الحضور النبوي كان يقوم مقام هذا أي تفسير يمكن، ولذلك لا نجد له إلا إضافات وملحقة بأحاديث ولذلك ظل علم التفسير في الفترة الأخيرة في القرن الأول موجود مع النصوص النبوية التي تروى عن الرسول عليه السلام، فلذلك هذا يفهم من هذا الجانب وهو جانب الحضور النبوي، ومن جانب آخر أن المجتمع الأول لم تكن تواجهه قضايا مختلفة نوعيا عما كان في فترة نشوء الأمة في فترة الجماعة الناشئة، لم يظهر، لم تظهر هذا إلا في أواسط القرن الثاني حين ظهرت الفتوحات حين انتشر الإسلام في أصقاع مختلفة وتثاقف مع مجموعات دينية وفلسفية وفكرية ونظرية مما أدى إلى طرح أسئلة ما كانت مطروحة وظهرت أمور ومقتضيات، التحولات التي ظهرت عن طريق الفتوحات طرحت مسائل كان لا بد عندئذ إذا من أن تقدم إجابات تتجاوز المفردات هذه المفردة الغريبة أو هذا المعنى ما المقصود به، هذه الكلمة في، لذلك هنا في تقديري اعتباران الاعتبار الحضور النبوي واعتبار التوسع الاجتماعي والثقافي.

عثمان عثمان: هذا ربما يزيد من الحاجة إلى التفسير كلما تطور الزمان وتطور العلم، ألا ترون أيضا أن القرآن الكريم نزل بلغة القوم، اللغة العربية التي كانت سائدة في حياة الصحابة والمجتمع الذي كان يعيش فيه النبي عليه الصلاة والسلام معرفتهم باللغة العربية كانت عاملا مساعدا أيضا أنهم يحتاجون لتفسير بعض الآيات أو الكثير من الآيات والألفاظ.

احميدة النيفر: دون شك؛ البيئة العربية الأولى كانت تيسر هذا الفهم العفوي الطبيعي بعد ذلك ستدخل أمم لا صلة لها باللغة العربية أو معرفتها باللغة العربية معرفة محدودة جدا ولذلك الجانب اللغوي إلى جانب هذا المجال، مجال اللغة، هناك جانب آخر هو الجانب الفلسفي والفكري حين دخلت أقوام خلفيتها الدينية يهودية أو نصرانية أو غير ذلك لها يعني مواقع وفهم للحياة وفهم للإنسان وطبيعة الإنسان تختلف عن الفهم والطبيعة التي ركزها النص القرآني فبطبيعة الحال سيتساءلون عن هذه المعاني عن قضية الإنسان وقدرته وإرادته إلى أي حد عنده إرادة حقيقية يعني أنه مجبر أم أنه مخير إلى آخره، هناك جملة من القضايا الكبرى التي ستطرح ابتداء من أواسط القرن الثاني الهجري وبعد ذلك فيما تلاها من القرون نتيجة هذا الاحتكاك بمجموعات وبنظريات وبتساؤلات فلسفية ووجودية حتى تختلف تمام الاختلاف عما كان موجودا في الفترات الأولى.

عثمان عثمان: تحدث العلماء عن تفسير القرآن الكريم، عن تفسير القرآن بالمأثور سواء كان بالحديث النبوي أو بأقوال الصحابة، هل نحن مطالبون اليوم في التفسير أن نلتزم بتلك الأصول وبتلك الأقوال؟

