
الحرية ومقاومة الاستبداد
– مفهوم الحرية في الإسلام
– تغييب المضمون التحرري للدين لصالح فقه الطاعة والخضوع
– الإسلاميون وحقيقة مصادرتهم للحريات
– إحياء فقه إنكار المنكر في الشأن العام والسياسة
– الثورات العربية.. أعظم الجهاد
![]() |
![]() |
عثمان عثمان: مشاهدينا الكرام السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أهلاً ومرحباً بكم من العاصمة التونسية في حلقة جديدة من برنامج الشريعة والحياة، أتاحت الثورة العربية لمفهوم الحرية أن يتمثل عملياً ولو جزئياً هنا وهناك ولكن المؤكد أن الاستبداد بدأ يشهد انحساراً واضحاً لبعض مظاهره على الأقل، وهو ما يفرض علينا تجديد الحديث باستمرار عن الحرية وضروراتها بوصفها مقصدا من مقاصد الشريعة لتعميق الوعي بها ونشر ثقافتها بعد عقود من التغييب والتهميش والتنكيل وإشاعة خطاب الطاعة من قبل فقهاء السلطة ووعاظها، فكيف تم تغيير المضمون التحرري للدين لصالح فقه الطاعة والخضوع؟ وهل يدخل طلب الحرية في مفهوم الجهاد؟ وما العلاقة بين الحرية والاستقرار وبين الحرية والمقاومة؟ الحرية وضروراتها موضوع حلقة اليوم من برنامج الشريعة والحياة مع فضيلة الشيخ راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة والمفكر الإسلامي المعروف، مرحباً بكم فضيلة الشيخ.
راشد الغنوشي: أهلاً بك.
مفهوم الحرية في الإسلام
عثمان عثمان: هناك تضليل وتشويش الآن على مفهوم الحرية بعض أزلام السلطة الاستبدادية يعتبرون أن هذا المفهوم هو مفهوم غامض بداية ما المقصود بالحرية؟
راشد الغنوشي: بسم الله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن دعا بدعوته واهتدى بهديه إلى يوم الدين، أخي عثمان أحييك وأحيي مشاهديك السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ونرحب بك في تونس لأول مرة وهذه ثمرة من ثمار ثورة الحرية في تونس أن شهدنا برنامج الشريعة والحياة يزور تونس ويجري فيها برنامج، فيما يتعلق بمفهوم الحرية هذا مفهوم واسع جداً وليس هنالك حد هو التعريف هو الحد بما يناقض مفهوم الحرية فتحديد الحرية يتناقض معه، ولكن على كل حال هناك مفاهيم كثيرة للحرية تدور حول مدى قدرة الإنسان، مدى ما يتمتع به الإنسان من اختيار، هل أفعال الإنسان فعلاً أفعال هو مختار فيها وتعبر عن إرادته وعن قناعته؟ أم أن الإنسان مجبر وتفرض عليه كثير من الإكراهات؟ طرح على كل حال موضوع الحرية في تاريخنا من باب حرية الإنسان في الاختيار إزاء خالقه إلى أي مدى الإنسان هو حر في أفعاله ولا شك أن هذا البحث سال فيه حبر كثير وضاعت فيه أوقات طويلة لأنه الثابت أن قيمة الحرية قيمة أساسية في الإسلام وأنه بلا حرية لا تكليف، كل تكليف هو بشرط الحرية ولذلك النبي عليه الصلاة والسلام قال: {رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه{.
عثمان عثمان: تونس فضيلة الشيخ كانت باكورة الثورات العربية والربيع العربي كيف تقومون الآن مطلب الحرية الذي تحول إلى مطلب شعبي عام، هل ثمة غموض لدى الشعوب تجاه مفهوم الحرية؟
راشد الغنوشي: هنالك حد أدنى على الأقل ومحل اتفاق، فالناس إذ يرفعون شعار الحرية في مواجهة من؟ في مواجهة من يجور عليهم، في مواجهة الحاكم المستبد، في مواجهة من يمارس على أرزاقهم النهب، ومن يعتدي على كرامتهم، من يهينهم فثورة الحرية بالحقيقة هي ثورة الكرامة هي ثورة اقتصادية هي ثورة سياسية ضد الاستبداد فالناس لا يتحدثون عن الحرية بالمعنى الفلسفي والمعنى الديني المطلق وإنما يتحدثون عن الحرية في مواجهة ما يكبل إرادتهم من حاكم طاغي من نهابي لأرزاقهم، من معتدي على كرامتهم، فالحرية في مواجهة الاستبداد بكل أنواعه الاستبداد السياسي والاقتصادي والثقافي والإعلامي وبالتالي هذه ثوراتنا هي هنا ثورات الحرية بكل معانيها وليست بمعنى واحد في مواجهة حاكم مستبد لاستبدال مستبد آخر وإنما لفك منظومة الاستبداد، الاستبداد هو منظومة كاملة فيها الحاكم المستبد وأدواته الشرطة وأدوات القمع وفيها الإعلامي الذي يزين له مثلما كان يفعل سحرة فرعون مع فرعون فخيل إليه من سحرهم أنها تسعى، {يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى [طه: 66] هذا تخييل ما يمارسه الإعلاميون والمعذرة نحن في وسيلة إعلام لها شرعية في الثورة كبيرة ولها فضل كبير على كل هذه الثورات لأنها واكبتها وحرضت على المستبدين ولكن الإعلام هو جزء من منظومة الاستبداد، الاقتصاد جزء من منظومة الاستبداد لأنك لكي تسيطر على الناس تسيطر على أرزاقهم، الاستبداد يحتاج إلى ثقافة توهم العزائم وتحقر الإنسان وتجعل الإنسان كلاً عاجزاً.
عثمان عثمان: ولذلك أنتم أنهيتم كتابكم عن الحريات بأن الاستبداد منبع العنف والشر.
راشد الغنوشي: أي نعم.
عثمان عثمان: فضيلة الدكتور هناك أيضاً الفكر القومي العربي كان يعتبر الحرية رفحاً من الزمن يعتبرها نوع من الترف، الفكر الإسلامي اشتغل أيضاً بحماية الهوية الإسلامية من الغزو الغربي المحافظة على هذه الهوية الإسلامية الآن مطلب الحرية أصبح للجميع للإسلاميين للقوميين للعلمانيين لعامة الناس من الذي تغير الآن؟
راشد الغنوشي: وكذلك ينبغي أن يكون مطلب الحرية مرتبط بالإنسان لا قيمة للإنسان بدون حرية، هذا الإنسان الذي كرمه الله سبحانه وتعالى بماذا كرمه؟ كرمه بالعقل، كرمه بالحرية أرسل إليه رسلاً وكل ذلك مرتبط بالحرية، فمسلوب الحرية لا دين له ولذلك ربنا قال: }لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ{ [البقرة: 256] }فأنت تكره الناس حتى يؤمنوا{ [يونس: 99] لأنه مع الإكراه مع الاستبداد لا يعيش الدين، الدين إنما يزدهر في ظل الحرية ولذلك رأينا في الديمقراطيات الغربية رغم ما فيها من الفساد رأينا الإسلام يزهو ويزدهر، بينما في ظل الشيوعية وفي ظل أنظمة الاستبدادات حتى التي تتمسح بالإسلام رأينا الإسلام يذوى ورأينا مسلمين يهاجرون من بلاد الإسلام إلى خارج بلاد الإسلام يطلبون الحرية لأن الإسلام هو في جوهره كما عرفه أكثر من مفكر إسلامي منهم أبو العلي الموجودي، سيد قطب أنه ثورة تحررية شاملة، ثورة في العقيدة تحرر الإنسان من كل عبودية إلا لله سبحانه وتعالى وأن يتحرروا من غرائزه الإسلام يحرره الإنسان من الوثنية، يحرره من الشهوات أن يكون عبداً للدرهم عبداً للدينار، عبداً لشهواته وغرائزه فهذه الحرية النفسية، الحرية الروحية والحرية الاجتماعية وفي العبادات وفي الحقيقة كلها تمرينات على الحرية لأنه هذا الذي يقوم في صلاة الصبح عندما يسمع الآذان ويكون النوم قد حلا ومع ذلك يتمرد على النوم في الحقيقة هو يمارس عملاً من أعمال قوة الإرادة واكتساب الإرادة، هذا الذي يصوم في رمضان يوماَ طويلاً في الصيف ثم ترى العائلة متحلقة حول المائدة قبل المغرب بقليل تتنظر الإذن الإلهي هذا مشهد من مشاهد الحرية في الحقيقة، لأنه في عالم الحيوان لا نجد مثل هذا المشهد، عالم الحيوان السلوك محكوم بالغريزة فإذا كان الحيوان جائعا وكان هنالك غذاء فالغريزة يقع تلبيتها مباشرةً، بينما بين المثير وبين الغريزة الشهوة هنالك شيء اسمه الإرادة ولذلك مشاهد العبادة في الإسلام، الزكاة هي مشهد من مشاهد التحرر تحرر الغني من حب المال واكتساب المال وتحرر الفقير الطرف الآخر أيضاً تحرره من حاجته وتعيد التوازن في المجتمع، الحج هو نفسه تمرين في الحقيقة على الحرية لأن هذا الذي يخرج من فراشه من بيته ومن أهله ويذهب يعيش نصف شهر يعيش مدة وهو خارج ما هو معتاد وهو في توجه كامل لله سبحانه وتعالى وقد ترك وراءه كل شؤونه الدنيوية هذا يمارس عملاً تحررياً، كل عبادات الإسلام في الحقيقة هي تمارين على الحرية يتوجه بها إلى الله سبحانه وتعالى ولكن انعكاسها على حياة الإنسان أن يمتلك الإنسان إرادته وهذا أهم تعريف للحرية هو امتلاك الإرادة..
عثمان عثمان: امتلاك الإرادة فضيلة الشيخ..
راشد الغنوشي: امتلاك الإرادة بمعنى إنه تصبح عندك فرامل تستطيع أن تقول لا ولذلك شهادة الإسلام تبدأ بهذا الفعل الإرادي لا، لا إله إلا الله، فالحرية هي أن تمتلك إرادتك أن تقول نعم وأن تقول لا أن تكون قادراً على أن تقرر في شأنك مهما كانت الضغوط إلي من حولك.