احميدة النيفر: هو إذا كان يعني إذا رأينا ما ينشر الآن من التفاسير حتى أجيب عن هذا السؤال من خلال ما هو موجود، أنا أعتقد أن قسما من المفسرين المعاصرين يعتبرون أنه لا مناص من أن نعتمد هذا التمشي المنهجي يعني قراءة القرآن من خلال القرآن ومن خلال المأثور، لكن هل هذا السؤال الذي يطرح: هل هذا الاعتماد كاف لتقديم إجابات تطالب بها المجتمعات الإسلامية؟ هذا هو السؤال الذي يطرح الآن في التفاسير الحالية، أما أن نتجاوز كل ذلك فهو أمر بالنسبة لقسم من المفسرين المعاصرين أمر متعذر لا يمكن القبول به، لا بد من اعتماد هذه القراءة القرآنية الكاملة، النظر في كليات القرآن كما يقال مقارنة ببعض المفسرين الذين يعتبرون أن ما هو مأثور لا ينبغي أن نعتمده كاعتمادنا لرؤية للرؤى الكلية التي تتوفر في النص القرآني، إذن هناك رأي يرى هذا الاتجاه في هذا الاتجاه هناك رأي آخر عند المفسرين المعاصرين وهم قلة يعتبرون أن النص القرآني نص مرتبط بسياق حضاري بسياق تاريخي فينظرون إليه نظرة لغوية أو نظرة تاريخية كأنه نص تاريخي أو لغوي لا أكثر ولا أقل وبالتالي يتعاملون معه كأي نص آخر وأولا يرفعون عنه القدسية الأساسية بالنسبة للمسلمين وينظرون إليه كأنه نص ديني مثل النص الموجود عند المسيحيين أو عند اليهود يعني يتجاهلون أو يعرضون على أنه نص موحى يعبر عن تجلي المتعالي سبحانه وتعالى في هذه الآيات يتجلى كلامه في هذه الآيات ولذلك لا بد أن ننظر إليه من هذه الزاوية ونفعل فيه هذا المعنى، المعنى الإيماني الذي لا بد من إدخاله في اعتبارنا.

عثمان عثمان: ماذا عن التفسير الرأي المعتبر الغير مبني على هوى خاصة أن هناك بعض الأحاديث التي وردت منها ما يقول من قال بالقرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ.

احميدة النيفر: هو هذا الحديث من قال بالقرآن برأيه فقد..

عثمان عثمان: رواه الترمذي وأبو داود..

احميدة النيفر: نعم فيعني ما أعرفه هو يتعلق بمن ذكر فيما يتعلق بآيات أمورا لا صلة لها بتلك الآيات يعني ينطلق من دون سند في تحديد سبب نزول هذه الآية أو هذه الحادثة أو ما شاكل ذلك فعندئذ لا بد من أن نعتبر أنه مجرد تفسير بالرأي بالهوى مش بالرأي يعني الرأي هو الذي أعتمد حتى مع الصحابة، بعض الصحابة كانوا يفسرون في مع الرسول صلى الله عليه وسلم يفسرون بعض {وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ}[التكوير:7] مثلا عمر بن الخطاب فسر زوجت من خلال فهمه لعموم النص إذن ما يتعلق التفسير بالهوى هذا أمر..

عثمان عثمان: مرفوض.

احميدة النيفر: بدون شك، لكن استعمال الرأي في النظر إلى الآيات والاحتكام بعض الآيات لآيات أخرى ولسياقات قرآنية أو أحاديث صحيحة هذا أمر ضروري.

عثمان عثمان: أليس هناك من ضوابط تحكم هذا التفسير بالرأي المعتبر لو أردنا أن نقول.

احميدة النيفر: هناك الأصول الأساسية القرآنية، أصول العقيدة، هذه أمور معتبرة لا بد من تحكيمها وبدونها لا يمكن أن نفهم تفسيرا جزئيا لآية يعني مثلا قضية مهمة الإنسان واستخلاف الإنسان وما ينجم عن ذلك من تقدير لقيمة حريته حتى تكون محاسبته مرتبطة بهذه المسؤولية، وبهذا الاستخلاف فبدون هذا الاعتبار يصبح الأمر يعني غير محكوم بأصول مترابطة أسس عليها الخطاب القرآني وسيظل أساس في كل وقت وفي كل زمان.

عثمان عثمان: يعني كما ذكرت هناك البعض بعض العلمانيين وربما المستشرقين تعاملوا مع القرآن الكريم على أنه نص لغوي قالوا هو مضمون إلهي لكنه تنزل بلغة البشر وعندها خضع لقوانين هذه اللغة، كيف يكون القرآن بلغة إنسانية ويحتفظ بإلهيته؟

احميدة النيفر: هو هذه إحدى المسائل الكبرى بالتفسير المعاصر، في التفسير المعاصر فيما يظهر من تفاسير معاصرة هذه إحدى المسائل الكبرى التي تطرح لماذا؟ لأنه بعض الباحثين الذين لا يتحدثون من داخل الثقافة الإسلامية من داخل المنظور الإيماني يعتبرون أنه نص كالتوراة أو الإنجيل كما هو كالأناجيل المتداولة هي نصوص بشرية، وبعضهم يذهب إلى أنها كتبت في فترات متباعدة إلى آخره، في تقديري هذا النوع من هذه المقاربات للنص القرآني هذه المقاربات التفسيرية لا تلقى أي صدى فيما أعرف فيما اطلعت عليه لا تلقى أي صدى في المجتمعات، أنا في تقديري المشكلة الرئيسية لا تعود إلى هذا النمط من المقاربة، المشكلة الرئيسية تعود إلى نمط آخر من تفاسير ممكن أن نطلق عليه اسم تفاسير تراثية وهي التي ما تزال تخرج حتى الآن ما تزال تصدر إلى الآن تفاسير تقريبا يعني تأخذ من تفسير الرازي تأخذ من تفسير ابن كثير تأخذ من التفاسير..

عثمان عثمان: ما المقصود بالتفاسير التراثية.

احميدة النيفر: التراثية يعني لا تريد أن تفعل المقتضيات المعرفية والحضارية الحديثة في إثراء فهم المسلمين للنص، لأننا نعتقد لأني أتصور أن النص بالنسبة للمسلم النص معروف في هناك آثار يقال يأتي يوم القيامة يأتي القرآن يوم القيامة بكرا يعني القرآن يظل يولد بالنسبة للمؤمن يظل يولد المعاني التي تحتاجها الأمة في كل طور من أطوارها عندئذ حتى تحصل هذه الحركية التوليدية للمعنى التي تظل في نفس الوقت مرتبطة بالأصول، وفي نفس الوقت مستجيبة للحاجيات الجديدة لا بد من تفعيل أدوات إضافية إلى الأدوات والمعايير والعدة المعرفية التي كانت معتمدة باللغة والبلاغة وأسباب نزول ومعرفة الناسخ والمنسوخ إلى آخره، إذن حتى يتحقق هذا المعنى حتى يتحقق هذا المعنى معنى التوليد المتواصل معنى أنه بكر يعني أنه قادر على أنه يقدم الإجابات المطلوبة لا بد من تجنب هذا الأسلوب التراثي الذي يقتصر على نوع من استنساخ أو استقطاع مقاطع من التفاسير القديمة التي اعتمدت فيها مسائل ومنطلقات كلامية وصراعات مذهبية قديمة لم يبق لها تقريبا من أثر اليوم، فحين لا نجد إلا هذا النمط من التفاسير بطبيعة الحال سيقال سيأتي العلمانيون أو بعض العلمانيين أو المستشرقين يقولون هذا نص لم يعد قادرا عقيم، ما دام يكرر ويعيد إنتاج نفس الإجابات ويبقى المجتمع متعطشا لإجابات حقيقية فيما يتعلق بحياته الاجتماعية والسياسية والثقافية وعلاقاته مع المختلفين عنه في المعتقد و في الرؤى، فعندئذ سيظهر مبرر أنه هذا نص أصبح غير قادر على تقديم الإجابة فالمسؤولية في تقديري هي في هذا النوع من التفاسير التي لم تدرك كيف ينبغي أن نتعاطى مع هذا النص المرجعي الذي يتعالى على التاريخ ولكنه يظل فاعلا في التاريخ بفضل الإنسان وبفضل إنجازاته وفكره.

عثمان عثمان: البعض يقول كثيرا، كثيرا ما يتم الحديث عن أن القرآن يقول القرآن ينص ويغيب الحديث عن الإنسان الذي يفسر القرآن ويتلقى القرآن الكريم كيف توضحون ثنائية القرآن والإنسان أسمع الإجابة إن شاء الله بعد أن نذهب إلى فاصل قصير فابقوا معنا مشاهدينا الكرام نعود إليكم بإذن الله بعد الفاصل. 