عثمان عثمان: ولكن البعض يربط بين هذه اللا الحرية وبين الفوضى والتخريب وكأن الحرية نقيض الاستقرار؟
راشد الغنوشي: هذه حجة الطغاة بالاستمرار، حجة الطغاة يتهمون الأحرار بأنهم يهددون الاستقرار، نحن لا شك لسنا مع الفوضوية، الإسلام هو نظام، الإسلام هو نظام شامل للحياة فيبدأ مع الإنسان منذ أول لحظة في عمره فيؤذن في أذن الطفل الصغير يؤذن في أذنه اليمنى وتقام الصلاة في أذنه اليسرى بحيث مسيرة التربية الإسلامية منهج التحرير، منهج التحرر الإسلامي يبدأ مع الطفل منذ أول لحظة في حياته ويستمر معه يحرره من الضغوط التي حوله ويجعله سيداً لنفسه، والحقيقة العبادة لله هي أسمى طريق لتحرير الإنسان ولذلك بقدر ما تزيد عبوديتنا لله بقدر ما نمتلك إرادتنا أكثر ولذلك أعظم المجاهدين وأشجع المجاهدين هم أعظم العباد، لماذا؟ لأنه هذا الجندي الذي تدرب في مدرسة الإسلام على الحرية يعتقد أن الموت والحياة بيد الله سبحانه وتعالى وليس بيد عدوه، يعتقد أن الرزق بيد الله سبحانه وتعالى وليس بيد عدوه ولذلك يقدم على الموت بقلب ثابت كما يقدم على طلب الرزق أيضاً مطمئناً ربنا سبحانه وتعالى أمره بأن يطلب الرزق }فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ{ [الملك:15] ولكن لا بد أن يتخذ الأسباب وهو معتقد أن حاجته يستطيع أن يحققها من خلال كسبه الذي وعده الله سبحانه وتعالى به.
عثمان عثمان: هناك أيضاً من يتخذ ذريعة بمواجهة الثورات العربية التي انطلقت مطالبة بالحرية بأن المطالبة بالحرية هي ضد الممانعة والمقاومة، وهذا ما نشهده الآن في الثورة السورية هل هناك من تناقض بين طلب الحرية وبين أن يكون هناك مقاومة وممانعة؟
راشد الغنوشي: على كل حال الدين كثيراً ما استُخدِم للأسف كما كان طريقاً للتحرر وكان طريقاً أخرج العرب من حياة مهينة وبدائية إلى أن تبوؤوا قيادة العالم }كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ{ [آل عمران: 110] أصبحوا خير أمة أخرجت للناس وهذا القرآن جعل منهم خير أمة أخرجت للناس، نفس هذا السلاح استخدم في فترات طويلة من أجل سلب المسلمين حرياتهم واستعباد المسلمين باسم الدين، مثلاً الذين أفتوا بأن المظاهرات بأن المسيرات لا أساس لها في الدين وأنها حرام، هؤلاء فقهاء السلطان في الحقيقة، هؤلاء يشتغلون في كنف السلطان الذين يمنعون الشعوب من أن تجاهد من أجل انتزاع حرياتها هم في الحقيقة يفتئتون على الإسلام هم في الحقيقة يسلبون الإسلام أهم مقاصده ومن أهم مقاصد الإسلام هو الحرية، ربنا سبحانه وتعالى حدد مهمة النبي صلى الله عليه وسلم في سورة الأعراف }يُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ{ [الأعراف:157] فالأنبياء جاءوا ثواراً في الحقيقة لم يكسروا الأصنام فقط وإنما كسروا الأغلال التي كانت تكبل الشعوب ولذلك لا عجب أن كانت الحرب أبدية بين الأنبياء وبين الطغاة والجبارين، لا عجب أن كانت الحرب أبدية بين الدعاة وبين الطغاة لأن الطغاة بلسان فرعون: }ما أريكم إلا ما أرى{ [هود:97] }أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى} [النازعات:24 ] هذا صوت كل طاغي، صوت كل نبي أن الناس خلقهم الله سبحانه وتعالى أحراراً كما قال سيدنا عمر: ( متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً).
تغييب المضمون التحرري للدين لصالح فقه الطاعة والخضوع
عثمان عثمان: ولكن فضيلة الدكتور هناك من يتهم بعض العلماء بأنهم كانوا يسوقون لذلك الاستبداد الذي كان سائداً في تلك العصور من خلال ما يسمى بفقه الطاعة والخضوع؟
راشد الغنوشي: في الحقيقة الإسلام جاء ثورة بمعنى العقدي والأخلاقي وجاء ثورة سياسية أيضاً على الحكام المتألهين أن هذا التأله أن نظام الاستبداد يتناقض مع العقيدة لأنه يجعل من الحاكم إلهاً والنموذج هذا الذي حاربه القرآن ورماه بكل سهم هو النموذج الفرعوني، مقابل هذا النموذج الفرعوني النموذج النبوي النموذج الراشدي الذي يجعل السلطة للأمة في إطار قيم الإسلام، هذا النموذج كان في الحقيقة غريباً عن الثقافة السائدة في العالم، الثقافة السياسية إلي كانت سائدة في العالم ثقافة تؤله الملوك ولذلك لما وقع بتعبير ابن خلدون انقلاب الحكم إلى ملك عبوس بالتعبير النبوي أصبح جيل الصحابة ممن تبقى على قيد الحياة كان واضحاً أمامه أن هذا النموذج الأموي وبعده العباسي أن هذه النماذج ليست هي النماذج الأولى، ليس هذا هو المثال الإسلامي ولذلك كبار الصحابة والتابعون قاموا بأكثر من ثورة على هذا النموذج وكانوا مقابل النموذج الكسروي والروماني كان النموذج الإسلامي الذين عاشوا في الجيل الأول رأوا أن هذا النموذج الكسروي الذي انتقل إليه الحكم هو خليط بين الإسلام وبين النماذج الرومانية والنماذج الكسروية ولذلك قامت عدة ثورات: ثورة الأشعث وغيرها من الثورات التي أزهقت فيها آلاف من أرواح العلماء على أمل استعادة النموذج الراشدي، ولكن الثقافة السائدة في العالم تغلبت بل إن الإدارة الكسروية في الحقيقة هي التي أصبحت تمسك بالإدارة العباسية باعتبار أن العرب لم يكن عندهم إدارة لم يكن عندهم تقاليد إدارية فاستعانوا بإدارة الإمبراطورية الكسروية والرومانية، وأدب الكتاب ابن المقفع هؤلاء في الحقيقة حاولوا أن يرسخوا النموذج الكسروي وأن يبرؤوه بالإسلام وهؤلاء هم الذين استولوا على الإدارة، وهذا على كل حال درس بالنسبة لثوراتنا اليوم أن تحذر من الإدارة إدارة الاستبداد في مصر وإدارة الاستبداد في تونس، هذه الإدارة ما تزال قائمة وثقافتها قائمة على الطاعة المطلقة للحاكم وعلى مشاركته في المغانم ولذلك الحذر دائماً على الثورات التحررية من الإدارات السابقة، في كثير من الأحيان الإدارات السابقة هي التي تطيح بالنظام الجديد في النهاية بطبعها ولذلك نحتاج باستمرار إلى تجديد الثورة وإلى الوعي بأن لكل ثورة ثورة مضادة، النظام القديم ما ماتش النظام القديم يكمن فترة ثم سرعان ما يعود بثقافته وبتقاليدهـ والعلماء إذن الذين ألفوا في السياسة الشرعية ونلاحظ أن التأليفات في السياسة الشرعية قليلة بالقياس إلى فقه المعاملات وفقه العبادات وعلم الكلام لأن هذه الثقافة الحديث فيها عنده تكاليف لأنك تتحدث عن سلطات الملوك وتسعى إلى تقديم نموذج يحد من سلطاتهم ولذلك نرى أن التأليف في هذا المجال قليلة التأليف في السياسة الشرعية في نظام الحكم بالقياس لألوان الفقه الأخرى وحتى كثير ممن تحدث في هذا الفقه ما يسمى تحت مسمى أدب الملوك في الحقيقة ترجموا تأثروا بالثقافة الكسروية والرومانية السائدة وأعطوها صبغة إسلامية بنوع من التبرير للفرعونية أو بنوع من المزاوجة.
عثمان عثمان: في الواقع الآن فضيلة الشيخ هناك فزاعة يرفعها بعض الناس، بعض المتضررين من الثوران العربي في وجه وصول الإسلاميين إلى السلطة يقولون بأن الإسلاميين إذا وصلوا إلى السلطة لن يكونوا أحسن حالاً من الأنظمة الاستبدادية التي ذهبت، يخافون من الإسلاميين أن يصادروا الحريات، أن يقمعوا الأقليات الفكرية السياسية الدينية، هل ترون أن مثل هذا التخوف مبرر؟ هل من ضمانات يقدمها الإسلاميون لإطفاء خوف هؤلاء؟ أسمع الإجابة إن شاء الله بعد أن نذهب إلى فاصل قصير، فابقوا معنا مشاهدينا الكرام نعود إليكم بإذن الله بعد الفاصل.
[فاصل إعلاني]
الإسلاميون وحقيقة مصادرتهم للحريات
عثمان عثمان: أهلاً وسهلاً بكم مشاهدينا الكرام من جديد إلى حلقة هذا الأسبوع من برنامج الشريعة والحياة والتي هي بعنوان الحرية وضروراتها مع المفكر الإسلامي المعروف فضيلة الشيخ راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة التونسية، فضيلة الشيخ هل من مبرر بخوف البعض وصول الإسلاميين إلى السلطة، إلى سدة الرئاسة وسدة الحكم من أن يمارسوا ديكتاتورية بحق الأقليات الدينية الثقافية وحتى السياسية؟
راشد الغنوشي: إذا استبعدنا فكرة انطلاق هذا التخوف من انتهازية سياسية ومن معارضة سياسية، من الثورة المضادة يعني أنصار الاستبداد الذين ما زالوا في مواقعهم اليوم في الإعلام إذا كان هذا التخوف يصدر من هؤلاء، فهؤلاء ليس عندهم ما ينافسون به أو يقدمونه بديلاً، هؤلاء مورطون في الحقيقة في الاستبداد ولا حق لهم أن يتكلموا هذا الكلام، إذا صدر هذا عن منافسة سياسية أو معارضة سياسية وإذا كنت تقول صدر عن أبناء الثورة وحراس الثورة فهم محقون وينبغي أن يظل هؤلاء يقظين باستمرار لأن عوامل الاستبداد دائماً تتوفر، دواعي استبداد النفس البشرية تميل إلى التغول تميل إلى الجور وبالتالي لا بد من ضمان الحرية ليس هو ما يقدمه الحاكم ما يقول لنا: أتعهد بأن أحترم القانون، كل حاكم في الحقيقة السلطة بطبيعتها تميل إلى التغول وإلى التوسع.