[فاصل إعلاني]

عثمان عثمان: أهلاً وسهلاً بكم مشاهدينا الكرام من جديد في حلقة هذا الأسبوع من برنامج الشريعة والحياة والتي هي بعنوان التفاسير القرآنية مع الدكتور احميد النيفر الأستاذ بجامعة الزيتونة، مرحباً بكم من جديد فضيلة الدكتور نريد أن توضحوا لنا ثنائية القرآن والإنسان.

احميدة النيفر: هو لو نظرنا إلى الجانب العددي لذكر الإنسان في القرآن لوجدنا أن كلمة الإنسان لم تذكر إلا بنسبة بسيطة 65 مرة  في عموم النص القرآني، لكن ليس هذا هو المعتبر في الحقيقة، المعتبر فيما يتداول الآن من موضوع الثنائية هذا، المعتبر هو أولا كيف ذكر هذا العدد في أي سياق؟ ذكر أحياناً في سياق إظهار ضعفه أنه كنود وأنه يسارع في الدعاء وأنه..

عثمان عثمان: {إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً}[المعارج:19].

احميدة النيفر: هلوعاً يعني أنه في أكثر من سياق فيه نوع من تعبير أن الإنسان محط الاستهانة، مقابل هذا هناك آيات أخرى بعكس نصاً تعتبر أن الإنسان قادر على أشياء كبرى {وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ} [ص: 60] يعني هو قادر على أن يفهم هذه التوجيهات وهذه الوصايا، هذا من الناحية الشكلية العددية، لكن الأهم من هذا هو أن الخطاب القرآني أساسه هو خطاب الوحي هو موجه للإنسان بكامله يعني كامل الخطاب موجه للإنسان هو تكليف للإنسان، فهذا المعنى بغض النظر عن ورود كلمة الإنسان في النص القرآني تدل على أن الخطاب القرآني مناطه الأساس ومناط تكليف الخطاب فيه هو لهذا الإنسان، لذلك لا يمكن أن تصور أن قدسية النص، قدسية النص قدسية مصدره وقدسية المقاصد التي ركزها تتجاهل هذه الخصوصية الإنسانية يعني الآية المعروفة في سورة البقرة {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً} [البقرة:30] هذا الاعتماد، {قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ} [البقرة:30] هذا المعنى لو أخذنا هذه الآية بالذات لأدركنا أن هناك تمشٍ قرآني يعتبر أن قدسية المصدر، القدسية، لا تلغي أن يكون الوصول إلى دلالات المعاني مترابطة مع وعي الإنسان مع ثقافة الإنسان مع إمكانياته البشرية المادية والذهنية إلى آخره، فليس هناك في الحقيقة تناقض هناك ما يمكن أن نسيمه جدل، وهناك نوع من التفاعل بين هذه المقاصد القرآنية الثابتة قيم معاني موجهات رؤى أساسية للحياة وللإنسان، هذه المعاني الكبرى أحكام أساسية ثابتة، هذه الاعتبارات لا بد أن تظل مواكبة ومتفاعلة مع طاقة الإنسان، فليس هناك إذن أي تناقض بين هذا الاعتبار القدسي وبين هذا الترقي المطلوب من الإنسان حتى يكون أهلاً لهذا الاستخلاف، يعني حالة الاستخلاف هي حالة متطورة ينبغي أن تراعي مقتضيات هذا التطور، وهذا التطور تدخل فيه الاعتبارات الفكرية تدخل الاعتبارات المادية الاجتماعية إلى آخره.