عثمان عثمان: إذن الناس يجب أن يبقوا ساهرين على مطلب الحرية.
راشد الغنوشي: ينبغي أن يظلوا ساهرين هؤلاء الذين أنجزوا هذه الثورات وقدموا الدماء والشهداء والتضحيات، ينبغي أن يظلوا حراساً لثورتهم يحرسونها من كل نزوعات الاستبداد، ولذلك أمر مشروع أن تظل الأعين يقظة لأنه نحن عندنا عهدنا بالاستبداد ليس بعيد ثقافة الاستبداد لا تزال قائمة وراسخة في الثقافة مش بس في الثقافة الإسلامية، في الثقافة عامة، في الثقافة السائدة بمجتمعاتنا علمانية وإسلامية فيها أقدار من الاستبداد غير قليلة وبالتالي عهدنا بالاستبداد مش بعيد والثورات المضادة ما تزال تشتغل، وعندها أدوات وآمال وأعوان من أجل أن يستعيدوا ما فقدوا وبالتالي ينبغي للنواطير أن لا تنام.
عثمان عثمان: لكن الشريعة بطبيعة الحال قدمت ضمانات لحماية الحريات وتقييد سلطة الاستبداد ما هي أبرز هذه الضمانات التي تقدمها الشريعة؟
راشد الغنوشي: الشريعة تقدم ضمانات كثيرة يعني مزيج مركب كامل لا يعتمد على نقطة واحدة بدءا بالعقيدة، فعقيدة التوحيد تمنع من الاستبداد لأن الله سبحانه وتعالى هو الحاكم الأعلى ولأن كل إنسان مكشوف أمام خالقه وأنه مراقب من الله وأنه سيحاسب أمام الله سبحانه وتعالى، مهما خدع الحاكم الناس ومهما استطاع أن يكذب ويزيف فهناك محكمة إلهية سيقف أمامها، بل نقمة الله ستحل به في الدنيا قبل الآخرة، والذي يقرأ القرآن ويقرأ ما حصل قصة فرعون ونكال الله به النكال الإلهي الذي حل به يدرك بأنه ليس آمناً من غضب الله، فهنالك تربية وهنالك عقيدة وهنالك عبادات هنالك تربية كلها تربي المسلم على الخوف من الظلم لأن دعوة المظلوم وحتى إن يكن كافراً ليس بينها وبين الله حجاب، هذا الحاكم سيسأل عن هذه الأموال التي تصرف فيها عن القرارات التي يتخذها، هل هذا وحده يكفي؟ الدليل تاريخياً هذا ما كفاش، ولكن لا ينبغي أن نهمل هذا العامل الفكري الثقافي العقدي لأن الضامن من الاستبداد لا ينبغي أن يظل الشرطي فقط، ما دام الشرطي يحرس المرور فالناس سيتوقفون عند الضوء الأحمر، إذ غاب الشرطي يجتاز الناس الضوء الأحمر، عندما يكون التوقف عند الضوء الأحمر يعتقده المسلم أن تلك مصلحة شرعية وبالتالي فخرق الضوء الأحمر هو معصية بهذا المعنى إذن حتى لو كان الساعة واحدة بالليل سيتوقف وينتظر الضوء الأحمر، لا يظلم غيره إذا شعر بأنه بمأمن من الرقيب الشرطي، لكن هل هذا يكفي؟ هذا مهم جداً وضروري أن نثقف الناس وإذا كانت الثقافة المدنية في الغرب وفرت احترام القانون، فثقافتنا احترام القانون نحن في ثقافتنا يأتي من استناده إلى الدين إلى الشرع فإذا غاب الشرع وهذا هو الملاحظ فإذا غابت التربية الدينية أصبح الضامن الوحيد لاحترام القانون هو وجود الحاكم هو وجود الشرطي هو العقوبة وهذه لا تجدي، ولكن هل التربية وحدها تكفي؟ لا تكفي نحتاج إلى أن يكون هناك قانون، والشريعة هي ضامن آخر والشريعة معناها علو سلطة القانون أن الحاكم لا يصنع القانون وفي الدولة الإسلامية الحاكم ما يصنعش القانون، ما يصنعش القانون الحاكم ينفذ القانون، هناك فصل بين السلطات، السلطة التنفيذية التي يشرف عليها الحاكم والسلطة التشريعية التي تمثل الناس وتشرع لهم في إطار مبادئ الإسلام وقيم الإسلام، ما دمنا نتحدث عن مجتمع إسلامي ودولة إسلامية وهناك سلطة قضائية أيضاً مستقلة وينبغي أن تتوفر لها سلطة الاستقلال وهناك سلطة أخرى رابعة السلطة الإعلامية وينبغي أن تكون يقظة أيضاً نحن الآن الحكومة في تونس والأحزاب الحاكمة تشعر بأنها مضطهدة من قبل الإعلام الجانب الإيجابي الوحيد، معنى ذلك أنه هناك ثورة نقلت الإعلام من كونه يسبح بحمد الحاكم صباحاً مساءً إلى كونه ينتقد الحاكم صباحاً مساءً ثمة جانب إيجابي على كل حال في الموضوع، أن هناك ثورة في البلاد نقلت هذه السلطة من موقع إلى موقع آخر مضاد.
عثمان عثمان: هنا يتساءل البعض الآن تغير الوضع، الإسلاميون كانوا مضطهدين بسبب غياب الحريات الآن أصبحتم في السلطة في تونس وفي مصر وفي غيرها ربما على الطريق، كيف سيتعامل الإسلاميون مع ملف الحريات العامة ومع الأقليات الدينية والفكرية والسياسية؟
راشد الغنوشي: جانب آخر من الحرية، الحرية لا بد لها من ضمانات اقتصادية أيضاً فهذا الجائع لا ضمان لحريته بأن لا يسرق ولذلك الإسلام لم يفرض العقوبة على من هو محتاج، ولذلك النبي صلى الله وعليه وسلم قال: }ادرؤوا الحدود بالشبهات{ فإذا سرق الإنسان لأنه جاع أو لأنه يريد أن يتداوى أو لأنه يريد أن يداوي زوجه أو يأخذ مسكن أي شبهة بحيث ما ينبغي أن يطلب تطبيق القانون، لا ينبغي أن يطلب تطبيق القانون إلا مِن مَن وفرنا له التربية الجيدة والتوعية الجيدة وفرنا له الأسرة وفرنا له الرزق، وفرنا له كل الظروف أن يكون إنساناً مستقيماً عندها نفكر في العقاب، بحيث الحرية إذن لا بد لها من أرضية..
عثمان عثمان: رقابة ذاتية، وسلطة قانون، تعامل الناس..
راشد الغنوشي: سلطة قانون..
عثمان عثمان: لسد متطلبات الحاجة.
راشد الغنوشي: قضاء مستقل، توفير حاجات الناس.
عثمان عثمان: كيف ستتعاملون مع ملف الحريات الدينية فضيلة الشيخ؟
راشد الغنوشي: لأن الحاجات هذه ضرورات والضرورات تبيح المحظورات، يستطيع الإنسان أن يسرق، أن يأخذ مال غيره إذا أصبح في خطر على حياته، بل يجب عليه أن يفعل ذلك حتى لو قاتل من أجل ذلك لأن من مقاصد الشريعة حفظ النفس وحفظ النفس يسبق حفظ المال فالذي يمنع جائعاً من الطعام هو معتدي، إذن نحن إذ نتحدث عن الحرية ينبغي أن نوفر الضمانات التي تجعل الإنسان حراً فعلاً الضمانات الفكرية والثقافية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية حتى نتحدث عن حرية مسؤولة، الحرية في الإسلام هي حرية مسؤولة، هي حرية تتوفر لها ضمانات وإلا فيصبح الحديث عن الحرية حديث أحلام، نطلب من الجائعين أن لا يسرقوا نطلب من الطغاة أن يعدلوا وكل ذلك غير ممكن إلا بتفكيك منظومة الاستبداد وإحلال منظومة فيها الثقافة وفيها الفكر فيها العقيدة، فيها الاقتصاد، فيها المؤسسات السياسية التي تعبر عن إرادة الشعب، فيها القضاء المستقل.
عثمان عثمان: نعم، هذا الملف أصبح واضحاً إلى حد كبير ولكن هناك الآن قضية مطروحة: شريحة من المجتمع التونسي تطالب بتطبيق الشريعة الإسلامية وهذا من حقها أن تختار وفق منظومة الحرية أن تختار النظام الذي يحكمها، كان لكم تصريح بأنكم لا تتبنون مثل هذا البند، كيف توضحون هذه الإشكالية خاصة وأن البعض يتهم حركة النهضة بأنها انقلبت على مبادئها، انقلبت على منطلقاتها وأفكارها.