عثمان عثمان: أحياناً يتم الدمج والتطابق بين القرآن وتفسير القرآن ما الفرق؟

احميدة النيفر: القرآن وتفسيره يتطابق أحياناً في أمور جزئية في قضايا مثل التي ذكرناها منذ قليل، يعني قيم أساسية أحكام ثابتة اعتبارات قيمية أساسية بدونها لا معنى لقدسية القرآن، لا معنى لمرجعيته بالنسبة للأمة، مقابل هذا حين ننظر كيف تُفهم بعض القضايا المستجدة في ضوء القدسية القرآنية مثلاً مفهوم الشورى على سبيل المثال هذا مفهوم وارد في القرآن مفهوم أساسي، كيف يمكن أن نفهمه من زمن إلى آخر؟ لا بد أن نحكم فيه مقتضيات جديدة وعندئذ يصبح التفسير الذي قيل في خصوص الشورى والذي صيغ في لحظات تاريخية وفي سياقات تاريخية تختلف عن السياقات الحديثة أو السياقات الموالية فلا يمكن أبداً أن نقول أن هناك مطابقة بين القرآن والتفسير، أما المطابقة فيما يتعلق {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ} [النحل:90] إلى آخره ولا يمكن أن يكون هناك أي انفصال أو أي فصال بين ما هو نص قرآني وبين ما هو تفسير، لا يمكن أن يحدث فيه شرخ، الشرخ أو التطور يحصل عندما تتحلق الأمور بقضايا حضارية متعلقة بتغير الأنظمة الاجتماعية ومقتضياتها وآليات عملها، عندئذ يحتاج الإنسان أن يميز بين ما هو قرآن وبين ما هو تفسير يقدم في عصر من العصور.

الاتجاهات العامة لتفاسير القرآن

عثمان عثمان: إذن ما كان قطعي الدلالة يمكن التطابق فيه بين القرآن والتفسير في طبيعة الحال، الاتجاهات العامة التي حكمت التفاسير القرآنية خلال القرن والنصف ما هي؟

احميدة النيفر: هناك على الأقل أولاً قبل أن نحدد الاتجاهات، أنا أتصور أنه من المفيد أن نقول أنه منذ القرن التاسع عشر ميلادي يعني منذ 1850 أظن إذا ذكرت تاريخ إنتاج تفسير الألوسي مثلاً على سبيل المثال حتى الآن ذكرت قبل قليل أنه يناهز المئة من التفاسير، إما تفاسير كاملة أو تفاسير جزئية لأنه ليست كل التفاسير التي ظهرت في هذا العصر كلها تفاسير تغطي كامل النص القرآني، هذا أول ما نحتاج إلى تحديده، ثانياً: نحتاج إلى ذكر أنه ظهرت مثلما ذكرت منذ قليل أنه هناك تفاسير تعتمد فيها مرجعيات معرفية ليست بالضرورة المرجعيات المعتمدة مثل اللغة ومعرفة البلاغة قواعد البلاغة وقواعد البيان إلى آخره، بل تعتمد أمور أخرى مثلاً أمور طبية وعلمية فيزيائية كيميائية إلى آخره، إذن قبل أن نتحدث عن الاتجاهات الكبرى يبدو لي أن هناك محطة رئيسية ظهرت في الفترة المعاصرة هي ظهور تفسير المنار للشيخ محمد عبده، هو بداية بدأ مع دروس ألقاها محمد عبده ثم لم يدله هو توفي قبل إنهائه، فسر قسماً منه وجزء عَمَّ وتوقف عند سورة يوسف، جاء بعده رشيد رضا وهو أحد أبرز تلاميذه وأكمل النقص بناءً على ما ظن أنه أو ما اعتبر أنه في نفس التوجه، في نفس المنهجية التي عالج بها الشيخ محمد عبده النص القرآني، هذه اللحظة في تقديري هذه اللحظة في تحديد الاتجاهات مفيدة جداً لأنه تفسير المنار يتميز بميزتين أساسيتين: الميزة الأولى هي أنه يرى من الضروري في إنتاج دلالات التفسير المعاصر لا بد من مراجعة التراث التفسيري والقيام بنوع من استبعاد بعض الاتجاهات التي كانت من خلافات مذهبية وعقدية وبعض الإسرائيليات وبعض الأشياء التي هي أقرب إلى الخرافات إلى آخره، يعني هذا ما يمكن نسميه تصفية التراث التفسيري القديم، استبعد بعض الجوانب الكبيرة في المنار، في تفسير المنار هذا الجانب الأول، الميزة الثانية التي هو لا تقل أهمية عن الميزة الأولى هي أنه لا بد من أن يكون التفسير متفاعلاً مع مقتضيات المجتمع واحتياجاته، فلا بد أن يكون مصغياً لهذه الاحتياجات، ويتفاعل معها ويقدم لها الإجابات من هذه اللحظة لم تعد التفاسير هي اهتمامات لبعض العلماء، الخبراء، بما كتبه هذا المفسر أو ذاك، بما اهتم به من آيات الأحكام أو اهتم به من جوانب العقدية الكلامية، أصبح المفسر منتبهاً لما يطرحه المجتمع من تساؤلات ويبحث عن إجابة عنها، من هذه اللحظة ستظهر اتجاهات في التفسير يعني المنار سيفتح مسلكاً جديداً أننا لسنا ملزمين بكل ما ورد في التراث التفسيري القديم، ينبغي أن نفرز أن نقوم بعملية فرز ونختار أشياء ونلغي أشياء أخرى لا نعتمدها هذا من جهة، من جهة ثانية لا بد أن نكون في حالة تفاعل مع المقتضيات الجديدة..