راشد الغنوشي: يعني بعد ما شاب الإنسان يتهمونه بدينه، هذه الحركة نشأت بالإسلام ولخدمة الإسلام واضطهدت وهي في هذا الطريق ولا تزال تسعى وتكدح من أجل خدمة هذا الدين }قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي{ [الأنعام: 162] هكذا مفترض فينا وفي كل مسلم أن يمتثل هذه الآية في حياته }قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُ} [الأنعام: 162] نسأل الله أن نكون مندرجين تحت هذه الآية الكريمة، أما مسألة الشريعة وتطبيقها فالشريعة لم تغادر بلادنا، الشريعة منذ أكرم الله سبحانه وتعالى هذا البلد بالإسلام لم تخرج الشريعة لأن الشريعة هي العقيدة والشريعة هي أركان الإسلام شعائر الإسلام، هي الأخلاق الإسلامية، هي المقاصد الإسلامية العليا: حفظ الدين وحفظ النفس وحفظ العقل وحفظ النسب وحفظ المال، فللشريعة مقاصد؛ صحيح أن بلادنا وقعت في إخلالات كثيرة ومنذ زمن لأنه الشريعة نزلت متدرجة وطبقت متدرجة وارتفع تطبيقها أيضاً متدرجاً وعودتها ستعود أيضاً متدرجة ضمن سنن الزمان والمكان ضمن ما يطيق الواقع، فالشريعة لم تغادر أرضنا هي لا تزال في تونس، هناك إخلالات كثيرة وهذه الإخلالات الكثيرة تعالج عن طريق التوعية وعن طريق اكتساب الرأي العام ثقافة تجعله يطالب بسد هذه الإخلال والطريق الوحيد هو نشر هذا الوعي، وهذا الوعي في النهاية من خلال التدافع بين الناس تعبر عنه المؤسسات التشريعية لأن المؤسسة التشريعية الوحيدة هي التي تمثل الشعب، فإذا سادت في الشعب ثقافة معينة يطالب بتطبيق معين في النهاية المؤسسات الديمقراطية المنتخبة الشورية المنتخبة ستعبر عن ذلك، إذن نحن حتى الدولة التونسية الحديثة على ما شابها من أخلال وما شابها من مظالم ومع ذلك ظل الإسلام في الدستور أول بند من بنود الدستور التونسي "أن الدولة لغة هذه الدولة ليست علمانية وإنما دولة حرة مستقلة لغتها العربية ودينها الإسلام"، فنحن في دولة لها دين، صحيح أن هذا الدين لم يحترم في كثير من الأحيان ولكن هذا النص التشريعي هو محل تسليم بين كل التيارات السياسية في تونس، وأنت تعلم أخي عثمان أن الدساتير إنما تُبنى على ما هو مشترك بين الناس فإذا كانت كل المنظومة السياسية في تونس تلتقي حول هذه الأرضية حول هوية الدولة التونسية أنها عربية إسلامية، بينما قطاع من التونسيين من المثقفين من النخبة متوجس من موضوع الشريعة بسبب التطبيقات السيئة للشريعة، نحن نؤمن بالشريعة ونؤمن أن الشريعة عدل كلها ورحمة كلها ولك شاب تطبيق الشريعة شابته كثير من المفاسد من تضييق على حرية النساء وحرية التفكير وحرية الإعلام وحرية الفنون الجميلة كما حصل في أكثر من بلد إسلامي للأسف فهناك قطاع من الناس قابل للإسلام ويرى أن الإسلام أرضية مشتركة بينما هو متوجس من الشريعة فلماذا؟
عثمان عثمان: إذن هناك من يطالب بتطبيق الشريعة وهناك من يخاف من هذا التطبيق؟
راشد الغنوشي: أي نعم.
إحياء فقه إنكار المنكر في الشأن العام والسياسة
عثمان عثمان: تحدثتم أنه يجب أن تبقى الأعين ساهرة على المحافظة على هذه المنجزات والمكتسبات التي حققتها الثورات العربية وخاصة في تونس.
راشد الغنوشي: نعم.
عثمان عثمان: ما أهمية إحياء فقه إنكار المنكر في الشأن العام وفي السياسة؟
راشد الغنوشي: إذن وأنا أختم موضوع الشريعة قلت الشريعة، القانون التونسي على ما شابته من أخلال لا يزال معظمه كما يؤكد الدارسون لا يزال معظمه مستمداً من البند الأول من الدستور "أن هذه دولةٌ إسلامية" وبالتالي فنحن لسنا بصدد أسلمة تونس، تونس مسلمة وإنما بصدد إصلاح إخلال والإخلال في الحقيقة التي حصلت جانب منها يتعلق بالدين وجانب منها يتعلق بمنطق الفكر الإسلامي لم يوليه الأهمية الكافية منطقة الحكم ولذلك تمتع الحكام عبر التاريخ الإسلامي لأنه هذه المنطقة ظلت فارغة من الفقه، تمتعوا بالصفة الإسلامية رغم أنهم مستبدون ونهبونا للأموال وفي كثير من الأحيان باعوا استقلال بلداننا ولكنهم مع ذلك ظلوا يتمتعون بالصفة الإسلامية ما دام الآذان يرتفع في المساجد وما دام القانون الإسلامي مطبق في معاملة الناس، إنما يتعلق بحريات الناس، بحقوق الناس السياسية والاقتصادية فهذه المنطقة ظلت منطقة فارغة من الفقه أتاح ذلك للحكام أن يفعلوا الأفاعيل بما في ذلك الحجاج بن يوسف وأن يعتبر نفسه مسلماً بعد أن قتل 30 ألف..
عثمان عثمان: نعم.
راشد الغنوشي: في الحقيقة إذن هناك جانب من الشريعة لا يزال غامضاً، نحتاج فيه إلى تجلية حقيقية حتى يرى الناس بوضوح أن الشريعة هي عدل الله في الأرض ولذلك عندما سألني أحداً تطبقوا الشريعة؟ قلت له: نطبقه نحن برنامج النهضة قلت له: برنامج النهضة الذي خوُّل الناس أعطوها ثقة على أساسه هذا البرنامج هو ما نفهمه من الشريعة.