عثمان عثمان: مع الواقع.

احميدة النيفر: وهنا مثلاً نفهم رجل مثل السيد قطب رحمه الله، سيد قطب كتب بعد أن مهد محمد عبده لهذا وقال: لا يمكن أن نفسر القرآن الكريم إلا إذا كنا مستوعبين الحاجيات الجديدة وقائمين بواجباتها بقطع النظر عما كتبه هذا أو ذاك بل بقطع النظر عن كل الرؤى والأفكار والفلسفات حتى الحديث..

عثمان عثمان: حتى سيد قطب سماه في ظلال القرآن.

احميدة النيفر: نعم، يعني يرجع مباشرة إلى القرآن ليعيش كما عاش الجيل القرآني الفريد الذي نسميه الجيل القرآني الفريد، ويعتبر أنه أن ينهل من هذا المنبع هذا هو أصل التفسير، فهذا التوجه مثلاً عند السيد قطب، هذا التوجه مهد له الشيخ محمد عبده والشيخ رشيد رضا بهاتين الميزتين اللتين أشرت إليهما، نفس الشيء يعني نجده عند مفسر آخر حديث مصري طنطاوي الجوهري الذي أنتج كتابا أو تفسيراً سماه الجواهر يعني حاول فيه أن يقول إن عدة اكتشافات علمية حديثة متوفرة في النص القرآني، يعني ينبغي أن نعود إلى النص القرآني بعينين معاصرتين علميتين، وفتح باباً لما يسمى وفتح باباً لما يسمى الإعجاز العلمي في القرآن. لكن أياً كانت الاتجاهات هناك اختلافات طبعاً وتفاوتات يعني يمكن أن نتحدث عن القاسمي والتفسير عنده معاصر أيضاً، خلف الله كتب كتابات في التفسير في القصص القرآني له رأي، كل هذه المحاولات مع تفاوتاتها في تقديره لا يمكن أن نفهم انطلاقها ونشوءها وتعددها إلا إذا نظرنا من منطلق الإنجاز الذي حققه تفسير المنار.

الإعجاز العلمي في القرآن

عثمان عثمان: طالما ذكرتم موضوع الإعجاز العلمي هل ترون ما ذهب إليه البعض في هذه الأيام أنهم يحاولون أن يسقطوا كل نظرية علمية أو حقيقة علمية أن هذه جاءت في القرآن الكريم هل أنتم مع هذا الاتجاه أو مع هذا المنهج؟

احميدة النيفر: هو أود أن أؤكد أن هذا المنهج هو فعلاً المعاصر وأصبح حاضر بكثافة اليوم وبقوة، هناك برامج كثيرة في هذا المعنى هناك كتب تنشر في هذا الاتجاه الإعجاز العددي، الإعجاز الكيميائي، الفيزيائي، إلى آخره..

عثمان عثمان: الفلكي..

احميدة النيفر: الفلكي، لكن هو في الحقيقة له جذور قديمة بعض المفسرين القدامى كان يرى أو الثقافة، الفكر الذي كان يحيط ببعض المفسرين القدامي كان يرى أن كل العلوم موجودة في القرآن، بعضهم ذهب إلى أن بعض الآيات فيها مثل الأسرار يقول هذه السورة على سبيل المثال تنبؤ أن الرسول صلى الله عليه وسلم سيتوفى وعمره 63 عام؛ لأن هذه السورة التي فيها الآية كذا هي السورة رقم 63 وأن السورة التي تلتها هي سورة التغابن على سبيل المثال يعني كان هناك عند بعض القدامى حتى من المفسرين اعتقاد بأن كل المستقبل موجود في الماضي وكل العلوم موجودة في القرآن، هذه الفكرة ستعود ثانيةً في العصر الحديث عند بعض الذين يتحدثون عن الإعجاز العلمي، ويعتبرون أن كل العلوم الحديثة يمكن أن نجد لها أصلاً ومنبتاً وقاعدة في آية من الآيات أو في مجموعة من الآيات، في تقديري هذا تكرس هذا المعنى وتضخم في العصر الحديث نتيجة شعور بأنه لا بد أن نعبر على أن لنا تميزاً ما، هذا التميز أن كل هذا التطور الذي يحصل هو في الحقيقة متوفر عندنا، هو في رأيي رد فعل ناتج عن حالة ضعف يعيشها بعض المفسرين وتعيشها عموم المجتمعات الإسلامية أمام الطفرة التي تحققت من اكتشافات علمية في العالم في القرن الماضي وفي القرن والنصف الماضي، فلعلها رد فعل عن حالة من التردي يحاول بعضهم أن يعوضها بهذا التمجيد نوع من العقلية الدفاعية إن جاز لي التعبير، عن حالة من الضعف ينبغي أن نفهمها في السياق الحديث والتي لها أصول كما قلت عند بعض المفسرين القدامى.

محاذير التفسير وسوء التأويل

عثمان عثمان: إذن هناك بعض السوء في تفسير القرآن الكريم من قبل البعض من أين يأتي سوء تفسير القرآن الكريم عند هؤلاء؟

احميدة النيفر: هذا يحيلنا إلى موضوع ثاني وهو بنية التفكير الديني الذي يعتمده هؤلاء المفسرون، هؤلاء المفسرين يعتمدون الدنيا في التفكير الديني؛ ترى أن هناك جاهزية دائمة ومثلى فيما قدم من تفاسير، ليست هناك حاجة إلى أن نكتشف التفسير الأنجع لعصرنا يعتبرون أن ما قدم من تفاسير في الماضي يمكن أن نسميها هو التفسير الأمثل هو أفضل التفاسير، وهذا في تقديري فيه جرأة على كلام الله سبحانه وتعالى، لا يمكن أن يزعم مفسر أنه أحاط بكل المعاني، هناك آيات عديدة في القرآن تذهب في اتجاه معاكس مع هذا الفهم مع هذه البينة الفكرية، البينة الفكرية التي تعتمد تفكر من داخل إطار مغلق في فهم الدلالات القرآنية وتعتبر أنه أمكن إحكام الوثاق أو إحكام الفهم للآيات القرآنية ولمضمون النص القرآني، هذا في تقديري يدل على أن كما قلت هو نوع من التجرؤ، فيه جرأة كبيرة، وثانياً: يدل على سوء فهم لوظيفة المفسر، وظيفة المفسر ليست هي تمجيد مفهوم ثقافي وفهم ثقافي للقرآن الكريم بل مهمة المفسر هو أن يستوعب تلك المفاهيم القديمة ولكن أن يبني عليها وفق التراكم الذي يحصل من المعارف الجديدة، حتى يكون متفاعلاً مع مقتضيات مجتمعه وأمته.