عثمان عثمان: نعم إحياء فكرة إنكار المنكر في مسائل الشأن العام ما أهميته؟
راشد الغنوشي: مهم جداً لأنه هذه الأمة خيرتها ميزتها هي هذه }كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ{ تأمرون وتنهون، }تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ{ [آل عمران: 110] ولذلك المسلم لا ينبغي أن يكون لا مباليا المسلم ينبغي أن يكون إيجابياً في هذا الكون، فاعلاً، هو يعبد الله سبحانه وتعالى }الفعّال لما يريد{ والذي يعبد الفعّال لما يريد ما يليق به أن يكون متفرجاً في هذا العالم، الذي يليق به كمسلم أن يكون فاعلاً أن يكون عنصر تأثير في هذا العالم، نعم يتأثر بكل ما هو إيجابي في هذا العالم ولكنه أمام المظالم والمنكر ما ينبغي أن نتصوره فقط أن نحصره في الخمر وفي الزنا وما إلى ذلك هذه منكرات شنيعة ولكن هناك منكرات أشد منها شناعة وهو الاستبداد مصدر كل البلاء في الأمة هو حكم الاستبداد، والذين يظنون أن الإسلام بخير ما دامت المساجد تشتغل يظنون أن الإسلام بخير في ظل الاستبداد هم واهمون لأن الاستبداد لا يزال بهم حتى يجردهم من حتى هذه العبادات الخاصة كالصلاة والزكاة لأن الإسلام لا يتعايش مع الاستبداد طويلاً لأنهما نقيضان، الاستبداد هو اتخاذ الحاكم نفسه رباً بديلاً عن الله سبحانه وتعالى هو التصرف في أموال الناس وفي مصائرهم بغير حق، الذين ظنوا مثلاً أنهم يمكن أن يحرروا أوطاننا أن يحرروا فلسطين وهم حكام مستبدون أوهمونا بهذا وفي النهاية لا استعدنا حقوقنا ولا حررنا فلسطين، لا أمل يُرتجى من أي استبداد سواء كان وأسوأ الاستبداد ما كان باسم الشعارات الجميلة كتحرير فلسطين والوحدة العربية أو حتى باسم الإسلام.
الثورات العربية.. أعظم الجهاد
عثمان عثمان: ما زال البعض يرفع هذه الراية حتى الآن مواجهة هذا الاستبداد هذا الطغيان هل يعتبر جهاداً انطلاقا من قول النبي عليه الصلاة والسلام: }أفضل الجهاد كلمة حق عند السلطان الجائر{؟
راشد الغنوشي: وهل من قول بعد قول النبي صلى الله عليه وسلم؟ يقول هذا أفضل الجهاد..
عثمان عثمان: هذه الثورات العربية تعتبر جهاداً؟
راشد الغنوشي: هذا مش جهاد، هذا أفضل الجهاد، أفضل الجهاد هو أن تطيح بهؤلاء الطغاة الذين أذلوا أمتنا وقسموها وجعلوا أموالنا نهباً تُنهب في العالم وتغتني بها الأمم الأخرى بينما في بلداننا في أمة الإسلام من يجوع ومن يعرى ومن لا يجد المستشفى، بينما أموالنا تبدد من طرف حكام يزعمون أنهم يطبقون الإسلام وأنهم على خير كثير ولذلك البداية في الإصلاح هو محاربة الاستبداد، ولا صلاح لأمتنا ولا تحرير لفلسطين ولا توحيد لأمتنا ولا نمو اقتصادي ما لم يثور الناس ما لم يعتقد الناس اعتقاداً جازماً بأن الاستبداد هو النقيض للدين من كل وجه، وأن الاستبداد هو نقيض للتقدم من كل وجه، وأن أمتنا لن تنال خيراً ما دام هذه الأنظمة الفاسدة التي لم يخترها أحد فرضت نفسها بالحديد والنار ما دامت قائمة.
عثمان عثمان: ولكن مواجهة هذا الاستبداد تسبب في سيل الكثير من الدماء.
راشد الغنوشي: وهل تظن أن مطلب الحرية مطلب رخيص! مطلب الحرية مطلب عظيم هو الجهاد في الإسلام إنما جاء من أجل الحرية في الحقيقة وحتى الفتوحات الإسلامية إنما جاءت من أجل إزاحة الطغاة وعرض الإسلام على الناس } لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْحَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ { [الأنفال: 42] }وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ{ [الكهف: 29] الجهاد نفسه لم يكن هدفه فرض الإسلام على الناس لأنه مبدأ لا إكراه في الدين هذا مبدأ قطعي تشهد عليه مئات من النصوص فأفضل الجهاد إذن هو إزاحة الطغاة والجبارين وتحرير إرادة الأمة }يُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ {[الأعراف: 157] رسالة الإسلام الأساسية هو تحرير البشرية من الطغيان، الطغيان السياسي والطغيان الاقتصادي والطغيان الإعلامي والطغيان الفكري لأن الله سبحانه وتعالى فطر الناس على الخير، فإذا تحرر الناس من الاستبداد وعرض عليهم الإسلام سيكونون سعداء به مرحبين.
عثمان عثمان: في ختام هذه الحلقة أشكركم فضيلة الشيخ راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة التونسية والمفكر الإسلامي المعروف، كما أشكركم مشاهدينا الكرام على حسن المتابعة، لكم تحيات معد البرنامج معتز الخطيب والمخرج منصور الطلافيح وهذا عثمان عثمان يترككم في أمان الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.