عثمان عثمان: دكتور العلماء وضعوا شروطاً لتفسير القرآن الكريم لكن اليوم نجد من اقتحم هذا المجال من غير أهل التخصص ليسوا من العلماء ليسوا من خريجي الأزهر، ولا جامعة الزيتونة واقتحموا هذا المجال وهم يعملون في الطب أو الهندسة أو الفيزياء أو غير ذلك، لا يمتلكون هذه الشروط ما مصير هذه الشروط في ظل هذه المستجدات والظروف؟

احميدة النيفر: في تقديري هذه المستجدات هي ظرفية، ولا أتصور أنها ستكون مؤثرة اللهم إلا في نوع من إرجاع ثقة لأمة في تاريخها وفي مصدر حضارتها وفي مرجع حضارتها، أما أن تعتبر أن هذه المحاولات ستؤدي إلى المقصود منها الأداء الذي يقتضيه التفسير فلا أظن، هي فيها نوع من استعادة الثقة وكأن أصحابها يقولون: لسنا أعجز من أن نتفاعل مع هذه المعارف من طب وهندسة وكيمياء إلى آخره، لكن من ناحية أخرى هي في الحقيقة نداء وطلب أن هذه المؤسسات التي أشرت إليها مثل الأزهر والزيتونة والقرويين وغيرها أن هذه المؤسسات ينبغي في عملها في بنائها المعرفي لا بد أن تصحح آلياتها، تصحح أدواتها المعرفية حتى تستوعب جوانب إضافية لا شك أنها ستفيد علم التفسير من حيث فاعليته ومن حيث ما يمكن أن يقدمه للمجتمع، أما إن ظلت هذه المؤسسات رافضة إعادة النظر في هذه العدة المعرفية التي تقتصر عليها، ورفضت أن تدرك أن هناك فوائد جمة يمكن أن تستفاد من علم التاريخ، من علم الاجتماع، من علم النفس، من جوانب في الطب لتزيد في فهم مقاصد النص القرآني وأبعاده وقيمه فإنها بطبيعة الحال عندئذ إذا لم تفعل هذا فستظل بطبيعة الحال فاتحة الباب لهؤلاء الذين يبادرون بهذه المبادرات والتي كما قلت لا تكون أكثر من أنها استعادة الثقة والتعبير أننا لسنا أعجز من أننا نقدم إضافات جديدة.

الحاجة إلى تحديث التفاسير

عثمان عثمان: دكتور هل ترون أننا في حاجة إلى تفسير جديد في كل عصر في كل مرحلة وما الذي يحكم ذلك؟

احميدة النيفر: هو مشروعية الإضافة في التفسير مرتبطة بطبيعة الإنسان المستخلف، الإنسان المستخلف لا بد أن يضيف في كل مرة هناك قاعدة التراكم المعرفي لا يمكن أن نتجاهلها، فالمطالبة بتفسير جديد لكل عصر هي أمر مواكب تماماً لطبيعة الإنسان من جهة وطبيعة مفهومنا للتاريخ، الإنسان هو كائن تاريخي وبدون هذا المعنى يصعب أن نقدم مضامين النص القرآني ومفاهيم النص القرآني بصورة تكون مستجيبة لمتطلبات الواقع المتغير عندئذ يصبح التفسير أمر بدون شك، وعندئذ وهذه تقريباً هي النقطة الأساسية فيما يعاني منه كل المجتمعات العربية الإسلامية تعاني منه جل المجتمعات الإسلامية، هناك نوع من الفصام بين وعيها الديني ووعيها التاريخي، كيف يمكن أن نربط بين الوعيين؟ بين وعينا الديني يعني بين انتمائنا إلى مفاهيم ورؤى أساسية في النص القرآني وبين مقتضيات التاريخ وحاجياته، إذا لم يحصل رأب لهذا الصدع فبطبيعة الحال التفاسير لن تكون إلا إعادة وتكرار، بينما ظهور تفاسير جديدة بهذا المعنى بمعنى هذا الرأب هو مطلوب كل مجتمعاتنا العربية الإسلامية في نهوضها الضروري.

عثمان عثمان: في ختام هذه الحلقة أشكركم فضيلة الدكتور احميدة النيفر الأستاذ في جامعة الزيتونة على هذه الإفاضة الطيبة، كما أشكركم مشاهدينا الكرام على حسن المتابعة، لكم تحيات معد البرنامج معتز الخطيب والمخرج منصور الطلافيح وسائر فريق العمل، وهذا عثمان عثمان يستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.